نبذة عن حياة الكاتب
معجم تفسير مفردات ألفاظ القرآن الكريم

حَرْفُ الأْلِفْ
(أ)
أبا: الأبُ: الوالِدُ، ويُسمَّى كُلُّ من كان سبباً في إيجادِ شَيْءٍ أو إصْلاحِهِ أو ظهورِهِ أباً، ولذلك يُسَمَّى النبيُّ (ص) أبا المُؤمِنينَ {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزَاب: 6]، ورُوِي أنه (ص) قال: «كلُّ سَبَبٍ ونَسَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ القِيامَةِ إلاَّ سَبَبي ونسبي» (9)، وقيلَ: أبُو الأضيافِ لِتَفَقُّدِه إياهم، وأبو الحَرْبِ لِمُهَيّجِها، وأبو عُذْرَتِها لمُفْتَضّها. ويُسَمَّى العَمُّ مع الأبِ أبَوَيْنِ، وكذلك الأمُّ مَعَ الأبِ، وكذلك الجَدُّ مَعَ الأبِ. قال تعالَى في قصةِ يعقوب {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا} [البَقَرَة: 133] وإسْماعِيلُ لم يكنْ من آبائِهِم، وإنما كان عَمَّهُمْ، وسُمّيَ مُعَلّمُ الإنْسانِ أباه لما تَقَدَّمَ من ذِكره. وقد حُمِلَ قولُه تعالى {وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزّخرُف: 22] على ذلكَ، أيْ عُلَماءَنا الذينَ رَبَّونا بالعلمِ بِدلالةِ قوله تعالى {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ} [الأحزَاب: 67]، وقِيلَ في قولِهِ {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمَان: 14] أنه عَنَى الأبَ الذي ولَدَهُ والمُعَلّمَ الذي عَلَّمَهُ. وقولهُ تعالى {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزَاب: 40] إنما هو نَفْيُ الولادَةِ وتَنْبيهُ أنّ التَّبَنِّيَ لا يَجْري مَجْرَى البُنُوَّةِ الحقِيقِيَّةِ. وجَمْعُ الأب آباءٌ لأن أصله أَبَوٌ بالتحريك مثل (رَحَى) وأرْحاء، فالذّاهِبُ منه واوٌ لأنك تقول في التثنية أبوان، وأبوّة، نَحْوُ بُعُولةٍ وخؤولة. وقد أُجْري مَجْرَى قَفاً في قول الشَّاعِر:
إنّ أباهَا وأبَا أباهَا
ويقالُ أبَوْتُ القومَ: كُنْتُ لهم أباً، أَأْبُوهُمْ، وفُلانٌ يَأْبُو بَهْمَهُ أي يَتَفَقَّدُها تَفَقُّدَ الأبِ، وزادُوا في النداء فيه تاءً، فقالوا يا أبَتِ. وقولُهُمْ بَأْبَأَ الصَّبِيُّ، هُوَ حكايَةُ صوتِ الصبيّ إذا قال بَابَا.
أبٌّ: قال تعالى {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عَبَسَ: 31]. الأبُّ المَرْعَى، الكلأ الذي لم يزرعه الناس والفاكهة للناس، والأبُّ للأنعام، وهو المُتَهيِّىءُ لِلرّعْيِ والجَزّ، مِن قولِهِم أبَّ لكذا، أي تَهَيّأ أبّاً وأبابةً وأباباً. وأبَّ إلى وطنِهِ، إذا نَزَعَ إلى وطَنِهِ نُزُوعاً: تَهَيَّأ لِقَصْدِهِ، وكذا أبَّ لسيفِه إذا تَهَيَّأ لِسَلّهِ.
أبد: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [التّغَابُن: 9] الأبَدُ عِبارَةٌ عن مُدّةِ الزمانِ المُمْتَدِّ الذي لا يَتَجَزّأُ كما يَتَجَزَّأُ الزمانُ، وذلك أنه يُقالُ: زمانُ كذا، ولا يُقالُ أبدُ كذا. وكان حَقُّهُ أنْ لا يُثَنَّى ولا يُجْمَعَ، إذْ لا يُتَصَوَّرُ حُصُولُ أبدٍ آخَرَ يُضَمُّ إليه فيُثَنَّى به. لكن قيل آبادٌ، وذلك على حَسَبِ تخصِيصِهِ في بعضِ ما يتناولُهُ كَتَخْصيصِ اسمِ الجنسِ في بعضِهِ، ثم يُثَنَّى ويُجْمَعُ على أنه ذكَرَ بَعْضُ الناسِ أنّ آباداً مُولَّدٌ وليس مِن كَلامِ العربِ. وقِيلَ أَبَدُ أَبَدٍ وأَبِيْدٍ، أيْ دائم، وذلك على التَّأْكِيدِ. وتأَبَّدَ الشَّيءُ: بَقيَ أبَداً، ويُعَبَّرُ به عما يَبْقَى مُدَّةً طَوِيلَةً. والآبِدَةُ: الداهية يبقى ذكرها أبداً، والبَقَرَةُ الوَحشِيَّةُ. والأوابِدُ: الوَحْشِيَّاتُ. وتأبَّدَ البَعيرُ: تَوَحَّش فصارَ كالأوابِدِ. تأبَّدَ وجْهُ فلانٍ: تَوَحَّشَ، وأبَدَ كذلك وقد فُسِّرَ بِغَضِبَ.
أبق: {إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [الصَّافات: 140] يقال: أبِقَ العَبْدُ يَأبَقُ إباقاً، وأبَقَ يَأبِقُ، إذا هَرَبَ من سيِّدِهِ، وجَمْعُهُ أُبَّاقٌ، وتَأبَّقَ الرجلَ تَشَبَّهَ به في الاستتارِ.
إبل: قَال الله تعالى {وَمِنَ الإِبِلِ اثْنَيْنِ} [الأنعَام: 144] الإِبِلُ يَقَعُ على الْبُعرانِ الكثيرَةِ ولا واحِدَ له مِنْ لفظِهِ. قال تعالى {أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغَاشِيَة: 17]. وأبَلَ الوحْشيُّ يأبِلُ أبُولاً، وأبَلَ أبْلاً: اجْتَزَأ عنِ الماءِ تَشبُّهاً بالإِبِلِ في صَبْرِها عنِ الماءِ، وكذلك تَأبَّلَ الرَّجلُ عنِ امرأتِهِ إذا تَرَكَ مُقاربَتَها، وأبِل الرجلُ: كثُرَتْ إبِلُهُ، وفلانٌ لا يَأبُلُ أي لا يَثْبُتُ على الإِبِلِ إذا ركِبَها، ورجلٌ آبِلٌ وأبِلٌ: حَسَنُ القِيامِ على إبِلِهِ، وإبِلٌ مُؤَبَّلَةٌ: مجموعةٌ، والإِبالةُ: الحزمةُ الكبيرة مِنَ الحطبِ. وقولُه تعالى {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ} [الفِيل: 3] أي مُتَفَرِّقَةٌ كقِطْعاتِ إبلٍ، الواحِدُ أبيلٌ.
أبَى: الإِباءُ شِدَّةُ الامتِناع، وكُلُّ إباءٍ امْتِناعٌ، وليس كُلُّ امْتِناعٍ إباءً. قال تعالى: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التّوبَة: 32]، {وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ} [التّوبَة: 8]، {أَبَى وَاسْتَكْبَرَ} [البَقَرَة: 34]، {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى} [الحِجر: 31]. ورُوِيَ: «كُلُّكُمْ في الجنة إلا مَنْ أبَى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال (ص) : من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى»(10). ومنه رَجُلٌ أبِيٌّ: مُمْتَنعٌ من تَحَمُّل الضَّيْمِ، وأبَيْتَ الضَّيَر تَأْبَى.
أتَى: الإِتيانُ مجيءٌ بسهُولَة، ومنهُ قيلَ لِلسَّيلِ المارِّ على وجْهِهِ أتيٌّ وأتاوِيُّ، وبه شُبِّهَ الغريبُ فقيلَ أتاوِيٌّ، والإتيانُ يقالُ للمجيءِ بالذاتِ وبالأمْرِ وبالتَّدْبيرِ، ويقالُ في الخيرِ وفي الشَّرِّ وفي الأعيان والأعراضِ {إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ} [الأنعَام: 40]، {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النّحل: 1]، {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} [النّحل: 26] أي بالأَمْرِ والتَّدبيرِ نحوُ: جاءَ رَبُّكَ. وعلى هذا النَّحْوِ قولُ الشاعرِ:
أتَيْتَ المُرُوءَةَ مِنْ بابها
قال تعالى: {فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لاَ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} [النَّمل: 37]، وقوله: {وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى} [التّوبَة: 54] أي لا يَتَعَاطَوْنَ. وقوله: {يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ} [النِّسَاء: 15] فاسـتعمالُ الإِتْيانِ مِنْها كاستِعْمالِ المَجِيءِ في قوله: {لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} [مَريَم: 27]. يقال أتَيتُهُ وأتَوْتُهُ، ويقال لِلسّقاءِ إذا مُخِضَ وجاءَ زُبْدُهُ: أتُوَّةٌ. وتَحقيقُهُ: جاءَ ما مِنْ شأنِهِ أن يَأْتيَ منْه، فهو مصْدَرٌ في معنَى الفاعِلِ. وهذه أرضٌ كثيرةُ الإِتاءِ أي الرَّيْعِ. وقولهُ تعالى: مَأْتِيّاً: مَفْعُولٌ من أتَيْتُهُ، قال بعضُهُمْ: معناهُ آتِياً، فجعلَ المفعولَ فاعلاً، وليس كذلك بل يُقالُ: أتَيْتُ الأمرَ وأتاني الأمْرُ، ويُقالُ أتَيْتُهُ بكذا وأتَيْتُهُ كذا. قال تعالى: {وأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البَقَرَة: 25]، {فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لاَ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} [النَّمل: 37]، {وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [النِّسَاء: 54]. وكُلُّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ في وصْفِ الكِتابِ آتَيْنا فَهُوَ أبْلَغُ مِنْ كُلّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ فيه أُوتُوا لأنَّ أُوتُوا قد يقالُ إذا أُوليَ مَنْ لم يكُنْ مِنْهُ قَبُولٌ، وآتَيْناهُمْ يقالُ فِيمَنْ كان منه قبولٌ. وقوله: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} [الكهف: 96] أي جيئُونِي، والإِيتاءُ الإِعطاءُ. وخُصَّ دَفْعُ الصَّدَقةِ في القُرْآنِ بالإِيتاءِ نَحْوُ: {وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} [البَقَرَة: 277]، {وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ} [الأنبيَاء: 73]، {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} [البَقَرَة: 229]، {وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ} [البَقَرَة: 247].
أثَّ: الأثاثُ: مَتاعُ البيتِ الكثيرُ، وأصلُهُ مِنْ أثَّ أيْ كَثُرَ وتَكاثَفَ، وقِيلَ للمالِ كُلّهِ إذا كَثُرَ: أثاثٌ، ولا مفرد له كالمتاع. قال تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النّحل: 80]، {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} [مَريَم: 74].
أثر: أثَرُ الشيء حُصولُ ما يَدُلُّ على وجودِهِ. يقال أثَر وأثَّرَ، والجمعُ: الآثارُ. قال تعالى: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا} [الحَديد: 27]، {وَآثَارًا فِي الأَرْضِ} [غَافر: 21]، {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الرُّوم: 50]، ومن هذا يقالُ لِلطَّرِيقِ الْمستَدَلِّ به على من تَقَدَّمَ آثارٌ، نَحْو قولهِ تعالى: {فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} [الصَّافات: 70] وقوله: {هُمْ أُولاَءِ عَلَى أَثَرِي} [طه: 84]، وأثرتُ البَعيرَ: جعلتُ على خُفّه أُثْرَةً أي علامَةً تُؤَثّرُ في الأرْضِ ليُسْتَدَلَّ بها على أثَرهِ، وأثَرْتُ العِلْمَ: رَوَيْتُه آثُرُهُ أثْراً وإثارةً وأُثْرَةً، وأصلهُ تَتَبَّعْتُ أثَرَهُ {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} [الأحقاف: 4] وقرىء أثَرَةٍ، وهو ما يُرْوَى أو يُكْتَبُ فَيَبْقَى له أثرٌ. والمآثِرُ: ما يُرْوَى مِنْ مكارِمِ الإِنسانِ. ويُسْتَعارُ الأثرُ لِلْفَضْلِ والإِيثارُ للتفضلِ، ومنه آثَرْتُهُ، قال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الحَشر: 9] وقال: {تاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} [يُوسُف: 91]، {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [الأعلى: 16]. وفي الحديث «سيكونُ بَعْدِي أثَرَةٌ»(11) أي يَسْتَأثِر بَعْضُكُمْ على بَعْضٍ. والاسْتِئْثارُ: التَّفَرُّدُ بالشَّيءِ مِنْ دُونِ غَيرِهِ. وقولُهُمْ: استأثَرَ اللَّهُ بِفُلانٍ: كِنايةٌ عن موتِهِ وهو تنبِيهٌ أنه مِمَّن اصْطفاهُ وتَفَرَّدَ تعالى به مِنْ دونِ الوَرَى تَشْرِيفاً له. ورجُلٌ أثِرٌ: يَسْتأثِرُ على أصحابِهِ، وحكَى اللّحيانِي: خُذْه آثِراً مَّا وأَثِراً: ما. وآثِرَ ذِي أثِيرٍ.
أثل: {ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سَبَإ: 16] و«أثْلٍ» أي شَجَرٍ ثابِتِ الأصلِ وهو كل ضرب من ضروب الخشب كشجر الطرفاء والصفصاف. وقوله (ص) في الوصيّ: «غَيْرَ مُتَأثّلٍ مالاً»(12) أي غَيْرَ مُقتَنٍ له ومُدَّخِرٍ، فاسْتَعارَ التأثُّلَ له، وعنه استُعِيرَ: نَحَتَّ أثْلَتَهُ إذا اغْتَبْتَهُ.
أثم: الإثْم والأَثامُ اسْمٌ لِلأفْعالِ المُبْطِئَةِ عنِ الثَّوابِ، وجمعهُ آثامٌ. ولتَضَمُّنِهِ مَعْنَى البُطْءِ. قال الشاعِرُ:
جَمَالَيّةٌ تَغْتَلِي بالرَّادف إذا كَذَبَ الأثَمَاتُ الهَجِيرا
وقوله تعالى: {فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البَقَرَة: 219] أيْ في تَناولهِما إبْطاءٌ عنِ الخَيْرات. قال الحسنُ: فيهما ضررٌ وَمنافعُ ولكنَّ ضررَهُما أكبرُ مِنْ نفعِهِما، وإذا زادَتْ مَضَرَّةُ الشيءِ على منفعتِهِ اقتضى العقل الامتناعَ عَنْه. وقد أثِمَ إثْماً وأثاماً فهو آثِمٌ وأَثِمٌ وأثِيمٌ. وتَأثَّمَ: خَرَجَ مِنْ إثْمِهِ، أَيْ تابَ من الإِثْم واستغفَرَ منه؛ كقَوْلِهِم تَحَوَّبَ: خَرَجَ مِنْ حَوْبِهِ وحَرَجِهِ، أي ضِيقِهِ. وتَسْمِيَةُ الكَذِبِ إثْماً لكَوْن الكَذِبِ مِنْ جُمْلَةِ الإِثم، وذلكَ كَتسمية الإِنسانِ حَيواناً لِكونِهِ مِنْ جُمْلَته. وقولهُ تعالى: {أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ} [البَقَرَة: 206] أي حَمَلَته عِزَّتُه على فِعلِ ما يُؤْثِمُه. {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفُرقان: 68] أيَ عذاباً فَسَمَّاهُ أثاماً لِمَا كان منهُ، وذلكَ كتَسْميةِ النَّباتِ والشَّحْمِ ندىً لِمَا كانَا منهُ في قول الشاعِرِ:
تَعَلَّى النَّدَى في مَتْنِهِ وتَحَدَّرا
وقِيلَ: مَعْنَى «يَلْقَ أثاماً»: أيْ يَحْمِله ذلكَ على ارتكابِ آثام، وذلكَ لاسـتِدعاءِ الأمورِ الصَّغيرةِ إلى الكَبيرةِ، وعلى الوَجْهَيْنِ حُمِلَ قولهُ تعالى: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مَريَم: 59]. والآثِمُ، المتَحملُ الإِثم {آثِمٌ قَلْبُهُ} [البَقَرَة: 283] وقُوبِلَ الإِثْمُ بالبِرّ، فقال صلّى الله عليه وآله وسلم: «البِرُّ ما اطْمَأنَّتْ إليه النَّفْسُ والإِثْمُ ما حاكَ في صَدْرِك»(13) وهذا القولُ منهُ حُكمُ البِرِّ والإِثْمِ لا تَفْسِيرهما. وقولهُ تعالى: {مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} [القَلَم: 12] أي آثِمٍ، وقولهُ: {يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوانِ} [المَائدة: 62] قيلَ: أشار بالإثْمِ إلى نحوِ قولهِ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المَائدة: 44] وبالعُدْوانِ إلى قولِه: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المَائدة: 45] فالإِثْمُ أعَمُّ مِنَ العُدْوَان. وقوله: {وَلاَ تَأْثِيمًا} [الواقِعَة: 25] أي لا يتخالفون على شربِ الخمر، ولا يأثمون بِشربِها كما يأثمون في الدنيا.
والإثْمُ عند بعضهم: الخمْرُ ومنه قولُ الشاعر:
شرِبْتُ الإثم حتى ضلّ عقلي كذاك الإِثْمُ تذهبُ بالعقول
أج: {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [الفُرقان: 53] الأجاج: شديدُ المُلُوحَةِ والحَرَارةِ، مِنْ قَوْلِهِمْ أجيجُ النارِ وأجَّتُها وقد أجَّتْ، ويَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ منهُ، شُبّهُوا بالنّارِ المُضْرَمَةِ والمِياهِ المُتَمَوّجَةِ لِكثْرَةِ اضْطرابِهِمْ. وأجَّ الظَّلِيمُ: إذا عَدا أجِيجاً تَشبيهاً بأجِيجِ النارِ، قال تعالى: {إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ} [الكهف: 94] ، وقال تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [الأنبيَاء: 96].
أجر: الأَجْرُ والأُجْرَةُ ما يَعُودُ مِن ثَوابِ العَمَلِ دُنْيَوِياً كانَ أو أخْرويّاً {إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى اللَّهِ} [يُونس: 72]، {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [العَنكبوت: 27]، {وَلأََجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [يُوسُف: 57]. والأُجْرَةُ في الثَّوابِ الدُّنْيَوِيّ. وجمعُ الأَجرِ أجُورٌ. وقولُهُ {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النِّسَاء: 24] كِنايَةٌ عن المُهُورِ. والأجْرُ والأُجْرَةُ يقالُ فيما كان عن عَقْدٍ وما يَجْرِي مَجْرَى العَقْدِ، ولا يقالُ إلاَّ في النَّفْعِ دُونَ الضَّرِّ: {لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [البَقَرَة: 262]، {فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشّورى: 40]، والجَزاء يُقالُ فيما كانَ عن عَقْدٍ وغَيْرِ عقْدٍ، ويُقالُ في النَّافِعِ والضَّارِّ {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسَان: 12]، {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النِّسَاء: 93]. يقال: أجَرَ زَيْدٌ عَمْراً يَأْجُرُهُ أجْراً: أعْطاه الشيء بأُجْرَةٍ، وأجرَ عمرو زَيْداً أعْطاهُ الأُجْرَةَ {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِي حِجَجٍ} [القَصَص: 27]. وآجَرَ كذلك، والفرقُ بَيْنَهُما أنَّ أجَرتُه يقالُ إذا اعْتُبِر فِعْلُ أحَدِهِما، وآجَرْتُهُ يُقالُ إذا اعْتُبِرَ فِعْلاهُما وكِلاهُما يَرْجِعانِ إلى مَعْنًى واحدٍ. ويُقالُ: آجَرَهُ اللَّهُ وأجَرَهُ الَّلهُ. والأَجِيرُ فَعِيلٌ بمعْنَى فاعِلٍ أو مُفاعِلٍ، والاسْتِئْجارُ طَلَبُ الشيءِ بالأُجْرَةِ ثم يُعَبَّرُ به عن تناوُلِهِ بالأجْرَةِ نَحْوُ الاسْتِيجابِ في اسْتعارَتِهِ الإيجابَ لَهُ {اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القَصَص: 26].
أجل: الأجَلُ المُدَّةُ المَضْرُوبَةُ لِلشيءِ {وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمّىً} [غَافر: 67]، {أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} [القَصَص: 28]. ويقالُ: دَيْنُه مُؤَجَّلٌ، وقد أجَّلته: جَعلْتُ له أجَلاً. ويقالُ لِلْمُدَّةِ المَضْرُوبَةِ لِحيَاةِ الإِنْسان أجَلٌ، فيقالُ: دنا أجَلُهُ، عِبارَةً عن دُنُوّ الموتِ، وأصلُهُ اسْتِيفاءُ الأجَلِ، أي مُدَّةِ الحياةِ. وقوله تعالى: {وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا} [الأنعَام: 128] أيْ حَدَّ الموتِ، وقيلَ: حدَّ الهَرَمِ وهُما واحِدٌ في التَّحقيق. وقوله: {ثُمَّ قَضَى أَجَلاً} [الأنعَام: 2]، {وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ} [الأنعَام: 2] فالأوّل هو البَقاءُ في الدُّنْيا والثانِي البقاءُ في الآخِرةِ، وقيلَ: الأولُ هو البَقاءُ في الدُّنْيا والثانِي مُدَّةُ ما بينَ الموتِ إلى النُّشُورِ، عنِ الحَسنِ. وقيل: الأوّلُ لِلنومِ والثاني لِلموتِ إشارَةً إلى قولهِ {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزُّمَر: 42] عنِ ابنِ عباسٍ. وقيلَ: الأَجلانِ جميعاً لِلموتِ، فَمِنْهُمْ من أجلُهُ بِعارضٍ كالسيفِ والحَرَقِ والغَرقِ وكُلّ شيءٍ غيرِ موافقٍ، وغير ذلك مِنَ الأسْبابِ المُؤَدّيَةِ إلى قَطْعِ الحياةِ، ومِنْهُمْ مَنْ يُوَقَّى ويُعافَى حتى يَأْتِيَهُ الموتُ حَتْفَ أنْفِهِ، وهذانِ هُما المشارُ إليهما بقوله: من أخْطَأتْهُ سَهْمُ الرَّزِيَّةِ لم تُخْطِهِ سَهْمُ المَنِيَّة، وقِيلَ: للناسِ أجَلانِ، منهمْ مَنْ يَمُوتُ بَغْتَةً ومنهمْ مَنْ يَبْلُغُ حَدّاً لم يَجْعَلِ اللَّهُ في طَبِيعَةِ الدّنْيا أنْ يَبْقَى أحَد أكْثَرَ منه فيها وإليهما أشارَ تعالى: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} [الحَجّ: 5] وقَصَدَهُما الشاعِرُ بقوله:
رأيتُ المنايا خَبْطَ عَشْواءَ مَنْ تُصِبْ تُمِتْهُ ومن تُخطىء يُعَمَّرْ فيهرمِ
والآجِلُ والآجِلَةُ: ضِدُّ العاجِلِ، والآجِلةُ هي الآخِرةُ. والأجَلُ: الجِنايَةُ التي يُخافُ منها آجِلاً فَكُلُّ أجلٍ جِنايَةٌ وليس كُلُّ جِنايَةٍ أجلاً. يقالُ: فَعَلْتُ كذا من أجْلِهِ. قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المَائدة: 32] أي منْ جرّاءِ، وقُرِىءَ منْ إجْلِ ذلك بالكَسْرِ أيْ مِنْ جِنايَةِ ذلك. ويقالُ: (أجلْ) في تَحْقِيق خَبَرٍ سَمِعْتَهُ. وبُلُوغُ الأجَلِ في قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} [البَقَرَة: 231] هو المُدَّةُ المَضْرُوبةُ بَيْنَ الطَّلاقِ وبين انْقِضاءِ العِدّةِ. وقوله: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} [البَقَرَة: 232] إشارةٌ إلى حِينِ انْقِضاءِ العِدّةِ وحِينِئذٍ لا جناحَ عَليهِنَّ فيما فَعَلْنَ في أنْفُسِهِنَّ.
أحد: أحَدٌ يُسْتَعْمَلُ على ضَرْبينِ أحَدُهُما في النَّفْيِ فَقَطْ، والثاني في الإِثْباتِ. فأما المُخْتصُّ بالنَّفْيِ، فلاسْتِغراقِ جِنْسِ الناطِقِينَ. ويَتَناوَلُ القَلِيلَ والكَثِير على طَرِيقِ الاجْتماعِ والافْتِراقِ، نَحْو: ليس في الدَّار أحَدٌ أيْ واحِدٌ ولا اثْنانِ فصاعِداً لا مُجْتَمِعينَ ولا مُفْتَرِقينَ. ولهذا المَعْنَى لم يَصِحَّ اسْتِعْمالُهُ في الإثْباتِ لأنَّ نَفْيَ المُتَضادَّينِ يَصِحُّ ولا يَصِحُّ إثْباتُهما، فَلَوْ قيلَ: في الدارِ واحِدٌ لَكانَ فيه إثْباتُ واحدٍ مُنْفَردٍ مع إثْباتِ ما فَوْقَ الواحِدِ مُجْتَمِعينَ ومُفْتَرِقينَ، وذلك ظاهِرٌ لا مَحالَة، ولتَناوُلِ ذلك ما فَوْقَ الواحِدِ يَصحُّ أنْ يُقالَ: ما مِنْ أحدٍ فاضِلِينَ، كقولهِ تعالى: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحَاقَّة: 47]. وأمّا المُسْتَعْمَلُ في الإِثْباتِ فَعَلَى ثَلاثَةِ أوْجُهٍ: الأَوَّلُ في الواحدِ المضمومِ إلى العَشَرات نحوُ أحَدَ عَشَرَ وأحَدٍ وعِشْرينَ، والثَّاني أنْ يُسْتَعْمَلَ مُضافاً أو مُضافاً إليهِ بمَعْنَى الأوَّلِ، كقولِه تعالى: {أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} [يُوسُف: 41] وقَوْلُهم: يَوْمُ الأحَدِ، أيْ يَوْمُ الأوّلِ ويومُ الاثْنَيْنِ. والثَّالِثُ أنْ يُسْتَعْمَلَ مُطْلقاً وصفاً، ولَيْسَ ذلكَ إلاَّ في وصْفِ اللَّهِ تعالى بقوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وأصْلهُ وحَدٌ، ولكِنْ وحَدٌ يُسْتَعْمَلُ في غَيْرِ صفته تعالى نَحْو قولِ النابغةِ:
كأنَّ رجْلي وقَدْ زالَ النَّهارُ بِنا بِذي الجَلِيلِ على مُسْتَأْنِسٍ وحَدِ
أخ: الأصْلُ أخَوٌ، وهو المُشارِكُ آخَرَ في الولادَةِ مِنَ الطَّرفَيْنِ أو مِنْ أحَدِهِما أو مِنَ الرضاعِ، ويُسْتَعارُ في كُلِّ مُشاركٍ لِغَيرهِ في القَبيلَةِ أو في الدّينِ أو في صَنْعَةٍ أوْ في مُعامَلَةٍ أوْ في مَودَّةٍ وفي غَير ذلكَ مِنَ المُناسَبات. قال تَعالى: {لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ} [آل عِمرَان: 156] أيْ لمُشارِكِيهم في الكُفْر، وقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحُجرَات: 10]، {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} [الحُجرَات: 12]. وقولُهُ: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النِّسَاء: 11] أيْ إخوانٌ وأخَواتٌ. وقولُه تعالى: {إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحِجر: 47] تَنْبِيهٌ على انتِفاءِ المخالفةِ مِنْ بَيْنِهِم. والأُختُ تأنِيثُ الأخِ، وقولُه: {يَاأُخْتَ هَارُونَ} [مَريَم: 28] يعني أختَهُ في الصلاحِ لا في النِّسْبة، وذلكَ كقولِهِمْ: يا أخا تَمِيمٍ. وقولُه: {أَخَا عَادٍ} [الأحقاف: 21] سَماهُ أخاً تنبيهاً على إشْفاقِهِ عليهمْ شَفَقَةَ الأخِ على أخِيهِ، وعلى هذا قَوْلُهُ: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ} [الأعرَاف: 73]، {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ} [الأعرَاف: 65]، {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ} [الأعرَاف: 85]. وقولُه: {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} [الزّخرُف: 48] أي مِنَ الآيةِ التي تَقَدَّمَتْها. وسماها أختاً لها لاشْتراكِهِما في الصّحَّةِ والإِبانة والصّدقِ. وقولُه تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعرَاف: 38] فإشارةٌ إلى أولِيائِهِم المَذْكورِينَ في نحو قولِه: {أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ} [البَقَرَة: 257]. وتأخَّيْتُ، أيْ تَحَرَّيْتُ تَحَرِّيَ الأخِ للأخِ. واعْتُبِرَ مِنَ الأخوةِ مَعْنَى المُلازمةِ فقيلَ أخِيَّةُ الدابَّةِ.
أخذ: الأخْذُ حَوْزُ الشَّيءِ وتَحْصيلُهُ. وذلكَ تارَةً بالتَّناوُلِ {مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ} [يُوسُف: 79] وتارَةً بالقَهْر {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} [البَقَرَة: 255]. ويُقالُ: أخَذَتْهُ الحمَّى. قال تعالى: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} [هُود: 67]، {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى} [النَّازعَات: 25]، {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى} [هُود: 102]. ويُعَبَّرُ عن الأسِير بالمأخوذ والأخيذ، والاتِّخاذُ افْتعالٌ منه. ويُعَدَّى إلى مَفْعُولَينِ ويَجْرِي مَجْرَى الجَعْلِ {لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} [المَائدة: 51]، {اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} [الزُّمَر: 3]، {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا} [المؤمنون: 110]، وكذلك قوله: {فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعرَاف: 144]، قولُهُ تعالى: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المَائدة: 116]. أما قولُه تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ} [النّحل: 61] فَتَخْصيصُ لفْظِ المُؤاخَذَةِ تَنْبِيهٌ على مَعْنَى المُجـازاةِ والمقابَـلَةِ لمـا أخَذُوهُ مِنَ النِّعَمِ، فَلمْ يُقَابِـلُوه بالشُّكْر. ويُقالُ: فلانٌ مَأْخُوذٌ وبه أخْذَةٌ مِنَ الْجِنِّ. وفُلانٌ يَأْخُذُ مأْخَذَ فُلانٍ، أيْ يَفْعَلُ فِعْلَهُ ويَسْلُكُ مَسْلَكَهُ. ورَجُلٌ أُخذٌ وبه أُخذٌ: كِنايَةٌ عن الرَّمَدِ. والإخاذَةُ والإخاذُ: أرْضٌ يَأخُذُها الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ.
آخِرُ: يُقابَلُ به الأوّل. وآخَرُ يُقابَلُ به الواحِدُ. ويُعَبَّرُ بالدارِ الآخِرَةِ عنِ النَّشْأةِ الثانِيةِ، كما يُعَبَّرُ بالدارِ الدّنيا عنِ النَّشأةِ الأُولى، نَحوُ: {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العَنكبوت: 64]، وربما تُركَ ذكرُ الدار نحو قولِهِ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ} [هُود: 16]، وقد تُوصَفُ الدارُ بالآخِرَةِ تارةً، وتُضافُ إليها تارةً نَحْوُ: {وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [الأعرَاف: 169]، {وَلأََجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [النّحل: 41] وتَقدِيرُ الإضافةِ: دارِ الحياةِ الآخِرَةِ. والتأخِيرُ مُقابِلٌ للتقديمِ {بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القِيَامَة: 13]، {مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفَتْح: 2]، {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ } [إبراهيم: 42]، {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} [إبراهيم: 44]. وبِعْتُهُ بِأخِرَةٍ أي بتأخيرِ أجَلٍ، كقولِهِ: بِنَظِرَةٍ. وقولُهمْ: أبْعَدَ اللَّهُ الأخِرَ، أي المُتَأخِّرَ عنِ الفضيلةِ وعن تَحَرِّي الحَقِّ.
أداء: الأداءُ دَفعُ الحَقِّ وتَوْفِيَتُهُ، كأداءِ الخراجِ والجِزْيَة وردّ الأمانةِ. قال تعالى: {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البَقَرَة: 283]، {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النِّسَاء: 58]، {وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البَقَرَة: 178] وأصْلُ ذلك مِنَ الأداةِ.
ادّ: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} [مَريَم: 89] أي أمْراً مُنْكَراً يَقَعُ فيه جَلَبَةٌ، وذلك مِنْ قولِهِم: أَدّت الناقةُ تَئِدُّ، أي رَجَّعَتْ حَنِينَها تَرْجِيعاً شديداً، والأَديدُ الجَلَبَةُ. وأُد: قيلَ من الوُدِّ أو مِنْ أدَّت الناقةُ.
آدم: أبو البَشَرِ. قيلَ سُمّيَ بذلكَ لكونِ جَسَدِهِ من أدِيمِ الأرضِ، وقيلَ لِسُمْرَةٍ في لَوْنِهِ: يقالُ: رجلٌ آدَمٌ نَحْوُ أسْمَر. وقيل سُمِّيَ بذلك لِكَوْنِهِ مِنْ عَناصِرَ مُخْتَلِفَةٍ وقُوى مُتَفَرِّقَةٍ، كما قال تعالى: {أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ} [الإنسَان: 2]. ويقالُ: جعلتُ فلاناً أُدْمَةَ أهْلِي، أيْ خَلَطْتُهُ بِهِمْ، وقيل: سُمِّيَ بذلك لما طُيِّبَ به مِنَ الرُّوحِ المَنْفوخِ فيه المذكورِ في قوله: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحِجر: 29] وَجَعَلَ به العَقْلَ والفَهْمَ والرَّوِيَّة التي فُضِّلَ بها على غيرهِ، كما قال تعالى: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسرَاء: 70] وذلك من قَوْلِهِم: الإِدامُ، وهو ما يَطِيبُ به الطَّعامُ.
آده: يقال: آدَهُ، والحمل يؤوده، أوْداً، إذا أثقلَهُ وجَهِدَهُ، قال تعالى: {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} [البَقَرَة: 255]، أي لا يُثقلُه حفظُ السماوات والأرض ولا يُجهدُهُ؛ أو لا يُعجزُهُ حفظُهما.
إذا: يُعَبِّرُ به عن كُلِّ زمانٍ مُسْتَقْبَلٍ، وقد يُضَمَّنُ مَعْنَى الشَّرْطِ فَيُجْزَمُ به، وذلكَ في الشّعْرِ أكثَرُ. وإذْ: يُعَبَّرُ به عن الزَّمانِ الماضي ولا يُجَازَى به إلا إذا ضُمَّ إليه ما نَحْوُ:
إذْ ما أتَيْتَ على الرَّسُولِ فَقُلْ له
أذن: الأُذُنُ: الجارحة التي يتم بها السَّمع وشبِّه به من حيثُ الحَلَقةُ أُذُنُ القِدْرِ وغَيْرها، ويُسْتَعارُ لِمَنْ كَثُرَ اسْتِماعُهُ وقبولُه لما يسْمَعُ. قال تعالى: {وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} [التّوبَة: 61] أي اسْتِماعُهُ لما يَعُود بِخَيْركُمْ، وقوله: {وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} [الأنعَام: 25] إشارةٌ إلى جَهْلِهِمْ لا إلى عَدَمِ سَمْعِهِمْ. وأذِنَ: اسْتَمَعَ {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق: 2] ويُسْتَعْمَلُ ذلك في العلم الذي يُتَوَصَّلُ إليه بالسَّماعِ {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البَقَرَة: 279] والإِذْنُ والأذانُ لما يُسْمَعُ، ويُعَبَّرُ بذلك عن العلْمِ، إذ هو مَبْدَأُ كثِيرٍ منَ العلم فينا {ائْذَنْ لِي وَلاَ تَفْتِنِّي} [التّوبَة: 49]، {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ} [الأعرَاف: 167] أي أَعْلَـمَ، لأن الأَذانُ هو الإعـلامُ {فَقُلْ آذَنْتُكُمْ} [الأنبيَاء: 109] أي أَعْلَمْتُكُمْ. والمُؤَذِّنُ كُلُّ مَنْ يُعْلِمُ بِشَيْءٍ نِداءً: {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ} [يُوسُف: 70]، {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ} [الأعرَاف: 44]، {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحَجّ: 27]. والإِذْنُ في الشيءِ إعْلامٌ بِإجازَتِهِ والرُّخْصَةِ فيه، نَحْوُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النِّسَاء: 64] أيْ بإِرادَتِهِ وأمْرِهِ. وقوله: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عِمرَان: 166] وقوله: {وَمَا هُمْ بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البَقَرَة: 102]، {وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} [المجَادلة: 10] قِيلَ مَعْناهُ بِعِلْمِهِ. لكن بينَ العلْمِ والإِذْنِ فَرْقٌ، فـإنّ الإِذْنَ أخَصُّ ولا يكادُ يُسْتَعْمَلُ إلا فيما فيه مَشِيئَةٌ به راضِياً منه الفِعْلَ أم لم يَرْضَ به، فإِنّ قوْلَه: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} [يُونس: 100] مَعْلُومٌ أنّ فيه مَشِيئَتَهُ وأَمرَهُ. وقوله: {وَمَا هُمْ بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البَقَرَة: 102] فِيهِ مَشِيئَتُهُ مِنْ وَجْهٍ وهو أنَّهُ لا خِلافَ أنَّ اللَّهَ تعالى أوجَدَ في الإنسانِ قُوَّةً فيهـا إمْكانُ قَبُولِ الضَّرَر مِنْ جِهَةِ مَنْ يظْلِمُهُ فَيَضُرُّهُ، ولم يجعَلْهُ كالحَجَرِ الذي لا يُوجِعُهُ مثلاً الضربُ كتعبير عن الضرر. ولا خِلافَ أنّ إيجادَ هذا الإِمكانِ مِنْ فِعلِ الله، فَمِن هذا الوجهِ يَصِحُّ أنْ يُقالَ إنه بِإذْنِ اللَّهِ ومَشِيئتِهِ يَلْحَقُ الضَّرَرُ مِنْ جِهَةِ الظَّالِمِ. والاِسْتِئْذانُ: طَلَبُ الإِذْنِ {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [التّوبَة: 45]. وإِذَنْ جوابٌ وجزاءٌ، ومَعْنَى ذلك أنه يَقْتَضي جواباً أو تقدِيرَ جوابٍ ويَتضمنُ ما يَصْحَبُهُ من الكَلامِ جزاءً. ومَتَى صُدِّرَ به الكلامُ وأتى بعدهَ فعْلٌ مضارعٌ يَنْصبُهُ لا مَحالَةَ. نَحْوُ: إذَنْ أخْرُجَ، ومَتَى تَقَدَّمَهُ كَلامٌ ثم تَبِعَهُ فعْلٌ مُضارِعٌ يَجُوزُ نَصْبُهُ ورَفْعُهُ، نَحْوُ: أنا إذَنْ أخْرُجَ وأخْرُجُ، ومَتَى تَأخَّرَ عنِ الْفعلِ أو لم يكنْ مَعَهُ الفِعْلُ المضارِعُ لم يَعْمَلْ، نَحو: أنا أخْرُجُ إذنْ {إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النِّسَاء: 140].
أذى: الأذَى ما يَصِلُ إلى الإِنْسانِ أو الحَيَوانِ مِنَ الضَّرَرِ، إِمّا في نَفْسِهِ أو جِسمِهِ أو تَبِعاتهِ، دُنْيَويّاً كانَ أوْ أُخْرَوِيّاً {لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} [البَقَرَة: 264]، {فَآذُوهُمَا} [النِّسَاء: 16] إشارَةٌ إلى الضَّربِ، ونَحْوُ ذلكَ في سورةِ التوبَةِ {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} [التّوبَة: 61]، وقوله: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التّوبَة: 61]، {لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} [الأحزَاب: 69]، {وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} [الأنعَام: 34]، {لِمَ تُؤْذُونَنِي} [الصَّف: 5]. وقولُه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيْضِ قُلْ هُوَ أَذىً} [البَقَرَة: 222] فَسُمِّيَ ذلك أذىً باعتبارِ الشرعِ وباعتبارِ الطبِّ. يقال: آذَيْتُهُ أُوذِيهِ إيذاءً وأذيَّةً وأذىً. {فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ} [العَنكبوت: 10] أي: في دين الله.
أرب: الأرَبُ: فَرْطُ الحاجَةِ المُقْتَضي لِلاحْتِيالِ في دَفْعِهِ، فَكُلُّ أرَبٍ حاجةٌ وليس كُلُّ حاجَةٍ أرَباً، ثم يُسْتَعْمَلُ تارَةً في الحاجَةِ المُفْرَدَةِ وتارَةً في الاحْتيالِ، وإنْ لم يكنْ حاجةً، كَقَوْلِهِم: فلانٌ ذُو أرَبٍ، وأرِيبٌ، أي ذو احْتِيالٍ. وقد أرب إلى كذا، أي احْتاجَ إليه حاجَةً شَدِيدَةً، وقد أرِبَ إلى كذا أرَباً وأرْبَةً وإرْبَةً ومَأرَبَةً {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه: 18]، ولا أرَبَ لي في كذا، أي ليس بي شدَّةُ حاجَةٍ إليه. وقَوْلُه: {أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النُّور: 31] كِنايَة عنِ الحاجَةِ إلى النِّكاح، وهِيَ الأرَبَى لِلدَّاهِيَةِ المُقْتَضيَة للاحتِيالِ، قوله تَعَالَى: {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ} [النّحل: 92] الْمَعْنَى: أَنْ تَكُونَ جَمَاعَةٌ هِيَ أرْبَى أَيْ أَكْثَرَ مَالاً وَأَعزَّ نَفَراً من الذين عاهدوهم، فنَقَضُوا عَهْدَ أُولَئِكَ وَحَالَفُوهُا. {إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ} [النّحل: 92] أي بِمَا أَمَرَ مِنَ الْوَفَاءِ بِالعَهْدِ لِيَنْظُرَ المُطِيعَ مِنَ العَاصِي. والإرْبُ بالكسرِ هو العُضو، والجمعُ آراب. رُوِي أنه عليه وعلى آله الصلاةُ والسلامُ قال: «إذا سَجَدَ العَبْدُ سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرابٍ وجْهُهُ وكَفَّاهُ وركُبَتاهُ وقَدَماهُ»(14). ويقالُ: أرَّب نَصِيبَهُ، أيْ عَظَّمَهُ، وذلك إذا جَعَلَهُ قَدْراً يَكُونُ له فيه أرَبٌ، ومنه أرَّبَ مالَهُ، أي كَثَّرَ، وأرَّبْتُ الْعُقْدَةَ: أحْكَمْتُها.
أرض: الأرْضُ: الجِرْمُ المُقابِل لِلسَّماءِ وجمْعُهُ أرَضُون ولا تجيءُ مجموعةً في الْقُرآن الكريم، يُعَبَّرُ بها عن أسْفلِ الشيءِ كما يُعَبَّرُ بالسماءِ عن أعْلاهُ. قال الشاعِرُ في صِفَةِ فَرَسٍ:
وأحْمَرُ كالدّيباجِ أما سَماؤُها فَرَيّا وأمّا أرْضُها فَمَحُولُ
وقولُهُ تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الحَديد: 17] عِبارَةٌ عن كُلِّ تكْوِينٍ بَعْدَ إفْسادٍ، وعَوْدٍ بَعْدَ بَدْءٍ. ولذلك قال بَعْضُ المُفَسِّرينَ: يَعْنِي به تَليينَ القُلُوبِ بَعْدَ قَساوَتِها، والأَرَضَة: الدويبة تأكُلُ الخشبَ والورقَ وغيرهما.
أرم: الإرَمُ عَلَمٌ يُبْنَى من الحِجارَةِ وجَمْعُهُ آرامٌ، وقِيلَ لِلْحجارَةِ أُرَّمٌ، ومنه قِيلَ لِلمُتَغَيِّظِ: يحرق الأُرَّم، وقوله تعالى: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفَجر: 7] إشارَةٌ إلى أعْمِدَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُزَخْرَفَةٍ. وما بها إِرمٌ أو أَرِمٌ: أي أحَدٌ، وأصلُهُ اللازِمُ لِلاَّزِمِ، وخُصَّ به النَّفْيُ كَقَولِهِم: ليسَ بها دَيَّارٌ، وأصلُهُ لِلْمُقيمِ في الدارِ.
أريك: الأرِيكَـةُ: حَجَلَةٌ على سَـريرٍ، جَمْعُـها أرائِكُ، وتَسْمِيَتُها بذلك إمّا لِكَوْنِها في الأَرضِ مُتَّخَذَةً مِن أراكٍ وهو شجر، أو لِكَوْنِها مكاناً لِلإِقامَةِ مِنْ قولِهِم أرَكَ بالمكانِ أُرُوكاً. وأصْلُ الأُرُوكِ الإِقامَةُ على رَعْي الأراكِ، ثم تُجُوّزَ به في غَيْرِهِ مِنَ الإِقاماتِ {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ} [الكهف: 31]، {عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ} [يس: 56]، {عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} [المطفّفِين: 23].
أزّ: الأَزُّ: الإغْراءُ والتَّهيِيجُ. يُقالُ: أزَّهُ يَؤزُّهُ أَزّاً: إذا هزَّهُ ودَفَعَهُ بالتَّهييجِ إلى أمرٍ مِن الأمور. قالَ تَعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مَريَم: 83]، خلينا بينهم وبين الشياطين تهيجهم وتُغْرِيهِمْ بِالمعاصي، أي سلطناهم عليهم لكي يوقعوهم في المهالك.
وأزّتِ القِدْرُ أَزِيزاً: أي أصدرت صوتاً مِنْ شِدَّةِ غليانِها. ومنه الرواية: أنَّ الرسولَ (ص) كان يُصَلّي ولِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كأزيزِ المِرجَلِ لِشدَّةِ البكاءِ(15). وأزَّهُ: أَبْلَغُ مِنْ هَزَّهُ.
أزر: أصْل الإِزْرِ الإزارُ الذي هو اللّباسُ. يقالُ: إزارٌ وإزارةٌ ومئزَرٌ. ويُكَنَّى بالإِزارِ عنِ المرأةِ. قال الشاعِرِ:
ألاَ أَبْلِغْ أبا حَفْصٍ رسولاً فِدىً لَكَ مِنْ أخي ثِقةٍ إزارِي
وتَسْمِيَتُها بذلكَ لِقوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البَقَرَة: 187]. وقوله {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} [طه: 31] أيْ أتَقَوَّى به. والأزْرُ: القُوَّةُ الشَّدِيدَةُ. وآزَرَهُ: أعانَهُ وقَوَّاهُ، وأصْلُهُ منْ شَدّ الإِزارِ {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ} [الفَتْح: 29] يُقالُ: آزَرْتُه فَتَأزَّرَ، أي شَدَدْتُ إزارَهُ، وهو حَسَنُ الأُزْرَةِ، وأزَرْتُ البِناءَ وآزَرْتُه: قَوَّيْتُ أساسَهُ. وتَأزَّرَ النباتُ: طالَ وقَويَ. وآزَرْتُه ووَازَرْتُه: صِرْتُ وزِيرَه، وأصلهُ الواوُ. وفرسٌ آزَرُ: انْتَهَى بياضُ قوائِمِهِ إلى مَوْضِعِ شَدِّ الإِزارِ، وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَِبِيهِ آزَرَ} [الأنعَام: 74] قِيلَ كان اسمُ أبيهِ (تارخَ) فَعُرّبَ فُجعِلَ آزَرَ. وقِيلَ: آزَرُ مَعناهُ الضالُّ في كلامِهِمْ.
أزف: {أَزِفَتِ الآزِفَةُ} [النّجْم: 57] أي دَنَتِ القِيامَةُ، وسُميِّتْ القيامةُ آزِفَةً أي دانيةً لأنَّ كلّ ما هو آتٍ قريبٌ. وأزِفَ وأفِدَ يَتَقاربانِ، لكن أزِفَ يُقالُ اعْتباراً بِضيقِ وَقْتِها. ويُقالُ أزِفَ الشُّخُوصُ. والأزَفُ: ضِيقُ الوقْتِ، وسُمِّيتْ بهِ لِقُرْبِ كَوْنِها، وعلى ذلك عُبِّرَ عنها بِساعَةٍ. وقِيلَ أتَى أمْرُ اللَّهِ، فَعُبِّرَ عنها بِلَفْظِ الماضِي لِقُرْبِها وضيقِ وَقْتِها {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ} [غَافر: 18].
أسر: الأسْرُ: الشَّدُّ بالقَيْدِ، وسُمِّيَ الأَسِيرُ بذلك. ثم قِيلَ لِكُلِّ مَأْخُوذٍ ومُقَيَّدٍ وإن لم يكن مَشْدُوداً. وقِيلَ في جَمْعهِ أَسارَى وأُسارَى وأسْرَى {وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسَان: 8]. ويُتَجَوَّزُ به، فَيُقالُ: أنا أسِيرُ نِعْمَتِكَ. وأُسْرَةُ الرَّجُلِ مَنْ يَتَقَوَّى به {وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ} [الإنسَان: 28] إشارَةٌ إلى حِكْمَتِهِ تعالى في تَراكِيبِ الإِنسانِ المَأمُورِ بِتَأمُّلِها وتَدَبُّرِها في قولِهِ تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} [الذّاريَات: 21] وَهوَ يَعْني: أَنّنَا قوَّيْنَا وَأَحْكَمْنَا خَلْقَهُمْ بِشَدِّ أَوْصَالِهِمْ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ بالعروقِ وَالْعَصَب. وَلَوْلا إحْكَامُ اللَّهِ القويِّ العزيزِ إِيّاها على هَذا التّرتيبِ لَمَا أَمْكَنَ الْعَملُ بها، والاِنْتِفَاعُ مِنْها. وَقِيلَ شَدَدْنَا أَسْرَهُم أَيْ جَعَلْناهُمْ أَقْوِياءَ.
أسّ: يقال: أسّس بنيانَهُ أي جعل له أُسّاً أو أساساً، وهو قاعدتُهُ التي يُبنى عليها. قال تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [التّوبَة: 109]. وجمعُ الأساس: أُسُس. وقيل الأُسُّ: أصلُ كلِّ شيءٍ.
أسف: الأَسَفُ: الحُزْنُ والغَضَبُ مَعاً، وقد يقالُ لكُلِّ واحِدٍ مِنهما على الانفراد، وحَقيقَتُه ثَورانُ دَمِ القلبِ شَهْوَةَ الانتقام، فَمَتى كان ذلكَ عَلَى مَنْ دونَهُ انْتَشَرَ فَصارَ غَضَباً، ومَتَى كان على مَنْ فَوْقَهُ انْقَبَضَ فَصارَ حُزْناً. ولذلِكَ سُئِلَ ابنُ عباسٍ عنِ الحُزْنِ والغَضَبِ، فقال: مَخْرَجُهُما واحِدٌ واللَّفْظُ مُخْتَلِفٌ، فَمَنْ نازَعَ مَنْ يَقْوَى عليه أظْهَرَهُ غَيظاً وغَضَباً ومَنْ نازَعَ مَنْ لا يَقْوَى عليه أظْهَرَهُ حُزْناً وجَزَعاً، وبهذا النَّظَر قال الشاعِرُ:
فَحُزْنُ كُلِّ أخي حُزْنٍ أخُو الغَضَبِ
وقوله تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزّخرُف: 55] أيْ أغْضَبُونا. قال أبو عبدِ اللَّهِ الرضا: إنّ اللَّهَ لا يَأْسَفُ كأسَفِنا، ولكنْ له أوْلياءُ يَأسَفُون ويرضَوْنَ فَجَعَلَ رِضاهمْ رِضاهُ وغضَبَهُمْ غَضبَه. قال: وعلَى ذلِك قال: مَنْ أهانَ لي ولِيّاً فقد بارَزَني بالمُحارَبَةِ. قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النِّسَاء: 80]. وقوله: {غَضْبَانَ أَسِفًا} [الأعرَاف: 150] الأسِفُ: الغضْبانُ، ويُسْتَعارُ لِلْمُسْتَخْدَمِ المُسَخَّر، ولِمنْ لا يكادُ يُسَمَّى، فَيُقالُ: هو أسفٌ، والأَسِيفَةُ الأَمَةُ.
أسن: يقال: أسَنَ الماءُ يَأْسُنُ وأسَنَ يَأسِنُ إذا تَغَيَّرَ رِيحُهُ تَغَيُّراً مُنْكَراً، وماءٌ آسِنٌ: متَغَيِّر الرائحة {مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محَمَّد: 15]. وأسَنَ الرَّجُلُ: مَرضَ، مِنْ أسَنَ الماءُ إذا غُشِيَ عليه. قال الشَّاعِرُ:
يَمِيدُ في الرُّمُحِ مَيْدَ المائِحِ الأسِنِ
وقِيلَ: تَأسَّنَ الرجُلُ، إذا اعْتَلَّ، تَشْبيهاً به.
أسو: الأُسْوةُ والإِسْوةُ كالقُدْوةِ والقِدْوةِ، وهيَ الحالةُ التي يكونُ الإنْسانُ عليها في اتّباعِ غيره إنْ حَسَناً وإنْ قَبِيحاً وإنْ سارّاً وإنْ ضارّاً. ولِهذا قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزَاب: 21] فَوَصَفَها بالحَسَنَةِ. ويُقالُ تَأسَّيْتُ به. والأسَى الحُزْنُ، وحَقِيقَتُهُ اتباعُ الفائِتِ بالغَمِّ، يقالُ أسِيتُ عليه أسىً، وأسِيتُ لهُ {فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [المَائدة: 68]. وقال الشاعرُ:
أسِيتُ لأخْوالي رَبِيعةَ
وأصلُه مِنَ الواوِ لِقولِهِـمْ: رجُلٌ أسـوانٌ، أي حَزِينٌ. والأسْـوُ: إصلاحُ الجُـرْحِ، وأصلهُ إزالـةُ الأسَى نَحْوُ كَربتُ النَّخْـلَ: أزلْتُ الكَربَ عنه. وقـد أسَـوْتُه آسُوهُ أسْواً. والآسي طبيبُ الجُرْحِ، جَمعُه إساءٌ وأُساةٌ، والمَجروحُ: مَأْسيٌّ وأسِيٌّ مَعاً. ويقالُ أسَيْتُ بَيْنَ القومِ، أي أصْلَحْتُ. وآسَيْتُه. قال الشاعِرُ:
آسى أخاهُ بِنَفْسِهِ
وقال آخر:
فآسَى وآذاهُ فكانَ كَمَنْ جَنَى والآسي: فاعِلٌ مِنْ قولِهِمْ يُواسي.
أشر: الأَشَرُ: شِدَّةُ البَطَر، وقد أشِرَ يأشَرُ أشَراً {سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الأَشِرُ} [القَمَر: 26]. فالأشَرُ أبْلَغُ مِنَ البَطَرِ، والبَطَرُ أبْلَغُ مِنَ الفَرَحِ، فإنَّ الفَرَحَ وإن كان في أغْلَبِ أحوالهِ مَذْمُوماً لِقَولِه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القَصَص: 76] فقد يُحْمَدُ تارةً إذا كان عَلَى قَدْرِ ما يَجِبُ وفي المَوْضِعِ الذي يَجِبُ، كما قال تعالى: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يُونس: 58] وذلك أنَ الفَرَحَ قد يكونُ مِن سُرورٍ بِحَسَبِ قَضِيَّةِ العقلِ، والأشَرُ لا يكونُ إلا فَرَحاً بِحَسَبِ قَضِيَّةِ الهَوَى.
أَصَدَ: أصدَ أصداً وآصدَ وأَوْصَد البابَ: أغلقه. والباب مؤصد: مغلق. {عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ} [البَلَد: 20]: يَعني أنَّ أبوابَ جهنَّم مُطبقةٌ فلا يُفتح لهم باب، ولا يَخرج منها روحٌ آخر إلى الأبد {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} [الهُمَزة: 8] يعني: إنها على أهلها مطبقة.
أصر: الإصْرُ عَقدُ الشيءِ وحَبْسُه بِقَهْرِهِ. يُقالُ أصَرْتُهُ فهو مَأْصورٌ. والمَأْصَرُ والمَأْصِرُ: مَحْبَسُ السفينةِ. {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ} [الأعرَاف: 157] أي الأمورَ التي تُثَبِّطُهم وتُقَيِّدُهم عنِ الخَيراتِ وعنِ الوُصولِ إلى الثَّواباتِ، وعلى ذلكَ {وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا} [البَقَرَة: 286] أي إثْماً أو أمراً ثقيلاً يصعُبُ علينا حَمْلُهُ. والإِصْرُ: العهدُ المؤكَّدُ الذي يُثَبِّطُ ناقضَه عنِ الثوابِ والخيراتِ. {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} [آل عِمرَان: 81] أي عهدي وموثقي، الإِصارُ: الطُّنُبُ والأوْتادُ التي بها يُعْمَدُ الْبَيْتُ؛ وما يَأْصِرُنِي عنكَ شيءٌ، أي ما يَحْبِسُنِي، والأيْصَرُ: كِساءٌ يُشَدُّ فيه الحَشِيشُ فَيُثْنَى على السَّنامِ لِيُمكنَ ركُوبُهُ.
أصل: {بِالْغَدُوِّ وَالآصَالِ} [الأعرَاف: 205] أي العَشايا. يُقالُ لِلعَشيَّةِ أصيلٌ وأصِيلَةٌ، فَجَمْعُ الأصِيلِ أُصُلٌ وآصالٌ، وجمعُ الأصِيلَةِ أصائِلُ {بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفُرقان: 5]. وأصلُ الشيءِ قاعِدَتُه، {أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم: 24]. وقد تَأصَّلَ كذا، ومَجْدٌ أصِيل، ويقال فُلانٌ «لا أصْلَ له ولا فَصْلَ» فالأصل الحسب والفصل اللسان.
أف: أصلُ الأُفِّ كُلُّ مُسْتَقْذَرٍ مِنْ وَسَخٍ وقُلامَةِ ظُفُرٍ وما يَجْرِي مَجْراهُما، ويُقالُ ذلكَ لِكُلِّ مُسْتَخَفٍّ اسْتِقْذاراً له {أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الأنبيَاء: 67]. وقد أفَّفْتَ لِكَذا، إذا قُلْتَ ذلك اسْتِقْذاراً له، ومنْهُ قيلَ لِلضَّجِرِ مِن اسْتِقْذارِ شيءٍ: أفَّفَ فُلانٌ.
أفق: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ} [فُصّلَت: 53] أي في نواحِي الأرضِ والسماء، الواحِدُ أُفْقٌ وأُفُقٌ، ويقالُ في النِّسْبَةِ إليه أُفُقيٌّ، وقد أفِقَ فلانٌ، إذا ذهبَ في الآفاقِ. وقِيلَ: الآفِقُ الذي يَبْلغُ النهايةَ في الكرَمِ تَشْبِيهاً بالأُفُقِ الذَّاهِبِ في الآفاقِ.
أفك: الإِفكُ: كُلُّ مَصْروفٍ عن وَجْهِهِ الذي يَحِقُّ أنْ يكونَ عليه؛ ومنه قِيلَ للرِّياحِ العادِلَةِ عن المَهابِّ مُؤْتَفِكَةٌ، وَللقُرى الفاسدة أو الظالمة، وَمِنْهَا قُرَى قَوْمِ لُوط؛ قال تعالى: {وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ} [الحَاقَّة: 9]، وقال: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} [النّجْم: 53]. وقوله تعالى: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التّوبَة: 30] أيْ يُصْرَفُونَ عن الحَقِّ في الاعْتِقادِ إلى الباطِلِ، ومِنَ الصِّدْقِ في المقَالِ إلى الكَذِبِ، ومِنَ الجَميلِ في الفِعلِ إلى القَبِيحِ، ومنه قَوْلُهُ تعالى: {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} [الذّاريَات: 9]، {أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المَائدة: 75]، {أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا} [الأحقاف: 22] فاسْتَعْمَلُوا الإِفْكَ في ذلك لمَّا اعْتَقَدُوا أنّ ذلك صَرْفٌ مِنَ الحَقِّ إلى البَاطِلِ، فَاسْتُعْملَ ذلك في الكَذبِ. قال: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} [النُّور: 11]، {لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الجَاثيَة: 7]، وقَوْلُه: {أَإِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ} [الصَّافات: 86] فَيَصِحُّ أنْ يُجْعَلَ تَقْدِيرُهُ: أتُرِيدُونَ آلِهَةً مِنَ الإِفْكِ، ويَصِحُّ أنْ يُجْعَلَ (إفْكاً) مَفْعُولَ تُريدُونَ ويُجْعَلَ (آلِهَةً) بَدَلاً منه، ويكونُ قد سَمَّاهُمْ إفْكاً. ورَجُلٌ مَأْفُوكٌ: مَصْروفٌ عنِ الحَقِّ إلى الباطِلِ. قال الشاعرُ:
فإنْ تَكُ عن أحْسَنِ المَرُوءةِ مَأْفُوكاً
وأفِكَ يُؤْفَكُ: صُرِفَ عَقْلُهُ، ورَجُلٌ مَأْفُوكُ العَقلِ: ذَهَبَ عَقْلُهُ.
أفل: الأُفُولُ: غَيْبُوبَةُ النَّيِّراتِ كالقمَرِ والنُّجُومِ، فكُلّ ما غابَ فهو آفِلٌ؛ {فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعَام: 76]، {فَلَمَّا أَفَلَتْ} [الأنعَام: 78].
أقت: أُقِّتَ فهو مؤقَّت، مبدل من وُقِّتَ أي حُدِّدَ، قوله تعالى: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ} [المُرسَلات: 11] أي جُمِعَتْ لوقتٍ معينٍ.
أكل: الأكْلُ تَناولُ المَطْعَمِ، وعلى طَرِيقِ التَّشْبِيه بهِ قيلَ: أكَلَتِ النارُ الحَطَبَ. والأُكُلُ لما يُؤْكَلُ بِضَمّ الكافِ وسُكُونِهِ {أُكُلُهَا دَائِمٌ} [الرّعد: 35] أي لا ينقطع، وهي الدار الآخرة. {ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ} [سَبَإ: 16] خمط: شجر من شوك. أي كان شجرهم مثمراً من أجمل الأثمار فأبدلهم الله بعد أن غضب عليهم بشجر من شوك ومثله. وأكل فلانٌ فلاناً: اغْتابَهُ. وكذا أكَلَ لَحْمَه {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} [الحُجرَات: 12].
وَعُبِّرَ بالأكْلِ عن إنفاق المالِ لَمَّا كان الأكْلُ أعْظَمَ ما يُحْتاجُ فيه إلى المالِ {وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البَقَرَة: 188]، {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النِّسَاء: 10] فأكْلُ المالِ بالباطِلِ: صَرْفُهُ إلى ما يُنافِيهِ الحَقُّ. وقوله تعالى: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النِّسَاء: 10] تَنْبيه على أنّ تَناوُلَهُمْ لذلك يُؤَدِّي بِهِمْ إلى النارِ. {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ} [المَائدة: 75] والمعنى أنه من ولدته النساء ويأكل الطعام لا يكون إلهاً للعباد لأنه هو نفسه بحاجة إلى الصانع المدبّر. أي أنهما كانا بحاجة إلى الغذاء كبقية الخلق، وأكل الطعام كناية عن قضاء الحاجة لأن من أكل الطعام لا بدّ له من الحدث. ولما ذّكر الأكل صار كأنه أخبر عن عاقبته. والأكولُ والأكَّالُ: الكثيرُ الأكْلِ {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المَائدة: 42]. والأَكَلَةُ جَمْعُ آكلٍ. وقولُهم: هم أكَلَةُ رَأسٍ عِبارةٌ عن ناسٍ مِنْ قِلَّتِهِم يُشْبِعُهُمْ رَأسٌ. وقد يُعَبَّرُ بالأَكْلِ عن الفَسادِ، نحوُ: {كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفِيل: 5] وتَآكلَ كذا: فسدَ وأصابه إكالٌ في أسنانِهِ.
ألّ: الإِلُّ العَهْدُ، مأخوذٌ مِن الأليلِ وَهُوَ البَرِيق. يقالُ: ألَّ يؤلُّ إلاًَّ إذا لَمَعَ. وَكُلُّ حالَةٍ مِنْ عَهْدٍ لِحِلْفٍ أوْ قرَابةٍ يقالُ: تَئِلُّ، وقوله: {لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً} [التّوبَة: 10]، {لاَ يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً} [التّوبَة: 8] أي لا يحفظون ولا يراعون فيكم قرابةً ولا عهداً.
الألم: الوَجَعُ الشديدُ. يُقالُ أَلم يَألَمُ ألَماً فهو آلِمٌ {فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} [النِّسَاء: 104]. وقد آلَمْتُ فلاناً. وعذابٌ ألِيمٌ أي مُؤْلِمٌ. وقولُهُ: ألَمْ يَأتِكمْ، فهو ألِفُ الاستفْهامِ، وقد دَخَلَ على لَمْ.
آل: الآلُ: قِيلَ مقلوبٌ عنِ الأهلِ، ويُصَغَّرُ على أُهيلٍ إلا أنه خُصَّ بالإِضافةِ إلى أعْلامِ النَّاطِقينَ دونَ النكراتِ ودونَ الأزْمِنَةِ والأمكِنةِ، يقالُ آلُ فُلانٍ، ولا يقالُ آلُ رجلٍ ولا آلُ زمانِ كذا أو مَوْضِعِ كذا، ولا يقالُ آلُ الخيَّاطِ، بل يُضافُ إلى الأشْرَفِ الأفْضَلِ. يقالُ آلُ اللَّهِ وآلُ السُّلطانِ، والأهلُ يُضافُ إلى الكُلِّ، يقالُ أهلُ اللَّهِ وأهلُ الخيّاطِ كما يقالُ أهلُ زَمَنِ كذا وبَلَدِ كذا، وقِيلَ: هو في الأصْلِ اسمُ الشَّخْصِ ويُصَغَّرُ أُوَيْلاً ويُسْتَعْمَلُ فِيمَنْ يَخْتَصُّ بالإِنسانِ اخْتِصاصاً ذاتِيّاً إمّا بِقرابةٍ قريبة أو بمُوالاةٍ {وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ} [آل عِمرَان: 33]، {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غَافر: 46]. قِيلَ وآلُ النبيِّ، عليه الصلاةُ والسلامُ، أقارِبُهُ، وقِيلَ المُخْتَصُّونَ به من حيث العِلْمُ، وذلك أنّ أهلَ الدِّينِ صنفانِ: صنف مُتَخَصِّصٌ بالعِلمِ المُتْقَنِ والعملِ المُحْكَمِ فَيُقالُ لَهُمْ آلُ النبيِّ وأمّتُه، وصنف يختصونَ بالعلمِ على سبيلِ التقليدِ ويقالُ لهم أمّةُ مُحمدٍ عليه وعلى آله الصلاةُ والسلامُ، ولا يقالُ لهم آلهُ فَكُلُّ آلٍ لِلنبيِّ أمَّةٌ له، وليس كُلُّ أمّةٍ له آلَه. وقيلَ لِجَعفرٍ الصادِقِ رضي الله عنه: النَّاسُ يقولونَ: المسلِمون كُلُّهم آلُ النبيِّ عليه وعلى آله الصلاةُ والسلامُ. فقال كَذَبُوا وصدقُوا، فقيلَ له ما مَعْنى ذلك؟ فقال كَذَبُوا في أنّ الأمّةَ كافَّتَهم آلُه وصدقُوا في أنَّهُم إذا قامُوا بِشرائِطِ شَريعَتِهِ آلُه. وقولُه تعالى: {رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} [غَافر: 28] أي مِنَ المُخْتَصِّينَ به وبِشَريعَتِهِ، وجَعَله منهم من حيثُ النَّسَبُ أو المسكنُ، لا مِنْ حيثُ تقديرُ القومِ أَنَّهُ على شريعَتِهِم. والآلُ: الحالُ التي يُؤولُ إليها.
وقيلَ لما يَبْدُو منَ السَّرابِ آلٌ، وذلك لِشَخْصٍ يَبْدُو مِنْ حيثُ المَنْظَرُ وإنْ كان كاذِباً أو لِتَرَدُّدِ هَواءٍ وتَمَوُّجٍ فيكونَ من آل يَؤولُ. وآلَ اللَّبَنُ يؤولُ: إذا خَثَرَ، كَأنَّهُ رُجوعٌ إلى نُقْصانٍ كقولِهِم في الشيءِ النَّاقِصِ: راجِعٌ. وَالْخُثورَةُ ضِدُّ الرِّقَّة.
أَلت: أَلَتَه يَأْلتُه حَقَّهُ: أي نَقَصَهُ إيَّاهُ. قالَ اللَّهُ تعالى: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطُّور: 21] أي: ما نَقَصْناهم مِنْ ثَوابِ أَعْمالهم. ومِثْلُه وبمعناه: وَلَتَهُ، يَلِتُهُ وَلْتاً: يَعني نَقَصَهُ مِنْ حَقِّهِ. قالَ اللَّهُ تعالى: {لاَ يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} [الحُجرَات: 14] أي لا ينقصُ شَيْئاً مِنْ أَجْرها وثَوابها.
ألف: الألِفُ: من حُرُوفِ التَّهَجِّي. والإِلْفُ اجْتماعٌ مع التئامٍ، يُقالُ ألَّفْتُ بَيْنَهُم، ومنه الأُلْفَةُ. ويقال لِلمأْلوفِ إلْفٌ وآلِفٌ {إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} [آل عِمرَان: 103]، {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفَال: 63]. والمُؤلَّفُ ما جُمِعَ مِنْ أجْزاءٍ مُخْتَلِفَةٍ ورُتِّبَ تَرْتِيباً قُدِّمَ فيه ما حَقُّهُ أنْ يُقَدَّمَ وأُخِّرَ فيه ما حَقُّهُ أنْ يُؤَخَّرَ. {لإِِيلاَفِ قُرَيْشٍ} [قُرَيش: 1] مَصْدَرٌ مِنْ ألَّفَ. والإيلافُ نقيضُ الإيحاشُ ونظيرُهُ الإيناس. و {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التّوبَة: 60] همُ الذينَ يُتَحَرَّى فيهم بتَفَقُّدِهِم أن يصيرُوا منْ جُمْلَةِ مَنْ وَصَفَهُمُ الله {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفَال: 63]. وأوالِفُ الطَّيْرِ: التي تألفُ الديار. والألْفُ العَدَدُ المَخصوصُ، وسُمّيَ بذلكَ لكونِ الأعدادِ فيه مُؤْتَلِفَةً، فإنَّ الأعدادَ أربعةٌ: آحادٌ وعشراتٌ ومِئُونَ وألوفٌ، فإذا بَلَغَتِ الألْفَ فقد ائتَلَفَتْ، وما بعدَهُ يكونُ مكرّراً. قال بعضُهم: الألْفُ مِنْ ذلكَ لأنه مبدأ النّظامِ. وقيلَ آلَفْتُ الدَّراهِم، أي بَلَغْتُ بها الألْفَ، نحو مَاءَيْتُ. وآلَفَتْ هي نحو آمَأَتْ.
ألك: الملائِكةُ، وملَكٌ أَصلُه مَأْلَكٌ، وقِيلَ هو مقلوبٌ عَنْ مَلأَكٍ، والمَأْلَكُ والمَأْلكةُ والألوكُ: الرّسالةُ، ومنه ألِكْني، أي أبْلِغْهُ رسالتي، والملائِكةُ تَقَعُ على الواحِدِ والجمْعِ {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً} [الحَجّ: 75] قال الخلِيلُ: المَأْلكَةُ: الرِّسالَةُ لأنها تُؤْلَكُ في الفَمِ من قولِهِ: فَرَسٌ يَأْلُكُ اللجامَ ويَعْلكُ.
أله: اللَّهُ: قِيلَ أصْلُهُ إلهٌ فَحُذِفَتْ هَمْزَتُهُ وأدْخِلَ عليه الألِفُ واللاَّمُ، فَخُصَّ بالبارِي تعالى، ولِتَخَصُّصِهِ به قال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مَريَم: 65]. وإلهٌ: جَعَله كثير من شعوب الارض اسْماً لِكُلِّ مَعْبُودٍ لَهُمْ، وكَذا الذَّاتُ، فسَمَّوُا الشَّمْسَ مثلاً إلاهَةً لاتخاذِهِمْ إيَّاها مَعْبوداً. وألَهَ فُلانٌ يَألَهُ: عَبَدَ، وقِيلَ تألَّهَ. فالإِلهُ على هذا هو المَعْبُودُ، وقِيلَ هو من ألهَ أي تَحيَّرَ. وتَسْمِيَتُهُ بذلك إشارةٌ إلى ما قال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه: «كَلَّ دُونَ صفاتِهِ تَحْبِيرُ الصِّفاتِ وضَلَّ هُناكَ تَصارِيفُ اللُّغاتِ» وذلكَ أنّ العَبْدَ إذا تَفَكَّرَ في صفاتِهِ تَحَيَّرَ فيها، ولهَذَا رُوِيَ: «تَفَكَّرُوا في خَلْقِ اللَّهِ ولا تَفَكَّرُوا في اللَّهِ»(16). وقِيلَ أصلُهُ وِلاهٌ فأُبْدِلَ منَ الواوِ هَمْزَةٌ، وتَسْمِيتُهُ بذلِكَ لكوْنِ كُلِّ مَخْلوقٍ والهاً نَحْوَه إمّا بالتَّسْخير فَقَطْ كالجمادات والحيواناتِ، وإمّا بالتَّسْخِيرِ والإِرادةِ مَعاً كالنـاسِ. ومِنْ هـذا الوجْهِ قيـلَ: اللّهُ مَحْبُـوبُ الأشـياءِ كُلِّها، وعليـه دلَّ قولُه تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسرَاء: 44] وقِيلَ أصلُه من لاَهَ يَلُوه لِياهاً أي احْتَجَبَ. قالوا وذلك إشارةٌ إلى ما قال تعالى: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعَام: 103] والمشارُ إليه بالباطِنِ في قوله: {وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحَديد: 3]. وإلهٌ، حَقُّهُ أن لا يُجْمَعَ إذ لا معبودَ سِواهُ، لكنِ العَرَبُ لاعْتقادهِمِ أنَّ ههنا مَعْبَوداتٍ جَمَعُوهُ فقالـوا الآلهَةُ {أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا} [الأنبيَاء: 43]، {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الأعرَاف: 127]. ولاهِ أنْتَ أي: للَّهِ وحُذِفت إحْدى اللاَّمَيْنِ. اللَّهُمَّ قيلَ: معناهُ يا أللَّهُ فَأُبْدِلَ مِنَ الياءِ في أوَّله الميمانِ في آخِرِهِ وخُصَّ بدعاءِ اللَّهِ، وقِيلَ تَقْدِيرُهُ يا أللَّهُ أُمَّنا بِخَيْرٍ، أو اعْتِرافاً وإِقْراراً بصفاتِهِ وأسمائِهِ الحسنى في قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عِمرَان: 26]، أو قوله تعالى: {اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الزُّمَر: 46].
إلى: إلى: حرفٌ يُحَدُّ به النّهايَةُ مِنَ الجوانبِ السِّتَّةِ، وألَوْتُ في الأمْرِ من ألَى، أي قَصَّرْتُ فيه، هو منهُ كأنَّهُ رأى فيه الانتهاءَ، وألَوْتُ فُلاناً أي أوْلَيْتُه تقصِيراً نحو كَسَبْتُه أي أوْلَيْتُه كَسْباً وما ألَوتُه جُهْداً، أيْ ما أوْلَيْتهُ تَقْصيراً بحَسَبِ الجُهْدِ. فَقَوْلُكَ جُهْداً تَمْييزٌ، وكذلكَ: ما أَلوْتُهُ نُصْحاً، وقوله تعالى: {لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} [آل عِمرَان: 118] منه، أيْ لا يُقَصِّرونَ في جَلْبِ الخَبالِ. وقال تعالى: {وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} [النُّور: 22] أَيْ لا يُقصِّرْ أُولُو الفَضْلِ في إِيتاءِ أُولي القُرْبَى، وقِيلَ هو مِنْ أَليْتُ، حَلَفْتُ. وقِيلَ نَزَلَ ذلكَ في أبي بَكْرٍ رَضي الله عنه، وكان قد حَلَفَ على مِسْطَحٍ أنْ يَزْوِيَ عَنْهُ فَضْلَهُ، وحَقِيقَةُ الإِيلاءِ والألِيَّةِ الحَلفُ المُقْتَضِي لتقصيرٍ في الأمر الذي يُحْلَفُ عليه، وجُعِلَ الإِيلاءُ في الشَّرْعِ للحَلفِ المانِعِ من جَماعِ المرأةِ، قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البَقَرَة: 226] أي يحلفون أنْ لا يجامعوهنَّ، وكَيْفِيَّتُهُ وأحْكامُه موجودةٌ في كتابِنَا: مَجموعَةُ الأَحْكامِ الشَّرعِيَّةِ الميَسَّرة.
وآلاءُ الله: نِعَـمُ الله تَعـالى أو أَنْعُمُهُ. قال عـزَّ وجـلَّ: {فَاذْكُرُواْ آلاَءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأعرَاف: 69]. وقال تبارك وتعالى: {فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرَّحمن: 13] أي فَبِأَيِّ أَنْعُمِ اللَّهِ ربِّكما ـ أَيُّها الإنسُ والجنُّ ـ تَجْحَدانِ وَتُكَذّبان؟ وأَلاَ: لِلاِسْتِفْتاح. وإلاَّ: لِلاِسْتِثْناءِ. وأولاءِ في قولِهِ تعالى {هَاأَنْتُمْ أُولاَءِ تُحِبُّونَهُمْ} [آل عِمرَان: 119] كما قولِه أولئكَ، اسْمٌ مُبْهمُ موضوعٌ للإِشارةِ إلى جَمْعِ المُذَكَّرِ والمُؤنَّث ولا واحِدَ له مِنْ لفْظِهِ وقد يُقْصَرُ نحوُ قولِ الأعشى: هَؤُلاَ ثم هَؤُلاَ كُلاًَّ أعطيتُ نَوَالاً مَحْذُوَّةً بِمِثالِ.
أمت: أمَتَ الشيءَ أمتاً: قدّرَهُ وحَزَرَهُ، وأمتَّ الشيءَ تَأْميتاً: مَوَّره وحَزَرَهُ، يقال «هو إلى أَجَلٍ مأموتٍ» أي مُؤَقّتٍ. الأَمْتُ: المكانُ المرتفع، والروابي الصِّغار، والانْخِفَاض والارتفاع. قوله تعالى: {لاَ تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلاَ أَمْتًا } [طه: 107] أي ليس فيها منخفض ولا مرتفع. وقيل: لا ترى فيها وادياً ولا رابية.
أمد: {تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} [آل عِمرَان: 30]. الأمَدُ والأبَدُ يَتَقارَبانِ لكِنِ الأبَدُ عِبارَةٌ عن مُدَّةِ الزَّمان التي ليس لهَا حَدٌّ مَحْدُودٌ ولا يَتَقَيَّدُ، لا يُقالُ أبَدُ كذا. والأمَدُ مُدَّةٌ لهَا حَدٌّ مَجْهُولٌ إذا أُطْلِقَ، وقد يَنْحَصِرُ نَحْو أنْ يقالَ: أمَدُ كذا كما يُقالُ زمانُ كذا. والفَرْقُ بين الزمانِ والأمَدِ أنّ الأمَدَ يقالُ باعْتِبارِ الغايَةِ، والزَّمانُ عامٌّ في المَبْدَإ والغايَةِ.
أمر: الأمْرُ: الشَّأْنُ، وجَمْعُهُ أُمُورٌ ومَصْدَرُ أمَرْتَهُ إذا كَلَّفْتَهُ أنْ يَفْعَلَ شَيْئاً، وهو لَفْظٌ عامٌّ للأفْعالِ والأقْوالِ كُلِّها، وعلى ذلك قولُه تعالى: {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ} [هُود: 123]، {قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عِمرَان: 154]، {يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عِمرَان: 154]، {وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} [البَقَرَة: 275]. ويُقالُ لِلإِبْداعِ أمْرٌ، نَحْوُ: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعرَاف: 54]، ويَخْتَصُّ ذلك بالله تعالى مِنْ دُونِ الخَلائِقِ، وقد حُمِلَ على ذلك قولهُ: {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} [فُصّلَت: 12]، وعلى ذلك حُمِلَ قَوْلُه: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسرَاء: 85] أيْ مِنْ إبْداعِهِ، أو هو شأن خاصٌّ بالله لا علاقة للبشر بمعرفة كنهه. وقوله: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [النّحل: 40] فإشارَةٌ إلى إبْداعِهِ. وَعَبَّرَ عنه بأقْصَرِ لَفْظَةٍ وأبْلَغِ تعبير «كن»، وعلى ذلك قوْلُهُ: {وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ} [القَمَر: 50] فَعبَّرَ عن سُرْعَةِ إيجادِهِ بأسْرَع ما يُدركُه وَهْمُنا. والأمْرُ: التَّقَدُّمُ بالشَّيءِ سَواء أكان ذلك بقَوْلِهِم افْعَلْ ولْيَفْعَلْ، أم كان ذلك بِلفْظِ خَبَرٍ نَحْوُ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البَقَرَة: 228]، أم كان بِإشارَةٍ أو غَيْرِ ذلكَ، ألا تَرَى أنه قدْ سَمَّى ما رَأى إبْراهِيمُ في المَنامِ مِنْ ذَبْحِ ابْنهِ أمْراً، حَيْثُ قال: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصَّافات: 102] فَسَمَّى ما رَآهُ في المَنامِ مِنْ تَعاطي الذَّبْحِ أمْراً. وقولهُ: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ } [هُود: 97] فعامٌّ في أقْوالِهِ وأفْعالهِ. وقولهُ: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النّحل: 1] إشارَةٌ إلى القِيامَةِ، فَذَكَرَهُ بأعَمّ الألْفاظِ. وقوله: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} [يُوسُف: 18] أيْ ما تَأْمُرُ النَّفْسُ الأمّارَةُ بالسُّوءِ من أمور، وهو من الأَمّارَ أي المُغْري أو كثيرُ الأَمْرِ. وقِيلَ: أمِرَ القوْمُ: كَثُرُوا، وذلك لأَنّ القومَ إذا كَثُرُوا صارُوا ذوي أمِيرٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ لا بُدَّ لَهُمْ مِنْ سائِسٍ يَسُوسُهُمْ، ولذلك قال الشَّاعِر:
لا يَصْلُحُ الناسُ فوْضَى لا سَراةَ لَهُمْ
وقولُهُ تعالى: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} [الإسرَاء: 16] أي أمَرْناهُمْ بالطَّاعَةِ وقِيلَ معناهُ كَثَّرناهُمْ. وقال أبو عَمْرو: لا يُقالُ أمَرْتُ بالتَّخْفِيفِ، في مَعْنَى كَثَّرْتُ، وإنَّما يقالُ أمَّرْتُ وآمَرْتُ. وقال أبُو عُبَيْدَةَ: قد يقالُ أمَرْتُ بالتَّخْفِيفِ نَحْوُ: خَيْرُ المالِ مُهْرَةٌ مَأْمُـورَةٌ، وسـكَّـةٌ مَأبُورَةٌ. وفِعْلهُ أمَـرْتُ. وقُرِىءَ أمَّرْنـا أي جَعَلنـاهُمْ أمَـرَاءَ، وعلى هذا حُمِلَ قولُه تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} [الأنعَام: 123] وقُرىء أمَّرْنا بمعْنَى أَكثَرْنا، والائتمارُ قبولُ الأمْر، ويُقالُ لِلتَّشاوُرِ ائْتِمارٌ، لِقبولِ بَعْضِهِمْ أمْرَ بَعْضٍ فِيما أشارَ به. قال تعالى: {إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ} [القَصَص: 20]. قال الشاعِرُ:
وأمَرْتُ نَفْسي أيَّ أمْرٍ أفْعَلُ
وقولُه تعالى: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا } [الكهف: 71] أي مُنْكَراً، مِنْ قولِهِمْ أمِرَ الأمْرُ، أي كَبُرَ وكَثُرَ، كقولِهِم اسْتَفْحَلَ الأمْرُ. وقولهُ: {وَأُولِي الأَمْرِ} [النِّسَاء: 59] قِيلَ عَنَى الأُمَرَاءَ في زمنِ النبيّ عليه وعلى آله الصلاةُ والسلامُ، وقِيلَ: الأئِمَّةُ مِنْ أهْلِ البيتِ، وقِيلَ: الآمِرونَ بالمَعْرُوفِ. وقال ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: هُمُ الفُقَهاءُ وأهْلُ الدِّينِ المُطِيعونَ للَّهِ. وكُلُّ هذه الأقْوالِ صَحِيحَةٌ، ووجهُ ذلكَ أنّ أولي الأمْر يكونون مِنَ العلماءِ والرُّؤساءِ الذينَ بِهِمْ يَرْتَدِعُ الناس.
أمّ: الأُمُّ: بإزاءِ الأبِ، وهي الوالِدَةُ القَريبَةُ التي وَلَدَتْهُ والبَعِيدَةُ التي وَلَدَتْ مَنْ ولَدَتْهُ، ولهذا قِيلَ لحوّاءَ هِيَ أُمُّنا، وإن كانَ بَيْنَنا وبَيْنَها وسائِطُ. ويُقالُ لِكلِّ ما كان أصْلاً لِوُجُودِ شيءٍ أو تَرْبِيَتِهِ أو إصْلاحِهِ أو مَبْدَئِهِ أُمّاً. قال الخلِيلُ: كُلُّ شيءٍ ضُمَّ إليه سائِرُ ما يَلِيهِ يُسَمَّى أُمّاً، {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ} [الزّخرُف: 4] أي اللَّوْحِ المحفوظِ، وذلك لِكَوْنِ العُلُومِ كُلِّها مَنْسُوبَةً إليه ومُتَوَلِّدَةً مِنْهُ، وقِيلَ لمَكَّةَ أُمُّ القُرَى، وذلكَ لِمَا رُوِيَ أنّ الدُّنْيا دُحِيَتْ مِنْ تَحْتِها {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الشّورى: 7]. وأمُّ النُّجُومِ المَجَرَّةُ، قال الشاعر:
حيث اهْتَدَتْ أمُّ النُّجُومِ الشَّوابِكِ
وقِيلَ أمُّ الأضْيافِ وأمُّ المساكِينِ، كقولِهِمْ أبُو الأضْيافِ. ويقالُ للرَّئيسِ أمُّ الجَيْشِ كقولِ الشاعِرِ:
وأمُّ عِيالٍ قد شَهِدْتُ نُفُوسَهُمْ
وقِيلَ لِفاتِحَةِ الكِتابِ أمُّ الكِتابِ، لِكَوْنِها مَبْدأ الكِتابِ. وقولُه تعالى: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } [القَارعَة: 9] أي مَثْـواهُ الـنـارُ، فَجَعَـلَهـا أمّـاً لـه. قـال وهـو نحـوُ مَـأواكُـمُ النـارُ، وسَمَّى اللَّهُ تعالى أزواجَ النبيّ (ص) أمَّهاتِ المُؤْمِنِينَ، فقال {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزَاب: 6] لما تَقَدَّمَ في الأبِ. وقال يا ابنَ أمَّ، وكذا قولُه وَيْلُ أمِّهِ، وكذا هَوَتْ أمُّهُ.
والأمَّةُ كُل جماعَةٍ يَجْمَعُهُم أمْرٌ ما، إمَّا دِينٌ واحِدٌ أو زمانٌ واحِدٌ أو مكانٌ واحِدٌ، سواء كان ذلك الأمْرُ الجَامِعُ تَسْخِيراً أو اخْتياراً، وجَمْعُها أمَمٌ. وقولُه تعالى: {وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعَام: 38] أي كُلُّ نَوْع مِنها على طَرِيقَةٍ قد سَخَّرَهَا الله عليها بالطَّبْعِ، فَهيَ مِنْ بَيْنِ ناسِجَةٍ كالعنكبوتِ ومُتْلفةٍ كالسَّرفَةِ ومُدَّخِرَةٍ كالنَّمْلِ ومُعْتَمِدَةٍ على قُوتِ وقْتِهِ كالعُصفُورِ والحمامِ، إلى غَيرِ ذلكَ مِنَ الطَّبائِعِ التي تَخَصَّصَ بها كُلُّ نَوْعٍ. وقولُه تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [البَقَرَة: 213] أي صِنْفاً واحِداً وعلى طَرِيقَةٍ واحدَةٍ في الضَّلالِ والكُفْرِ. وقولهُ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} [هُود: 118] أي في الإِيمان،ِ وقولُه: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} [آل عِمرَان: 104] أيْ جَمَاعَةٌ يَتَخَيَّرُونَ العِلمَ والعَمَلَ الصالِحَ يَكُونُونَ أسْوَةً لِغَيْرِهِم. وقولُه: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزّخرُف: 22] أي على دِينٍ جامع. قال الشاعر:
وهل يَأْثَمَنْ ذُو أُمَّةٍ وهوَ طائِعُ
وقوله تعالى: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يُوسُف: 45] أيْ بعد حينٍ. وحقيقَةُ ذلك: بَعْدَ انْقضاءِ أهْلِ عَصْرٍ أو أهْلِ دِينٍ. وقولُه: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} [النّحل: 120] أي قائماً مَقامَ جماعَةٍ في عِبادةِ اللَّهِ نَحْوُ قَوْلِهِم فلانٌ في نَفْسِهِ قَبِيلَةٌ. ورُوِيَ أنه يُحْشَرُ زَيْدُ بنُ عَمرو بنِ نُفَيْلٍ أمَّةً وَحْدَهُ(17). وقولُه تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَةٌ قَائِمَةٌ} [آل عِمرَان: 113] أي جماعَةٌ. وجَعَلَها الزَّجَّاجُ هَهُنا لِلاِسْتِقامَةِ، وقال: تَقْدِيرُهُ أصحابُ طَرِيقَةٍ واحِدَةٍ فَتَرَكَ الإِضْمارَ، وَلَعَلَّ أفضل تَعْرِيفٍ جامعٍ للأمَّةِ أنَّها: كُلُّ جماعةٍ تَعْتَقِدُ عَقِيدَةً واحدةٌ ينبثِقُ عَنْ عقيدتِها نظامٌ لمعالجةِ أُمُورِها وَمُشْكِلاتِها.
والأُميُّ هو الذي لا يكْتُبُ ولا يَقْرَأ مِن كِتابٍ، وعليه حُمِلَ {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ} [الجُمُعَة: 2]، قال قُطْرُبٌ: الأمِّيَّةُ الغَفْلَةُ والجَهالَةُ، فالأمِّيُّ منه، وذلك هو قِلَّةُ المَعْرِفَةِ، ومنه قولُه تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ} [البَقَرَة: 78] أي إلاّ أنْ يُتْلَى عليهم، قال الفَرَّاءُ: هُمُ العَرَبُ الذينَ لم يكُنْ لهم كِتاب {النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ} [الأعرَاف: 157]، قِيلَ مَنْسُوبٌ إلى الأمَّةِ الذين لم يكْتُبُوا لِكونِهِ على عادَتِهِمِ، كقولِكَ: عامِّيٌّ، لِكونِهِ على عادَةِ العامَّةِ، وقِيلَ سُمِّيَ بذلك لأنه لم يَكُنْ يَكْتُبُ ولا يَقْرَأ مِنْ كتابٍ، وذلك فَضِيلَةٌ له لاسْتِغْنائِهِ بِحِفْظِهِ واعْتِمادِهِ على ضَمانِ اللَّهِ منه بقولِهِ {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى } [الأعلى: 6]، وقِيلَ سُمِّيَ بِذلِكَ لنسْبَتِهِ إلى أمِّ القُرَى. والإِمامُ: المُؤْتَمُّ به إنساناً كأنْ يَقْتَدي بقولِهِ أو فعلِهِ، أو كِتاباً أو غيرَ ذلكَ مُحِقّاً كان أو مُبْطِلاً، وجَمْعُه أئِمَّةٌ. وقولُه تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسرَاء: 71] أي بالـذي يَـقْتَـدُونَ بـه، وقِيـلَ بِكتابِهِـمْ {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } [الفُرقان: 74]. وقوله: {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} [القَصَص: 5]، {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القَصَص: 41] جَمْعُ إمامٍ، وقولهُ: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ } [يس: 12] فقد قِيلَ: إشارةٌ إلى اللَّوْحِ المَحْفُوظِ. والأَمُّ: القَصْدُ المُستقيمُ، وهو التَّوَجُّهُ نحو مَقْصودٍ، وعلى ذلكَ: بآمِّينَ البيتَ الحرامَ. والأَمَة: المملوكة، يقال أمَةٌ بيّنةُ الأُمُوّةُ، وأَمَيْتُ فلانةَ، إذا جعلتُها أَمة، والجمع إماء، قال تعالى: {وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البَقَرَة: 221] وقال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النُّور: 32]. وأمْ إذا قُوبِل به ألفُ الاسْتِفْهامِ، فَمعْنَاهُ أيٌّ، نَحْوُ: أزَيْدٌ في الدارِ أمْ عَمْرٌو، أيْ أيُّهُما، وإذا جُرِّدَ عنِ ألِفِ الاِسْتِفْهامِ فَمَعْناهُ بَلْ، نحْوُ: {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ } [ص: 63] أيْ بَلْ زاغَتْ. وأمَّا: حَرْفٌ يَقْتَضي مَعْنى أحَدِ الشَّيْئَيْنِ، ويكَرّرُ نَحْوُ: {أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ} [يُوسُف: 41]، ويُبْتَدَأ بها الكَلامُ نَحْوُ قول علي : «أما بعدُ فإن الجهادَ بابٌ من أبواب الجنة».
أمن: أصْلُ الأمْنِ طُمَأْنينَةُ النفسِ وزوالُ الخَوْفِ. والأمنُ والأمانَةُ والأمانُ في الأصْلِ مَصادِرُ. ويُجْعَلُ الأمانُ تارةً اسْماً لِلحالةِ التي يَكُونُ عليها الإِنسانُ في الأمْنِ، وتارةً اسْماً لمَا يُؤْمَنُ عليه الإِنسانُ، نحوُ قولِه: {وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} [الأنفَال: 27] أي ما ائْتُمِنْتُمْ عليه. وقولُه: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأحزَاب: 72] قِيلَ هِيَ كَلِمَةُ التَّوحِيدِ، وقِيلَ العدالَةُ، وقِيلَ حُرُوفُ التَّهَجِّي، وقِيلَ العقلُ؛ وهو صحيحٌ فإنَّ العقلَ هو الذي لِحُصولِهِ يَتَحَصَّلُ معرفةُ التَّوْحِيدِ وتَجْري العدالَةُ وتُعْلَمُ حُرُوفُ التَّهَجِّي، بَلْ لِحصولِهِ يكون تَعَلُّمُ كُلِّ ما في طَوْقِ البَشَرِ تَعَلُّمُهُ وفعلُ ما في طَوْقِهِمْ مِنَ الجَمِيلِ فِعْلُهُ، وبه فُضِّلَ على كَثِيرٍ ممَّنْ خَلَقَهُ. وقولهُ: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} [آل عِمرَان: 97] أي آمِناً مِنَ النارِ، وقِيلَ مِنْ بَلايَا الدُّنْيا التي تُصيبُ مَنْ قال فيهم {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [التّوبَة: 55]، ومنهمْ مَنْ قال لَفْظُهُ خَبَرٌ ومعناهُ أمْرٌ. وقِيلَ يَأمَنُ الاصْطِلامَ، وقِيلَ آمِنٌ في حُكْمِ اللَّهِ، وذلك كقولِكَ: هذا حلالٌ وهذا حرامٌ أي في حُكْمِ اللَّهِ، والمَعْنَى: لا يَجبُ أنْ يُقْتَصَّ منه ولا يُقْتَلَ فيه إلاَّ أنْ يَخْرُجَ. وعلى هذه الوُجُوه {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِناً} [العَنكبوت: 67]، {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً} [البَقَرَة: 125]. وقولُه: {أَمَنَةً نُعَاسًا} [آل عِمرَان: 154] أي أمْناً. وقِيلَ هي جَمْعٌ. وفي حَدِيثِ نُزول المَسيح: وتَقَعُ الأمَنَةُ في الأرضِ. وقوله: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التّوبَة: 6] ثم أبْلِغْهُ مَأمَنَه أي مَنْزلَهُ الذي فيه أمْنُه. وآمَنَ إنَّما يُقالُ على وجْهَيْنِ أحَدُهُما مُتَعَدٍّ، بِنَفْسِهِ، يقال آمَنْتُه، أيْ جَعَلْتُ له الأمْنَ، ومِنْه قيلَ للَّهِ مؤمن، والثاني غَيْرُ مُتَعَدٍّ، ومَعْناهُ: صارَ ذا أمْنٍ. والإيمانُ يُسْتَعْمَلُ تارَةً اسْماً للشَّريعَةِ التي جاءَ بها محمدٌ عليه وعلى آله الصلاةُ والسلامُ، {الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ} [البَقَرَة: 62] ويُوصفُ بِهِ كُلُّ مَنْ دَخَل في شَرِيعَتِه مُقِرّاً بحقيقة وجود الله وبِنُبُوَّتِهِ. قِيلَ وعلى هذا قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ } [يُوسُف: 106] هنا إشراكٌ بالطاعة، لا بالعقيدة، بحيث إن المؤمن أحياناً يؤثرُ منافعَهُ الماديةَ، أو عواطفَهُ الشخصيةَ، على طاعة الله. وتارةً يُسْتَعْمَلَ على سَبِيلِ المَدْحِ ويُرادُ بِهِ إذْعانُ النَّفْسِ للحقِّ على سَبِيلِ التصديق، وذلك باجْتماعِ ثَلاثَةِ أشْياءَ: تحقيق بالقلبِ وإقرار باللّسانِ وعَمَل بِحَسبِ ذلكَ بالجوارحِ، وعلى هذا {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} [الحَديد: 19]. ويُقالُ لِكُلِّ واحدٍ من الاعتقادِ والقَوْلِ الصِّدْقِ والعملِ الصَّالِحِ إيمانٌ، قال تعالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البَقَرَة: 143] أيْ صَلاتَكُمْ، وجَعَلَ الحيَاءَ وإماطَةَ الأذَى مِنَ الإيمانِ. قال تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } [يُوسُف: 17] قِيلَ مَعْناهُ بِمصَدِّقٍ لنا، إلاَّ أنَّ الإيمانَ هو التَّصْديقُ الذي مَعَهُ أمْنٌ. وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النِّسَاء: 51] فَذلك مَذْكُورٌ على سَبِيلِ الذَّمِّ لَهُمْ، وأنه قد حصلَ لهم الأمْنُ بما لا يَقَـعُ بِـهِ الأمْنُ إذ لَيْسَ مِنْ شـأنِ القلبِ ـ مـا لم يكنْ مَطْبُوعاً عليهِ ـ أنْ يَطْمئنَّ إلى الباطِلِ، وإنَّما ذَلكَ كقوله: {مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [النّحل: 106] وهذا كما يُقالُ: إيمانُهُ الكُفْرُ، وتحِيتُهُ الضَّربُ ونحوُ ذلكَ.
آمِينَ: يُقالُ بالمدِّ والقَصْر، وهو اسمُ فعلِ أمْرٍ نحو صَهْ ومَهْ. قال الحَسَنُ: مَعْناهُ اسْتَجِبْ، وأمَّنَ فُلانٌ، إذا قال آمِينَ. أما قوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} [الزُّمَر: 9] فَتَقْديرُهُ أمْ مَنْ، وقُرِىء أمَنْ وليسا مِنْ هذا البابِ.
أنْ: على أرْبَعَةِ أوْجُهٍ: الداخلةِ على المَعْدُومِينَ مِنَ الفِعْلِ الماضي أو المُسْتَقْبَلِ، ويكونُ ما بعدَه في تَقْدِيرِ مَصْدَر،ٍ وَيَنْصبُ المستَقْبَلَ نَحْوُ: أعْجَبَني أنْ تَخْرُجَ وأنْ خَرَجَتْ. والمخَفَّفَةِ مِنَ الثَّقِيلة نَحْوُ أعجَبَني أنْ زَيْداً مُنْطَلِقٌ. والمُؤكِّدَةِ لِلَمَّا نَحْوُ: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} [يُوسُف: 96]. والمفَسِّرَةِ لما يَكُونُ بِمَعْنَى القولِ نحوُ: {وَانْطَلَقَ الْمَلأَُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا} [ص: 6] أيْ قالوا امْشُوا.
إنْ: كذلك، على أربعةِ أوْجُهٍ: لِلشَّرْطِ، نحو: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المَائدة: 118]. والمُخَفَّفَةِ مِنَ الثَّقِيلَةِ ويَلْزَمُها اللاَّمُ نَحْوُ: {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا} [الفُرقان: 42]. والنافِيَةِ وأَكْثَرُ مـا يَجِـيء يَـتَعَقَّبُـهُ (إلاّ) نَـحْوُ {إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا} [الجَاثيَة: 32]، {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ } [المدَّثِّر: 25]، {إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} [هُود: 54]. والمُؤَكِّدَةِ لِلنافِيَةِ، نَحْوُ: ما إنْ يَخْرُجُ زَيْدٌ.
أنث: الأنْثَى خِلافُ الذَّكَر، مِنْ كُلِّ شيء، وجمعه إِناثٌ {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [النِّسَاء: 124]. ولَمَّا كانت الأنْثَى في جَمِيعِ الحَيَوانِ تَضْعُفُ عـنِ الـذكَـر اعْتُبِـر فيـهـا الضعـفُ فَقِيـلَ لِـمـا تضْعُـفُ بـنيـتـه أُنْـثَى. وقِـيـلَ أرْضٌ أنيثٌ: سَهْلٌ، اعْتِباراً بالسُّهُولةِ التي في الأُنْثَى، أو يقالُ ذلك اعْتِباراً بِجَوْدَةِ إنْباتِها تَشْبِيهاً بالأُنْثَى، ولذا قال: أرضٌ حُرّةٌ وَوَلُود، ولما شُبِّهَ في حكمِ اللَّفْظِ بَعْضُ الأشْياء بالذَّكَر فَذَكَّرَ أحكامَهُ، وبَعْضُها بالأُنْثَى فأنَّثَ أحكامَها، نحوُ اليدِ والأذُنِ، والخِصْيَةِ التي أُنِّثَثْ فقيل: الأُنْثَيَانِ، وقوله تعالى: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا} [النِّسَاء: 117] فمن المفسرينَ مَن اعْتَبَرَ حكمَ اللَّفْظِ، فقال: لما كانتْ أسْماءُ مَعْبُوداتِهِمْ مُؤنَّثَةً نَحْوُ اللات والعُزَّى ومناة الثالِثَة قال ذلك، ومنهم، وهُو أصَحُّ، مَن اعْتَبَرَ حكمَ المعنى وقال: المنفَعِلُ يقالُ له أنِيثٌ، ومنه قيلَ لِلْحَدِيدِ الليِّنِ أنِيثٌ، فقال ولَمَّا كانتِ المَوْجُوداتُ بإضافةِ بَعْضِها إلى بَعْضٍ ثلاثَةَ أنواعٍ: فاعِلاً غيرَ مُنْفَعِلٍ وذلك هو البارِي عَزَّ وجَلَّ فقط، ومُنْفَعِلاً غَيْرَ فاعِلٍ وذلكَ هو الجمـاداتُ، ومُنْفَعِـلاً من وجـهٍ، وفاعِـلاً مِـنْ وجهٍ كالمَلائكَةِ والإِنْسِ والجِنِّ، وهُمْ بالإضافَةِ إلى اللَّهِ تعالى كائنات مُنْفَعِلَةٌ، وبالإضافةِ إلى مَصْنُوعاتِهِمْ فاعِلَةٌ. ولَمَّا كانت معبوداتُهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الجمادات التي هِيَ مُنْفَعِلَةٌ غير فاعِلَةٍ سماها الله تعالى أنْثَى وبَكَّتَهُمْ بها ونَبَّهَهُمْ على جَهْلِهمْ في اعتقـاداتِهِـمْ فيهـا أنها آلِهَـةٌ مع أنهـا لا تَعْقِـلُ ولا تَسْـمَعُ ولا تُبْصِـرُ بـل لا تَفْعَل فِعْلاً بوَجْهٍ، وعلى هذا قولُ إبراهِيمَ عليه الصلاةُ والسلامُ: {يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا } [مَريَم: 42]. وأمّا قوله عَزَّ وجلَّ: {وَجَعَلُوا الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَانِ إِنَاثًا} [الزّخرُف: 19] فَلِزَعْمِ الذين قالوا إنّ المَلائكَةَ بَناتُ اللَّهِ.
انس: الإِنسُ والأَنَسُ: جماعةُ الناسِ، الواحدُ إِنْسيّ وأَنَسيّ. والأُنْسُ خِلافُ النُّفُورِ وضدُّ الوحْشَةِ. والإِنْسِيُّ مَنْسوبٌ إلى الأُنْسِ، يقالُ ذلك لِمَنْ كَثُرَ أنْسُهُ ولِكُـلِّ ما يُؤْنَـسُ به، ولهـذا قِيلَ إِنْسِـيُّ الدَّابَّةِ لِلجانِبِ الذي يَلِي الرَّاكِبَ، وإنْسِـيُّ القوسِ لِلجانِبِ الذي يُقْبِـلُ على الرامـي. وجَمْعُ الإنسان أَناسيُّ {وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا } [الفُرقان: 49]. وقِيلَ ابنُ إِنْسِكَ للنفس. وقولُه عَزَّ وجلَّ: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النِّسَاء: 6] أي أبْصَرْتُمْ أُنْساً بِهِ، وكذلك {آنَسْتُ نَارًا} [طه: 10]. وقولهُ: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النُّور: 27] أي تَجِدُوا إيناساً. والإِنسانُ قِيلَ سُمِّيَ بذلكَ لأَنه خُلِقَ لا قوَامَ له إلاّ بِأنْسِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، ولهذا قِيلَ: الإِنسانُ مدنيٌّ بالطَّبْعِ مِنْ حيثُ إنه لا قَوامَ لِبَعضِهِمْ إلاّ بِبَعْضٍ، ولا يُمْكِنُهُ أنْ يقومَ بِجَميعِ أسْبابِهِ، وقِيلَ سُمِّيَ بذلكَ لأنه يَأنَسُ بِكُلِّ ما يَألَفُهُ. وقِيلَ أصْلُهُ إنسيانٌ، سُمِّي بذلكَ لأنه عُهِدَ إليه فَنَسيَ، والناس :اسمُ جمع بمعنى البَشَر؛ والإنسانية هي البشرية وأطلقت على كلِّ ما اختصّ به الإنسانُ من المحامِدِ.
أنف: أصْلُ الأنْفِ الجارِحَةُ التي هي عضو حاسّةِ الشَّمِّ، ويُسَمَّى به طَرَفُ الشيءِ وأشْرفُهُ، فيقالُ أنْفُ الجَبَلِ وأنْفُ اللحيةِ. ونُسِبَ الحَمِيَّةُ والغضبُ والعِزةُ والذِّلَّةُ إلى الأنْفِ حتى قال الشاعرُ:
إذا غَضِبَتْ تِلك الأُنُوفُ لم ارْضِها ولم أطْلُبِ العُتْبَى ولَكنْ أزِيدُها
وقِيلَ: شَمَخَ فُلانٌ بأنْفِهِ للمتكبر، وتَربَ أنفُهُ للذليل، وأنِفَ فُلانٌ مِنْ كذا بمعنى اسْتَنْكَفَ. وأنَفْتُهُ: أصَبْتُ أنْفَهُ، ومنه قولهُ عزَّ وجلَّ: {حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا} [محَمَّد: 16] أي منذ وقت قريب. وسؤالهم هذا، كان إمّا استفساراً وإمّا استهزاءً.
أنم: قال الله تعالى: {وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ } [الرَّحمن: 10] أي أنه سبحانه وتعالى بَسَطَ الأرضَ وجَعَلَها صالحةً للنّاس. وقيلَ الأَنامُ: كلُّ المخلوقات التي فيها روح. وقيل: الإنسُ والجِنُّ وكلّ ما على وجهِ الأرضِ مِنَ الخَلْقِ.
أنمل: {عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} [آل عِمرَان: 119]. الأنامِلُ جَمْعُ الأَنْمَلَةِ، وهي المِفْصلُ الأعْلَى مِنَ الأصابِعِ التي فيها الظُّفْر، وفُلانٌ مُؤَنْمَلُ الأصابِعِ، أي غَلِيظُ أطْرافِها في قِصَرِ.
إنّ وأَنَّ: ينصبانِ الاسمَ ويَرْفعَانِ الخَبَرَ. والفرقُ بينَهما أنَّ (إنَّ) يكون ما بَعْدَها جملةً مستقلةً (وأنّ) يَكُونُ ما بعدَها في حُكْمِ مفردٍ يقع مَوْقِعَ مَرْفُوعٍ ومنصوبٍ ومَجْرُورٍ، نَحْوُ أعْجَبَني أنكَ تَخْرُجُ وعلِمْتُ أنكَ تَخْرُجُ، وتَعَجَّبْتُ مِنْ أنَّكَ تَخْرُجُ، وإذا أُدْخِلَ عليه ما يُبْطِلُ عَمَلَهُ ويَقْتَضِي إثْباتَ الحكْمِ للمذكورِ، وصَرْفَهُ عَمَّا عَداهُ نَحْوُ: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التّوبَة: 28] تَنْبِيهاً على أنّ النَّجاسَةَ التامَّةَ هِيَ حاصِلَةٌ لِلْمُخْتَصِّ بالشِّرْكِ. وقوله عَزّ وجَلّ: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ} [البَقَرَة: 173] أيْ ما حرّم إلا ذلك، تَنْبِيهاً على أنّ أعْظَمَ المُحَرَّمات مِنَ المَطْعُوماتِ في أصْلِ الشَّرعِ هو هذه المَذْكُوراتُ.
أنا: ضَمِيرُ المُخْبِر عن نفسِهِ، وتُحْذَفُ ألِفُهُ في الوَصْلِ في لُغَةٍ وتَثْبُتُ في لُغَةٍ. وقوله عزَّ وجلَّ {لَكِنَّ هُوَ اللَّهُ رَبِّي} [الكهف: 38] فقد قيلَ: تَقْدِيرُهُ لكن أنا هو اللَّهُ رَبِّي، فَحُذِفَ الهَمْزَةُ مِنْ أوّلِهِ وأدْغمَ النُّونُ في النُّونِ وقُرىءَ: لكنَّ هو اللَّهُ رَبِّي، فَحُـذِفَ الألِـفُ أيْضـاً مِـنْ آخِـرِهِ، ويقال: أُنِّيَّةُ الشيءَ وأَنِّيَّتُهُ كما يقالُ: ذاتُهُ، وذلك إشارةٌ إلى وجُودِ الشيءِ، وهو لَفْظُ مُحْدَثٌ ليس من كلامِ العرب. وآناءُ الليلِ: ساعاتُهُ. الواحِدُ إنَى وأنَى وأُنا {يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ} [آل عِمرَان: 113]، {وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ} [طه: 130]. وقوله تعالى: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} [الأحزَاب: 53] أي لا تأْتُوا باكِراً وتنتظروا نُضوجَ الطعامِ الذي دُعِيتُمْ إليهِ عند النبيّ (ص) . والأنا إذا كُسِرَ أوّلُه قُصِرَ وإذا فُتحَ مُدَّ، نحوُ قَوْلِ الحطَيئَةِ:
وآنَيْتُ العِشاءَ إلى سُهَيْلٍ أو الشعْرى فطالَ بِيَ الأناءُ
أنى: آنَى وآنَ الشيءُ: قُربَ منتهاه، قوله تعالى في سورة الرحمن: {حَمِيمٍ آنٍ } [الرَّحمن: 44] أي بلغَ أناه في شِدَّةِ الحَرِّ، ومنه قوله تعالى: {تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ } [الغَاشِيَة: 5] من عين حارة، أي قد بلغت نهاية حرارتها، وقوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحَديد: 16] أيْ ألم يقْرب أوانهُ. ويقالُ آنَيْتُ الشيءَ إيناءً أيْ أخَّرْتُهُ عن أوانِهِ، وتأنَّيتُ: تأخَّرْتُ. والأَناة التُّؤَدَةُ. وأنَى يَأني فهو آنٍ أيْ وقورٌ. واسْتَأنَيْتُهُ: انْتَظَرْتُ أوانَهُ. ويَجُوزُ في مَعْنى اسْتَبْطَأتُهُ. واسْتَأنَيْتُ الطعامَ كذلك. والإِناءُ: يُوضعُ فيه الشَّيءُ، وجمعُهُ آنيةٌ نَحْوُ كِساءٍ وأكْسِيَةٍ. والأواني جمعُ الجمعِ.
أنّى: لِلْبَحْثِ عنِ الحالِ والمَكانِ، ولذلك قيلَ: هو بِمَعْنى أيْنَ وكيفَ لِتَضَمُّنِهِ مَعْناهُما. قال الله عزَّ وجلَّ {أَنَّى لَكِ هَذَا} [آل عِمرَان: 37] أيْ مِنْ أيْنَ وكيف؟.
أهـل: أهـلُ الرَّجُلِ: مَنْ يَجْمَعُـهُ وإيَّـاهُمْ نَسَبٌ أو دِينٌ أو مَا يَجْري مَجْراهُما مِنْ صِناعَةٍ وبيتٍ وبَلَدٍ، فأهْلُ الرَّجُلِ في الأصْل مَنْ يَجْمَعُهُ وإياهمْ مَسْكَنٌ واحِدٌ، ثمَّ تُجُوِّزَ به، فقيلَ أهلُ بيتِ الرَّجُلِ لِمَنْ يَجْمَعُهُ وإيَّاهُمْ نَسَبٌ، وأهل البيت تُعُورفَ مطلقاً في أسْرَةِ النبيِّ (ص) مُطْلَقاً إذا قيلَ أهلُ البَيْتِ، لقوله عَزَّ وجَلَّ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزَاب: 33]. وعُبِّرَ بأهْلِ الرَّجُلِ عنِ امْرَأته مجازاً، ويدخل فيه الأولادُ والأحفادُ والذراري.وأهْلُ الإِسْلامِ: الذين يَجْمَعُهُمْ. وكانت الشريعَةُ حَكَمتْ بِرَفْعِ حكم النَّسَبِ في كَثِيرٍ مِنَ الأحْكامِ بين المُسْلمِ والكافر، {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هُود: 46]، {وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} [هُود: 40]. وقيلَ أهَلَ الرَّجُلُ يَأهُـلُ أُهُـولاً: اتخـذ أهـلاً، أي تزوج، وقِيلَ مكانٌ مَأهُولٌ: فيه أهْلُهُ. وأهِلَ به: إذا صارَ ذا ناسٍ وأهْلٍ. وتأهَّلَ، إذا تَزَوَّجَ، ومنه قِيلَ: أهَّلكَ اللَّهُ في الجَنَّة، أيْ زَوَّجَكَ فيها وجَعَلَ لك فيها أهْلاً، يَجْمَعُكَ وإيّـاهُـمْ. ويقـالُ فـلانٌ أهـلٌ لِكـذا، أي خلِيـقٌ بـه. ومَرْحَبـاً وأهْلاً في التَّحيَّـةِ لِلـنـازِلِ بالإِنـسـانِ، أي وجَـدْتَ سَـعَـةَ مكـانٍ عِـنـدَنـا وأهـلَ بَيْـتٍ لَكَ في الأُنْـس، وجَمْـعُ الأهْلِ أَهْلُـونَ وأهـالٍ وأهْـلاتٌ. وأهلُ الكتاب: أصحابُ التوراة والإنجيل، قولُهُ تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ} [آل عِمرَان: 64] إلى كلمة مستويةٍ، أي: عادلة لا ميلَ فيها، وأما قوله تعالى: {لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ} [الحَديد: 29]، فالمعنى: ليعلَم أهلُ الكتاب أنهم لا يقدرون على نيلِ شيءٍ من ثواب الله إذا جحدوا نبوة محمد (ص) ، فـ «لا» في «لئلا» زائدة، وهي لا تأتي إلاّ إذا كان هناك جحودٌ من العبد، كما في قوله تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعرَاف: 12]، فـ «لا» في «ألاّ» زائدة ـ أيضاً ـ وهي للتدليل على جحود إبليس نعمةَ ربه، وكذلك إذا لم يؤمن أهل الكتاب بالذي أُنزل على محمد (ص) ، فإنهم يكونون من الجاحدين.
وأما قوله تعالى: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ } [المدَّثِّر: 56] فمعناه: هو أهلٌ أن تُتَّقَى محارمُهُ وأهلٌ أن يغفرَ الذنوب، أي: هو أهلُ أن يتّقيَ العبد عقابَهُ وأهلٌ أن يعملَ العبدُ بطاعته، بما يؤدي إلى المغفرة منه تبارك وتعالى.
أوب: الأوْبُ: ضَرْبٌ مِنَ الرُّجوعِ، وذلك أنّ الأوْبَ لا يُقالُ إلاَّ في الحيوانِ الذي له إرَادَةٌ، والرُّجوعُ يقالُ فيه وفي غَيْرهِ. يقالُ آبَ أوْباً وإياباً ومآباً {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ } [الغَاشِيَة: 25]، {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا } [النّبَإِ: 39] والمَآبُ مَصْدَرٌ مِنْهُ واسم الزمانِ والمكانِ {وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ } [آل عِمرَان: 14]. والأوّابُ كالتّواب وهُوَ الراجعُ إلى اللَّهِ تعالى بِتَرْكِ المعاصي وفِعْلِ الطاعاتِ {أَوَّابٍ حَفِيظٍ } [ق: 32]، {إِنَّهُ أَوَّابٌ } [ص: 17] ومنه قِيلَ لِلتَّوْبةِ أوْبَةٌ. {يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سَبَإ: 10] أمر الله الجبال والطير أن تسبّح معه إذا سبّح، أي رجِّعي معه التسبيح إذا سبّح وذلك من آب يؤوب.
أود: آدَهُ الحِملُ يؤُودُهُ أَوْداً: أَثْقَلَهُ، وآدَه الأمرُ: بلغَ منه المجهودَ والمشقة، قال تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } [البَقَرَة: 255].
أول: التَّأوِيلُ من الأوْلِ، أي الرجوعِ إلى الأصلِ، ومنه المَوْئِلُ لِلمَوْضِعِ الذي يُرْجَعُ إليه، وذلك هو رَدُّ الشيءِ إلى الغايةِ المُرادَةِ منه عِلْماً كان أو فِعْلاً، ففي العِلم نَحْو: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عِمرَان: 7] وفي الفِعلِ كقوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} [الأعرَاف: 53] أي بَيانُهُ الذي هو غايَتُهُ المقصودَةُ منهُ. وقولُه تعالى: {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } [النِّسَاء: 59] قِيلَ: أحسَنُ معنىً وترجمةً، وقِيلَ: أحْسَنُ ثواباً في الآخِرَةِ.
والأوْلُ والإِيالةُ: السِّياسَةُ التي تُراعي مآلَها. يُقالُ «فلانٌ حَسَنُ الإيالة وفلانٌ سَيِّىءُ الإيالة» من آلَ القومَ أيْ ولِيَ أمرَهُمُ. وإذا قِيلَ في صِفَةِ اللَّهِ: هوَ الأوّلُ، فَمَعْناهُ أنه الذي لم يَسْبِقْهُ في الوجودِ شَيءٌ، وإلى هذا يَرْجِعُ قَوْلُ مَنْ قال: هو الذي لا يَحْتاجُ إلى غيرهِ، ومن قال: هو المُسْتَغْني بنفسهِ. وقوله تعالى: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } [الأنعَام: 163]، {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ } [الأعرَاف: 143] فَمَعْناهُ أنا المُقْتَدَى بِي في الإِسلامِ والإِيمانِ. وقال تعالى: {وَلاَ تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} [البَقَرَة: 41] أي لا تكونُوا مِمَّنْ يُقْتَدَى بكم في الكُفْرِ. ويُسْتَعْمَلُ أوّلُ ظرفاً فَيُبْنَى على الضَّمِّ، نَحْوُ جِئْتُكَ أوَّلُ، ويقالُ بِمَعْنَى قدِيمٍ نَحْوُ جِئْتُكَ أوّلاً وآخراً، أيْ قَدِيماً وحديثاً. وقوله تعالى: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى } [القِيَامَة: 34] أَي وَلِيَكَ الشرُّ في الدنيا وَلِيَكَ، ثم وَلِيَكَ الشر في الآخرةِ وَلِيَكَ. والتكرار للتأكيد. و(أولى) تهديدٌ ووعيدٌ. قال الأصمعي: معناه قاربه ما يُهْلِكُهُ أي نزل به. قال ثعلب: ولم يقلْ أحدٌ (أولى) أحسَنَ مما قاله الأصمعي. وقيل: بعداً لك من خيرات الدنيا، وبُعداً لك عن خيرات الآخرة.. و «أولى لك فأولى» فيها تنبيهٌ وتهديدٌ وتخويفٌ (أي كان الأجدرُ بك أن تَستمعَ لهذا النبيِّ ولهذا القرآنِ وأَنْ تُؤْمِنَ).
أوه: الأَوَّاه الذي يُكثِرُ التأوّهَ وهو أن يقول أوّه. وكل كلام يدل على حزن يُقالُ له التَّأَوُّهُ، أي التَّوَجُّعُ. ويُقالُ «أَوَّاهٌ» لِمَنْ يُظهرُ الْخَشْيةَ من الله تعالى.
وقوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } [التّوبَة: 114] وقولهُ: {أَوَّاهٌ مُنِيبٌ } [هُود: 75] أي إنه المؤمنُ الدَّاعي إلى الله سبحانه وتعالى المُوقِنُ بالإِجابة، الرقيقُ، الرَّحِيمُ، الكثيرُ الحزنِ والتأوُّهِ.
ويقال: إيهاً إذا كَففتَ مَنْ تخاطِبُهُ، ووَيْهاً إذا أَغْريْتَهُ، وواهاً إذا تعجَّبْتَ منهُ.
أوى: المأوَى مصدرُ أوَى يَأوِي أُويّاً ومَأوىً، تقولُ أوَى إلى كذا: انضمَّ إليه، يَأوِي أُويّاً ومَأوًى وآواهُ غيرُهُ يُؤْوِيه إيواءً. قال تعالى: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف: 10]، {سَآوِي إِلَى جَبَلٍ} [هُود: 43]، {آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ} [يُوسُف: 69]، {وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزَاب: 51] {وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ } [المعَارج: 13]. وقولهُ تعالى: {جَنَّةُ الْمَأْوَى } [النّجْم: 15] كقولهِ دار الخلودِ، في كونِ الدارِ مضافةً إلى المصدرِ. وقولُه تعالى: {مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} [النِّسَاء: 121]اسمٌ لِلمكانِ الذي يأوِي إليه. وأَوّيْتُ لفلان: رحمْتُهُ أوْياً وإيَّةً ومَأويَةً ومَأواةً، وتَحْقِيقُهُ رجَعْتُ إليه بقلبي، وآوَى إليه أخاهُ أي ضَمَّهُ إلى نَفْسِهِ. يُقالُ آواهُ وأواهُ. والماوِيَّةُ في قولِ حاتِمِ طَيِّىءٍ:
أمَاوِيُّ إنّ المالَ غادٍ ورائحُ
عَنى بها المرأةَ، فقد قِيلَ هِيَ منْ هذا البابِ فكأنَّها سُمِّيَتْ بذلكِ لكونِها مَاوِيَّةَ الصورةِ، وقيل هِيَ منسوبةٌ لِلماءِ وأصلُها مائِيَّة فَجُعِلَتِ الهَمْزَةُ واواً. والهمزة التي تَدخلُ لِمعنىً على ثلاثةِ أنواعٍ: نوعٍ في صدرِ الكلامِ ونوعٍ في وسطهِ ونوعٍ في آخرِهِ. فالذي في صَدْرِ الكَلامِ ألِفُ الاسْتِخْبارِ وتَفْسِيرُهُ بالاسْتِخبارِ أوْلى مِنْ تَفْسِيرِهِ بالاسْتِفْهامِ إذ كان ذلك يَعُمُّهُ وغيرَهُ، نَحْوُ الإِنْكارِ والتَّبْكِيتِ والنَّفْي والتَّسْويَةِ، فالاسْتِفهامُ نحْوُ قولِهِ تعالى: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} [البَقَرَة: 30]. والتَّبْكيتُ إمّا لِلْمُخاطَبِ أو لِغَيْرهِ نَحْوُ: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ} [الأحقاف: 20]، {أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا} [البَقَرَة: 80]، {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} [يُونس: 91]، {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ} [آل عِمرَان: 144]، {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ } [الأنبيَاء: 34]، {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا} [يُونس: 2]، {آلذَكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنْثَيَيْنِ} [الأنعَام: 143]. والتَّسْويَةُ نَحْوُ: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا} [إبراهيم: 21]، {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [البَقَرَة: 6] وهذه الهمزة مَتَى دَخَلَتْ على الإِثباتِ تَجْعَلُهُ نفْياً نَحْوُ: أخَرَجَ، فتحول المعنى من الإثبات إلى الاستفهام الإنكاري، وإذا دَخَلَتْ على نَفْيٍ تَجْعَلُهُ إثْباتاً لأَنَّهُ يَصيرُ مَعَها نَفْياً يَحْصُلُ منهما إثْباتٌ، نحوُ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعرَاف: 172]، {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ } [التِّين: 8]، {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ} [الرّعد: 41]، {أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ} [طه: 133]، {أَوَلاَ يَرَوْنَ} [التّوبَة: 126]، {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ} [فَاطِر: 37].
النوع الثاني من الهمزات همزة المُخْبِرِ عن نفسه، نَحْوُ أَسْمَعُ وأُبْصِرُ.
الثالث: همزة الأمْر قَطْعاً، والأمر من العبد إلى الخالق هو رجاء نحو: {أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} [المَائدة: 114] أَوْ وَصْلاً بمعْنَى الدعاءِ، أوِ الرَّجاءِ {ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} [التّحْريم: 11] ونَحوهما.
الرابعُ: الهمزة مع لامِ التَّعْريفِ نحوُ: العالَمينَ.
الخامِسُ: همزةُ النِّداءِ نحوُ: أزيْدُ، أي يا زَيدُ. أَمّا الأَلِفُ التي تَأتي في وسط الكلمةِ فَأَلِفُ التَّثْنِيَةِ والأَلِفُ في بعضِ الجُموعِ في نَحْو: مُسْلِماتٍ ونَحْو مساكِينَ. والنوعُ الذي في آخرِهِ: ألِفُ التأنيثِ في حُبْلى وفي بيضاء، وألِف الضَّمير في التثنِية نحوُ اذْهبا والذي في أواخِر بعض الآيات، نحْوُ: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا } [الأحزَاب: 10]، {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ } [الأحزَاب: 67] لكن هذه الألِفُ لا تُثْبتُ مَعْنى وإنما ذلِك لإِصلاح اللَّفْظِ.
أي: أي في الاسْتِخْبارِ موضوعٌ لِلبَحثِ عن بعض الجِنْسِ والنَّوْعِ وعن تعيينِهِ، ويُستعملُ ذلك في الخَبَر والجزاءِ نحوُ: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسرَاء: 110] و {أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ} [القَصَص: 28]. والآيةُ هِيَ العلامةُ الظاهِرةُ، وحقِيقتُهُ: لِكُلِّ شيءٍ ظاهِرٍ هُو مُلازِمٌ لِشيءٍ لا يَظْهَرُ ظُهُورَهُ فمتَى أدْرَكَ مُدْرِكٌ الظاهِرَ مِنهما عُلِمَ أنه أدْرَكَ الآخَرَ الذي لم يُدْركهُ بذاتِهِ، إذ كان حكمُهُما سواءً، وذلك ظاهِرٌ في المحسُوسات والمعقولاتِ، واشتقاقُ الآيَةِ إمّا مِنْ أي فإنها هيَ التي تُبَيِّنُ أيّاً مِنْ أيٍّ، والصحيحُ أنها مشتقةٌ مِنَ التَّأيِّي الذي هُوَ التَّثَبُّتُ والإقامةُ على الشيءِ، يُقالُ تَأيَّ: أي ارفُقْ، أو من قولهم أوى إليه. وقيل للبناءِ العالي آيَةٌ نحوُ: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ } [الشُّعَرَاء: 128]. والآية: المنزلة الرفيعة. وقيل لِكلِّ جُمْلَةٍ مِنَ القرآنِ دالةٍ على حُكْمٍ آيةٌ، سورةً كانت أو فصولاً أو فصلاً مِنْ سورةٍ. وقد يُقالُ لِكُلِّ كلامٍ مُنْفَصلٍ بفصلٍ لَفْظِيٍ آيةٌ، وعلى هذا اعتبارُ آياتِ السُّوَرِ التي تعَدُّ بها السُّورةُ. وقولُهُ تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ } [العَنكبوت: 44] فَهِيَ مِنَ الآياتِ المعقولةِ التي تَتَفاوتُ بها المعْرِفةُ بحسبِ تفاوتِ منازِلِ الناسِ في العِلْم. وكذلك قولُهُ: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُونَ } [العَنكبوت: 49] وقوله تعالى: {وَكَأَيِّن مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [يُوسُف: 105]، وذَكَرَ في مَواضِعَ آيةً وفي مواضِعَ آياتٍ وذلك لِمعنىً مَخْصوصٍ وإنَّما قال: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} [المؤمنون: 50] ولم يَقُلْ آيَتَيْنِ لأَنّ كُلَّ واحِدٍ صارَ آيَةً بالآخَر. فآيةً هنا بمعنى الدليل والمعجزة، وقولُهُ عزَّ وجلَّ: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا } [الإسرَاء: 59] فالآياتِ هَهُنا قيلَ إشارةٌ إلى الجَرادِ والقُمَّلِ والضَّفادِعِ ونحوها مِنَ أنواع العذابات التي أرْسِلَتْ إلى الأمَمِ المتقدمَةِ، فَنَبَّهَ أنّ ذلك إنَّما يُفْعَل بِمَنْ يَأْتِيهِم تَخْوِيفاً لهم، وذلك أخَسُّ المنازِلِ للمأمورِينَ، فإنَّ الإِنسانَ يَتَحَرَّى فِعْلَ الخير لأحدِ ثلاثةِ أشياءَ: إما أنْ يَتَحَرَّاه لِرغبةٍ أو رَهْبَةٍ وهو أدنَى منزلة، وإمّا أن يَتَحَرَّاهُ لِطلبِ مَحْمدَةٍ، وإمّا أنْ يَتَحَرَّاهُ لِلفضيلةِ، وهو أنْ يكونَ ذلك الشَّيءُ في نفسِهِ فاضِلاً، وذلك أشرفُ المنازِلِ. فلمَّا كانَتْ هذِهِ الأمّةُ خيرَ أمّة كما قال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عِمرَان: 110] رَفَعَهُمْ عن هذِهِ المنزلةِ ونَبَّهَ أنه لا يَعُمُّهمْ بالعذابِ وإنْ كانتِ الجَهَلَةُ مِنْهُم يقولُون: {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفَال: 32]. وقِيلَ: الآياتُ إشارةٌ إلى الأدلةِ ونَبَّهَ أنه يَقْتَصِرُ مَعَهُمْ على الأدِلةِ ويُصانُونَ عنِ العذابِ الذي يَسْتَعْجِلونَ به في قولِهِ عَزَّ وجَلَّ: {يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} [العَنكبوت: 54]. وأي: كلمةٌ يُنَبّهُ بها أنّ ما يُذكَرُ بعدَها شرحٌ وتفسيرٌ لما قبلَها.
وإيْ: كلمةٌ موضوعةٌ لتحقيق كلامٍ متقدِّمٍ، نحو قوله تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ } [يُونس: 53].
أيَّان: عبارةٌ عن وقتِ الشيءِ، ويُقارِبُ معنَى متَى. قال تعالى: {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} [الأعرَاف: 187]، {وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } [النّحل: 21]، {أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ } [الذّاريَات: 12] مِنْ قولِهِمْ أيّ، وقِيلَ أصلُهُ أيُّ أوَانٍ، بمعنى أيُّ وقتٍ فَحُذفَ الألِفُ ثم جُعِلَ الواوُ ياءً فَأدْغِمَ فصارَ أيَّانَ، وإيَّا: لفظٌ موضوعٌ ليُتَوَصَّلَ به إلى ضَمِير المَنصُوبِ إذا انقطعَ عمـا يَتَّصِلُ به، وذلك يُسْتَعْمَلُ إذا تَقَدَّمَ الضمِيرُ نحوُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفَاتِحَة: 5] أو فُصِلَ بَيْنَهُما بِمَعْطوفٍ عليه أو بإلاَّ نحوُ: {نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسرَاء: 31] ونحوُ: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} [الإسرَاء: 23]. وأيْ وآ وأيَـا مِنْ حُـرُوفِ النّـداءِ، تقـولُ: أيْ زَيْـد وأيَا زَيْدُ وآ زَيْدُ.
أيد: {أَيَّدْتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [المَائدة: 110] ـ على وزن ـ فَعَّلْتُ، مِنَ الأيْدِ، أي القُوَّةِ الشَّديدةِ، وقال تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ} [ص: 17].. أي ذا القوّة والاحتمال على العبادة. وقال تعالى: {وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عِمرَان: 13] أي يُكْثِرُ تَأييدَهُ، ويقالُ إدْتُهُ أيْداً نحوُ بعْتُهُ أبيعُهُ بَيْعاً، وأيَّدْتُهُ: على التكثِير. قال عَزَّ وجلَّ: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذّاريَات: 47] أي بقُوةٍ وَمَتَانةٍ، ويقال آدَ الرجلُ يأيد أَيْداً إذا اشتد وقوي، ومنه قِيلَ لِلأمْر العظِيمِ: مُؤَيَّد.
وإيادُ الشيءِ: ما يَقِيه، وقُرىءَ أيَدْتُكَ، وهو أفعلتُ مِن ذلك. قال الزَّجَّاجُ رحمهُ الله: يَجُوزُ أنْ يكونَ فاعلتُ نحوُ عاونتُ.
أيك: الأَيْكُ: الشَّجَرُ الكثيرُ الملْتَفُّ. الواحدةُ أَيْكَةٌ. قالَ تعالى: {وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ} [ق: 14] أي أصحابُ الغيضة، وهم قومُ شُعَيْب، وقد نُسبوا إلى الغَيْضَةِ، التي كانوا يَسْكُنونَ فيها.
أيم: قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النُّور: 32]. الأيَامَى جَمْع الأيِّمِ، وهي المرأةُ التي لا بَعْلَ لها. وقد قِيلَ لِلرَّجُلِ الذي لا زوْجَ له وذلك على طَريقِ التَّشْبيهِ بالمرأةِ فيمن لا غَناءَ عنه لا على التَّحْقِيقِ. والمَصْدَرُ: الأيْمَةُ. وقد آمَ الرجُلُ وآمتِ المرأةُ، وتأيَّمَتْ، وامْرَأةٌ أيِّمَةٌ ورجُلٌ أيِّمٌ. أي يَفْرقُ بَيْنَ الزوجِ والزَّوجةِ. والأيِّمُ: الحَيَّةُ.
أين: أيْنَ لَفْظٌ يُبْحَثُ به عنِ المكانِ، كما أنّ مَتَى يُبْحَثُ به عنِ الزمانِ. قال تعالى: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ } [التّكوير: 26] و {أَيْنَ الْمَفَرُّ } [القِيَامَة: 10]، والآنَ كُلّ زَمانٍ مُقَدّرٍ بينَ زَمانَيْنِ ماضٍ ومُسْتَقْبَلٍ، نحوُ: أنا الآنَ أفْعَلُ كذا. وخُصَّ الآنَ بالألِف واللاَّمِ المُعَرَّفِ بِهِما ولَزماهُ. قوله تعالى: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } [يُونس: 91]، إخباراً عن فرعون حين أغرقه الله وجنوده، فقال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [يُونس: 90]، فجاءه الردُّ الحاسم، الآن تؤمن بعد كل ذلك البغي، وبعد كل ما أنذرك به موسى وهارون؟ لا، لم يعد الآن ينفعك ما تقول بشيء.. وافْعَلْ كذا آوِنةً أيْ وَقتاً بعدَ وقْتٍ، وهو مِنْ قَوْلِهِمْ الآنَ. وقَوْلُهم هذا أوانُ ذلك، أيْ زَمانُهُ المُخْتَصُّ بهِ وبِفعْلِهِ. قال سيبويه: يُقالُ: الآنَ آنُكَ، أي هذا الوَقْتُ وَقْتُكَ، وآنَ يَؤُونُ. قال أبو العَبَّاسِ: ليس مِنَ الأولِ، وإنما هو فِعْلٌ على حِدَتِهِ، والأيْنُ الإِعْياءُ، يُقال آنَ يَئينُ أيْناً إذا أَعْيا وأنَى يَأنِي أنْياً إذا حانَ. وأمّا بَلَغَ أناهُ، فقد قيلَ هو مَقْلُوبٌ مِن أنَى، وقد تقدَّمَ. قال أبو العبَّاسِ. قال قومٌ: آنَ يَئِينُ أيْناً، الهمزةُ مَقْلُوبةٌ فيه عنِ الحاءِ، وأصلُهُ حانَ يحينُ حيْناً. قال: وأصلُ الكلِمةِ مِنَ الحِينِ.

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢