نبذة عن حياة الكاتب
قصص الانبياء في القرآن الكريم
الطبعة : الطبعة السابعة
المؤلف : سميح عاطف الزين
فئة الكتاب : سيرة
عدد الصفحات : ٦٩٢
تاريخ النشر : ٢٠٠٥
الفهرس (اضغط على الرابط للقراءة)

المقدمة
القصص
القصّة
خرق النواميس
المنـامات والـرُّؤَى
القصص الديني والتاريخ
التكوين
نظام الزوجية
هل يوجد آدم واحد أو أكثر؟
آدم عليه السلام
السور القرآنية وموضوعاتها
إدريس (عليه السلام)
نوح (عليه السلام)
الأسلوب القرآني المعجز بوضوحه وقوته وجماله
هود (عليه السلام)
القرآن هو المثاني وفاتحة الكتاب هي السبع المثاني
صالح (عليه السلام)
قصة ثمود والإيجاز في القرآن الكريم
1 - ولادة إبراهيم عليه السلام
2 - إبراهيم وأبـوه آزر(+)
3 - إبراهيم والنبوَّة
4 - إبراهيم عليه السلام وقومه المشركون
5 - تحطيم الأوثان والأصنام
6 - معجـزة الله العظمى
7 - الهجرة إلى فلسطين من بلاد الشام
8 - الارتحال إلى مصر
9 - إبراهيم وولده إسماعيل (عليهما السلام)
10 - البلاء المبين
11 - إبراهيم (عليه السلام) والبُشـرى
12 - بناء الكعبة الشريفة
الأحرف وأهميتها في فهم قصص القرآن الكريم
لوط (عليه السلام)
إسحـق (عليه السلام)
يعقـوب (عليه السلام)
يوسف (عليه السلام)
أيوب (عليه السلام)
شعيب (عليه السلام)
مـوسى وهارون (عليهما السلام)
ذو الكفل (عليه السلام)
داود (عليه السلام)
سليمان (عليه السلام)
الأنبياء بشر يتكاملون
إلياس (عليه السلام)
إليسع (عليه السلام)
يونس (عليه السلام)
زكريا (عليه السلام)
يحيى (عليه السلام)
مريم بنت عمران عليها السلام
عيسى (عليه السلام)
عيسى والروح الأمين (عليهما السلام)
المسيح بين كونه إنساناً أم إلهاً من أهداف قصص الأنبياء في القرآن الكريم
المـراجع
هوامش

مـوسى وهارون (عليهما السلام)
كان لقاءُ يعقوب (عليه السلام) بابنه يوسف في مصر، سبباً في نهاية الأزمات التي عصفت بحياة تلك العائلة وفرَّقت بين الولد وأبيه، وبعثت الحزن والأسى في القلوب والنفوس. فعندما جاء إخوة يوسف بأبيهم إلى مصر، وكان اللقاء الموعود، والتئام الشمل، زالتِ الأحقادُ والأحزانُ، وصفا العيشُ وطابت الحياةُ.
عاشَ يعقوب (عليه السلام) في ظلال هذه الهناءَة ردحاً من الزمن حتى توفّاه الله، فحَمَلهُ أولاده إلى موطنه الأصليّ في فلسطين، ليدفنوه في البُقعة التي ولد فيها، تنفيذاً لوصيَّته. ثم قفلوا إلى مصر راجعين، يشدهم إليها استواء أرضِها، ووفرةُ خيراتها، وطيبُ مقامها.
وتتعاقبُ الأيامُ، وتنصرفُ السنون، فتتكاثر ذرّية يعقوب (عليه السلام) في تلك البلاد، حتى يربوَ عدد أبنائها على مئاتِ الألوف.. وظلَّ بنو إسرائيل على دين آبائهم (يعقوب وإسحاق وإبراهيم (عليهم السلام)) الدين الحنيف، دين الإسلام الذي حملَه يوسف (عليه السلام) إلى مصر، ونشره في تلك الديار، بعدما صفتْ له الأيام، وصار عزيزاً مقتدراً.
فقد عمل يوسف (عليه السلام) وهو نبيٌّ من أنبياء الله، على إحلال الدين الإسلاميّ في مصر. وهو يحذو في عمله حَذْوَ جميع الأنبياء والمرسَلين، بدءاً بآدم (عليه السلام) وختاماً بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ..
وهل الرسالة التي دعا إليها مبعوثو الله - تعالى - إلاَّ الرسالة الإسلامية وهل معنى الإسلام إلاّ الاستسلام بالقلب والنيّة والوجه والعمل لله العزيز الحكيم؟.
فإذا كانتْ جميع دَعواتِ الأنبياء والرُّسل تصبّ في هذا الاتجاه، وتسير في هذا السبيل، فإنهم جميعاً بلا ريب كانوا دعاةً للإسلام بهذا المفهوم العام الشامل، الذي تقومُ عليه عقيدة التوحيد، وأمَّا النظامُ الذي جاء به الرسول الأعظم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهو نظام متقدم في التشريع... وتلك دلالةٌ على أن عقيدة التوحيد قد اكتملتْ، وأن الإنسان قد آمن بالحقّ المطلق، فصارَ مسلماً بتولِّيه تلك العقيدة وذلك الحقّ... وهذا هو المعنى المقصود في قوله سبحانه وتعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ *} [الشّورى: 13]. والتأكيد على ذلك بقوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ} [آل عِمرَان: 19]. وتبيان هذا الأمر في نهاية المطاف من بعث الأنبياء والمرسلين بقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المَائدة: 3].
أجل تلك هي العقيدة، وهذا هو الدين الذي عمل لأجله يوسف كسائر النبيين والمرسلين، وهو أن تظلّ عقيدة التوحيد بمعناها الذي انطلقت منه وقامت عليه ألا وهو «لا إله إلا الله وحده لا شريك له». الأساليب وإن تَنَوَّعَتْ، والوسائلُ وإن تعدَّدت، تصب في الطريق الواحد إلى وحدانية الله، وهذا هو جوهر الرسالة التي حملها كلُّ نبيّ ورسول.. ولكن استجابة أهل الأرض لم تكن صافيةً، خالصةً، على مرّ العهود والأجيال، للرسالات المنزَّلة. إذ عَبَرَت الحياةَ الدنيا هذه أممٌ كانتْ في غفلةٍ من الذات، وجفوةٍ من البصيرة، فهجرت عقيدةَ التوحيد، وبعدت عن الإيمان بحقيقة وجود الله، ولم تهتدِ إلى جادة الحقّ والصواب مما جعلها تنزلق في مهاوي الضلال، وتتوه في دروب الضياع حتى وصلت بها الحالُ إلى عبادة الأصنام والأوثان.
موت يوسف (عليه السلام) وعودة الوثنية إلى مصر
ومن بين الأمم الغابرة التي تنكرت لعقيدة التوحيد كان أهل مصر، إذْ عادوا بعد موت يوسف (عليه السلام)، إلى حظيرة الكفر بفعل طبقةٍ لم تَر إلاّ مصالحها الذاتية، وشهواتها الدنيوية بديلاً عن دين الله.. وتساءلت لماذا تُبقي على هذا الدين وهو في مجمل تشريعاته ومفاهيمه وبالٌ عليها؟ إذن فلتحاربْ هذا الدين وهو ألدُّ أعدائها، ففيه المساواة وفيه العدالة، ولتقاوم أتباعَهُ ولتكِده لهم، فهم يؤمنون بأن هذا الدين لا يُفرِّق بين حاكم ومحكوم، ولا بين غنيّ وفقير، أو بين مستكبرٍ ومستضعف. وأيّ دين هذا الدين الذي يقول بأن جميع الناس سواسيةٌ إلاّ بما يتميَّز به كل فردٍ أو إنسانٍ في أداء الحقوق والواجبات، وفي الكفاءة والأهلية، وفي العقيدة والإيمان، وفي العمل والخضوع للقانون والنظام؟!..
ماتَ يوسف (عليه السلام)، فعادَ إلى مصرَ نظامُ الأربابِ الأرضية..
وفي ظلّ هذا النظام حكَمَت الأُسَرُ الفرْعَونيّة، وهي تدَّعي الربوبية، وتتحكَّم بهذا الادّعاء في رقابِ العباد، وفقَ ما تشاءُ وكيفما تشاء.
ولكن على الرغم من تبديل المفاهيم والأوضاع في تلك البلاد فقد ظلت فئة على الإيمان، وفيّةً لعهود الآباء والأجداد. تلك كانت فئةُ بني إسرائيل. وقد رأى فرعون - وكان يومذاك، على ما يقولُ بعض الرواة، الوليد بن مصعب بن معاوية العملاقيّ - في وجود تلك الفئة، ما يشكِّل خطراً عليه، وهي تزدادُ تكاثراً في العدد، وتوسّعاً في امتلاك الرزق.
وكانت هواجسُ فرعون صادقةً، إذ رأى في المنام ناراً تُقبِلُ على مصرَ من بيت المقدس في فلسطين، فتحرقُ جماعةَ القبط، وتزيلُ ملكَه وسلطانَه، وتكون سبباً في نهايته المحتومة.. فارتعب لهذه الرؤيا ودعا إليه الكهان والعرافين، كي يُفَسروها له، فقيل له: إن غلاماً من بني إسرائيل يولد في هذه الديار، ويكون هلاكُك وزوالُ ملكك على يديه..
وغلى الحِقْدُ في قلب فرعون مثل غليان الماء في المرجل، فأمَرَ بقتل كل مولودٍ جديد من الذكور في بني إسرائيل. ثم بثَّ العيون والأرصادَ يتعقَّبونَ نساءَهم، ويُراقبون رجالهم، حتى لا يُفْلِتَ من القتل أيُّ غلامٍ وليد...
هكذا كان حكم الطاغية فرعون، وهكذا حلّ العذاب ببني إسرائيل: يُقتَلونَ في المهد، بلا ذنبٍ أو خطيئةٍ إلاَّ لأنهم يؤمنون بالله واحداً أحداً، حتى قلَّ مع الأيام عددُ ذكورهم، وخافَ القبطُ أن يأتيَ زمانٌ لا يجدون فيه رجالاً يقومون على أعمالهم، في حراثةٍ، أو صناعةٍ، أو تجارةٍ، أو بناء... وفي ذلك خرابٌ لبنائهم، واضمحلالٌ لملكهم، وزوال لرزقهم..
فجاءتهُ جماعة من أسيادهم تقولُ له:
- أيها السيد العزيز، لقد أمرتَ بقتل ذكور بني إسرائيل. وقد عدلتَ وأنت تستحيي نساءهم، وتكيدُ لكبارهم. ولكنَّ الأطفالَ يا سيدنا هم خدامُنا وعمالنا عندما يشبّون ويكبرون، فإن أبقيتَ حُكْمك قائماً بتقتيلهم، فإننا سنقعُ في ما يضرُّنا ولا ينفعُنا. فهم يقومون على حرث أراضينا، وبناء بيوتنا، وهم الذين يعملون في صناعتنا وتجارتنا. فهل تريدُ يا سيّد مصر أن يقع بنو قومكَ في مأزق، وأنتَ عونُهم وسندهم؟!!.
ولادة موسى (عليه السلام)
تفكَّر فرعون بما قالوه له، ورأى أن يُغيِّرَ نهجَهُ في تقتيلِ ذكور بني إسرائيل، فأصدَرَ أمراً بالكفِّ عنهم عاماً وذبحهم عاماً.. ويشاءُ الله العزيز الحكيم أن يُولَد هارون في سنة لا يُذبَحُ فيها المواليد، وأن يولَد أخوه موسى في السنة التالية، سنة القتل والذبح..
وقد كابَدَتْ أمه «يوكابد» خوفاً عظيماً وهي في حملها، وكأنها كانت تحسُّ حركة الذكر في بطنها. ولعلَّ النور الذي انبَعَثَ من وجه الوليد ساعة وضعهِ، قد دَخَلَ قلب القابلة التي كانت تولِّدها، فلامَسَهُ بالحنان، وغمَرَهُ بالعطف، فتأمَّلته مليَّاً، ثم احتضنتْهُ بين ذراعيها، ورفعته إلى أمّه وهي تقول لها: هوذا ابنُك أيتها المرأة، فلا تخافي عليه مني.
نادَتْهُ أمّهُ، وهي تدنيه من قلبها، وتضع ثديها في فمه قائلة: تدفأْ في أحضان أُمِّك يا موسى، فأنت آمِنٌ بفضل الله وعنايته..
إذن حمَلَ الوليدُ اسم موسى، ترجو له أمُّه الأمانَ والنجاة.. ولكنها وعلى الرغم من هذا الرجاء ظلَّ شعورٌ بالقلق يُساورها.. إنها تخافُ عليه.. تخافُ أن تشيَ به القابلة القبطيّةُ، أو أن يعلَم بوجوده أعوانُ فرعون. تخافُ عليه من ظلم الظالم، وجبروتِ الطاغية وهو يبثّ العيون والأرصاد بحثاً عن أطفال بني إسرائيل.. ولكنَّ هذا الخوف سرعانَ ما خالَطهُ شعورٌ غريبٌ وهي تسمعُ هُتافاً من الأعماق يقول لها: اقذفيه في اليمّ (النيل) ولا تخافي..
ما هذا الهتافُ الذي يطرق مسامع أم موسى؟ إنها تخافُ عليه من عين تراهُ، أو أُذُن تسمعُ به، فكيف يسَعُها أن تقذفَ به في النيل؟ وما سِرّ هذه الدعوة لها بالأمان وعدمِ الخوف وهي ترميه لتماسيح النيل ولأمواجه العاتية؟.. إنها لا تدري، ولكنها تجدُ نفسها منصاعةً لتلبية النداء، فتقومُ من توّها، وتضعُ ابنها في صندوق خشبيّ، ثم ترميه حيثُ أوحي إليها أن تَرْمِيَهُ... ووقفتْ ترمق الصندوق والمياه تتقاذفه حتى غاب عنها، والحنان يكاد يغلبها، والقلقُ يستبدُّ بها، وقد أصبح فؤادها فارغاً...
لقد سمعتْ أمّ موسى الإيحاء، وألقتْ بطفلها إلى الماء. ولكن أين هو يا ترى، بعدما غاب عن أنظارها؟ وماذا فعلَتْ به الأمواج؟ ولعلَّها سألتْ نفسها أيضاً: كيف أمَّنْتُ على فلذة كبدي أن أقذف به في اليمّ. كيف فعلتُ ما لم تفعله أمُّ من قبل؟ كيف طلبتُ له السلامة في هذه المجازفة، وكيف استسلمت لهذا الهاتف الغريب؟!.
وكادت لشدة خوف قلبها عليه أن تُعِلنَ للناس: أنا أضعتُهُ.. أنا أضعتُ طفلي.. أنا الذي ألقيتُهُ في اليمّ.. ولكنَّ الله أمسكَ على قلبها وثبّتها، وحفظها من الهيام والشرود، لتكونَ من المؤمنات بوعد الله، الصابرات على ابتلائه، السائرات على هداه..
هدَّأ الله تعالى قلب تلك الأم، وأدخلَ إليه السكينة. ولكن بعضاً من نفسها لم يطاوعها على السكوتِ عن معرفة أخبار طفلها، فأرسَلَت أخته تبحثُ عنه، وهي تقول لها:
- اذهبي يا ابنتي في أثر أخيكِ، واعرفي خبرهُ، إنْ كان حيّاً أو أكلتْهُ حيوانات البحر. ابحثي عنه واستقصي مقرَّه..
ذهبتْ أخت موسى في حذرٍ وخفية، تدور في الطرقات والأسواق، وهي تحاول أن تتلمَّس أثرهُ من أحاديث الناس ورواياتهم. وبينما كانت في تجوالها رأتْ جماعةً من الناس تلتفُّ حولَ خدم فرعون وجنوده، فتقدَّمتْ تستطلِعُ الخبرَ.. ولشدّ ما أدهشها، ولشدّ ما غَمَر قلبها بالفرح أن رأت أخاها الصغير محمولاً على أيدي خدم فرعون، وهم يسألون باحثين عن ثديٍ لإرضاعه، بعدما أعياهُم بعدم تقبّل الرضاعة من النسوة اللواتي أحضِرنَ خصيصاً له.
وجدت الفتاة الفرصة سانحة كي تعيد أخاها إلى أمه تحت شعار أنها حاضنته ومرضعته، فتقدَّمت من الخدم وهي تقول:
- هل أدلّكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون؟
ويتلقّى الخدم والجنود كلماتها، وهم يستبشرون بما تعرضُهُ عليهم، ويودون أن تصدقَ في ما تقول حتى ينالوا الجائزة من سيدهم ومولاهم فرعون، لأن الموت كان مصيرهم إن لم يجدوا مرضعة للطفل!... أما كيف نجا الطفل من الغرق؟ وكيف وصل قصرَ فرعون؟ وكيف صارتْ له مكانة عنده حتى يوزِّع خدَمهُ وجنودهُ باحثين عن امرأة تؤمّن له الرضاعة، فهذا ما علمتْهُ من أولئك الجنود، وطارت به إلى أمها لتزفَّ لها البشرى.. ووصَلَتْ إلى البيت لاهثةً، ودون أن تستريح - بل لم تُرِدِ الراحة - اندفعتْ تروي الحكاية لأمّها قائلةً:
- إن أخي بخير وعافية. وهو يعيشُ معزّزاً مكرماً في قصر فرعون.
وشهقت الأم، وقالت متعجِّبة: في قصر فرعون؟..
- نعم يا أمّاه، عند فرعون، وهو آمن برعاية الله.. أحَبَّتْهُ امرأةُ فرعون فاحتضنته.. فقد كانت تقومُ بنزهةٍ في أرجاء حديقة قصرها، ورأت على البُعد جمعاً من الصيادين يُخرجون من الماء صندوقاً من الخشب كانت تتقاذفه أمواج النيل، فأرسَلَتْ جارياتها لتعرف ما في هذا الصندوق. وعُدْنَ إليها يُخْبرنها بوجود طفلٍ حيٍّ فيه، فطَلَبَتْ رؤيته. ولما أتينها به، ووقَعَ نظرُها عليه، تدفَّق الحنانُ من قلبها، ووقع من نفسها موقعاً عجباً، فمالت إليه، ثم أمرت بأن يُحملَ إلى القصر. ودخَلتْ على زوجها تخبره بأمر الطفل، فثارت ثائرتُهُ وحاول نهيها عن احتضانه. ثم أمرَ جنوده بقتله كيلا يُفتَتَن هو به، كما افْتُتِنَتْ هي. ولكنّ امرأة فرعون تمسَّكتْ بالطفل، وأجهشت بالبكاء، وأخذتْ ترغِّب زوجها ببقائه قائلة: {قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [القَصَص: 9]؟ واستجاب فرعون لرغبة زوجته، وأبقى على حياة موسى. ولكنّه فوجىء هو وزوجته بأن الطفل لم يتقبَّل الرضاعة من أحد، فجاؤوا له بمرضعات كثيرات، ولكنه امتنعَ عنهنَّ كلهنَّ. وكان كلما أتوه بواحدةٍ ازداد بكاءً، وأبى الرضاع، حتى لم تعد امرأة فرعون تقوى على احتمال رؤيته على هذه الحال، فأمرت الخدم والجنود أن يطوفوا به في الشوارع والساحات علَّهم يقفون على امرأة يقبل الطفل ثديها.
وما كادت أم موسى تَسمعُ ما رَوَتْهُ ابنتها، حتى اندفعتْ إلى قصر فرعون. وهناك أخذت الطفل بين أحضانها، وأخرَجت له ثديها، فراحَ يلتهمُه بنَهمٍ حتى ارتوى، ثم هدأ في إغفاءةٍ هانئةٍ.
ها هو الوعدُ يتحقَّق ويُرَدّ موسى إلى أمّه، كي تَقَرَّ به عيناً، ولا تحزن لفراقه، ولكي تعلم أن وعد الله حق.
وتمرُّ سنوات طوال ما بين مولد موسى، وبلوغِهِ سنّ الشباب والنضوج.
ويتجاوز القرآنُ الكريمُ ما دار في تلك السنوات، وهل تربّى الرضيعُ في بيتِ أمه بعدما أُعيدَ إليها، أم بقيتْ هي في القصر. وهل ظلَّ مكانه في القصر أم في مكان آخر بعد أن شبّ عن طور الطفولة والفتوَّة... هذه أمور يتجاوزها القرآن الكريمُ ولا يذكر عنها شيئاً، ولكنّهُ يُنبئنا أن موسى بَلَغَ أشُدَّهُ واستوى، وكانت قواه الجسدية قد اكتملت، وتمَّ نضجه الجسديّ والنفسيّ، وآتاه الله سبحانه وتعالى حكمةً وعلماً، وجزاهُ جزاءً حسناً.
.. ومما لا ريب فيه أن موسى قد شهد بعدما بلغ النضوجَ الفكريَّ، ما يُقاسيه أبناءُ قومه من جور فرعون، وما يُلاقونه من ذُلٍّ واستعباد واستغلال وظلم. لقد سامهم سوء العذاب، وأطفأ سُرج الأمل في حياتهم، فكانوا لديه بمثابة سقط المتاع..
شهد موسى هذا الظلم والهوان يحيقُ ببني إسرائيل، وهم الفئة الموحّدة المؤمنة، وشقَّ عليه أن يجدها تُساقُ سوقَ القطعان، فامتلأ قلبُه كمداً وحزناً وذابَتْ نفسُهُ أسفاً ووجْداً.
وتدفعُهُ مشاعرُه، وهو يرى ما يرى من ظلم فرعون وقساوته، أن يدورَ في الأسواق والطرقات، يتقصَّى الأخبار، ويستطلِعُ الأحوال والأوضاع، دون أن يدريَ به أحد..
موسى يقتل نفساً!
وفي إحدى المرات، وفيما كان في تجواله في المدينة، إذا به يُشاهد رجلين يقتتلان. أحدهما من شيعته (من بني إسرائيل) والثاني قبطيّ، يقال إنه كان من حاشية فرعون، وإنه طبّاخ قصره. ورأى الإسرائيليُّ موسى فعرفهُ، فناداهُ مستنجداً به على عدوّهما، فوكزَ موسى القبطيَّ بقبضة يده، فكانت ضربةً قاضيةً عليه أودت بحياته.
لم يكن موسى يقصدُ القتلَ، ولم يكن مصمماً القضاء على القبطيّ. ولكنه اندفع كي يخلِّص رجلاً مؤمناً من بين يديْ رجلٍ كافر أرادَ ظلمَهُ والبغيَ عليه.. ولكنه ما كادَ يراه جثةً هامدةً حتى ندم على فعلته، وعزاها إلى الشيطان وغوايته، واعتبر أن اندفاع نفسه كان من الغضب، والغضب نفخٌ من الشيطان، فاسترجع حينئذٍ موسى وهو يقول: هذا من عَمَل الشيطان. إنه عدوُّ مضِلٌّ مبين. ودعا ربّه مستغفراً، وهو يلوم نفسه بالقول: ربِّ إني ظلمتُ نفسي فاغفر لي، إنك أنت الغفور الرحيم.
لقد حاول موسى أن يناصر من كان ظاهِره الإيمان، وأن يهزم من كان ظاهره الكفر، فاندفَع وفي نفسه هاجسُ ظلم هذه الفئة التي تستعبدُ قومهُ، وتستغِلّهم. وهَجَمَ على القبطيّ وفي قلبه حرقة من هذا الاضطهاد الذي يلاقيه قومُه من جبروتها ورعونتها، فكانت استجابته استجابةً لنصرة المظلومين، ودفعاً لكرب المكروبين، وانطلاقةً لتحرير المستعبدين. والله يأمُرُ عباده بدفع الظلم، ودرء المكروه، وصدّ العدوان. لقد كانت نيّة موسى ألاَّ يقتل، وإنما كان العمل في سبيل تحرير الإنسان، ومن أجل نصرة الإيمان. والله سميعٌ عليمٌ، يرى ما يقومُ به عباده، فيغفر لمن يستحقّ المغفرة، ويعاقب من يستحقّ العقاب. وقد قبلَ الله سبحانه من موسى استغفاره، لأن غايَته لم تكن القتل، وإنما كانت في سبيل مرضاة الله، فرحمه وغفر له..
لم يُغْوِ الشيطان موسى حين أقدم على القتل، ولكنه - سلام الله عليه - حَسِبَ أن ذلك من عمل الشيطان. فقطع على نفسه عهداً، ألاَّ يدع هذا الشيطان الخبيث يتحكَّمُ به مرة ثانية، وألاَّ يكون هو في الوقت نفسه ظهيراً إلاَّ للمبدأ الذي يعتنقه.
وباتَ موسى خائفاً من انكشاف أمره، يترقَّب العقاب والبلاء من فرعون وأعوانه. فراح يتخفّى عن العيون، ويختبىء في الأماكن الآمنة، وهو في ذلك على حذرٍ تامٍ، يتلفَّت لأوهى الحركات، ويتوقَّع الشرّ في كل وقت من الأوقات.. وبينما كان في هذا القلق والتوجّس، وفي هذا الجوّ المقيت، رأى وهو يعبر السوق شجاراً جديداً، فإذا الذي استنصرهُ بالأمس يستصرخه ويستعينُ به على رجل آخر من القبط..
ويبدو أن رؤيته قبطياً وهو يحاول أن ينال من الإسرائيليّ، قد أعادت الانفعال إلى نفسه، وأثارت فيها كوامنَ الغيظ من الظلم، والنقمة على البغي. فهمَّ أن يبطش بمن هو عدوٌ له، ولكنَّه تذكَّر عهده لله بألاَّ يكون ظهيراً للمجرمين. إذ بدا له أن هذا الذي يستنصره، وإن كان من شيعتِهِ، إلا أنه من ذوي الأخلاق السيئة، الذين يفتعلون الشرّ، ويحاولون إثارة الشغب والفوضى، في مشاكلَ فرديّةٍ، لا جدوى منها ولا طائل..
أدرك موسى ذلك، فنظر إلى الإسرائيليّ بازدراء وقال له: إنك لغويٌّ مبين. وظنَّ هذا الإسرائيليُّ أنه يريدُ أن يبطش به، فصرخ: أتريد أن تقتلني كما قتلت رجلاً بالأمس؟ وهذا ما يخبرنا به القرآن الكريم بقوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا} [القَصَص: 19] قال الإسرائيلي: {...يَامُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ *} [القَصَص: 19].
وسمع القبطيُّ ما قاله الإسرائيليُّ فطار ينشرُ الخبر على الملأ من قوم فرعون، قائلاً إن موسى هو قاتل القبطيّ بالأمس.
وتناهى الخبرُ إلى فرعون، فأمَرَ بطانته بالبحث عن موسى وقتله.
وسمع رجلٌ من المقرَّبين في القصر ما أمَرَ به فرعون، وقد كان هذا الرجل على دين موسى، دين الإيمان بالله الواحد الأحد، فجدَّ السير من أقصى المدينة حتى وجدَهُ فقال له: {...يَامُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ *} [القَصَص: 20].
الخروج إلى مدين
وخرج موسى من المدينة خائفاً، مترقِّباً، وهو يدعو الله: {...رَبِّ نَجِنِّي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ *} [القَصَص: 21]. وراح يقطع الطرقات الوعرة، والفيافي الواسعة بلا زادٍ ولا استعداد. ولكنه يتوجَّه إلى ربّه بالضراعة مستسلماً، وإلى هداه متطلّعاً، عسى أن يهديَه ربه سواء السبيل..
وكانت استجابة ربِّه له أنْ هداه إلى طريق مدْين التي تقع في بلاد الشام، حيث انتهى به السفر الطويل إلى ماءِ بئر، وجدَ عليها جماعة من الرعاة يسقون مواشيَهم، وإلى جانبهم فتاتان تمنعان غنمهما العطشى من ورود الماء، وتنتظران أن ينتهيَ الرعاة لتسقيا قطيعهما.
رأى موسى ما يُخالف قواعد العُرف، فتقدم منهما قائلاً:
- ما خطبكما؟.
{...قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ *} [القَصَص: 23].
وفهم موسى أن الفتاتين لا تقويان على مزاحمة الرجال، وأنه ليس لهما إخوةٌ كي يقوموا عنهما بحمل الأعباء، وكذلك فإن أباهما شيخٌ هرمٌ لا يقوى على العمل، فثارت فيه النخوةُ وتقدم يُبعد الرعاة عن البئر، ثم أمسك بالدلو يسقي غنمهما. فلما انتهى انصرف إلى ظل شجرةٍ قريبةٍ، يستظلُّ من شدّة الحرّ، ينشدُ الراحة مما انتابه من تعبٍ ونصب وجوع، فدعا ربّه: {...رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ *} [القَصَص: 24].
وكان موسى جائعاً حقاً، فلم يرَ خيراً من التوجّه بالدعاء إلى الله سبحانه كي يُهيئ له بعض ما يسدّ به رمقَهُ. ويستجيب اللطيف الخبير للقلب الضارع الغريب، فتأتي إحدى المرأتين اللتين سقى لهما، وتتقدم منه بحياء وخفرٍ وهي تقول:
{إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القَصَص: 25].
موسى عند النبيّ شعيب (عليه السلام)
ويستشعر موسى الفرج، فيلبّي الدعوة ويذهب مع ابنة الشيخ، تقوده إلى منزل أبيها. وتقول بعض الروايات إنه كان يدعى «يثرون». وهو بالحقيقة النبيّ شعيب (عليه السلام).
وجيء لموسى بالطعام فأبدى تعفّفَه لئلا يكون أجراً على ما فعله من عمل المعروف، فإنه من أهل بيت لا يبيعون شيئاً من عملِ الآخرة بملك الأرض ذهباً.. ويلحظ الشيخ هذه الأنفة في الرجل، فيزيدُ في ترحيبه قائلاً:
- أهلاً بك في ديارنا أيها الرجل. وعندنا من يَقري الضيف ويُؤوي المسافر بلا مِنَّة ولا تأفُّف...
ودَارَ الحديث بين الرجلين، كلٌّ يُفضي بمكنونه، ويبثُّ للآخر لواعجه، وقد آنسا من بعضهما تقارباً واطمئناناً، ومن عادة الإنسان أن يُصارح من يركن إليه بهمومه قبل أفراحه. ويقصُّ موسى أخباره مع فرعون مصر، وأنه قتل رجلاً من بني قومه، وهو مهدَّدٌ منهم، لأنه لا يأمن لهم جانباً.. فيردّ عليه الشيخ مطمئناً، وكأن إلهاماً يخالجه، فيقول له:
- لا تخف، نجوتَ من القوم الظالمين، فلا سلطان لفرعون على مدْين، ولا سلطة له على بلادنا، فنحن في بقعةٍ تقعُ خارج حكمه. ثم يبدي لموسى عدم قدرته على القيام بشؤون الرعي، ومهام الأهل، مما اضطرَّه إلى إيكال الأمر لابنتيه، وهما فتاتان تشقيان بتحمّل المسؤوليات الجسام التي تفوق طاقة احتمالهما.
وترى إحدى الابنتين أن الفرصة واتَتْ كي يخفِّف أبوهما الأعباء عن كاهل العائلة، إذا ما استأجر هذا الرجل، لاسيما أنه بحاجةٍ إلى مأوى يلوذُ به، وعملٍ يُكسبُه عيشه، فتقول لأبيها:
{...يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ *} [القَصَص: 26].
ورغب الأبُ في استيضاح ابنته عن معرفتها بصفات هذا الغريب وما يتمتع به من القوة والأمانة، فأخبرَته بما فعله على البئر، وكيف دفع الرعاة وسقى لها ولأختها، بما دلَّ على قدرته وبأسه... ثم توقّفت قليلاً وعادتْ تتابع:
- أما أمانته فقد تبدّت واضحةً في عفَّةِ لسانه، وحياء نظرته، عندما توجّهتُ إليه بالدعوة، فلم يزدْ عن ذكر الله وشكره، ولم يَرفَعْ عينيه إليَّ، بل لبّى الدعوةَ وأمرني أن أسير وراءه وأن أرشده إلى الطريق، لأنه لا يريد أن يتعقَّب امرأة ولا أن ينظر إليها تسيرُ أمامه. فهو إنسانٌ مؤمنٌ مهذَّبٌ، ومن كان الإيمان بالله سبيله فهو أمينٌ بلا ريب، نصوحٌ، مخلصٌ، ووفيٌّ..
ولعلَّ الأبَ قد أحسَّ في نفس ابنته ميلها الفطريَّ للزواج، وبناء أسرةٍ تقرُّ بها عينُها، فتنأى بزواجها عن معاناة رعي الغنم، وعن مزاحمة الرجال على الماء. فاستطاب شعور ابنته، وبلا تكلُّفٍ أو انتظارٍ عرضَ على موسى رأيه بصراحةٍ أن يُزوِّجه إحدى ابنتيه اللتين التقاهما على البئر.. ولكنه اشترط عليه أن يؤجره عَمَلَهُ لثماني حجج، فإن أتمّها عشراً فمن عنده، وهو لن يشق عليه أو يتعبه في العمل، داعياً الله تعالى أن يجده موسى - إن شاء الله - من الصالحين في معاملته ووفائه.
فوافق موسى على عرض الشيخ، وقَبِلَ أن يتزوَّج الابنةَ التي ذهبتْ تدعوه، ولكنه اشترط هو أيضاً ألاَّ تزيد مدة إقامته على ثماني حجج، وما زاد عليها يكون عائداً لاختياره. ثم أشهدا الله على عهدهما وعلى ما اتفقا عليه. وكفى بالله شهيداً ووكيلاً.
وهكذا اطمأنَّ بموسى المقامُ في بيتِ حميه، وقد أمن من فرعون وكيده. ولحكمةٍ مقدّرةٍ في علم الله كان هذا الذي كان..
ومضتْ عشر سنوات، وانقضى العقدُ الذي أقامه موسى مع الشيخ، ففكَّر في العودة إلى أهله وقومه، على الرغم من قوّة ذلك الدافع الذي يشدّه للبقاء بصحبة شعيب (عليه السلام). لقد كان الشوق إلى الأرض التي ترعرعَ وشبَّ فيها أقوى في نفسه، فتغلبت نوازعُ العودة على نيّة البقاء.
موسى يعود بأهله إلى مصر
ثم ودّع موسى حَماهُ وأخذ أهله، وقَفَلَ عائداً إلى مصر. وفي طريق عودته تاه ولم يعرف وجهة سيره، وكان الوقت ليلاً، والظلام حالكاً، والبردُ قارساً، فشاهد عن بُعدٍ ناراً، فاستأذن زوجه ليذهب فيأتي منها بخبر، أو جَذوةٍ ليشعل النار ويتدفأ وأهله في ذلك الليل البارد..
فلما هبط الوادي حيث النار التي آنسها، إذا بنداء يهتف به من الأعالي: يا موسى، {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً *} [طه: 12].
جاء النداءُ من جانب جبل الطور الأيمن. فارتعدت فرائصُهُ، ووقف مُنْصتاً، مترقباً فأتاه النداءُ ثانيةً:
- {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى *} [طه: 17]؟
فقال:
{...هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى *} [طه: 18]. ويأمره اللَّهُ العظيم:
- {...أَلْقِهَا يَامُوسَى *} [طه: 19]..
وصَدَعَ بالأمر، وألقى عصاهُ، فإذا هي حيّةٌ هائلةٌ مرعبةٌ تدبُّ في سرعة وتتحرّك في خفَّة..
ورآها تهتزّ كأنها جانٌّ، فخاف منها وولَّى مدبراً ولم يُعقِّب..
وجاءه النداء مجدّداً:
{...يَامُوسَى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ *} [القَصَص: 31] سنُعيدها سيرتها الأولى. فلما أقبل قيل له: {خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ} [طه: 21].
فأخذها موسى فعادت عصاً كما كانت سابقاً. فأمره الصوت العلويّ:
{اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} [القَصَص: 32].
فأطاعَ موسى الأمر الصادر إليه، فأدخلَ يده في جيبه، ثم أخرجها، فإذا هي بيضاءُ، لامعةٌ، مُشِعَّةٌ، وقد عهدها تضرب إلى السمرة.
فوقف موسى يرتجفُ من رهبة الموقف وخوارِقِه المتتابعة. ولكن الله تعالى الذي رعاه منذ الصِّغر، وآمنه، قد ألقى عليه السكينة، فضمَّ موسى يدهُ إلى قلبه، فخفَّت دقّاته، وقلَّ خفقانه.
وها هو يُخيّم عليه الأمان، ويغمره الاطمئنان، ولكنه يقفُ متهيّئاً، متأهباً للتلقي. وها هو يتلقّى الآن التكليف الذي كان يُعدُّ له منذ وجوده، كما يثبته قوله تعالى: {...فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ *} [القَصَص: 32].
فالنداءُ من ربه الأعلى.. وأنه هو الله العليّ العظيم الذي كلَّمه، وأعطاه برهانين: العصا التي تصيرُ حيّة تتحرّك، ويدَهُ السمراء التي تصير بيضاء مُشِعَّةً.. فهذان البرهانان من أجل أن يتلقَّى التكليف، ويحمل الرسالة إلى فرعون وملئِهِ، بعدما عاثوا في الأرض فساداً، ونشروا أفكار الإلحاد، وحكموا بالظلم والاستبداد.
لقد كان التكليف لموسى (عليه السلام) بالأمر مباشراً من الله سبحانه وتعالى، وقد جعل من رسالته لهذا النبيّ الكريم أضخم تكليفٍ تلقّاه بشَرٌ حتى ذلك الحين، عدا نوحٍ وإبراهيم. فهو مرسلٌ إلى فرعون الطاغية المتجبّر، أعتى ملوك الأرض في زمانه، وأقدمهم عرشاً، وأثبتهم ملكاً، وأعرقهم مَدَنِيَّةً، وأشدّهم استعباداً للخلق واستعلاءً في الأرض.
وتلقى موسى (عليه السلام) النداء المباشر.. تلقّاه وحيداً في ذلك الوادي العميق، وفي ذلك الليل الساكن. تلقّاهُ والكون يتجاوب من حوله، وتمتلىء به السماوات والأرض. تلقَّاهُ ملءَ كيانه كلّه. تلقّاه، وأطاقَ تلقِّيَه، لأنه صُنِعَ على عين الله تعالى، إذ كان يُهيَّأُ لهذه اللحظة الكبرى.
موسى وهارون رسولا الله إلى فرعون
ويتذكَّر موسى (عليه السلام) أنه قتل من قوم فرعون نفساً، وأنه خرج من بينهم طريداً، وأنهم تآمروا على قتله فهربَ منهم بعيداً. يتذكَّر ذلك، ويُريدُ أن يحتاط لدعوته مخافةَ أن يُقتَلَ فتنقطِعَ رسالتُه، فيُنادي ربّه وهو ما زال في الوادي المقدس: {...رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ *} [القَصَص: 33].
ثم يتابع قائلاً: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ *} [القَصَص: 34].
أراد أن يكون أخوه هارون عوناً له على تبليغ رسالته، لأنه أفصح منه لساناً، فهو يستشعر عدم القدرة على التعبير، من جرّاء ثقل لسانه الذي أحرقه، وهو ما زال طفلاً يدبّ، عندما أمسك بلحية فرعون وأخذ يشدّها حتى اقتلع بعض شعيراتها. فأوجسَ فرعون خيفةً من الولد آنذاك، ورأى في اقتلاع شعيراتٍ من لحيته علامةً على انتزاع ملكه على يديْ هذا الصغير، فصرخَ بحرسه أن يقتلوه ولكنَّ زوجته حالت دون ذلك، وتقدَّمت منه تهدىء من روعه وهي تقول له:
- هدّىء من غضبك يا سيدي، ألا ترى أنه طفلٌ لا يميزُ بين التمرة والجمرة؟.
وكان فرعون وجدَ فيها فرصةً سانحةً للتخلُّص من الولد، فأمَرَ بأن يأتوه بتمرةٍ وجمرةٍ كي تُوضَعا أمام الطفل، وهو يمنِّي النفس بأن يتناول هذا الولد التمرة حتى يقضيَ عليه. ولكن خابَ ظَنُّه، لأن موسى الطفل هجم على الجمرة ووضعها في فمه، فاحترق لسانه، وصارَ من يومها يلثغ..
عرف موسى (عليه السلام) أنه لا يقدر على البيان لتلك العلَّة، وأنَّ أخاه هارون أكبر منه سنّاً، وأفصح منه لساناً، وإن كان لا يُدانيه قوَّةً وبأساً. فأراد أن يضمّ جهود أخيه إلى جهوده، كي يوفّيا الرسالة حقّها، وليستطيعا القيام بأعباء التكليف العظيم..
أدرك موسى (عليه السلام) هذا، فطلب إلى ربه أن يحلَّ عقدة لسانه كي يصير مفوّهاً، شديد البيان، سديد البرهان، حتى يتمكَّن من إنفاذ بلاغِهِ إلى عقول الناس وقلوبهم. وأن يؤازره في تلك المهمة الجليلة من هو أهلٌ للعون، أخوه هارون..
وجاءه الجواب من الله العزيز الوهاب:
{سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} [القَصَص: 35].
موسى وهارون أمام فرعون
تلقى موسى (عليه السلام) الرسالة، وذهب إلى مصر يلتقي أخاه هارون، ويدعوه فوراً للذهاب إلى فرعون. وجاءا مجلسه الذي يَغُصُّ برجال حاشيته من الكهان، والساسة، وقواد الجيش. وكان يجلس على عرشه، وهامان على يمينه. وقد احتشدت جماعةٌ كبيرةٌ، جاء كلٌّ منها يسألُ عن حاجة يروم قضاءها..
فشقَّ موسى (عليه السلام) وأخوه الصفوف، ولم تمنعهما كثرة الازدحام، ولم توقفهما مقاومة الحجَّاب، حتى وصلا قبالة فرعون. وما إن رأى موسى حتى عرفه، فبادَرَهُ بالقول:
ـ إيه يا موسى، «ألم نُربِّك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين»؟..
قال له موسى (عليه السلام) : أتمنُّ عليّ بتربيتي وليداً وتحسبها نعمة؟ وأيّة نعمةٍ هذه تمنُّها عليَّ أن عبَّدتَ بني إسرائيل قومي: تستعبد رجالهم، وتستحيي نساءهم وتذبح أطفالهم؟
ويردُّ عليه فرعون قائلاً:
- ولكنك قتلت واحداً من أتباعي وكنت من الجاحدين..
ولم يخفْ موسى (عليه السلام) مما قاله فرعون على الرغم مما ينطوي عليه من تهديد، بل ردَّ على تهديده بقوله:
- نعم فعلتها على حين غفلةٍ منّي، وقد ندمتُ على فعلي. أما أنتم فقد تآمرتم على قتلي وقد أنجاني الله برحمته، فغفَرَ لي ووهبني علماً وحكماً، وزادَ في نعمائه فبعثني من المرسلين. وإني أدعوكم إلى الإيمان بربي، خالق الكون والعباد، له وحده ملكوت السماوات والأرض وما بينهما، فآمنوا به يكن لكم الفوزُ، وإلاّ خسِرتم خسراناً مبيناً...
سمع فرعون ما قاله موسى (عليه السلام)، فثارتْ ثائرتهُ، وعظُم غيظهُ، ثم صرخ فيه باستهزاء، وكأنه يستحثّ القوم على السخرية منه قائلاً:
- فمن ربُّكما يا موسى؟!..
فأجابه موسى (عليه السلام) بلهجة المؤمن الصادق:
- هو ربي وربكم وربّ آبائكم الأوَّلين، ربّ المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون.. «ربنا الذي أعطى كلَّ شيءٍ خلقه ثم هدى».
وزاد غضب فرعون، فأنذرَ موسى (عليه السلام)، مهدّداً، متوعداً:
- لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنَّك من المسجونين!..
فلم يبالِ موسى (عليه السلام) بهذا التهديد، بل تابعَ دعوة فرعون إلى الإيمان، فقال له:
- لئن أتيتك بالحجَّة على ما أقول، وبالدليل القاطع الذي يُزيلُ عنك الشك والريبة، فهل تسلم لله رب العالمين؟
فقال فرعون: إذن فأتِ بما عندك إن كنت من الصادقين!..
فألقى موسى عصاه التي يحملها، أمام فرعون وملئه فإذا هي ثعبانٌ مخيف، يتحرَّك بسرعةٍ أرعبتْ فرعون وجميع من في مجلسه. ولكنه لم يشأ أن يُبديَ التأثر مما يرى، لا سيّما وأن كبرياءه تمنعُ عليه أن يظهر أمام ملئِهِ مهزوماً. ولعلَّ ظنَّه قد صوَّرَ له بأن موسى عاجزٌ عن إتيان معجزةٍ أخرى، فقال له بترفُّعٍ:
- هل عندك شيء آخر؟!..
فأدخل موسى (عليه السلام) يده في جيبه ثم نزعها فإذا شعاعٌ ينبعثُ منها يكادُ ضوءُ بريقه أن يذهب بالأبصار، وراح الشعاعُ يزداد وينتشر حتى غطّى جوانب الردهات كلها. عندها خاف فرعون على ملكه، خاصة وأنه نظر إلى وجوه الحاضرين فإذا الوجومُ يخيّمُ عليهم، والتأثر بادٍ في نفوسهم. وهالَهُ ما رأى، وغشيَهُ همٌّ واكتئاب شديدان، ولم يجد للخلاص من هذا المأزق إلا أن يُعلِن على الملأ بأن موسى وأخاه هارون ساحران، فصرخ قائلاً:
- إنَّ هذين لساحران يريدان أن يخرجاكم من دياركم... ليس ما يأتيه موسى وهارون إلاَّ سحرٌ مفترى، وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين. فماذا ترون أن نفعل بهما؟
سكت القوم وطال بهم السكوت.. وفي غمرة اليأس وقف أحد الحاضرين ونصحَ لفرعونَ بأن يبعثَ رُسُلَهُ في المدائن كي يأتوه بكل ساحرٍ عليم. ووافق هذا الرأيُ هوىً في نفسه، وهو ما يزال مبهوراً بما رأى، ومتعلِّقاً بخيوطٍ من الأمل الكاذب، لا تقلّ وهناً عن بيت العنكبوت.
وتفرَّقَتْ رسُل فرعون تَجِدُّ في جمع السَّحرَة من كل أنحاء البلاد. وكان هؤلاء السحرةُ كثيرين، فقد انتشرَ السّحرُ آنذاك في بلاد مصر، وكان له شأنٌ كبير، وتأثيرٌ قويٌّ على حياة الخاصة والعامَّة. وقد برع أهلوه فيه، وأتقنوه حتى غدوا سادة عصورهم في هذا المضمار. ولذلك فإن معجزة موسى (عليه السلام)، كانت على نفس الوتيرة حتى يمكنه التأثير في عقول الناس وقلوبهم، وإظهار عجز فرعون وقومه فيغلبهم بما هم أقوياء فيه، فلا يستطيعون بعدها أن يقوَوْا عليه بشيء آخر..
تلك كانت حكمة الله، أن يأتي نبيّهُ في ذلك العصر، بما يستطيعُ معه أن يستنفد كل جهود القوم الكافرين، حتى إذا عجزوا في المجال الذي برعوا فيه، فإنهم في غيره من المجالات أعجز... وبذلك تكون كلمة الله هي العليا وكلمة فرعون وملئه هي السفلى، والله لا يحبّ كيد الكافرين..
توزّع جنود فرعون على المدائن يبحثون عن كبار السَّحَرة، وأودِعَ موسى في السجن، بعدما ضُرِبَ موعدٌ لاجتماع السَّحرة. وقد أراده موسى (عليه السلام) أن يكون اجتماعاً عاماً يحضرهُ أكبر عدد من الناس حتى يميزوا بين الحق والباطل، ويُفرِّقوا بين النور والظلمة..
المباراة العظمى
وجاء يوم الزينة، وهو عيدٌ عند المصريّين، يحتفلون به ويقيمون الأفراح والأعراس.. وتجمَّع الناس من كل حدبٍ وصوب ليشهدوا الصراع التاريخي بين موسى (عليه السلام) ومشاهير السَّحَرَة في مصر. فلمّا رأى فرعون أن المكان يمتلىء بالجموع، ويغصّ بالمشاهدين أمَرَ ببدء المباراة العظيمة.
وجاء موسى (عليه السلام) لِيُواجه حشداً من السحرة هائلاً، يَربو عددهم على العشرات. فقد استجابوا لنداء فرعون ولم يتخلَّف أحدٌ ممن يظنّ في نفسه مقدرةً في هذا المضمار. جاؤوا يحملون في أيديهم عصياً وحبالاً وقد شمَّروا عن سواعدهم، وتزيّنوا بعلاماتهم وتشكيلاتهم، وهم يظنّون أن الغَلبة ستكون لهم...
ورأى موسى هذا الحشد الكبير من السّحرة، وما هم عليه من مظاهر الخداع والزيف، فنادى في جمعهم قائلاً:
- أيها الملأ من الساحرين، اسمعوا جيّداً وعوا ما أقول: إنه لَوَيْلٌ شديدٌ لكم، وعذابٌ أليمٌ يحيقُ بكم، إن افتريتُم الكذب على الله، فدَعوْتم معجزاته سحراً، ولم تُصارِحوا فرعون وقومه بالحق الذي سترون. إنكم هالكون لا محالة، وقد خَسِر من كذب على الله ونسَبَ إليه باطلاً. فإذا تبيَّن لكم الحقُّ في معجزةٍ آتيها، ووجدْتم فرقاً بينها وبين ما تأتون وتدَّعون من احتيال، وكذَّبتُم بالحق الذي جئت به من عند الله تعالى، فقد افتريتم افتراءً كبيراً، وقد خابَ من افترى وباءَ بالخسران المبين...
اختلجت أفئدة السحرة لكلام موسى، ورانَ عليهم الشكّ والقلق، فتنازعوا أمرَهم وتناجوا فيما بينهم: لئن كان موسى ساحراً غلبناهُ وأهلكناهُ، وإذا كانت معجزته من الله - كما يدّعي - فإننا نتَّبعُهُ ونؤمنُ به..
ونادى فرعون:
- هيّا أيّها السحرة ائتونا بما تعلمون، ولا تَدعُوا شيئاً من علومكم إلا وجئتم به، وقد سَعِدَ اليوم منكم من غَلَب...
وبدأت الجماهيرُ في الهتاف والصراخ، تشجع الساحرين، وهي مدفوعة بالرجاء في نصرتهم... وأقبل السحرة مُنتَشين، فرحين، معتزّين بتشجيع هذه الجموع لهم، مدلّين بعلمهم، مزهوين بغرورهم، فرحين بالوعود التي أغدَقها فرعون عليهم، وهو يمنّيهم بالرفعة والسؤدد، وإدنائهم منه، وإنزالهم منازل التكريم حتى يشدّوا أزره ويكونوا له ساعداً وعضداً.
وبدأ الصراع الحاسم ووقف موسى (عليه السلام) أمام الساحرين، يُخيّرهم بين أن يُلقوا هم أولاً أو أن يُلقيَ هو... فتقدَّم السحرة وألقَوا ما في أيديهم، فبهروا أعين الناس.
وتركهم موسى يُدلون بما عندهم، ويأتون بكل ما يستطيعونه أو يقدرون عليه. ولكنهم ما كادوا ينتهون حتى ألقى موسى عصاه، فإذا هي حيّةٌ تلقفُ وتبتلعُ كل ما جاؤوا به تزويراً وتزييفاً وضلالاً...
وقد تعجَّل (عليه السلام) بإلقاء عصاه، إذ كان همّهُ أن يزيلَ الغشاوة عن الأبصار، لئلا يؤخذ الناس بظاهرٍ مموَّهٍ يرونه، وبباطل مشَوَّهٍ يرقبونهُ، فينصرفوا عن دعوته ويغفلوا عن الحق اليقين.
ورأى السحرة أن هذه العصا التي ألقاها موسى قد تحولت إلى أفعى حقيقة تبتلعُ كلَّ حبالهم، وتبدِّدُ كل جهودهم، وعلومهم، وفنونهم، فأيقنوا أنها معجزةٌ لا قِبَلَ لبني البشر بالإتيان بمثلها. وتبيَّنوا الرشد من الضلال، فخرّوا لله ساجدين، غير عابئين بفرعون، غير هيّابين لبطشه وجبروته..
فطارَ صواب فرعون، وغلَتْ مراجل الحقد في صدره، فصرخ بالسحرة:
- أتؤمنون به وتخضعون لربه قبل أن آذن لكم. إنَّه لاتِّفاقٌ بينكم وبينه مدبّرٌ. فهو معلمكم وكبيركم الذي علَّمكم السحر، فاتَّفقتم معه على فعلكم الشنيع هذا. فلأُقطِّعنَّ أيديكم وأرجلكم من خلاف، ولأصلبنَّكُم في جذوع النخل، عقاباً لكم، وتمثيلاً بكم، لأنكم كفرتم بي وبنعمتي...
وردَّ السَّحَرةُ عليه:
- لن نُفضِّلك على ما آتانا الله تعالى من الإيمان، وعلى ما هَدَانا إليه على يد نبيّه موسى (عليه السلام)، فهو نبيٌّ حقاً، ورسولٌ من الله. وما جاء به هو معجزةٌ من عند الله، تعجزُ عنه قوى البشر كلُّها.. فاصنع ما ترى، فنحنُ لن نرجع عن الإيمان لأنه لا خير في سبيلك أو سخطك، ولا أجر في رضاك. فاصنعْ ما أنت صانعٌ، وبما لك من سلطان في هذه الدنيا.. إننا لا نأبَهُ مهما أوغَلتَ في الوعيد، أو أكثرتَ من التهديد. فما أنتَ إلاَّ ضالٌّ أثيم.. أمّا نحنُ فإنا قد آمنا بربنا، رب العالمين، عسى أن يغفر لنا خطايانا، وأن يتوب علينا بما أكرهتنا عليه من السحر. والله خيرٌ وأبقى، وله وحده العزّة والجلالُ..
كان الناس يرقبون بحذر ما يجري ويدور. فقد سمعوا جدال موسى (عليه السلام) للسَّحرة، ثم عادوا يَرَوْن السَّحرة أنفسهم يتهمون فرعون بالضلال. ومثل هذا الاتهام خطيرٌ جداً، لأن السحرة كان لهم شأن كبيرٌ. فهم كهنةُ المجتمع المصريّ آنذاك، وذوو الفضل في العلم وفي المعرفة. وها هم يكذِّبون ادّعاء فرعون بأنه إله، ويقرّون بحقيقة وجود إله واحد، وهو الإله الذي يدعو موسى إلى الإيمان به، ولا يهتمون بما قد يحل بهم من عقاب، كما لا يأسفون على ما فاتهم من غنائم..
شاهدَ الشعبُ المصريُّ آنذاك هذا الحدث المهيب، وكان حريّاً به وهو يرى صفوة مجتمعه - بحسب تصوراته في ذلك الحين ـ، يسجدون لله رب العالمين، رب موسى وهارون، أن يحذوَ حَذْوَ هذه الصفوة، وأن يؤمن بما آمنت به، لاسيما وقد رأى بأمّ العين الحقَّ يتجلى، والحقيقة تظهرُ واضحة مثل وضوح النهار... كان حرياً بهذا الشعب أن يدخُل في طريق الإيمان، ولكنه لم يفعل، بل اكتفى بالتفرّج والتحدّث... ولو أنه وقف وقفة الحق، ووقفة الصواب، لكان تاريخ مصر قد تغيَّر بل ولكانت تغيَّرت مفاهيمُ كثيرة في ذلك الوقت. ولكن الذي حدث أن أحداً من ذلك الجمع الغفير، لم يتحرَّك من مكانه، ولم تهزّ مشاعرَه المعجزةُ التي رآها تتحقّق أمام ناظريه، بل اكتفى الحاضرون بالاستمتاع بالفرجة، والانصراف إلى بيوتهم، غير آبهين بما يحدث من نتائج... ولكن عدم المبالاة تلك كانت باهظة الثمن على فرعون وملئِه، وكلفت أولئك القوم أكثر من حدود السكوت عن الحق والاستخفاف بما أيقنوه حقاً وصدقاً. فقد جرى عليهم عقاب الله بأشدّ عذاب، فأغرقوا في هذه الدنيا، وأما عذابهم في الآخرة فنارُ جهنم وبئس المصير {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا *} [نُوح: 25].
وأعقبَ اجتماعَ السَّحرة، اجتماعٌ آخرُ حضره فرعون وأعوانه المقرَّبون، وكان من بينهم هامان وقارون. وكانت غايةُ المجتمعين تدارسَ الوضع الذي خلَّفه موسى، وما قد ينشأ عنه من تهديد لسلطان فرعون، وحاشيته، وأعوانه... فقد رأوا أنه إذا تُرِك الأمرُ على حاله فإن موسى لقادرٌ على أن يؤلِّب الناس، وأن يغيّر ما في نفوسهم فلا يعودون يرَوْن فرعون رباً، ولا يعود لبطانته مكانة ينعمون بها.
رأى فرعون أن يُثبت للناس ادعاءه بأنه إله، فنادى: {...يَاأَيُّهَا الْمَلأَُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأََظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ *} [القَصَص: 38].
إنها الرعونة البلهاء، إنه الانتفاخُ الفارغ، إنه الجهل الماحق..
فرعون يريد أن يبنيَ صرحاً ليطّلع إلى إله موسى!...
فيا له من جاهل أحمق أخرق، ويا لسفاهة من يخاطب! أجل، إنه هامان، هذا الذي يجثو على رجليْ عبدٍ مثلِهِ يعفِّر جبينه بعبادته، ويمرِّغ أنفه بتقديسه.
وفيما هؤلاء القوم في ضلالتهم يتشاورون، وعلى قتلِ موسى يحرضون، ارتفع صوتُ نبيّ الله يُنذرهم ويُسفِّه معتقدهم، وهو يصرخ فيهم قائلاً:
{...إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ *} [غَافر: 27].
وتنزل كلماته عليهم كنزول الصاعقة، تحرقُ قلوبهم.. فما زال موسى (عليه السلام) يخزهم في ضمائرهم، وهو يؤكِّد لهم أن ربَّه هو ربّهم، وأن الويل لكل متكبّر منهم، لا يؤمن بيوم الحساب، حيث يقوم الناس لرب العالمين.
ولم يَعُد الأعوان يحتملون، فوقف هامانُ وقارون يحرّضان الناس، وهما يناديان: اقتلوا موسى! اقتلوا موسى!
مؤمن آل فرعون
وتأتي فرعونَ وقومَه صاعقةٌ أخرى لم يكن أحدٌ ينتظر حدوثها... فهذا رجل من قوم فرعون، ومن أقرب المقرَّبين له، بل قيل إنه وزيره وابن عمّه، قد هداه الله تعالى إلى دين التوحيد القويم، وبعث في نفسه نور الإيمان الحق، وكشف له سبيل الرشد، فوقف هذا الرجل ليُعلن على الملأ، كما يبين لنا القرآن الكريم بالقول المبين: {...أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ *} [غَافر: 28].
وراح مؤمن آل فرعون يذكرهم ببأس الله وبطشه فأكمل يقول:
{...يَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ *} [غَافر: 30].
وثارت ثائرةُ القوم عليه، وأرادوا أن يُسكتوه، وأن يُعيدوه إلى حظيرتهم، فتابعَ غير آبه لما يدعونه إليه وهو يُعلِن:
{وَيَاقَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ *تَدْعُونَنِي لأَِكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ *} [غَافر: 41-42].
وعلا الصراخُ، وضجَّ القومُ، منهم من يهمّ بقتل الرجل المؤمن، ومنهم من يريد أن يودعه السجن حتى يرتدع ويرعوي..
ورأى فرعون أنَّ الحابل يختلط بالنابل، والفوضى تعمّ المجتمعين، وأنه أصبح غير قادر على الإمساك بزمام الأمور، فقام من مجلسه ونادى قارون عامله على بني إسرائيل للاختلاء به، وكلّفه أن يمالىء بني إسرائيل حتى يجد وسيلةً للتخلّص من موسى والقضاء عليه.
قارون الغنيّ المتكبر
لقد اختار فرعونُ قارونَ هذا لأنه كان من قوم موسى، وقد بغى على الناس كلّهم وخاصة على بني إسرائيل. فقد كان مكلَّفاً بجباية الضرائب، وتوفير الأموال التي يطلبها فرعون. وهذه الوظيفة بالذات قد جعلتْ من قارون أغنى أغنياء مصر آنذاك، له من المزارع والبساتين ما لا يُعدّ ولا يُحصى، تنتشر أملاكه على كل ضفاف النيل وتتفرّق في أرجاء البلاد كافة. وكان بنو إسرائيل هم الذين يقومون على رعايتها، فيحرثون الأرض، ويجنون القطاف ويجمعون الغلال، ويربّون المواشي، ثم يقدّمونها ريعاً خالصاً لقارون.
ولكثرة أمواله كان يقتني عدداً كبيراً من المركبات التي رُصِّعتْ أخشابها بالبرونز والنحاس، وطُعِّمت بالذهب والفضة، تجرّها الجياد المطهّمة التي كانت سروجها من جلدٍ مزركش موشَّاةً بالذهب والفضة، يقودها جنود مدرَّبون، لا مهنة لهم سواها.
وكان قارون إذا ركب عرباته تلك، ومشى في زينته تحت أشعة الشمس، توهَّج الذهب، وتلألأت الفضة حتى تبهر عيون المشاهدين. وقد جعلته هذه المظاهر يتعالى ويتكبَّر وكأنّ العالم كله لا يسعُه، ويترفّع عن معاشرة بني قومه، ويهزأ من مكانتهم. وقد وصلَتْ به الصلافة أن يمنع عقلاء بني إسرائيل من توجيه أي نُصحٍ له، بعدما أشاروا عليه بعدم التكبُّر، وأن لا يفرح بما عنده، لأنَّ الله لا يحبّ الفرحين. وكثيراً ما كان يُلِحُّ عليه البعضُ منهم بأن يُراعيَ آخرته ولا يُهملَ دنياه، وأن من الأفضل له أن يشتريَ الآخرة بالدنيا، وأن يُحسن إلى الناس كما أحسن الله إليه، وأن لا يظلمَ العباد، أو يبغيَ الفساد، كما يفعل فرعون وهامان، لأن الله لا يحبُّ المفسدين..
وأراد قارون أن يؤلِّب بني إسرائيل على موسى (عليه السلام)، كما أمره سيده فرعون، فاختار نفراً من ذوي الشأن، واستدعاهم إليه..
وجاء عُقلاء بني إسرائيل، وفي ظنِّهم أن قارون قد أخذته الرأفةُ ببني قومه، ولكن سرعان ما تبدَّدتْ أوهامهم، وهم يُفاجأون به يقول لهم:
- يا بني إسرائيل، لقد صرفكم موسى عني فاتَّبعتموه وفضَّلتموه عليَّ، وهذا عين الخطأ، فأينَ مني ذلك الفقير المعدم الذي لا يملك من حطام الدنيا شيئاً، بينما مفاتيح خزائني ينوء بحملها الرجال؟!. وأين مني ومن فرعون ذلك المضطهد، المطارد، ونحن ذوو النفوذ والسلطان والجبروت؟! يا قوم إني أدعوكم إلى ترك موسى واتِّباعي، وإلاَّ حلَّ بكم الشقاءُ والويل.
وأجابه من حضر مجلسه من العقلاء:
- لقد نسيت أننا أبناء إسرائيل، وأن ديننا هو دين آبائنا يعقوب وإسحق وإبراهيم (عليهم السلام) ؟ وما جاء موسى (عليه السلام) إلا بالحقّ، مؤكداً هذا الدين الحنيف القويم.. وأنت تعدنا بالذل والهوان، فهل بعدُ من ذُلٍّ أشدَّ علينا مما نحن فيه، وهل من شقاء أعتى مما نُلاقي؟
.. فأي موقف يريده قارون من هؤلاء القوم؟. إنه يسعى لرضى فرعون ولا ريب، لأن في هذا الرضى تحقيقا لمآربه وأطماعه.. فمنه يستمدّ النفوذ، وكلما ازداد فرعون نفوذاً نَمَتْ مصالحه هو واتَّسعَ ثراؤه. ثم إنه بفضل فرعون كان له السلطان والسيادة، وكلما بقي فرعون في مقامه متحكماً برقاب العباد، كانت لقارون السطوة والاستعلاء عليهم. وينمّ عن تلك الغطرسة والصلافة تفكيره الأخرق، فقد كان كلما سمع داعياً يدعوه إلى شكر الله على ما أعطاه من نِعَمٍ وخيرات، يزدريه ويبعده، ويعزو ذلك إلى مقدرته وحنكته زاعماً أن ما يصيبه من مكاسب إنما هو بفضل معرفته وقدرته. وكان يقول في نفسه: «لو أنني لم أتملقْ فرعون، وأوفِّرْ له رغباته ونزواته، لما وصلتُ إلى هذا الثراء.. فكيف يدعي أولئك الجاهلون، إذن، أن الله هو مصدر ثرائي وغناي؟... لا، إنها نشاطاتي وأعمالي، وهذه نتائجها، ومردّها كلها إلى علمٍ عندي أستخدمه فأحقِّق فيه مآربي.. لا، ليس الله هو الذي يعطيني، بل أنا الذي أعطي نفسي، بما لديّ من ذكاء، وبما أبذله من مهارة ومعرفة».
إنه الانحراف بعينه عن جادة الصواب، بل عن الإيمان بالله.. ومثل هذا الانحراف، ولو كان بمقدار ذرّة واحدة، لا بد أن ينتهيَ بالإنسان إلى ما انتهى إليه قارون الذي كان يظنّ أنه صاحب القدرة والشأن وصاحب السلطان والسيادة.. على أنه بمثل هذا الظنّ الذي لدى قارون قد تختلط الأمور، على الناس، وتتشوّه الحقائق، حتى يصير الادعاء الكاذب وكأنه هو النمط الذي يحكم العلاقات، وتسير به الحياة!! والغريب أن كثيراً من الناس عندما يرون صاحب جاه أو سلطان، يتمنّون لو أنه يكون لهم مثلُ ما عنده، بصرف النظر عمّا تكون معتقداته أو مبادئه أو أخلاقه أو ما انطوتْ عليه نفسه... فقد كان عددٌ كبيرٌ من بني إسرائيل ومن المصريّين يرون ما يرى هؤلاء الناس. يرون ما هو عليه قارون، ويتمنّون لو يكونون من أتباعه حتى ينعموا بمثل ثرائه. ولكنَّ كثيرين آخرين، وهم ذوو الضمائر الصافية، والإيمان الصادق، الذين لا تبهرهم الدنيا بمالها وزخرفها، كانوا يرون في ثراء قارون زيفاً باطلاً، وهو لا محالة زائلٌ، ولا يوازي شيئاً في ميزان الله تعالى، لأن الله لا يزنُ الإنسان بمركزه أو بثرائه، بل بأعماله وتقواه..
كان قرار قارون وسيلةً لمحاربة موسى والدعوة التي يحمل، ومن أجل ذلك عمد إلى دفع الأموال لشراء الضمائر، وتوزيع الوظائف لاكتساب المؤيدين. وكان لمثل هذه الأساليب سحرُها في النفوس الضعيفة، فكثُر مُريدوه، وراحوا ينشرون الإشاعات المُغرِضة، والتّهمَ الكاذبة ضدّ موسى (عليه السلام)، حتى نالَه الأذى، وشمِت به العدّو، مما كان له أكبر الأثر في تأليب الناس عليه وعلى أخيه هارون...
ولكي يُبقيَ قارون ضِعاف النفوس على عداوتهم لموسى (عليه السلام)، ويزيدَهم انجذاباً إليه، فقد ضرب موعداً يخرج فيه إلى رحلة على ضفاف النيل. وجاءت الجموع في الموعد المحدد، تصطفُّ على الجانبين، وتنتظرُ مرور «السيد المعظَّم»!.. وأطلَّ قارون بزينته المعهودة، وبعربته المزركشة، والخدمُ والحاشيةُ من حوله يدورون ويروحون ويجيئون. ودُهِشَ الناس لموكبه، وقال الذين في نفوسهم مرضٌ: {...يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ *} [القَصَص: 79].
هكذا كانت أمانيُّ الناس: أن يكون حظّها كبير مثل قارون، بينما ليس هذا التعلّقُ في الحقيقة إلاَّ وهماً كاذباً. فها هو قارون يعود إلى قصره، وما إن تدخل آخر عربة من الحشد الذي كان يواكبه حتى تهتزّ الأرض وتتزلزل، فتبتلع القصرَ ومَنْ فيه خلال لحظة من الزمن، ويُصبح قارون وأتباعه أثراً بعد عين..
وكان لهذا الخسف أبلغ الأثر في النفوس، فقالت جماعةٌ: إن الله يُفيضُ الرِّزق على من يشاءُ ويقدر أن يقتِّر على من يشاء. ولولا أنْ مَنَّ الله علينا لخسفَ بنا الأرض كما فعل بقارون وبطانته. وقالت فئةٌ أخرى: هذه نتيجة الكبرياء والاستبداد، وهذه هي عاقبة المؤامرات على موسى (عليه السلام) والدسائس للنيل منه، لأنه نبيٌّ صادقٌ من عند الله، وما فعَلهُ قارون ضدَّهُ كان محضَ افتراء...
أمّا الله سبحانه وتعالى فقال محذِّراً: {لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} [الأحزَاب: 69].
موسى يدعو فرعون من جديد للإيمان
ورأى الرسولُ المبعوثُ إلى فرعون أنَّ الفرصة صارت مؤاتيةً كي يعودَ لمواجهة هذا المستكبر ويدعوَه مجدّداً للإيمان، فالخسف الذي حلَّ بقصر أحد أعوانه المقرَّبين كفيلٌ بأن يَثْنيَ الرجل عن شروره، مهما بلغ في ظلمه أو استعلى في سلطانه، فذهب يرافقه أخوه هارون، ودخلا قصر فرعون، وعلى جسديهما لباسٌ من الصوف. وتقدَّما من فرعون على مشهدٍ من مَلئه، ودَعياهُ وقومه إلى الإيمان بالله، وهما يذكِّرانه بما حلَّ بقارون وكيف أن الله قد أهلكه لأنه - سبحانه - على كل شيء قدير. ولكنَّ فرعون، بدَلَ أن يعتبر ويتيقَّظ، نادى في الملأ:
- {...يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلاَ تُبْصِرُونَ *} [الزّخرُف: 51].
ولقد أتى أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب (كرم الله وجهه) على تلك اللوحة التاريخية فوصفها وصفاً رائعاً وأظهَرَ حقيقة أمر الرُّسُل، وكيف يبدون أحياناً ضِعافاً بأعين المستكبرين، ولكنهم في الحقيقة هم الأقوياء، بسبب قوة الإيمان في نفوسهم، وقوة العزيمة في قلوبهم، وهي العزيمة التي يشدُّها عون الله - تعالى - ورعايته.
قال الإمام عليّ (كرم الله وجهه) : «لقد دخل موسى بن عمران ومعه أخوه هارون (عليهما السلام) على فرعون وعليهما مدارع الصوف وبأيديهما العِصيّ. فشرطا له إن أسلمَ بقاءَ ملكه ودوامَ عزِّه. فقال فرعون: ألا تعجبون من هذين يشرطان لي دوامَ العزّ، وبقاء الملك، وهما بما تَرون من حال الفقر والذُّلّ، فهلاّ ألقيَ عليهما أسْورة من ذهب؟». ويتابع الإمام عليٌّ، فيقول مظهراً العظات البيِّنات بين المستكبرين وأنبياء الله: وذلك إعظاماً للذهب وجمعِهِ، واحتقاراً للصوف ولُبْسِهِ.. ولو أراد الله سبحانه لأنبيائه حين بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان، ومعادن العقيان(+)، ومغارس الجنان، وأن يحشر معهم طيور السماء، ووحوش الأرض لفَعَل. ولو فعَلَ لسقطَ البلاءُ، وبَطلَ الجزاءُ، واضمحلَّت الأنباءُ، ولما وجب للقابلين أمور المبتلين، ولا استحقَّ المؤمنون ثواب المحسنين، ولا لزِمت الأسماءُ معانيَها. ولكنّ الله سبحانه جعل رسُلَهُ أولي قوَّةٍ في عزائمهم، ومتواضعين فيما ترى الأعين من حالاتهم، مع قناعةٍ تملأ القلوب والعيون غنىً، وخصاصةٍ(+) تملأ الأبصار والأسماع أذىً.
ولو كان الأنبياءُ أهلَ قوّةٍ لا تُرام، وعزّةٍ لا تُضام، ومُلْكٍ تُمدُّ نحوه أعناق الرجال، وتُشَدُّ إليه عقدُ الرحال، لكان ذلك أهونَ على الخلق بالاعتبار، وأبعدَ لهم في الاستكبار، ولآمنوا عن رهبةٍ قاهرةٍ لهم أو رغبة مائلةٍ بهم، فكانت النيّات مشتركة والحسنات مقتسمةً. ولكنَّ الله سبحانه أراد أن يكون الاتِّباعُ لِرُسله، والتصديقُ بكُتُبه، والخشوعُ لوجهه، والاستكانةُ لأمره، والاستسلامُ لطاعته، أموراً خاصة لا تشوبها من غيرها شائبة. وكلما كانت البلوى والاختبار أعظمَ كانت المثوبةُ والجزاءُ أجزل».
أجل راح فرعون يستهزىء بموسى وأخيه أمام الناس، وهما في لباس الصوف، ولكنَّهما لم يدعا للغيظ مكاناً في نفسيهما، ولا للغضب محلاًّ في قلبيهما، فهما يبلِّغان رسالة الله، وهما يُعلنان الحقّ، والحقُّ هو أقوى الأسلحة وأشدها مضاءً، فلا حاجة إذن لغضبٍ أو ثورة إلا إذا كانت السبيلَ لإقرار الحق، أو الإيمان بالرسالة. وفي هذه المواجهة بين فرعون والرسولَيْن، كان الحقّ هو السيد. فلما تطاول فرعون ولم ينثنِ لدعوة الحق، أنذره موسى وهارون - سلام الله عليهما - ومعه قومه، بأنَّ الله لا بُدَّ مذيقُهم العذاب جزاءً لكفرهم، وهُزئهم بالرُّسل، وظلمهم للعباد...
البلاء ينزل بفرعون وقومه
وحقَّ القولُ، وجاءت المحنُ على مصر تترى...
نقصٌ في الأموال والأنفس، وشحٌّ في الأرزاق والثمرات. انخفض منسوب مياه النيل حتى قصَّرت عن إرواء الأرض، وهو النيل العظيم الذي وصفهُ رب العالمين باليمّ (البحر).. وما كادت هذه البلوى تعمُّ، حتى جاءتهم بلوى أشدّ وأكثر ضرراً.. فقد بعث الله على تلك البلاد أمطاراً غزيرة شكلت طوفاناً من الماء خرَّب الديار والمساكن. واضطَّر الناس للّجوء إلى البراري والقفار، بل ومنع ذلك الطوفان الناس من الحرث زمناً...
وتعالَتْ الشكاياتُ، وعمَّ الجوعُ، فاضطرّ فرعونُ أن يدعوَ إليه موسى ليقول له:
- يا موسى، ادْعُ لنا ربّك يكشفْ عنّا المطر، فنؤمنَ بك، ونرسلَ معك بني إسرائيل..
وتوجَّه موسى (عليه السلام) إلى الله سبحانه بالدعاء، فاستجابَ له وكشف عنهم الطوفان. ثم أفاض سبحانه وتعالى على تلك البلاد، في ذلك العام، من الخيرات الوفيرة، والأرزاق الكثيرة ما جَعَلَ الناس تُعوِّض الخسائر التي حلَّت بهم. فلما رأى الدهاةُ مثل هذا الأمر يتحقق على يديْ موسى (عليه السلام)، أمثال هامان وغيره من ذوي النفوذ والغنى، ممن يخاف كل واحدٍ منهم على مكانته وسيادته أن تزولا، جاؤوا فرعون محرّضين، فقال له هامان:
ـ لئن خلَّيتَ بني إسرائيل، فإن الغَلَبة ستكون لموسى. ولسوف يعملُ إذ ذاك على تقويضِ مُلْكِك وزوال حُكمِك.
ونكث فرعون، ونكث قومُه معه ما عاهدوا الله عليه ولم يؤمنوا، فجاءت البلوى الثانية، إذ سلَّط الله عليهم القُمَّلَ. وكان أعظم بلاء عرفوه في حياتهم، إذ لزِمَ جلودهم كأنه الجدري، ومنعهم النوم والاستقرار..
وعادَ فرعون إلى سابقته الأولى، وطلب إلى موسى (عليه السلام) أن يدعوَ ربَّه كي يكشف عنهم هذا الضّرَّ، فيؤمنوا جميعاً، «وبعد ذلك نرفع الظلم عن بني إسرائيل»..
واستجاب الله لدعاء نبيّه وأذهب القملَ عن أهل مصر بعدما لاصقَ الأجسام سبعة أيام من السبت إلى السبت.. ولكن فرعون وقومه لم يؤمنوا، ونكثوا العهد، ولم يُرفع الظلمُ عن بني إسرائيل، فأرسل الله عليهم الضفادع تملأ بيوتهم ومجالسهم وتغطي مدنهم وقراهم وحقولهم، لا تنفكّ عن النقيق ليلاً ونهاراً حتى بات الناس مصروعين من أصواتها.. ثم سلَّط عليهم الرعاف، فسال الدمُ من أنوفهم، حتى هَزَلَت أجسامهم وضعفَتْ. وسأل موسى (عليه السلام) ربَّه أن يكشف هذا البلاء عن الناس، فلعلَّهم في هذه المرّة يرتدعون، ويُحافظون على العهد. ولكنْ ساء ما فعل أولئك القوم، فما إن ذهب عنهم الرعاف، واختفت الضفادعُ، حتى بانتْ خيانتهم ونقضهم للعهود، فخانوا هذه المرة، كما خانوا من قبل، والله لا يحبّ الخائنين. وهو - عزّ وجلّ - قادرٌ على إذاقتهم العقاب الذي يستحقون. ولذا فقد أوحى سبحانه إلى موسى (عليه السلام) كي يخرج بقومه - بني إسرائيل - من مصر خلسةً وأن يتوجّهوا ناحية البحر..
خروج بني إسرائيل من مصر
ولما خيَّم الظلام، واشتدت حلكته، خرج موسى وهارون ببني إسرائيل، يغذُّون السير، ويسرعون الخطى، وفي نفوسهم خوفٌ، وفي قلوبهم هَلَعٌ أن يُدركهم فرعون بجنوده، فتكون نهايتُهم المحتومة..
وانتشر نبأُ هربِ بني إسرائيل في الصباح حتى بلغ فرعون، فاهتاج وغضب وأمر قوّاده بتجييش الأعداد من الرجال حتى يلحقوا بهم. واندفعت عساكر فرعون تتوزَّع في المفاوز والشعاب بحثاً عن موسى وقومه. وما إن كُشف مكان وجودهم، حتى أسرعت الرسل إلى فرعون، فجاء بحشوده إليهم، وهو ينادي ويقول: إنْ هؤلاء إلا شرذمة قليل عددها، وإنّا عليهم لمنتصرون..
واستولى على بني إسرائيل الجزع واستبدَّ بهم القلق.. فجنودُ فرعون قادمون لقتلهم لا محالة. واندفعت فئة إلى موسى وهي تلومه على خروجه بهم، وتقول:
- لقد أوذينا قبلك يا موسى، وزاد إيذاؤنا بك. فانظر كيف يتقدّم فرعون بجنوده إلينا، وما لنا من قدرة على قتالهم، ولا مفرَّ لنا من الوقوع في أيديهم: فالبحر من أمامنا، والعدو من ورائنا، وما مصيرنا إلا الموت المحقق..
وللشدة عادةً ذروةٌ ما إن تبلغها حتى تتوقَّف. وهذه الشِّدة على بني إسرائيل قد بلغت نهايتها، فهل بعدُ من شدَّةٍ أمرَّ وأصعب؟!.
فالكل في همٍّ وحسرة، وقد أوشك فرعون أن يدركهم. عندها رفع موسى (عليه السلام) ناظريه إلى ربِّه وسأله أن يُفرِّج عن قومه هذا الكرب، فإذا الوحيُ يأتيه: أن يا موسى اضرب البحر بعصاك..
العبور والنجاة
وضرب موسى (عليه السلام) البحر بعصاه، فإذا دياجيرُ الظلام في النفوس تتبدَّدُ، وإذا طواغيتُ اليأس تتشتَّت. لقد انفلق البحر وانحسرتْ مياهُهُ، وجاءت الريحُ والشمسُ تقوّي الدروب الاثنتيْ عشرة التي انشقَّت في البحر حتى يندفع أسباطُ بني إسرائيل، كل سبطٍ وجماعته في طريق.
نعم ضرب موسى (عليه السلام) البحر بعصاه تلبيةً لأمر ربّه، إذ جاءهُ الأمر العلويّ بقوله: {...فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لاَ تَخَافُ دَرَكًا وَلاَ تَخْشَى *} [طه: 77].
فَعَبَر بنو إسرائيل البحر برعاية الله وحمايته، لا خوفٌ عليهم ولا حزنٌ من إغراق أو تقتيل، ووصلوا شاطىء الأمان والسلام في الناحية الأخرى، وهم يتطلعون إلى حيث ما زال فرعون وحشوده يتهيّأون للَّحاقِ بهم، بعدما رأوا سُبلَ البحر ممهدةً أمامهم، والطرقاتِ سالكةً للعبور.. ويزدادُ فرعون صلافة وعتوّاً، فينادي في قومه: أن انظروا إلى قدرتي وأيقنوا بسلطتي، وهاكم البحر أمامكم دليلاً، ينفلقُ طوعاً لأمري، وانصياعاً لإرادتي. هيّا، فالحقوا بأولئك القوم لنسحقهم، ونُبيدهم إلى الأبد..
وحَسِب قومه وهم في الضلال يعمهون، أنَّ فرعون هو الذي أمر البحر فانفلق، وفتح لهم الدروب يصلون بها إلى بني إسرائيل، فتعالى هتافهم وصراخهم، واندفعوا إلى غايتهم وهم لا يدرون ما سيحلُّ بهم..
ورأى موسى (عليه السلام) اندفاع عدوّه، وتبيَّن عودة الهواجس إلى نفوس بني قومه، فعزم على أن يضرب البحر بعصاه ثانية ليعود كما كان، بحراً بلا معجزة قد فلقته، وبلا دروبٍ ومسالك... ولكن الله سبحانه أوحى له ألاَّ يفعل إلا ما يؤمر به، إذ له وحده - عز وجل - الأمر، وأمْره أن يبقى البحر على حالته الحاضرة حتى ينزلَ قوم فرعون إليه، فيتحققَ حكمه العادل فيهم ويكونوا جنوداً مغرقين..
وهكذا.. وما كادت تلك الدروب في البحر تمتلىءُ وتلك الطرقات تُسدُّ بجنود فرعون، حتى عاد البحر، كمثل لمح البصر، إلى سابق عهده، يطوي في جوفه الفسق والفجور وأهليهما، ويُغرقُ القوم الذين كذبوا بآيات الله وكانوا من الخاسرين.
ويشاء الله سبحانه وتعالى أن يظلَّ فرعون حيّاً، فتلفظه الأمواج على الشاطىء وهو في الرمق الأخير. وما إن رأى ما حلَّ به وبغطرسته، وما أصاب حشوده من البلاء، حتى ذلَّ واستصغَر نفسه وما انطوت عليه من التكبّر والْخُيلاء. لقد رأى نفسه عبداً ذليلاً، حقير الشأن، لا حول له ولا قوّة، وارتسمتْ أمام ناظريه جرائمُهُ، وتصوَّرتْ له مظالِمُهُ يُنزلها ببني إسرائيل، وتبيّن كيف نصرهم الله عليه، وأمَّنَ نبيّهم بعد خوف، فارتعدتْ فرائصُهُ، ورفع ناظريه إلى السماء وهو يقول: آمنتُ أنه لا إله إلا الذي آمَنَتْ به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين...
لقد نسيَ فرعون نكوثه بعهود الله، وكيف أُتيحتْ له الفُرصُ كي يرعويَ ويرتدَّ عن البغي والجور، وعن ادّعاء الألوهيّة، فكان في كل مرّة ينزلُ به وببلاده البلاءُ لا يرتدع بل يعودُ إلى صلافته وجبروته. وأخيراً بعدما أيقنَ أن كل حولٍ له أو صولٍ قد ولّى، أراد أن يعود إلى الإيمان.. ولكنه غاب عن باله أنّ كثرة المظالم لا يُجدي معها الندم، وأن إيمانه لم يأت عن تعقّل واقتناع، بل نتيجة الرهبة التي استولت على نفسه حتى أحسَّ أنها أصغر وأحقر النفوس... وأنه إن نسيَ ذلك المظالم كلَّها، فإن الله سبحانه لا ينسى حقوق المظلومين، ولا حرمان المحرومين، فلم يغفر له ولم يتب عليه.. نعم لم يتقبَّل الله سبحانه إيمان هذا الطاغية الجبار، الذي أهلك الحرث والنسل، لأنه لم يؤمن إلا ساعة اليأس والشدة، وبعدما كان قضاء الله تعالى قد جرى عليه بالهلاك الدائم بل ويشاء العزيز القدير أن يجعله عبرةً للمستكبرين، وتذكرةً لمن خَلْفه من المفسدين، كما يخبرنا بأمره الله العظيم بقوله العزيز: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يُونس: 91-92].
وشاهَدَ بنو إسرائيل بأمّ العين ما حلّ بفرعون وجنوده، ونظروا إليه وهو يرتمي على الشاطىء، جسداً لا يتحرَّك، ولكنه آيةٌ ناطقةٌ على ما يشاء الله تعالى ويقدر، وأنه سبحانه يمهل ولا يهمل. رأى بنو إسرائيل هذه الآية، فحمدوا الله على ما آتاهم من النِّعم، وما وهبهم من الخلاص من ظلم فرعون وأعوانه..
تلقي موسى الألواح من ربه تعالى
وسارَ موسى ببني قومه بحثاً عن أرضٍ جديدة يستوطنون فيها، وقد كانت مسيرتهم في سيناء، تلك الصحراء التي نَدَرَ فيها الماء، وقلَّ عشبها وشجرها.. ومرَّت بضعة أيام نفدَ خلالها ما حمله القوم من زادٍ وماء، فضربَهم الجوع والعطش حتى أوشك النَّصَبُ أن يهلكهم، والموت أن يدركهم!.. إذ ذاك حلت عليهم رحمة الله تعالى ورأفته، فأرسل إليهم المنَّ تحمله طيور السلوى، وترميه إليهم مغلَّفاً بأوراق الأشجار، فكان المنُّ ثمراً، والسلوى طيراً، مصدرَ الغذاء والعيش لبني إسرائيل في تلك الفترة..
ثم أوحى الله لموسى (عليه السلام) أن اضرب الحجر بعصاك فيتفجّر الماء ويسقي قومك. وتحقق ما أرادهُ الله بالفعل، وانبجس الماءُ من اثنتيْ عشْرة عيناً، رأى فيها كل سبط من أسباط بني إسرائيل أحفاد يعقوب الاثنيْ عشر، واحدةً لمشربه، فارتَوَوا بعد ظمَأ، وارتاحوا بعد وصبٍ وتَعَب...
وحلَّت الطمأنينة في نفوس بني إسرائيل، بعدما أمَّن لهم نبيهم موسى (عليه السلام) بفضل الله سبحانه وعنايته الطعامَ ليأكلوا، والماء ليشربوا، في تلك الصحراء القاحلة. وتلقّى موسى (عليه السلام) الأمر من ربِّه بأن يتطهَّرَ ويصومَ ثلاثين يوماً ثم يأتي طورَ سيناء ليُنزلَ معه التعاليم الشرعية التي يتوجَّبُ على بني إسرائيل السيرُ على هديها، وليكون لهم كتابٌ مُنْزلٌ من السماء، هو المرجع والمآب..
ولغرضٍ في نفسه، شاء موسى (عليه السلام) أن يرافقه في ذهابه إلى الطور بعضٌ من ذوي الرصانةٍ والعلم، وذوي الحجَّة والبيان، علَّهم يساعدونه على نشر الدعوة وتوطيد الإيمان في القلوب. وفي الطريق آثرَ موسى (عليه السلام) أن يتعجَّل ويسبقَهم لميقات ربِّه. وسأله الله سبحانه عن ذلك، فأبدى السببَ قائلاً بأدب وخشوع: {...هُمْ أُولاَءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى *} [طه: 84]. موسى (عليه السلام) يقوم على تلقّي أوامر ربّه، والرجالُ في عقبه يتشاورون ويتفقون على أن يطالبوه بأن يروْا الله عندما يكون موسى في حضرته. وبذلك تكون لديهم البيّنة القاطعة، والشهادة التامة على أن موسى (عليه السلام) فعلاً كليمُ الله، وأن ما يأتي به هو منزلٌ بأمره تعالى.
اتفق الرجال السبعون الذين اختارهم موسى (عليه السلام) لمرافقته على هذا الرأي، فلما كان وصولهم إليه، قالوا له: «يا موسى لن يكون إيماننا كاملاً حتى نرى الله جهرةً».
استعظم موسى (عليه السلام) الطلب، ولكن مرافقيه ألحّوا عليه وهم يبدون بأن قوم فرعون كانوا يرون ربهم ويجتمعون إليه.. ونهاهم موسى (عليه السلام) عن هذا الأمر وأبان لهم بأنَّ فرعون لم يكُ ربّاً أبداً ولن يكون، إن هو إلاَّ بشرٌ مثلُ سائر الناس، وأنهم رأوا بأم العين ما حلَّ به.
لقد أراد أن ينهاهم عن الضلالة، فلم ينتهوا وحاولَ معالجة نفوسهم وقلوبهم، فلم يزدهم ذلك إلاَّ إصراراً على طلبهم.
خاف موسى (عليه السلام) أن يكون في ادّعاء هذه الزمرة، إن لم يُجبها إلى طلبها، ما يُضَعْضِعُ الإيمان في نفوس بني إسرائيل، فآثر أن يسأل العزَّة ما طُلب إليه حتى تكون لديه الحجَّة القاطعة على هؤلاء الرجال، وعلى كل من تُسوِّل له نفسه الشكَّ في رسالته، أو الريبةَ في نبوته. قال موسى:{رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعرَاف: 143].
وجاءهُ الردّ من العليّ العظيم: {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعرَاف: 143].
وما هي إلا لحظات، وما كاد يلتفت موسى (عليه السلام) ناحية الجبل، حتى رآه قد دكّ دكاً وغارَ في الأرض كما تغور نقطة ماء في كومة من تراب جافّ.. ارتاع موسى (عليه السلام) لهول المنظر الجلل، والخطب العظيم، فصُعق وخرَّ هو ومن معه على الأرض مأخوذين بالإغماء عليهم.
ويشاء الله تعالى أن يلطف بهم، وأن يشملهم برحمتِهِ، فأذهب عنهم الخوف. ولما أفاقوا من تلك الصاعقة التي نزلت في نفوسهم، راح موسى (عليه السلام) يسبّح الله العزيز المتعال وهو يقول:
- ربنا لا تهلكنا بما فعل السفهاء منّا. إن هو إلاَّ اختبارك وبلاؤك تُصيب به من تشاء، وتصرفه عمّن تشاء، أنت وليّنا وناصرنا، فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين. واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة إنّا رجعنا بتوبتنا إليك فاستر علينا وأنت خير الساترين على عباده.
غَفَرَ الله لموسى (عليه السلام) سؤاله، وأعادَ إليه الرُّشدَ. ثم أنزلَ عليه الألواح وقد حُفِرَت فيها آيات الله لتكون سبيل الهداية لبني إسرائيل والناس أجمعين. وقال الله سبحانه لموسى (عليه السلام) : {...يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ *} [الأعرَاف: 144].
عادَ موسى (عليه السلام) من ميقات ربه ومعه الألواحُ، يكشفها للرجال وهو يدعوهم إلى الإيمان بها... ولكنَّ هؤلاء استكبروا استخفافاً وقالوا:
- وما أدرانا أن الله قد أنزل هذه الألواح؟!..
وحيال هذا الإنكار رفع الله الجبل فوق رؤوسهم ليكون معجزةً لموسى (عليه السلام) تدلّ على أن الألواح من كلام الله عزّ وجلّ. وكان تحذيره - سبحانه وتعالى - لموسى وبني قومه بقوله العزيز: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ *} [الأعرَاف: 171].
ما لهؤلاء القوم؟!.. ما بالُ بني إسرائيل لا يُسلمون وجوههم لله عزّ وجلّ إلا إذا لُويَتْ أعناقهم وبُهِرَتْ عيونهم بالمعجزات الحسيّة. ما بالُ بني إسرائيل لا يؤمنون بموسى نبياً إلا إذا أُلقيَ الرعبُ في قلوبهم، ودفعهم الخوفُ من العذاب إلى هذا الإيمان دفعاً؟!.
ظهور السامريّ وعودة بني إسرائيل إلى الوثنية
وها هُمُ - وبعد كل الذي حدث لهم - يعودون إلى سالف عهدهم من الضلالة، ويندفعون مجدداً نحو الوثنية.. لقد قال لهم موسى (عليه السلام) بأنه غائبٌ عنهم، ولن يعود إليهم إلا بعد ثلاثين يوماً، حتى إذا انقضى الموعدُ الذي ضربه لهم، انقلبوا إلى الشكّ وراحوا يُشيعون فيما بينهم أن موسى (عليه السلام) أخلفَ وعدَه، ونقض عهده، وتركهم في جهلٍ مُقيم وليلٍ بهيم... ثمَّ راحوا يبدون تذمّرهم ويدّعون حاجتهم إلى من يُنيرُ لهم المسالِك، ويُبعدهم عن المعاصي والمهالك..
وكان بينهم رجل يُدعى السامريّ، سمع ما يقولون، وعَرَفَ بما يتناجون: فتحركت في نفسه نزوةُ الشر وتوثبت في عقله نزعةُ الباطل، ورأى في غياب موسى (عليه السلام) فرصةً سانحةً، لتنفيذ خبثه ودهائه. فأخذ الحليّ من الناس ليريَهم معجزةً تُظهر لهم ربّهم أمام أعينهم، ثم حفَرَ حفرةً، وألقاها فيها، ثمَّ عاد وأوقد النار حتى ذابت المعادن الثمينة، ثمَّ ذرَّ عليها حفنة تراب كان قد أخذها من موضع قدم جبريل (عليه السلام) حين سمع الصوت ولم يَرَ الشخص كما جاء في القرآن الكريم: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} [طه: 96] فإذا في الحفرة جسد عجلٍ، وهو كما تصوره السامريّ، الوثنُ الجديدُ لبني إسرائيل..
ولكي ينفِّذ ما عزم عليه، وضَعَ العجل - التمثال - في مكان مجرى الريح، فصار كلما هبّت الريح أرجَعَ تجويفُه صدىً كأنه الخوار.. وكان يدعو الناس للتنصُّت ليلاً وسُماعِ خوار العجل، حتى فتنهم وجعلهم يظنّون أن هذا العجل هو حقاً محلٌّ للتقديس والعبادة.. وأدركت فئةٌ ما صنعتْ يدا هذا الرجل الدجَّال فنفرتْ منه وكفّرتْهُ، ولم تقوَ على تكذيبه أمام القوم، فتبعه كثيرون وأُشْرِبَتْ نفوسُهم تقديسَ ذلك العجل..
وفي مدة وجيزة تمَّ افتتان بني إسرائيل، فقدَّسوا عجلَ السامريّ... ولم يكن بعيداً عنهم هذا الطيش، ولا غريباً عليهم هذا الاندفاع في الفتنة، فقد كان في طبعهم الميلُ إلى الانحراف عن الحقيقة، وعهدُهُم ليس بعيداً عندما جاؤوا نبيّهم موسى (عليه السلام) يرجونه أن يجعل لهم إلهاً مثل آلهة أولئك القوم الذين مرّوا بهم في طريقهم ورأوهم يعبدون أوثاناً.. ولكنَّ موسى (عليه السلام) انتهرهم آنذاك بشدَّة، ومنعهم من الانزلاق في الغيّ والضلال.. أما الآن فإن موسى (عليه السلام) غائبٌ، وهارون أخوه بين القوم، وهم لا يطيعون له رأياً، ولا يسمعون منه نصيحة. فقال لهم، ونفسه تتقطَّع أسىً عليهم، وهو يراهم يُقدِّسون العجل: يا قوم! لقد فُتِنتُم به، وإن ربَّكم الرحمنُ فاتَّبعوني وأطيعوا أمري. وكان جوابهم الوحيد له:
- لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى!.
ورأى هارون، والفئةُ الباقيةُ على الإيمان، ما وصل إليه القوم من غواية وفتنة، فعزموا على مقاومة نزعاتهم ولو كانت القوَّةُ هي السبيلَ لتلك المقاومة. ولكنهم، وبعد الشورى فيما بينهم، آثروا ألاَّ يشهروا القتال خوفاً من إشعال فتنة تكون أشدَّ فتكاً مما كان عليه قومُهُم، فسكتوا على مضـضٍ، وهم ينتظرون عودة موسى على أحرَّ من الجمر..
وعاد موسى (عليه السلام) من ميعاد ربِّه، ليجدَ قومَهُ في هرجٍ ومرجٍ. رآهم حول عجلٍ في العراء يلتفّون، ولخواره يطربون ويهزجون.. وعَرف موسى أن الفتنة قد حلَّتْ ببني إسرائيل، وأن سبب تلك الفتنة هو ذاك السامريّ الذي استطاع أن يُضلّهم ويغويَهم. وهمَّ أن يبدأ تقتيلاً في القوم، ولكنَّه آثر أن يتبيّن ما آلت إليه تلك الحال من أخيه هارون، فعاتبه بشدة وعنفٍ، والغضبُ يتملَّكه وهو يقول له:
- وأنت يا هارون، ما منعَكَ إذ رأيتهم ضَلُّوا أن تردعهم عن هذا الضلال؟ هل عصيت، فلم تُحارب فسادهم، أو نسيت عهدي فلم تمنع انحرافهم؟!.
فقال هارون والألم يعتصر قلبه، بعد أن هدأتْ سوْرَة الغضب عند أخيه:
- يا بن أمّي لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي. لقد حاولتُ ردعَ القوم، لكنهم استضعفوني، فلا تُشْمِت بي عدوّاً، ولا تجعلني مع القوم الظالمين. وإني والله قد خشيتُ إن أنا وقفتُ في وجوههم أن تقول: فرَّقت بين بني إسرائيل، ولم تَرقُب قولي..
عرف موسى من أخيه هارون حقيقة ما قامَ به السامريّ حتى فتن القوم، فطلبه إليه، فلما جيء به بادره بالقول فوراً:
- ما خَطْبُكَ أيها السامريّ؟
فاعترف بما فعل كما أخبرنا بذلك القرآن الكريم بالقول المبين: {...بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي *} [طه: 96]!..
ولم يقتصّ منه موسى (عليه السلام) على ذلك الفعل الشنيع، إذ لو طال غيابه عن بني قومه أكثر من تلك المدة الوجيزة التي ذهب فيها لميقات ربه، لكان دفعهم السّامريُّ إلى جهالةٍ لا مَرَدَّ عنها، ولكنّه شكاهُ إلى الله أن ينزل به بلاءً لا يقدر على الخلاص منه.
وجاءَهُ الوحيُ بأن يُبعِدَ الناسَ عن هذا السامريّ اللعين فلا يخالطونه ولا يقربونه.
وأصبح الصباحُ فإذا السامريّ قد صار وحيداً فريداً، يبتعد عنه كل من يصادفه، ويزدريه كل من يراهُ.. ويحسُّ في نفسه وحشةً من القوم فيهيم على وجهه، وتطولُ به الأيام حتى يصير وحشيّاً تخافُهُ الناس، وتمقُتُه العيون..
وكان موسى - قبل أن يطرد السامريّ - قد أحرق العجلَ على مرأى من بني قومه كلهم، ثم قام يخاطبهم وهو يقول: {...ياقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُّمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي *} [طه: 86]!؟
وأبدى القوم اعتذاراً فقالوا له:
- ما أخلفنا موعدك بمقدرتنا وأمرنا، ولكن كانت حالة غفلةٍ وضعفٍ منا، وقد حُمِّلنا أثقالاً من حليِّ زينة القوم، فأغوانا السامريُّ أن نلقيها في النار، فأذابها وشكّلها، وأخرجها لنا عجلاً جسداً له خوارٌ فأضلَّنا عن الطريق المستقيم..
وأراد موسى (عليه السلام) أن يشفيَ نفوسهم من الوهن الذي اعتراها، فأبانَ لهم الحق، وأظهرَ لهم الصواب، وذكَّرهم بفضائل الله عليهم، وكيف أنجاهم من الجور والاستعباد، وكيف أنزلَ بأعدائهم البلاء والعقاب... وختَمَ حديثه إليهم بالقول:
- أبَعْدَ هذا تظنّون بالله الظنون؟.
فأجابوه: بل آمنا بربّ موسى وهارون، ونحن إليه تائبون، فهل من طريقٍ يعيدنا إلى التوبة والاستغفار؟!.
ووجد موسى (عليه السلام) أن القوم نادمون فعلاً، فشرح لهم سبيل الهداية والتقوى، وقال لهم:
- إنَّ سبيل المغفرة هو في نفوسكم، فعالجوها بما تستحقّ... اكسروا حدّتها، واكبتوا شهواتها، وطهِّروها من الشرّ والإثم.. ثم دعاهم للتجرد من كل مشتهىً مرغوبٍ، والابتعادِ عن هوى النفس، وسوف يجدون أنَّ النفس الآثمة قد صَغر شأنها، وانحسر انفعالها، وخفَّ اندفاعها، وستُمسك عن مجاراة الهوى، وتأنف الزلة، وتبعد عن الفحشاء.. ولو أنهم فعلوا ذلك فلن يضلوا سواء السبيل!..
وهكذا، وبعد أن دعا نبيُّ الله موسى قومه بني إسرائيل إلى اتباع الطريق المستقيم الذي يرضي الله تعالى، ومقوماته صفاء النوايا، وطهارة القلوب، وحسن التعامل.. وبعد أن أظهروا الندامة على ما بدر منهم، كان عهدهم له أن يرسِّخوا الإيمان في نفوسهم، ورجاؤهم الوحيد أن يغفر الله تعالى لهم، ويتوب عليهم..
فدعا موسى (عليه السلام) ربه ليغفر لهم فغفر لهم إنه هو الغفور الرحيم.
الرجوع عن العهد
ولكن الفعال جاءت تكذب الوعود.. فعلى الرغم من كلِّ ما أبداه بنو إسرائيل من التوبة، والتمسك بأهداب الإيمان الحق، إلاَّ أنه لم يطل بهم العهد حتى عادوا إلى سابق دأبهم من التذمر والشكوى، واللجاجة في المطالب التي لا تنتهي.. فقد تحركت سريعاً في نفوسهم النزعات والرغبات المادية، وأبدوا استياءهم من المداومة على أكل المنّ والسلوى، وطلبوا من نبيهم أن يدعوَ الله ليخرج لهم مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها، وهي المأكولات التي اعتادوا عليها في مصر، ورغبوا في العودة إليها..
ويستغرب نبيُّ الله مثل هذا الطلب من قومه، فما بالهم يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير من الطعام؟! أليس بينهم رجل رشيد فيدرك أن مثل هذه الخضار والحبوب التي يرغبون بها قد لا تتوفر في الصحراء، ولا يمكن أن تنبت على الرمال الجافة؟.
ثم ألم يشأ العزيز القدير أن يُنَزَّل عليهم من الطعام ما هو أكثرُ غذاءً، وأنفعُ لأجسامهم، حتى يقدروا على التكيف مع جوِّ الصحراء، واحتمال مناخها؟!.
لقد جهلوا كل ذلك، وجعلوا التبرم والضيق عنواناً لحياتهم..
وها هُمُ الآن يضيفون إلى سجل لجاجهم مطلباً آخر، وهم يعلنون لنبيِّهم أن يدعوَ الله ليخرجوا من الصحراء القاحلة، ويسيرَ بهم إلى أرض يستقرون بها ويعمِّرونها..
ونزل الوحيُ على موسى (عليه السلام) يبيّن له الطريق التي يسلكها حتى يصلَ ببني قومه أرضاً جديدةً، يقيمون فيها، فقادهم حتى نزلوا ضفة نهر الأردن.. واستقروا بعد النَّصب، واستراحوا بعد التعب من السير الطويل.. ولكن لم تطل الإقامة بهم حتى دعا موسى (عليه السلام) إليه اثنيْ عشر نقيباً، كانوا يمثلون أسباط بني إسرائيل وقبائلهم، ليبعث بهم إلى بلاد الكنعانيين وهم على مقربةٍ منهم، كي يتبيّنوا ما في تلك البلاد، ويأتوا بالخبر اليقين عن السبل التي تمكنهم من غزو تلك الأرض واحتلالها.
وعاد النقباء من تلك المهمة، وهم يبدون عجباً، لأن في أرض كنعان رجالاً عمالقةً، أشداء الأجسام، أقوياء الشكيمة، يكاد الرجل منهم أن يحمل شجرة كبيرة على كتفه، وأن يرفع دابتَهُ إن وقعت على الأرض، بل ويمكنه أن ينزل إلى حفرة هوت الدابّةُ فيها وينتشلها منها بمفرده!!.
وحيال هذا الواقع كان لا بُدَّ من كتم هذه الأخبار، وعدم إشاعتها بين القوم، وإلا فسوف تؤدي بهم إلى الوهن والضعف، وتدفعهم إلى التقاعس عن الاستعداد والترقب لدخول الأرض الجديدة، فطلب موسى (عليه السلام) من النقباء أن يكتموا خبر العمالقة حتى يتدبَّر الأمر. ووفى بهذا العهد نقيبان منهم، وهما يوشع بن نون من سبط بنيامين وكالب من سبط يهوذا.. أما النقباء الآخرون، وكانوا عشرة، فقد حنثوا بوعدهم ولم يستطيعوا الكتمان، فأفشَوْا بين الناس ما رأوه في أرض الكنعانيين، وبذلك تحقق ما كان متوقعاً، إذ ساد الذعر بين صفوف بني إسرائيل، ولزمهم الغم والكمد... مما دفع النبيَّ موسى أن يعزمَ أمره، ويتوكلَ على الله، ثم يدعوَ أبناء قومه للتأهب، وإعداد العدة قبل الانطلاق للغزو بلا تردد أو تقاعس، وإخراج الكنعانيين من تلك الأرض حتى يمكنهم الإقامةُ فيها.. وسمع القوم هذه الدعوة، وكانت ردّة الفعل بمعارضتها صريحة، إذ قالوا:
- إن فيها قوماً جبارين، ولن ندخلها حتى يخرجوا منها، فإن خرجوا فإنا داخلون!..
لقد كان بنو إسرائيل يُمنّون النفس بالاستقرار في أرض يختارها نبيهم ولكن بلا جهاد ولا كفاح... وقد أوكلوا إليه أن يحقق لهم هذا الأمر، كما في كل شيء رغبوا فيه، عن طريق المعجزات، التي ألفوها من قبل، ولكن هل تستقيم الحياة مع الأمانيِّ وحدها، بدون العمل والكدح؟! فالقوم من بني إسرائيل لا يريدون أن يبذلوا جهداً، ولا أن يأتوا عملاً، وما يهمهم هو تحقيق الأمانيّ، والتنعم بثمرات النتائج...
وأشار موسى (عليه السلام) إلى النقباء أن يساعدوه على إقناع هؤلاء القوم المتخاذلين، فانبرى نقيبان من الذين يخافون الله تعالى، وهما يوشع وكالب اللذان أنعم تعالى عليهما، فقالا للقوم: {...ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *} [المَائدة: 23].
إذاً فالدعوة واضحة، وهي أن يدخل بنو إسرائيل قرى الكنعانيين من أبوابها، فإن فعلوا فإنهم سيغلبون بإذن الله تعالى، وما عليهم إلاَّ أن يشدّوا العزم، ويتوكلوا على الله عز وجل إن كانوا مؤمنين...
ثم عاد موسى (عليه السلام) يخاطب القوم، فيثني على أقوال الخطباء، ويحثُّ بني قومه على أن يذكروا نعمة الله تعالى عليهم، وما جعل فيهم من الأنبياء، وأقام منهم من الملوك، وما أمدّهم به من العون، وتفضل به عليهم من الرحمة، ثم يحضّهم على دخول الأرض التي يأملون بها، كما يبيّنه القول المبين: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ *يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ *} [المَائدة: 20-21].
لقد وعدهم رسولهم بالنصر من الله تعالى إن حزموا أمرهم، واستعدّوا لدخول الأرض المقدسة.. ولكن ويا للأسف تعالت صيحاتهم تنذر بالجبن، وليتهم وقفوا عند هذا الحد، بل كان عصيانهم لنبيهم مليئاً بالوقاحة والصلافة، حتى ليُذهب صبر الحليم، ويطيح عقل الحكيم. وذلك وهم يعلنون، كما يخبرنا به العزيز الحكيم بقوله تعالى: {قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ *} [المَائدة: 24].
... وكانت الدعوة من النبيّ موسى (عليه السلام) إلى الإيمان، والتذكير بنعمة الله، والحضِّ على دخول الأرض دونما تقاعس أو إدبار!..
... وكان العصيان من بني إسرائيل، والتنكر لفضل الله عليهم، بل والتعدي على حرمةِ النبيِّ الكريم، وقدسية الرب العظيم، رب السماوات والأرض وما فيهنّ وما بينهنَّ!.. وضاع أمل النبيّ... فلم يبقَ أمامه إلا التوجّه إلى ربه الرؤوفِ الرحيمِ يبثه شكواه من القوم، وما آل إليه أمرهم من الجحود والنكران...
وانصرف القوم عن موسى، ولم يبق في الساحة من نصير أو معين له إلا أخوه هارون، فهما وحيدان في أضعف جند، وأنكد أتباع، لأنهم ضعاف النفوس، خائرو العزائم، يخافون القتال، ويأنفون الإقدام، وفي هذا خسارة كبيرة، ولن تكون لبني إسرائيل الأرضُ المقدسةُ التي وعدهم بها الله تعالى لأنهم لا يستحقونها.. وبكل الألم الذي يعتصر قلبه، توجّه موسى (عليه السلام) إلى ربه قائلاً بأنه لا يملك إلا نفسه وأخاه، طالباً إليه - عز وجلّ - أن يحكم بينه وبين القوم الفاسقين، وذلك كما يظهره لنا قول الله العزيز: {...رَبِّ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ *} [المَائدة: 25].
تِيهُ بني إسرائيل في الصحراء
وأوحى الله تعالى إلى نبيه موسى أن يتخلى عن هؤلاء القوم ردحاً من الزمن حتى ينالوا العذاب الذي يستحقون على عنادهم وعصيانهم..
ويتحقق أمر الله تعالى، ويقع بنو إسرائيل بالتيه في الصحراء..
أجل لقد قضى الله تعالى عليهم أن يتيهوا مدة أربعين سنة، وهو الزمن الذي يكفي في علم الله كي يفنى كبارُهم، ويهلكَ رؤساؤهم.. ثم يظهر من بعدُ جيل جديد، يكون عزيز الجانب، منيع النفس، قويَّ الإيمان، فيندفع في طاعة ربه، ويُبادر باذلاً الغالي والنفيس للجهاد في سبيل الله.
وبدأت سنوات التيه، وبدأ المشوار الطويل على رمال الصحراء اللاهبة... لا يترك بنو إسرائيل كثيباً من الرمل إلا ويقعون في كثبان أشدَّ صلابةً وقسوة؛ ولا ينفذون من درب إلا ويضيعون في دروب أكثرَ وعورةً ويباساً... يدورون في رمالٍ لا تُحتمل، ويجوبون في فلواتٍ لا تطاق، يقضون الأيام، ويقطعون السنين في فراغٍ طويل، لا يجدون له نهاية!.
إنه حكم الديّان، أن ينالوا مثل هذا العذاب في الدنيا، ويذوقوا مثل هذا الشقاء في الحياة. وبالفعل فقد ذاق بنو إسرائيل في أيام التيه كلَّ أنواع الضيق، والشدة، والألم... فصاروا يتمنون العودة إلى عبودية فرعون على هذا العذاب.. وكيف لا يكون هذا جزاءهم، وقد أعطاهم الله سبحانه ما لم يُعطه لشعب من الشعوب:
أعتَقَهُم من العبودية، وخلَّصهم من الاستغلال والاستعباد، فلم يقدّروا معنى الحرية والكرامة.. وسألوا موسى (عليه السلام) أن يجعل لهم إلهاً صنماً يعبدونه، بعدما جاوز بهم البحر، كما يبيّنُهُ لنا ربُّ العالمين بقوله تعالى {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ *} [الأعرَاف: 138].
بعثَ فيهم النبيّين، فكذَّبوهم، وقتلوا بعضهم..
أرادوا رؤية الله جَهرةً، {...فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ *} [الذّاريَات: 44]، ثم بعثهم الله تعالى من بعد موتهم لعلهم يشكرون.
أنزل لهم التوراة كتاباً سماوياً مقدساً، فيه الهدى، وفيه الحقّ، وفيه صلاحُ حالهم وأنفسهم، فلم يستمسكوا به إلاّ خوفاً ورهبة، وليس إيماناً وتصديقاً..
أمرهم ربهم أن يأخذوا ما آتاهم بقوةٍ وأن يسمعوا قول نبيهم، فقالوا: {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} [البَقَرَة: 93].
طلبوا يوم راحةٍ لأبدانهم، وأنفسهم، فوهبهم السبتَ، وأمرهم أن لا يصطادوا الحيتان يوم السبت، ولكنهم نقضوا العهد، وأحلُّوا فيه ما حرَّم الله، فاصطادوها بمكر وخداع.. وكيف؟ كانوا يحيطونها بالسدود ليمنعوها من الخروج ويصطادونها يوم الأحد!
قتلوا النفس التي حرَّمها الله، وراحوا يتّهم بعضهم بعضاً، وكلٌّ يلقي التبعة على الآخر، وشاء الله سبحانه وتعالى أن يهديهم إلى القاتل الذي ارتكب الجريمة، على لسان الميّت نفسه، حتى يرفع الفتنة عنهم، ويجعلهم يؤمنون بالبعث واليوم الآخر. فأمرهم أن يذبحوا بقرة وأن يضربوا القتيل ببعضها فيقوم من موته ويدلهم على القاتل.
واعتقدوا أن موسى (عليه السلام) (وهو نبيّ الله) وحامل رسالته، أنه يهزأ بهم. فتطاولوا عليه وقالوا له:
{ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ} [البَقَرَة: 68] هذه البقرة؟
قال لهم: {إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البَقَرَة: 68] (لا كبيرة ولا صغيرة).
فأرادوا معرفة لونها قائلين: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا} [البَقَرَة: 69]... قال لهم: {...إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ *} [البَقَرَة: 69].
قالوا: {...ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ *} [البَقَرَة: 70].
قال موسى (عليه السلام) : {إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَ شِيَةَ فِيهَا} [البَقَرَة: 71].
عندها قالوا: {الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} [البَقَرَة: 71].
وجاؤوا بالبقرة فذبحوها وضربوا الميّت ببعضها، فقام حيّاً بإذن الله، ودلَّهم على القاتل. رأوا بأم العين ما من شأنه أن يُرَسِّخ في قلوبهم الخشية والتقوى، وهل أكثر إعجازاً من أن ينتفض الميّت مبعوثاً ناطقاً كي يخشوا ربَّهم ويتَّقوه؟... ولكنهم على الرغم من ذلك لم يفعلوا، بل قَسَتْ قلوبهم من بعد ذلك، {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البَقَرَة: 74]...
أجل! إن قلوب بني إسرائيل أشدُّ قسوةً من الحجارة التي لهم سابق عهد بها. فقد رأوا الحجر تنفجر منه اثنتا عشرة عيناً. ورأوا الجبل يندكّ أمام أعينهم حتى خرَّ النبيّ موسى (عليه السلام) صعقاً. رأوا ذلك كله ولكنَّ قلوبهم لا تلين ولا تنبض بخشيةٍ ولا تقوى... إنها قلوب قاسية مجدبة، جاحدة كافرة..
بعد كل هذه النِّعَم والفضائل، وبعد كل هذا الغفران، وبعد كل هذا التعنُّت، وبعد كل تلك البيّنات والحجج التي ساقها إليهم موسى (عليه السلام)، ظلّت قلوب بني إسرائيل قاسيةً لا تُفسحُ مجالاً للإيمان بالله أن يدخل إليها، فحقَّ عليهم عذابُه، واستأهلوا التِّيه والضياع. وكان هذا التيهُ في أصعب الظروف وأقسى الأرض، حتى يُدرِكوا معنى القساوة فيرتدّوا..
ها هم يتيهون في صحراء سيناء أربعين عاماً، يُلاقون من الشدّة والقساوة، ومن الخوف والقلق ما هو حريٌّ بأن يُطَهِّر نفوسَهُم من موبقاتها، ويخلِّص عقولهم من جهالتها، وقلوبهم من قساوتها..
أربعون عاماً يهيمون في الضياع، وموسى (عليه السلام) منصرفٌ إلى عبادة ربِّه يستزيده علماً وحكمةً. لا يتفاخرُ بقدرته التي قهر بها فرعون، ولا بالمعجزات التي أتاها الله عزّ وجلّ على يديه، وخاصة فَلْقَ البحر، وتفجير الماء من الحجر، وإحياء الميّت. ولا يتباهى بأنه كلَّمهُ ربه تبارك وتعالى، وبأن التوراة أُنزلَت عليه من لدن العزيز الحكيم. لا يتفاخر بذلك كلّه ولا يتعالى، بل يشعر أنه ما زال مقصّراً في أداء حقِّ الله، وأن عليه الاستزادة من علم الله، حتى يوفيه حقه سبحانه وتعالى..
موسى والخضر (عليهما السلام)
وأوحى الله لموسى وهو - سبحانه - يعلَمُ توقهُ النفسيّ للاستزادة من العلم والمعرفة، بأن يذهب إلى ساحل البحر، إلى المكان الذي يصبّ فيه نهر النيل في البحر المتوسط حيث يدعى ملتقاهما: «مجمعَ البحرين»، كي يلتقيَ عبداً صالحاً يُصيبُ من عمق إيمانه وصدق يقينه نوراً، ويقتبس من وفرة علمه وبلاغة حكمته قبساً.
اطمأن موسى (عليه السلام) لرعاية الله له، ولكنه شاء أن يعرف الطريق التي تُرشده لذاك العبد الصالح، فسأل الله سبحانه أن يجعل له عَلَماً يدله عليه، فجاءَه الردّ بأن يأخذ معه حوتاً في وعاء، وهو نوعٌ من السمك كان يصطاده بنو إسرائيل في خليج إيلات، فحيث يفقد هذا الحوت، فهنالك يجدُ الرجل الذي يبحث عنه.
أعدّ موسى (عليه السلام) العدة للسفر الطويل، واصطحب معه فتاه، يُعينه في حمل متاعه وحوائجه. وقد أوصاه بأن يُخبره عن فقدان الحوتِ، إذا حصل ذلك أثناء نوبته في حمل المتاع..
وبَلَغَ موسى وفتاهُ مجمع البحرين، وكان التعبُ قد أخذ منهما كل مأخذ، فانتحيا مكاناً يستريحان فيه.
وأخذت موسى (عليه السلام) سِنةٌ من النوم، فراح في إغفاءةٍ قام بعدها يدعو فتاه لمواصلة الرحلة. وأغذّا السَّيْرَ، حتى بَعُدت بهما المسافة، وأنهكهما التعب من جديد، وكان الجوع قد أجهدهما فَطَلَب موسى إلى فتاه أن يأتيه بالطعام قائلاً: {...آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا *} [الكهف: 62].
ولما همَّ الفتى أن يأخذ الطعام، تذكَّر أن الحوت كان قد تسرّب إلى الماء عندما كان موسى نائماً، وقد أنساه الشيطان أن يذكر لسيده هذا الأمر. وسأل موسى عن مكان ذهابه، فقال الفتى:
ـ أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة، وغشيك النعاس فأحببتُ أن لا أوقظك، فحينها اتخذ الحوتُ سبيلَه في البحر سرباً، ونسيت أن أخبرك وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره.
فلاحتْ على وجه موسى (عليه السلام) بشارةُ الظفر ووجدَ أن لقاءَ العبد الصالح قد اقترب فقال: ذلك ما كنّا نبغيه وننشده فهيّا بنا..
وارتدّا على آثارهما قصصاً. فلما وصلا حيث فقدا الحوت وجدا رجلاً نحيل الجسم، تجلّل وجهه مسحةٌ من نور، وتلوح على قسماته آياتُ الطُّهر والصلاح، قد تغطَّى بثوبه وجعل طرفه تحت رجليه، وطرَفَه الآخر تحت رأسه..
وألقى موسى (عليه السلام) التحية على الرجل، فكشف عن وجهه، يردُّ عليه السلام ويسألُهُ عمّن يكون.
قال: أنا موسى.
فأجابه الرجل: نبيّ بني إسرائيل؟.
قال: نعم، ومن أعلَمَك بهذا؟
قال: الذي بعثك إليّ..
عندها عَلِمَ موسى أن هذا هو الرجل الذي ينشد لقاءه، فتلطّف بالقول، وتجمَّل بأحسنِ ما وهَبهُ الله من أدب الحديث، وفضل التواضع، وقال له:
ـ هل تأذن أيها العبد الصالح لرجلٍ جاهدَ في سبيل لقياكَ، حتى لقيَ العناء، أن تُفيضَ عليه من علمك، وتمنحه شيئاً من هديك؟!.. وإني لعازمٌ على أن أتبعك وأسير في ظلك وألتزمَ أمرَك ونهيك!..
وأجاب العبدُ الصالحُ الذي هو الخضر (عليه السلام) : {...إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا *} [الكهف: 67].. فلو صاحبتني، فسترى ظواهر عجيبة وأموراً غريبةً، منكرةً في ظاهرها، مُحقَّة في باطنها، لأن الإنسان فُطر على حبّ النقاش والجدال، ولا يقدر على السكوت وعدم الاعتراض. ولسوف لا تتورَّع إن رافقتني عن طلب الكشف عن سِرّ كل أمر.. وكيف تصبر على ما لم تألَفه، أو ما قد يتجاوز معرفتك؟..
فقال له موسى: ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لكَ أمراً.
فقال الخضر: إن صحبتني فإني آخذ عليكَ عهداً بأن تكون عُدّتُك الجَلَدَ وضبط النفس، فلا تبتدرني بسؤال، ولا تُثر أمامي أي اعتراض حتى ينقضيَ الأمرُ وتنتهيَ الرحلة. وإني بعدها سآتي على تفسير ما تطلبه، وأشفي غليل ما تكنّه نفسك وترجوه من معرفة ما رأيت!..
وقبل موسى شرط الرجل الصالح.. وكيف لا يقبلُ بما يُمليه عليه، وهو الذي قطَعَ المسافات لرؤيته، وجابَ البلادَ لملاقاته؟ وكيف يَحرص على طلبِ علمٍ ولا يطيعُ، ويرغبُ في تلقي حكمةٍ ولا يمتثل؟!...
وبدأت الرحلةُ حتى وصلا البحر فوجدا سفينة راسيةً على الشاطىء. فتقدّم العبد الصالح يطلب من أهلها أن يحملوهم حيثُ يذهبون. ورأى أصحاب السفينة في حديث الرجل ما يحملهم على احترامه، وفي سؤاله ما ينمُّ عن وقاره، فرحّبوا به وبرفيقيه، وأدخلوهم السفينة محمولين بلا أجرٍ، ومحوطين بالإكرام.
وبعد أن لبِثا في السفينة بعض الوقت، وعلى حين غفلةٍ من أصحابها، راحَ العبدُ الصالحُ يفكّك أجزاء من أرضها حتى خرقها وبدأ الماءُ يتسرّب إلى داخلها. وكان موسى (عليه السلام) يرقبُ ما يقوم به الرجلُ، فساءهُ أن يُقابل صنيعَ الجماعة الذين استقبلوهما بالحفاوة، وأكرموا وفادتهما بالجحود، وخَشي أن يُصيبهم الغرق أو الهلاك، فنسيَ عهدَه، وقطب حاجبيه، ثم قال بلهجة الغاضب:
ـ أتجازي قوماً أكرموا وفادتنا، وأحسنوا لقاءنا ولم يأخذوا منّا أجراً، فتخرق سفينتهم وتعوّضهم عن ذلك بهلاكهم وإغراقهم؟ لقد جئت أمراً عظيماً...
التفت إليه العبد الصالحُ ولم يُجِبْهُ على ما قاله، ولكنّه ذكَّره بوعده على الصبر والسكوت، وقال له: {...أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا *} [الكهف: 72].
وأدرك موسى (عليه السلام) ما وقع فيه من نسيان، فأبدى اعتذاره ونَدَمَهُ وقال:
- لا تؤاخذني بما نسيت، ولا تحرمني شرف الصحبة وفضلَ المعرفة. وسألتزم بعد الآن بما عاهدتك عليه.
وغادرا السفينة، وراحا يجوبان النواحيَ القريبة حتى وصلا قريةً فوجدا غلاماً معافىً يلعبُ مع أترابه، وعلى الفور أخذ العبدُ الصالحُ بتلابيبه وجرَّه بعيداً ثم قتله..
فَهَلَع قلبُ موسى لهذا المنظر وكبُر عنده هذا الأمر، إذ رأى غلاماً يافعاً، قد يكون وحيدَ أبويه ورجاءَ ذويه، يُقتَلُ بلا ذنبٍ اقتَرَفُه، ويُسفك دمه بلا إثم ارتَكَبَهُ. وهالَهُ أكثر أن يكون هذا العمل على يديْ رجلٍ من أولياء الله، وإمامٍ في العلم والدين.
فلم يقدر على تحمُّل ما رأى، وتحلَّل من عهده، وأبدى استنكاراً وقال:
- ما هذا الذي تأتيه إلا منكرٌ؟... أقتلت نفساً زكيّةً بغير نفس؟ لقد جئت شيئاً نكراً..
والتفت إليه العبدُ الصالحُ، ولم يزِدْ على تذكيره بقوله: {...أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا *} [الكهف: 75].
ومرة أخرى، يدرك موسى (عليه السلام) أنه يُثقِلُ على العبد الصالح. وأن الأجدر به أن يتذرَّع بالصبر، ويمسك لسانه عن الجَدَل... وخشيَ أن يُبْعدهُ الرجل عن مُصاحبته، فجدَّد العهد على نفسه بألاَّ يعجَل في سؤال، وإن فَعل فإنَّ للعبد الصالح أن يتركه ويصبح في حِلٍّ من مصاحبته، فأبدى عذرَهُ وهو يقول: {...إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا *} [الكهف: 76].
وانطلقا من جديد، حتى أدركهما الطوى، ونالَ منهما التعبُ والإعياء. وصادفا قريةً في طريقهما، فدخلاها طمعاً في زادٍ يُعينهُما على السير أو طعامٍ يُمسكهما من الجوع. ولكنّ أهل تلك القرية كانوا على شُحٍّ وبخلٍ كبيرين، وقد زادوا مقتاً بكرهٍ للغريب. فأبَوْا أن يُضيّفوهما وردّوهما ردّاً غير جميل..
ولما لم يجدا مأوىً ولا طعاماً، خرجا من القرية جائعين. وقبل أن يجاوزاها وجدا جداراً يكاد أن ينقضَّ فهدَمَهُ العبدُ الصالحُ ثُمَّ أعادَ بنيانه وتدعيمه، وقضى في ذلك وقتاً، وتحمَّل جهداً كبيراً.
وعَجِبَ موسى لهذا الأمر فقال لصاحبه: لو شئت لاتَّخذتَ عليه أجراً يكون لنا فيه ما يسدّ جوعنا، ويقضي حاجتنا، فإننا في قريةٍ لا يستأهلُ أهلها عمل المعروف والإحسان، وقد رأيتَ من فِعلهم ما يندى له الجبين..
هنا أدركَ الخضر (عليه السلام) أنه لا بد أن يكون الفراق بينه وبين موسى، ولكنه لا يُريدُ أن يُفارقه قبل أن يُخبرهُ بتفسير ما لم يستطع عليه صبراً، فقال له:
- {...هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا *} [الكهف: 78].
وراح يُوضِّحُ الحوادثَ التي مرَّت بهما، فقال:
- أمّا السفينة فكانت لأناسٍ مساكين، صالحين، يعملون في البحر، ويصيبون منها رزقهم وهي مصدر عيشهم. وكان وراءهُم ملكٌ ظالمٌ يُفتِّشُ عن كل سفينةٍ صالحةٍ فيأخذها من أصحابها عنوةً وغصباً. فأردتُ أن أعيبَ تلك السفينة رِفقاً بأولئك المساكين، حتى إذا وجدها الملك غير صالحة تركها. وإن أصحابها قادرون على إصلاحها وإعادتها كما كانت.
- وأمّا الغلام فكان شرس الطباع، سيئ الخُلُق، يعتدي على الآخرين بدون وجه حقّ، وكان شريراً ملحداً علمَ الله تعالى أنه غير صالح ولا قابل للإصلاح، وله أبوان مؤمنان، وقد خَشيتُ عليهما، مما فطرا عليه من حب لابنهما، وحنان له، أن يرهقهما هذا الحب، وأن يضنيهما هذا الحنان، بما لا يقويان على مقاومته فينقلبان إلى الطغيان والكفر من غلبة العاطفة الأبوية على ولدهما. وأردتُ أن يبدلهما ربُّهما ولداً خيراً منه زكاةً وأقربَ رُحْماً، فقتلته، رحمةً بالوالدين، وحفاظاً على إيمانهما.
- وأما الجدار فهو ملكٌ لِغُلامين يتيمَين في المدينة، وكان أبوهما صالحاً أيضاً، وتحتَه كنزٌ لهما. وأراد ربّك أن يبلغا أشدَّهما، ويستخرجا كنزهما رحمةً منه لئلا ينهار الجدار ويظهر الكنز للناس فيسلبوه من أيدي اليتيمين المسكِينين.
وإن كلَّ ما فعلته لم يكن بأمري، وبطوع إرادتي، ولكنه وحيٌ من الله العزيز الحكيم ألهمني القيامَ به. {...ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا *} [الكهف: 82]..
كانت تلك الحوادث عِبَراً كافيةً لموسى (عليه السلام)، فأيقنَ معها أنَّ الله يرعى عباده بالرحمة، ويحميهم بالرأفة، لا يترك من أمورهم صغيرةً ولا كبيرةً إلاَّ تعهّدها ودبَّرها، لأنه أحصاها في كتاب مُبينٍ، وعلمٍ أمين. فهو يُدبِّر الناسَ بالحق والعدل، فيساعدُ المؤمن، وينصرُ الضعيف، ويهزمُ الكافرَ ويقهرُ الظالم، له ما في السماوات والأرض، وهو على كل شيء قدير..
وإنها لحظاتٌ بيّناتٌ أرادَ الله أن يُرِيَها لنبيّه فينقلبَ إلى أهلِه وقومِهِ، يريهم من آيات الله عجباً، حتى تكون لهم على مرّ الدهور عِظَةً ومثالاً..
موت موسى وهارون (عليهما السلام)
وجدَ موسى (عليه السلام)، بعد عودته أن أخاهُ هارون قد توفّاهُ الله أثناء غيابه، فقام على تدبير شؤون قومه، وصلاح حالهم فترةً ما لبث بعدها إلا قليلاً حتى لحق بربّه.. وكانت وفاتُهُ ووفاة أخيه (عليهما السلام) في صحراء التيه. ويُقال إن موسى (عليه السلام) توفّاه الله بعد أخيه هارون بسنة واحدة، وكان قد بلغ من العمر مائة وعشرين سنة.
لقد عاش موسى (عليه السلام) حياةً حافلةً بالأحداث. وقد رافقته تلك الأحداث منذ ولادته وحتى الرمق الأخير من حياته، عانى خلالها كثيراً من المصاعب والمحن، وخاصةً ما لقيه من فِتَنِ قومه، فتنة إثرَ فتنة، كان يردّهم بعدها إلى الإيمان، ويهديهم إلى سواء السبيل. وقد جاهَدَ حَقاً في سبيل الله، وكان أخوه هارون نصيره ووزيره، فحلَّت عليهما نعمَةُ الله وكان جزاؤه لهما الثناء الأبديّ، بقوله سبحانه وتعالى: {سَلاَمٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ *إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ *} [الصَّافات: 120-121].
ولم يكن سلامُ الله وهو أعظم نعمةٍ، إلاَّ دليلاً على طاعةِ ذينك العبدين المؤمِنَين، العاملين بأمر الله تبارك وتعالى، وهل جزاءُ الإحسان إلاَّ الإحسان؟.
لقد مات موسى وهارون (عليهما السلام)، وهما يوصيان قومهما بالإقلاع عن العادات التي أورثهم إياها نقباء بني إسرائيل حتى تنشأ بعدهم ذرّيةٌ صالحةٌ، تكون أهلاً لأن يؤيدها اللّهُ تعالى بالنصر المبين.
ويشاءُ الله أن تتحقّق رغبة النبيّيْن المجاهدين، وتقومَ في بني إسرائيل فئةٌ اتخذت الإيمان سبيلاً، والاهتداء بكتاب الله طريقاً، ففتحَ الله عليها واستطاعت دخول الأراضي المقدَّسة بقيادة يوشع بن نون. وكان ذلك حسب وعد الله تبارك وتعالى، ألا إنه هو العليّ العظيم.
قصة موسى وهارون (عليهما السلام) في القرآن الكريم
من المُسلَّمات التي لا تقبلُ الجدلَ أن الهدف الذي توخّاهُ القرآن الكريم من وراء القصَّة إنما يكمُن في ذلك الأثرِ الذي تدلُّ عليه، والذي يبرزُ في الجوهر والمضمون، أو في السياق والعرض.
فمن ناحية العرض، جاءت القصّةُ الواحدةُ مكررةً أكثر من مرة، وفي مواطن مختلفةٍ ومواضعَ متفرّقة. وهذا واضحٌ في مُعظَم الحالات التي وُجِدت فيها القصة..
أمّا من ناحية الجوهر أو المضمون، فإن التكرار لا يتناولُ جسم القصّة بكاملها ولا يُعيدُ سياقها برمّتها، وإنما يأتي فقط على ذكر بعض حلقاتها، ووفقاً للمناسبة والظرف، وبطريقةٍ تبدو معها تلك الحلقات وكأنها الأعمدةُ الأساسية للسياق. فهي تنطبقُ عليه تماماً، وتلتحِمُ بتعابيره ومعانيه، حتى تدُلَّ على الغرض منه وتوحيَ بما يريدُ الإيحاء. يقعُ ذلك كله بغير إخلال بالأداء أو نقصٍ في المغزى، بل لعلَّ هذا الذي يقعُ يُبْرِزُ قِيَماً كامِنةً ويُسنِدُ أخرى فنّية بادية.
أنزل الله سبحانه وتعالى كتابه وحكى فيه القصة مرتين أو أكثر. وفي كل مرة كان لها أثرها المعيّنُ، وإيحاؤها الخاصّ الذي يختلف عمّا سبَقَهُ في المرّات الأولى. وهذه معجزةٌ في فنّ الكتابة، لا يوجد لها مثيلٌ في أي كتاب آخر على الأرض، غير هذا القرآن الكريم الذي أسْلَمَهُ لنا الرسولُ الأعظمُ محمدٌ بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو رجل أُمِّيّ لم يكن يحسنُ القراءة والكتابة.
ففي قصة موسى نتأمّل نداءَ ربّه إياهُ، ونتأملُ موقفهُ أمام النار المقدَّسة في وادي طوى، حيثُ يحكي الله عزّ وجلّ هذا الحادث أكثر من مرةٍ. فنراه يملأنا بالخوف والرهبة والجلال حيناً، وبالحبّ والحنان والأمل حيناً آخر. إننا في نفس القصة ومع ذات الأبطال: موسى وعصاه، وليس من تغييرٍ أو تبديل.
كلّ ما حدث هو أن أسلوب القصص القرآنيّ قد أعطانا تأثيراً مختلفاً.
وفي مكان آخر، نرى موسى يذهبُ لتعلُّم أشياءَ يجهلُها ويتتلمذ على يد عبدٍ من عباد الله الصالحين على الرغم من أنه كان نبيَّ عصره ومن أولي العزم. وهذا ما أشار إليه سبحانه وتعالى متحدثاً عن موسى وفتاهُ بالآية الكريمة: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا *} [الكهف: 65].
وسأله موسى: {...هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا *} [الكهف: 66].
من هو هذا العبدُ الصالح الذي حباهُ الله علماً ومعرفة؟ لقد اختلف الناس على تسميته، ومن يكون؟!.
ولكن لحكمةٍ ما، شاء الله العليُّ الحكيم أن تتجاوز القصة ذكر اسمه إلى حقيقته. وأيّ شيء يُفيد الاسمُ أو الوصفُ الخارجيُّ للرجل لو جهلنا مقدار العلم والرشد اللذين وهبهما الباري له؟ ولذا فإن القصة لم تجعلْ للتدليل الظاهريِّ عليه تقديراً، بل توخَّتْ، وهذا هو غرضها، أن تُصيب كبد الحقيقة التي يبحثُ موسى (عليه السلام) عنها، وهي العلم والمعرفة. وهذا ما يطلبه أيُّ عبد من عباد الله، كائناً من كان. فكان ذلك الشخص الذي التقاهُ موسى (عليه السلام)، والذي يقتصر القرآن الكريم على تسميته «عبداً من عباد الله». إننا نرى في هذه التسمية ما فيها من التأكيد على عدم أهمية اسمه، وجنسه، ولونه، وحَسَبه، ونسبه، طالما أنه ليس لهذه العناصر كلها أيّةُ علاقة بالمرمى المقصود، ولا أيُّ تأثيرٍ على الغاية المرجوَّة.. يكفي أن يكون الرجلُ أحدَ عبادِ الله الصالحين، الذين أوتوا العلم والمعرفة، حتى يعلِّمَ أحد الأنبياء، ويكونَ قد أدّى الغرضَ المرادَ منه.
ونسيرُ مع موسى (عليه السلام) وهو يُرافقُ هذا العبد الصالح، كي يتعلّم منه ما أراد الله أن يتعلَّمهُ.. وها نحنُ، في هذه المرافقة أمام مفاجآت تُذهلنا.
إن هذا العبد الصالح يخرقُ سفينةً لمساكين يعملون في البحر ويَقتلُ غلاماً صغيراً، ويُقيمُ جداراً كاد أن يهويَ في قرية عُرِفَ أهلها بالبخل ورفضوا إطعامه وإيواءه أو استضافته..
ما هذه الأمور التي يراها موسى (عليه السلام) بأمّ عينه وهي تحملُ متناقضات شتّى، لم يستطع تأويلها؟
وكيف يُمكِنه تفسيرُ ما يجري؟ ولئن قدر على ذلك فقد انتَفَت الغايةُ من اهتدائه إلى العبد الصالح، وهو رمزُ الفئة التي أولاها الله سبحانه وتعالى علماً ومعرفة.
ولم يستطعْ موسى (عليه السلام) صبراً على ما يرى. لأن ما رآه كان في ظاهره مغايراً لما يحمل في نفسه من مفاهيم. ثم يُفسّر له العبدُ الصالحُ أسرار الأحداث والوقائع التي مرَّتْ بهما، والتي قام بها ذاك العبدُ الصالح بنفسه، وإذا بالسِّر ينكشف، وبرزَت المفاجآت التي كانت مجهولةً لموسى ولنا.. ولو تقصَّينا عن المواضع التي أورد فيها القرآن الكريم قصة موسى لوجدناها في أكثر من عشرين موضعاً، وهي أكثر القصص القرآنية تكراراً، لأنها جاءت من أكثر قصص الأنبياء غِنىً، في مُختلف جوانب ونواحي حياة أولئك الأنبياء..
ورغم هذا التكرار، فإن الحلقات الأساسية في القصّة لم تُعَاوَدْ مرّة أخرى كما ذكرنا آنفاً، وإن وردتْ إحدى هذه الحلقات ثانيةً فإنها ترد لتأتيَ بشيءٍ جديدٍ غير الذي عَنَتْهُ من قبل، شيءٍ تحسبه مألوفاً.. فإذا تأمّلته مليّاً وجدت نفسك تمتلىء بتأثيرٍ جديدٍ فيه كل الجدّة، مُدهِشٍ غاية الدهشة، موحٍ بأعظم الإيحاء. فلننظر إذن كيف ذاب الغرضُ الدينيّ في الغرض الفنيّ. أو كيف ذاب الغرضُ الفنيُّ في الغرض الدينيّ، فإذا الجمال غايةٌ مستهدفةٌ أو وسيلةٌ مستخدمةٌ في آن معاً. وإذا بآلاف العناصر تأتي في نهاية الأمر بمزيجٍ لا يقدرُ عليه غيرُ خالق الإنسان والجان والملائكة والكون..
وإليك أيها القارىء ما جاء في «سورة البقرة» من القرآن الكريم عن موسى وهارون (عليهما السلام) :
{يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ *وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ *وَلاَ تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ *وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ *أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ *وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ *الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيهِ رَاجِعُونَ *يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ *وَاتَّقُوا يَوْمًا لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ *وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيْسَتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاَءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ *وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ *وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ *ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ *وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ *وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ *وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ *ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ *وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ *وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ *فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ *وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَومِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ *وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ *إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ *وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الْطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ *ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ *وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ *فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ *وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ *قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ *قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ *قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ *قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَ شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ *وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ *فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلونَ *ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ *أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ *وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ *أَوَلاَ يعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ *وَمِنْهُمْ أُمِيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ *فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيدِيهِمْ وَوَيلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ *وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ *وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ *ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاَءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ *أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ *وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ *وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ *وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ *بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ *وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ *وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الْدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ *وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ *} [البَقَرَة: 40-96](+).
وفي «سورة المائدة»:
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ *يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ *قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ *قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ *قَالَ رَبِّ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ *} [المَائدة: 20-25].
وجاء في «سورة الأعراف»:
{وَقَالَ مُوسَى يافِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ *حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَ أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِي بَنِي إِسْرَائِيلَ *قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ *فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ *وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ *قَالَ الْمَلأَُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ *يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ *قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ *يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ *وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ *قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ *قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ *قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ *وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ *فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ *وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ *قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ *رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ *قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ *لأَُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأَُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ *قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ *وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ *وَقَالَ الْمَلأَُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ *قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ *قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ *وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ *فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلاَ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ *وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ *فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ *وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ *فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ *فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ *وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضَ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ *وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ *إِنَّ هَؤُلاَءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ *وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاَءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ *وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَِخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ *وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ *قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ *وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ *سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَ يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ *وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ *وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ *وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ *قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَِخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ *إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ *وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ *وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ *وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ *} [الأعرَاف: 104-155](+).
وفي «سورة الأعراف» أيضاً:
{وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ *وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ *وَإِذْ قِيلَ لَهُمْ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ *فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ *وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ *وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ *فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ *فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ *} [الأعرَاف: 159-166](+).
وفي «سورة يونس»:
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ *فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ *قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ *قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ *وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ *فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ *فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ *وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ *فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ *وَقَالَ مُوسَى ياقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ *فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ *وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ *وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ *وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأََهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ *قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَانِ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ *وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ *آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ *فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ *} [يُونس: 75-92](+).
وفي «سورة هود»:
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ *إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ *يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ *وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً ويَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ *} [هُود: 96-99](+).
وفي «سورة إبراهيم»:
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ *وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذْبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاَءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ *وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأََزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ *وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ *أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ *قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ *قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأَتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ *وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ *وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنِا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ *وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ *} [إبراهيم: 5-14](+).
وفي «سورة الإسراء»:
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لأََظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا *قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاَءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأََظُنُّك يافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا *فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا *وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا *} [الإسرَاء: 101-104](+).
وفي «سورة الكهف»:
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا *فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا *فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا *قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا *قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا *فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا *قَالَ هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا *أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا *وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤُمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْرًا *فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا *وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا *} [الكهف: 60-61،74-82](+).
وفي «سورة مريم»:
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا *وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا *وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا *} [مَريَم: 51-53].
ومن بعدها فقد جاء في «سورة طه»:
{وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى *اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى *وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى *إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لأَِهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً *فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى *إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً *وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى *إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي *إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى *فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى *وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى *قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى *قَالَ أَلْقِهَا يَامُوسَى *فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هَيَ حَيَّةٌ تَسْعَى *قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُوْلَى *وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى *لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى *اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى *قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي *وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي *وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي *يَفْقَهُوا قَوْلِي *وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي *هَارُونَ أَخِي *اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي *وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي *كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا *وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا *إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا *قَالَ قَدْ أُوتِيْتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى *وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى *إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى *أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي *إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَامُوسَى *وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي *اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي *اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى *فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى *قَالاَ رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى *قَالَ لاَ تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى *فَأْتِيَاهُ فَقُولاَ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلاَمُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى *إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى *قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى *قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى *قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى *قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنْسَى *الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى *كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لأُِوْلِي النُّهَى *مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى *وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى *قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَامُوسَى *فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لاَ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنْتَ مَكَاناً سُوىً *قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحىً *فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى *قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى *فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى *قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى *فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى *قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى *قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى *فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى *قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى *وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى *فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى *قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأَُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلاَفٍ وَلأَُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى *قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا *إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى *إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا *وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى *جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى *وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لاَ تَخَافُ دَرَكًا وَلاَ تَخْشَى *فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ *وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى *يَابَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى *كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى *وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى *وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَامُوسَى *قَالَ هُمْ أُولاَءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى *قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ *فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَال ياقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُّمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي *قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ *فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ *أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا *وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْل ياقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَانُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي *قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى *قَال ياهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا *أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي *قَالَ يَابْنَأُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي *قَالَ فَمَا خَطْبُك ياسَامِرِيُّ *قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي *قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا *إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا *} [طه: 7-98](+).
وفي «سورة المؤمنون»:
{ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ *إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ *فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ *فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ *} [المؤمنون: 45-48].
وفي «سورة الشعراء»:
{وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ *قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلاَ يَتَّقُونَ *قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ *وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ *وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ *قَالَ كَلاَّ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ *فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاَ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ *أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ *قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ *وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ *قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّآلِّينَ *فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ *وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ *قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ *قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ *قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ *قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ *قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ *قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ *قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ *قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ *قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ *فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ *وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ *قَالَ لِلْمَلإَِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ *يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ *قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ *يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ *فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ *وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ *لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ *فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا لأََجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ *قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ *قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ *فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ *فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ *فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ *قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ *رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ *قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأَُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلاَفٍ وَلأَُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ *قَالُوا لاَ ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ *إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ *وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ *فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ *إِنَّ هَؤُلاَءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ *وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ *وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ *فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ *وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ *كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ *فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ *فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ *قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ *فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ *وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ *وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ *ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ *} [الشُّعَرَاء: 10-66](+).
وفي «سورة النمل»:
{إِذْ قَالَ مُوسَى لأَِهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ *فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *يَامُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَامُوسَى لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ *إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ *وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ *فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ *وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ *} [النَّمل: 7-14].
و«سورة القصص»
{نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ *إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ *وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ *وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ *وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ *فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ *وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ *وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاَ أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ *وَقَالَتْ لأُِخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ *وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ *فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ *وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ *وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ *قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ *قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ *فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ *فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَامُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ *وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ *فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِنِّي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ *وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ *وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ *فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ *فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ *قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ *قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِي حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدَكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ *قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ *فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لأَِهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ *فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِيءِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ *وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَامُوسَى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ *اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ *قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ *وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ *قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ *فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بِيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ *وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ *وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلأَُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأََظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ *وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ *فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ *} [القَصَص: 3-40](+).
{وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ *إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ *وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ *قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلاَ يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ *فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ *وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلاَ يُلْقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ *فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ *وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلاَ أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ *} [القَصَص: 75-82].
وفي «سورة الأحزاب»:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا *} [الأحزَاب: 69].
وفي «سورة الصافات»:
{وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ *وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ *وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ *وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ *وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِينَ *سَلاَمٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ *إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ *} [الصَّافات: 115-121].
وفي «سورة غافر»:
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ *إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ *فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ *وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ *وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ *وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ *يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ *وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ *مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ *وَيَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ *يَوْمَ تَوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ *وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ *الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ *وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ *أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأََظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ *وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ *يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةِ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ *مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ *وَيَاقَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ *تَدْعُونَنِي لأَِكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ *لاَ جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلاَ فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ *فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ *فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ *} [غَافر: 23-45](+).
وفي «سورة الزخرف»:
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلإَِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ *فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ *فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ *فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ *فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ *} [الزّخرُف: 46،53-56](+).
وفي «سورة الدخان»:
{وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ *أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ *وَأَنْ لاَ تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ *وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ *وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ *فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاَءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ *فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ *وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ *كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ *وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ *وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ *كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ *فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ *وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ *مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ *وَلَقَدْ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ *وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُبِينٌ *} [الدّخان: 17-33](+).
وفي «سورة الذاريات»:
{وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ *فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ *فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ *} [الذّاريَات: 38-40].
وفي «سورة الصف»:
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمُ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ *} [الصَّف: 5].
وفي «سورة النازعات»:
{إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوى *اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى *فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى *وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى *فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى *فَكَذَّبَ وَعَصَى *ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى *فَحَشَرَ فَنَادَى *فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى *فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى *} [النَّازعَات: 16-25](+).

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢