نبذة عن حياة الكاتب
المعاملات والبينات والعقوبات

الوديـعـة
الوديعة، لغةً، مأخوذة من وَدَعَ الشيء إذا سكن واستقر. وتطلق على الشيء المودَع لاستقراره، وعدم الانتفاع به. وهي من أسماء الأضداد تستعمل في إعطاء المال لحفظه. ومصدر أودَعَ: الإيداع وهو بمعنى الوديعة، أي أن الوديعة اسم للإيداع، وتطلق على العين المودعة[*].
أما الفقهاء، فقد تنوعت آراؤهم في تعريف الوديعة من حيث كونها مصدراً، أو من حيث معنى الإيداع.
- قال الشيعة الإمامية[*]: الوديعة هي أن يسلِّط إنسانٌ آخرَ على عين من ماله ليحفظها له. ويسمى المال وديعة، وبها سمي العقد، وصاحبُ المال: المودع. والحافظ: وديع.
- وقال الحنفية[*]: الوديعة بمعنى الإيداع هي أن يسلِّط شخص غيره على حفظ ماله صراحةً أو دلالة. أما الوديعة بمعنى الشيء المودع فهي ما تترك عند الأمين ليحفظها. والوديعة اسم لخصوص ما يترك عند الأمين بالإيجاب والقبول سواء كان القبول صريحاً أو دلالة.
- وقال المالكية[*]: للوديعة تعريفان:
- أحدهما: بمعنى الصدر، هو الإيداع وهو نوع خاص من أنواع التوكيل، لأنه توكيل على خصوص حفظ المال. أو أنها عبارة عن نقل مجرد حفظ الشيء المملوك الذي يصح نقله إلى الوديع بدون تصرف من هذا الأخير.
ثانيهما: بمعنى الشيء المودَع فهي عبارة عن شيء مملوك ينقل مجرد حفظه إلى المودَع.
- وقال الشافعية[*]: الوديعة بمعنى الإيداع هي العقد المقتضي لحفظ الشيء المودَع. والمراد بالعقد الصيغة المقتضية لطلب الحفظ. وتطلق شرعاً على العين المودَعة. وإطلاقها على العقد يكون ذا معنى شرعي فقط، أما إطلاقها على العين فهو شرعي ولغوي.
- وقال الحنبلية[*]: الوديعة بمعنى الإيداع توكيل في الحفظ تبرعاً. والاستيداع: وهو قبول الوديعة: توكل في الحفظ: فيشترط في المودع ما يشترط في الموكِل، ويشترط في الوديع ما يشترط في الوكيل، ويعتبر في الوديعة ما يعتبر في الوكالة.
مشروعية الوديعة: الوديعة من العقود المشروعة في الإسلام وذلك لقول الله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البَقَرَة: 283].
وقال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام): «لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم، وكثرة حجهم والمعروف، وطنطنتهم بالليل، انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة»[*].
ولذلك كانت الوديعة تستوجب الردّ إلى صاحبها عند طلبه. بل والوديع مأمورٌ بهذا الرد لقول الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النِّسَاء: 58]. فإن تأخر المودَع عندَهُ عن الردِّ بلا عذر كان غاصباً، ومعتدياً، مما يؤدي إلى فسخ العقد، وارتفاع الإذن والرضا بالطلب.
ولا فرق أن تكون الأمانة لمسلم أو غير مسلم، حتى لو كانت للحربي الذي يباح مالُهُ شرعاً، فواجب أن تُردَّ إليه أمانته، ولا تجوز خيانته أبداً، فإنَّ حكم الأمانة وجوب الأداء لأي إنسانٍ كانت. قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): «ثلاثة لا عذر فيها لأحد: أداء الأمانة إلى البر والفاجر، والوفاء بالعهد إلى البر والفاجر، وبرّ الوالدين برَّين كانا أو فاجرَين»[*]. وقال (عليه السلام): «ردُّوا الأمانة إلى أهلها، وإن كانوا مجوساً»[*]. وقال (عليه السلام): «إنّ ضاربَ عليٍّ بالسيف وقاتله لو ائتمنني، واستنصحني، واستشارني، وقبلت ذلك منه، لأديت له الأمانة»[*].
وهذه أحكام شرعية وليست أخلاقية فقط، وإلزامية لا استحبابية، لأن للأمانة حكماً خاصّاً وهو وجوب ردّ الوديعة، ولو كان المودِع كافراً، للنصوص الآمرة المتواترة بردّ الوديعة على صاحبها، بوصفها أمانة. وقد عمل الفقهاء بهذا الواجب، ولم يخرج أحدٌ منهم عن القول به. كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) يقول لشيعته: «عليكم بأداء الأمانة، فوالذي بعث محمداً بالحقِّ نبيّاً، لو أنَّ قاتِلَ أبي، الحسين بن عليٍّ (عليه السلام)، ائتمنني على السيف الذي قتله به لأدَّيتُه إليه[*]...
شـروطهـا:
اتفق الأئمة على أن الوديعة يقتضي لها أربعة أركان: الصيغة، العين المودعة، المودع والوديع.
وقد أجمعوا على أنها عقد جائز من الجانبين، فيجوز لكل منهما فسخه متى شاء. وهي تبطل بموت أو جنون أحد طرفي العقد، أو في حالة إغمائه وهو بحكم الجنون.
وهذه خلاصة المذاهب في شروط الوديعة.
- قال الشيعة الإمامية:
1 - يشترط في الصيغة الإيجاب من المودِع، والقبول من الوديع قولاً أو فعلاً. ولا يكفي مجرد طلب الإذن من المالك بحفظ المال، لكن لا بد من توافق إرادته مع إرادة الوديع على الحفظ حتى يتحقق العقد. وإذا لم يقبل الوديع لا بالقول ولا بالفعل فلا تتحقق الوديعة، وبالتالي فلا يلزم من وضعت لديه بحفظها وضمانها، لأن الأصل في مثل هذه الحالة عدم الضمان.
2 - أن يكون كل من الطرفين أهلاً للتصرفات المالية، فلو قبل البالغُ العاقلُ الوديعة من الصبي، أو المجنون، وقبضها فإنه يضمن باعتبار أن قبضَه يعتبر تعدياً، لأن الصبي والمجنون ليسا أهلاً للإذن، ولا للتعاقد، إلا إذا كان الصبي مميزاً، ومأذوناً في التصرف، فأودع بناء على الإذن المعطى له من الولي.
ولو خاف العاقل البالغ على الوديعة أن تهلك في يد الصبي أو المجنون، جاز له أخذها، من باب الحيطة، خوفاً من الهلاك، وتكون في يده على أساس أنها أمانة شرعية، إنما يشترط أن يردها إلى الولي، وليس إلى من أخذها من يده.
ولا تصح الوديعة عند الصبي أو المجنون لعلة عدم اكتمال طرفي العقد، باعتبار أن الوديعة من العقود، وهما ليسا أهلاً للتعاقد. ولذلك فإنهما لا يضمنان بالإهمال، لأن المودع عندها يكون هو السبب في إتلاف ماله، وسببه أقوى من تفريطهما في الوديعة.
3 - القبض: فإن الوديعة لا تتم إلاَّ به.
4 - قدرة الوديع على حفظ الوديعة.
5 - أن يحفظ الوديع العينَ المودعة بلا أجرة، وإلا كان حكمها حكم الإجارة.
- وقال الحنفية: للوديعة ركن واحد وهو الإيجاب والقبول، فالإيداع هو العقد. ويكون الإيجاب بالقول صراحةً أو كفاية، كما قد يكون بالفعل وذلك بأن يودع الشيء دون أن يقول شيئاً. وكذلك القبول من الوديع فإنه قد يكون صريحاً كقوله: قبلت، أو قد يكون دلالة عند وضع المتاع بين يديه.
أما إذا قال: لا أقبل الإيداع، وترك المالك الشيء ومضى، فأخذه وأدخله إلى منزله، فإنه يعتبر في مثل هذه الحال قابلاً، فيلزمه عدم التقصير في حفظه.
ومن شروط الوديعة عند الحنفية: أن يكون المال قابلاً لإثبات اليد عليه، فلا تصح وديعة الطير في الهواء. وأن يكون الوديع مكلفاً، فلا تصح الوديعة عند الصبي، وهو لا يضمن، لأنه ليس ملزماً بالحفظ.
- وقال المالكية: يشترط في المودع ما يشترط في الموكل، أي أن يكون بالغاً، عاقلاً ورشيداً. كما يشترط في الوديع ما يشترط في الوكيل. قال بعضهم: يكفي في الوكيل أن يكون مميزاً ولا يلزمه البلوغ. وقال آخرون: بل لا بد من البلوغ.
هذا فيما يتعلق بالوديعة إذا كان معناها مبنيّاً على أنها نوع من أنواع الوكالة.
أما معناها المبنيُّ على أنها مجرد نقل الالتزام بحفظ الشيء المودع فإنه يشترط فيها حاجة المودِع إلى الإيداع، والظن بالوديع حفظ الوديعة وصيانتها. ومتى تحقق ذلك في طرفي العقد جاز للصبي أن يودع ما يخاف تلفه عند من يظن لديه القدرة على الحفظ.
ويشترط أن يكون كل من المودع والوديع غير محجور عليهما.
أما بالنسبة إلى الصيغة فيمكن، أن تكون باللفظ، كما يصح العقد لمجرد الإيداع إلاَّ إذا رفض قبوله فلا يكون ضامناً.
- وقال الشافعية: يشترط في الصيغة أن يكون اللفظ صراحةً أو كنايةً ويصح أن يصدر اللفظ من أحدهما، فإذا قال الوديع: أودعني هذا المال ودفعه إليه صحت الوديعة. وكذلك إذا استلم الوديعة ولم يقل: قبلت، فإنها تجوز.
أما الوديعة فيشترط أن تكون شيئا له قيمة ولو كان نجساً مثل كلب الحراسة، أو كلب الصيد. أما ما ليس له قيمة فلا يصح أن يكون وديعة.
- وقال الحنبلية: يشترط في الوديعة ما يشترط في الوكالة من العقل والبلوغ والرشد.
أما الشيء المودع فيجب أن يكون مالاً معتبراً في نظر الشرع، فلا تصح وديعة الخمر، ولا الكلب الذي لا يصح اقتناؤه.
ضمان الوديعـة:
الأصل في الوديعة الإباحة، لأن الناس أحرار في حفظ أموالهم بأنفسهم أو بواسطة أمناء على حفظ المال. وقد تكون واجبة، كما لو خاف صاحب المال ضياعه فيما لو بقي عنده، ووجد من يحفظه له، فيجب عليه حينئذٍ إيداعه عند أمين، وعلى الأمين واجب القبول.
وإذا كانت الوديعة عقداً جائزاً إلاَّ أن واجب الوديع حفظها كما كانت تماماً، وضمانها في حال هلاكها أو فقدانها. وإذا اشترط المودع ضماناً على الوديع كان الشرط باطلاً، وإنما يضمن في حالة التقصير أو التفريط أو التعدي.
وهذه آراء الفقهاء حول ضمان الوديعة..
- قال الشيعة الإمامية:
1 - لا يضمن الوديع إلاَّ مع التفريط والتعدي. والتفريط أمر سلبي وهو ترك ما يجب من الحفظ، والتعدي أمر وجودي، وهو التصرف في الوديعة، كالثوب يلبسه، أو يعيره، والدابة يركبها، والنقود يصرفها أو يقرضها، وما إلى ذاك.
2 - وإذا أراد ظالمٌ أن يسلب الوديعة، واستطاع الوديع أن يدفعه عنها، دون أن يلحقه ضرر، وجب عليه ذلك، لأنه مقدمة لحفظ الأمانة وهو واجب، ومقدمة الواجب واجبة، فإن لم يفعل، وأخذ الظالم المال ضمنه الوديعُ باعتبار الإهمال والتقصير.
وإذا أمكن إرضاء الظالم بالبعض،كالنصف - مثلاً - وجب على الوديع أن يدفعه له، ليحفظ به النصف الآخر، فإن لم يفعل ضمن النصف، لا الجميع، لأن الإهمال والتقصير حصل بالنسبة إلى النصف فقط.
وإذا أقنع الظالمُ الوديع بأن يحلفَ له أنَّ فلاناً لم يستودعه شيئاً، وجب عليه أن يحلف وينوي بينه وبين نفسه أنه لم يستودعه ليلاً إن كان قد استودعه نهاراً، وينوي أنه لم يستودعه نهاراً إن كان قد استودعه ليلاً، فإن لم يحلف كان ضامناً، لأن الكذب هنا جائز، لا أنه محرم، وقد أبيح حفظاً للأمانة، ودفعاً للظالم.. بديهة أن الواجب يسقط إذا انحصرت مقدمته في الحرام. على أن ذلك يجب أن يقيد بما إذا كان الوديع عالماً بجواز الكذب، ومع ذلك امتنع عنه، حيث يُعَدُّ، والحالة هذه، مقصراً. أما لو امتنع عن الكذب والحلف لجهله واعتقاده بالتحريم، ثم أخذ الظالم المالَ فإن الوديع لا يضمن منه شيئاً، لأنه لا يعد مهملاً ولا مقصراً في مثل هذه الحال.
3 - وإذا احتاجت الوديعة إلى الإنفاق، وجب على الوديع أن ينفق عليها بما يحفظها، وأن يرجع على المالك بما أنفق، وإذا فرَّط في ذلك يعتبر مقصِّراً.
ولكن يكون الإنفاق بإذن المالك أو وكيله، فإن تعذر رفع الأمر إلى الحاكم واستأذنه، فإن تعذر، أنفق هو وأشهد على الإنفاق. وإن تعذر الإشهاد أنفق واقتصر على نية الرجوع، بما أنفق، على المالك.
وإذا كانت الوديعة حيواناً، وطلب مالكه عدم الإنفاق عليه، فإن للوديع أن يخالف وينفق على الحيوان، لأنه ذو كبد حرّى، فيجب حفظه مراعاة لحق الله تعالى، ولا يسقط هذا الحق بإسقاط الآدمي. وإذا ترك الإنفاق، حتى هلك الحيوان، فإنه يأثم بذلك، ولكنه لا يضمن، لأن المالك هو الذي أسقط الضمان عن الوديع بنهيه له عن الإنفاق.
4 - إذا أودع اللص ما سرقه عند إنسان، فلا يجوز له أن يرده إليه إن أمن ضرره، ويكون المال المسروق في يده أمانة شرعية، فإن عرف صاحبه ردَّه إليه أو أعلمه به، وإن جهله بقي المال تحت يده بحسب العرف لمدة سنة كاملة. فإن لم يجده تصدق به عن صاحبه. وإن ظهر صاحبه بعد التصدق به كان بالخيار بين أن يُقِرَّ الصدقة، أو يطالب المتصدق بالعوض. فإن طالب بالعوض دفعه إليه المتصدق، وكان أجر الصدقة له.
5 - إذا ظهر للوديع أمارات الموت وجب أن يردَّ الوديعة إلى صاحبها أو وكيله، ومع التعذر يسلّمها إلى الحاكم الشرعي، ومع التعذر يوصي بها، ويُشهد على الوصية.
6 - إذا نوى الوديع التصرف في الوديعة، ولم يتصرف فيها لم يضمن بمجرد النية. ولكن لو نوى الغصبية كأن قصد الاستيلاء عليها والتغلب على مالكها، كسائر الغاصبين ضمنها، لصيرورة يده يد عدوان بعدما كانت يد استئمان.
7 - إذا تصرف الوديع بالوديعة تصرفاً لم يغير منها شيئاً، ثم أرجعها إلى مكانها وحرزها، كالثوب يلبسه قليلاً، أو الكتاب يقرأ بعض صفحاته من غير إذاً المودع، إذا كان كذلك يخرج عن حكم الوديع، ويصبح بحكم الغاصب إلا إذا أعلم المودع فأقرَّه على ذلك، وجدد له الاستئمان.
- أما الأئمة الأربعة[*] فقد اتفقوا على أن الوديع يضمن الوديعة إذا ضاعت أو تلفت أو هلكت في الحالات التالية:
1 - أن يدفع الوديع الوديعة إلى شخص آخر ليحفظها عنده بدون عذر أو بدون إذاً صاحبها. أما إذا دفعها لضرورة، كما لو شب حريق في داره ونقلها إلى دار جاره خوفاً عليها من الحريق، فإنه لا يضمن.
ولا فرق عند الشافعية بين أن يكون من دفعها إليه من أهله أو أجنبيّاً عنه، فهو ضامن.
أما الحنفية فيقولون: إنه لا يضمن إذا دفعها إلى أحدٍ من أهله أو لمن يصح أن يحفظ ماله عنده، بشرط أن يكون هذا قادراً على حفظها، ومثاله أن يدفعها إلى ابنه ليحفظها عنده.
2 - أن يخلط الوديعة بمالِهِ أو بمال غيره، بدون إذاً مالكها، بحيث يتعذر تمييزها، أو يمكن تمييزها ولكن بعسر. أما إذا خلطها خلطاً لا يتعذر تمييزها كما لو خلط العدس بالشعير فإنه لا يضمن. وإذا جرى الخلط بإذن المالك، أو رغم إرادة الوديع، وكان يتعذر التمييز، فإنهما يصبحان شريكين.
3 - أن يسافر بها الوديع مع نهي صاحبها عن السفر، وكان قادراً على ردها ولم يفعل، أو إذا تركها في مكان غير أمين وسافر، أو دفنها في مكان ولم يُعلم أميناً بها قبل سفره.. ففي جميع هذه الحالات يكون ضامناً.
أما إذا عجز عن ردها قبل سفره، ولم يجد أميناً يودعها عنده. أو إذا سافر للضرورة وأخذ معه أهله، فهلكت الوديعة فإنه لا يضمن.
4 - أن يتعدى الوديع على الوديعة بالتصرف المؤدي إلى هلاكها. أو أن يخالف أمر المودع في الحفظ ويفرِّط فيه بما يؤدي إلى التلف أو الضياع.
ويقول الحنفية: يزول تعدي الوديع برجوعه عنه، ويرتفع عنه الضمان بالبيّنة التي تثبت عدم الرجوع إليه.
5 - أن ينقل الوديعة من مكان إلى آخر من غير حاجة أو ضرورة، أو أن ينقلها إلى محل أقل صيانة أو حفظاً، أو إذا نهاه المالك وخالف نهيه، فهو ضامن في ذلك كله.
أما إذا كانت هنالك حاجة ماسة للنقل، أو نقلها إلى جهة أكثر صيانة وحفظاً، أو إذا نقلها خطأ بأن ظن أنها ملكه، ثم هلكت أو تلفت، فإنه لا يضمن.
6 - أن يهمل في أمر حفظها، وعدم دفع ما يتلفها. فلو أسقط على الوديعة شيئاً فكسرها، أو لم يقم بتهوئة السجادة فإنه يضمن. وكذلك إذا وضعها في مكانٍ لا يحفظ فيه مثلها عرفاً، كما لو وضع جوهرة في صندوق مقفل فسرقت فإنه يضمن. وإذا أمره صاحبها بوضعها في مكان معيَّن، فلا يجوز له أن يخرجها منه من غير حاجة، فإن فعل، وضاعت كان ضامناً. أما إذا أخرجها خوفاً عليها من الغرق، أو الحريق أو الهدم، وهلكت فإنه لا يضمن.
7 - أن يمنع ردها لصاحبها بدون عذر. فإن طلبها صاحبها فتأخر في دفعها إليه أو لم يُخلِّ بين الوديعة وبينه، وهلكت فإنه يضمنها. أما إذا منع ردها، أو تأخر في الرد لعذر فإنه لا يضمن.
8 - أن ينتفع بها الوديع من غير إذاً صاحبها، فهو ضامنٌ لها، كأن يلبسها إن كانت ثوباً لا يصلحه اللبس، أو يركبها إن كانت دابة لا يصلحها الركوب، أما إن كان الركوب يصلحها فإنه لا يضمن، وكذلك إذا لبس الثوب خوفاً عليه من العث فإنه لا يضمن.
وإن أطلق على الدابة الفحل بقصد إحبالها، ولكن من دون إذاً صاحبها، فماتت فإنه يضمن. أما إذا أذنه صاحبها فلا يضمن. والراعي الذي يطلق الفحل على إناث الحيوان حتى لا تفوت مدة الضراب، فإنه يعتبر مأذوناً حكماً، ولا ضمان عليه بسبب الهلاك.
9 - إذا أنكر الوديعة بعد مطالبة صاحبها بها، فإن استمر على إنكاره ولا بيّنة فإنه لا يضمن. وإذا اعترف بعد الإنكار، ثم ادعى أنه ردها لصاحبها وأقام البينة على ذلك، فالبعض يقول إن بينة الوديع لا تقبل لأنه ناقض نفسه، والبعض الآخر يقول إنها تقبل. والراجح هو عدم سماع بيِّنة الوديع بعد إنكاره، وإذا أنكر الوديعة، ثم عدل عن إنكاره يكون ضامناً، وملزماً.
10 - أن يموت الوديع، ولم يبين الوديعة التي عنده، ولم توجد في تركته، فإنها تصبح ديناً في التركة، ولصاحبها أن يأخذ مثلها أو قيمتها من التركة.
وإذا مرِض الوديع مرض الموت وجب عليه ردّ الوديعة إلى صاحبها، أو وكيله، أو إلى الحاكم، فإن تعذر عليه ذلك أودعها عند ثقة، أو دفنها وأعلم بدفنها ثقة، فإن لم يفعل كانت مضمونة في تركته.
وإذا كانت التركة مدينة فإن المودع يدخل مع الدائنين بحصةٍ توازي قيمة وديعته.
11 - أن لا يحملها إلى صاحبها حين مصادرة الظالم لأمواله، أو أن يسعى بها إلى ظالم، أو أن يدل عليها ظالماً، أو أن يسلمها إلى الظالم ولو مكرهاً، ففي هذه الحالات يضمن، لأنه كان عليه إخفاؤها عن الظالم وحفظها.
أما إذا أخذها الظالم من غير أن يدله عليها أو أن يسلمه إياها، فإنه لا يضمن. ويمكنه أن يوري في يمينه أمام الظالم إن كان يعرف التورية، وإلاَّ كفَّر عن يمينه.


مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢