نبذة عن حياة الكاتب
العبادات

مقدمة الكتاب
إنَّ من أعظم القُرُبات إلى الله تعالى نشرَ الرسالة الإسلامية، لأن في ذلك دعوةً إلى الحق الذي نزل من رب العالمين إلى الناس كافة. ومن هذه القربات الاشتغال بالأمور الفقهية في الدين التي تجعل المسلمين على بيّنة من أمرهم في عباداتهم وأعمالهم، وفي معاملاتهم وعلاقاتهم، سواء مع بعضهم بعضاً، أو مع غيرهم من الناس.
وهذا الكتاب يتناول مسائل فقهيةً مقرونةً بأدلتها التفصيلية من صريح الكتاب، وصحيح السنة الذي أجمعت عليه الأمة. ويعتبر محاولةً جادَّةً أقدمنا عليها، وأردنا من ورائها خدمةَ ديننا العظيم، وجمعَ كلمة أمتنا الكريمة على الخير والهدى. وقد عرضنا، في هذا المجلد، لأحكام العبادات بسهولة ويسر، وأوضحنا كلَّ ما يحتاجه المسلم في حياته، وحاولنا أن نجعله - بإذن الله - كتاباً يفتح للناس بابَ الفهم لتلك الأمور التي أُغلقت عليهم، ويحفزهم - بحول الله وقوته - على الرجوع دائماً إلى الكتاب والسنَّة في كلِّ ما يحتاجون إليه أو ما قد يعترضهم، ويقضي - إن شاء الله الرحيم بهذه الأمة - على الخلافات، والتعصب للطوائف والمذاهب لدى المسلمين، كما يرفض البدعة القائلة بأنَّ باب الاجتهاد قد سُدَّ، ذلك أنَّ التعصَّب للطائفة أو المذهب، كما عرفته الأجيال وألفته، قد أفقد الأمة الاهتداء بالكتاب والسنة بشكلٍ صحيحٍ وسليم يسد حوائج المسلمين التي فرضتها ظروف التقدم والمدنية، واستلزمها تطور أوضاع المجتمعات في المسيرة البشرية الصاعدة في معارج العلوم والفنون على اختلاف أنواعها. لا بل إنَّ ذلك التعصّب الموروث هو نفسه الذي شجع على القول بإقفال باب الاجتهاد، حتى صارت الشريعة الإسلامية السمحة - التي تسع الدنيا بأسرها - مقتصرة، فقط في جوانبها الفقهية، على آراء بعض الفقهاء، وحتى صار ـ في العصر الهابط ـ يُعتبرُ كلُّ من يَخرجُ على أقوال أولئك الفقهاء مُبتدِعاً لا يُوثق له بقول حق، ولا يُعمل له بفتوى يعطيها، حتى ولو كان ما أفتى به مستنداً إلى صريح الكتاب وصحيح السنة.
ولعلَّ من أهم الانعكاسات التي جرها ذلك على المسلمين وقوعَ الأمة في شَرَكِ الجهل، وشرِّ البلاء الذي تمثل بانقسام أبنائها طوائف، وشِيَعاً، وأحزاباً حتى صحَّ فيهم قول الله تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ *} [الرُّوم: 32].
ونسوق مثالاً بسيطاً على تلكَ الخلافات التي نخرت جسم الأمة ما ورد في كتاب (فقه السنَّة لمؤلفه السيد سابق) حيث يقول: «حتى إنهم اختلفوا في حكم تزوج الحنفية بالشافعي، فقال بعضهم: لا يصح، لأنها يشك في إيمانها، وقال آخرون: يصح قياساً على الذميَّة»(+)..
فهل بعدُ أكثر على الأمة المسلمة ضرراً من هكذا تعصّب؟!... لا سيما، وأننا نجد مثله كثيراً في بطون الكتب والمؤلفات! إن هذه المسائل وأمثالها يجب الابتعاد عنها، بل يجب محوُها من أذهان المسلمين. وخاصةً بعد أن بَرَزَ من أفراد الأمة الإسلامية علماء كثيرون متخصِّصون في مختلف أنواع العلوم العصرية، فلا يجوز أن نبقى في جهالة عصور التخلّف والتحجُّر، وفي ظلمات الانقسام والتعصّب، لا سيما وانَّ في ديننا الحنيف من الأفكار والقيم ما يُصلح حياتنا ويقدِّم للإنسانية بأسرها منهجاً متكاملاً في مسيرتها الإيمانية، وفي إقامة العلاقات الطيبة وتبادل المعاملات العادلة بين أممها وشعوبها.
وإننا لا نزال من الداعين بقوة إلى وحدة الكلمة، بل ونحن اليوم أشدّ من قبلُ، ونُطلقها صرخةً مدوِّيةً في الآفاق، بأنَّ الإسلام وحدَهُ هو الكفيل بإصلاح أحوال الناس، وعبثاً يحاول البعضُ البحثَ عن غيره أو استبداله بعقائد أخرى. إنه منهجُ حياة نزل من عند الله تعالى، الذي خلق الناس، وعلم ما ينفعهم ويصلح بالهم، فأنزله عليهم ديناً قيماً لا عوجَ فيه، وجعله في خاتمة مطاف البشرية منهاجاً كاملاً متكاملاً، وكلَّفَ خاتم رسله محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) إبلاغَهُ ليأخذه الناسُ ويعملوا به.. ولكنَّ تطبيق هذا المنهج الربانيّ رهنٌ بصلاح المسلمين أنفسهم، فإن لم يكونوا قادرين على جعل دينهم القيِّم علاجاً وحيداً للناس، فلا يمكن أن تصلح حياتُهم على هذه الأرض. ونحن نتساءل: هل يستطيع المسلمون ذلك إن ظَلُّوا على ما هم عليه الآن؟ ونقول: لا، ونجزم بذلك. فلنعمل إذن على تصحيح مسارِ أُمَّتنا بما نمتلك من ذخرٍ وسند في الكتاب والسنَّة، وبعدها يتكفَّل دينُنا القويم بتقديم ما يُصلحُ أمورنا جميعاً.
من أجل ذلك كله توخّينا في هذا الكتاب أن يطَّلع القارئ الكريم على أحكام العبادات، وأن يعرفها بكل سهولة ويسر. وقد أوضحناها بطريقة جديدة ملخَّصة على المذاهب الأكثر شيوعاً وتعاملاً لدى المسلمين، وعنينا بها: مذهب الشيعة الإمامية(+)، والمذاهب السنية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية والحنبلية، وذلك من غير الدخول في الشروحات والتفصيلات الطويلة والمتشعِّبة، التي يمكن الاستغناء عنها، والتي لا تؤثر بشيء على معرفة الحكم الشرعي بأصله وبكيفية تطبيقه.
وإنه لمن الواجب هنا توضيح ما هو شائع ومتعارف عليه لدى المسلمين من أن الأحكام المتعلقة بالصلاة والزكاة والصيام والحج(+) إنما تختصُّ بالعبادات فقط، في حين أن جميع الأحكام في الشرع الإسلامي هي أحكام تعبُّد وامتثال، والذين يطبقونها إنما يتعبَّدون لله العلي العظيم بها، لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ *} [الذّاريَات: 56].
وهذا يعني أن المسلمين عندما أرادوا تحديد العلاقات والروابط التي يُنشئُها الدين الإسلامي قد ميّزوا بين أحكام العبادات وغيرها من الأحكام الشرعية، فاعتبروا أن دينَهم إنما هو دينٌ أنزله الله تعالى كي يربط بين الخالق والمخلوق وينتج عن هذا الربط العقائد والعبادات، وبين المخلوق وغيره من المخلوقات وينتج عن هذا الربط المعاملات والعقوبات، وبين الإنسان ونفسه وينتج عن هذا الربط المطعوماتُ والملبوسات. وكل هذه الروابط تدلُّ على شمولية هذا الدين الكريم، وكونه منهجاً كاملاً للحياة.
وقالوا - في تمييزهم - إن الأحكام التي تقتصر على صلة المخلوق بخالقه هي أحكام العبادات فقط دون سائر الأحكام الأخرى. بينما في الحقيقة لا يوجد حكمٌ شرعيٌّ إلاّ ويتعلق بعبادةٍ لرب العالمين. فكل قولٍ أو فعل - وحتى النيّة لدى الإنسان - إنَّ كلَّ ذلك يجب أن يكون مرتبطاً بحكم شرعي لقوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً *} [الإسرَاء: 36].. فالكلامُ الذي يقوله المؤمن ويخاف به الله تعالى يعتبر عبادةً، وأكلُه للطعام الحلال عبادةٌ، وسعيُه في الخير لنفسه أو لعياله عبادةٌ، والإخلاص في السر والعلانية عبادةٌ، وكذلك طلبُه للعلم والصبر على مشاق العمل، وقضاء حوائج الناس، وغيرها وغيرها.. وقِس على ذلك كل أمرٍ يريدُ به الإنسان وجهَ الله تعالى، فإنه يكون من العبادات..
من هنا كانت جميع الأحكام الشرعية تقوم في حقيقتها على كيفية أدائها وتطبيقها، لأن المعوَّل عليه أمران: معرفةُ صحّةِ الحكم الشرعي، ومعرفةُ كيفية إقامته أو الإتيان به.
وها نحن نبدأ هذا المجلَّد بالطهارة، لأنَّ القلب تكون بسلامة النيّة، كما أنَّ طهارة الجسد تكون بالغُسل والوضوء. فالطهارة إذن هي الأساس الذي يقيم عليه المسلم صلته بربِّه تعالى، وعلاقاته مع العباد أمثاله، وبمقتضاها يُقبل العملُ أو يُرفضُ، يَصحُّ أو يَبطل.
ونسأله سبحانَهُ وتعالى أن يوفقنا لما فيه رضاه. إنه من وراء القصد وهو وليُّ التوفيق.

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢