نبذة عن حياة الكاتب
العقود والمطعومات والمشروبات

خيـار المجلـس
معنى الخيار في اللغة هو أن يختار المرء لنفسه ما يحب. وفي قول الفقهاء: إن الخيار ملك إمضاء العقد وفسخه بالقول أو بالفعل.. والمقصود بدليل «إمضاء العقد» قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} حيث دلَّ على وجوب الوفاء بجميع العقود، ومنها عقد البيع. وهذا الوجوب وإن كان حكمًا تكليفيًّا، فإنه يستدعي الحكم الوضعي، وهو فساد الفسخ من أحد المتعاقدين من دون رضا الآخر. والحكمة من الخيار إفساح المجال للمتعاقد ليتروَّى، ويتدبر مدة الخيار، ويفعل ما يراه خيرًا له.
ومن الخيار ما يثبت باشتراط المتعاقدين، كخيار الشرط، ومنها ما يثبت بحكم الشارع، كخيار الحيوان والعيب، والخيارات كثيرة ومتنوعة. وإنَّ من يتتبع الأدلةَ الشرعيةَ وأقوالَ الفقهاء، يتضح له أن العقد على ثلاثة أنواع:
الأول : لا يقبل الخيار والإقالة بحال، كعقد الزواج.
الثاني : جائز من غير خيار، ولو اشترط فيه اللزوم لكان الشرط لغوًا، كالعارية.
الثالث : وهو بين الاثنين، أي ما يقبل الجواز واللزوم معًا، وإن كان الأصل فيه اللزوم، ولا يخرج عن هذا الأصل إلى الجواز إلا بدليل، كعقد البيع.
وقد عدد الفقهاء سبعة أنواع من الخيارات وهي: خيار المجلس، والحيوان، والشرط، والغبن، والتأخير، والرؤية والعيب. ونكتفي هنا بخيار المجلس في البيع.
اتحاد المجلس:
يطلق اتحاد المجلس على معنيين: أحدهما أن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد، بحيث لا يكون الموجب في مكان، والقابل في مكان آخر. والثاني: أن المجلس الذي تمَّ التعاقد فيه بين المتعاقدين لم ينفضّ بعد بمفارقة أحدهما الآخر.
ـ قال الإمامية: ليس المراد باتحاد المجلس حصول الإيجاب والقبول في مكان واحد فحسب، وإن كان هذا هو الغالب، بل بقاء كلٍّ من الموجب والقابل في المكان نفسه الذي جرى فيه العقد. فلو افترض أن كلًّا منهما في مكان وتفاهما تفاهمًا تامًّا بالهاتف أو بغيره كان اتحاد المجلس هنا بقاء كلٍّ في مكانه، فإن تركه إلى غيره حصل التعدد، ولم يبق للخيار من موضوع.
والدليلُ على الخيار الحديثُ المشهور عن رسول الله (ص) إذ قال: «البيعان بالخيار ما لم يفترقا»(+) . وقال الإمام جعفر الصادق (عليه): «أيما رجل اشترى من رجل بيعًا فهما بالخيار، ما لم يفترقا، فإن افترقا فقد وجب البيع»(+) .
وخيار المجلس يثبت للأصيل والولي. أما حكم الوكيل ففيه نظر: إذ يجب النظر إلى محل الوكالة، فإن جرى التفاوض، وتم الاتفاق مبدئيًّا بين البائع والمشتري على كلٍّ شيء، ولم يبق إلا الشكليات، فوكل كل منهما أو أحدهما من يقوم بها، فلا خيار هنا للوكيل. أما إن كان محل الوكالة التصرفات الأساسية: كالتفاوض، وتحديد الثمن، وتعيين الشروط وما إلى ذلك فإن الخيار يثبت للوكيل.
«ولا يثبت خيار المجلس - عند علماء الشيعة الإمامية - في شيء من العقود سوى البيع»(+) ، لأن العقود الجائزة، لا معنى لخيار المجلس فيها، ما دام لكل من المتعاقدين عدمُ الالتزام بحكم العقد. وحديث: «البيعان» يقتصر على البيع، لأنه المتيقّن، وهو يعم جميع أنواع البيوع من الصرف والسلم، والمرابحة والتولية والمواصفة، والنسيئة.
ويسقط الخيار بالموجبات التالية:
1 - افتراق أحد المتبايعين عن صاحبه، ولو بخطوة واحدة، بحيث ينتفي معهما اتحاد المجلس(+) . وقد روي عن الإمام محمد الباقر (عليه) أنه قال «بايعت رجلاً، فلما بعته قُمت، ومشيت خطى، ثم رجعت إلى المجلس، ليجب البيع حيث افترقنا»(+) .
2 - اشتراط سقوط الخيار ضمن العقد كأن يقول البائع للمشتري: بعتك على يكون لك خيار المجلس، فيسقط الخيار لأنه من الحقوق التي تسقط بالإسقاط، وذلك لحديث: «المؤمنون عند شروطهم». وقد قال الإمام جعفر الصادق (عليه): «المسلمون عند شروطهم. ألا كلُّ شرطٍ خالف كتاب الله عزَّ وجلَّ فلا يجوز»(+) .
قال بعض الإمامية: إن هذا الشرط باطل، لأنه يتنافى مع طبيعة العقد التي تقضي بالخيار، كما يتنافى مع حديث: «البيعان». وقال آخرون: «إن اشتراط سقوط الخيار لا يتنافى مع طبيعة العقد، وهو على وفق السُنَّة النبوية. فالخيار حكم شرعي يستخرج من الأدلة الشرعية. وقد استخرج خيار المجلس من حديث «البيعان»، فإذا عطفنا عليه حديث: «المؤمنون عند شروطهم» وجمعناهما في كلام واحد كان المعنى هكذا: «البيعان بالخيار إلا إذا تراضيا على عدم الخيار». وبهذا نجد تفسير قول الفقهاء: أدلة الشروط حاكمة ومقدمة على أدلة الأحكام.
ـ وقال الحنفية والمالكية: يلزم العقد بالإيجاب والقبول، لأن البيع عقد معاوضة، يلزم بمجرد تمام لفظ البيع والشراء، ولا يحتاج إلى خيار مجلس. ولقول عمر (رضي): «البيع صفقة أو خيار».
وقالوا: إنَّ حديث «البيعان بالخيار ما لم يتفرَّقا» المراد بالمتبايعين: المتساومان والمتشاغلان بأمر البيع. والمراد بالتفرق التفرق بالأقوال: وهو أن يقول الآخر بعد الإيجاب: لا أشتري، أو يرجع الموجب قبل القول، فالخيار قبل القبول ثابت. مما يظهر معه أن خيار المجلس مقصور عند الحنفية والمالكية على ما قبل تمام العقد، فإذا أوجب أحد المتعاقدين، فالآخر بالخيار، إن شاء قبل في المجلس، وإن شاء ردَّ وهذا هو خيار القبول(+) ، وخيار الرجوع.
ـ وقال الشافعية والحنبلية: إذا انعقد البيع بتلاقي الإيجاب والقبول، يقع العقد جائزًا أي غير لازم، ما دام المتعاقدان في المجلس، ويكون لكل من المتبايعين الخيار في فسخ العقد أو إمضائه ما داما مجتمعين لم يتفرقا أو يتخايرا. ويُعدّ في التفرّق: العرف(+) ، وهو أن يتفرقا عن مقامهما الذي تبايعا فيه. أي إن التفرق حقيقةً عندهم هو التفرق بالأبدان، لا بالأقوال، وذلك لما روى الشيخان من أن الرسول (ص) قال: «البيعان بالخيار، ما لم يتفرقا، أو يقول أحدهما للآخر: اختر»(+) ، أي اختر اللزوم. أو على قول الشافعي: اختر: إن شئت فدَعْ، وإن شئت فخُذْ.
أما قول عمر (رضي): «البيع صفقة أو خيار» فمعناه أن البيع ينقسم إلى بيع شرط فيه الخيار، وبيع لم يشترط فيه الخيار، وقد سماه صفقة لقصر مدة الخيار فيه.
وقد اتفق الأئمة الأربعة على أن شرط الخيار (أو خيار الشرط) يصح للبائع، وللمشتري، وللأجنبي عنهما:
فقال الحنفية: يصح خيار الشرط للمتبايعين أو لأحدهما، وللأجنبي عنهما. فإذا شرط أحدهما الخيار لأجنبيّ لم يسقط خياره هو بل يكون شريكًا للأجنبيّ في الخيار. فإذا أجاز الأجنبي العقد أو نقضه، ووافقه العاقد الذي أنابه صح ذلك بلا نزاع، أما إذا لم يوافقه، كأن أجاز النائب وفسخ الأصيل، فإنه يعمل برأي الذي سبق أوَّلاً.
ويصح شرط الخيار عند الحنفية من الوكيل، وفي كل عقد لازم يحمل الفسخ.
وقال المالكية: يصح الخيار بالشرط للبائع، وللمشتري، وللأجنبي عنهما. فإذا شرط الخيار لأجنبي كان هو صاحب القول في فسخ العقد وإمضائه، ولا كلام لمن شرط له الخيار. وإذا علق البيع على رضا الغير كأن قال: بعته لك، أو اشتريته منك، بكذا، إن رضي فلان، فإن الكلام في الرضا يكون لفلان العاقد، وهذا هو المعتمد.أما إذا علقه على مشورة، كأن يقول بعت واشتريت كذا على مشورة فلان، فإن الخيار يكون في هذه الحالة للعاقد وليس لمن اشترط المشورة له. وإذا وكل العاقد غيره، فاشترى له بشرط الخيار، كان شريكًا له في الخيار، وينفذ تصرف السابق منهما.
ـ وقال الشافعية: خيار الشرط إما أن يكون للمتبايعين، أو يكون لواحد منهما، أو يكون لأجنبي عنهما. ومن شرط له الخيار كان له حق فسخ العقد وإمضائه، سواء أكان البائع، أو المشتري، أو هما معًا، أو الأجنبي. وإذا وكَّل أحد المتعاقدين شخصًا عنه فليس للوكيل أن يشترط الخيار للطرف الآخر إلا بإذن موكله، وإلاَّ بطل العقد. أما بإذن موكله فله أن يشترط لموكله أو لنفسه.
ـ وقال الحنبلية: يثبت خيار الشرط في صلب العقد قبل أن يصبح لازمًا، فإذا قام من المجلس بعد تمام العقد من دون شرط، أصبح العقد لازمًا وسقط خيار الشرط. ويصح شرط الخيار للمتبايعين، أو لأحدهما، أو لأجنبيّ عنهما. فيصح أن يشترط أحد العاقدين الخيار لنفسه أو لغيره شرط يخرج نفسه، فلو قال: جعلت الخيار لزيدٍ دوني لم يصح الشرط، ولكن إن قال: جعلت الخيار لزيدٍ (ولم يقل: دوني) صح الشرط.
وإذا وكَّل شخصًا آخر في أن يشتري له سلعة، فاشتراها بشرط الخيار، ثبت الخيار للموكل، فإذا شرط الوكيل الخيار لنفسه، ثبت له وللموكل، وإذا شرطه لنفسه من دون موكِّله لم يصح الشرط.

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢