نبذة عن حياة الكاتب
العقود والمطعومات والمشروبات

الصيد
أولاً - تعريف الصيد:
الصيد أو الاصطياد في اللغة مصدر صَادَ أي أخَذَ، فهو صائد، والحيوان مَصِيد، ويسمّى المصيدُ صيْدًا. ويجمع على صيود.
وفي الاصطلاح: الصيد هو اقتناص حيوانٍ حلالٍ غير مملوكٍ ولا مقدورٍ عليه(+) .
ثانيًا - حكم الصيد:
أجمع الأئمةُ على أن الصيْدَ مباحٌ لقاصده في غير حرم مكةَ المكرمة وحرم المدينة المنوّرة، ما عدا المحرم بحجٍّ أو عمرةٍ فلا يحلُّ له الصيْد لقول الله عزّ وجل: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}(+) ، وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}(+) . أما إذا حلَّ إحرامه، فيباح له الصيْد لقوله عزَّ وجلَّ: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}(+) .
وثبت في السنّة الشريفة أن النبي (ص) قال لعديّ بن حاتم: «إن أرسلتَ كلبكَ وسميتَ فأَخَذَ فقتَلَ، فَكُلْ، وإن أَكَلَ منه فلا تَأْكُلْ، فإنما أمسَكَ على نفسِه»(+) .
وعن أبي قتادة، أنه كان مع رسول الله (ص) فرأى حمارًا وحشيًّا، فاستوى على فرسِهِ، وأخذ رمحه، ثم شدّ على الحمار، فقتله فأكل منه بعض أصحاب رسول الله وأبى بعضهم. فلما أدركوا رسولَ الله (ص) سألوه عن ذلك، فقال: «إنّما هي طعمة أطعمكموها الله»(+) .
وعن أبي ثعلبة الخشني، أن النبيّ (ص) قال: «ما صدتَ بقوسك، فذكرتَ اسم الله عليه، فكُل، وما صدتَ بكلبكَ المعلَّم، فذكرت اسم الله عليه، فكُلْ، وما صدتَ بكلبِكَ غير المعلَّم، فأدركتَ ذكاتَهُ، فكُلْ»(+) .
ويكره الصيدُ لهوًا، لقوله (ص): «لا تتخذوا شيئًا فيه الروح غرضًا»(+) ، وقوله (ص): «من قتل عصفورًا عبثًا، عجَّ إلى الله يوم القيامة يقول: يا ربّ، إن فلانًا قتلني عبثًا ولم يقتلني منفعة»(+) . ويحرمُ الصْيد عبثًا أيضًا إن كان فيه ظلمُ الناس بالعدوان على زروعهم وأموالهم، لأن الوسائلَ لها أحكامُ المقاصد(+) .
ما تقدم يبيّن مشروعيةُ الصْيد ما دام نوعًا من الاكتساب، أو فيه انتفاعٌ للإنسان شرطَ أن يتوافقَ والأحكام الشرعية، كما سنرى.
ثالثًا - أداةُ الصيد:
الصيدُ قد يكون بوساطة أداةٍ هي السلاح، وقد يكون بوساطة الحيوان.
أ - الصيْدُ بالسلاح:
إنَّ محاولةَ الاستيلاء على المصيد، جائزٌ شرعًا، بكل آلةٍ أو أداةٍ مثل العصا، والسيف، والرمح، والفخّ، والحفرة، والبندقية. وشرطُه إن أدرك الصائدُ صْيده حيًّا أن يذكِّيَهُ الذكاةَ الشرعيةَ، فيحلّ أكلُه، سواءٌ أكانت أداةُ الصيد ملكًا له، أم اغتصبها من غيره.. ولكن إذا لم تكن أداة الصيد له، وجب عليه دفعُ أجرة المثل لمالكها، كما هي الحال في الأعيان المغصوبة.
والسؤال يدور حول الأدوات الجامدة مثل: البندقية، والسيف، والرمح، والحجر، والعصا، وغيرها، إذا قُتل بها الصيدُ، فهل يحلّ أكلهُ؟.
قال الإمامية: إن كان الاصطيادُ بآلةٍ لها حدٌّ يصلح للذبح أو الخرق كالسكين والسيف، والرمح والسهم والنشاب، فإنه حلالٌ سواءٌ أمات بجرح أم لا، فقد سئل الإمام موسى الكاظم (عليه) عن رجل لحق حمارًا وحشيًّا، أو غزالاً، فضربه بالسيف، فشطره نصفين، هل يحل أكله؟ قال: نعم «إذا سمَّى»(+) .
وإذا كانت الأداةُ ذاتَ رأسٍ مما يخترق جسمَ الحيوان، مثل العصا المحددةِ الرأس، أو السهم الذي لم ينطلقْ من آلةٍ أخرى، فإنْ خَرَقت اللحمَ جازَ أكلُ المصيدِ بها.
وإذا كانت الأداةُ مما يقتل بالثقل أو العرض كالحجر والعمود، والعصا غير المبريّة الرأس، فإنه لا يحلّ الصيدُ بها، لأنه يُقتل من دون أن يُخرَقَ جسمُهُ أو تدخلَ فيه الأداة. فقد روي عن عديّ بن حاتم أنه قال: سألتُ رسول الله (ص) عن صيد المعراض(+) ؟ فقال (ص): «إن قتل بحدِّهِ فكُلْ، وإذا أصيبت بعَرْضه فقتل فإنه وقيز فلا تأكل». وروي عن الإمام الصادق (عليه) أنه قال: «إذا رميتَ بالمعراض فخرق فكُلْ، وإن لم يخرقْ واعترض فلا تأكلْ»(+) .
وأما ما يقتلُ بالثّقل، أي بالأداة الثقيلة كالحجر، والبُنْدُقة(+) ، والعمود أو العصا غير الجارحة وما إلى ذلك، فإن مقتولهُ ميتةٌ لا يحلُّ أكلُها. سئل الإمام الصادق (عليه) عن قتل البندقة والحجر، أيؤكل؟ قال (عليه): لا.
أما الصيدُ بالألة الحديثة كالبارودة وما إليها فهو حلال. لأن كلّ ما يطلقُ عليه اسمُ سلاح، إذا قُتل به الصيدُ مع توافر الشروط الشرعية، يحلّ أكلُه. ويدلّ عليه قول الإمام محمد الباقر (عليه): «من جرح صيدًا بسلاح، وذكر اسم الله عليه، ثم بقي ليلةً أو ليلتين لم يأكلْ منه السبع، وقد علم أن سلاحه هو الذي قتله، فليأكلْ منه إن شاء»(+) . والإمام الصادق (عليه) سئل عن الرجل يرمي الصيدَ فيصرعُه، فيبتدرُه القومُ فيقطعونه؟ قال (عليه): كُلْهُ.
وقد أفتى السيّدُ الحكيمُ (في منهاج الصالحين) فقال: «لا يبعد حِلُّ الصيد بالبنادق المتعارفة في هذه الأزمنة. ولا سيما إن كانت محددةً، مخروطةً - اي تبدأ غليظة، ثم تدقُّ شيئًا فشيئًا حتى تصلَ إلى منتهى الدقة كرصاصة البارودة - سواء أكانت من الحديد، أم الرصاص أم غيرهما».
ـ وقد أجمع الأئمة الأربعة على أن سلاحَ الصيد يُشترطُ فيه أن يكون محددًا كالرمح والسهم والسيف والبارودة ونحو ذلك. وإذا رُمي الصيدُ بسيفٍ أو غيره، فقطعه قطعتين أو قطع رأسه أُكِلَ جميعُه، وأكلَ الرأسُ(+) . ولا يؤكلُ الجزءُ المُبانُ منه إذا بقيت فيه حياةٌ مستقرة (أي الجزء المقطوع من الحيوان) لقول رسول الله (ص): «ما أُبينَ من الحيّ فهو ميت»(+) . (أي إذا قطع عضو من حيّ فهو ميت).
وقد أجمعوا أيضًا: على أنه لا يجوز الاصطيادُ بما لا يجوزُ التذكية به، كالسنّ والظفر والعظم.
كما أجمعوا على عدم جواز الصيد بمثقل(+) كالحجر، والبندقة، والمعراض بعُرْضه. إلاَّ أن يكون له حدٌّ، ويوقن أنه أصاب به، لا بالرضّ. لأن ما قتله بحدِّه بمنزلة ما طعنه برمحه، وما قُتِلَ بعُرْضه (جانبه) إنما يُقتل بثقله. وقد ورد في حديث عبد الله بن مغفَّل قال: «نهى رسول الله (ص) عن الخَذْف، وقال: إنه لا يقتلُ الصيد، ولا ينكأُ العدو، وأنه يفقأُ العينَ، ويكسر السنّ»(+) (والخذفُ بالحصى: الرميُ به بالأصابع).
وحكمُ سائر آلات الصيد حكمُ المعراض في أنها إذا قتلت بعُرضها أو بثقلها ولم تجرحْ، لم يُبَح الصيد، كالسهم أو الحجر يصيبُ الطائرَ بعُرْضه أو بثقله فيقتلُه، أو كالسيفِ بصفحته لا بحدِّه. وعليه فإذا قتل الصائدُ أو الذابحُ الحيوانَ بشيءٍ ثقيلٍ، أو بسهمٍ بلا نصلٍ ولا حدٍّ، أو انخنق بأحبولةٍ أو شبكةٍ، فهو محرّم، لأنه قتله بما ليس له حدّ(+) .


ب - الصيد بوساطة الحيوان:
قال الإمامية: الإجماعُ على أن التذكيةَ الشرعيةَ تتحقّقُ بصيد الكلب المكلَّب، أي المعلَّم، لقول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ}(+) .
أما صيدُ غير الكلب من الحيوانات، فلا يحلّ أكله إطلاقًا حتى ولو كانت معلَّمة. فقد سئل الإمام الصادق (عليه) عن صيد البزاة والصقور، والكلب والفهد؟ فقال (عليه): لا تأكلوا صيدَ شيءٍ من هذه إلا ما ذكّيتم، إلا الكلب المكلّب(+) . قال السائل: فإن قتله الكلب؟ قال الإمام (عليه): كُلْ، لأن الله عزَّ وجلَّ يقول: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} فكلُّ شيء من السباع تُمسكُ على نفسها إلا الكلاب المكلّبة فإنها تُمسكُ على صاحبها. وهذا يعني أن أيّ صيدٍ مما يصيده الفهودُ والصقورُ فلا يُؤكل إلا ما أُدركتْ ذكاتُهُ، أي إلاَّ ما أدركه الصائد حيًّا فذبحه على الوجه الشرعيّ.
واشترط الإماميةُ لكي يكونَ صيدُ الكلب حلالاً مايلي:
1 ـ أن يكون معلّمًا، وهذا يثبتُ بالتجربةِ وعدم أكله ما يُمسِكُ من الصيد.
2 ـ أن يرسلَهُ صاحبُه بقصد الصيد. فلو أتى الكلبُ بالصيد من تلقائه، وكان مقتولاً فلا يحلّ له.
3 ـ أن يدركَ الكلبُ الصيدَ حيًّا، وأن يستندَ الموتُ إلى جرح الكلب بالذات. فلو أدركه ميتًا لم يحل. وكذلك إذا أدركه حيًّا ثم عدا خلفه حتى مات من التعب والإعياء. ومع الشك في ذلك يحرمُ أكلُ الصيد. ولكن سئل الإمام الصادق (عليه) عن الطريدة يجدُها صاحبها، أيأكُلها؟ قال: إن كان يعلمُ أن رَمِيَّتَهُ هي التي قتلت فليأكل»(+) .
وتجدرُ الإشارةُ إلى أنه يجب غسلُ ما عضّه الكلب، تمامًا كما يجب غسل غيره من المتنجسات. أما قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ} فلا يتنافى مع وجوب الغسل، لأن الآية الكريمة مسوقةٌ لبيان حكمِ صيدِ الكلبِ وجوازِ أكله، لا لبيان الطهارةِ وعدمها.
ـ وقال الحنفية والشافعية والحنبلية (ما عدا المالكية): يحلّ الاصطياد بجوارح السباع والطير إذا كان معلّمة، ولم تأكلْ من الصيد. فالسبعُ مثل: الكلب والفهد والنمر والأسد والهر، والطيرُ مثل: الباز والشاهين والصقر والنسر والعقاب ونحوها من كل ما يقبلُ التعليم(+) ، لقوله تعالى: {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ}.
واستدلوا على ذلك بقول ابن عباس: هي الكلاب المعلّمة، وكلُّ طير تعلّم الصيد، والفهودُ والصقورُ وأشباهها، أي يحلّ لكم صيد ما علّمتم من الجوارح. وبحديث عدي بن حاتم، قال: سألت رسول الله (ص) عن صيد البازي، فقال: «إذا أمسك عليك فكُلْ»(+) .
واستثنى أبو يوسف من ذلك: الأسدَ لعلوّ همته، والدبَّ لخساسته، ولأنهما لا يعملان لغيرهما.
واستثنى الإمام أحمد: الكلبَ الأسودَ البهيم، لأنه كلبٌ يحرم اقتناؤه، ويُسَنُّ قتلُهُ، وذلك لقوله (ص): «عليك بالأسود البهيم ذي النكتتين، فإنه شيطان»(+) . وعند الحنبلية أيضًا يجوز قتلُ الخنزير ويحرمُ الانتفاعُ به، كما يجب قتلُ الكلب العقول، ولو كان معلَّمًا، ويحرمُ اقتناؤه لأذاه.
واشترط جمهورُ الفقهاء - عند المذاهب الأربعة - توافر ستةِ شروطٍ في الحيوان الصائد:
الأول - أن يكونَ الحيوانُ معلّمًا، بالاتفاق:
وعند الحنفية: تعليمُ الكلب أن يتركَ الأكلَ ثلاثَ مرات. وتعليمُ البازي ونحوه أن يرجعَ ويجيبَ إذا دعوتَه.
وعند المالكية: يجب أن يتوافر في التعليم شرطان وهما: إذا أرسله صاحبه استرسل - وإذا زجره انزجر.
وقد أضاف الشافعية والحنبلية على الشرطين المذكورين شرطًا ثالثًا وهو: إذا أمسك الصيدَ لم يأكلْ منه(+) .
وعند الجمهور غير المالكية: أنه إذا أكل الجارحُ المعلمُ مرةً من لحم الصيد، لم يحلّ، ويُشترطُ تعليمٌ جديد.
أما المالكية فقالوا: يؤكل(+) ، لعموم قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}، ولحديث ثعلبة.
أما الغسْلُ من معضِّ الكلب فهو غيرُ واجبٍ عند المَالكية وبعض الحنبلية لقولهم: إن الله ورسولَه أمرا بأكله، ولم يأمرا بغسله. في حين أنه عند الشافعية والآخرين من الحنبلية: معضُّ الكلب نجسٌ فيجب غسلُ ما أصابه، على أن يُغسلَ سبعًا إحداهنَّ بالتراب.

الثاني - الإرسال:
قال الحنفية: يؤكلُ المصيدُ، سواء أرسل الصائدُ الجارحَ أو انبعث من نفسه، ومن دون تعيينٍ من صاحبه. وإن أُرسل على صيدٍ بعينه، وصاد غيرَهُ يُؤكل.
وقال المالكية والشافعية والحنبلية: لا بُدَّ من أن يرسله الصائدُ من يده على الصيد بعد أن يراه ويعيّنه(+) ، فإن انبعث الجارح من نفسه لم يؤكلِ المصيد. والتعيينُ يقتضي ألاَّ يكونَ المصيدُ مبهمًا، فإن أرسل سهمه لاختبار قوّته، فاعترضه صيدٌ فقتلَهُ، حُرِّم، لأنه لم يقصدْ أن يرميَهُ معيّنًا.
الثالث - الجارحُ غيرُ المعلَّم:
قال الأئمة الأربعة: إذا شارك في الصيد جارحٌ غير معلَّم لا يحلُّ الصيد، ما لم يتوافر اليقينُ بأن المعلَّم هو الذي انفرد بالأخذِ أو الجَرْح. ودليلُ هذا الشرط عندهم حديثُ عديّ بن حاتم، قال: سالتُ رسولَ الله (ص) فقلت: أرسلُ كلبي، فأجدُ معه كلبًا آخر، فقال (ص): «لا تأكل، فإنما سمّيتَ على كلبك ولم تُسمِّ على الآخر»، وفي لفظٍ آخر: «فإنك لا تدري أيَّهما قتله»(+) .
الرابع - القتلُ يكون جرْحًا لا خنقًا:
قال الحنفية والمالكية والحنبلية: يجب أن يقتلَهُ جَرْحًا، فإن خنقه أو قتله بصدمته لم يُبَحْ لأن قتلَهُ بغير جرحٍ أشبهُ بقتله بحجر أو بندق(+) .
ـ وقال الشافعية(+) : لو تحاملت الجارحةُ على صيدٍ فقتلته بثقلها، حلَّ في الأظهر لعموم قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}، ولعموم حديث عديّ: «ما علّمت من كلبٍ أو باز، ثم أرسلتَهُ، وذكرتَ اسمَ الله عليه، فكُل ما أمسك عليك. قلت: وإن قَتَلَ؟ قال (ص): «وإن قَتَلَ، ولا يأكلْ منه شيئًا، فإنما أمسكه عليك»(+) .
الخامس - ألاَّ يأكلَ من الصيد:
فإن أكل منه لم يُبَحْ. وهذا الشرطُ عند الجمهور، غير المالكية، إذ قال مالك ومتأخرو المالكية: يجوز الأكلُ مما أكل منه الكلبُ أو غيرُهُ من الطيور. وقد أباح الحنفيةُ وبعضُ الحنبلية الأكلَ مما أكل منه الطائرُ ذو المخلبِ كالبازي والصقر والعقاب والشاهين ونحوها. ودليلُهم قولُ ابن عباس: «إذا أكل الكلبُ فلا تأكلْ، وإذا أكل الصقرُ فكُلْ»(+) .
السادس - عند المالكية(+) :
ألاَّ يرجعَ الجارحُ عن الصيد، فإن رجع بالكلية لم يُؤكلْ. وكذلك لو اشتغل بصيدٍ آخرَ، أو بما يأكله، فلا يُؤكل.
وقد اتفق جميعُ الأئمة على أنَّ ما لا يقتلُه الجارحُ، إذا أدركه الصياد وهو حيٌّ، يُذكَّى، ويُؤكل.
رابعًا - شروطُ الصائد:
ـ قال الإمامية: يجب أن تتوافر في الصياد الشروطُ التالية:
1 - أن يكونَ مسلمًا، عاقلاً، مميِّزًا.
2 - أن يقصدَ الصيد. فلو رمى هدفًا لغير الصيد، أو أفلت السهم من يده فأصاب طائرًا أو غزالاً بالصدفة، فلا يحلُّ أكلُه، حتى ولو كان قد سمَّى وجرى ذكرُ الله تعالى على لسانه. فإن أدركه حيًّا، واتسع الزمان، وذبحه، حلَّ أكلُه، وإلا فهو ميتة.
3 - أن يطمئنَّ الصائدُ إلى أن قتلَ الحيوان أو الطائر كان بالآلة التي رماه بها. فإن أصابَ صيدًا بالبارودة، لكنه تردى من شاهق أو سقط في الماء ومات، لم يحلّ. إذ من الجائز أن يكون الموتُ مستندًا إلى السقوط، أو إلى الرمي والسقوط معًا. قال الإمام جعفر الصادق (عليه): «لا تأكل الصيدَ إذا وقع في الماء. وإن رميتَ الصيدَ، وهو على جبل وسقط ومات، فلا تأكله»(+) . إذ من الممكن أن يكون قد مات منخنقًا أو متردّيًا.
4 - أن يسمّيَ الصائد عند إرساله أداته، أو عند إرسال كلبه، كأنْ يقول: اذهب باسم الله الرحمن الرحيم، أو اذهب على اسم الله تعالى أو غير ذلك.. وذلك لقول الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ}. قال الإمام الصادق (عليه): «من أرسل كلبه، ولم يُسمِّ فلا يأكله». وإذا ترك التسميةَ نسيانًا لا يَحرم الصيدُ لقول الإمام الصادق (عليه): «إن كنت ناسيًا فكلْ منه». وإذا تركها جاهلاً بالوجوب فلا يحلّ الأكل»(+) .
5 - أن يدرك الصائدُ الصيدَ حيًّا مع الكلب، ولو كان على الرمق الأخير، فإذا لم يتسعْ وقته لذبحه، فلا يحلُّ أكله.
6 - قد يرسلُ عدةُ صيادين كلبًا واحدًا، أو قد يكونُ مع الصياد الواحد أكثرُ من كلب، فإذا قتلت الكلاب صيدًا واحدًا يحلُّ أكله، شرط أن يكون كلُّ واحد منها معلّمًا. قال الإمام الصادق (عليه): «إذا وجدت معه كلبًا غير معلّم فلا تأكل»(+) . وإذا أرسل اثنان كلبًا واحدًا، فعلى كلٍّ منهما أن يسميَ، فلو سمّى أحدُهما من دون الآخر لم يحلَّ الصيدُ.
وبكلمةٍ وجيزة: يُشترطُ في كلٍّ من الصائد، والكلب مع التعدّد، ما يُشترطُ فيه مع الانفراد.
وعند الأئمة الأربعة: يُشترطُ في الصائد ما يلي:
1 - أن يكونَ من أهل الذكاة، أي ممن تُقبلُ تذكيتُه شرعًا. فيجوز صيدُ المسلم، ولا يجوز صيدُ الوثنيِّ والمرتدِّ والمجوسيِّ والباطنيّ، وذلك بالإجماع. كما لم يجيزوا صيدَ المجنون. أما صيدُ الكتابيِّ (اليهودي والنصرانيّ) فهو جائز.
2 - وبالإجماع: لا يجوزُ أن يشاركَ الصائدَ في الإرسال من لا يحلُّ صيده. فلو شارك مجوسيٌّ مسلمًا في اصطيادٍ أو ذبحٍ، أو اشتركا في إرسال كلبين، أو سهمين، لم يُؤكلِ المصيدُ أو المذبوحُ، لأنه اجتمع المباحُ والمحرَّم، فتغلب جهةُ المحرّم احتياطًا، مما يدل على أن الأصل في الأطعمة، عند المذاهب الأربعة، هو تغليبُ التحريم(+) . ويطبّق ذلك أيضًا على حالة الاشتراك بين كلبٍ معلَّم، وآخر غيرَ معلَّم.
3 - وبالإجماع أيضًا: أنه يجب على الصائد أن ينويَ الاصطيادَ، أو يكون منه الإرسال. ولكن اختلفوا في حكم استرسال الجارحة بنفسها، فإن استرسلت كذلك، فسمَّى صاحبها وزجرها، فزادت في عدوها، أُبيحَ صيدُها عند الحنفية والحنبلية لأن الزجرَ مثلُ الإرسال، ولا يباحُ عند المالكية والشافعية.
4 - التسمية:
قال الحنفية والمالكية والحنبلية: يُشترطُ في الصائد ألاَّ يتركَ التسمية عمدًا، فإن تركها متعمدًا لم يُؤكلِ المصيدُ لقوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}. أما إن ترك التسميةً سهوًا فيؤكلُ الصيدُ عند الحنفية والمالكية، ولا يؤكل عند الحنبلية، بعكس الذبيحة فإنها تؤكلُ عندهم في حار ترك التسمية سهوًا. وقد استدلّ الحنبليةُ على الذبيحة بما رواه سعيد بن منصور بإسناده عن راشد بن ربيعة قال: قال رسول الله (ص): «ذبيحةُ المسلم حلالٌ وإن لم يسمِّ ما لم يتعمَّد»(+) . أما قوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} فهو محمولٌ على ما تُرِكت تسميته عمدًا.
وقال الشافعية(+) : يباحُ أكلُ متروك التسمية عمدًا أو سهوًا، في الصيد والذبائح، لقول الرسول (ص): «المسلم يذبحُ على اسم الله تعالى، سمَّى أو لم يُسمِّ»(+) .
5 - إدراكُ المصيد:
قال الحنفية: إن أدرك المصيدَ، وكان فيه حياةٌ، بأن يعيشَ ليومٍ أو نصفه، وترك التذكيةَ حتى مات، لم يؤكل. أما لو أدرك به حياةً مثلَ حياةِ المذبوح، فلا تلزمُ تذكيتُه، لأنه ميتٌ حكمًا.
وقال المالكية: إن أدرك الصائدُ المصيدَ غير منفوذِ المقاتل، ذكّاه، وإن لم يدركْهُ لم يُؤكل، إلاَّ أن يتحقّقَ أن مقاتله أنفذت بآلة الصيد.
وقال الشافعية والحنبلية: إن كانت حياة المصيد، كحياة المذبوح، ليس فيه حياةٌ مستقرّةٌ، يباحُ من غير ذبح، لأن الذكاة في مثل هذه الحالة لا تفيدُ شيئًا. ولكن يُستحبُّ عند الشافعية: أن يُمِرَّ السكين على الحلق ليريحه.
وإن كانت فيه حياةٌ مستقرةٌ، فإن تعذَّر على الصائد ذبحُهُ، من دون تقصيرٍ منه، حلّ أكلُه. وإن مات، وقد قصّر في ذبحه، حرم الصيدُ بسبب التقصير.
6 - ألاَّ يكون الصائد، في صيد البر، مُحْرِمًا، بحجٍ أو عمرة. أما صيدُ البحر فحلالٌ للمُحْرِم، وذلك باتفاق الجميع، لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}(+) .
7 - قال الجمهور، غير الحنفية: يجب أن يُعيّن الصائد صيده، أو أن يُحسَّ به، أو يراه، ويُرسل كلبه المعلَّم للاصطياد. ويصح، عند المالكية والحنبلية، صيد الأعمى. في حين أن الشافعية اشترطوا أن يكون الصائد بصيرًا.
وقال الأئمة الأربعة(+) : إذا غاب الصيد بعد رميه، ولم يُعلم أو يُظن أنه مات من الرمي، لا يؤكل. وكذلك إذا رمى الصائد صيدًا فوقع في ماء أو تردَّى من مكانٍ عالٍ، أو وطأه شيء، فمات، لم يؤكل. ولكن إذا وقع على الارض مباشرة فإنه يؤكل، لأنه لا يمكن الاحتراز من هذا الوقع. وهذا كله ما لم يكن سهمٌ قد أنفذ مقاتله قبل الوقوع، فلا يضرُّه الغرق أو التردّي، أو الوطء.
خامسًا - شروط المصيد:
قال الشيعة الإمامية: يشترط في الحيوان الذي يحل صيده الأمور التالية:
1 - أن يقبل التذكية الشرعية أما ما لا يقبلها، كالمسخ (ومثله القرد أو الفيل) فلا يتحقق به معنى الصيد، لأكله.
2 - أن يكون بريًّا، أو كان أهليًّا ثم نفر إلى البر فأصبح بمنزلة المتوحش. ولا يدخل في ذلك الحيوانات المستأنسة مثل البقر والجاموس والغنم والماعز. أو الطيور الدواجن كالدجاج والبط والإوز والحمام، فهذه ليست موضوعًا للصيد ما دامت طوع الإرادة، ولم تشرد إلى البراري.
3 - أن يكون قادرًا على الامتناع، فلا يحل صيد صغار الحيوان التي لا تستطيع العدو، وإن كانت بريَّة، ولا فراخ الطير التي تعجز عن الطيران(+) .
وقالت المذاهب الأربعة: الحيوان الذي يحل صيده إما أن يكون مأكول اللحم، أو غير مأكوله. فإن كان غير مأكول اللحم فإن صيده يحل دفعًا لشره، كما يحل قتله كذلك، ويحل صيده أيضًا للانتفاع بما يباح الانتفاع به من أجزاء جسده كالشعر أو السن(+) .
أما الحيوان المأكول اللحم فيحل صيده بشروط:
1 - أن يكون متوحشًا بطبيعته كالظباء وحمر الوحش والبقر الوحشي والأرنب، فيحل صيدها ولو تأنست إذا عادت لتوحشها، فإن استمرت متأنسة فلا يحل أكلها إلا بالذبح. أما الحيوانات المتأنسة بطبيعتها كالجمال والبقر والغنم ونحوها فلا تحل بالصيد، بل لا بدَّ في أكلها من الذكاة الشرعية، ولو توحش واحد منها كأَنْ نفر الجمل أو الثور، أو شردت الشاة، وعجز عن إمساكه فإنه يحل بالعقر، وهو أن يُجرح بأداة ويراق دمه، وأن يقتل بهذا الجرح، وأن يقصد تذكيته، وأن يكون أهلاً للتذكية. ومثل هذا إذا سقط حيوان في ماء أو من علو، فإنه يحل برميه في أي موضع من بدنه، ويسمى هذا ذكاة الضرورة.
2 - أن يكون ممتنعًا غير مقدور عليه، فلا يحل بالصيد الحيوان المقدور عليه كالدجاج والبط والإوز والحمام البيتي، بخلاف الأنواع البرِّية منها، لأنها تُعدّ متوحشة وغير مقدور عليها فتحل بالصيد.
3 - ألاَّ يكون مملوكًا للغير، فيحرم صيد المملوك للغير، ولا يحل بالصيد.
4 - أن لا يدركه وهو حي، فإن أدركه وفيه حياة لا يباح إلا بالذبح، وفي ذلك تفصيل في المذاهب:
أ ـ قال الحنفية: إذا أدرك الصيد وفيه حياة، فوق حركة المذبوح، بأن يعيش يومًا أو بعض يوم، فإنه لا يحل إلاَّ بذبحه. أما لو أدركه وليس فيه حركة المذبوح كَأَنْ أخرجَ الكلب بطنه، أو وقع السهم في قلبه، فإنه يحل بلا ذبح، حتى ولو وقع في الماء، بعد هذه الحالة، فإنه يحل، بخلاف المتردِّية فإنها لو ذبحت وفيها حركة المذبوح فإنها تحلّ لأنه يكتفى فيها بمطلق الحياة. أما إذا أدركه ولم يأخذه، فإن تركه وقتًا يمكنه أن يذبحه فيه ومات فإنه لا يؤكل.
ب ـ وقال المالكية: إذا أدرك الصيد حيًّا فإن كان قد نفذ مقتلاً من مقاتله كأنْ خرجت كلية أو طحال، أو ثُقبت أمعاؤه أو خرج شيء من مخه، وكل ما يفضي إلى الموت حتمًا، فإنه يؤكل من دون تذكية. أما لو أدركه ولم ينفذ مقتلاً من مقاتله فإنه لا يباح أكله إلا بالذكاة، فإن اشتغل بإخراج السكين من جانبه فمات الصيد قبل أن يدرك تذكيته فإنه يحرم. وأيضًا لو أطلق كلبًا وتراخى في اتباعه ثم وجد الصيد ميتًا فيحرم لاحتمال أنه لو جَدَّ في طلبه لوجده حيًّا فيذكيه، إلا إذا تحقق أنه لو جَدَّ لا يلحقه حيًّا.
ج ـ وقال الشافعية: إذا أدرك صيده حيًّا فإن لم يجد فيه حركة المذبوح بأن قطع حلقومه أو خرجت أمعاؤه فإنه يحل من دون ذبح، ويكون موته بآلة الصيد تذكية له، ولكن يندب إمرار السكين على حلقه ليريحه. أما لو أدركه وفيه حياة مستقرة فوق حركة المذبوح فإنه ينظر: فإن تعذر عليه ذبحه من دون تقصير ومات فإنه يحل، وإن لم يتعذَّر عليه ذبحه لكنه تركه حتى يموت، أو أنه أهمل أو قصَّر في الذبح فإن مات فلا يحل. والمثل على هذه الحالة ألاّ يكون معه آلة الذبح أو تضيع منه، أو إذا اشتغل بتحديد السكين حتى مات الصيد، ففي هذه الحالات مثلاً يكون قد أهمل ولا يحل. ولكن لو وجده منكسًا فعدله ليذبحه فمات، أو إذا أراد أن يوجهه إلى القبلة ومات قبل ذبحه فإنه يحل.
د ـ وقال الحنبلية: إذا أدرك الصيد وفيه حياة مستقرة، إلاَّ إنه يتحرك حركة المذبوح فقط، فإنه لا يحتاج إلى تذكية، لأن عقره تذكية له، فيحل أكله بشرائط الصيد. وكذا لو أدركه وفيه حياة مستقرة زيادة على حركة المذبوح، لكنّ الوقت لم يتسع لذبحه، فإنه يحل بالشروط أيضًا. أما إذا أدركه وفيه حياة مستقرة واتسع الوقت لذبحه فإنه لا يحل إلا بالذبح، لأنه يكون في هذه الحالة مقدورًا عليه، فهو كغيره من الحيوانات المقدور عليها. وإذا لم يجد معه آلة لذبحه ومات فإنه لا يحل لأنه أصبح كغيره من الحيوانات التي لا تباح إلا بالتذكية. ولو كان معه كلب فأرسله عليه في هذه الحالة، فأجهز عليه وقتله، فإنه يحل.
سادسًا - صيد السمك:
قال الله تبارك وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا}(+) . وقال عزَّ وجلَّ: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا}(+) .
وفي صيد حيوان الماء وأكله أقوال متعددة لدى المذاهب:
ـ قال الشيعة الإمامية: إن أي حيوان بحري - غير السمك - لا يحل أكله، حتى ولو كان له قشر. وقد استدلوا على ذلك بما رواه محمد بن مسلم، قال: سألتُ الإمام محمد الباقر (عليه) عن السمك الذي لا قشر له؟ فقال (عليه): «كُلْ ما له قشرٌ من السمك، وما كان ليس له قشرٌ فلا تأكله»(+) .
وقال الإمام الصادق (عليه): «إن أمير المؤمنين كان يركبُ بغلةَ رسول الله (ص) بالكوفة، ثم يمرُّ بسوق الحيتان ويقول: لا تأكلوا ولا تبيعوا ما ليس له قشر»(+) .
وما في جوف السمكة من بيضٍ وغيره يتبعُ السمكة نفسها في التحليل والتحريم. قال الإمام الصادق (عليه): «كلُّ شيء لحمه حلال، فجميع ما كان منه من لبن أو بيض أو إنفحة كل ذلك حلال طيب».
والإخراج من الماء تذكيةٌ شرعيةٌ تختصّ بالسمك، شرط أن يخرجَ من الماء حيًّا، ويموتَ في خارجه.
قال الإمام الصادق (عليه): «إن السمكَ ذكاتُهُ إخراجُهُ من الماء، ثم يُتركُ حتى يموتَ من ذات نفسه، وذلك أنه ليس له دمٌ سائل، وكذلك الجراد»(+) .
وإذا جفَّ الماء عن السمك، بسبب المدّ والجزر أو غيره، أو وثب إلى خارج، حلَّ إن أُخِذَ حيًا، وحرم إن أُخِذَ ميتًا. والأخذُ يكون بلمسه أو وضعِ اليد عليه، إنْ باليد مباشرةً أو بالشبكة، أو بوساطة حفرةٍ، أو أيِّ شيء. فإذا نصب شَبكَةً ودخلها السمكُ، ثم جفَّ الماءُ، ومات السمكُ، حلَّ أكله. ومثله إذا حفر حفرةً وأجرى لها ماءَ النهر أو البحر. أما لو مات السمك في الحفرة قبل أن يجفَّ الماءُ منها، حرم أكلُهُ عند المشهور من الفقهاء.
ولا يُشترطُ في صيد السمك التسميةُ، ولا الإسلام. فلو أخرجه غير المسلم من الماء حيًّا، أو وضع يده عليه حيًّا بعد أن يجفَّ الماء عنه حلّ أكله، أكان الصائدُ كتابيًّا أو ملحدًا، ما دام أنه وضع يده على السمك وهو حيّ. لكنه لا يحلُّ مع الشكّ وعدم العلم. فقد سئل الإمام الصادق (عليه) عن صيد الحيتان وإن لم يُسمِّ؟ فقال: لا بأس. وسئل: عن صيد المجوسيّ للسمك؟ فقال (عليه): «ما كنت لآكله حتى أنظرَ إليه»(+) ، أي حتى أعلمَ أنه خرج من الماء حيًّا.
ـ وقال الحنفية(+) : جميعُ ما في الماء من الحيوان محرّمُ الأكل إلا السمكَ بخاصة، فإنه يحلُّ أكله من دون ذكاة إلا الطافيَ منه. وقد استدلوا على ذلك بقوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}. وقد عُدّوا من الخبائث: الضفدعَ، والسرطانَ، وحيةَ البحر وما إليها. وأما دليلُهم في تحريم أكل السمك الطافي فهو حديثُ جابر: «ما ألقاه البحر، أو جزَر عنه، فكلوه، وما مات فيه وطفا، فلا تأكلوه»(+) .
وقال الجمهورُ غير الحنفية(+) : إنَّ حيوانَ الماء من السمك، وشبهه، أي مما لا يعيش إلا في الماء كالسرطان، وحية الماء، وكلبه، وخنزيره ونحوها، كلُّ ذلك حلال، ويباحُ بغير ذكاةٍ كيفما مات، سواء بضربة حجر، أو ضربة صياد، أو انحسار ماء. وسواء كان راسيًّا أو طافيًا، وأخذُهُ ذكاته. ولكن إن انتفخ الطافي بحيث يُخشى منه السقم يحرم للضرر. وقد استدلّ الجمهور بقول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ}. والصيد، بتفسيرهم، يقع على ما سوى السمك من حيوان البحر، فيقتضي أن يكون الكُلُّ حلالاً. كما استدلوا على ذلك بالحديث الصحيح عند الشيخين وأحمد: في العنبر (حوت ضخم) وهو: «أنا أبا عبيدة وأصحابه وجدوه - الحوت - بشاطئ البحر ميتًا، فأكلوا منه شهرًا حتى سمنوا، وأدهنوا، وقدّموا منه للنبيّ (ص) فأكلَ منه»(+) ، كما قالوا: إن حلّه هو أن حيوانَ الماء، لا دمَ له. وقد كره الإمام مالك خنزير الماء، وقال: «أنتم تسمونه خنزيرًا».
سابعًا - تملّك المصيد:
لقد تباينت آراءُ الأئمة حول كيفية تملّك الحيوان المصيد..
ـ قال الإمامية: يُملك المصيدُ في الحالات التالية:
1 - يُملك الحيوانُ البرّي، والطيرُ غيرُ الداجنِ بأمورٍ ثلاثةٍ وهي:
الأمر الأول: أن يضعَ الصائدُ يده عليه مباشرة.
الأمر الثاني: أن يقع في آلة الصيد أو الحفرة التي يحفرها الصيادُ بقصد الصيد.
الأمر الثالث: أن يضربه بحجرٍ أو خشبةٍ أو آلةٍ حتى يصبحَ غيرَ ممتنع، شرط أن يكونَ ذلك بقصد الصيد.
2 - من تبع حيوانًا بسيارةٍ أو فرسٍ حتى أعياه، لا يصير مالكًا له حتى يضعَ يده عليه. فلو أخذه غيرُهُ قبله يملكه، لأنه لم يضع يده عليه، ولم يرمه بسهمٍ أو ما إليه.
3 - إذا دخل عصفورٌ بيتَ إنسانٍ صدفة، فلغير صاحب البيت أن يأخذه، إذا وضع يده عليه قبله. ولكن لو فتح باب بيته، وألقى الحبّ لتدخلَ العصافير، فلا يجوزُ لغيره أن يصطادَها. ولو بنى العصفور عشًّا في حائط أحدهم فلا يملكه بمجرد ذلك.
4 - إذا نصب شبكةً للاصطياد، فوقع فيها الحيوان، ثم أفلت، واصطاده آخر، فهو لمن اصطاده. ولكن لو أمسكته الشبكة، إلاَّ إن ريحًا قويّةً، أو حيوانًا أو أيِّ شيءٍ آخرَ كان السببَ في فراره، ثم اصطاده آخر فهو للأول.
5 - إذا رمى الصيدَ بشيءٍ فجرحه، لكنه بقي على قوّته حتى دخل دارًا، فأخذه صاحبُ الدار، كان ملكًا له بوضع اليد عليه، لا بدخول الدار، ولا يحقُّ لمن جرحه أن يمانع.
6 - بعد أن يضعَ الصيَّادُ يده على الصيد ويملكَه، فإنه يبقى في ملكيته. وإن أفلت وصار ممتنعًا وصرف الصائد النظر عنه كلية، يصير كالأشياء المباحة، فتجوز حيازتُه لمن يضع يده عليه.
ـ وقال الأئمة الأربعة: يستحقّ الصيدُ بالأخذ، أي بالقصد والاصطيادِ، أو بوضع اليد والأخذ وإن لم يقصده. فمن رأى صيدًا، وصاده آخرُ كان لمن صاده، فإن صاده أحدهم، ثم هرب، فصاده غيره، فهو للأول، إلاَّ إذا توحّش فهو للثاني.
ومن نصب خيمةً أو شبكةً أو فخًّا للاصطياد، فوقع فيه صيده ملكه للحيازة.
ومن صنع بركةً يصيد بها سمكًا، فما وقع فيها ملكه، كالصيد بالشبكة تمامًا.
والصياد الذي يتعاطى سببًا للصيد في القوارب كضوءٍ أو جرسٍ يملكه بذلك. فإن لم يقصد الصيدَ بفعل منه، ووقعت سمكةٌ في حِجْرِ راكب معه في القارب، فهي له لاستيلائه على مباح. أما إن وقعت في القارب - أو في السفينة - فهي لصاحب القارب - أو السفينة.
ولو وقع صيدٌ في شبكة إنسان، ووضع يده عليه، ثم أخذه إنسانٌ آخر، لزمه ردُّه إلى صاحب الشبك. وإن لم تمسكه الشبكة، بل انفلت منها في الحال أو خرقها وخرج منها، وصاده آخرُ كان ملكًا له. فإن بقيت الشبكةُ عالقةً فيه، أي سحبها معه، وجب ردُّها إلى صاحبها.

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢