نبذة عن حياة الكاتب
المعاملات والبينات والعقوبات

عقـد الـذمـة
الذمّة في اللغة هي العهد وهو الأمان والضمان والكفالة.
وعقد الذمة هو في اصطلاح الفقهاء، «التزام تقرير الكفار في ديارنا وحمايتهم والذب عنهم ببذل الجزية، والاستسلام من جهتهم» أي أن عقد الذمة يتحقق بين المسلمين وغيرهم من أهل الكتاب، أو من أهل الكفر بشرطين:
الشرط الأول: أن يلتزموا أحكام الإسلام في الجملة.
والشرط الثاني: أن يُعْطُوا الجزية، أي يدفعوا المال الذي يتفق عليه مقابل الأمان، ولذلك سميت الجزية، أي لأنها تجزئ من القتل أي تعصم منه.
ويعقد الذمة الإمام أو نائبه. ولكن قاله المالكية: إن عقدها غير الإمام، فيأمنون، ويسقط عنهم القتل والأسر، ويعود للإمام أن ينظر بأن يمضيها أو يردهم لمأمنهم.
والأصل في هذا العقد قول الله سبحانه وتعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ *} [التّوبَة: 29].
وروى البخاري: يوم نهاوند، قال المغيرة: «أمرنا نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية».
شروط عقد الذمة:
يسري عقد الذمة على الشخص الذي عقده ما دام حيّاً، وعلى ذريته من بعده. ويشترط في المعقود له ثلاثة شروط:
1 - ألا يكون المعاهد من مشركي العرب، فإنه لا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتال، لقوله تعالى عن المشركين: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفَتْح: 16].
وعليه فقد اتفق الشيعة الإمامية والحنفية والحنبلية وغيرهم على أن هذا العقد يكون مع أهل الكتاب. ويعقد أيضاً مع المجوس لأن لهم شبهة كتاب، لما قاله عبد الرحمن بن عوف: أشهد أني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب»[*]. وعن عمر (رضي الله عنه): «أنه لم يأخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أخذها من مجوس هجر»[*].
وقال الشافعية والمالكية (على المشهور في مذهبهم): تؤخذ الجزية من كل كافر، سواء أكان من العرب أم من العجم، من أهل الكتاب أم من عبدة الأصنام[*].
2 - اتفق جميع الفقهاء على ألاَّ يكون المعاهد مرتداً، لأن حكمه القتل إذا لم يتب، لقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم): «من بدل دينه فاقتلوه»[*].
3 - واتفق جميع الفقهاء أيضاً على أن عقد الذمة دائم غير محدد بوقت، ما دام لم يوجد ما ينقضه[*].
العلاقات بين المسلمين والذميين:
موجب هذا العقد:
وإذا تم عقد الذمة ترتب عليه حرمة قتال أهل الذمة، والحفاظ على أموالهم، وصيانة أعراضهم، وكفالةُ حرياتهم، والكفُّ عن أذاهم، لما روي عن علي (عليه السلام) أنه قال:
«إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا، وأموالهم كأموالنا»[*].
والقاعدة العامة التي رآها الفقهاء: «أن لهم ما لنا، وعليهم ما علينا».
الأحكام التي تجري على أهل الذمة:
وتجري أحكامُ الإسلام على أهل الذمة في ناحيتين:
الناحية الأولى: وتتعلق بالمعاملات المالية: فلا يجوز لهم أن يتصرفوا تصرفاً لا يتفق مع تعاليم الإسلام، كعقد الربا، وغيره من العقود المحرمة.
الناحية الثانية: وتتعلق بالعقوبات المقررة، فيقتص منهم، وتقام الحدود عليهم متى فعلوا ما يوجب ذلك. وقد ثبت أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) رجم يهوديين زنيا بعد إحصانهما.
أما ما يتصل بالشعائر الدينية من عقائدَ وعباداتٍ وزواج وطلاق فلهم فيها الحرية المطلقة، تبعاً للقاعدة الفقهية المقررة: «اتركوهم وما يدينون».
وإن تحاكموا إلى المسلمين فلهم أن يحكموا لهم بمقتضى الإسلام، أو يرفضوا ذلك. يقول الله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ *} [المَائدة: 42].
أما فيما يتعلق بالجزية فهي على نوعين: جزية صلحية وهي التي توضع بالتراضي والصلح، وجزية عنوية تفرض فرضاً وهي التي يضعها الإمام إذا غلب المسلمون على الكفار، واستولوا على بلادهم وأقرهم الإمام على أمرهم.
وعند الحنفية والحنبلية: إن مقدار الجزية على الغني (من يملك عشرة آلاف درهم فصاعداً) 48 درهماً في السنة، تدفع منجّمة، أي مقسَّطة على أشهر السنة بمقدار أربعة دراهم كل شهر. وعلى متوسط الحال (من يملك مائتي درهم فصاعداً) 24 درهماً منجّمة، أي درهمين كل شهر. وعلى الفقير المعتمل (من يملك ما دون المائتي درهم أو لا يملك شيئاً) 12 درهماً منجّمة أي درهماً واحداً كل شهر.
وعند المالكية: إن مقدار الجزية أربعةُ دنانير في كل عام على كل واحد من أهل الذهب، وأربعون درهماً على أهل الفضة. بحيث لا يُزاد على هذا المقدار، أو يُنقص منه إلا في حالة الفقير الذي يدفع بحسب طاقته ووسعه.
وعند الشافعية: إن أقل الجزية دينار، لحديث معاذ بن جبل: «أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما وجهه إلى اليمن، أمره أن يأخذ من كل حالم ديناراً أو عدله من المعافر»[*]. والمعافر هي ثياب يمنية. ويستحب لدى الشافعية مماكسة الذمي حتى يأخذ من المتوسط دينارين، ومن الغني أربعة دنانير اقتداء بعمر (رضي الله عنه) كما رواه البيهقي عنه[*].
وبهذا الحديث نكون قد أتينا على نهاية الأحكام الشرعية الميسرة.

لقد جرى البحث في المجلد الثالث من هذه الموسوعة في النظام الاجتماعي، وقسم من النظام الاقتصادي.
وفي هذا المجلد الرابع والأخير، ننهي البحث في النظام الاقتصادي، ونظام الحكم وبذلك تصبح ميسّرة جميع المواضيع التي يتعامل بها النظام الإسلامي الشامل، وهو النظام الذي يصلح لكل عصر ومصر ويمكن للناس العمل به في شؤونهم الدينية والدنيوية.
ونسأل المولى عزَّ وجلَّ أن يكون عملنا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يتقبله منا بقبول حسن، وينبته نباتاً حسناً، ويكفِّلَهُ الصالحين من عباده. ونشهد أنه لولا عون الله تعالى وتوفيقه لما استطعنا أن ننهي مجلداً واحداً من الاثني عشر مجلداً التي اعتمدنا فيها التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، وكان آخرها هذه الموسوعة الميسرة للأحكام الشرعية.
والله تبارك وتعالى ولي الأمر والتوفيق


مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢