نبذة عن حياة الكاتب
العقود والمطعومات والمشروبات

الحياة الخاصة
لقد نظَّم الإسلام حياة الناس تنظيمًا يتفق وكرامتهم في هذه الحياة، فدخل في كل أمر يتعلّق بحياة الفرد سواء مع نفسه، أم مع عائلته وداخل بيته، أم مع الآخرين في علاقاته العمليَّة والمجتمعية... وقد وضع الأحكام الشرعيّة التي تبيّن السبل التي يمكن أن يتّبعها الإنسان حتى يعيشَ مؤمنًا صادقًا، ويعملَ الصالحات. ومن تلك الأحكام حرمةُ المنزل، حيث منع الإسلام أن يدخُلَ أحد بيتَ غيره إلاَّ بإذنه، وذلك لقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}(+) ، فنهى الله - سبحانه وتعالى - عن دخول البيوت، إلاَّ بإذن أهلها، وإلاَّ كان الدخولُ من غير إذنٍ باعثًا على الوحشة أي إنه يحمل معاني الاستغراب، في حين أن الإذنَ في المقابل، عُدَّ استئناسًا، لأنه يحمل معانيَ الأنس، إذ إن التعبير: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} هو كناية عن طلب الإذن ليحصل الاستئناسُ، ومِن ثَمَّ يأتي النُّطق بالتحية والسلام - وهي تحية الإسلام - على أهله بعثًا للاطمئنان وحفاوةً بالوافد...
وقد أبانَ الرسول الكريم معانيَ هذه الآية المباركة بقوله (ص)(+) : «من أدخل عينَه في بيتٍ من غير إذن أهله فقد دمَّره» وأخرج أبو داود: «أن رجلاً سأل النبي (ص): أأستأذن على أمي؟».
قال (ص): «نعم».
قال الرجل: «إنه ليس لها خادمٌ غيري، أأستأذن عليها كلما دخلت؟».
قال (ص): «أتحب أن تراها عريانة؟».
قال الرجل: «لا».
قال (ص): «فاستأذن».
فإن كان الدخولُ على الأم يتطلّب الإذنَ، فالأحرى أن يُمنعَ دخول أي إنسان بيتًا غير بيته إلاَّ بإذن أهل ذلك البيت. ولا فرق بين أن يكون بيتًا لمسلم أو غير مسلم، فالكرامة الإنسانية هي المعنيَّة في الإسلام. ثم إن الخطاب موجَّه للمؤمنين، وهم أصحاب الشأن في مراعاة أوضاع الناس وفقًا لأوامر الله تعالى ونواهيه. فلا يجوز أن يقتحم أحد بيتًا من غير حقّ، لأن اقتحامَ البيوت قبل الإذن فيه انتهاكٌ لحرمتها، وفيه تعدٍّ عليها وأذًى لأصحابها. وقد جاء النص على البيوت مطلقًا، وعامًّا بتعبير «بيوتًا» فشمل كل بيت..
وإن طرقَ المستأذنُ البيتَ فلم يجد فيه أحدًا فلا يدخل بل عليه أن يرجع حتى يوجَدَ أهلُ البيت ويأذنوا له. وإن طلبوا إليه الرجوع، فيجب أن يرجع، وإلاَّ خالفَ أمر الله، بقوله عزَّ وجلَّ: {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا}(+) .. أي لا يجوز لكم الإلحاحُ في طلب الإذن، ولا الإلحاحُ في هتك ستر الحجاب، ولا الوقوفُ على الأبواب منتظرين..
على أن هناك حالاتٍ خاصةً تستدعيها مصلحةُ الجماعة، إذ يمكن الدخول فيها إلى البيوت بعد توجيه الإنذار لأهلها، كما في حالة تفتيش المنزل بإذنٍ من السلطة العامة، للبحث عن أدلة لإثبات جريمة، أو للقبض على متَّهم..
وهذا كله متعلق بحكم البيوت المسكونة.
أما البيوت غير المسكونة، فيحق لمن له متاع في أحدها أن يدخله من دون استئذان، لقول الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ}(+) . فالشرط لهذا الدخول وجود المتاع داخل البيت، والغاية تفقُّد الملكية والحرص عليها من الضياع أو التلف، وبالتالي استعمالها وفقًا لحقّ الملكية الذي يتمتع به صاحبها، ثم لأن وضعها في هذا البيت كان مأذونًا به في الأصل، وكأنّ الإذن قد حصل بصورة مسبقة، وبرضى مالك البيت.
وتلك الأحكام خاصة بالأشخاص من خارج البيت أي من غير أهلها..
أما حياة أفراد الأُسرة في داخل البيوت فهي أيضًا لها أحكامها، إذ يكون لساكني البيوت أنفسهم حرمةٌ يجب مراعاتها وصونها، فلا يجوز لأهل البيت الواحد أن يدخلوا بعضهم على بعض، في أوقاتٍ معيَّنة، من غير استئذان. وهذا جاء مطلقًا ليتناول أيضًا الخدم والأطفال الذين لم يبلغوا الحلم أي سن الرشد. أما الأوقات التي يقتضي فيها الاستئذانُ من أهل البيت الواحد فهي: قبل صلاة الفجر، وعند الظهر، وبعد صلاة العشاء. ففي هذه الأوقات قد يكون الناس في بيوتهم في حالات عورة: يغيّرون الثياب بعد الاستيقاظ من النوم كما في صلاة الفجر، أو يبدِّلون الثياب للقيلولة بعد صلاة الظهر، أو للنوم ليلاً بعد صلاة العشاء.
وفي غير هذه الأوقات فإن لأهل البيت الواحد أن يدخلوا بعضهم على بعض، في أي وقت كان، من دون استئذان، وكذلك الأطفال فإذا بلغوا الحلم سقط حقّهم في الدخول، ووجب عليهم الاستئذانُ في الدخول على غيرهم مثل سائر الناس. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاَةِ الْعِشَاءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ*}(+) .
ولا فرق في هذه الأحكام داخل البيوت بين أجنبيّ ومحرم، قريب أو نسيب. لأن الأمر يتعلّق بالاحتشام، والمحافظة على آداب العشرة، والاحترام، والسلوك الحسن.. مما يفرض على المرأة عدم التبذّل أمام الأبناء، وعدم ظهورها أمامهم شبهَ عارية، وكذلك يكون الأمر بالنسبة إلى الأخوات، والمحارم كافة..
أما فيما يتعلق بحياة المرأة الخاصة داخل بيتها، فإن الإسلام يفرض عليها أن تعيش مع النساء أمثالها، أو مع محارمها الذين يجوز لها أن تبديَ لهم محل زينتها من أعضائها. وما عدا أولئك، أي النساء الأجنبيات والمحارم، فلا يجوز للمرأة أن تبديَ لأحدٍ منهم محلّ زينتها من أعضاء، مما يبدو من المرأة في أثناء قيامها بأعمالها في البيت. فما يجوز للمرأة أن تظهره أمام الأجانب هو الوجه والكفّان فقط.. ولا فرق في ذلك بين النساء المسلمات وغير المسلمات. فكونُ المرأة منهيّةً عن إبداء زينتها للأجانب وغيرَ منهيّةٍ عن إبدائها للمحارم، دليلٌ واضحٌ على اقتصار حياتها الخاصة على المحارم وحدهم. قال الله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ولاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ}(+) .. وقد ألحق الله سبحانه بالمحارم الأرقّاء الذين يملكنهم، والذين لا توجد عندهم شهوةُ النساء من الأطفال والشيوخ الطاعنين في السن، أي كل من لا توجد لديه الإربة أي الحاجة إلى المرأة، فإن هؤلاء يمكن أن يلمحوا بعض أعضاء المرأة في حياتها الخاصة، وما عداهم فلا يجوز له مطلقًا.
تلك هي الآداب التي يحوط بها الإسلام بيوت المؤمنين، وبيوتَ الناس أجمعين. وأين آداب الإسلام، وتحريمُه تبذُّلَ المرأة، مما تعجُّ به الشواطئ من أجساد النساء العاريات، اللائي يتفاخرن بإبداء زينتهنَّ أمام كلّ قريب أو غريب.. وأين كرامة المرأة وكلّها عورة، مما تفعله في السهرات، والحفلات، وفي نوادي الليل.. بل أين الشهامة والشرف وفي بلاد الغرب نوادٍ خاصّةٌ للعري الكامل.. فيا خجل البشرية! ويا فقدان القيم والأخلاق!.. باتت المرأةُ سلعةً تُستعملُ للدعاية في واجهات المحالِّ التجارية وعلى شاشات التلفزيون، وأمام كاميرات السينما، وعلى خشبات المسارح، فهل مرَّ في تاريخ البشرية أسوأ مدنيّة من مدنيَّة أواخر القرن العشرين؟ وهل يخلِّص البشريّةَ في هذا العصر، من هذه المنكرات، إلاَّ الإسلامُ، دينُ الأخلاق والقيم والمُثل الرفيعة السامية؟!..

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢