نبذة عن حياة الكاتب
العبادات

الصـلاة
الصلاةُ لغةً هي الدّعاءُ والتبريكُ والتمجيدُ، أو الدعاءُ بخير.
يُقال: صلّيتُ عليه أي دعوتُ له وزكّيت.
قال رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا دعيَ أحدُكم إلى طعامٍ فليُجبْ، وإن كان صائماً فليصلِّ» (+) أي ليدعُ لأهلِ البيت الذي دعاه.
وصلاةُ الله تعالى للمسلمين وهي تزكيتُه - سبحانه - إيّاهم. {أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البَقَرَة: 157].
والصلاةُ من الملائكة هي الدعاءُ والاستغفارُ والتزكية. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزَاب: 56].
والصلاةُ التي هي العبادةُ المخصوصةُ أصلُها الدعاءُ. وسُمّيت هذه العبادةُ بها كتسميةِ الشيءِ باسم بعضِ ما يتضمّنهُ.
والصلاةُ في المصطلح الشرعيّ: هي أقوالٌ وأفعالٌ تُؤَدَّى بخشوعٍ وعلى نحوٍ معيّن، لأنها وقوفٌ بين يَدَيِ الله تعالى، يناجي فيها المؤمنُ ربَّه، ويتضرَّع إليه في عبادةٍ خالصةٍ لوجهه الكريم، فهي انقطاعٌ كلّيٌّ عن كلِّ أمر إلاّ التعبّد للمعبودِ الواحد الأحد، لله رب العالمين.
وتُفْتَتَحُ الصلاةُ بالتكبير «الله أكبر». وتُخْتَمُ بالتسليم «السلامُ عليكم ورحمةُ الله»، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الدعاءُ مفتاحُ الرحمة، والوضُوء مفتاحُ الصلاة، والصلاةُ مفتاحُ الجنة» (+).
ويؤدّي المسلمُ صلاتَهُ على الصورة التي صلَّى بها رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد قال صلوات الله وسلامه عليه: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (+). وعن مسند رفاعية بن رافع الزرقي، قال: «كنا جلوساً مع النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ دخل رجلٌ فصلَّى صلاة خفيفةً لا يُتمُّ ركوعَها ولا سجودها ورسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرمقُهُ، حتى أنهى صلاتَهُ، فجاء يسلِّم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فردَّ عليه السلام وقال له: أعِدْ فإنك لم تصلّ، فقال الرجل: إي رسولَ الله، بأبي أنت وأمي، والذي أنزل عليك الكتابَ، لقد اجتهدتُ وحرصتُ فأرني وعلّمني. فقال له (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا أردت أن تصلّيَ فأحسنْ وضوءَك، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأْ، ثم اركعْ حتى تطمئنَّ راكعاً، ثم ارفعْ حتى تعتدلَ قائماً، ثم اسجدْ حتى تطمئنَّ ساجداً، ثم ارفعْ حتى تطمئنَّ جالساً، ثم اسجدْ حتى تطمئنّ ساجداً ثم ارفعْ. فإذا أتممت على هذا صلاتك فقد أتممت، وما نقصتَ من هذا فإنما تنقصه من نفسك»(+).
والصلاةُ هي أوّلُ ما يُحاسَبُ عليه العبدُ يومَ القيامة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أوّلُ ما يُحاسَبُ عليه العبدُ يوم القيامةِ الصلاةُ، فإن صَلُحَتْ صَلُحَ سائرُ عمله، وإن فَسَدَتْ فَسَدَ سائرُ عمله»(+).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «الصلاةُ ميزان: من وفّى استوفى» (+). والصلاة هي آخر ما يُفقدُ من الدين، فإن ضاعت، ضاع الدينُ كلُّه. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لَتُنقَضَنّ عُرى الإسلام عُروةً عروة، فكلّما انتقضت عروةٌ تشبث الناس بالتي تليها، فأولهنّ الحكم، وآخرهُنَّ الصلاة»(+).
فوائدُ الصلاة : للصلاةِ فوائدُ، بين أبناء الأمة وبين أبناء المجتمع الإسلاميّ، لا تُعدُّ لكثرتها، ومن أهمها إعلانُ مظهرِ المساواة في صلاة الجماعة، والجميعُ يقفون صفَّاً واحداً متراصَّاً، على اختلاف المراكز والمناصب، والطبقات: الملكُ والخادمُ، الحاكمُ والمحكومُ، الغنيُّ والفقير، كلُّهم متساوون، في الصفّ الواحد، والتلاوة الواحدة، والتدرّب على الطاعة، والاتّجاه الواحد، والسعي نحو غاية واحدة من أعظم الغايات النبيلة السامية، وهي الرجاء والفوز برضوان الله تعالى.
وبالصلاة تعارفُ المسلمين وتآلفُهم، وتعاونهم على البرِّ والتقوى.
ويعدُّ المسجدُ، والصلاةُ فيه، من أعظمِ الجامعات التي تُخرِّج القياداتِ الإسلاميّةَ الواعيةَ التي يُناطُ بها أمرُ قيادة الجماعة المنظّمة، المتعاونة المتآزرة، لأن في هذا الاجتماع الذي ينعقد بعد الصلاة - فوق ما ترمي إليه خطبُ الإمام من توجيهٍ وترشيدٍ وحثٍّ على التفكير والتأمل في آيات الله تعالى، وما توضّحُ من الأحكام الشرعية، وما تبثُّ من أفكار عميقة - يجري تدارسُ أوضاع المجتمع الإسلاميّ، وما يحيق به من عثرات، وما يقتضي له من معالجات.. من هنا كانت الصلاةُ في المسجد هي السبيل للاجتماع على الخير، خيرِ المسلمين في مشارقِ الأرض ومغاربها. ولذلك حضَّ القرآنُ الكريمُ على صلاةِ الجمعةِ العظيمة، حتى يجتمعَ المسلمون، ولو لمرةٍ واحدةٍ في الأسبوع على الأقل، من أجلِ تدارس أوضاعهم، والعمل على ما فيه تقواهم وصلاحُ دينهم ودنياهم.
وفي المسجد، من خلالِ الدرس والنقاش لا بد أن يحصل تصحيحٌ لانحرافات السلطة الشرعيّة وأخطائها.
هذا فضلاً عن أن الصلاةَ الجامعةَ هي التي تجعلُ للمسلم شخصيةً مميّزةً عن غيره من شخصيات المجتمعات غير الإسلاميّة، لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من استقبل قِبْلَتَنا، وصلَّى صلاتَنا، وأكلَ ذبيحتَنا، فهو مسلم، له ما للمسلم، وعليه ما على المسلم»(+).
والصلاةُ عقدُ الصلة: الصلةِ بين العبد وربّه، وهي صلةٌ مباشرةٌ مناطُها التوجّهُ الخالصُ في القلب والجوارح للخالق العظيم، والربِّ الرحيم، ورباطُها إظهارُ العبوديّةِ لهذا الربِّ العالي المتعالي، والتماسُ الأمنِ والسكينةِ في رِحابه، وتفويضُ الأمر كلِّ له.
وتكاد الصلاةُ أن تكونَ هي الوحيدة التي توجدُ الطمأنينةَ النفسيّةَ، والراحةَ الفكريّةَ، وتُبعدُ عن الغفلة، لأنها فوق روحانيتها هي مدرسةٌ عمليّةٌ تُرَبِّي فضيلة الصدقِ بالمواعيد، والوفاءِ بالأمانة، والدأبِ على الواجب، والنظرِ إلى الأعماق، والمحاسبةِ على الأعمال، ولذلك كانت الناهيةَ عن الفحشاء والمنكر، كما قال عنها العزيز الحكيم: {إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العَنكبوت: 45].
والصلاةُ تكفّرُ السيئاتِ وتمحو الخطايا، لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسلُ فيهِ كلَّ يومٍ خمسَ مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى شيءٌ من درنه يا رسول الله. قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «فكذلك مثلُ الصلواتِ الخمسِ: يمحو الله تعالى بهنَّ الخطايا»(+).
والصلاةُ هي الفريضةُ الوحيدةُ التي أمر الله تعالى بالمحافظة عليها، في الحضرِ والسفرِ، والأمنِ والخوفِ، والصحّةِ والمرض، وفي أيّةِ حالةٍ من الحالات التي يكون عليهَا المرء. إلاّ أن يكون فَاقَد الوعي. قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ *} [البَقَرَة: 238-239].
وقال اللهُ تعالى مبيّناً كيفيّة القيام بالصلاة في السفر والحرب والأمن: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً *} [النِّسَاء: 101]. إلى قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا *} [النِّسَاء: 103].
أنواعُ الصلاة : الصلاةُ منها واجبةٌ ومنها مندوبة. وأهمُّ الصلوات كلِّها الصلواتُ الخمسُ اليوميّة، وهي واجبة حكماً، إذ قد أجمع أئمّةُ المسلمين كافةً على أن من جحد بوجوب الصلوات الخمس اليوميّة أو شكّ به، ليس بمسلم وإن نطق بالشهادتين لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «بين الرجلِ والكفرِ تركُ الصلاة» (+) وجاء في الأثر: «بين العبد والكفر تركُ الصلاة». وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «من ترك الصلاةَ متعمِّداً فقد برئت منه ذمّةُ الله ورسوله»(+). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «العهدُ الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر»(+).
وعندما يُسألُ أصحابُ النار في الآخرة عن سبب دخولهم نارَ سقر (أي نار جهنم) كما جاء في القرآن الكريم، تكون إجابتهُم: إنّهم لم يكونوا في المصلّين قال تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ *} [المدَّثِّر: 42-43].
والصلاةُ من أركان الإسلام. ووجوبُها ثابتٌ بضرورة الدين. وهي ليس محلاًَّ للنظر والاجتهاد، ولا للسؤال والتقليد.
وتباينَ الرأيُ عند أئمّة المسلمين في حكم تارك الصلاة، كسلاً وتهاوناً مع إيمانه بوجوبها.
فقال الإماميّة: «كلُّ من ترك ركناً من أركان الإسلام كالصلاةِ والزكاةِ يؤدَّب بما يراه الحاكمُ، فإن ارتدع، وإلاّ عاقبة ثانيةً وثالثةً، وإن أَصرّ واستمرَّ قتل في الرابعة»(+).
وقال الحنفيّة: يُحبسُ حبساً مؤبداً أو يصلّي.
وقال المالكيّةُ والشافعيّةُ والحنبليةُ: يُقتل.
وفي الصلاة المندوبِة أو المستحبّةِ أو النافلةِ ، تباينت المذاهبُ في عددِ رَكَعَاتِهَا:
قال الإماميّة: عَددُ ركعاتها أربعٌ وثلاثون ركعة: ثماني ركعاتٍ قبل الظهر (8) وثمانٍ قبل العصر (8) وأربعٌ بعد المغرب (4). وبعد العشاء ركعتان (2) من جلوس تُعدّان بركعةٍ واحدةٍ وتسمّى الوتيرة. وثماني ركعات (8) لصلاة الّليل وركعتا الشفع (2). والوتر عندهم ركعةٌ واحدة (1) وركعتان (2) لصلاة الصبح وتسمّآ صلاة الفجر.
وقال الحنفيّة: تنقسم النافلُة التابعة للفرائض إلى مسنونةٍ ومندوبة:
أما المسنونةُ فهي خمسُ صلوات: ركعتان (2) قبل الصبح - وأربعٌ (4) قبل الظهر - وركعتان (2) بعد الظهر في غيرِ يومِ الجمعة - وركعتان (2) بعد المغرب، وبعد العشاء.
وأما المندوبةُ فهي أربعُ صَلَوَات: أربعُ (4) ركعاتٍ قبل العصر (أو اثنتان) - وستّ (6) ركعاتٍ بعد المغرب - وأربعٌ (4) قبل العِشاء - وأربعٌ (4) بعد العِشاء.
وللحنفيّةِ اصطلاحاتٌ في ما يجبُ فعلُه، ولا يجوزُ تركُه، فهو عندهم على قسمين:
فرضٌ إذا ثبت بدليلٍ قطعيٍّ كالكتاب والسنّة المتواترة والإجماع.
وواجبٌ إذا ثبت بدليلٍ ظنيٍّ كالقياس وخبر الآحاد.
وما يرجَّحُ فعلُهُ على تركه قسمان أيضاً:
مسنون وهو ما واظب عليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والخلفاء الراشدون.
ومندوب وهو ما أمر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يواظب عليه.
وأما ما يجب تركه ولا يجوز فعله إن ثبت بدليل قطعي فهو محرم، وإن ثبت بدليل ظني فهو مكروه تحريماً.
وصلاة الوتر عند الحنفية ثلاث ركعات بتسليم واحد، ويمتد وقتها من غروب الشفق إلى طلوع الفجر.
وقال المالكية: ليس للنوافل التابعة للفرائض تحديد معين، وعدد خاص، ولكن الأفضل أربع (4) ركعات قبل الظهر، وست (6) ركعات بعد المغرب.
وقال الشافعية: الصلوات النافلة هي إحدى عشرة ركعة: اثنتان (2) قبل الصبح، وقبل الظهر وبعده، وبعد المغرب، وبعد العشاء، وركعة الوتيرة.
وقال الحنبلية: النوافل عشر ركعات: اثنتان (2) قبل الصبح وقبل الظهر وبعده، واثنتان (2) بعد المغرب، وبعد العشاء. وصلاة الوتر عندهم أقلها ركعة واحدة وأكثرها إحدى عشرة.
واتفق الأئمة على أن يبدأوا بصلاة الظهر لأنها أول صلاة فرضت ثم صلاة العصر، ثم المغرب ثم العشاء، ثم الصبح على الترتيب.
الصلاة في غير وقتها:
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من صلَّى الصلاة بغير وقتها رفعت له سوداء مظلمة، تقول: ضيّعتني ضيّعك الله. وأول ما يُسأل العبد إذا وقف بين يدي الله عزَّ وجلَّ عن الصلاة فإن زكت صلاته زكا سائر عمله، وإن لم تَزْكُ صلاته لم يَزْكُ عمله»(+).
وقال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): «لا يزال الشيطان ذِعراً من المؤمن ما حافظ على مواقيت الصلوات الخمس، فإذا ضيعهن اجترأ عليه، وأدخله في العظائم»(+).
متى فرضت الصلاة:
اتفق الأئمة على أن الصلوات الخمس قد وجبت في مكة، ليلة الإسراء، أي بعد تسع سنوات من بعثة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). وقد استدلوا على ذلك بالآية (78) الكريمة من سورة الإسراء، قال الله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا *} [الإسرَاء: 78](+).
وبالآية 114 الكريمة من سورة هود، قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هُود: 114](+). وهاتان الآيتان الكريمتان قد حددتا مواقيت الصلوات الخمس.
وقد اتفق الأئمة على أنه لا تجوز الصلاة قبل دخول وقتها لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا *} [النِّسَاء: 103].
وقت الظهر والعصر:
ويبدأ وقت الصلاة منذ زوال الشمس(+) ولكن ما هو مقدار هذا الوقت، وإلى متى يمتدّ، فقد تباينت المذاهب بشأنه.
قال الإمامية: تختص الظهر من عقب الزوال بمقدار أدائها وتختص العصر من آخر النهار بمقدار أدائها أيضاً، وما بين الأول والأخير مشترك بين الصلاتين. ومن هنا أجازوا الجمع بين الصلاتين في الوقت المشترك. وإذا ضاق الوقت ولم يبق من آخره إلا مقدار ما يتسع لصلاة الظهر فقط، قُدمت صلاة العصر على الظهر يصليها المصلّي أداءً، ثم يأتي بصلاة الظهر آخر الوقت قضاءً.
وقال الأئمة الأربعة: يبدأ وقت الظهر من الزوال إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، فإذا زاد عن ذلك خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر. عن جابر بن عبد الله قال: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء جبريل (عليه السلام) فقال له: قم فصلِّ، فصلى الظهر حين زالت الشمس، ثم جاءه العصر فقال له: قم فصلِّ، فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم جاءه المغرب فقال له: قم فصلِّ، فصلَّى المغرب حين وجبت الشمس - غربت وسقطت - ثم جاءه العشاء فقال له: قم فصلِّ، فصلى العشاء حين غاب الشفق، ثم جاءه الفجر حين سطع الفجر»(+).
قال الإمامية: امتداد الظل إلى مثله وقت فضيلة الظهر، وإلى مثليه وقت فضيلة العصر لأن تحديد وقت الفضيلة ابتداءً وانتهاءً بالمثل والمثلين غير ممكن، لأن التحديدين متعارضان، فالتحديد بالأقل يؤخذ به لأنه القدر المتيقن الذي اتفقت عليه جميع الأدلة، ويمكن رفع التعارض بحمل أخبار المثل والمثلين على أنها واردة لبيان استحباب التأخير مثل الإبراد بالظهر والعصر في أماكن شدة الحر. عن أبي ذر (رضي الله عنه) قال: كنا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في سفر فأراد المؤذن أن يؤذن الظهر فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أبْرِدْ. ثم أراد أن يؤذن فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) له: أبْردْ مرتين أو ثلاثاً حتى رأينا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في التلول(+)، ثم قال: «إن شدة الحر فيح جهنم فإذا اشتد الحر فأبْرِدوا في الصلاة» (+).
وقال الحنفية والشافعية: يبتدئ وقت العصر من زيادة الظل على مثله إلى الغروب.
وقال المالكية: للعصر وقتان: أحدهما اختياري والثاني اضطراري، ويبتدئ الأول من زيادة الظل على مثله إلى اصفرار الشمس، ويبتدئ الثاني من الاصفرار إلى الغروب.
وقال الحنبلية: من آخر صلاة العصر إلى أن يتجاوز الظل عن مثلَيه تقع الصلاة أداءً إلى حين الغروب، ولكن المصلي يأثم حين يحرم عليه أن يؤخرها إلى هذا الوقت.
وقت المغرب:
قال الإمامية: تختص صلاة المغرب من أول وقت الغروب بمقدار أدائها. ويتحقق الغروب عندهم لمجرد سقوط قرص الشمس تماماً، كما عند الأئمة الأربعة، ولكن مغيب الشمس بالنسبة إليهم، لا يعرف لمجرد مواراة القرص عن العيان بل بارتفاع الحمرة من الشفق بمقدار قامة رجل، لأن المشرق مطل على المغرب، وعليه تكون الحمرة المشرقية انعكاساً لنور الشمس وكلما أوغلت الشمس في الغروب ارتفع هذا الانعكاس.
وقت العشاء:
ويختص العشاء حتى آخر النصف الأول من الليل بمقدار أدائها، وما بين هذين وقت مشترك بين المغرب والعشاء، ولذا أجازوا الجمع في هذا الوقت المشترك بين الفريضتين، هذا بالنسبة للمختار. أما المضطر لنوم أو نسيان فيمتدُّ وقت الصلاتين إلى الفجر.
ووقت المغرب عند الأئمة الأربعة يكون عند غياب قرص الشمس بكامله، ويمتد عند الجمهور = الحنفية، والحنبلية وعند المذهب الشافعي القديم = إلى مغيب الشفق(+)، وبعده تبدأ صلاة العشاء. والمالكية على ذلك أيضاً، فقالوا: إنَّ وقت صلاة المغرب ضيق ولا متسع فيه، ولا يجوز تأخيرها اختياراً عن وقتها.
وقت الصبح:
اتفق جميع الأئمة على أن وقت الصبح يمتد من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس، إلا المالكية فقالوا: للصبح وقتان: اختياري وهو من طلوع الفجر إلى تعارف الوجوه، واضطراري وهو من تعارف الوجوه إلى طلوع الشمس.
رأي ونداء
الجمع أم التفريق بين الصلاتين؟
كثيراً ما يتساءل المسلمون المؤمنون، والشبابُ منهم خاصة، عن الدليل على جواز الجمع بين صلاتَي الظهر والعصر، وصلاتَي المغرب والعِشاء، قائلين: إذا كان الجمعُ جائزاً، فهل التفريقُ أفضل؟
الإمامية تجيز الجمع:
واقعُ الحال أن الشيعَة الإماميّة قد أجازوا الجمعَ بين صلاة الظهر وصلاة العصر، وبين صلاة المغرب وصلاة العِشاء، ولم يقولوا عن هذا الجمع إنه واجب. وعلى ذلك درجوا منذ زمن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى صار الجمعُ شعارَهم، وسيبقَوْن عليه، ما دام تشريعُه، بنظرهم، قد صدر عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتبعه عليه أهلُ بيته الأئمةُ الأطهار.
وقد رُويت أحاديثُ كثيرةٌ عن أهل بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) اقتضت الجمعَ بين الصلاتين من دون عذر، من مرضٍ أو سفرٍ أو مطر.
أحاديثُ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الجمع:
عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قال: «صلّى رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالناس الظهرَ والعصرَ حين زالت الشمسُ في جماعةٍ من غير علّة، وصلَّى بهم جماعةً المغرب والعشاء الآخرةَ قبل سقوط الشفق من غير علّة. وإنما فعل ذلك رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليتّسعَ الوقتُ على أمته».
وعن سعيد بن جُبير: عن ابن عباس: «أن رسولَ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جمع بين الظُّهر والعصر من غير خوف ولا سفرٍ، وقال: أرادَ (صلى الله عليه وآله وسلم) أن لا يُحْرَجَ أحدٌ من أمته».
وعن ابن عباس: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جمع بين الظُّهر والعصر، وبين المغرب والعشاء من غير مطرٍ ولا سفر. فقيل لابن عباس: «ما أراد به؟ قال: التوسيع لأمته»(+).
وعن عمرو بن شعيب قال: قال عبد الله: جمع لنا رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مقيماً غير مسافرٍ بين الظُّهرِ والعصر أو المغرب والعشاء. فقال رجلٌ لعبد الله بن عمر: لِمَ ترى النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فعل ذلك؟ قال: «لئلا يُحرِجَ أمته»(+).
وعن مسند ابن عباس قال: «صلّيت مع النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمانياً جميعاً، وسبعاً جميعاً بالمدينة»(+). ويقصدُ بذلك الظُّهر والعصرَ، والمغربَ والعِشاء.
وعن صالح مولى التؤمة أنه سمع ابنَ عباس يقول: «جمع رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين الظّهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة في غير سفر ولا مطر. قال: قلت لابن عباس: لم تراه فعل ذلكَ؟ قالَ: أراد التوسعةَ على أمته»(+) ومن هذه الأحاديث تتبين الحكمةُ من الجمع بين الصلاة، وخاصة في قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ولكن أردت أن أُوَسِّعَ على أمتي» ، وما استتبعه من رواية ابن عباس رضي الله عنه: «أراد أن لا يُحرَجَ أحدٌ من أمّته»(+). فالحكمةُ إذن واضحةٌ فيما قصده رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من تشريعِ جوازِ الجمع بين الصلاتين، ألا وهي التوسعةُ في الوقت، والتسهيلُ في المواظبة، فلا يحتجّ أحدٌ بانهماكه بظروفِ معيشته، أو بالتزامه بأوقاتٍ محدّدةٍ في عمله، فيقول ذهب وقت الصلاة ولا يمكنني أداؤها..
الحكمة في الجمع:
نعم لقد أراد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تكون الأمّةُ في سعةٍ من الوقت، لينصرفَ أبناؤها إلى أعمالهم. وحاجاتهم، وينتشروا في طلب العيش، وكسب الرزق الحلال، والتعاطي مع شؤون الحياة كافّة التي تفرض على المسلم أن يحقّقَ وجوده، وذاته في البيئة التي يكون فيها، لا أن يكونً كلاًَ وهمّاً على غيره من أبناء أمّته، أو غيرهم من الناس. فالله - سبحانه وتعالى - لا يريد من المسلم التخاذلَ والتكاسلَ والتواكلَ بلا جدّ ولا عمل، ومكابدةَ صروف الحياة، بل يريده عاملاً، ساعياً، باذلاً، معطاءً، قائماً بحقوق الحياة حتى يمكنَه أداءُ حقوق الآخرة..
ولا حاجةَ للتذكير بالآيات القرآنيّة الكريمة التي تحضُّ المؤمنين على السعي والعمل، وبالأحاديث النبويّة الشريفة التي تُعلي من شأن العمل والعامل. فبالعلم والعمل، تُستصلحُ والأرضُ ويعُمُّ الرخاءُ وهو ما أراده ربُّ العالمين من عباده ولعباده الصالحين.
ومن البديهيّ القولُ إن مثلَ هذه الاهتماماتِ والانشغالاتِ لن تتيحَ للمؤمن، ولا بأية صورة من الصور، أن يؤديَ كلَّ فريضة بمفردها، فلِمَ لا تكون التوسعةُ عليه في الوقت إذن والجوازُ له بالجمع، حتى لا يُعتبر تاركاً للصلاة أو يؤدّيَها قضاءً؟. لا، إنه من المفضّل أن نُيسِّرَ عليه، وأن نتركَ له فسحةَ الوقت الكاملةَ حتى يؤدّيَ فرائضَه اليوميّةَ بكلّ اطمئنان وأمانٍ نفسيَّين، فلا يشعر بأنه مذنبٌ تجاه ربّه، وربُّه لم يجعله مذنباً إذا جمع. ولذلك كانَ تشريعُ الجواز من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). رُوِيَ في كتاب «الوافي» عن عليّ بن الحسين (عليهما السلام)، ولقبه، كما يعرفُ المسلمون جميعاً، زينُ العابدين، لشدّة تعلّقه بالعبادة.. رُويَ عنه أنه كان يأمر الصبيانَ أن يجمعوا بين المغرب والعِشاء، ويقولُ: «هو خيرٌ من أن يناموا عنها».
الجمع يقطع عذر المكلّفين:
ومما لا شكّ فيه أنه بهذا الجواز للجمع بين الصلاتين قطع الشارعُ عذرَ المكلّفين، وهو وحده دليلٌ بذاته على الجمع. ومع ذلك فقد بيّن الرسولُ الكريمُ بعمله وقوله أن التفريق ليس واجباً، وذلك عندما جمع بين الصلاتين، فلم يبقَ عذرٌ لمن يظنُّ الوجوب.
الاجتهاد بوجوب التفريق:
وقد نشأ اجتهادُ وجوبِ التفريق بناءً على غلبة الظنّ من كثرة صدور التفريق بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه والسلف الصالح. ولكنَّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عمل به اختياراً، لأنه هو الصورةُ للسنّة التي كان يكثرُ منها، ولأن الاقتداءَ لا يكون إلا به (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكان العملُ عليه من المجتهدين على أنه واجب.
وأوَّلَ جماعةٌ بعضاً من أحاديثِ الرسولِ (صلى الله عليه وآله وسلم) وعملِهِ بأن التفريقَ كان لعذر، وعلى الوجوب استقرّ عملُ أئمة السنّة رغمَ ما وردَ في صحيح مسلم من أن رسولَ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جمع بين الصلاتين في الحضر من دون عذر. فقد روى سعيدُ بن جبير عن ابن عباس، قال: «صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الظّهرَ والعصر جميعاً، والمغربَ والعِشاءَ جميعاً، في غير خوف ولا سفر» قال أبو الزبير: فسألت سعيداً لِمَ فعلَ ذلك؟ فقال: سألتُ ابنَ عباس كما سألتني فقال: أراد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن لا يُحْرِجَ أحداً من أمته»(+) هذا، وغيره كثير مما ورد في صحيح مسلم.
الجمع لأجل الغيم:
ولكنّ هذه الأحاديثَ التي تجيز الجمعَ بين الصلاتين بدون عذر، وتُعدّ توسعة على المسلمين، ودفعاً للحرج عنهم، حملها البعضُ على أن الجمعَ كان لأجل الغيم، إذ صلَّى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الظّهرَ ثم انكشف الغيمُ وبان أن وقتَ العصر قد دخل فصلاّها.
الجمع الصوري:
وحملها البعضُ الآخرُ على أن الجمعَ كان صُوَرِيّاً(+). ومنهم من تأوَّل على تأخير الأولى إلى آخر وقتها، فصلاَّها، فلما فرغ منها دخلت الثانيةُ، فصلاها، فصارت صلاته صورة جمع. ولكن هذا الحَمْلَ والتأملَ كلاهما ضعيف. وقال بضعفه الزّرقاني والنووي(+).
ولم تُجزِ الحنفيةُ الجمعَ بين الصلاتين في الحضر إلا في عرفة والمزدلفة.
وقد وضع المالكيّةُ والشافعيّةُ والحنبليّةُ شروطاً في جواز الجمع تقديماً أو تأخيراً:
أولاً: خوفاً على المالِ والعرضِ والنّفس.
ثانياً: من المطر والمرض، والظلمة، والثلج، والريح الشديدة الباردة، والجليد والوحل(+).
لا بدّ من الانتباه إلى أن القرآنَ الكريمَ لم يذكرْ إلا ثلاثةَ أوقاتٍ للصلاة، قال تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا *} [الإسرَاء: 78]. أي أن الأوقاتَ المبيَّنةَ في هذه الآية المباركة هي: دلوكُ الشّمس أي ميلها للمغيب، وغسقُ الليل أي أوَّله، وقرآنَ الفجر أي صلاةَ الفجر.. ولكنّ هذا الأمرَ الإلهيَّ كان للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة، إلا أن أوقات الصلاةِ المكتوبة هي ما تواترت بها أحاديثُ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتواترت بها سنّتُه العمليّة. وعن السنّة النبويّة الشريفة كانت صلواتُ الظهرِ والعصرِ والمغربِ والعشاءِ ثم الفجر. وما دامت الصلواتُ الخمسُ هي سنّةَ الرسول الكريم، فقد وجب أن نأخذَ ما قام به هذا الرسولُ العظيم، وخاصة عندما يسهّلُ علينا أمورَ ديننا ودنيانا، ومنها تجويزُه (صلى الله عليه وآله وسلم) الجمعَ للتسهيلِ والتوسعةِ على أمّته.
والسؤال: لِمَ اتّخذ فريقٌ من المسلمين - وهم الشيعة الإمامية - هذا الجوازَ حتى صار كأنه واجبٌ عندهم، فاستمروا عليه ولم يعيروا التفاتاً إلى التفريق بين الظّهر والعصر، وبين المغرب والعشاء؟ لقد قالوا في ذلك: إن التفريقَ بين الصلاتين ليس مستحبَّاً لذاته، بل هو مستحبُّ لأجل النافلة فقط، ولتكون الصلاةُ صلاةَ الأوّابين(+)، مستندين في ذلك إلى حديثٍ لزرارة عن الباقر (عليه السلام) قال فيه: أتدري ما الذراعُ والذراعان؟ قلتُ: لِمَ جُعِلَ ذلك؟ قال (عليه السلام): لمكان النافلة، لك أن تنتفلَ من زوال الشمس إلى أن يمضيَ ذراع، فإذا بلغ فيؤُك ذراعاً من الزوالِ - زوالِ الشمسِ - بدأت الفريضةُ وتُركت النافلة. وإذا بلغ فَيْؤُكَ ذراعين بدأت بالفريضة وتركتَ النافلة»(+). وهو يشير بذلك إلى جواز الجمع بين الصلاة.
والسؤالُ الذي يدور في الأذهان هو: هل التفريقُ أفضلُ أم الجمع؟.
إن الصلاةَ في أوّل وقتها أفضلُ من تأخيرها. والجمعُ أفضلُ لأنه تعجيل بهما في أول وقتهما، إلا للمتنفّل فإن التفريقَ أفضلُ منه. وليس الجمعُ والتعجيلُ مستحبّين مطلقاً، ولا التفريقُ مستحباً مطلقاً.
وهذا بخلاف ما ذهب إليه الفريق من المسلمين أو ذاكَ، فالبعضُ منهم يرَوْنَ في الجمع واجباً بينما هو في الحقيقة جائز، فضاعوا وراحوا يتساءلون هل الجمع أفضلُ أم التفريق؟ وهم لا يعلمون أن الجمعَ هو للتسهيل والتوسعة عليهم من الشارع. والآخرون شدّدوا على أنفسهم فضيّعوا على أنفسهم رحمةً من الله الرحيم، ومن رسوله الكريم، بجواز الجمع لهم في الصلاة، مما جعله يخسرون التسهيلات التي منحهم إياها المشرّعُ العظيم.
أيها المسلمون جميعاً!
إعلموا أن الله تعالى، ربَّكم وربَّ السماواتِ والأرض، إنما يريدُ بكم اليسرَ، ولا يريدُ بكم العُسْرَ، وما جعل عليكم في الدين من حرج. فمن قدر منكم أن يصلِّي وهو يفرّقُ فالتفريقُ خيرٌ له، ومن قام بالصلاة وهو يجمعُ فالجمعُ خيرٌ له، لأن رسولَكُمُ الكريمَ، الذي لكم فيه قدوةٌ حسنةٌ، قد صلَّى مفرّقاً، وأكثر من الصلاة هذه، وصلَّى جامعاً دون أيِّ عذرٍ أو علّة، مما جعل صلاةَ التفريق جائزةً، وصلاةَ الجمع جائزةً، وليس في أيٍّ منهما وجوبٌ مطلق.
إن الغايةَ في الأصل من الفرائض الخمس هي أن تبقى الصّلةُ قائمةً بين العبد وربّه في أيّامه ولياليه، فلا يُترك لشؤون الحياة ومشاغلها أن تُفقدَهُ هذه الصلةَ أو تُبعدَهُ عنها. واعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالتقوى والبرِّ، وعملِ الخير والفلاح، والعبَادةِ والتسليم، وطلبِ العفو والرحمة، وكلُّ ذلك يتجسّد بالصلاة. فلا تجعلوا الصلاةَ، بل وأيًّا من العبادات أو الأحكام الشرعيّة، سبيلاً للخلاف أو التفرقةِ بينكم - لا سمح الله - بل هي سُبُلكم وطرقُكم إلى التضامنِ والاتّحادِ والتعاون، لأن التباين كان بسبب اختلاف آراء الفقهاء والمجتهدين، وقد تناول الشكليّات وحدها دون الجوهر، وهو غنًى لكم ولدينكم حتى يكون أمام المسلمين عدةُ سبلٍ يسلك منها المسلم المذهبَ الذي يوافقُه، وما ينبثقُ عنه من أفكارٍ وطرائقَ عمليّة.
أيها المسلمون: في الأصل ليس بينكم أيُّ خلافٍ أو تباينٍ، على الأركان، وعلى الأسس القويمة لدينكم. فهي، والحمد لله، واحدةٌ. وجميعُكم متفقون عليها. فلا تدعوا للشكليات أن تُباعد بينكم وتوهن قواكم وعزائمكم. إنَّ ديننا مفخرةُ هذه الدنيا. وأحكامُه هي نبراسُها المشرّف. ويكفينا من هذا الدين، ومن هذه الأحكام أننا نتوجّه في عبادتنا للخالقِ العظيم، والربِّ الرحيم.
يا أبناء الإسلام!
انبذوا كلَّ فرقة، وكلَّ تقليدٍ أعمى يمكن أن يقودَ إلى النزعات والأهواءِ ويغلِّبَ العصبية على الدين. وخذوا دينكم وعباداتكم بالسهولة واليسرِ لأن إسلامَكُمْ هو الشريعةُ السمحاءُ، ونورُ الله تعالى الذي يهدي إلى الحق.
الأذان والإقامة
الأذان: هو كلّ ما يُعلمُ بشيء، نداءً.. وهو نوعٌ من أنواع الإعلام، قال الله تعالى: [Kerr] ، أي وأعلمِ النّاسَ بالحج. وقد كان أمر الله تعالى إلى إبراهيمَ (عليه السلام)، إذ فرغ من إعادة بناء الكعبة الشريفة على الأساس الذي كُلّف به، أن يؤذّنَ في الناس بالحجّ، أي أن يدعوَهمْ إلى بيتِ الله الحرام ليزوروا الكعبة التي أعزها الله تعالى، ويقيموا شعائر الحج.
والإذن في الشيء: هو إعلامٌ بإجازته و الرخصةِ فيه. قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النِّسَاء: 64]. أي أنه - سبحانه - ما بعث أيَّ رسولٍ ورخَّص له إلا ليُطَاعَ بأمره تعالى. والأذانُ في الصلاة: هو قول مخصوص يُعلَمُ به وقتُ الصلاة نداءً.
قال الإماميّةُ والحنفيّةُ والشافعيّةُ: الأذانُ سنّةٌ مؤكّدة. وقال المالكيّة: هو واجب كفاية في البلد الذي يُقامُ به الجمعة، فإذا ترك أهْلُهُ الأذانَ قوتلوا على ذلك. وقال الحنبليّة: هو فرضُ كفايةٍ، في القرى والأمصار للصلواتِ الخمسِ، على الرجالِ في الحضرِ دون السّفر.
مشروعيّةُ الأذان وفضلُه:
قال الله تعالى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ} [المَائدة: 58] أي إذا أذَّنتم لتقيموا الصلاة. وقال رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا كنتَ في غنمك أو باديتكَ فأذّنتَ بالصلاة فارفع صوتك بالنّداء، فإنه لا يسمعُ صوتَ المؤذّن جنٌّ ولا إنسٌ ولا شيءٌ إلا شهد له يومَ القيامة»(+).
قال الإماميّة: لا يُشَرَّعُ الأذانُ إلا في الصلواتِ الخمس اليوميّة فقط. ويُستحبُّ لها قضاءً وأداءً، وجماعةً وفرادى، حضراً وسفراً، للنساء والرجال. ولا يجوزُ الأذان لأيَّةِ صلاةٍ غيرها مستحبّةً كانت أو واجبةً، وإنما يقولُ المؤذّنُ في صلاةِ العيدين، والكسوفِ والخسوفِ: «الصلاةَ، الصلاةَ، الصلاة. أي يكرّرها ثلاثاً، كما رويَ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على لسان عبد الله بن عمر: «لما انكسفت الشمس على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نودي: «الصلاة جامعة»(+).
شروطٌ في الأذان:
اتفق جميعُ الأئمّة على عدم اشتراط الطّهارةِ للأذان.
وتباينت آراؤهم في الأمور التالية:
- النيّة: قال الحنفيّةُ والشافعيّةُ: يصحُّ الآذانُ بدون نيّة. وقالت بقيّةُ المذاهب: لا بدّ من النيّة.
- اللّغة: قال الحنفيّةُ والمالكيّةُ والشافعيّةُ: لا يجوز للعربيّ أن يؤذّنَ بغير العربيّة. ويجوزُ للأعجميِّ أن يؤذّنَ بلغته لنفسه ولجماعته.
- الموالاة: اتّفق جميعُ الأئمة على أنه يُشترطُ لصحّة الأذانِ الموالاةُ وتتابعُ الكلمات، والترتيبُ بين الفصول.
المؤذّن:
اتّفق جميع الأئمة على أن المؤذّنَ يجبُ أن يكون ذَكَراً، مسلماً، عاقلاً. ويصحُّ الأذانُ من الصبيّ المميِّز.
وعن أذان المرأة:
قال الإماميّة: يُسْتحبُّ للمرأة أن تؤذّن لصلاتها لا للإعلام. كما يُستحبُّ في صلاةِ جماعةِ النساء أن تؤذّنَ إحداهن وتقيم، ولكن على شرطِ ألاَّ تُسمعَ الرجال.
وعند الأئمة الأربعة يُستحبُّ للمرأة أن تقيمَ الصلاةَ ولكن يُكرهُ أن تقومَ بالأذان.
الإقامة:
هي ليست واجبةً بل مستحبّة عند جميع الأئمة للرجالِ والنساء، في الصلوات الخمس اليومية، وحكمها حكم الأذان. وتأتي الفريضةُ بعدها مباشرة.
والسؤال:
إذا نحن جمعنا بين صلاة الظهرِ والعصرِ، أو المغربِ والعشاءِ، هل نحن بحاجة إلى أذانينِ وإقامتين؟.
كلا، نحن بحاجة إلى أذانٍ واحد فقط، وإقامتين: لكل صلاةٍ قائمة. رَوَى عبدُ الله بنُ سنانٍ (رضي الله عنه) عن جعفر الصادق (عليه السلام) قال: «إن رسولَ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جمع بين الظُّهرِ والعصرِ بأذانٍ وإقامتين، وجمع بين المغربِ والعِشاءِ في الحضر، من غير علّة، بأذانٍ واحد وإقامتين»(+).
وعن جابر (رضي الله عنه)، قال: «إن النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) جمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة بأذانٍ وإقامتين»(+) ولكنّ المشاهدَ في الواقع، والمعمولَ به فعليَّاً، هو أنه في المساجد التي يقومُ على خدمتها الإماميّةُ نجدُ أنهم يقتصرون على الأذان ثلاثَ مرّاتٍ في اليوم فقط، كونهم يجمعون، وباستمرار، بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، ولهم نظرةٌ معيّنةٌ للمواقيت، من حيث دخولُ العصر، بعد أداءِ فريضةِ الظّهر، ودخولُ العِشاءِ بعد أداءِ فريضةِ المغرب.
هذا في حين أن الذين يقومون على خدمة المساجد من أصحاب المذاهب الأربعة، يؤدون الأذانَ خمس مرات في اليوم، أي لكل صلاةٍ أذان، لأنهم لا يعملون بالجمع إلاّ لعذر، أو سببٍ مانعٍ للتفريق بين الصلوات. ونحن نقول لجميع المسلمين: إذا كان رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد جمع في الحضر، وبدون عذر أو سبب، بين الظُّهرين، وبين العشاءين، فلِمَ لا نفعلُ اليومَ، كما فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا سيّما وأن ما أراده رسولكم الكريمُ هو التوسعةُ على أمّته، بما يجعلُ في الجمع تيسيراً من الشارع لكم، وأنتم اليوم بأمسّ الحاجة إلى هذا التيسير والتسهيل نظراً لمتطلبات العيش الكثيرة، والظروف الضاغطةِ التي تفرضُها عليكم حياةُ العصر. ونظرةُ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هي ثاقبة، هادفة في الشموليّة والفعاليّة والغاية، لأنه بُعث بالشريعة السهلة السمحاء التي تواكبُ كلَّ عصرِ، وكلَّ مستجدّ في الحياة، شرطَ أن يْتكيَّف معها بما يوافقُ الإسلامَ ولا يعطّل على أبنائه شيئاً من أمور حياتهم.
أما بخصوص الأذانِ فلِمَ لا يكونُ خمس مرات في اليوم، ويكون لمن أراد التفريق، لكلِ صلاةٍ أذانٌ وإقامة؟ لا سيما وأن الصلواتِ هي خمسُ فرائضَ في اليوم، وليست ثلاثاً، وأن الجمعَ شرعه الشارعُ جوازاً وليس وجوباً. فالحقُّ أن يُذكِّر بها الإسلام خمس مرات في اليوم. من هنا أيضاً كان فضلُ الأذان بأنه نداءٌ وتذكيرٌ للمؤمنين بالفرائضِ الخمس، بحيث يؤدَّى أذانُها في مواقيته، لأننا، وفي وسط الانهماك والانشغال بأمور حياتنا نرى أنه أجمل الأشياء أن نسمعَ ذكرَ الله الجليل يتعالى، ويصدحُ في الأجواء، مذكِّراً المسلمين بأحقيّة فريضتهم، وداعياً إياهم للاستجابة إلى النداء، وأداء هذه الفريضة، لمن تقاعس أو أهمل أو شغلته الحياة عن القيام بهذا الواجب المقدس.
نعم، نحن بأمسّ الحاجة لسماع هذه الشعيرة المباركة، تتردّدُ في آذاننا خمسَ مرّاتٍ في اليوم، لأنها نداءٌ موجّهٌ إلى المؤمنين للإقبال على ذكر ربّهم، وعبادته، والاتصال به، واللجوء إلى حماه، والتفرغ في وقتٍ معيّنٍ لمناجاته، والتضرعِ إليه - سبحانه وتعالى ـ. وها نحن نبيّنُ فضلَ الأذانِ خمسَ مراتٍ في اليوم، كما تحقَّقه السلفُ الصالحُ، فقد ورد في كتاب (وسائل الشيعة) بابٌ كامل، اسمه بابُ مستحبّات الأذانِ والإقامة لكل صلاة. وفي هذا الباب رواياتٌ كثيرةٌ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الكرام حول ذلك. ومنها: عن أبي عبد الله (عليه السلام): «من صلّى بأذانٍ وإقامةٍ صلى خلفه صفّان من الملائكة، ومن صلَّى بإقامةٍ بغير آذانٍ صلَّى خلفه صفٌّ واحدٌ من الملائكة».
وعن أبي ذرّ (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في وصيّته له قال: «يا أبا ذرّ! إذا كان العبدُ في أرضٍ قفراءَ فتوضأ، أو تيمّم، ثم أَذَّنَ، وأقامَ، وصلَّى، أمرَ الله تعالى الملائكةَ فصلّوا خلفه صفّاً لا يُرى طرفاه، يركعون لركوعه، ويسجدون لسجوده، ويؤمنون على دعائه. يا أبا ذرّ! من أقام ولم يؤذّنْ لم يصلِّ معه إلاّ ملكان».
من هنا كان نداؤنا إلى جميع إخواننا المسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها:
الله الله في الوحدةِ في صفوفكم لقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا} [آل عِمرَان: 103].
وإياكم وهذه الفرقةَ لأنها مجلبةٌ للفتنة، ومخالفةٌ لأمر الله تعالى في الاعتصام والوحدة والتعاون.
كونوا على يقينٍ بأنَّ الجمعَ في الصلاتين جائز، وأن الأذانَ خمسَ مرات في اليوم وسواء كان واجباً عند بعضكم ومستحباً عند بعضكم الآخر فإن فضائلَهُ كثيرةٌ عند ربِّ العالمين. ففي الجمع في الصلاة تسهيلٌ لأمور حياتكم من الشارع، وفي الأذانِ المتكرّر في مواقيتِ الفرائضِ ذكر الله تعالى.، ودعوتُه لأعظم فريضةٍ فرضها عليكم. فهل أنتم واعون ومدركونَ؟!
القِبلة
اتّفق الأئمةُ جميعاً على أن الكعبةَ الشريفةَ هي قِبلةُ القريب الذي يُبصرها. وأما قِبلةُ البعيد فهي الجهةُ التي تقع فيها الكعبةُ أعزَّها الله تعالى. أما من جهل موقعَ القِبلة، وتعذَّرت عليه معرفة البقعة أو الناحية من الأرض التي تكون فيها بالنسبة إليه، فمن واجبه أن يتحرّى عنها، ويجهدَ حتى يعلمَ أنها في جهةٍ معيَّنة. وإذا لم يحصلْ له العلمُ، وحتى الظنُّ الغالبُ في ذلك، فقد أجاز له الأئمةُ الأربعةُ وجماعةٌ من الإماميّةِ أن يصلِّي لأيِّ جهةٍ كانت، تصحُّ صلاتُهُ، ولا تجبُ عليه الإعادة. وهذا معقولٌ ومقبولٌ شرعاً، طالما أنه تحرَّى وسعى، ولم يصّلْ إلى اليقين في معرفة الكعبة. كما أنه يتوافق تماماً مع حكم الله تعالى، لقوله عزّ وجلّ: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البَقَرَة: 144] وقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البَقَرَة: 115]. فالآيةُ الأولى واضحةٌ لمن عرف موقعَ القبلة، فعليه أن يتوجَّه إليها في صلاته. والآيةُ الثانيةُ خاصةٌ بالمؤمن الذي لا يعرفُ وجهةَ القبلةَ فرخّصَ له ربُّهُ تعالى أن يصلّي إلى أيّةِ جهة، ولم يشترطْ عليه شرطاً آخر. ومع ذلك فقد قال الشافعية إنّ عليه الإعادة متى عرف القبلة. هذا في حين أن كثيراً من الإمامية قالوا بأن يصلي إلى الجهات الأربع امتثالاً للأمر بالصلاة، وتحصيلاً للواقع. وإذا لم يتسع الوقت لإعادة الصلاة أربع مرات، أو عجز عن أدائها إلى الجهات الأربع اكتفى بالصلاة إلى أية جهة كانت.
شروط الصلاة:
الشرط ما يلزم من عدمه العدم، أي أن عدم تحقق الشرط ملازم لعدم تحقق الشيء المشروط له. ولا يلزم من وجوده وجود ولا من عدم كالوضوء للصلاة، فإنه يلزم من عدمه عدم الصلاة، ولا يلزم من وجوده وجودها ولا عدمها.
إن الشروط التي يجب على المصلي أن يقوم بها قبل الصلاة، بحيث لو ترك منها شيئاً تكون صلاته باطلة هي:
- العلم بدخول الوقت.
- الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر.
- طهارة الثوب والمكان.
- ستر العورة وما يحرم النظر إليه من البدن.
والشروط الثلاثة الأُول عليها اتفاق بالإجماع، أما الأخير فقد تفرعت عنه أحكام كثيرة بحسب آراء الفقهاء، ومنها نظر الإنسان إلى نفسه أو إلى غيره. وهاكم تلك الأحكام كما وردت لدى مختلف المذاهب:
أ - لم يتفق الأئمة حول ما يتعلق بستر عورة الإنسان عن نفسه، وهل يحرم عليه أن يكشف عن عورته إذا كان في خلوة، وأمِنَ من وجود الناظر؟.
قال الإمامية: لا يحرم ولا يكره مع عدمِ وجود الناظر.
وقال الحنفية والحنبلية: كما لا يجوز للمكلف أن يكشف عن عورته مع وجود من لا يحل النظر إليها، كذلك لا يجوز أن يكشف عنها إذا كان في خلوة إلاَّ لضرورة من قضاء حاجة أو اغتسال.
وقال المالكية والشافعية: لا يحرم، بل يكره إلاّ للضرورة.
ب - وحول ما يجب على المرأة أن تستره من بدنها عن محارمها من الرجال - عدا الزوج - وعن أمثالها من النساء فإن الآية 31 من سورة النور من القرآن الكريم قد عدَّدت الرجال، الذين هم محارم المرأة، والتي يحق لها أن تبدي زينتها أمامهم، وكذلك النساء التي تبدي زينتها أمامهن، وهن: «نساءهنَّ» يعني بهنَّ: النساء المسلمات، المؤمنات، فتكون الآية الكريمة قد نهت النساء المسلمات أن يتجرَّدن أو يكشفن لغير المسلمات، وحملت الحنفية والمالكية والشافعية هذا النهي على التحريم، بينما قال الإمامية والحنبلية إنه لا فرق بين المسلمة وغير المسلمة، فكل من لا تدخل في محارم المرأة من النساء حكمها حكم الرجل، بحيث لا يجوز أن تبدي زينتها أمامها.
ولكن ما هي حدود هذا الستر؟
قال أكثر الإمامية: يجب على المرأة أن تستر السوأتين عن النساء المسلمات والمحارم، وستر ما عداهما أفضل إنما ليس بواجب إلا خوف الفتنة.
أما الحنفية والشافعية فقد أوجبوا على المرأة الستر ما بين السرَّة والركبة، بينما قال المالكية والحنبلية بأن تستر عن النساء ما بين السرة والركبة، وعن محارمها الرجال جميع بدنها إلاّ الأطراف كالرأس واليدين.
ج - وقد اتفق جميع الأئمة على أن بدن المرأة كله عورة بالنسبة للأجنبي ما عدا وجهها وكفيها لقول الله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النُّور: 31] فالظاهر من الزينة هو الوجه والكفان. أما الخمار فهو غطاء الرأس والعنق لا غطاء الوجه كما يتوهم البعض. وأما الجيب فهو الصدر. وبذلك فإن أمر الله تعالى هو أن يَضَعْنَ الغطاء على الرأس وينزلنه إلى العنق والصدر.
أما قول الله تعالى مخاطباً رسولَهُ الكريم: {يَاأَيُّهَا ؛ النَّبِيُّ قُلْ لأَِزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ} [البَقَرَة: 21]، [الأحزَاب: 59]. فإنه أمر باللباس الساتر للجسم من القميص والثوب، لأن الجلباب هو الملاءة التي تضعها المرأة على جسمها، أو الثوب الذي تلبسه حتى أخمص القدمين.
د - ما يجب على الرجل ستره من بدنه.
وهنا أيضاً مثار تباين في الآراء. فالإمامية يفرقون بين ما هو الواجب على الناظر، والواجب على المنظور إليه، معتبرين أن الرجل لا يستر إلاّ القبل والدبر، أما النساء غير المحارم فيجب أن يحبسن أنظارهن عن الرجل ما عدا الوجه والكفين.
وقالوا: يجوز للرجل أن ينظر، بدون ريبة، إلى بدن مثله، وإلى بدن امرأة من محارمه، ما عدا القبل والدبر، وكذا المرأة يجوز لها النظر، بدون ريبة، إلى بدن مثلها، وإلى بدن رجل محرم ما عدا السوأتين.
وقال الحنفية والحنبلية: يجب على الرجل أن يستر ما بين السرة والركبة فقط عند أمنِ الفتنة.
أما المالكية والشافعية فقد قالوا إن لعورة الرجل حالتين: إحداهما بالنسبة إلى أمثاله من الرجال ومحارمه من النساء. وأخرى بالنسبة إلى النساء الأجنبيات. ففي الحالة الأولى يجب عليه أن يستر ما بين السرّة والركبة فقط، وفي الحالة الثانية يكون جميع بدنه عورة ويحرم على المرأة الأجنبية النظر إليه، إلاّ أن المالكيّة استثنوا الأطراف عند أمن التلذذ(+).
هـ - عورة الصغير:
قال الإماميّة: يجب التستر عن الصبي المميز الذي يُحسن وصف ما يرى، وبخلافه من لا يحسن الوصف فلا يجب التستر عنه. ويحبس النظر عن عورة الصبي عندما يبلغ السادسة من عمره.
وقال الحنفية: لا عورة لابن أربعٍ فما دون، وما زاد فعورته القبل والدبر ما دام لم يبلغ حد الشهوة، فإذا بلغه فحكمه حكم البالغين، ودون فرق بين الذكر والأنثى.
وعند المالكية: يجوز للمرأة أن تنظر وتلمس الصبيَّ حتى يبلغ الثامنة من عمره، وتنظر إلى صبي في الثانية عشرة ولا تلمسه، فإذا زاد سنه على الثانية عشرة صار حكمه حكم الرجال. ويجوز للرجل أن ينظر إلى الطفلة، بنت سنتين وثمانية أشهر، وأن يلمسها، فإذا بلغت الرابعة يجوز النظر إليها دون اللمس.
وعند الشافعية: عورة الصبي المراهق كعورة البالغ. أما دون المراهق فإن لم يحسن الوصف فلا عورة له، وإنْ أحسنَه بشهوة فهو كالبالغ.
أما الصبية غير المراهقة فإن كانت مشتهاة فهي كالبالغة، وإلاّ فلا، إلاّ أنه يحرم النظر إلى قبلها إلا لمن هو قائم على تربيتها من النساء.
وعند الحنبلية لا عورة لمن لم يبلغ السابعة من عمره، فيباح مس جميع بدنه والنظر إليه، وما زاد إلى ما قبل تسعٍ فعورته القبل والدبر إن كان ذكراً، وإن كانت أنثى فإن جميع بدنها عورة بالنسبة للأجانب غير المحارم.
صوت المرأة:
اتفق جميع الأئمة على أن صوت المرأة الأجنبية المسلمة أو غير المسلمة، ليس بعورة إلا إذا كان بتلذذ، أو مع خوف الفتنة. ففي مخاطبة نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول الله تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا *} [الأحزَاب: 32]، أي فلا تُظهرن رقةً في القول، ولا ليونةً في الكلام مع الرجال، ولا تخاطبن الأجانب عنكنّ، غير المحارم، مخاطبة قد تؤدي إلى طمعهم، كما هي الحال مع امرأة ترغب في الرجال، فيطمع بها الفاحش، والفاجر، الذي ملأَ قلبَه مرضُ الفاحشة في التعاطي مع النساء.
تحريم المسّ:
اتفق الأئمّة جميعاً على أن كل ما حَرُمَ النظر إليه حُرّم مسّه، لأن المسّ أقوى وأشد في التلذذ من الاستمتاع بالنظر، فالرجل يجوز له النظر إلى وجه الأجنبية وكفَّيها، ولكن لا يجوز له المسّ إلاّ لضرورة كإنقاذ غريق وعلاج مريض.
وقد أجاز الإمامية والحنفية مسّ جسد المحارم فقط، وإنما بشرط عدم الشهوة أو التلذذ.
الستر أثناء الصلاة:
والساتر أثناء الصلاة، هو ما يحجب لون البشرة، فإن ظهر لون البشرة فيكون وجود الساتر كعدمه لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنه): «يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيضة، لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا» وأشار إلى وجهه وكفيه(+). والساتر يجب أن يكون طاهراً، وهو شرط لصحة الصلاة.
اتفق الأئمة جميعاً على أنه يجب على كل من المرأة والرجل أن يستر من بدنه في الصلاة، ما وجب عليه ستره عن الأجانب خارج الصلاة، وتباينت آراؤهم فيما زاد عن ذلك:
قال الإمامية: للمرأة أن تكشف عن وجهها حين الصلاة بالمقدار الذي يغسل في الوضوء، والكفين والقدمين ظاهرهما وباطنهما.
أما الرجل فيجب أن يستر السوأتين، والأفضل ستر ما بين السرة والركبة.
وقال الحنفيّة: على المرأة أن تستر ظاهر الكفين، وباطن القدمين، والرجل يستر الركبة علاوة عما بينها وبين السرة.
أما المالكية والشافعية فقد أجازوا للمرأة، أن تكشف، حين الصلاة، عن الوجه وعن ظاهر وباطن الكفين.
ولم تجز الحنبلية للمرأة إلاّ كشف الوجه فقط.
ما يُعفى عنه لصحة الصلاة:
اتفق جميع الأئمة على أن طهارة البدن والساتر شرط أساسي لصحة الصلاة، إلا أن كل مذهب من المذاهب الخمسة قد استثنى بعض الأشياء التي يُعفى عنها في الصلاة.
رأي الإمامية: قالوا بأنه يعفى عن دم الجروح والقروح النازفة قليلاً كان أو كثيراً، وسواء أصابت البدن أو اللباس إذا كان في إزالتها ضرر أو مشقة.
ويعفى عن الدم، لأقل من سعة الدرهم، سواء من المصلي أو من غيره، سواء كان في البدن أو الثوب، بشرط أن لا يكون من الدماء الثلاثة: الحيض والنفاس والاستحاضة، وألاَّ يكون أيضاً من دم نجس العين كالخنزير والكلب، ولا من دم الميتة. كما أنه يُعفى أيضاً عن تنجس ثوب المربية ببول الصغير سواء أكانت أمه أم غيرها، على أن تغسله مرة واحدة كل يوم وأن يتعذر عليها إبداله. وفي حال الاضطرار، يعفى عند الإمامية، عن كل نجاسة في الثوب أو البدن.
رأي الحنفية: قالوا بأنه يعفى عن النجاسة إذا كانت على قدر الدرهم، دماً كانت أو غيره، وعن بول وخرء الهرة والفأرة في حالة الضرورة.. وعن رشاش البول إذا كان رقيقاً كرؤوس الأبر. وعما يصيب الجزار (القصّاب) من الدم للضرورة. وعن طين (وحل) الشوارع ولو كان مخلوطاً بنجاسة غالبة ما لم تُر عين النجاسة وبالتالي يعفى عندهم عن النجاسة المخففة كبول ما يؤكل لحمه إذا استوعبت ربع الثوب، أو أقل من ربع البدن.
رأي المالكية: قالوا بأنه يعفى عن سلس(+) البول والغائط، وبلل البواسير، وعمَّا يصيبُ ثوب أو بدن المرضعة من بول أو غائط رضيعها، وعما يصيب ثوب أو بدن الجزار، أو الطبيب الجراح، أو نازح المراحيض.
ويعفى عن الدم، ولو من خنزير، شرط ألا يزيد على مقدار الدرهم، وعما يخرج من الدمامل - دماً أو قيحاً -.
رأي الشافعية: يعفى عندهم: عن كل نجاسة قليلة لا يدركها البصر، وعن طين الشوارع إذا اختلط بنجاسة مخففة، وعن دود الفاكهة والأجبان، وعن المائعات النجسة التي تضاف على الأدوية والروائح العطرية، وعن خُرُوءِ الطيور وعن القليل من الشعر النجس إلاّ شعر الخنزير والكلب.
رأي الحنبلية: يعفى عندهم: عن الدم والقيح اليسيرين، وعن طين الشوارع ولو تحققت نجاسته، وعن النجاسة تصيب عين الإنسان ويتضرر لغسلها.
لبس الحرير والذهب:
إن لبس الحرير والذهب، محرَّم عند جميع الأئمة، على الرجال في الصلاة وخارجها. وجائز للنساء لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الحريرُ والذهبُ حرامٌ على ذكور أمتي وحلٌّ لإناثهم» (+).
وقد فصَّل الإمامية في لبس الحرير والذهب بعض الشيء، فقالوا بأن الصلاة لا تصحّ للرجال بالحرير الخالص، ولا بالثوب المموَّه بالذهب الخالص، حتى ولو كان هذا الذهب خاتماً. ولكنهم أجازوا لبس الحرير والصلاة فيه لمرض، أو حالة حرب.
واتفق الأئمة الأربعة على أن للمضطر أن يصلي بالحرير، من غير أن تتوجب عليه الإعادة.
الساتر المغصوب:
رأى الإمامية أن المسلم الذي يصلي بثوبٍ مغتصب، تبطل صلاته مع علمه المسبق بهذا الغصب، بل وشدّد بعضهم على عدم صحة صلاة المرء الذي يصلي بثوبٍ يحوي خيطاً مغصوباً، أو يحمل حقيبة مغصوبة في جيبه، أو نقوداً، أو أي شيء مغصوب، مهما كان قليلاً، وكل ذلك مع العلم بالغصب، فإذا صلَّى في المغصوب جهلاً أو نسياناً تصح صلاته.
هذا في حين ذهبَ الأئمة الأربعة إلى القول بصحة الصلاة في المغصوب، لأن النهي لا يعود إلى الصلاة كي يمنع من صحتها.
الساتر النجس:
قال كثير من الإمامية، وقال معهم المالكية: تجوز الصلاة عند الاضطرار بالثوب أو الساتر النجس، من غير أن يتوجب على المصلي إعادة. في حين قال الحنفية والشافعية بجواز الصلاة عرياناً، وعدم الصلاة في الثوب النجس. بينما الحنبلية تجيز الصلاة بالثوب النجس مع وجوب إعادتها.
الإمامية وحدهم انفردوا بالقول بعدم صحة الصلاة في جلد حيوان غير مأكول اللحم وإن دبغ، أو بشيءٍ من شعره أو من صوفه أو ريشه أو وبره، أو مع وجود شيء من فضلاته.
المكان المغصوب:
قال الإمامية: إن الصلاة تبطل إذا أقيمت في مكان مغصوب أو غير مأذون من المالك. إلا أنهم أجازوها في الأراضي الواسعة، متى تعذر على الإنسان اجتنابها، حتى وإن لم يحصل الإذن، أو يعلم المنع من صاحبها.
وقال الأئمة الأربعة بصحة الصلاة في هذا المكان، ولكن يأثم المصلي. والحجة في ذلك أن النهي لا يعود إلى الصلاة، وإنما إلى التصرف، تماماً كالصلاة في الثوب المغصوب.
طهارة المكان:
طهارة المكان الذي يصلي فيه المسلم شرط لصحة الصلاة.
ولكن الإمامية يقولون بأنه يكفي أن يكون موضع الجبهة طاهراً حتى تصح الصلاة، أما نجاسة ما عدا ذلك فلا يؤدي لبطلان الصلاة بشرط أن لا تتعدى النجاسة إلى بدن المصلي أو ثوبه، أي أن يكون المكان جافَّاً.
والأئمة الأربعة يشترطون طهارة المكان واليابسة أي عدم البلل حيث يصلي المسلم، إلاّ أنَّ الحنفية تكتفي بطهارة موضع الجهة فقط، إذا كان المكان جافّاً، حتَّى ولو كان نجساً. هذا بينما توجب المالكية طهارة كلّ ما يمسّ بدن المصلِّي وثيابَهُ، فإذا احتك بحائط نجس، أو بثوب نجس، أو ألقى يده على نجاسة، تبطل الصلاة.
صلاة الرجل مع المرأة:
قال كثير من الإمامية، ومعهم الشافعية والحنبلية: إذا تساوت المرأة مع الرجل، أو تقدمت عليه في الصلاة، فإنها تصح على كراهة. وذهب جماعة من الإمامية إلى أن صلاة المرأة والرجل في مكان واحد، ومساواتها له أو تقدمها عليه، دون أن يكون بينهما حائل، أو يفصل بينهما مسافة لا تقل عن عشرة أذرع من ذراع اليد، لا تبطل صلاة من شرع بها أوَّلاً، ولكنَّ صلاة اللاحق لا تصح. فإن شَرَعَا معاً تبطل صلاتهما معاً.
أما الحنفية فقالوا ببطلان الصلاة إذا تقدمت المرأة أو ساوت الرجل، إذا لم يفصل بينهما حائل قدر ذراع.
السجود ومستقر الجبهة:
اتفق جميع الأئمة على أن يكون موضع الجبهة مستقرًّا، وأن لا يرتفع عن موضع الركبتين ارتفاعاً غير معتاد، وأن يسجد المصلّي ممكّناً جبهته من الأرض.
والإمامية لا تجيز السجود إلاّ على الأرض أو ما أنبتته مما لا يؤكل أو يُلبس، كالحصير والقرطاس والخشب، وأجازت السجود على القطن والكتان للضرورة.
أما الأئمة الأربعة فقد أجمعوا على صحة السجود على الأرض وما أنبتت لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» (+) وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «وجعلت لي الأرض مسجداً، وترابها طهوراً، أينما كنت وأدركتني الصلاة، صليت» (+).
رأي ونداء
يُلاحظ أن كثيراً من الإماميّة، إذا ما دخلوا مسجداً لإقامة الصلاة، ووجدوه مفروشاً بالسجّاد أو البُسط، ينتابُهم القلق، على صحّة صلاتهم، فتراهم يبحثون في مختلف أرجاء المسجد عن حصيرٍ، أو عن مكانٍ غير مغطّى مما يصحّ السجود عليه، حتى يسجدوا على هذا المكان، دون السجود على السجّادة أو البساط.
والحقيقةُ أنهم لو عادوا إلى كتاب (وسائل الشيعة) الذي يُعتبرُ عندهم من المراجع المهمّة، وعنه تؤخذُ أحاديثُ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهلِ بيته (عليهم السلام) لوجدوا فيه تسهيلاتٍ كثيرةً لهم، حول ما يخالجهم من شكٍّ في أداء الصلاة على السجّاد أو غيره مما تُفرشُ به أرضُ المساجد.
وهذا بعضٌ مما جاء في الكتاب المذكور..
عن عيينةَ قال: «قلتُ لأبي عبد الله: أدخلُ المسجدَ في اليوم الشّديد الحرّ، فأكرهُ أن أصلّيَ على الحصى، فأبسطُ ثوبي فأسجدُ عليه؟ قال (عليه السلام): نعم ليس به بأس».
وعنه أيضاً، عن القاسم بن الفضيل أنه قال: قلتُ للرضا (عليه السلام): «جُعلتُ فداك، الرجلُ يسجدُعلى كمّه من أذى الحرّ والبرد؟ قال: لا بأسَ به».
وعن أبي بصيرٍ أنه سأل أبا جعفر (عليه السلام) قائلاً له: أكونُ في السفر فتحضرني الصلاةُ، وأخافُ الرمضاءَ على وجهي، فكيف أصنع؟ فأجابه (عليه السلام): «تسجد على بعضِ ثوبك». فقال أبو بصير: ليس عليَّ ثوبٌ يمكنني أن أسجدَ على طرفه ولا ذيله. فأجابه (عليه السلام): «اسجدْ على ظهر كفّك، فإنها إحدى المساجد».
وعن الحسين بن عليّ بن كيسان الصنعاني أنه قال: كتبتُ إلى أبي الحسن الثالث(عليه السلام) أسأله عن السجود على القطنِ والكتانِ من غير تقيّةٍ ولا ضرورة، فكتب إليَّ: «ذلك جائز».
وعن زُرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: «إذا أردتَ أن تسجدَ فارفعْ يديك بالتكبير، وخُرَّ ساجداً، وابدأْ بيديك فضعْهما على الأرض، فإن كان تحتهما ثوبٌ فلا يضرّك، وإن أفضيتَ بهما إلى الأرض فهو أفضل».
وعن محمد بن عليّ بن الحسين، بإسناده عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في حديث، أنه قال: «السجودُ على الأرض أفضلُ لأنه أبلغُ في التواضع والخضوع لله عزّ وجلّ».
وقال جعفرُ الصّادقُ (عليه السلام): «السّجودُ على الأرض فريضةٌ، وعلى غيرِ الأرضِ سُنّة». وفي رواية أخرى: «وعلى غير ذلك سنّة».
من مُجملِ الأحاديثِ التي تقدّمت نخلُص إلى شيءٍ أساسيّ وهو أن أهلَ البيتِ (عليهم السلام) أجازوا الصلاةَ على الثوبِ واللباسِ للضرورة وغير الضرورة. ولكنهم جعلوا الصلاةَ على الأرض وما تُنبتُ مما لا يُؤكلُ أو يُلبسُ أفضلَ للمصلّين.
أركان الصلاة
القيام:
اتفق جميع الأئمة على أن القيام (الوقوف) في صلاة الفرائض واجبٌ من أول تكبيرة الإحرام إلى الركوع، إلى إتمام الفريضة. ويعتبر في القيام الانتصاب والاستقرار والاستقلال، فلا يجوز للمصلي الاعتماد على شيء مع القدرة على القيام، فإن عجز عن القيام صلَّى قاعداً، فإن عجز عن القعود صلّى مضطجعاً.
وتباينت الآراء عند عجزه عن الاضطجاع على جنبه الأيمن..
قال الإمامية والشافعية والحنبلية: يصلي مستلقياً على قفاه، مومئاً برأسه فإن عجز عن الإيماء بالرأس، أومأ بجفنه. واعتبر الحنفية أن الإنسان إذا انتهى إلى هذا الحد، سقط عنه فرض الصلاة، ولكنه يقضي متى عوفي وزال المانع. هذا في حين اعتبر المالكية أن مثل هذا المريض تسقط عنه الصلاة، ولا يجب عليه القضاء.
وأجمع الأئمة على أن الصلاة لا تسقط بحال من الأحوال، وهي واجبة على القادر والعاجز، ويؤديها كل مكلف بحسب حالته وقدرته: فمن القيام إلى القعود، وإلى الاضطجاع على الجنب الأيمن، أو الأيسر، إلى الاستلقاء على الظهر، إلى الإيماء بالطرف، إلى الحضور في القلب والذهن.
وبعد أن يقوم المصلّي إلى صلاته، أو عند الشروع بها يكون البدء بتكبيرة الإحرام لأن جميع الأئمة متفقون على أن الصلاة لا تتم إلا بتكبيرة الإحرام وصيغتها، بعد عقد النية، «الله أكبر»، أي أن البدء بالصلاة يكون بهذه التكبيرة.
وقد سميت بـ«تكبيرة الإحرام» لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «مفتاح الصلاة الطهور (الوضوء)، وتحريمها التكبيرة، وتحليلها التسليم»(+).
وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) يقصد أنه يَحْرُمُ بعد الإتيان بها كل ما يتنافى مع الصلاة، بوصفها تبدأ وقوفاً بين يدي الله العزيز القدير، بأدب وخضوع، وبذهن حاضر، وفؤاد متوقد، ووعي كامل بحيث يحرم على المصلي أن يأتي بكل ما يتنافى وهذا الوضع بين يدي ربه عزّ وعلا.
وبالتسليم، يكون الفراغ من الصلاة، فيحل للمصلي ما حرم عليه بعد التكبير، وصيغته «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته».
ولم يتوافق الأئمة حول قراءة سورة الفاتحة في الصلاة، ومدى وجوبها، وفي أي موقع.
قال الإمامية:
قراءة الفاتحة واجبة في الركعتين الأوليين من كل صلاة، ولا يكفي عنها غيرها. وفي الركعات الأواخر يخيّر المصلي بين الفاتحة أو التسبيح بقوله: «سبحان الله والحمد الله ولا إله إلاّ الله والله أكبر»(+) ثلاث مرات، ويكفي مرة واحدة.
وتجب قراءة سورة كاملة مع الفاتحة في الأوليين، تُعتبر البسملة جزءاً من السورة ويجب الجهر بالقراءة في فرض الصبح وفرضي المغرب والعشاء، والإخفات في الظهرين، ما عدا البسملة فإن الجهر بها مستحب في الركعتين الأوليين منهما ويجب الإخفات أيضاً في ثالثة المغرب والأخيرتين من العشاء.
وأقل الجهر أن يسمع القريب من المصلي قراءته، وحدّ الإخفات أن يسمع المصلّي نفسه. وإذا جهر المصلي في موضع الإخفات، أو أخفت في موضع الجهر عمداً، بطلت صلاته، ولكنها تصح إذا كان عن جهل أو نسيان(+).
ويستحب القنوت في الصلوات الخمس كلها، ومكانه في الركعة الثانية بعد قراءة السورة وقبل الركوع.
وقال أكثر الإمامية: إن التكتف مبطل للصلاة لعدم ثبوت النص. وقال بعضهم: التكتف حرام فمن فعله يأثم ولكن لا تبطل صلاته، وقال فريق ثالث: هو مكروه وليس بحرام.
قال الحنفية: لا تتعين قراءة سورة الفاتحة في الصلوات المفروضة، وأي شيء قرأ المصلي من القرآن أجزاه لقوله تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المُزّمل: 20]. والقراءة إنما تجب في الركعتين الأوليين، أما في ثالثة المغرب، والأخيرتين من الظُّهرين والعشاء، فإن شاء المصلي قرأ سورة الفاتحة، وإن شاء سبّح، وإن شاء سكت(+).
وعند الحنفية يجوز ترك البسملة لأنها ليست جزءاً من السورة.
وعن الجهر والإخفات قالوا: للمصلي المنفرد الخيار إن شاء أسمع نفسه، وإن شاء أسمع غيره، وإن شاء أسرًّ. وعندهم أيضاً أنه ليس في الصلاة قنوت إلا في صلاة الوتر.
وعند الحنفيّة التكتُّفُ مسنونٌ وليس بواجب. والأفضلُ للرجلِ، فيه، أن يضعَ باطنَ كفه اليمنى على ظاهر كفّه اليسرى تحت سرّته. وللمرأةِ أن تضع يديها على صدرها.
قال المالكيّة: تتعيّنُ الفاتحة في كلِّ ركعة، دون فرقٍ بين الركعاتِ الأوائلِ والأواخرِ، وبين الفرضِ والندبِ. وتستحبُّ قراءةُ سورةٍ من القرآنِ بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين، وعندهم أن البسملةَ ليست جزءاً من السورة. وعن الجهر قالوا إنه يُستحبُّ في صلاةِ الصبحِ وأُولَيي المغربِ والعشاء. والقنوتُ لا يكون إلاّ في صلاة الصّبح فقط.
أما التكتُّفُ فجائز، ولكن يُندبُ إرسالُ اليدين في صلاةِ الفرض.
قال الشافعيّة: تجبُ الفاتحةُ في كلِّ ركعةٍ من غيرِ فرقٍ بين الأوليين وغيرهما (كما تقدم عن المالكية). ولا فرقَ في ذلك بينَ الصلاةِ المستحبّةِ والواجبة. والبسملةُ تعتبر جزءاً من السورةِ لا تُتركُ بحال (بخلاف ما قال المالكية). ويجهرُ بالقراءةِ في صلاةِ الصّبحِ وأُولَيي المغربِ والعشاءِ، ويجب الإخفاتُ فيما عدا ذلك.
ويستحبُّ القنوتُ في صلاةِ الصّبحِ خاصةً بعد رفع الرأس من الركعة الثانية.. كما تُستحبُّ قراءةُ سورة الفاتحةِ في الركعتين الأوليين فقط.
أما التكتُّفُ فليس بواجب، ويُسَنّ للرجل والمرأة. والأفضلُ فيه وضعُ باطنِ اليمنى على ظهرِ اليسرى، تحت الصدر، وفوق السرَّة، مما يلي الجانبَ الأيسر.
قال الحنبليّة: الفاتحةُ واجبةٌ في كلِّ ركعة، وتُستحبُّ السورة، بعدها في الأوليين. والبسملةُ جزءٌ من السورة، ولكن يُخفتُ بها ولا يُجهر.
أما الجهرُ فيكونُ في صلاةِ الصبح وأُولَيي المغربِ والعشاء. والقنوتُ يكون في صلاةِ الوتر، لا في غيرها من الصلوات.
والتكتُّف عنده سنَّةٌ للرجل والمرأة. والأفضلُ وضعُ باطنِ اليدِ اليمنى على ظاهرِ اليدِ اليسرى، وأن يجعلهما المصلّي تحت السرَّة.
رأي ونداء حول التكتُّف وقراءَةِ الفَاتحة
لِننظرْ ونتأملْ في ما قاله الأئمّةُ الأربعةُ عن التكتّف، فهل قال أحدهُهم إنه واجب؟ لا، بل أكثرهم قالوا: إنه مسنونٌ وليس بواجب، في حين اعتبر المالكيّة أنه جائزٌ فقط، ويعتبرون إرسال اليدين مندوباً.
أما الإماميّةُ فقد اختلفوا حول هذا التكتّف، منهم من جعله مبطلاً للصّلاة، ومنهم من حرّمه وجعل صاحبَهُ مأثوماً، ومنهم من اعتبره مكروهاً وليس محرَّماً. فهل مثلُ هذا الاختلاف في الرّأي، على ناحيةٍ شكليّةٍ، مما يوجبُ أن يتأثّرَ به المسلمون، ويتحدثوا عنه كمصدرٍ للشّقاق والنزاع؟.
والحقيقةُ أننا لو فكرنا برويّةٍ لوصلنا إلى نتيجة مرضية، لجميع المسلمين. وتلك الحقيقة متصلة تاريخياً بإمامَي المدينة: الإمامِ جعفر الصادق (عليه السلام) والإمام مالك (رضي الله عنه)، وقد كانا يفضلان إرسالَ اليَدين في صلاتهما، على تلك الأرض الطّاهرة، أرضِ المدينةِ المنوّرة، التي صلَّى عليها رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهلُ بيته الأطهارُ وصحبُه الكرام.
وأما الأئمة الثلاثةُ الآخرون: أبو حنيفة، والشافعيُّ، وابنُ حنبل، فهم من مجتهدي أهلِ العراق. وقد قالوا باستحباب التكتّف لا بوجوبه. ثم إن آراءهم تباينت حول طريقته، مما جعل أتباعَ مذاهبهم يظهرون بمظاهرَ مختلفةٍ في صلواتهم. نقول هذا، لأنّه لو وحَّد المسلمون مظهرهم في الصلاة بإرسالِ اليدين لكان أسلم، وأقوى لوحدة صفوفهم، لأن المظهرَ الخارجيَّ يؤثّرُ دائماً على الشعور الدَاخلي، وبتوحيد هذا المظهر يتقاربون من بعضهم بعضاً، وتكونُ هذه أوّلَ خطوةٍ ثابتةٍ توحّدهم للظهور أمام أعدائهم صفًّا واحداً، مرصوصاً، مما قد يجعلُهم يهابون منهم.
أيها المسلمون، في مشارقِ الأرضِ ومغاربها: عليكم برصّ صفوفكم، والسيرِ وراء قادتكم الذين يدعون لوحدةِ كلمتكم، لأن ربَّكمُ الأعلى يقولُ في محكم كتابه العزيز: [Kerr] . وهل الدعوةُ إلى وحدة كلمة المسلمين وعدم التفرقة بينهم، إلاّ ما يحبُّه الله تعالى؟ لأنها دعوةٌ خالصَةٌ في سبيله - عزَّ وجلَّ - من أجلِ رفعِ رايةِ الإسلامِ الذي أراده ديناً للحياة، وشريعةً كاملةً للناسً كافّة. فـالله - سبحانه وتعالى - يريد من المسلمين أن يكونوا صفّاً واحداً، صفّاً متقارباً، ملتصقاً، متراصّاً مع بعضه البعض وأن يكون كالبنيان الذي شُيِّد بالرصاص لتلاؤمه وشدةِ اتصاله، وقوة إحكامه ومتانته. بمثل هذا الانصهار والتوحيد في المظهر والمخبرِ، في النيةِ والعلنِ يكونون من المؤمنين الذين يحبون الله ورسولَه ويحبُّهم الله تعالى ورسولهُ الكريم.
أيّها المسلمون!
قد يظهرُ للمجتهد، أو الإمام، دليلٌ يدلُّ على استحباب أمرٍ ما، وآخرُ يدلُّ على وجوبه، ومن نافلِ القولِ أن عليه أن يتركَ ما دلَّ على الاستحباب، ويتَّبعَ ما دلَّ على الوجوب، لرجاحته، وقوّته على المندوب أو المستحبّ، وذلك لأن الوجوبَ طلبُ الفعل طلباً جازماً، والندبَ طلبُ الفعلِ طلباً غير جازم. والجازم مقدّمٌ على غيرِ الجازم.
فعندما يأمرُنا الله - سبحانه وتعالى - بقوله العزيز: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا} [آل عِمرَان: 103].
فإن علينا أن ندرك بأن هذا الأمر يدعونا إلى توحيد مظاهرِ صفوفنا وخاصةً فيما يتعلّقُ بأعظمِ شَعِيرةٍ نؤدّيها خمسَ مرّاتٍ في اليوم، وهي شعيرةٌ وَاجبةٌ، ومفروضةٌ علينا حكماً من أجل ديننا ودنيانا، ومن هنا فإن التكتّف، وبأشكالٍ مختلفةٍ، يُظهرُ فرقتنا، فهل نبقى على هذه الفرقةِ، خاصة وقد عرفنا بأنه مندوبٌ، وأدلّتُهُ ضعيفة؟ إن مصلحة المسلمين تدعونا إلى التخلي عنه من أجل وحدة صفوفنا.
وأما فيما يتعلّقُ بالفاتحة، فإن البعضَ أوجبَ قراءتها في الثالثةِ والرابعة، وبعضهم خيَّر بينها وبين التسبيح. ونحن نناشدُ أئمّةَ المسلمينَ من جميع المذاهب. أن يوحِّدوا الرأيَ على قراءةِ التسبيح في الركعتين الثالثة والرابعة، لما للتسبيح من فضل، لأنه الباقيات الصالحات كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولأن الفاتحة تقرأُ في الركعتين الأوليين، أو أن يوحّدوا الرأيَ على قراءة الفاتحة في الركعتين الثالثة والرابعة لما لهذه السّورة المباركة من كرامةٍ عند الله تعالى ورسوله الكريم، ومن مكانةٍ عظيمةٍ في نفوسِ المسلمين.
الركوع
اتفق جميع الأئمة على أن الركوع واجب في الصلاة، ولكنهم لم يتفقوا على المقدار الواجب منه، والطمأنينة فيه، أي السكون واستقرار جميع الأعضاء حين الركوع.
قال الحنفية: الواجب مجرد الانحناء فقط، دون الطمأنينة، أما بقية المذاهب فقد أوجبت الانحناء إلى أن تبلغ راحتا المصلّي ركبتيه، كما أوجبت الاطمئنان والاستقرار حين الركوع.
الذكر حين الركوع:
قال الإمامية والحنبلية: التسبيح واجب في الركوع، وصيغته عند الإمامية: «سبحان ربي العظيم وبحمده» أو سبحان الله ثلاثاً، ويستحب من المصلّي أن يُصلِّي على محمد وآله.
أما صيغته عند الحنبلية فهي: «سبحان ربي العظيم».
أما الحنفية والمالكية والشافعية فقالوا بعدم وجوب الذكر حين الركوع، وإنما يُسنُّ بأن يقول المصلي: «سبحان ربي العظيم».
الرفع من الركوع:
قال الإمامية والمالكية والشافعية والحنبلية: بوجوب الرفع من الركوع، والاعتدال وقوفاً، واستحباب التسميع فيقول المصلي: «سمع الله لمن حمده». كما قالوا جميعاً بوجوب الجلوس بين السجدتين. أما الحنفية فلم يوجب الرفع من الركوع والاعتدال وقوفاً، بل يجزي المصلي أن يهوي رأساً إلى السجود، وكذلك لم يوجب الجلوس بين السجدتين.
السـجود
اتفق جميع الأئمة على أن السجود مرتان في كل ركعة. ولكن هل يجب أن يكون على الأعضاء السبعة (الجبهة، الكفين، الركبتين، وإبهامي الرجلين) أم أكثر أم أقل؟
عند الإمامية والحنبلية، يجب أن يكون السجود على الأعضاء السبعة، وزاد بعض الحنبلية الأنف، بحيث تكون الأعضاء، عند هذا البعض ثمانية. أما عند الحنفية والمالكية والشافعية فإن الواجب هو السجود على الجبهة فقط، وما عداها فمستحب.
التشـهد
التشهد قسمان:
- قسم يقع بعد الركعة الثانية من الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، ولا يعقبه التسليم.
- وقسم يقع بعد الركعة الأخيرة ويعقبه التسليم.
قال الإمامية والحنبلية: التشهد الأول واجب، بينما قالت بقية المذاهب بأنه مستحب.
والتشهد الأخير واجب عند الإمامية والشافعية والحنبلية ومستحب عند الحنفية والمالكية(+).
صيغة التشهد:
عند الإمامية: بسم الله وبـالله والحمد لله، والأسماء الحسنى كلها لله: أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صلِّ على محمد وآل محمد.
عند الحنفية: التحيات لله والصلوات والطيبات. والسلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
عند المالكية: التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات الصلوات لله. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
عند الشافعية: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله.
عند الحنبلية: التحيات لله والصلوات الطيبات. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك. وأشهد أن محمَّداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على محمد.
السهو والشك في الصلاة
اتفق جميع الأئمة على أن من أخلَّ بشيء من واجبات الصلاة وأركانها عمداً بطلت صلاته، ومن أخلّ بها سهواً يصحح أو يَجبُرُ الإخلال بسجود السهو بعد التسليم.
- أما الإمامية فقد فرقوا بين حكم الشك وحكم السهو، ولا يعتني بالشك في شيء من أفعال الصلاة بعد الفراغ منها. ولا يشك المأموم بعدد الركعات مع ضبط الإمام، ولا يشك الإمام مع ضبط المأموم، فيرجع كل منهما إلى ما تذكَّره الآخر. ولا عبرة بشكِ كثيرِ الشك. كما لا عبرة بالشك، في فعل من أفعال الصلاة، إذا تجاوزه ودخل بغيره، فإذا شك في قراءة الفاتحة مثلاً، وقد شرع في قراءة السورة الثانية، أو شك بالسورة الثانية وقد ركع، أو شك بالركوع وقد سجد، يمضي في صلاته ولا يلتفت، أما إذا شك قبل الدخول بالغير فيجب عليه التدارك كما لو شك بالركوع قبل السجود، فيأتي بالركوع وهكذا..
سجود السهو: هو لكل زيادة أو نقصان، ما عدا الجهر في مكان الإخفات، أو الإخفات في مكان الجهر، فإنه لا يوجب شيئاً. أما كل زيادة أو نقصان في الأركان، فمبطل للصلاة، سواء أكان سهواً أم عمداً.
والأركان عند الإمامية خمسة: النية، تكبيرة الإحرام، القيام، الركوع والسجدتان في ركعة واحدة.
وكل جزء ترك من الصلاة سهواً لا يجب تداركه بعد الفراغ منها إلاّ السجدة والتشهد حيث يجب قضاؤهما دون سواهما من الأجزاء المنسية، ويقضيهما المصلي بعد الصلاة ثم يأتي بسجود السهو بعد التسليم.
وصورة سجود السهو أن يسجد مرتين، ويقول في سجوده: بسم الله وبـالله؛ السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ثم يتشهد ويسلم.
ويجب تعدد السجود بتعدد السبب الموجب.
وأخيراً لا سهو عند الإمامية لمن كثر سهوه، أو لمن سها في السهو.
- وعند الحنفية: سجود السهو سجدتان، ثم يتشهد المصلي ويسلّم، ويأتي بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والدعاء. ولا يكون هذا السجود إلاّ بعد التسليم.
أما سبب سجود السهو عندهم فهو ترك المصلي واجباً، أو زيادته ركناً من أركان الصلاة كالركوع والسجود. وإذا سها مراراً يكفيه سجدتان. ولو سها في سجود السهو لا سهو عليه(+).
- وعند المالكية: سجود السهو سجدتان، ثم التشهد بعدهما، والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دون دعاء.
أما محل هذا السجود فينظر: فإن كان لنقص فقط، أو لزيادة ونقص معاً، فيؤتى به قبل التسليم، وإن كان للزيادة فقط يُؤتى به بعد التسليم.
والسبب الموجب ينظر فيه أيضاً عندهم: فإن أنقص المصلي شيئاً بالسهو، وكان هذا الشيء الذي أنقصه أو تركه مُستحبَّاً، فيسجد له سجود السهو، وإن كان المتروك فرضاً من فرائض الصلاة فلا يجبُرُه السجود، بل لا بد من الإتيان به. أما إن زاد المصلي شيئاً، كما لو زاد ركعة سهواً، فيجبُرُ بسجود السهو.
- وعند الشافعية: للسهو سجدتان أيضاً أي كما عند الحنفية والمالكية.
أما موضعه فبعد التشهد والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقبل التسليم. وسبب سجود السهو: ترك سنة مؤكدة، أو زيادة كلام، أو الاقتداء بمن في صلاته خلل، أو شك في عدد الركعات، أو تركُ جزء معين من الركوع أو السجود.
- وعند الحنبلية: للسهو سجدتان وتشهد وتسليم، ويأتيه المصلي قبل التسليم أو بعده لا فرق.
أما سببه فكل زيادة أو نقصان أو شك. ومثال الزيادة ما قد يحصل في القيام والقعود، كأن يقعد مكان القيام، أو يقوم المصلي مكان القعود، فيجب عليه سجود السهو. وأما في النقصان فإن تذكر قبل الشروع بقراءة الركعة الثانية، وجب عليه أن يأتي بما سها عنه، ويسجد للسهو. وإن لم يتذكر حتى شرع بقراءة الركعة الثانية، ألغى الأولى، وقامت الثانية مكانها، ويسجد للسهو.
أما الشك الموجب لسجود السهو فمثاله أن يشك في ترك الركوع أو في عدد الركعات، فإنه يبني على المتيقن، ويأتي بما شك به، ويتم الصلاة ثم يسجد للسهو، ويكفيه سجدتان لجميع السهو، وإن تعدد الموجب. ولا سهو عند الحنبلية لكثير السهو.
الشك في عدد الركعات:
قال الإمامية: إذا كان الشك بين إتيان الركعة الأولى والركعة الثانية من كل صلاة فالصلاة باطلة. ويجب إعادتها وكذا لو كان شكه في عدد ركعات صلاة المغرب فإنه مبطل لها.
أما إذا كان الشك بين الركعة الثانية والركعة الثالثة، بعد إكمال السجدتين، فيبني على الثالثة، ثم يحتاط بركعة من قيام، أو بركعتين من جلوس.
وكذا لو حصل الشك بين الإتيان بثلاث ركعات أو أربع فإنه يبني على الأربع ويأتي بركعة احتياط من قيام، أو بركعتين من جلوس.
وإذا كان الشك بين الاثنتين والأربع فيبني على الأربع ويأتي بركعتين قائماً. وإذا شك بين الاثنتين والثلاث والأربع فيبنى على الأربع، ويأتي بركعتين قائماً وركعتين جالساً.
وكل ذلك ينحصر عند الإمامية بالصلوات المفروضة، وعلى الأخص بالظهر والعصر والعشاء. أما في النوافل: فالأفضل البناء على الأقل مطلقاً في جميع الصلوات المستحبة.
وقال الحنفية: إذا شك المصلي لأول مرة في حياته أعاد الصلاة من أولها. وإن كان قد سبق له أن شك، تأمل وتفكّر مليًّا، وعمل بغلبة الظن، فإن بقي على الشك بنى على الأقل آخذاً باليقين.
وقال المالكية والشافعية والحنبلية: إذا شك المصلي في عدد الركعات، فلا يدري كم ركعة صلى، يبني على المتيقن، وهو الأقل، ويتم الصلاة.
صلاة الجمعة
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *} [الجُمُعَة: 9].
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «سيد الأيام يوم الجمعة، وأعظمها عند الله تعالى، وأعظم عند الله عزَّ وجلَّ من يوم الفطر، ويوم الأضحى، وفيه خمس خلال: خلق الله عزَّ وجلَّ فيه آدم عليه السلام. وأهبط الله تعالى فيه آدم إلى الأرض. وفيه توفى الله تعالى آدم. وفيه ساعةٌ لا يسأل العبدُ فيها شيئاً إلاَّ آتاه الله تعالى إياه ما لم يسأل حراماً. وفيه تقوم الساعة. ما من ملك مقرب، ولا سماء ولا أرض، ولا رياح ولا جبال ولا بحر، إلاَّ هُنَّ يشفقن من يوم الجمعة»(+).
وفي يوم الجمعة، يستحب الصلاة على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). فعن أوس ابن أوس (رضي الله عنه) أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من أفضل أَيَّامكم يوم الجمعة. فيه خلق آدم، وفيه قبض. وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليَّ».
قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أَرَمَّتْ؟ (أي بَلِيَتْ عظَامُك).
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن الله عزَّ وجلَّ حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء»(+).
وقال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): «من ترك الجمعة ثلاثاً من غير علة، طبع الله على قلبه»(+).
والحقيقة أن صلاة الجمعة شرعت لدعم الفكر الجماعي، وذلك بتجميع المسلمين على الخير، وتعارفهم وتآلفهم، وتوحيد كلمتهم، وتعويدهم الالتزام، وتذكيرهم بشرع الله تعالى: دستوراً، وأحكاماً، وتنفيذاً لأوامره - سبحانه -.
ولقد أجمع المسلمون كافة على وجوب صلاة الجمعة، ولكن تباينت آراؤهم فيما إذا كان يشترط في وجوبها وجود السلطان أو من يستنيبه لها، أو أنها واجبة في كل حال.
قال الإمامية والحنفية: يشترط وجود السلطان أو نائبه، ويسقط الوجوب مع عدم وجود أحدهما. ويضيف الإمامية شرطاً آخر في السلطان وهو عدالته فإن لم يكن عادلاً فإن وجوده كعدمه، بينما اكتفى الحنفية بوجود السلطان، ولو كان غير عادل.
كما ذهب كثير من الإمامية إلى أنه في حال عدم وجود السلطان أو نائبه، مع وجود فقيه عادل، فإنه يخيَّر بينها وبين الظهر، مع ترجيح الجمعة.
هذا في حين أن المالكية والشافعية والحنبلية لم يعتبروا وجود السلطان شرطاً لوجوب صلاة الجمعة.
شروط صلاة الجمعة:
اتفق جميع الأئمة على أنه يشترط في صلاة الجمعة، ما يشترط في غيرها، من الطهارة، والستر، والقبلة. وأن وقتها من أول الزوال إلى أن يصير ظل كل شيء مثله. وأنها تقام في المسجد وغيره. ما عدا المالكية فقد اعتبروا أن صلاة الجمعة لا تصح إلا في المسجد.
كما اتفق الأئمة على أن الجمعة واجبة على الرجال، دون النساء، وأن من صلاَّها تسقط عنه فريضة الظهر، وأنها لا تجب على الأعمى، وأنها لا تصح إلاّ جماعة. وبالنسبة للجماعة، تغايرت آراؤهم حول العدد الواجب الذي تنعقد به هذه الجماعة.
فقال الإمامية: أربعة غير الإمام.
وقال الحنفية: خمسة كما قال بعضهم سبعة غير الإمام.
وقال المالكية: أقله اثنا عشر ما عدا الإمام.
وقال الشافعية والحنبلية: أربعون مع الإمام.
واتفق الأئمة أيضاً على عدم جواز السفر لمن وجبت عليه الجمعة، واستكمل الشروط بعد الزوال، قبل أن يصليها، ما عدا الحنفية فإنهم قالوا: بالجواز.
كما اتفقوا على أن صلاة الجمعة ركعتان، كصلاة الصبح، وعلى أن الخطبتين شرط في انعقاد الجمعة، ويأتي بهما الإمام قبل الصلاة.
أما حول كيفية أداء الخطبة فهناك تباين في الآراء:
فالإمامية يعتبرون أنه من الواجب في كل خطبة: حمد الله تعالى والثناء عليه، والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والوعظ، وقراءة شيء من القرآن الكريم. وأن يزيد الإمام في الخطبة الثانية الاستغفار، والدعاء للمؤمنين والمؤمنات.
أما الحنفية فيرون بأن الخطبة تتحقق بأقل ما يمكن من الذكر. فلو قال الخطيب: «الحمد لله أو استغفر الله»، أجزاه، ولكن يكره، مع ذلك الاقتصار عليه.
ويعتقد المالكية بأنه يجزى كل ما يسمى خطبةً في العرف، شرط أن تكون مشتملة على تبشير أو تحذير.
ويرى الشافعية أنه يقتضي أن يدخل في كل من الخطبتين: الحمد لله تعالى، والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والوصية بالتقوى، وقراءة آية قرآنية، في إحدى الخطبتين على الأقل، وإن كان الأفضل ذكر ذلك في الأولى، والدعاء للمؤمنين في الثانية.
وقالت الحنبلية لا بد من حمد الله تعالى، والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقراءة آية مباركة، والوصية بالتقوى.
الفصل بين الخطبتين: وهو شرط على الخطيب بين الخطبتين بجلسةٍ قصيرة أو بوقفة قصيرة، أي الإنقطاع القصير بين الخطبتين، بينما يعتبر الحنفية والمالكية أن هذا الفصل غير واجب، بل هو مستحب.
العربية في الخطبة: ترى الإمامية والحنفية أن اللغة العربية ليست شرطاً في الخطبة، بينما ذهبت المالكية إلى وجوب الخطبة بالعربية حتى ولو كان القوم عجماً ولا يفقهون شيئاً من العربية، فإن لم يوجد فيهم من يحسن العربية سقطت عنهم صلاة الجمعة. هذا في حين تشترط الشافعية العربية إذا كان القوم عرباً، فإن كانوا عجماً فللخطيب أن يخطب بلغتهم، وإن كان يحسن العربية. وأخيراً تشترك الحنبلية في الخطبة أن تكون بالعربية مع القدرة على أن يحسنها الخطيب ويفقهها القوم.
صلاة العيدين
العيد لغة، هو العَوْد أي الرجوع. والعيد: ما يُعاوِد مرة أخرى، فهو يعود ويتكرر، في حينه يحمل الفرح والسرور كل عام.
وقد خُصَّ في الشريعة الإسلامية بيوم الفطر بعد شهر رمضان وبيوم النحر في العاشر من ذي الحجة، لأن فيهما فوائد عائدة على العباد في كل عام، كالفطر، بعد المنع عن الطعام للصائمين، وصدقة الفطر للمحتاجين، وإتمام الحج بطواف الزيارة للحاجين، ولحوم الأضاحي للفقراء والمعوزين، إلى غيرها من الحسنات والفضائل وهي كثيرة.
وقد شرعت صلاة العيد في السنة الأولى من هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة المنورة. ويستحبّ في العيد الغسل والتطيّب، ولبس أجمل الثياب. فعن الحسن السبط عليه السلام قال: «أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في العيدين أن نلبس أجود ما نجد، وأن نتطيّب بأجود ما نجد، وأن نضحّي بأثمن ما نجد»(+).
وعن صلاة العيد، هل هي واجبة أم مستحبة؟
قال الإمامية والحنفية: هي واجبة عيناً بشرائط صلاة الجمعة. ولكنَّ الإمامية أضافوا أنه إذا فقدت شروط الوجوب، يُؤتى بها على سبيل الاستحباب جماعة وفرادى، سفراً وحضراً.
أما عند المالكية والشافعية فهي سُنَّة مؤكدة، ودليلهم على هذه السُنّة قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للأعرابي السائل عن الصلاة: بأنها «خمسُ صلوات كتبها الله تعالى على عباده» فسأل الأعرابي: هل عليَّ غيرها؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا إلاَّ أن تطوَّع» (+). أما كونها مؤكدة فلأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) واظب عليها.
واعتبرت الحنبلية أنَّ صلاة العيد فرضٌ على الكفاية.
الخطبة يوم العيد، هي واجبة، عند الإمامية، كما في صلاة الجمعة، وعند بقية المذاهب مستحبة وليست واجبة.
وقد اتفق جميع الأئمة على أن خطبتي العيد تكونان بعد الصلاة بخلاف خطبتي الجمعة، فإنهما قبلها. واتفقوا على أن صلاة العيد ركعتان كصلاة الجمعة. وعند الإمامية والشافعية تصح صلاة العيد جماعة وفرادى، بينما عند الحنفية والمالكية والشافعية لا تصح إلا بالجماعة.
كيفية أداء صلاة العيد عند المذاهب الخمسة:
عند الإمامية: ينوي الإمام أو المصلي: ثم يكبر تكبيرة الإحرام، ويقرأ الفاتحة وسورة من القرآن الكريم. ثم يكبر خمس تكبرات، ويقنت بعد كل تكبيرة، ثم يركع ويسجد، فإذا قام للركعة الثانية قرأ الفاتحة وسورة معها، وكبّر أربع تكبيرات، ويقنت بعد كل تكبيرة، ثم يركع، ويتم الصلاة.
وفصَّل الإمامية فقالوا: إنَّ صلاة العيد لا أذان فيها ولا إقامة بل ينادي المنادي الصلاة جامعة يكررها ثلاث مرات. وهي ركعتان يقرأ في الركعة الأولى سورة الحمد، ويُستحبُّ أن يختار السورة الثانية (سبح اسم ربك الأعلى) ويكبّر خمس تكبيرات، ويقنت بعد كل تكبيرة، وفي الركعة الثانية يقرأ سورة الفاتحة ويستحب أن يقرأ معها سورة الشمس، ويقنت بعد كل تكبيرة، ويدعو بما شاء من الدعاء والأفضل أن يكون الدعاء المأثور وهو أن يقول:
«اللهم أهل الكبرياء والعظمة، وأهل الجود والجبروت، وأهل العفو والرحمة، وأهل التقوى والمغفرة، أسالك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً، ولمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله ذخراً وشرفاً، وكرامةً ومزيداً، أنْ تصلّيَ على محمد وآل محمد، وأن تدخلني في كل خيرٍ أدخلت فيه محمداً وآل محمد، وأن تخرجني من كل سوء أخرجت منه محمداً وآل محمد، صلواتك عليه وعليهم. اللهم إني أسألك ما سألك به عبادك الصالحون، وأعوذ بك مما استعاذ منه عبادك المخلصون».
عند الحنفية: ينوي المصلي، ثم يكبّر للإحرام، ثم يثني على الله تعالى. ثم يكبر ثلاثاً ليصلي، ويسكت بعد كل تكبيرة بمقدار ثلاث تكبيرات، ولا بأسَ بأن يقول: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر». ثم يقرأ الفاتحة وسورة من أي الذكر الحكيم، ويركع ويسجد.
ثم يقوم للركعة الثانية فيبدأ بالفاتحة وسورة معها، ثم يأتي بثلاث تكبيرات،ويرك، ويسجد متمماً الصلاة.
عند المالكية: يكبر تكبير الإحرام، ثم ست تكبيرات بعدها، ثم يقرأ الفاتحة وسورة الأعلى، ويركع ويسجد، فإذا قام للثانية يكبر لها، ثم يكبر خمس تكبيرات، ويقرأ الفاتحة وسورة الشمس أو غيرها، ويتم الصلاة.
عند الشافعية: يُكبر تكبيرة الإحرام، ويدعو دعاء الاستفتاح(+) ثم يكبر سبعاً ويقول سرَّاً بين كل تكبيرتين: سبحان الله والحمد الله ، ولا إله إلا الله، والله أكبر». ثم يتعوذ، ويقرأ الفاتحة وسورة «قَ» أو سواها، ثم يركع ويسجد ويقوم للثانية ويكبر لها، ثم يزيد بخمس تكبيرات، يفصل بين كل اثنتين منها بقراءة: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر». ثم يقرأ الفاتحة وسورة «القمر» أو سواها، ثم يتم الصلاة.
عند الحنبلية: يقرأ دعاء الاستفتاح، ثم يكبر ست تكبيرات، ويقول بين كل تكبيرتين سِرَّاً: «الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً» ثم يتعوذ ويبسمل، ويقرأ الفاتحة وسورة «الأعلى» ثم يتم الركوع والسجود، ويقوم للركعةِ الثانية ويكبر لها ويرفقها بخمس تكبيرات، ويقول بين كل تكبيرتين، كما قال في الركعة الأولى، ثم يبسمل ويقرأ سورة «الغاشية» ثم يركع، ويتم الصلاة.
صلاة الكسوف والخسوف والزلازل
وجميع النوازل والمخاوف السماوية
خصّص الكسوف للشمس، والخسوف للقمر، مع أنهما حالتان فلكيتان متشابهتان، وقد يكون ذلك للتمييز بين الحالة التي تصيب الشمس، وتلك التي تصيب القمر، خُصص لهما ولتلك الآيات صلاة خاصة.
والكسوف، كما هو معروف في علم الفلك هو طمس ضوء الشمس أو بعضه في النهار لحيلولة جُرم القمر بين الشمس والأرض. والخسوف هو ذهاب نور القمر أو بعضه ليلاً لحيلولة ظل الأرض بين الشمس والقمر.
مشروعية صلاة الكسوفين:
شرعت هذه الصلاة لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم مات ابنه إبراهيم (عليه السلام): «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى، لا ينكسفان ولا ينخسفان لموت أحد أو لحياته، فإذا رأيتم ذلك فصلّوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم»(+).
وفي رواية أخرى: لما قبض الله تعالى إبراهيم، ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال الناس: انكسفت الشمس لفقد ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). فصعد المنبر، وحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: «أيها الناس، إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى، يجريان بأمره، مطيعان له، لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا انكسفتا أو واحدة منهما فصلّوا»(+).
حكم صلاة الكسوف والخسوف وبقية الآيات:
قال الإمامية إن صلاة كسوف الشمس وخسوف القمر، فرض عيني على كل مكلف، وإذا لم يصلها في وقتها أتى بها قضاء، ووقتها من حين الابتداء إلى الانجلاء.
بينما قال الأئمة الأربعة إن صلاة الكسوف والخسوف سنَّة مؤكدة، وليست واجبة.
وقد توسع الإمامية في الحوادث التي توجب هذه الصلاة، فقالوا: إنَّ كسوف الشمس، وخسوف القمر، والزلزلة، وجميع النوازل والمخاوف السماوية، كالظلمة العارضة، والثلج الكثيف، والأمطار الدائمة، والرياح الشديدة، والصيحة العظيمة، كل واحدة من هذه، وكل ما هو مخيف، سبب لوجوب الصلاة عيناً. والزلزلة وغيرها من الآيات المخوفة ليس لها وقت معين بل تجب المبادرة إليها حين حصولها، فمن لم يصلها أتى بها قضاءً، مدة العمر، لأنها فرض عيني.
ولا أذان عندهم لهذه الصلاة، ولا إقامة، بل ينادي المنادي: «الصلاة.. الصلاة.. الصلاة» (ثلاث مرات).
أما الأئمة الأربعة فقد اتفقوا على أن هذه الصلاة تصح جماعة وفرادى، على أن وقتها من حين الابتداء إلى تمام الانجلاء. ولا أذان ولا إقامة لهذه الصلاة بل ينادي المنادي: «الصلاة جامعة».
وقد اعتبرت الحنفية والمالكية والشافعية أنه يندب صلاة الركعتين عند الفزع من الزلازل، والصواعق، والظلمة الشديدة، والوباء، وكل مخوف على الحياة، بينما اعتبرت الحنبلية أنه لا يندب إلا للزلازل.
كيفية أداء هذه الصلاة:
عند الإمامية: ينوي المصلي، ثم يكبر تكبيرة الإحرام، ثم يقرأ الفاتحة وسورة معها، ثم يركع ويرفع رأسه، ويقرأ الفاتحة وسورة، ثم يركع. وهكذا حتى يتم خمسة ركوعات، فيسجد بعد الركوع الخامس سجدتين.
ويقوم للركعة الثانية، ويقرأ الفاتحة وسورة معها، يفعل ذلك خمسة ركوعات كما فعل في الركعة الأولى ثم يسجد سجدتين ويتشهد ويسلّم.
فيكون المجموع عشرة ركوعات، وأربع سجدات في ركعتين ويقنت في الركعة الثانية قبل الركوع العاشر.
عند الحنفية: هذه الصلاة ركعتان، ويؤديها المصلي كهيئة النفل، وله أن يصلي أربعاً أو أكثر، في كلّ ركعة قيام واحد وركوع واحد فقط.
عند المالكية والشافعية والحنبلية: ركعتان، في كل ركعة قيامان وركوعان، يكبر ويقرأ الفاتحة وسورة معها من آي الذكر الحيكم، ثم يركع، ويقف، ثم يقرأ الفاتحة وسورة معها كما فعلَ في الركعة الأولى، ويتم الصلاة. ويجوز للمصلي أن يأتي بركعتين على هيئة النفل.
صلاة الاستسقاء
خاطب هود (عليه السلام) قَومَهُ بقول الله تعالى: {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ويَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ *}. ونوح (عليه السلام) كان يدعو قومه بقوله عز وجل: {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ويَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ *} [هُود: 52]. ونوح (عليه السلام) كان يدعو قومه بقوله عز وجل: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا *} [نُوح: 10-11]
الاستسقاء لغة: طلب السقيا.
والاستسقاء شرعاً: طلب السقيا من الله تعالى بمطر عند حاجة الخلق إليه على صيغة مخصوصة. والسبب في طلب الاستسقاء: قلة الأمطار، وشح المياه، والشعور بالحاجة الماسة لشرب الإنسان والحيوان، وسقي الزرع والأنعام.
ويحدث الجفاف عادة ابتلاءً من الله تعالى بسبب غفلة الناس عن ربهم، وتفشّي المعاصي بينهم وعدم استغفارهم من ذنوبهم. قال الله تعالى:
{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ *} [الأنعَام: 6].
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «لم ينقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا»(+).
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا استسقى قال: «اللّهم اسقِ عبادك وبهائمك، وانشر رحمتَك، وأحي بلدك الميت»(+).
عدد ركعاتها:
اتفق الأئمة على أن صلاة الاستسقاء ركعتان تؤديان كما تُؤدَّى صلاة العيد، حسبما هي عند كل أهل مذهب؛ ما عدا الحنفية والمالكية، فإنهم قالوا: وإن كانت كصلاة العيد إلا أنه لا يكبر فيها التكبيرات الزائدة.
واتفق جميع الأئمة على أن هذه الصلاة تصح جماعة وفرادى، وأنه لا أذان لها ولا إقامة، وأنه يستحب للإمام أن يخطب بعد الصلاة. وزاد الإمامية أنه يستحب القنوت بعد كل تكبيرة بدعاء يتضمن الاستعطاف وسؤال الرحمة من الله تعالى بإنزال الغيث. هذا في حين اعتبر الأئمة الأربعة أن مثل هذا الدعاء يقوله الخطيب بعد الصلاة، وفي أثناء الخطبة، وليس في الصلاة.
ورويت أدعية كثيرة عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) تقرأ عند الاستسقاء، فإنه كان قد أصابَ أهلَ المدينة قحطٌ، فبينا رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب، إذ قام رجل وقال: يا رسول الله، لقد هلك الكراع والنساء، فادع الله أن يسقينا. فمدَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يديه ودعا ربه الاستسقاء.
قال أنس: وكانت السماء كالزجاجة، فهاجت ريح، ثم أنشأت سحاباً، ثم اجتمع، وأرسلت السماء خيراتها، فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا، فلم تزل تمطر إلى الجمعة الأخرى. فقام إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الرجل إياه وقال: يا رسول الله: تهدمت البيوت، واحتبس الركبان، فادعُ الله تعالى أن يحبسه، فابتسم (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال: «اللهم حوالينا ولا علينا». ويتابع أنس قائلاً: «فنظرت إلى السماء فتصدع حول المدينة كالإكليل».
وعن ابن عباس قال: «خرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) متبتلاً، متخشعاً متوسلاً، متضرعاً، فصلى ركعتين، كما يصلي في العيد»(+).
وهذا دعاء للإمام علي (عليه السلام) ورد في نهج البلاغة، في الاستسقاء.
وفيه تنبيه العباد إلى وجوب استغاثة الله إذا حبس عنهم المطر.
1 - ألاَ وَإنَّ الأرْضَ الَّتِي تُقِلُّكُمْ، وَالسَّمَاءَ الَّتِي تُظِلُّكُمْ، مُطِيعَتَانِ لِرَبِّكمْ، وَمَا أَصْبَحَتَا تَجُودَانِ لَكُمْ بِبَرَكَتِهِمَا تَوَجُّعاً لَكُمْ، وَلاَ زُلْفَةً(+) إلَيْكُمْ، وَلاَ لِخَيْرٍ تَرْجُوانِهِ مِنْكُمْ، وَلَكِنْ أُمِرَتَا بِمَنَافِعِكُمْ فَأطَاعَتَا، وأُقِيمَتَا عَلَى حُدُودِ مَصَالِحِكُمْ فَقَامَتَا.
2 - إنَّ اللهَ يَبْتَلِي عِبَادَهُ عِنْدَ الأعْمَال السَّيِّئَةِ بِنَقْصِ الثَّمَرَاتِ، وَحَبْسِ الْبَرَكَاتِ، وَإغْلاَقِ خَزَائِنِ الْخَيْرَاتِ، لِيَتُوبَ تَائِبٌ، وَيُقْلِعَ مُقْلِعٌ، وَيَتَذَكَّرَ مُتَذَكِّرٌ، وَيَزْدَجِرَ مُزْدَجِرٌ.
3 - وَقَدْ جَعَلَ الله سُبْحَانَهُ الاسْتِغْفَارَ سَبَباً لِدُرُورِ الرِّزْقِ وَرَحْمَةِ الْخَلْقِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: «اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّاراً. يُرْسِلِ السّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً. وَيُمْدِدْكُمْ بِأمْوَالٍ وَبِنينَ وَيجَعْلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أنْهَاراً».
4 - فَرَحِمَ الله امْرأً اسْتَقْبَل تَوْبَتَهُ، وَاسْتَقَالَ خَطِيَئَهُ، وَبَادَرَ مَنِيَّتَهُ!
5 - اللّهُمَّ إنَّا خَرَجْنَا إلَيْكَ مِنْ تَحْتِ الأسْتَارِ والاكْنَانِ، وَبَعْدَ عَجِيجِ الْبَهائِمِ وَالْوِلْدَانِ، رَاغِبِينَ فِي رَحْمَتِكَ، وَرَاجِينَ فَضْلَ نِعْمَتِكَ، وَخَائِفِينَ مِنْ عَذَابِكَ وَنِقْمَتِكَ.
6 - اللّهُمَّ فَاسْقِنَا غَيْثَكَ وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ ولاَ تُهْلِكْنَا بِالسِّنِينَ، «وَلاَ تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا»، يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
7 - اللّهُمَّ إنَّا خَرَجْنَا إلَيْكَ نَشْكُو إلَيكَ مَا لاَ يَخْفَى عَلَيْك، حِينَ أَلْجَأَتْنَا الْمَضَايِقُ الْوَعْرَةُ وَأَجَاءَتْنَا الْمَقَاحِطُ(+) الْمُجْدِبَةُ، وَأَعْيَتْنَا الْمَطَالِبُ الْمُتَعَسِّرَةُ، وَتَلاَحَمَتْ عَلَيْنَا الْفِتَنُ المُسْتَعْصِيَةِ.
8 - اللّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ ألاَّ تَرُدَّنَا خَائِبِينَ، وَلاَ تَقْلِبَنَا وَاجِمِينَ(+)،وَلاَ تُخَاطِبَنَا بِذُنُوبِنَا، وَلاَ تُقَايِسَنَا بِأعْمَالِنَا.
9 - اللّهُمَّ انْشُرْ عَلَيْنَا غَيْثَكَ وَبَرَكَتَكَ، وَرِزْقَكَ وَرَحْمَتَكَ، وَاسْقِنَا سُقْيَا نَاقِعَةً مُرْوِيَةً مُعْشِبَةً، تُنْبِتُ بِهَا مَا قَدْ فَاتَ، وَتُحْيِي بِهَا مَا قَدْ مَاتَ، نَافِعَةَ الْحَيَا، كَثِيَرةَ الْمُجْتَنَى، تُرْوِي بِهَا الْقِيعَانَ(+)، وتُسِيلُ الْبُطْنَان(+)، وَتَسْتَورِقُ الأشْجَارَ وتُرْخِصُ الأسْعَارَ، إنَّكَ عَلَى مَا تَشَاءُ قَدِيرٌ».
صلاة الـمسـافر
قال الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النِّسَاء: 101].
والخوف من فتنة الكافرين ليس قيداً حصرياً للقصر في الصلاة. ولقد كان تعليق القصر على الخوف من أذى الكافرين تقريراً للحالة الواقعة في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا سيما إبَّان فترة ضعف الدعوة، وعدم قدرة المسلمين على التصدّي لأعدائهم، إذ كانت أسفار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وغزواته محفوفة دائماً بالمخاطر والمخاوف. ومع ذلك فقد أكَّد لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الخوف ليس وحده سبباً لأن نقصر من الصلاة، فعن يعلى بن أمية أنه قال لعمر بن الخطاب (رضي الله عنه): «ما لنا نقصُر وقد أَمِنَّا؟» فقال له عمر: «سألت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: «صدقة تصدق الله بها عليكم فأقبلوا صدقته» (+) بل وتواترت سائر الأخبار عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه كان يقصر في جميع أسفاره حاجّاً معتمراً، وغازياً محارباً.
وقد اتفق الأئمة جميعاً على أن القصر يختص بالصلاة الرباعية المفروضة، بحيث تُؤَدَّى صلاة الظهر، أو العصر، أو العشاء ركعتين، كصلاة الصبح. ولكن ما لم يتفق عليه: هل القصر في السفر عزيمة لا يجوز تركه، أم رخصة يخير بينه وبين الصلاة كاملة؟
قال الإمامية والحنفية: القصر عزيمة، فهو إذن واجب.
بينما قال المالكية، على المشهور الراجح أن القصر سنَّة مؤكدة، لفعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه لم يصح عنه في أسفاره أنه أتم الصلاة قطّ.
هذا بينما اعتبرت الشافعية والحنبلية أن القصر على سبيل التمييز، فإن شاء المصلي قصر، وإن شاء أتمَّ، والقصر أفضل من الإتمام. وعلى هذا يتبين أن المعمول به غالباً هو القصر، وهو أقرب للبيان القرآني وللسنَّة النبوية الشريفة.
شروط القصر وما يتعلق به عند مختلف الأئمة؟
أولاً : قطع المسافة باتفاق جميع الأئمة. ولكن مقدارها فيه اختلاف:
- قال الإمامية: ثمانية فراسخ ذهاباً، أو ذهاباً وإياباً إذا قصد المسافر العودة قبل عشرة أيام؟ أي أن مقدار هذه المسافة عندهم أربعة وأربعون كيلو متراً، باعتبار أن الفرسخ يوازي ثلاثة أميال.
- وعند الحنفية: أربع وعشرون فرسخاً ذهاباً فقط، ولا يقصر في أقل من هذه المسافة، وقد قدَّرها بعضهم بـ (96) كيلومتراً، وبعضهم بـ (120) كيلومتراً.
- وعند المالكية والشافعية والحنبلية: ستة عشر فرسخاً ذهاباً فقط، وقدرت بثمانين كيلو متراً وستمئة وأربعة عشر متراً عند البعض وبحوالي تسعة وثمانين كيلو متراً عند البعض الآخر. ويقصر حتى ولو قطع المسافة بساعة واحدة، كالسفر في الطائرة أو القطار، أو السيارة أو غيرها من وسائل النقل.
ويتعين القصر بقصد قطع المسافة المعتبرة بتمامها من حين السفر، باتفاق جميع الأئمة. ونية التابع كالزوجة، والخادم، والجندي تتبع نية السيد أو الآمر بشرط أن يَعلم المأمور بنية سيده أو آمره، أو قائده، فلو جهلها يبقى على تمام الصلاة.
ثانياً : وجوب القصر يتعين بعد مفارقة بنيان البلد باتفاق جميع الأئمة. وزاد الإمامية على ذلك وجوب أن يصل إلى مكان تتوارى فيه جدران البلدة ويسمى ذلك المكان بحد الترخيص، وعند عودة المسافر إلى بلده فإنه يبقى يقصر في صلاته إلى أن يصل إلى حد الترخيص.
ثالثاً : اتفق الأئمة الأربعة على عدم اقتداء المسافر بمقيم أو بمسافر يتم الصلاة، وإذا اقتدى به فعليه الإتمام.
وعند الإمامية: يجوز للمسافر أن يقتدي بالمقيم، وأن يقتدي المقيم بالمسافر، كما لو صلى المسافر خلف المقيم صلاة الظهر أو العصر أو العشاء، فإنه يصلي خلفه أو معه ركعتين، ويتشهد ويسلم منفرداً، ويمضي الإمام في صلاته حتى النهاية. وإن صلى المقيم خلف المسافر فإنه يتابعه إلى ركعتين، ثم يُتمُّ صلاته منفرداً.
رابعاً : إلإقامة عن الإمامية يجب فيها النية، كأن ينوي المسافر الإقامة في مكان ما، ثم يرجع عن نيته فإنه يصلي قصراً ما لم يكن قد أتمَّ، حتى ولو صلاة واحدة فيبقى على التمام.
خامساً : عدم نية الإقامة عشرة أيام في المكان المقصود بسفره، فالسفر للإقامة في مكان ما، لا بد له من النية المسبقة. فإن نوى الرجوع وعدم الإقامة فيه، يصلي قصراً ما لم يكن قد صلى تماماً، ولو كانت صلاة واحدة، فيبقى على التمام.
ومدة الإقامة عند الإمامية أقلها عشرة أيام، فإن لم ينوِ الإقامة ولا عدمها، وكان متردداً وغير عالم المدة التي يقضي خلالها حاجته فيبقى على القصر إلى أن يمضي عليه ثلاثون يوماً فيتم.
وعند الحنفية: يقصر في الصلاة إذا لم ينوِ مدة خمسة عشر يوماً متوالية.
أما عند المالكية والشافعية والحنبلية فأقل مدة السفر، النية غياب أربعة أيام حتى يصحَّ القصر في الصلاة.
سادساً : العدول عن السفر:
قال الإمامية: إذا عدل المسافر عن السفر، أو تردد في متابعته قبل أن يقطع المسافة وجب عليه إتمام الصلاة دون قصر، فإن قطعها، ولو متردداً، وجب عليه القصر، لأن استمرار نية السفر شرط ما دام لم يقطع المسافة، أما بعد قطعها فيتحقق القصر إلزاماً حتى ولو عدل عن نيته.
وقريبٌ منه جدّاً ما قاله الحنفية والمالكية والحنبلية: إذا عدل المسافر عن السفر، وعزم على العودة إلى المكان الذي سافر منه، ينظر:
فإن كان ذلك قبل أن يقطع مقدار مسافة القصر، وجب عليه أن يتم الصلاة.
- وإن كان قد قطع مسافة القصر المحددة فإنه يقصر حتى يعود إلى الوطن.
وقال الشافعية: مهما بدا له الرجوع فليُتم(+).
سابعاً : كل شرط معتبر لقصر الصلاة فهو شرط لجواز الإفطار في شهر رمضان المبارك باتفاق جميع الأئمة.
ثامناً : الجمع في الصلوات أثناء السفر:
- عند الإمامية يجوز الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، في الحضر والسفر، وبدون أي عذر آخر (كما مرَّ معنا سابقاً).
- وعند الحنفية لا يجوز الجمع بني الصلاتين بعذر السفر، ولا بحال من الأحوال.
- وعند المالكية والشافعية والحنبلية: يجوز الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، تقديماً وتأخيراً(+) بعذر السفر.
تاسعاً : السفر الدائم أو المستمر للعمل: إذا كان عمل الشخص يستدعي منه السفر دائماً كسائق السيارة، والقطار والباخرة والطائرة، أو الذين يعملون في التجارة أو سواها، ويقتضي منهم هذا العمل دوام السفر أو الرحيل من مكان لآخر، فإن هؤلاء يؤدون صلواتهم بالتمام ولا يقصرون. وهذا ما أخذت به الإمامية والحنبلية فقط من دون سائر المذاهب الأخرى.
صلاة الجمـاعة
صلاة الجماعة : هي الصلاة التي يحصل فيها الارتباط بين الإمام والمأموم، أي كل صلاة يؤمها أحد المجموعة من المصلِّين.
ولقد أمر الله سبحانه وتعالى بصلاة الجماعة، حتى في حالة الخوف أثناء الجهاد بقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النِّسَاء: 102] وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ(+) بسبع وعشرين درجة»(+).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما من ثلاثة في قرية، ولا بدو، لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية»(+).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «صلاة الرجل مع الرجل أولى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أولى من صلاته مع الرجل الواحد، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى»(+).
وصلاة الجماعة، باتفاق جميع الأئمة، من شعائر الإسلام وعلاماته، وقد داوم على إقامتها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) طيلة حياته، بل وعند مرضه أمر أبا بكر الصدّيق أن يصلي في الناس، كما فرضها على الولاة في الأمصار حتى باتت شعيرة دائمة من شعائر ديننا التي نفاخر بها ونعتزُّ، لما لها من فضل عند ربنا تعالى، وفائدة في تقارب المسلمين، واجتماعهم على البر والتقوى وتقوية روح التآلف وديمومة الاتفاق والتكاتف والتعاون.
وبالرغم من هذه الأهمية لصلاة الجماعة، فإن الآراء تباينت حولها من حيث كونها واجبة أم مستحبة؟ فقال الإمامية والحنفية والمالكية وأكثر الشافعية على أنها لا تجب عيناً ولا كفاية، وإنما تستحب استحباباً مؤكداً، ما لم تكن صلاة الجمعة فهي واجبة.
وقال الحنبلية: تجب صلاة الجماعة عيناً على كل فرد مع القدرة ولكن إذا تركها وصلى منفرداً، أثم، وصحت صلاته.
وعند جميع الأئمة: أن صلاة الجماعة تشرع في الصلاة الواجبة.
وأما في المستحبة فهناك آراء:
- اعتبر الإمامية أنها تشرع في صلاة العيدين، والاستسقاء.
- ورأى الأئمة الأربعة أنها تشرع في جميع الصلوات الواجبة والمستحبة.
الشروط لصحة صلاة الجماعة:
لصحة صلاة الجماعة يجب أن تتوفر عدة شروط وهي:
1 - الإسلام (بالاتفاق).
2 - العقل (بالاتفاق).
3 - الذكورة: فلا يصح أن تكون الأنثى إماماً للرجال، ويصح أن يأتمَّ بها النساء عند جميع الأئمة، ما عدا المالكية، فإنهم قالوا: لا تكون المرأة إماماً حتى لأمثالها.
4 - العدالة: جعلها الإمامية شرطاً لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تؤم امرأةٌ رجلاً، ولا فاجرٌ مؤمناً» . ولذلك كانت العدالة شرطاً في الإمام بإجماع أهل بيت النبي (عليهم السلام)، لكن من وثق برجل فصلى خلفه، ثم تبين له من بعد، أنه فاسق، فلا تجب عليه إعادة الصلاة إذا لم يقع فيها ما يبطل الفرادى. ولا تجوز عندهم الصلاة خلف مجهول الحال. كما أن المالكية والحنبلية جعلوا العدالة شرطاً في الإمام، وتابع الحنبلية وأوجبوا إعادة الصلاة إذا علم المصلّي أن الإمام فاسق.
5 - البلوغ: اتفق جميع الأئمة على أنّ البلوغ شرط في الإمام، وقال الحنفية والشافعية يصح الاقتداء بالصبي المميِّز.
6 - العدد: اتفق جميع الأئمة على أن أقل ما تنعقد به صلاة الجماعة، في غير صلاة الجمعة، اثنان: إمام ومأموم، لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الاثنان فما فوقهما جماعة»(+).
7 - اتحاد المكان وعدم الحائل: تباينت آراء الأئمة في ذلك:
- قال الإمامية لا يجوز تباعد المأموم عن الإمام بما لم تجرِ به العادة إلا مع اتصال الصفوف. ولا تجوز الجماعة مع وجود حائل يمنع المأمومَ الذكرَ من مشاهدة الإمام. وأما الأنثى فيصح أن تقتدي بالرجل مع وجود الحائل إذا لم تشتبه عليها أفعال الإمام.
- وقال الحنفية: إذا اقتدى رجل في داره بإمام المسجد، فإن كانت داره ملاصقة للمسجد بحيث لا يفصل بينهما إلا الحائط تصح الصلاة، شرط ألا يشتبه على المأموم حالُ الإمام. أما إذا كانت الدار منفصلة عن المسجد يطريق أو نهر، فلا يصح الاقتداء.
- وقال المالكية: لا يمنع اختلاف مكان الإمام والمأموم من صحة الاقتداء، فإذا حال بينهما طريق أو نهر أو جدار فالصلاة صحيحة ما دام المأموم متمكناً من متابعة الإمام.
وقال الشافعية: يشترط في صحة القدوة بالإمام، أن يعلم المقتدي بانتقالات إمامه، أي بأن يراه أو يرى بعض صفوف المصلين، أو يسمعه ولو من مبلِّغ. ولا مانع من أن يكون بين الإمام والمأموم أكثر من ثلاث مئة ذراع، بشرط أن لا يكون هناك بينهما حائل.
وقال الحنبلية: يصح الاقتداء إن كان الإمام والمأموم في نفس المسجد، ولو كان بينهما حائل، ولو لم تتصل الصفوف عرفاً، ويكفي أن يسمع المقتدي تكبيرة الإحرام، لأن المسجد بني أصلاً للجماعة. وإن كان خارج المسجد، فيصح الاقتداء بالإمام بشرط رؤيته أو مشاهدة بعض صفوف المصلين ولو في بعض أحوال الصلاة كحال القيام أو الركوع، ولو كان بينهما أكثر من ثلاث مئة ذراع.
8 - النية: أجمع الأئمة على أن نية الاقتداء واجبة على المأموم.
9 - وحدة الصلاة بين الإمام والمأموم:
- قال الإمامية والشافعية: يصح أن يقتدي من يصلي الظهر بمن يصلي العصر، أو من يصلي قضاءً بمن يصلي أداءً، وبالعكس.
- وقال الحنفية والمالكية: لا يصح ذلك كله، بل يجب أن تكون الصلاة واحدة للإمام والمأموم، فالظهر للظهر، والعصر للعصر، والأداء للأداء، والقضاء للقضاء وهكذا...
وقال الحنبلية: لا يصح ظهرٌ خلف عصر، ولا عكسه، وإنما يصح ظهر قضاءً خلف أداءً، وهكذا...
10 - القراءة: اتفق جميع الأئمة على أنه لا يجوز لمن يحسن قراءة القرآن الكريم أن يأتمَّ بغير المتقنِ للقراءة، وإذا اقتدى المتقن بمن لا يحسن القراءة بطلت صلاته كمؤتمّ.وزادت الحنفية على أن الصلاتين تبطلان معاً، صلاة الإمام وصلاة المأموم لأن على الأمي أن يأتمَّ بالقارئ المتقن، وليس له أن يصلي منفرداً حيث يمكنه أداء الصلاة بقراءة صحيحة، ولو بواسطة الجماعة.
11 - المتابعة: اتفق جميع الأئمة على وجوب متابعة المأموم لإمامه بالأفعال، وبقراءة الأذكار مثل: سبحان ربي العظيم، وسبحان ربي الأعلى، وسمع الله لمن حمده.
ولكنهم لم يتفقوا على وجوب المتابعة بقراءة سور القرآن وأذكار الصلاة.
- فقال الإمامية: إن المتابعة بقراءة القرآن لا تجب على المأموم في الركعتين الأوليين بل يتحمل الإمام عن المأموم قراءة سورة الحمد في هاتين الركعتين. بينما القراءة واجبة على المأموم، أي متابعته للإمام في الركعة الثالثة من صلاة المغرب، وفي الثالثة والرابعة من صلاة الظهر والعصر والعشاء.
- وقال الحنفية: لا يتابعه لا في السرية ولا في الجهرية.
- وقال المالكية: على المأموم أن يقرأ في السرية وأن يتابع الإمام في الجهرية.
- وقال الشافعية: يتابعه في الصلاة السرية لا الجهرية، وتجب على المأموم قراءة الفاتحة في جميع الركعات.
والحقيقة أن الصلاة لا تصح إلا بقراءة الفاتحة في الركعتين الأوليين. إلا أنّ المأموم تسقط عنه القراءة، ويجب عليه الاستماع والإنصات في الركعات الجهرية لقول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ *} [الأعرَاف: 204]. ولقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا كبرّ الإمام فكبّروا وإذا قرأ فأنصتوا» (+). إما إذا كان المأموم في وضع لا يمكّنه من الاستماع للإمام في الصلاة الجهرية، فالقراءة أفضل. وأما في الإخفات في الركعتين الثالثة والرابعة فالقراءة على المأموم.
حكم المسبوق في صلاة الجماعة:
اتفق جميع الأئمة على أنه إذا أراد المصلي الصلاة جماعة بعد أن يكون الإمام قد دخل في الصلاة، وقد سبقه بركعة أو أكثر، فإن عليه أن ينوي الجماعة، ويمضي مع الإمام في الصلاة.
ولكن هل يجعل ما يدركه هو أول صلاته؟
- قال الإمامية والشافعية: ما يدركه المأموم مع الإمام يحسب أول صلاته لا آخرها، فلو أدرك الركعة الأخيرة من المغرب صلاها مع الإمام، واحتسبها أولى، وقام إلى الثانية، ثم يأتي بالثالثة وتكون هي آخر صلاته.
- وقال الحنفية والمالكية والحنبلية: إنَّ ما يدركه المأموم مع الإمام يكون آخر صلاة المأموم.
الأحق بالإمامة في الصلاة:
- قال الإمامية: يُقدم الفقيه أولاً، ثم الأقرأ للقرآن، ثم الأفصح نطقاً ثم من كان به مرجِّح شرعي.
- وقال الحنفية: يُقدم الأعم بأحكام الصلاة، ثم الأقرأ فالأورع، فالأكبر سنّاً، فالأحسن خلقاً، فالأجمل وجهاً، فالأشرف نسباً، فالأنظف ثوباً.
- وقال المالكية: يقدم السلطان أو نائبه، ثم إمام المسجد ورب المنزل. ثم الأعلم بأحكام الصلاة، فالأعلم بالحديث، فالأعدل، فالأقرأ فالأكثر عبادة، فالأرقى نسباً، فالأحسن خلقاً، فالأحسن لباساً.
- وقال الشافعية: يقدم الوالي، ثم إمام المسجد، ثم الأفقه، فالأقرأ، فالأزهد، فالأورع، فالأسن، فالأشرف نسباً، فالأحسن سيرة، فالأنظف ثوباً وبدناً، فالأحسن صوتاً، فالأحسن صورة، فالمتزوج.
- وقال الحنبلية: يقدم الأفقه، ثم الأجود قراءة، ثم الأحفظ لأحكام الصلاة، فالأكبر سنًّا، فالأشرف نسباً، فالأنقى، فالأورع.
صلاة القضاء
اتفق جميع الفقهاء على أن من فاتته فريضة وجب عليه أداؤها سواء أتركها عمداً أم سهواً، جهلاً أم لنوم غلب عليه، لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها، فليصلِّها إذا ذكرها، فإن الله تعالى يقول: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي *} [طه: 14](+).
وقوله: (صلى الله عليه وآله وسلم): «من نسي صلاة فليصلِّها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلاَّ ذلك»(+).
فالصلاة قضاءً لما فاتته واجبة على كل مكلف، أيّاً كان السبب في عدم الأداء ما لم يكن هنالك عذر مُحِلٌّ شرعاً. ومن هنا كان تساؤل أهل المذاهب عن حكم: المجنون، والمغمى عليه، والغائب عن الوعي - لسكر أو لغيره -؟
- قال الإمامية: لا قضاء على المجنون والمغمى عليه.
أما الغائب عن الوعي لشرب المسكر الحرام فيجب عليه القضاء في جميع حالات سكره.
- وقال الحنفية: تسقط صلاة القضاء عن المجنون والمغمى عليه بشرطين:
- الأول: أن يستمر الجنون أو الإغماء لوقت يزيد على خمس صلوات، وإلاّ فعليه القضاء.
- الثاني : أن لا يفيق من الجنون أو الإغماء في وقت الصلاة، فإن أفاق، ولم يصلّ، وجب عليه القضاء.
ويجب القضاء على كل من غاب عقله بمسكر محرم كالخمرة وغيرها.
- وقال المالكية: لا يجب القضاء لجنون أو إغماء أو حيض أو نفاس.
- وقال الشافعية: لا يقضي المجنون إذا استغرق جنونه جميع أوقات الصلاة، وكذلك المغمى عليه. أما من زال عقله بسبب محرَّم كمن شرب المسكر فيجب القضاء إذا أفاق.
- وقال الحنبلية: لا يقضي المجنون. ويقضي المغمى عليه بعد إفاقته، كما يقضي السكران بسبب محرَّم.
كيفية القضاء:
اتفق الإمامية والحنفية والمالكية على أن من فاتتهُ فريضة فعليه قضاؤها كما فاتته تماماً دون تغيير أو تبديل. فمن كان عليه صلاة تامة قضاها تامة سواء كان في السفر أو في الحضر ومن كان عليه قصر، قضاها قصراً كذلك كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إقض ما فات كما فات» وعلى هذا تُقضى الصلاة الحاضرة كاملة، ولو جاء قضاؤها في السفر. وتُقضى الصلاة النهارية (للظهر والعصر) إخفاتاً ولو قضاها ليلاً، وتُقضى الليلية (المغرب والعشاء) جهراً ولو قضاها نهاراً، لأن القضاء يَحكي ما كان أداءً.
أما الشافعية والحنبلية فقد ذهبوا إلى القول أنّ من فاتته صلاة العصر وهو في السفر فإنه يقضيها قصراً كما فاتته. أما إن كان في الحضر - أي عند عودته من السفر - فإن عليه قضاء القصر تماماً، لأنّ سبب القصر كان السفر، ولم يعد قائماً بعد الرجوع منه.
ومن قضى الظهر في الليل عليه أن يجهر، ومن قضى العشاء في النهار عليه أن يُخفت.
إلاّ أن الحنابلة قالوا: يُخفت في الفائتة مطلقاً، سرية كانت أو جهرية، قضاها في الليل أو في النهار، ما لم يكن إماماً وكانت جهرية، وقضاها في الليل.
وعند غالب الأئمة: وجوب الترتيب بين الفوائت، فيقضي السابقة قبل اللاحقة، ما عدا الشافعية فإن الترتيب، عندهم، بين الفوائت، سنَّة وليس بواجب، فمن صلى العشاء قبل المغرب صحت صلاته.
مبطلات الصلاة
تبطل الصلاة عند حصول فعل من الأفعال التالية:
1 - الكلام المتعمّد: وهو النطق العادي الذي يخرج عن نطاق الصلاة، ولا يكون له علاقة بها على الإطلاق، فهو مبطل للصلاة ولو كان هذا النطق بحرفين مهملين لم يفهما، أو كان حرفاً واحداً إذا كان مفهماً مثل حرف (قِ) وهو فعل أمر من (وقى). ولا تبطل الصلاة بحرف مهمل لا معنى له، ولا بصوت يشتمل على حروف غير مقصودة.
عن زيد بن أرقم قال: «كُنّا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه، حتى نزلت الآية الكريمة: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ *} [البَقَرَة: 238](+). فأُمرنا بالسكوت ونُهينا عن الكلام»(+).
2 - الكلام سهواً: ولو تكلم المصلي سهواً فلا تبطل الصلاة إذا كان يسيراً بحيث تبقى صورة الصلاة محفوظة عند الإمامية والمالكية والشافعية. بينما لم يفرق الحنفية والحنبلية في الحكم ببطلان الصلاة بالكلام بين صدوره عمداً أو سهواً.
3 - التنحنح: عند الإمامية والمالكية: لا تبطل الصلاة بالتنحنح سواء كان لحاجة أو لغير حاجة.
- أما عند الحنفية والشافعية والحنبلية فالتنحنح بغير حاجة يعد كلاماً مبطلاً، ولا بأس به للحاجة، كتحسين الصوت حتى تخرج الحروف من مخارجها، أو يهتدي الإمام إلى الصواب.
4 - الدعاء: اتفق جميع الأئمة على أنه يجوز الدعاء أثناء الصلاة بطلب الخير، والبركة، والمغفرة والرحمة من الله سبحانه وتعالى.
كما اتفق جميع الأئمة على أن التسبيح والتكبير للإعلام، أو لإرشاد الإمام، لا يبطل الصلاة، لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن»(+).
5 - التحية: قال الإمامية: يجب على المصلي أن يرد التحية بمثلها إذا كانت بصيغة السلام، ولا يجوز الرد بأية صيغة أخرى مثل: صباح الخير أو مساء الخير أو غيرهما. ويجب أن يقتصر رد المصلي على صيغة السلام في الإسلام تماماً، فالسلام عليكم يكون جوابه السلام عليكم دون أي زيادة حرف أو نقصانه.
- وقال الأئمة الأربعة: تبطل الصلاة برد السلام من المصلّي أيًّا كانت صيغة الرد. فلو سلّم رجل على المصلي، في أثناء صلاته، وردَّ عليه السلام بلسانه بطلت صلاته، ولا بأس بالرد إيماءً بالرأس.
6 - محو صورة الصلاة: اتفق جميع الأئمة على أنّ كل فعلٍ ماحٍ لصورةٍ من صور الصلاة فهو مبطل لها، بحيث لو خُيِّلَ للناظر أن فاعله ليس في الصلاة.
7 - الأسباب الأخرى المبطلة للصلاة:
إن مبطلات الصلاة كثيرة ومتشعبة جدّاً، عند جميع الأئمة. وكون الصلاة ركناً من أركان الإسلام، ولها أهمية عظمى في نفوس المسلمين، أفراداً وجماعة، فقد رأينا، أن نورد بصورة إجمالية، وعلى سبيل التعداد لا الحصر، أهم مبطلات الصلاة حسب رأي كل مذهب على حدة، وفقاً لما يلي:
- عند الإمامية: الرياء يبطل الصلاة، وكذلك التردد في النية، والعدول من صلاة متقدمة إلى صلاة متأخرة - كما لو عدل من الظهر إلى العصر، أما لو عدل من العصر إلى الظهر فلا مانع. فلو تخيل المصلي أنه قد صلّى الظهر ونوى العصر، ثم تذكر في الأثناء، فيجوز له العدول منها إلى الظهر، ويجوز العدول من الجماعة إلى الانفراد، ولا يجوز من الانفراد إلى الجماعة، ولكن يجوز لمن يصلي الفريضة منفرداً أن يعدل بها إلى الندب كي يؤدي الفريضة مع الجماعة. وتبطل الصلاة أيضاً بزيادة تكبيرة الإحرام، فلو كبر لها، ثم كبر ثانية بطلت واحتاج إلى ثالثة، لأنها تبطل بالشفع لزيادة الركن، وتصح بالوتر.
وتبطل الصلاة بالنجاسة العارضة غير المعفو عنها. وإذا تيمَّم لفقد الماء، ودخل في الصلاة ثم وجد الماء، وهو يقوم بها، يبطل التيمم والصلاة معاً، إن كان وجده قبل الركعة الأولى، فإن وجده بعدها يتم وتصح صلاته.
وتبطل أيضاً بتعمد الكلام في أمور الدنيا، وتعمّد الالتفات بحيث يخرج عن توجهه إلى القبلة وبالبكاء لأمر دنيوي، وبالقهقهة، والأكل والشرب. ومن مبطلات الصلاة فقدان شرط من شروطها، وطروء الحدث، وزيادة جزء أو نقصانه عمداً. وترك ركن من الأركان الخمسة لها : النية، وتكبيرة الإحرام، والقيام، والركوع، والسجدتان، سواء كان الترك عمداً أو سهواً. وأخيراً اقتداء المصلّي لمن لا يُقتدى به إذا كان عالماً بفسقه قبل شروعه بالصلاة.
- عند الحنفية: ومبطلات الصلاة عند الحنفية أهمها: الكلام عمداً أو سهواً، أو جهلاً أو خطأ. والدعاء بما يشبه كلام الناس. وتحويل الصدر عن القبلة. والأكل والشرب. والتنحنح بلا عذر. والتأفيف. والأنين. والتأوه. وارتفاع البكاء. وتشميت العاطس. وقول {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ *} [البَقَرَة: 156] عند سماع خبر سوء. وقول «الحمد لله» عند الخبر السارّ وكل قول يكون القصد منه التعجّب. ورؤية المتيمم الماء. وطلوع الشمس وهو يصلي الصبح، وزوالها وهو يصلي العيد.
- عند المالكية: وأهم المبطلات عند المالكية: ترك ركن من أركان الصلاة عمداً أو سهواً إذا لم يتذكر حين سلّم معتقداً الكمال. وزيادة الركن عمداً كالركوع أو السجود. وزيادة التشهد في غير محله إذا كان عن جلوس. والقهقهة عمداً أو سهواً. والقيء عمداً. وطروء ناقض الوضوء. وكشف العورة أو شيء منها. والأكل والشرب عمداً. والكلام عمداً لغير إصلاح. والنفخ بالفم عمداً. وسقوط النجاسة على المصلي. والفعل الكثير والسجود قبل السلام. وترك ثلاث سُنن من سنن الصلاة سهواً مع ترك السجود لها.
- عند الشافعية: وأهم مبطلات الصلاة عند الشافعية: الحدث الموجب للوضوء أو الغسل. الكلام. البكاء. الأنين في بعض الحالات. الفعل الكثير. الشك بالنية. التردد في قطع الصلاة مع الاستمرار فيها. العدول من صلاة إلى أخرى ما عدا الفروض فله أن يصرفه إلى النفل إذا أراد صلاة الجماعة. انكشاف العورة مع القدرة على سترها. العري مع وجود الساتر. النجاسة غير المعفو عنها. تكرار تكبيرة الإحرام. ترك الركن عمداً. اقتداء المصلي بمن لا يقتدي به لكفره أو نفاقه أو فسوقه أو غيره. زيادة الركن عمداً. تقديم الركن الفعلي على غيره. التحول بالصدر عن القبلة.
- عند الحنبلية: أهم ما يبطل الصلاة عند الحنبلية: النجاسة غير المعفو عنها. الفعل الكثير. طروء نواقض الوضوء. تعمد كشف العورة. استدبار القبلة. استناد المصلي، إلى شيءٍ استناداً قويّاً، من غير عذر يدفعه إلى الرجوع إلى التشهد الأول بعد الشروع بالقراءة إن كان عالماً ذاكراً. زيادة الركن عمداً. تقديم بعض الأركان على بعض عمداً. اللحن المغيّر للمعنى مع القدرة على الإصلاح. نية قطع الصلاة أو التردد في ذلك. الشك في تكبيرة الإحرام. القهقهة. الكلام عمداً أو سهواً. تسليم المأموم عمداً قبل الإمام. الأكل والشرب للناسي والجاهل. التنحنح بغير حاجة. النفخ إن ظهر منه حرفان (أف) والبكاء لغير خشية الله تعالى.
وقد اتفق جميع الأئمة على أن المرور بين يدي المصلي لا يبطل الصلاة.
ولكن هل يحرم مرورٌ على المصلِّي؟
قال الإمامية: لا يحرم المرور على المار، ولا على المصلي، وإنما يستحب أن يجعل المصلي بين يديه سترة، إن لم يكن أمامه حاجز، والسترة يمكن أن تكون عبارة عن خشبة، أو حبل، أو قطعة قماش، أو كومة تراب، ونحو ذلك، إشارة إلى تعظيم الصلاة، والانقطاع عن الخلق، والتوجّه إلى الخالق العظيم.
وقال الحنفية والمالكية والحنبلية: يحرم المرور بين يدي المصلي على كل حال، سواء اتخذ سترة أم لم يتخذ. وزاد المالكية والحنفية على ذلك بالقول: يحرم على المصلي أيضاً أن يتعرض بصلاته لمرور الناس بين يديه مع إمكان الابتعاد.
وقال الشافعية: يحرم المرور إذا لم يتخذ المصلي سترة، أما مع وجودها فلا حرمة ولا كراهة.

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢