نبذة عن حياة الكاتب
العبادات

سورة الذاريات: 55 ـ 56
تمـهـيـد
إنَّ من أنفع الوسائلِ، وأقربها إلى العقولِ في دراسةِ الفقهِ الإسلاميّ - وبصورةٍ خاصّةٍ فيما يتعلقُ بأحكامِ العبادات - أن يبتعدَ الباحثُ عن المصطلحاتِ المعقّدة، وعن كثرةِ الشروحاتِ التي تضيّعُ القارىءَ عن حقيقةِ المسألةِ التي يريد فهمها، أو تبعدُه عن حلِّ المشكلة التي هو بصددها، في حين أن الغايةَ هي إنارة طريقه، وتبسيطُ الأمور له، والأخذُ بيده لكي يستطيعَ فهمَ الحكمِ الشرعيِّ المستنبَطِ من الكتابِ والسنّة أو ما دَلّ عليه الكتابُ والسنّة.
وإنّ الأساليبَ المبسَّطَةَ فِي دراسةِ الفقه، وتقديمه للنّاس بصورة ميسرةٍ وسهلة، من شأنها أن تدفعهم للإقبالِ على ما توافر من أحكامٍ طلباً للمعرفةِ والتعلّم، وتوصّلاً إلى تطبيق هذه الأحكام في حياتهم المعيشيّة.
وأحكامُ العباداتِ في الإسلام، وما يتعلّقُ منها بالصّلاةِ والزكاةِ والصّيامِ والحجِّ والجهادِ بصورةٍ خاصة، هي من أجلِّ الأحكامِ التي تؤدّي للمسلمين - بل ولكلّ مجتمع إنسانيٍّ يطبّقها - خدماتٍ كثيرةً ونافعةً، شرطَ أن يعرفوا كيف يحسنون الإفادةَ منها، ومن ثمَّ يطبّقونها على الوجه الأكمل. فلو أخذنا مثالاً على ذلك الصّلاةَ التي فُرِضت علينا كلّ يوم أن نؤدّيَها جماعة في المسجد، أو يومَ الجمعة من كل أسبوع، أو عند اجتماع الحجّاج حول بيتِ الله الحرام في موسم الحجِّ من كل عام.. فتلك الصلواتُ جميعاً هي من الشعائر التي تجمعُ المسلمين بصورةٍ دائمةٍ ودوريةٍ - يوميًّا وأسبوعيَّاً وسنويَّاً - ويمكنُ أن يشهدوا منها منافعَ كثيرةً لهم.
إنَّ الإسلامَ عندما جعل الصلاةَ ركناً من أركانه، وندبَ إليها المؤمنين، وألزمهم بها، فإنما قصَدَ من وراء ذلك أموراً عديدة كالتوعيةِ الدينيّةِ الفاضلةِ، والتقاءِ المسلمين على الأخوّةِ الصادقة، وإيجادِ التّعارف فيما بينهم، وتوطيد عرى التآلف والتكاتف، فضلاً عن تبادلِ الآراءِ والأفكارِ، وتنميةِ العلاقاتِ الطيّبة بين أبناءِ الأمّة الواحدة.. وفي ذلك كله الصلاحُ والفلاحُ، والعملُ على ما فيه خيرُنا في الدنيا والآخرة.
وإن من منافع اجتماعنا على الصلاة أيضاً أننا قد نطرحُ المشاكلَ التي تهمُّنا، ونتبادلُ بشأنها الآراء والمناقشاتِ، وقد نتوصَّلُ إلى توجيهاتٍ وتوصيات - وأحياناً إلى اتخاذِ قراراتٍ - لإيجاد الحلول لها. ويمكنُ أن تكونَ تلك المشاكلُ على مستوى الأفراد، أو على مستوى بلدٍ إسلاميّ، أو على مستوى الأمّةِ بأسرها. وقد تتعلق بأوضاعنا الحياتيّة اليوميّة، أو بقضايانا الاقتصاديةِ أو السياسيّةِ وغيرها..
ولا يكون ذلك الأثرُ عن لقائنا بعد الصلاة، أو في موسم الحج وحسب، بل لا بدّ أيضاً من اجتماعنا للتشاورِ والبحثِ بشؤون الزّكاة، والصيام، والجهاد، حتَّى نتقرَّب من بعضنا، ونقيم الروابطَ الإسلاميّة الصحيحةَ فيما بيننا. وهل أفضلُ من العباداتِ سبيلاً لذلك طالما أننا نقيمها جميعها قربةً إلى الله تعالى. وهل يمكن للإنسان أن يتقرَّب إلى ربّه بوسائل أفضلَ من عبادته، ومن نَفْعِ خَلْقِهِ؟.
وعلى هذا فإننا نقول: إن العباداتِ في الإسلام لا ترتدي طابعاً دينيَّاً بحتاً، ولا تقتصر على أداءِ الفرائض لله تعالى في تعبّدنا إليه، بل إنَّ لها مدلولاتٍ هامّة تتعلق بحياة المسلمين، ومعالجةِ أوضاعهم، وتدبيرِ شؤونهم، أي أنها الأساسُ القويُّ، والحبل المتين لكيانهم ووجودهم..
ومما تجدر الإشارةُ إليه أن عقدَ الاجتماعاتِ، وإجراءَ المداولاتِ والنماقشاتِ، وتبادلَ المعارفِ والخبراتِ هي من الضّروراتِ التي لا غنى للعالم عنها، ولقد لعبت في الماضي، وما تزال تلعب دوراً هامًّا في وضع القواعدِ والاتّفاقات التي تعالج قضايا الأمم والشعوب.. ومن هنا كانت عباداتُنا، وهي تشكّل ـ في الأساس ـ الركيزةَ إلى عقد اجتماعاتنا، وندواتنا ومؤتمراتنا، ترتدي طابعاً خاصّاً ومميّزاً في حياتنا الإسلامية، لأنها تقوم على المبدإ الواحد، والتوجّه الواحد، وهو الإخلاصُ في النيّة لله تعالى ولدينه الحنيف.
وهكذا فإن عبادتنا هي الجامعُ لنا في معالجة قضايانا، وفي دراسة تطلعاتنا وأهدافنا.. ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا بأن طابعَها ذاكَ هو الذي جعلها مختلفةً تمامَ الاختلاف عن سائر الاجتماعات، أو اللقاءات، أو المؤتمرات التي تعقدها دولُ العالم اليوم. ذلك أن هذه الدول ذاتُ اتجاهات سياسيّة وعقائديّةٍ متعدّدةٍ ومختلفة، وهي بالتالي ذاتُ أهدافٍ ومطامعَ ومصالحَ متضاربةٍ في أغلب الاحيان. فإنها عندما تعقدُ الاجتماعاتِ أو المؤتمراتِ إنما تقصدُ في الظاهر حلَّ بعض القضايا أو المشاكلِ التي تهمّها، وبينما هي في الحقيقة تخفي دوافع خاصةً لكلّ الأفرقاء. إنَّ قادة تلك الدول يسعَوْن دائماً لتحقيقِ مصالحهم الذاتيّةِ الأنانيّةِ على حساب مصالح الآخرين. مما يجعلُ تلك الاجتماعاتِ والمؤتمرات تفتقرُ إلى الصراحةِ، وحسنِ النوايا، ووحدةِ التفكير، وصدقِ التعاون.. وهذا ما يجعلنا نلاحظُ بروز الأزماتِ الاقتصاديَّةِ أو السياسيّةِ أو العقائديّةِ، في أغلب الأحيان، بين تلك الدول.. ألا نلاحظُ كيف تحاطُ تلك الاجتماعاتُ والمؤتمراتُ عادة بهالةٍ من الإعلام والدعاية، وكيف تعبّأُ لها النفوسُ، وتبذلُ لها الجهودُ، وكم ينفقُ عليها من الأموال حتى يكونَ تأثيرُها كبيراً على الناس؟.
هذا بينما تُعقدُ اجتماعاتُ المسلمين لأداءِ عباداتهم، بطريقةٍ بديهيّة وعفويّةٍ، لأنها نابعةٌ من الذات المسلمة التي تتطلّعُ إلى ربِّها قبل كلّ شيء، ولا تبتغي إلاّ الخلاصَ مما علق بها في سالف أيامها من أدرانِ الدنيا ومفاسدِها.. والمجتمعون على هذه العبادات لا يرومون مالاً ولا جاهاً، بل جلُّ قصدهم رضوانُ الله تعالى، وغايتُهم إصلاحُ دينهم ودنياهم. هذا إن أخذوا عباداتهم بمعناها الحق، وبما تهدفُ إليه من البرِّ والتقوى..
ولعلَّ أبسط ما نقول، بهذا الصدد، أنَّ المسلمَ عندما يقفُ في صلاة المسجد، أو عندما يذهبُ إلى الحجّ، أو عندما يؤتي زكاتَهُ أو صدقتَهُ، أو عندما يشاركُ في الجهادِ في سبيل الله، إنما يبذل ولا يأخذ، ويَجْهَدُ ولا يتوانى، ويُنفق من ماله الخاصّ، بما قد يفرضُهُ عليه الواجب أو بما يقدره الله تعالى له..
تلك هل مزايا عباداتنا الجامعةِ المؤلِّفةِ، والواعية الهادفة، وصفاتُها الجليّة. إنها ترتدي ثوبَها الدينيَّ مثلما ترتدي ثوبَها الإنسانيَّ، وهي لو اقتصرت على ناحيتها الدينيّة وحسب، لكان ذلك يكفيها عزّةً وسموًّا، وكيف وهي تتعداها إلى الأمور الدنيوية.. لقد أوجَدَ الإسلام لأبنائه أحسنَ الدوافع والحوافز، وأقومَ الطرق والسبل للالتقاءِ على العمل الصالح بكلّ إيمانٍ وصدقٍ وإخلاص. مع العلم بأن أوامرَ الله تعالى ونواهيَهُ هي جميعها عبادات..
ومن هنا كانت دعوتُنا الصادقةُ والمخلصةُ للإقبالِ على الأحكام الشرعيّةِ من أجل فهمها والعملِ بها، ولاسيما العبادات التي تُذهِبُ عنا السيئات، وتَزيدُ لنا في الحسنات، وتدفعُنا للعمل النافع من أجلِ خيرِ المسلمين، أفراداً وجماعات، وخيرِ الإنسانيّةِ جمعاء.
وبكلّ صراحةٍ ووضوح نقول للمسلمين:
إنه لو استمرت «صلاة الجمعة» بخطبها وتوعيتها، أو لو أدى المسلمون الزّكاة المفروضةَ عليهم باستمرار وأمانة، أو لو قاموا بالصّيامِ في رمضانَ بما يفرضُه عليهم هذا الشهرُ الفضيل من صدقات ومواساة، أو لو انتهزوا فرصةَ أداءِ فريضةِ الحجّ وعقدوا مؤتمراتهم للتباحثِ في شؤونهم ومشاكلهم، أو لو تعاونوا وأخلصوا النيّة والعزمَ في كلّ أمرٍ يحزبُ عليهم، أو مشكلةٍ تواجههم، أو عثرةٍ تعترضهم.. لو فعل المسلمون ذلك... لهابهم أعداؤهم ولكان أمرُهُمُ اليومَ غيرَ ما هم عليه في الحقيقة والواقع، ولكانوا خيرَ أمّةٍ أخرجت للنّاس، كما وصفها ربُّ العالمين، عندما ندبَ المخلصون الصادقون أنفسهم لحمل راية الإسلام، والجهادِ في سبيل الله حقَّ جهاده، وجعلِ كلمةِ الله هي العليا وكلمةِ الذين كفروا هي السفلى..
ولعلّ من أبسط الاقتراحات التي نقدّمها في هذا المجال إعادةَ إحياء رسالةِ المسجد. فنحن معشر المسلمين نعمِّر المساجدَ ونشيدُ النواديَ بكثرةٍ في بلادنا اليوم، فهل من سبيل لجعل المسجد أو النادي، مكاناً للتّوعية والإرشاد، وتفقيهِ المصلّين بالأحكام الشرعيّة، والالتزامِ بعهدٍ صادقٍ للتّعاون على البر والتقوى؟ وعسى أن تكونَ هذه الخطوةُ عند تحقّقها متبوعةً بخطواتٍ أخرى أعمَّ وأشملَ في إعادةِ وضعِ المسيرةِ الإسلاميّةِ على طريقها الصحيح، لعلَّ الله، ربَّنا ومولانا، يوفّقُنا إلى ما فيه خيرُ الإسلامِ وأهلِه. والله تعالى من وراءِ القصد، والحمد لله ربِّ العالمين.

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢