نبذة عن حياة الكاتب
العبادات

الـوضـوء
الوضوء، لغةً مأخوذ من الوضاءة والنظافة. وهو شرعاً يعتبر طهارة وذلك باستعمال الماء الطهور لتطهير الأعضاء الأربعة بالغسل والمسح. والوضوء عبادة بمعنى أنه لا يصح ولا يحقِّق طهارة شرعاً إلا مع نية القربة. ويكون الوضوء لأداء الصلاة على النظافة والطهر والعبادة.
وقد أمر الله تعالى في محكم كتابه الكريم، والمؤمنين بالوضوء، في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المَائدة: 6].
فهو إذن أمر من الله عزَّ وجلَّ إلى الذين آمنوا بأنكم إذا أردتم القيام بفريضة الصلاة المكتوبة، فعليكم بالوضوء قبل مباشرتها. قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «مفتاح الصلاة الوضوء، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» (+). وقال الإمام الرضا (عليه السلام): «إنما بُدئ بالوضوء ليكون العبد طاهراً إذا قام بين يدي الجبار عند مناجاته إياه، مطيعاً له فيما أمره، ونقياً من الأدناس والنجاسة، مع ما فيه من ذهاب الكسل، وطرد النعاس، وتزكية الفؤاد». وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا توضأ المصلي خرج من وجهه خطيئته» (+).
فرائض الوضوء هي: النية، غسل الوجه، غسل اليدين، مسح ربع الرأس، الأرجل، الترتيب والموالاة(+).
النية:
النية لغة: القصد بالقلب، ولا علاقة للسان بها. وشرعاً هي أن ينوي المتوضئ المتطهر أداء الفرض، أو رفع حكم الحدث أو استباحة(+) ما تجب الطهارة له. كأن ينوي المؤمن ويقول: نويت استباحة فرض الصلاة أو مس المصحف أو يقول مطلقاً: نويت رفع الحدث استباحة للصلاة أو الطواف أو قراءة القرآن.
ورفع الحدث يعني إزالة المانع عن كل فعل يفتقر إلى الطهارة، ويمكن أن نقول إن رفع الحدث هو إزالة المانع للطهارة أي التطهير مما يصدر من البول أو الغائط أو غير ذلك من نواقض الوضوء. وقد اتفق جميع الأئمة على أن النية فرض في الوضوء، وأن محلها حين المباشرة في العمل. والنية هي نية القربة إلى الله تعالى، أي أن يأتي المؤمن بالفعل بداعي الطاعة لله تعالى، وامتثالاً لأمره عزَّ وجلَّ.
قال الحنفية: «إن صحة الصلاة لا تتوقف على الوضوء مع النية، فلو أن إنساناً اغتسل بقصد النظافة أو التبريد، وعمَّ الغسل أعضاء الوضوء، وصلى، تصح صلاته، لأن المقصود من الوضوء هو الطهارة، وقد حصلت»(+). مع أن جميع الفقهاء قالوا بأن الأعمال المعتدّ بها شرعاً لا تكون إلا بنية، والوضوء عمل لا يحق لنا أن نقوم به إلا بنية لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» (+).
غسل الوجه:
قال الله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المَائدة: 6]...
والغسل بوجه عام هو إمرار الماء على الوجه أو اليدين حتى يسيل.
وغسل الوجه كما قال الإمامية، هو واجب الابتداء من الأعلى. أما الأربعة فقالوا: الواجب غسل الوجه، وابتداؤه من الأعلى أولى.
غسل اليدين:
{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المَائدة: 6] أي واغسلوا أيديكم أيضاً إلى المرافق، فكما أمر سبحانه وتعالى بغسل الوجه فقد أمر كذلك بغسل اليدين إلى المرافق، والمرفق هو المكان الذي يرتفق به وما يتكأ عليه من اليد أو هو المفصل بين العضد والساعد.
وقد أوجب الإمامية البدء بالمرفقين، وأبطلوا البداءة من الأصابع. كما أوجبوا تقديم اليد اليمنى على اليسرى. وقالت معظم المذاهب: الواجب هو غسل اليدين كيفما اتفق، وتقديم اليمنى، والابتداء بالأيدي من الأصابع إلى المرفق أفضل.
مسح الرأس:
لقوله تعالى تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} [المَائدة: 6]. المسح هو أن يُبل المكان المطلوب مسحه بالماء من غير أن يسيل. ولا يتوجب مسح كل الرأس، لأنَّ مسحَ جزء منه يكفي.
قالت الإمامية: المسح واجب ويكفي أن يمسح المتوضئ جزءاً من مقدم الرأس، ويكفي أقل ما يصدق عليه اسم المسح. ولا يجوز الغسل ولا الرش. كما أوجبت الإمامية أن يكون المسح بنداوة الوضوء، بحيث لو شعر المؤمن أن كفَّه قد جفَّ من ماء الوضوء فلا بأس من أن يلتمس ماء الوجه أو اليد ويمسح به رأسه، ولو استأنف ماءً جديداً ومسح به رأسه لبطل وضوؤه.
وقال الحنابلة: يجب مسح الرأس والأذنين. والغسل عندهم يجزي عن المسح بشرط إمرار اليد على الرأس.
وقال المالكية: يجب مسح جميع الرأس دون الأذنين.
وقال الحنفية: يجب مسح الرأس، ويكفي إدخال الرأس في الماء أو صبه عليه.
وقال الشافعي: يجب مسح بعض الرأس، ولو قل. ويكفي الغسل أو الرش عن المسح.
وأوجبت المذاهب الأربعة المسح «بماء جديد»(+).
مسح الأرجل:
قوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المَائدة: 6] اختلف في ذلك.
قال الأئمة الأربعة: يجب غسلهما مع الكعبين مرة واحدة.
وقال الإمامية: يجب مسحهما بنداوة الوضوء من رؤوس الأصابع إلى الكعبين، وروي عن ابن عباس أنه وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فمسح على رجليه. وروي عنه أنه قال: إن في كتاب الله المسح ويأبى الناس إلا الغسل. وقال: الوضوء غسلتان ومسحتان.
وقال قتادة: فرض الله تعالى غسلتين ومسحتين.
وقال حسن البصري بالتخيير بين المسح والغسل.
وقال الشعبي: نزل جبرائيل (عليه السلام) بالمسح. ثم قال: إن في التيمم يمسح ما كان غسلاً، ويلغي ما كان مسحاً.
وأما ما روي عن السادة أهل البيت فكثير جدّاً. ومنها عن غالب ابن هذيل قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المسح على الرجلين، فقال: هو الذي نزل به جبرائيل (عليه السلام).
وعن أحمد بن محمد قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفَّه على الأصابع ثم مسحها إلى الكعبين.
وقال الزجاج: إذا قرئ بالجر فيكون عطفاً على الرؤوس، فيقتضي كونه ممسوحاً.
وروي عن أبي زيد أنه قال: المسح خفيف الغسل، فقد قالوا: تمسحت للصلاة، ولم يجيزوا القول: تغسلت للصلاة لأن ذلك تشبيه بالغسل، ولذلك قالوا بدلاً من ذلك تمسحت، لأن المغسول من الأعضاء ممسوح أيضاً.
وقال المرتضى: إن جعل التأثير في الكلام للقريب أولى من جعله للبعيد. وإن الآية القرآنية الكريمة في أولها {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المَائدة: 6] قد انقطع حكمه باستئناف الجملة الثانية منها {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المَائدة: 6] وأما ما روي في الحديث من أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) توضأ وغسل رجليه، فالكلام في ذلك أنه لا يجوز أن يُرْجَعَ عن ظاهر القرآن المعلوم بظاهر الأخبار الذي لا يوجب علماً.
والحقيقة في رأينا، أن المسح على طهارة هو الأيسر، لأن الله يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البَقَرَة: 185]. وهذا هو المطلوب. ثم إذا قلنا بوجوب الغسل فكيف نفسر جواز المذاهب الأربعة للمسح على الخفين والجوارب، وأصحابها يستشهدون بكثير من أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) منها المروي عن أوس بن أوس أنه قال «رأيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) توضأ ومسح على نعليه ثم قام فصلى»(+) وعن عمرو بن أمية أنه قال: «رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يمسح على عمامته وخفَّيه»(+) وعن بلال أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «امسحوا على الخفين والخمار» (+). وهذا كله اعتراف منهم بجواز المسح. في حين أن الإمامية قالوا بعدم جواز المسح إلاّ على الرجلين، لاعتدادهم بضعف تلك الأحاديث من ناحية، ولاعتبارهم من ناحية ثانية بأن القرآن الكريم قد ذكر بوضوح الأرجل فقط دون غيرها.. هذا في حين أن السيد سابق في كتابه (فقه السنة) - المجلد الأوّل ص61 - يروي عن النووي أنه قال: «اجمع من يعتد به في الإجماع على جواز المسح على الخفين، في السفر والحضر، سواء كان لحاجة أو غيرها، حتى للمرأة الملازمة وإنما أنكرته الشيعة والخوارج ولا يعتد بخلافهم». ويتابع السيد سابق فيقول: «وأقوى الأحاديث حجة في المسح ما رواه أحمد، والشيخان، وأبو داود، والترمذي عن همام النخفي أنه قال: «بالَ جريرُ بن عبد الله ثم توضأ ومسح على خفَّيه، فقيل: تفعل هذا وقد بلت؟ قال: نعم، رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بال ثم توضأ ومسح على خفيه».
فتأمل أيها القارئ الكريم بما ذهب إليه النووي ونقله السيد سابق هدانا الله تعالى وإياهما إلى ما يحبه ويرضاه من أن الشيعة والخوارج لا يعتد برأيهم في المسح. ونترك لك أيها المؤمن الكريم الحكم فيما قرأت وعلمت، يقتضي منك التفكير كيف يذهب الحال ببعض علمائنا لأن يقولوا بوجوب المسح على الخف، واستنكار المسح على الأرجل.
من كل ما تقدم نخلص إلى القول بأن المسح على الأرجل، وهي طاهرة، هو أقرب إلى النص القرآني وأيسر، إذ لا بد من إزالة النجاسة بالغسل في جميع الأحوال.. وإذا أردنا الأخذ بما ذهب إليه أولئك الذين يجيزون المسح على الجوارب والخفين، والخمار والعمامة أو غطاء الرأس، فإنما تكون هذه الإجازة في حال وجود ضرر في خلعهما، أي أن هذا المسح يكون مشابهاً تماماً لغسل اليد المضمدة من جرح أو كسر، إذ نكتفي بالمسح عليها مع أن وجوب غسلها ظاهر في كتاب الله تعالى عند القيام للصلاة، وذلك لحديث جابر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: خرجنا في سفر، فأصاب رجلاً منَّا حجرٌ فشجه على رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل، فمات. فلما قدمنا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخبر بذلك قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «قتلوه، قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا؟ فإنما شفاء العيّ السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر، أو أن يعصب على جرعة ثم يمسح عليه ويغسل سائر جسده»(+).
ولا بد في ختام هذا البحث من القول بأن المسلم يعاني اليوم من اختلافات كثيرة في توضيح الأحكام الشرعية، ويتساءل: ألم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يتوضأ، وقد رآه المسلمون في حينه؟ نعم والله، لقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يتوضأ، وكان المسلمون يرون ما يفعل وقد شاهدوا بأم العين وضوءه وقيامه وقعوده. ولكن الروايات عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) اختلفت، فأخذ كل مجتهد من كلِّ الروايات ما وقع عليه وقدر على أن يستوعبه، ولكن عندما تعارض الفهم عليهم راحوا يجتهدون فوصل كل مجتهد إلى ما وصل إليه بناء على رجحان بعض الأدلة لديه.
ومع ذلك لا بد من تنبيه القارئ الكريم إلى أمر هام وهو أن عليه أن يفكر ويحلل ما وصل إليه أهل العلم، ليعلم دائماً أن الخلاف بين المجتهدين لم يكن إلا في الظنيات، أما القطعيات فمتفق عليها عند جميع المسلمين وهي تشكل النسبة الأعلى (حوالي التسعين بالمئة). فما بال الحاقدين على الإسلام والمسلمين يشهِّرون بهذا الدين القيّم ويقولون بأن المسلمين مختلفون حول دينهم؟ وما بال المسلمين ينساقون وراء التعصب الطائفي والمذهبي، وهم يعلمون حقيقة الأمر، فيأخذون بما ذهبت إليه الأقلية ويتركون ما اتفقت عليه الأكثرية ولا سيما حول الأمور القطعية التي لا جدال فيها، والتي إن غابت عن المسلمين وجب السؤال عنها، لحديث جابر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي أوردناه آنفاً، والذي يدل (بلا ريب) على وجوب السؤال عن الحكم الشرعي في أية مسألة يُظن فيها اختلاف أو يطلب صاحبها معرفة الطريق التي يترسمها.
الترتيب والموالاة:
ولكي يأتي الوضوء صحيحاً ومكتملاً شروطه وفقاً للآية القرآنية الكريمة فلا بد فيه من الترتيب والموالاة. أما الترتيب فيكون ببدء الوضوء بالوجه، فاليدين، فالرأس والرجلين. ولم ينقل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه توضأ إلاّ مرتباً، لا سيما وهو القائل (صلى الله عليه وآله وسلم) كما جاء في الأثر: «ابدأوا بما بدأ الله تعالى به» .
وأما الموالاة فهي المتابعة في غسل الأعضاء المذكورة بحيث إن فرغ المتوضئ من عضو انتقل إلى ما بعده فوراً، أي أنه يتابع غسل تلك الأعضاء بعضها إثر بعض من غير انقطاع، لأنه لا يحق له أن يقطع وضوءه بعمل خارج عن الوضوء.
والموالاة واجبة عند الإمامية والحنابلة، في حين قال الحنفية والشافعية: لا تجب الموالاة، ولكن يكره التفريق بين غسل الأعضاء من غير عذر، ومع العذر ترتفع الكراهية. وأما المالكيَّـة فأوجبوا الموالاة إذا تنبَّه المتوضئ، وإذا لم يعرض له ما لم يكن في الحسبان، كما لو ذهل من خوف أو ما شابه ذلك، حينها يبني على ما فعل.
المستحبات في الوضوء
من المستحبات في الوضوء كما اتفق عليها جميع الأئمة:
- المضمضة، وهي إدارة الماء وتحريكه في الفم. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا توضأت فمضمض»(+).
- الاستنشاق، وهو إدخال الماء في الأنف، ويجب أن يكون باليد اليمنى.
- الاستنثار، وهو إخراج الماء من الأنف، ويجب أن يكون باليد اليسرى عند غيرالإمامية. فإنّ اليمنى عندهم للوجه، واليسرى للفرج.
وتلك المستحبات الثلاث، ومعها مسح الرقبة، ومسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما، تكون بماء جديد.
موجبات الوضوء:
ينقسم الحدث إلى قسمين: أصغر وأكبر، فالأصغر(+) هو ما يوجب الوضوء فقط من غير الغسل، والأكبر منه ما يوجب الغسل، ومنه ما يوجب الغسل والوضوء معاً.
وهذه أهم الأحكام المتعلقة بموجبات الوضوء:
الصلاة: سواء أكانت صلاة واجبة أم مستحبة فالوضوء فيها واجب بإجماع الأئمة، ما عدا صلاة الجنازة، فقد قال الإمامية بأن الوضوء مستحب فيها. وكذلك الأمر في سجود التلاوة والشكر حيث أوجب الأئمة الأربعة الوضوء وجعله الإمامية مستحبّاً.
الطواف حول الكعبة الشريفة: هو كالصلاة عند جميع الأئمة لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الطواف في البيت صلاة» (+).
مس القرآن المجيد: اتفق الأئمة جميعاً على عدم جواز مس كتابه القرآن الكريم إلا بطهور - أي وضوء - ولكن تباين الرأي عندهم حول المحدث بالحدث الأصغر من حيث هل يجوز له قراءة القرآن الكريم أو كتابته عن حاضر أو عن ظهر غيب؟
قال الإمامية: يحرم مسّ الآيات القرآنية بدون حائل، سواء أكانت كتابتها في القرآن أم في غيره، ولا تحرم قراءة القرآن الكريم ولا حمله ولا مسّ ورقه أو غلافه، لما روى عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) حيث قال لولده إسماعيل: «يا بني، إقرأ المصحف». فقال ولده: «إني لست على وضوء». فقال له الإمام: «لا تمسَّ الكتابة ومسَّ الورق»(+).
وكذلك الأمر عند الإمامية فيما يتعلق بترجمة معاني ألفاظ القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية، إذ لا تحرَّم القراءة ولا الحمل ولا مسّ الورق والغلاف، وكذلك الألفاظ إلاّ اسم الجلالة فيحرم على المحدث مسّه بأية لغة كتب وفي أي مكان وجد.
وقال الحنفية: تجوز تلاوة القرآن، ولا يجوز مسّه ولا كتابته، ولو كان مكتوباً باللغة الأجنبية.
وقال المالكية: يجوز للمحدث بالأصغر قراءة القرآن عن حاضر وظهر غيب، ولكن من غير أن يمسَّ كتابته أو غلافه.
وقال الشافعية: لا يجوز مسّ غلاف القرآن ولو انفصل عنه، ويجوز قراءته وكتابته وحمله حرزاً، كما يجوز مس القماش المطرز بالآيات القرآنية.
وقال الحنابلة: يجوز له قراءته وكتابته وحمله حرزاً ضمن غلاف يغلفه.
نواقض الوضوء:
النواقض جمع ناقضة وناقض. ونقض الوضوء إخراجه عن إفادة المقصود منه كاستباحة الصلاة بالوضوء. الغائط والبول والريح: ناقضة للوضوء بإجماع الفقهاء.
الدود والدم والقيح والحصى: كذلك خروجها من البدن ينقض الوضوء عند الحنفية والشافعية والحنابلة، ولا ينقضه عند المالكية إذا كانت تلك الأشياء متولدة في المعدة، كمن بلعَ حصاة فخرجت، كانت ناقضة.
أما الإمامية فقالت: إن الحصاة لا تنقض الوضوء إلا إذا خرجت ملطخة بالعذرة.
وأما الدم والقيح، عند الإمامية والمالكية والشافعية فلا ينقضان الوضوء إذا خرجا من البدن من غير السبيلين، بينما هما عند الحنفية ينقضان الوضوء إذا تجاوزا محل الخروج.
وعند الحنابلة ينتقض الوضوء بشرط أن يكون الدم أو القيح كثيراً.
غيبة العقل: إن غياب العقل بسبب الإغماء والسكر يؤدي إلى نقض الوضوء بإجماع الفقهاء. أما النوم ففيه آراء:
قالت الإمامية: إن النوم ينقض الوضوء إذا كان ثقيلاً، أي إذا غلب على القلب والسمع والبصر، بحيث لا يسمع النائم كلام الحاضرين، ولا يفهمه، ولا يرى أحداً من حوله، من غير فرق بين أن يكون النائم مستلقياً، أو قائماً أو قاعداً. لحديث أنس رضي الله عنه قال: «كان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينتظرون الصلاة في المسجد فينامون قعوداً، ثم يصلون ولا يتوضأون»(+). مما يدل على أن يسير النوم لا ينقض الوضوء ولأن النوم، حقيقة، هو الغلبة على العقل، والناقض هو غياب العقل. فمتى كان العقل ثابتاً والحس حاضراً، بحيث يسمع صاحبه ما يُقال عنده ويفهمه، لم ينتقض وضوؤه.
وقال الحنفية: إذا نام المتوضئ مضطجعاً أو متكئاً على أحد وركيه، ينتقض وضؤوه. وإذا نام قاعداً متَّـكأً، أو واقفاً أو راكعاً، أو ساجداً، فلا ينتقض وضؤوه. لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا يجب الوضوء على من نام جالساً، أو قائماً، أو ساجداً حتى يضع جنبه» (+).
وقال المالكية: يُفصل بين النوم الخفيف واليسير، وبين النوم الثقيل والطويل. فالنوم الخفيف لا ينقض الوضوء، وكذا إذ نام المتوضئ نوماً ثقيلاً لمدة يسيرة وكان المخرج مسدوداً. أما إذا نام نوماً ثقيلاً، ولفترة طويلة، فإن وضوءه ينتقض.
وقال الحنبلية قريباً مما قاله الإمامية.
المذي والودي والوذي والمني:
قال الإمامية: إن المذي والودي لا ينقضان الوضوء وكذلك الوذي وهو الرطوبة الخارجة بعد المني. أما المني فهو يوجب الغسل دون وضوء(+).
قال الأئمة الأربعة بأن المذي والودي ينقضان الوضوء، إلاّ أن المالكية استثنوا من كانت عادته استدامة المذي، فإنها عندهم لا تنقضه.
ورأت الحنفية والمالكية والحنبلية أن المني ينقض الوضوء، بينما هو غير ناقض له عند الشافعية.
القيء:
لا ينقض الوضوء عند الإمامية والمالكية والشافعية. وهو ينقضه، عند الحنفية والحنبلية، إن ملأ الفم.
اللمس:
قال الإمامية: لا تأثير للّمس على الوضوء مطلقاً، لأن اللمس هو ملاقاة البشرتين. أما المقصود بقوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النِّسَاء: 43] فهو الجماع، لأن العرب تقول: لامست أو لمست المرأة إذا جامعتها.
وقال الحنفية: إذا لمس المتوضئ المرأة الأجنبية (غير المحرم) فوضوؤه لا ينتقض إلاّ إذا رافق هذا اللمس انتصاب القضيب عند الرجل، أو حرَّك الشهوة عند المرأة، بينما رأت الشافعية أن مجرد لمس المرأة الأجنبية بدون حائل، يؤدي إلى نقض الوضوء.
وعن مسّ القبل والدبر: قال الإمامية والحنفية، إنّ مسّ المتوضئ قبله أو دبره، ولو بلا حائل، لا يؤدي إلى نقض الوضوء، لحديث عن طلق بن علي أنه سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الرجل يمسّ ذكره، فهل عليه الوضوء؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنما هو بضعة منك» - أو «مضغة منك» (+). وقال المالكية بالتفريق بين المس بباطن الكف الذي ينقض الوضوء، وبين المس بظاهره الذي لا ينقضه.
وقال الشافعية والحنبلية: ينتقض الوضوء بالمس مطلقاً، وكيفما حصل، بباطن الكف أو بظاهره.
الشك:
اليقين هو ما يعوّل عليه في الأصل. ومَنْ تيقَّن الطهارة، وشك في الحدث، فهو متطهر. وبخلافة من تيقَّن الحدث وشك بالطهارة، فهو محدث، للحديث عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تَنقُض اليقينَ أبداً بالشك، ولكن أنقُضهُ بيقين مثله» (+). التيقّن بالطهارة والشك بالحدث، مثل لو استيقظ النائم فرأى بللاً لا يعلم أنه مني أو مذي قال الإمامية والشافعية: لا يجب الغسل، لأن الطهارة متيقنة، والحدث مشكوك فيه.
وقال أكثر الأئمة: إذا شك المتوضئ في غسل أو مسح عضو، فإن كان في أثناء الوضوء أعاد المشكوك فيه، وإن كان بعد الفراغ من الوضوء، لم يُعِدْ شيئاً، لأنه شك في العبادة بعد الفراغ منها. واتفق جميع الأئمة على أنه لا شك لكثير الشك، أي أنَّ الوسواسي لا اعتبار بشكِّه.

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢