نبذة عن حياة الكاتب
معجم تفسير مفردات ألفاظ القرآن الكريم

حَرْفُ الْبَاءِ
(ب)

الباء: حرفٌ يَجِيءُ إمّا مُتَعَلِّقاً بفِعْلٍ ظاهِرٍ معه أو مُتَعَلِّقاً بِمُضْمَرٍ. فالمُتَعَلِّقُ بفِعْلٍ نوعان: أحَدُهُما لِتَعْديَةِ الفِعْلِ، وهو جارٍ مَجْرَى الألِفِ الدَّاخِلِ لِلتَّعْديَةِ. نَحْوُ: ذَهَبْتُ بـه وأذْهَبْتُهُ {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } [الفُرقان: 72]. والثانِي لِلآلَةِ نحوُ: قَطَعَهُ بـالسكينِ والمُتَعَلِّقُ بِمُضْمَر يكونُ في موْضِعِ الحالِ، نحوُ: خَرَجَ بـسِلاحِهِ أيْ وعليه السِّلاحُ، أو ومعه سِلاحُهُ. وقوله: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: 20] قِيلَ مَعْناهُ تُنْبتُ الدُّهْنَ، وليس ذلك بالمقْصُود، بَلِ المقْصُودُ أنَّ شجرة الزيتون تُنْبتُ الحَبَّ وفيه الدُّهْنُ، أيْ والدُّهْنُ فيه مَوْجُودٌ بالقُوَّةِ، ونَبَّهَ بلَفْظةِ بـالدُّهْنِ على ما أنْعَمَ به على عِبادِهِ وهداهمْ إلى اسْتِنْباطه. وقيلَ الباءُ هاهُنا للحال أي حالُهُ أنَّ فيه الدُّهْنَ، والسَّبَبُ فيه أَنَّ الهمزَةَ والباءَ اللَّتَيْن لِلتَّعْديةِ لا يَجْتَمِعانِ. وقولُه: {وَكَفَى بِاللَّهِ} [الأحزَاب: 3] فَقِيلَ كَفَى الله شَهِيداً نحو: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} [الأحزَاب: 25] الباءُ زائِدَةٌ. ولو كان ذلك كَما قِيلَ لَصَحَّ أنْ يقالَ: كَفَى بـالله المُؤْمِنِينَ القِتالَ، وذلك غَيْرُ سائِغ، وإنَّما يَجِيءُ ذلك حيْثُ يُذْكَرُ بعدهُ مَنْصُوبٌ في مَوْضِعِ الحالِ كما تَقَدَّم ذكرُه. والصَّحِيحُ أنّ كَفَى ههنا موضُوعٌ مَوْضِعَ اكْتَفِ، كما أنّ قوْلَهُمْ أحْسِنْ بـزَيْدٍ مَوْضوعٌ مَوْضِعَ ما أحْسَنَ، ومعناهُ: اكتَفِ بـالله شَهيداً، وعلى هذا {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا } [الفُرقان: 31] {وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا} [النِّسَاء: 45] وقوله: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [فُصّلَت: 53]، وعلى هذا قوْلُهُ: حُبَّ إليَّ بـفلانٍ، أيْ أحْببْ إلَيَّ بـه. وممَّا ادُّعِيَ فيه الزِّيادَةُ الباءُ في قوله: {وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البَقَرَة: 195] قِيلَ: تَقْديرُهُ لا تُلْقُوا أيْديَكمْ، والصحِيحُ أنّ مَعناه لا تُلْقُوا أنْفُسكم بـأيْديكم إلى التَّهْلُكَةِ، إلا أنه حُذِفَ المفعُولُ اسْتِغناءً عنه وقَصداً إلى العُمُومِ، فإنه لا يَجُوزُ إلقاءُ أنْفُسِهِمْ ولا إلقاءُ غَيْرِهم بـأيْدِيهمْ إلى التَّهْلُكةِ. وقال بعضُهُمْ الباءُ بِمَعْنَى (مِنْ) في قوله تعالى: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ } [المطفّفِين: 28]، {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسَان: 6] أيْ مِنها، وقيلَ عَيْناً يَشْرَبُها. والوجه أنْ لا يُصْرَفَ ذلك عمَّا عليه، وأنّ العَيْنَ ههنا إشارَةٌ إلى المَكانِ الذي يَنْبُعُ منه الماءُ لا إلى الماءِ بعَيْنِهِ، نحوُ نَزَلْتُ بـعَيْنٍ، فصارَ كَقَوْلِكَ مكاناً يَشربُ بـه، وعلى هذا {فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} [آل عِمرَان: 188] أي بِـمَوْضِعِ الفَوْز.
باءَ: قالَ تَعالى: {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [البَقَرَة: 61] أي انْصَرَفُوا ورَجَعُوا وقد حَلَّ عليهم غضبُ اللَّهِ. ولا يُقالُ: باءَ إلاَّ موصولاً إِمَّا بِخَيْرٍ وإمَّا بشرٍّ، وأَكثرُ ما يُسْتَعْملُ في الشرِّ، فيقال: باءَ بِذَنْبِهِ، يَبوءُ بِهِ.
وأما في الخير: باء، يتبوّأ {نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} [الزُّمَر: 74]، وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} [يُوسُف: 56] أي ينزل منها عزيزاً حيث يشاء.
وعَنْ عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ قالَ: جَعَلَ اللَّهُ تعالى الأَنفالَ إلى نبيّهِ فَقَسَمَها بَيْنَهُم على بَوَاء (أي على سَواءٍ بَيْنَهُم في القَسْمِ)، وقالَ قومٌ: هو الاعْترافُ، ومعناهُ أنَّ قومَ موسى (ع) اعترفوا بِمَا يُوجِبُ غضبَ الله تَعالى. قالَ الشاعر:
إنِّي أَبُوءُ بِعِشْرَتِي وَخَطِيئَتِي رَبّي وَهَلْ إِلاَّ إِليْكَ الْمَهْرَبُ
بال: البالُ: الحالُ التي يُكْتَرَثُ بها، ولذلك يُقالُ: ما بالَيْتُ بكذا بالَةً، أي ما اكْتَرَثْتُ به. قال تعالى: {كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } [محَمَّد: 2]، وقال {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى } [طه: 51] أي حالُهُمْ وخبَرُهُم، ويُعَبَّرُ بالبالِ عنِ الحالِ الذي يَنْطَوي عليه الإنسانُ، فَيُقالُ خَطَرَ كذا ببالِي.
بان: يُقالُ: بانَ واسْتَبانَ وتَبَيَّنَ وقد بَيَّنْتُهُ {وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ} [العَنكبوت: 38]، {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} [إبراهيم: 45]، {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ } [الأنعَام: 55]، {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البَقَرَة: 256]، {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ} [الحَديد: 17]، {وَلأُِبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} [الزّخرُف: 63]، {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النّحل: 44]، {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} [النّحل: 39]، {فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [النُّور: 1]، {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ} [البَقَرَة: 185]. ويقالُ: آيةٌ مُبَيَّنةٌ اعْتِباراً بمَنْ بَيَّنَها، وآيةٌ مُبَيِّنَةٌ، وآياتٌ مُبَيَّناتٌ ومُبَيِّناتٌ. والبَيِّنَةُ: الدَّلالَةُ الواضِحَةُ عقلِيَّةً كانَتْ أو مَحْسوسَةً، وسُمِّيَ الشاهدانِ بَيِّنَةً لقولِهِ (ص) «البَيِّنَةُ على المُدَّعِي واليَمِينُ على مَنْ أنكَرَ»(18). وقال سُبْحانَهُ: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} [هُود: 17]، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفَال: 42]، {جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} [الأعرَاف: 101]. والبيانُ: الكَشْفُ عن الشيءِ، وهُو أعَمُّ مِنَ النُّطْقِ مُخْتَصٌّ بالإِنْسان ويُسَمَّى ما بُيِّنَ به بياناً. قال بَعْضُهُمْ: البيانُ يَكُونُ على نوعين أحَدُهُما بالتَّنْجِيز، وهُوَ الأشياءُ التي تدلُّ على حال مِنَ الأحْـوالِ مِـنْ آثـارِ صُنْعِـهِ، والثانِـي بالاخْتِبار، وذلكَ إمّا أنْ يَكُونَ نُطْقاً أو كِتابَةً أو إشارةً، فَمِما هو بيانٌ بالحَالِ قولهُ: {وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } [الزّخرُف: 62] أي كَوْنُهُ عَدُوّاً بَيِّنٌ في الحال، وكذلك: {تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ } [إبراهيم: 10]. وما هو بَيانٌ بالاخْتِبارِ {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النّحل: 44]. وسُمِّيَ الكَلامُ بَياناً لِكَشْفِهِ عنِ المعْنَى المَقْصُودِ إظْهارُهُ نحوُ {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ} [آل عِمرَان: 138]. وسُمِّيَ ما يُشْرَحُ به المُجْمَلُ والمُبْهَمُ مِنَ الكلامِ بياناً، نحـوُ: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } [القِيَامَة: 19]. ويُقالُ: بَيَّنْتَهُ وأبَنْتَهُ، إذا جَعَلْتَ له بَياناً تَكْشِفُهُ، نحو {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النّحل: 44]. وقال: {نَذِيرٌ مُبِينٌ } [الأعرَاف: 184]، {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ } [الصَّافات: 106]، {وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } [الزّخرُف: 52] أي يُبَيِّنُ، {وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } [الزّخرُف: 18].
بأر: {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ } [الحَجّ: 45] وأصلُهُ الهَمْزُ. يُقالُ بأرْتُ بئراً، وبَأرْتُ بُؤْرَةً، أي حَفِيرَةً، ومنه اشْتُقَّ المِئْبَرُ وهو في الأصْلِ حَفِيرَةٌ يُسْتَرُ رأسُها لِيَقَعَ فيها مَنْ مَرَّ عليها، ويقالُ لها المِغْواةُ، وعُبِّر بها عن النَّمِيمةِ المُوقِعَةِ في البَليَّةِ، والجمعُ المآبرُ.
بتر: بَتَرَهُ بَتْراً: قَطَعَهُ مُستأصِلاً، والبَتْرُ يُستَعْمَلُ في قَطْعِ الذَّنَبِ، ثم أُجْرِيَ قطعُ العَقِبِ، فقيلَ: فلانٌ أبْتَرُ، إذا لم يكنْ له عَقِبٌ يَخْلُفُهُ. ورَجُلٌ أبْتَرُ وأباتِرٌ: انقطعَ ذِكرُهُ عنِ الخَيْر. ورَجُلٌ أباتِرٌ: يَقْطَعُ رَحِمَهُ. وقيلَ على طَرِيقِ التشبيهِ: خُطْبَةٌ بَتْراءُ لِما لَمْ يُذْكَر فيها اسمُ اللَّهِ تعالى، وذلكَ لِقَولِه (ص) «كُلُّ أمْرٍ لا يُبْدَأ فيه بِذكرِ اللَّهِ فهو أَبْتَرُ»(19)، وقوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ } [الكَوثَر: 3] أي المقطوعُ الذِّكْر. وذلك أنهُمْ زَعَمُوا أنّ محمداً (ص) يَنْقَطِعُ ذِكْرُهُ إذا انْقَطَعَ عُمْرُهُ بموتِ أبنائِهِ الذكور، فنبَّه تبارك وتعالى أنّ الذي يَنقطِعُ ذِكْرُهُ هو الذي يَشْنَؤُهُ ـ يَبْغُضُهُ ـ، فأمّا هو (ص) ففي الدرجة الرفيعة كما وَصَفَهُ اللَّهُ تعالى بقولِهِ الكريم: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [الشَّرح: 4] وذلكَ لِجعلهِ أباً لِلمُؤْمِنينَ، وتَحْمِيدِ مَنْ يُراعِيه ويُراعِي دينَهُ الحَقَّ. وإلى هذا المَعْنَى أشارَ عَليُّ بنُ أبي طالب رضي الله عنه بقولِه «العُلَماءُ باقُونَ ما بَقي الدَّهْرُ أعْيانُهُمْ مَفْقُودَةٌ وآثارُهُمْ في القُلوبِ موْجودةٌ» هذا في العلماءِ الذينَ هُمْ تُبَّاعُ النبيّ عليه وعلى آله الصلاةُ والسلامُ، فكيفَ هُوَ وقد رَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ ذِكرَهُ وجعلَه خاتمَ الأنبياءِ والمرسلين عليه وعليهمْ أفضلُ الصلاةِ والسلامِ؟!
بأس: البُؤْسُ: الفقر وشدة الحاجة، والبَأْساءُ: الحاجة والشِّدَّةُ والمكروهُ، إلا أنّ البُؤْسَ في الفقرِ والحربِ أكثَرُ. والبأسُ في العذاب الشديد، والبَأساءُ في الحرب نَحْوُ: {وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً } [النِّسَاء: 84]، {فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ} [الأنعَام: 42]، {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} [البَقَرَة: 177]، {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} [الحَشر: 14]. وقد بَؤُسَ يَبْؤُسُ. {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [الأعرَاف: 165] ـ على وزن فَعِيلٍ ـ مِنَ البَأسِ أو مِنَ البُؤْسِ. فلا تَبْتَئِسْ، أي لا تَلْتَزمِ البُؤْسَ ولا تَحْزَنْ، وفي الخَبَر أنه (ص) كان يكرهُ البُؤْسَ والتَّباؤُسَ والتَّبَؤُّسَ، أي الضَّراعَة لِلْفُقَراءِ أو أنْ يَجْعَل نَفْسَهُ ذَلِيلاً ويَتَكَلَّفَ ذلك جَمِيعاً. وبئْسَ: كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ في جمِيع المَذامِّ، كما أنّ «نِعْمَ» تُسْتَعْمَلُ في جمِيعِ المَمادِحِ، ويَرْفَعانِ ما فيه الألِفُ واللاّمُ أو مضافاً إلى ما فيه الألِفُ واللاَّمُ، نحوُ: بئْسَ الرجلُ زيدٌ، وبئسَ غلامُ الرجلِ زيدٌ. ويَنْصبانِ النكِرَةَ نَحوُ بئْسَ رجلاً. قال تعالى: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } [المَائدة: 79] أيْ شَيئاً يَفْعَلونه. وقال {وَبِئْسَ الْقَرَارُ } [إبراهيم: 29]، {فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ } [غَافر: 76]، {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } [الكهف: 50]، {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } [المَائدة: 63].
بتك: الْبَتْكُ يُقارِبُ البَتَّ، لكن البَتْكُ يُسْتَعْمَلُ في قطعِ الأعْضاءِ والشَّعَر. يُقالُ بَتَكَ شَعَرَهُ وأذُنَهُ {فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ} [النِّسَاء: 119] ومنه سَيْفٌ باتِكٌ قاطِعٌ لِلأعضاءِ، وبَتَّكْتُ الشعرَ: تَناوَلْتُ قِطْعَةً منه، والبِتْكَةُ: القِطْعَةُ المنْجَذِبَةُ. جَمْعُها بِتَكٌ. قال الشاعر:
طارتْ وفي يَدِها مِنْ رِيشِها بِتَكُ
وأمّا البَتُّ فيقالُ في قطْع الحَبْلِ والوَصْلِ. ويقالُ طَلَّقْتُ المرأةَ بَتَّةً وبتْلَةً وبَتَتُّ الحكْمَ بَيْنَهما، ورُوِيَ: لا صِيامَ لِمنْ لم يَبُتَّ الصومَ مِنَ الليلِ. والبَشْكُ مثلُهُ يُقالُ في قطعِ الثوبِ، ويُستعملُ في الناقَةِ السَّرِيعةِ: ناقَةٌ بَشكَى وذلك لتشبيهِ يدِها في السُّرعَة بِيَدِ النَّاسِجَةِ في نحوِ قولِ الشاعِر:
فِعلَ السرِيعةِ بادرت حَدَّادَهَا قبلَ المساء تَهمّ بالإِسراعِ
بتل: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } [المُزّمل: 8] أي انْقَطِعْ في العبادةِ وإخلاصِ النيةِ انْقطاعاً يَخْتَصُّ به، وإلى هذا المعنَى أشارَ بقولِهِ عَزَّ وجَلَّ: {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ} [الأنعَام: 91] وليس هذا مُنافِياً لِقولِه عليه وعلى آله الصلاةُ والسلامُ «لا رَهْبانِيَّةَ ولا تَبَتُّلَ في الإسلامِ»(20) فإنّ التَّبَتُّلَ ههنا هُو الانقطاع عنِ النكاحِ، ومنهُ قيلَ لِمَرْيَمَ العذْراءُ البتولُ أي المنقطعةُ عنِ مفاتن الدُّنيا إلى طاعة اللهِ تعالى، وبه سُمِّيتْ فاطمةُ بنت النبيّ (ص) . والانقطاع عنِ النكاحِ والرغبةُ عنهُ محظورٌ، لِقولِه عَزَّ وجَلَّ: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النُّور: 32] وقوله عليه وعلى آله الصلاةُ والسلامُ: «تناكحُوا تكثُرُوا فإنِّي أباهِي بكُمُ الأُمَمَ يومَ القيامةِ»(21).
بث: أصلُ البثِّ التفرِيقُ وإثارةُ الشيء، كَبَثَّتِ الريحُ التراب وبَثُّ النفسِ ما انطوتْ عليه مِنَ الغَمِّ والسِّرِّ. يقالُ بَثَثْتُه فانبَثَّ، ومنه قولُه عَزَّ وجَلَّ: {فَكَانَتْ هَبَاءَ مُنْبَثًّا } [الواقِعَة: 6]، أما قولُه عزَّ وجلَّ: {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَآبَّةٍ} [البَقَرَة: 164] أي وَفَرَّقَ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّة، وَهِيَ إشارةٌ إلى إيجادِهِ تعالى ما لم يكنْ موجوداً وإظهارِهِ إياهُ. وقولُه عزَّ وجلَّ: {كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ } [القَارعَة: 4] أي المُهَيَّجِ بعدَ سكونِهِ وخَفائِهِ. وقال عزَّ وجلَّ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يُوسُف: 86] وَالمقصود هُنَا الهمُّ أَوِ الغَمُّ الّذِي لا يَقْدِرُ صَاحِبُهُ على كِتْمَانِهِ فَيَبُثُّهُ أَيْ: يخرجه من صدره ويُفَرِّقُهُ.
بجس: يقالُ: بَجَسَ الماءُ وانْبَجَسَ: انْفَجَرَ، لكِن الانْبِجاسُ أكثرُ ما يقالُ في ما يَخْرُجُ مِنْ شيءٍ ضَيِّقٍ، والانفِجارُ يُستعملُ فيه وفي ما يَخْرُجُ مِنْ شيءٍ واسِعٍ، ولذلك قال عَزَّ وجلَّ: {فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً} [الأعرَاف: 160] وقال في موضعٍ آخَرَ {فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً} [البَقَرَة: 60] فاستُعْمِلَ حيثُ ضاقَ المخرَجُ اللفظانِ. قال تعالى: {وَفَجَّرْنَا خِلاَلَهُمَا نَهَرًا } [الكهف: 33] وقال {وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً} [القَمَر: 12] ولم يَقُلْ: بَجَسْنا. والانْبِجاسُ: النّبوعُ، ويكونُ الانبجاسُ عامّاً والنّبوعُ للعَيْنِ خاصّةً.
بحث: البحثُ: الكشفُ والطلبُ، يقالُ: بَحَثْتُ عن الأمْر وبَحَثْتُ كذا. قال الله تعالى: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ} [المَائدة: 31]. وقيلَ: بَحَثَت الناقةُ الأرضَ بِرجْلِها في السَّيْرِ، فهي بُحُوث؛ والبُحُوثُ «سورة براءة» سُمِيتْ بذلك لأنها بَحَثَتْ عن المنافقين وأسرارهم، ومفردُها بَحْثٌ.
بحر: أصل البَحْرِ كُلُّ مكانٍ واسِعٍ جامِعٍ للماءِ الكثِيرِ، هذا هو الأصلُ ثم اعْتُبِر من ناحيةِ سَعَتِهِ المُعايَنةِ، ومنه قولُهُم «إن فلاناً لبَحْرٌ»، ومنه: بَحَرْتُ البَعِيرَ: شَقَقْتُ أُذُنَهُ شَقّاً واسِعاً، ومنه سُمِّيَتِ البَحِيرَةُ. قال تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ} [المَائدة: 103] وذلك ما كانُوا يَفْعَلُونَهُ بالناقةِ، إذا وَلَدَتْ عشرةَ أبْطُنٍ شَقُّوا أُذُنَها ثم تركوها فلا تُركَبُ ولا يُحْمَلُ عليها، وسَمَّوْا كُلَّ مُتوسِّعٍ في شيءٍ بَحْراً حتى قالوا: فرسٌ بَحرٌ باعتِبارِ سَعَةِ جَرْيهِ. وقال عليه وعلى آله الصلاةُ والسلامُ في فرسٍ ركِبَهُ «وَجَدْتُهُ بَحْراً»(22). وللمتوسِّعِ في عِلْمِهِ بحرٌ، وقد تَبَحَّرَ أي توسَّعَ في كذا. والتَّبحُّرُ في العلمِ: التَّوسُّعُ. واعْتُبرَ مِنَ البحرِ تارةً مُلُوحَتُهُ فقيلَ ماءٌ بَحْرانيٌّ أي مِلحٌ، ومنه أبْحَرَ الماءُ، قال الشاعرُ:
وقد عادَ ماءُ الأرضِ بَحْراً فزادَني إلى مَرَضي أن أبْحَرَ المَشْرَبُ العَذْبُ
وقال بعضُهمْ: البحرُ يقالُ لِلْماءِ المِلْحِ والعَذْب لِكنْ غَلب عليه الملحُ حتى قلّ في العَذْبِ وهو الراجح. قال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [فَاطِر: 12]. وقيلَ لِلسَّحابِ الذي كَثُرَ ماؤُهُ: بَناتُ بَحْرٍ. وقوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الرُّوم: 41] أي عمّ الفسادُ في البرّ والبحر. وقيلَ أرادَ في البوادِي والأرْيافِ لا فيما بَينَ الماءِ، وقولُهُمْ: لَقِيتُهُ (صَحْرَةَ بَحْرَةَ) أي ظاهِراً حَيْثُ لا شيءَ يَسْتُرُهُ عنك.
بخس: البخْسُ نقصُ الشيءِ على سَبِيلِ الظُّلمِ. قال تعالى {وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ } [هُود: 15] أي لا يُظلمون. وقال تعالى: {وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [الأعرَاف: 85] أي لا تنقصوا الناس حقوقهم. والبَخْسُ والباخِسُ: الشيءُ الطفيفُ الناقِصُ. {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} [يُوسُف: 20] دراهم معدودات، أي ناقِصٍ دون ثَمَنِهِ لأن البَخْسَ نقصانُ الحق، وقِيلَ: مَبْخُوسٌ؛ أي منقوصٌ، ويقالُ: تباخسُوا، أي تَناقَصُوا وتَغابَنُوا فَبَخَسَ بَعْضُهُم بَعْضاً.
بخع: البَخْعُ: قتلُ النفسِ غَمّاً {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} [الكهف: 6]، وحَثّ على تركِ التأسُّفِ نحوُ {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فَاطِر: 8]. وَالْبَاخِعُ: الْقَاتِلُ الْمُهلِكُ، وَيُقَالُ: بَخَعَ نَفْسَهُ يَبْخَعُهَا بَخْعاً وَبُخُوعاً. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالى في سُورَةِ الشُّعَراء: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } [الشُّعَرَاء: 3] أَيْ مُهْلِكٌ وَقَاتِلٌ نَفْسَكَ غمّاً وأسىً عَلَى آثَارِ قَوْمِكَ الّذِينَ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ تَمَرُّداً مِنْهُمْ عَلَى أمر رَبِّهِمْ. قال ذو الرمّة:
ألا أيُّهذا الباخِعُ الوَجْدِ نفسَهُ بشيءٍ نَحَتْهُ عن يديكَ المقادِرُ
وبَخَعَ له بالحَقِّ، إذا أقَرَّ بِهِ وأذْعَنَ مَعَ كَراهَةٍ شَديدَةٍ تجري مجرى بَخْعِ نفسِهِ في شِدَّتهِ.
بخـل: البُخْـلُ إمْسـاكُ المُقْتَنَياتِ عَمَّا لا يَحِقُّ حَبْسُها عنه، ويُقابِلُهُ الجُودُ. يُقـالُ: بَخِـلَ فهو باخِلٌ. وأما البَخِيلُ فالذي يكثُر منه البُخْلُ كالرَّحِيمِ مِنَ الرَّاحِـمِ. والبُخْـلُ ضَرْبانِ بُخْلٌ بِقَنِيَّاتِ نَفْسِهِ، وبُخْلٌ بقنيَّاتِ غيرِهِ، وهو أكْثَرُهُما ذَمّاً، دَلِيلُنا على ذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [النِّسَاء: 37].
بدأ: يقالُ بَدَأتُ بكذا وأبْدَأتُ وابْتَدَأتُ، أي قَدَّمْتُ. والبَدْءُ والإِبداءُ: تَقْدِيمُ الشيء على غيرِهِ. {وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ } [السَّجدَة: 7]، {كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} [العَنكبوت: 20]، {اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ} [يُونس: 34]، {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } [الأعرَاف: 29]. ومَبْدَأ الشيء: هو الذي منه يَتَرَكَّبُ أو منه يكونُ،فالحُرُوفُ مبدَأ الكَلام والخَشَبُ مبدَأ البابِ والسَّرير، والنواةُ مَبْدَأ النخلِ. يُقالُ للسَّيِّدِ الذي يُبْدَأ به إذا عُدَّ السادات: بَدْءٌ، واللَّهُ هو المبْدِىءُ المعِيدُ، أي هو السبَبُ في المَبْدإِ والنِّهايَةِ. ويُقالُ «رَجَعَ عودَهُ على بَدْئِهِ» إذا رجع في الطريق الذي جاءَ منه. وفعلَ ذلك عائِداً وبادِئاً ومُعِيداً ومُبْدِئاً. وأبْدَأتُ مِنْ أرْضِ كذا، أي ابتَدَأتُ منها بالخُرُوجِ. وقولُهُ بادِىءَ الرأي أي ما يُبْدَأ مِنَ الرَّأيِ، وهو الرأيُ الفَطِيرُ (الرأي الذي يقال قبل إدراكه). وقُرِىءَ بادِيَ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ، أي الذي يَظْهرُ مِنَ الرأي ولم يُرَوَّ فيه. قَوْلُهُ تَعَالى: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} [هُود: 27]، أي ما اتّبعك إلا الأراذل فيما ظهر لهم من الرأي بغير تفكّر ولا تدبّر.
بـدر: {وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا} [النِّسَاء: 6] أي مُسارعَةً. يُقالُ بَدَرْتُ إليه وبادَرْتُ. وبادرت: أسرعت. والمعنى، لا تسرعوا بأكل أموال اليتامى مخافة أن يُلزمكم دفعَ أموالهم إليهم. والبَدْرُ، قيلَ سُمِّيَ بذلك لِمُبَادَرَتِهِ الشَّمْسَ بالطُّلُوعِ، وقِيلَ لامْتِلائِهِ تشبيهاً بالبدْرَةِ، فعلَى ما قِيلَ يكونُ مصدراً في معنى الفاعِلِ. والأقربُ عِندِي أنْ يُجْعَلَ البَدْرُ أصلاً في البابِ ثم تُعْتَبَرُ معانِيهِ التي تَظْهَرُ منهُ، فيقالُ تارةً بَدَرَ كذا أي طَلَعَ طُلُوعَ البدرِ، ويُعْتَبَرُ امتِلاؤُهُ فَشُبِّهَ البدْرَةُ به. والبَيْدَرُ: مكان جمع الغَلَّةِ بعد حصادها. وبدْر في قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} [آل عِمرَان: 123] هُو موضِعٌ مَخْصُوصٌ بَيْنَ مكةَ والمَدِينَةِ.
بدع: الإبداعُ: إنشاءُ صنعةٍ بِلا احتذاءٍ واقتداءٍ، ومنه قِيلَ: رَكِيَّةٌ بدِيعٌ أي جَدِيدَةُ الحَفْرِ. وإذا اسْتُعْمِلَ في اللَّهِ تعالى فهُو إيجادُ الشيءِ بِغيرِ آلةٍ ولا مادّةٍ ولا زمانٍ ولا مكانٍ، وليسَ ذلك إلا للَّهِ العزيزِ الحكيمِ. والبدِيعُ يُقالُ لِلمُبْدِعِ، نحوُ: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [البَقَرَة: 117] ويُقالُ لِلمُبْدَعِ، نحوُ رَكِيَّةٌ بدِيعٌ. وكذلك البِدْعُ يُقالُ لَهُما جميعاً بمعنَى الفاعِلِ والمفعولِ. وقولُهُ تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 9] قِيلَ: أي مبدَعاً لم يَتَقَدَّمْني رسولٌ، وقِيلَ: مبدِعاً فِيما أقولُهُ. والبدْعةُ في المذْهَب إيراد قولٍ لم يَسْتَنَّ قائِلُها وفاعلُها فيهِ بِصاحِبِ الشريعةِ وأماثِلِها المتقدِّمَة وأصُولِها المُتْقَنَةِ، ورُوِيَ «كُلُّ مُحْدَثةٍ بِدعةٌ وكُلُّ بدعَةٍ ضلالةٌ وكُلّ ضلالةٍ في النارِ». قال ابن الأثير: البدْعَةُ بِدعتان بدعةُ هُدًى وبِدعَةُ ضَلالٍ، فما كانَ في خِلافِ ما أمَرَ به اللَّهُ ورسُلُهُ فَهو في حَيِّزِ الذَّمِّ والإِنْكارِ، وما كانَ واقعاً تحتَ عُمومِ ما نَدَبَ اللَّهُ إليه أو رسُلُه فهو في حَيِّز المَدْحِ. والإِبداعُ بالرجُلِ: الانقطاعُ به لِما ظَهَرَ من كَلال راحلَتِهِ وهُزالِها.
بـدل: الإبدالُ والتَّبْدِيلُ والتبدُّلُ والاستبدالُ: جَعْلُ شيء مكانَ آخَرَ، وهُو أعَـمُّ مِنَ العِوَضِ، فإنَّ العِوَضَ هُو أنْ يَصِيرَ لَكَ الثانِي بإعطاءِ الأوَّل، والتَّبْدِيلُ قد يُقال لِلتَّغيِير مطلقاً وإنْ لم يَأتِ بِبَدَلِهِ. قال تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [البَقَرَة: 59]، {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} [النُّور: 55]. وقال جلّ وعَلا: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفُرقان: 70] قِيلَ هو أن يَعْمَلُوا أعْمالاً صالِحةً تُبْطِلُ ما قَدَّمُوهُ مِنَ الإساءَة، وقيل: هو أنْ يَعْفُوَ تعالَى عن سيئاتِهِمْ ويحْتَسِبَ بحَسناتِهِمْ. وقال تعالى {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ} [البَقَرَة: 181] {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} [النّحل: 101]، {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} [سَبَإ: 16]، {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ} [الأعرَاف: 95]، و {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ} [إبراهيم: 48] أي تُغَيَّرُ عن حالِها. {أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} [غَافر: 26]، {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ} [البَقَرَة: 108]، {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} [محَمَّد: 38]. وقولُهُ: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: 29] أيْ لا يُغَيَّر ما سَبَقَ في اللَّوحِ المحفوظِ تنبيهاً على أنّ ما عَلِمَهُ أنْ سَيكونُ سوف يكونُ على ما قد علمَهُ لا يَتَغَيَّرُ عن حالِهِ، وقيلَ لا يَقَعُ في قَولِه خُلْفٌ. وعلى الوجهينِ قولهُ: {لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} [يُونس: 64]، و {لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الرُّوم: 30] قِيلَ معناه أمْرٌ، وهو نهيٌ عنِ الخصاءِ. والأبْدالُ: قومٌ صالِحونَ يَجْعَلُهُم اللَّهُ مكانَ آخَرِينَ مِثْلِهِمْ ماضِينَ. وحَقيقَتُهُ: أنهم همُ الَّذينَ بدَّلوا أحوالَهُم الذمِيمَةَ بأحوالِهِم الحمِيدَةِ، وهمُ المُشارُ إليهمْ بقولِهِ تعالَى: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفُرقان: 70] وقيل هُمُ الأولياءُ والعُبّادُ، سُمّوا بذلك لأنهم كلما ماتَ منهم واحدٌ أُبدلَ به آخَرَ. والبَأْدَلَةُ: ما بَيْنَ العُنُقِ إلى التَّرقوةِ، والجمْعُ البآدِلُ. قال الشاعِرُ:
ولا رَهْلَ لَبَّاتُهُ وبآدِلُه
بدن: البَدَنُ: الجَسَدُ، لكنِ البَدَنُ يقالُ اعْتباراً بِعظَمِ الجُثَّةِ، والجَسَدُ يقالُ اعتباراً باللونِ ومنهُ قِيلَ ثوبٌ مُجَسّد، ومنه قِيلَ امْرَأةٌ بادِنٌ وبدِينٌ، عظيمةُ البَدَنِ، وسُمِّيتِ البدَنَةُ بذلكَ لِسِمَنِها. يقالُ: بَدَنَ، إذا سَمِنَ، وبَدَّنَ كذلكَ، وقِيلَ بَلْ بَدَّنَ، إذا أسَنَّ. وأنْشَدَ:
وكُنْتُ خِلْتُ الشَّيْبَ والتَّبْدِينَ
وعلى ذلك ما روِي عنِ النَّبيِّ عليه وعلى آله الصلاةُ والسلامُ «لا تبادِرُوني في الركوعِ والسجودِ فإنِّي قد بَدَّنْتُ»(23) أيْ كَبِرْتُ وأسْنَنْتُ. وقولهُ {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} [يُونس: 92] أي بِجَسَدِكَ. وقيلَ يَعْني بِدرْعِكَ، فقد يُسمَّى الدرعُ بَدَنَةً لِكونِها على البَدنِ، كما يُسمَّى موْضِعُ اليَدِ مِنَ القَمِيصِ يداً وموضِعُ الظهر والبطنِ ظهراً وبَطناً. وقولُه تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الحَجّ: 36] هو جَمْعُ البَدَنَةِ التي تُهْدَى بنية القربة إلى الله ـ تعالى ـ وقْتَ العمرة أو الحجِّ، ويُقال للذكر والأُنثى لأن التاء للوحدة وليس للتأنيث.
بدا: بَدَا الشيءُ بَدْواً وبَدَاءً، أيْ ظَهَر ظهوراً بَيِّناً {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ } [الزُّمَر: 47]، {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا} [الزُّمَر: 48]، {فَبَدَتْ لَهُمَا سُوْآتُهُمَا} [طه: 121]. والبَدْوُ خِلافُ الحَضرِ {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} [يُوسُف: 100] أيْ البادِيةِ وهيَ كُلُّ مكانٍ يَبْدُو ما يَعِنُّ فيه أي يَعْرِضُ. ويقالُ للمُقِيمِ بالبادِيَةِ: بادٍ {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحَجّ: 25]، {لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ} [الأحزَاب: 20].
بذر: التبذيرُ: التَّفْرِيقُ، وأصلُهُ إلقاءُ البَذْرِ وطرْحُهُ، فاسْتُعيرَ لِكُلِّ مالٍ أُنْفِقَ في السّرْفِ. فتَبْذيرُ البَذْرِ تَضْيِيعٌ في الظاهِرِ لِمَنْ لم يَعْرِفْ مآلَ ما يُلْقِيهِ {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيْاطِينِ} [الإسرَاء: 27]، {وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا } [الإسرَاء: 26]. والبَذُورُ: النمّامُ، والبذيرُ: من لا يستطيع أن يُمْسِكَ سِرّه.
برأ: أصلُ البُرْءِ والبَرَاءِ والتَّبَرِّي: التَّخلُّص ممَّا يُكْرَهُ مُجاوَرَتُهُ، والتَّفَلُّتُ مِنْ دَيْنٍ أو بَلِيَّةٍ أَوْ غيرِ ذلِكَ، ولذلك قِيل بَرَأْتُ منَ المَرَضِ، وبَرَأتُ مِنْ فُلانٍ. وتَبَـرَّأتُ وأبْرَأتُـهُ مِـنْ كـذا وبَرأتُهُ، ورجلٌ بَريءٌ وقومٌ بُرَآءُ وبَرِيئُونَ. {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التّوبَة: 1]، {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التّوبَة: 3]، {أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ } [يُونس: 41]، {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المُمتَحنَة: 4]، {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَِبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ } [الزّخرُف: 26]، {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} [الأحزَاب: 69]، {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا} [البَقَرَة: 166]. وَبَرَأَ اللهُ الخَلْقَ: خَلَقَهُمْ على غير مِثالٍ، وقد خُصّ البارِئُ بِوَصْفِ اللَّهِ تعالى، نحوُ قولِهِ {الْبَارِىءُ الْمُصَوِّرُ} [الحَشر: 24] وقولِه تعالى: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ} [البَقَرَة: 54]. والبَرِيَّةُ: الخَلْقُ، قِيلَ أصلُهُ الهَمْزُ فَتُركَ، وقِيلَ: ذلكَ مِنْ قولِهِمْ بَرَيْتُ العُودَ، وسُمِّيَتْ بَريَّةً لِكونها مَبْرِيَّةً عنِ البَرَى أي التُّرَابِ. وقولُه تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحَديد: 22] أَيْ منْ قبْلِ أَنْ نَخْلُقَ الأنفُسَ. وقال تعالى: {أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } [البَيّنَة: 7]، وقال: {شَرُّ الْبَرِيَّةِ } [البَيّنَة: 6]. والبَرَاءُ: أولُ ليلة من الشهر؛ وابن البَراءِ: آخرُ ليلةٍ من الشهر.
برج: البُروجُ: القصورُ والحصون، الواحِد بُرْجٌ، وبه سُمِّيَ بروجُ النُّجُومِ لِمَنازِلِها المُخْتَصَّةِ بها {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ } [البُرُوج: 1]، {الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} [الفُرقان: 61]. وقوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النِّسَاء: 78] يصحُّ أنْ يُرَادَ بها بُرُوجٌ في الأرض، وأنْ يُرَادُ بها بُرُوجُ النَّجْمِ، ويكونُ استعمالُ لفظِ المشيَّدَةِ فيها على سبيلِ الاستعارةِ وتكونُ الإِشارةُ بالمعنَى إلى نحوِ ما قال زهَيْرٌ:
ومَنْ هابَ أسْبَابَ المَنايَا يَنَلْنَهُ ولو نالَ أسبابَ السماءِ بِسُلَّمِ
أما أنْ تكونَ البروج في الأرضِ، فتكونُ الإِشارةُ إلى ما قال الآخر:
ولو كنتُ في غِمْدانَ يَحْرُسُ بابَهُ أراجيلُ أحْبُوشٍ وأسْوَدُ آلِفُ
إذاً لأَتَتْني حيثُ كنتُ مَنِيَّتِي يَحُثُّ بها هادٍ لإِثْريَ قائفُ
وثوبٌ مُبَرَّجٌ: صُوِّرَتْ عليه بُروج، فاعْتُبِرَ حُسنُهُ، فقيلَ: تَبَرَّجَتِ المرأةُ، أي تَشَبَّهَتْ به في إظْهارِ المحاسِن. وقيلَ: ظَهَرَتْ مِنْ بُرْجِها أي قَصْرها، ويَدُلُّ على ذلك قولهُ تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزَاب: 33] وقولُهُ: {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ} [النُّور: 60]. والبُرْجُ: سَعَةُ العينِ وحُسْنُها، تَشبيهاً بالبُرْجِ في الأمْرَيْنِ.
برح: البَراحُ: المكانُ المُتَّسِعُ الظاهِرُ الذي لا بِناءَ فيه ولا شَجَرَ، فَيُعْتَبَرُ تارةً ظُهُورُهُ فيقالُ. فَعَلَ كذا بَرَاحاً أي صُرَاحاً لا يَستُرُهُ شيءٌ. وبَرحَ الخَفاءُ: ظَهَرَ، كأنه حَصَلَ في بَراحٍ يُرَى، ومنهُ بَراحُ الدارِ. وبَرَحَ: ذَهَبَ في البرَاحِ، ومنهُ البارِحُ: لِلرِّيحِ الشدِيدَةِ، والبارِحُ: مِنَ الظِّباءِ والطّيْرِ. لكنْ خُصَّ البارِحُ بِما يَنْحَرِفُ عنِ الرامي إلى جِهَةٍ لا يُمكنُهُ فيها الرَّمْيُ فَيُتَشاءَمُ به، وجمعُهُ بوارِحُ. وخُصَّ السانِحُ بالمُقْبِلِ مِن جِهَةٍ يمكِنُ رَمْيُهُ ويُتَيَمَّنُ به. والبارِحَةُ: الليلَةُ الماضِيَةُ. وبَرِحَ: ثَبَتَ في البَراحِ، ومنه قولهُ عَزَّ وجلَّ: {لاَ أَبْرَحُ} [الكهف: 60] وخُصَّ بالإِثبات، كقَوْلِهِمْ (لا أزالُ) لأنّ بَرِحَ وزالَ اقْتَضيَا معنَى النَّفْي، ولا للنَّفْي، والنَّفْيانِ يحْصُلُ مِنَ اجتِماعِهِما إثباتٌ، وعلى ذلكَ قولُه عَزَّ وجَلَّ: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ} [طه: 91] وقال تعالى {لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ} [الكهف: 60]. ولَمَّا تُصُوِّرَ مِنَ البارِحِ معنَى التَّشاؤُمِ اشتُقَّ منهُ التَّبْرِيحُ والتبارِيحُ، فقيلَ بَرَّحَ بي الأمْرُ، وبَرَّحَ بِي فلانٌ، في التقاضي، وضَرَبَهُ ضَرْباً مُبَرِّحاً. وقيلَ لِلرامِي إذا أخْطَأ: بَرْحَى، دعاءٌ عليه. وإذا أصابَ: مَرْحَى، دعاءٌ له. ولقيتُ منه البُرَحِينَ والبُرَحاءَ أي الشدائدَ، وبُرَحاءُ الحُمَّى: شِدّتُها. ويقالُ بالتعجب «ما أبْرَحَ هذا الأمر» أي ما أعجَبَهُ.
برد: أصلُ البَرْدِ خِلافُ الحَرِّ، فتارةً يُعْتَبَرُ ذاتَهُ، فيقالُ: بَرَدَ كذا أي اكتَسَبَ بَرْداً، وبَرَدَ الماءُ كذا، أي كسبَهُ بَرْداً نحوُ:
سَتَبْرُدُ أكباداً وتبكي بَوَاكيا
ويقال بَرَّدَهُ. ومنهُ البَرَّادَةُ لِما يُبَرِّدُ الماءَ. قال الأصمعي: ما يَحْمِلُكُم على نَوْمةِ الضُّحى، قال: إنها مَبْرَدةٌ في الصيفِ ومَسْخَنَةٌ في الشتاءِ؛ ويقالُ بَرَدَ كذا، إذا ثَبَتَ ثُبُوتَ البَرْدِ، واختصاصُ الثبوتِ بالبَرْدِ كاختصاصِ الحركَةِ بالحرِّ، فيقالُ بَرَدَ كذا، أي ثَبَتَ، كما يقالُ بَرَدَ عليه دَيْنٌ. قال الشاعِرُ:
اليومُ يومٌ بارِدٌ سَمومُهُ
وقال آخر: «قد بَرَدَ الموتُ علَى مُصطَلاهُ أيَّ برودٍ» أي ثَبَتَ، يقالُ لم يَبْرُدْ بِيَدِي شَيْءٌ: أي لم يَثْبُتْ. بَرَدَ الإنِسانُ: ماتَ. وبَرَدَهُ: قَتَلَهُ، ومنه السُّيُـوفُ البوارِدُ، وذلك لِمَا يَعْرِضُ للميتِ مِنْ عدمِ الحرارةِ بفقدانِ الرُّوحِ، أو لِمَا يَعْرِضُ له مِنَ السكونِ. وقولُهُم للنومِ بَرْدٌ إمّا لِمَا يَعْرِضُ مِنَ البردِ في ظاهِرِ جِلْدِهِ أو لمَا يَعْرِضُ له مِنَ السكونِ، وقد عُلِمَ أنَّ النومَ مِنْ جنْسِ الموتِ لِقولِهِ عَزَّ وجَلَّ: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزُّمَر: 42]. وقال: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلاَ شَرَابًا } [النّبَإِ: 24] أي نوماً. وعيشٌ بارِد، أي طَيِّبٌ اعتباراً بِما يجِدُ الإِنسانُ مِنَ اللذةِ في الحرِّ مِـنَ البَـرْدِ أو بِما يجِدُ فيه مِنَ السكونِ. والبَرْدَانِ: الغداةُ والعَشِيُّ، لِكونِهِما أبْرَدَ الأوقاتِ في النهارِ. والبَرَدُ: ما يَبْرُدُ مِنَ المَطَرِ في الهواءِ فيصلبُ وهو حَبّ الغَمامِ. وبَرَدَ السَّحابُ، اختصَّ بالبَرَد، وسَحابٌ أبْرَدُ وبَرِدٌ: ذو بَرَدٍ {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ} [النُّور: 43]. والبَرْدِيُّ: نَبْتٌ يُنْسَبُ إلى البَرْدِ لِكونِهِ نابِتاً به. وقيلَ أصلُ كُلِّ داءٍ البَرْدَةُ، أي التُّخَمَةُ، وسُميَتْ بذلـكَ لِكونِهـا عارِضَةً مِنَ البُرُودَةِ الطبيعيَّةِ التي تَعْجَزُ عنِ الهضمِ، والبَرُودُ نَوْعٌ مِنَ الأَكْحال، وبَرُودُ الظِّلّ: طيّبُ العِشْرَةِ، يقال للمذكر والمؤنث. وبَرَدْتُ الحَدِيدَ: سَحَلْتُهُ، مِنْ قولِهِمْ: بَرَدْتُهُ أي قَتَلْتُه. والبُرادَةُ: ما يَسْقُطُ من المبرود. والمِبْرَدُ: الآلَةُ التي يُبْرَدُ، بها. والبُرُدُ في الطُّرُقِ: جمعُ البَرِيدِ، وهُمُ الذينَ يَلْزَمُ كُلُّ واحِدٍ مَوْضِعاً منه معلُوماً، ثم اعْتُبِرَ فِعْلُهُ في تَصَرُّفِهِ في المكانِ المَخْصوصِ، فقيلَ لِكُلِّ سرِيعٍ هُوَ يَبْرُدُ وقِيلَ لِجنَاحي الطَّائِرِ بَرِيدَاهُ اعتباراً بأنّ منه يَجْرِي مَجْرَى البَريدِ مِنَ الناسِ في كونِهِ مُتَصَرِّفاً في طَرِيقِهِ، وذلك فَرْعٌ على فَرْعٍ على حَسَبِ ما يُبَيَّنُ في أصولِ الاشتقاقِ.
بر: البَرُّ: خِلافُ البَحْرِ، وتُصُوّرَ منه التَّوَسُّعُ فاشْتُقَّ منه البِرُّ أي التوَسُّعُ في فِعْلِ الخَيْرِ، ويُنْسَبُ ذلك إلى اللَّهِ تعالى تارة نَحْوُ: {إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ } [الطُّور: 28] وإلى العبدِ تارَةً فَيقالُ: بَرَّ العبدُ رَبَّه، أيْ تَوَسَّعَ في طاعَتِهِ، فَمِن اللَّه تعالى الثوابُ ومِنَ العبدِ الطاعَةُ، وذلكَ ضَرْبان: ضربٌ في الاعْتِقادِ وضربٌ في الأعْمال. وقد اشْتَمَلَ عليه قولُه تعالى: {لَيْسَ الْبِرُّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} [البَقَرَة: 177] الآيةَ، وعلى هذا ما رُوِيَ أنه سُئِلَ عليه وعلى آله الصلاةُ والسلامُ عنِ البرِّ فَتَلا هذه الآيةَ(24)، فإنّ الآيةَ مُتَضَمِّنَةٌ لِلاِعْتِقادِ، وحُسْنِ الأعْمالِ، والقيام بالفرائِضِ والنوافِلِ، وبِرُّ الوَالِديْنِ: التوسُّعُ في الإِحْسانِ إلَيْهِما، وضدُّهُ العُقُوقُ {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ} [المُمتَحنَة: 8]. ويُسْتَعْمَلُ البِرُّ في الصِّدْقِ لِكونِهِ بَعْضَ الخَيْرِ المُتَوَسّعَ فيه، يُقالُ بَرَّ في قوله، وبَرَّ في يَمينِهِ. وقولُ الشاعر:
أكونُ مكانَ البِرِّ منه
قِيلَ أرادَ به الفُؤادَ. وليس كذلكَ بل أرادَ ما تَقَدَّمَ أي يُحِبُّني مَحَبَّةَ البرِّ، ويُقالُ: بَرَّ أباهُ فهو بارٌّ. وعلى ذلك قوله تعالى: {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ} [مَريَم: 14]، {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي} [مَريَم: 32] وبَرَّ في يَمِينِهِ، فهو بارٌّ، وأبْرَرْتُهُ، وبَرَّتْ يَمِيني. وحَجٌّ مَبْرُورٌ، أيْ مَقْبُولٌ. وجَمْعُ البارِّ أبْرارٌ وبَرَرَةٌ. قال تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } [الانفِطار: 13]، وقال: {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } [المطفّفِين: 18]، وقال في صِفَةِ الملائكةِ: {كِرَامٍ بَرَرَةٍ } [عَبَسَ: 16] فَبَرَرَةٌ خُصَّ بها الملائكةُ في القرآنِ مِنْ حيثُ إنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ أبرارٍ فإِنَّهُ جمعُ بَرٍّ. وبَرٌّ أبلغُ مِنْ بارٍّ، كما أنّ عَدْلاً أبلغُ من عادِلٍ. والبُرُّ معروفٌ وهو القمحُ أو الحنطة، قال ابنُ دُرَيْد: البُرّ أفْصَحُ من القمح والحنطةِ للحاجة إليه في الغِذاءِ. والبَرِيرُ خُصَّ بِثَمَرِ الأراكِ ونحوِهِ. وقولُهم: لا يَعْرِفُ الهِرَّ مِنَ البِرِّ، قِيلَ هُما حكايَتَا الصَّوْتِ، والصحيحُ أنّ معناهُ: لا يَعْرفُ من يَبَرُّهُ ومَنْ يُسِيءُ إليه. والبَرْبَرَةُ: كثرةُ الكلامِ.
برز: البَرَازُ: الفَضاءُ. وبَرَزَ: حَصَلَ في بَرَازٍ، وذلك إما أنْ يَظْهَرَ بذاتِهِ، نحوُ: {وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً} [الكهف: 47] تنبيهاً أنه تَبْطُلُ فيها الأبْنِيَةُ وسُكَّانُها، ومنه المُبارَزَةُ للقتالِ، وهيَ الظُّهُورُ منَ الصَّفِّ {لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ} [آل عِمرَان: 154]، {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ} [البَقَرَة: 250]. وإمّا أنْ يَظْهَرَ بِفَضْلِهِ، وهو أنْ يَسْبِقَ في فِعْلٍ محمودٍ، وإمّا أنْ يَنْكَشِفَ عنه ما كان مَسْتُوراً منهُ، ومنه قولهُ تعالى: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [إبراهيم: 48]، {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا} [إبراهيم: 21]، {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ} [غَافر: 16]. وقولهُ عَزَّ وجلَّ: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ } [الشُّعَرَاء: 91] أي أُظهرتْ وكُشف الغطاء عنها للضالين تَنْبِيهاً أنَّهُمْ يُعْرَضُونَ عليها. والبَرْزُ من الرجال، مَنْ كان مَوْثوقاً بعقله ورأيه وعفافِهِ، والبَرْزَةُ مَنَ النساء، التي تظهرُ للناس ويجلسُ إليها القومُ وهي عفيفةٌ عاقلة.
برزخ: البَرْزَخُ: الحاجِزُ والحدُّ بينَ الشّيئينِ، وقِيلَ أصلُهُ بَرْزَه فَعُرِّبَ {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ } [الرَّحمن: 20]. والبَرْزَخُ في القِيامَة: الحائِلُ بَيْنَ الإِنسانِ وبينَ بُلُوغ المنازِلِ الرَّفِيعَةِ في الآخِرَةِ، وذلك إشارةٌ إلى العَقَبَةِ المذكورةِ في قولِه عَزَّ وجلَّ: {فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ } [البَلَد: 11]. قال تعالى {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [المؤمنون: 100] وتلكَ العَقَبَةُ مَوانِعُ مِنْ أحْوالٍ لا يَصِلُ إليها إلاَّ الصالِحونَ. وقِيلَ: البَرْزَخُ هو ما بينَ الموتِ إلى البعث يوم القِيامَةِ.
برص: قال تعالى: {الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ} [آل عِمرَان: 49]. البَرَصُ: داءٌ مَعْروفٌ، بَيَاضٌ يظهرُ في الجسدِ لفسادِ المزاجِ، وقِيلَ للقَمَرِ أبْرَصُ للنُّكْتَةِ التي عليه، وسامُّ أبْرَصَ، سُمِّيَ بذلك تشْبِيهاً بالبَرَصِ. والبَرِيصُ هو البريقُ الذي يَلْمَعُ لَمعانَ الأبرصِ، ويقاربُ البَصيصِ.
برق: البَرْقُ: لَمعانُ السَّحابِ {فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ} [البَقَرَة: 19]. يُقالُ بَرَقَ وأبْرَقَ. وبَرَقَ، يقالُ في كُلِّ ما يَلْمَعُ، نحوُ سيفٌ بارِقٌ. وبَرَقت السماءُ: لَمَعَتْ أو جاءتْ بِبَرْقٍ. وبَرِقَ وبَرَقَ، يقالُ في العَيْنِ إذَا اضْطَرَبَتْ وجالَتْ مِنْ خَوْفٍ {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ } [القِيَامَة: 7] وقُرِىء بَرَقَ، أيْ دُهِشَ فلم يُبْصِرْ؛ وتُصُوِّرَ منهُ تارةً اختلافُ اللَّونِ، فقيلَ: البَرْقَةُ هو الأرضُ ذاتُ حجارةٍ مُخْتَلِفةِ الألوانِ. والأبرَقُ: الجَبَلُ فيه سوادٌ وبياضٌ، وسَمَّوا العينَ بَرْقاءَ لذلك. وناقَةٌ بَرُوقٌ: تَلْمَعُ بذَنَبِها. والبَرْوَقَةُ: شَجَرَةٌ تَخْضَرُّ إذا رأتِ السَّحابَ، وهيَ التي يقالُ فيها: أشْكَرُ مِنْ بَرْوَقَةٍ. وبَرَقَ طَعامَهُ بِزيْتِهِ، إذا جَعَلَ فيه قليلاً يَلْمَعُ منه. والبارِقَةُ سحابةٌ ذاتُ بَرْقٍ. والأُبَيْرِقُ، السيفُ لِلمَعَانِهِ. والبُراقُ: قِيلَ هو دابَّةٌ ركِبها النبيٌّ (ص) لَمَّا عُرِجَ به إلى السماء، واللَّهُ أعلَمُ بِكِيفيَّتِهِ، مشتقّةٌ مِنَ البَرْق؛ والأبريقُ مَعْرُوفٌ. وتُصُوِّرَ مِنَ البَرْقِ، ما يَظْهَرُ مِنْ تَجْوِيفِهِ، فقيلَ: بَرَقَ فُلانٌ وَرَعَدَ، وأبْرَقَ وأرْعَدَ، إذَا تَهَدَّدَ وأَوْعَدَ.
برك: أصلُ البَرْكِ صَدْرُ البَعِيرِ، وإن اسْتُعْمِلَ في غَيْره. ويقالُ له بِرْكَةٌ. وبَرَكَ البَعِيرُ: ألْقى بَرْكَهُ أي صدرَهُ بالأرضِ، واعتُبِرَ منه معنَى الملزومِ، فقيلَ: ابْتَرَكُوا في الحَرْبِ، أي ثَبَتُوا ولازَموا مَوْضِعَ الحَرْبِ. وبَرَاكاءُ الْحرْب وَبُرُوكاؤها: للمكانِ الذي يَلْزَمُهُ الأبْطالُ. وابْتَركَتِ الدَّابَّةُ: وقَفَتْ وقُوفاً كالبُرُوكِ. وسُمِّيَ مَحْبَسُ الماءِ بركْةً. والبَرَكةُ: ثُبُوتُ الخيرِ الإِلَهيِّ في الشيءِ {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعرَاف: 96] وسُمّيَ بذلك لثُبوت الخيرِ فيه ثُبُوتَ الماءِ في البِرْكَةِ. والمُبَارَكُ: ما فيه ذلك الخيرُ، وعلى ذلك {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ} [الأنبيَاء: 50] تنبيهاً على ما يُفيضُ عليه مِنَ الخيراتِ الإِلهِيَّةِ. وقال: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ} [ص: 29]، وقولُه تعالى: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا} [مَريَم: 31] أي مَوْضِعَ الخيراتِ الإِلهِيَّةِ. وقولهُ تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدّخان: 3]، {رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكًا} [المؤمنون: 29] أي حيثُ يُوجَدُ الخيرُ الإلهِيُّ. وقولُه تعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا} [ق: 9] فَبَركَةُ ماءِ السماءِ هِي ما نَبَّهَ عليه بقولِهِ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ} [الزُّمَر: 21] وبقولِهِ تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ} [المؤمنون: 18]. ولَمَّا كان الخيرُ الإِلهِيُّ يَصْدُرُ مِنْ حيثُ لا يُحَسُّ وعلى وجهٍ لا يُحْصَى ولا يُحْصَرُ، قِيلَ لِكُلِّ ما يُشاهَدُ منه زيادةٌ غَيْرُ مَحْسُوسةٍ، هُو مُبارَكٌ، وفيه بَرَكَةٌ، وإلى هذِهِ الزِّيادَةِ أشِيرَ بِمَا رُوِيَ أنه لا يَنْقُصُ مالٌ مِنْ صَدَقَةٍ، لا إلى النُّقْصانِ المَحْسُوسِ حَسْبَ ما قال بَعْضُ الخاسِرِينَ حيثُ قيلَ له ذلك؟ فقالَ: بَيْني وبَيْنَكَ المِيزانُ. وقولُه تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} [الفُرقان: 61] فَتَنْبيهٌ على ما يُفِيضُهُ علينا مِنْ نِعَمِهِ بواسطَةِ هذِهِ البُرُوجِ والنيِّرات المذكورةِ في هذهِ الآيَةِ، وتبارك اللَّهُ أي تقدّسَ وتَنَزّهَ وتعالى وتعاظمَ. وقولُه تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } [المؤمنون: 14]، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} [الفُرقان: 1]، {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ} [الفُرقان: 10]، {فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [غَافر: 64] {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [المُلك: 1] كُلُّ ذلك تَنْبيهٌ على اختصاصِهِ تعالى بالخيراتِ المذكورةِ مَعَ ذِكْرِ «تَباركَ» وهي لفظة خاصَّةٌ باللَّهِ تَعالى وحده لا تَكون لغيرهِ.
برم: الإِبْرامُ: إحْكامُ الأمْرِ {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ } [الزّخرُف: 79]. وأصْلُهُ مِنْ إبْرَامِ الحَبْلِ، وهو تَرديدُ فَتْلِهِ. قال الشاعِرُ:
على كُلِّ حالٍ مِنْ سَحيلٍ ومُبْرَمِ
والبَرِيمُ: المُبْرَمُ، أي المفتولُ فَتْلاً مُحْكماً، يقالُ: أبْرَمْتُهُ فَبَرِمَ، ولهذا قِيلَ للبخيلِ الذي لا يدْخُلُ في المَيْسِرِ: بَرَمٌ، كما يقالُ للبخيلِ: مَغْلُولُ اليَدِ. والمُبْرِمُ: الذي يُلِحُّ ويُشدِّدُ في الأمرِ، تشبيهاً بِمُبْرِمِ الحبلِ، والبَرَمُ كذلك. ويقالُ لِمَنْ يأكُلُ تَمْرَتَيْنِ تَمْرَتَيْنِ بَرَمٌ، لِشدةِ ما يَتَناولُهُ بَعْضُهُ على بَعْضٍ. ولَمَّا كان البَريمُ مِنَ الحَبْلِ ذي اللَّوْنَينِ الذي قَدْ تشُدّهُ الجاريَةُ إلى وسطها، فقد سُمِّيَ كُلُّ ذِي لَوْنَيْنِ به، ومنه البريمان أي الجيشان من عرب وعجم. والبُرْمَةُ في الأصْلِ هِيَ القِدْرُ المُبْرَمَةُ، وجَمْعُها برامٌ، نحوُ حُضْرَةٍ وحِضارٍ، وجُعِلَ على بِناءِ المَفْعُولِ نَحْوُ ضُحَكَةٍ وهُزَأةٍ.
بره: البُرْهانُ: بيانٌ للحُجَّةِ، وهو فُعْلانُ مثْلُ الرُّجْحانِ والثُّنْيانِ. وقال بَعْضُهُمْ هو مَصْدَرُ بَرهَ يَبْرَهُ، إذا ابْيَضَّ، ورجلٌ أبْرَهُ وامْرَأةٌ بَرْهاءُ وقومٌ بُرْهٌ. وبَرُهْرَهَةٌ: شابَّةٌ بَيْضاءُ أو امرأةٌ رقيقة الجلد من شدةِ الرفاهية. والبُرْهَةُ: مدّةٌ مِنَ الزَّمانِ، فالبُرْهانُ أوكَدُ الأَدِلَّةِ، وهو الذي يَقْتَضِي الصِّدْقَ أبداً لا محالةَ، وذلك أنّ الأدلَّةَ خَمْسَةُ أوْجه: دلالَةٌ تَقْتَضِي الصِّدْقَ أبداً، ودَلالةٌ تَقْتَضِي الكَذِب أبداً، ودَلالةٌ إلى الصِّدْقِ أقْرَبُ، ودَلالةٌ إلى الكَذِبِ أقْرَبُ، ودَلالةٌ هِيَ إليهما سواءٌ. قال تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [البَقَرَة: 111]، {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ} [الأنبيَاء: 24]، {قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [النِّسَاء: 174].
بزغ: بزَغَتِ الشمسُ: بَدَأَ طلوعُها أو شَرَقَتْ، وكذلك القمرُ {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً} [الأنعَام: 78]، {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا} [الأنعَام: 77] أي طالِعاً مُنْتَشِرَ الضَّوْءِ، وبَزَغَت النابُ، إذا شَقَّت اللحمَ فخرَجَت؛ وبَزَغَ البَيْطار الدَّابَّةَ: شَرَطَها وأسالَ دَمَها.
بسر: البَسْرُ: الاسْتِعْجالُ بالشيءِ قبلَ أوانِهِ، نحو بَسَرَ الرجلُ الحاجَةَ: طَلَبَها في غَيرِ أوانِها. وبَسَرَ الْفَحْلُ الناقَةَ: ضَرَبَها قبلَ الضَّبَعةِ. وماءٌ بَسْرٌ: مُتَناوَلٌ مِنْ غَيْرِهِ قبلَ سُكونِهِ. وقِيلَ لِلْقَرْحِ الذي يُنْكَأ قبلَ النَّضْجِ: بَسْر، ومنْهُ قِيلَ لِمَا يُدْرَكُ مِنَ التَّمْرِ: بُسْرٌ. وقولُه عزَّ وجَلَّ: {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ } [المدَّثِّر: 22] أي أظْهَرَ العُبُوسَ قبل أوانِهِ وفي غيرِ وقتِهِ، فإنْ قِيلَ فقولُهُ: {وَوَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } [القِيَامَة: 24] فإشارةٌ إلى حالِهِمْ قبلَ الانْتهاءِ إلى النارِ، فخُصَّ لفظُ البُسْرِ تنبِيهاً أنّ ذلكَ معَ ما ينالُهُمْ مِنْ بُعْدٍ يَجْرِي مَجْرى التكلُّفِ ومجرَى ما يُفْعَلُ قبلَ وقْتِهِ، ويَدُلُّ على ذلكَ الآية التي تليها وهي قولُهُ عزَّ وجلَّ: {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } [القِيَامَة: 25] أي داهية عظيمة تكسر فقار الظهر.
بَسَسَ: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا } [الواقِعَة: 5] أي فُتِّتَتْ، مِنْ قولِهِمْ: بَسَسْتُ الحِنْطَةَ والسَّوِيقَ بالماءِ: فَتَتُّه به، وهِيَ البَسِيسَةُ. وقيلَ معناه، سُقْتُ سَوْقاً سَرِيعاً، مِنْ قولِهِم انْبَسَّتِ الحَيَّاتُ: انْسابَتِ انْسِياباً سرِيعاً، فيكونُ كقولِهِ عَزَّ وجلَّ: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} [الكهف: 47] وكقولِهِ: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النَّمل: 88]. وبَسَسْتُ الإِبِلَ: زَجَرْتُها عِنْدَ السَّوْقِ. وأبْسَسْتُ بها عِنْدَ الحَلْبِ، أيْ رَقَّقْتُ لها كَلاماً تَسكُنُ إليه. وفي الحَديثِ «جاءَ أهْلُ اليَمَنِ يَبُسُّونَ عيالَهُم» أيْ كانُوا يَسُوقُونَهمْ. والبَسُوسُ: امْرأةٌ مشْؤومةٌ قامت الحربُ بسببها بين بكرٍ وتغلب أربعينَ سنةً، وهي خالةُ جَسّاسِ بْنِ مُرَّة الشَّيْبانيِّ.
بسط: بَسطَ الشيءَ: نشرَهُ وتوسَّعهُ، فتارة يُتصوَّرُ منه الأمرانِ، وتارةً يُتصوّرُ منه أحَدُهُما. ويُقالُ: بَسَطَ الثَّوبَ أي نَشرَهُ، ومنهُ البِساطُ، وذلك اسمٌ لكلّ مبسوطٍ {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا } [نُوح: 19] والبِساطُ: الأرضُ المُتَّسِعَةُ. وبَسيطُ الأرضِ: مبْسُوطُهُ، والبَسِيطة: اسمُ الأرض التي نعيش عليها؛ واسْتَعارَ قومٌ البَسْطَ لِكلِّ شيءٍ لا يُتصوَّرُ فيه تركِيبٌ وتأليفٌ ونظمٌ {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} [البَقَرَة: 245]، وقوله: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ} [الشّورى: 27] أي لو وسَّعَهُ، و {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البَقَرَة: 247]، أيْ سَعَةً. قال بَعْضُهُمْ: بَسْطَتُهُ في العلْمِ هو أن انتَفَعَ هُوَ به ونَفَع غَيْرَهُ فَصارَ له به بَسْطَةٌ، أي جُودٌ. وبَسْطُ اليَدِ: مَدُّها {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف: 18]. وبَسْطُ الكَفِّ يُستعمَلُ تارةً لِلطَّلَبِ {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ} [الرّعد: 14] وتارةً للأخْذِ {وَالْمَلاَئِكَةُ بَاسِطُو} [الأنعَام: 93] وتارةً للصَّوْلَةِ والضَّرْبِ {وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ} [المُمتَحنَة: 2] وتارةً للْبَذْلِ والإِعْطاءِ {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المَائدة: 64] .
بسق: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ } [ق: 10] أي طَويلاتٍ، والباسِقُ هو الذاهِبُ طُولاً مِنْ جِهَةِ الارتِفاعِ، ومنه بَسَقَ فلانٌ على أصحابِهِ: عَلاَهُمْ.
بسل: البَسْلُ: ضمُّ الشيءِ ومنعُهُ، ولِتَضَمُّنِهِ لِمَعْنَى الضمِّ اسْتُعِيرَ لتَقْطِيبِ الوَجْهِ، فقيلَ هو باسِلٌ ومُبْتَسِلُ الوَجْهِ، ولتَضَمُّنهِ لمعْنَى الْمَنِعِ قِيلَ لِلْمُحَرَّم والمُرْتَهَـنِ بَسْلٌ. وقوله تعالى: {وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} [الأنعَام: 70] أيْ تُحْرَمَ الثوابَ. وَقَولهُ عزَّ وجلَّ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا} [الأنعَام: 70] أي حُرمُوا الثـوابَ، وفُسِّـر بالارْتِهـانِ، لِقـوله: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } [المدَّثِّر: 38] وَقِيـل أُبْسِلوا، أي أُسْلِمُوا لِلْهَلَكَةِ فلا خَلاَصَ لهم. ويُقالُ: أَبْسَلْتُهُ بِجَرِيرَتِهِ، إذا أَسْلَمْتُهُ بِها. والمُسْتَبْسِلُ: الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّهُ لا يَقْدِرُ على التَّخَلُّصِ مِمَّا يُحِيطُ بِهِ. وقيلَ لِلشَّجاعَةِ البَسالةُ، إمّا لما يُوصَفُ به الشُّجاعُ منْ عُبُوسِ وجههِ، أو لكونِ نَفْسِهِ مُحَرَّماً على أقرانِهِ لِشَجاعَتهِ، أو لِمنعِهِ لما تحتَ يدِهِ عن أعْدائِهِ. وأبْسَلْتُ المكانَ: حَفِظْتُهُ وجَعَلتُهُ بَسْلاً على مَنْ يُريدُهُ. والبُسْلَةُ: أجْرَةُ الرَّاقِي، وذلك لَفْظٌ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِ الرَّاقِي، أبْسَلْتُ فُلاناً أي جَعَلْتُهُ بَسْلاً، أيْ شُجاعاً قَوياً على مُدافَعَةِ الشَّيْطانِ أو الحيَّاتِ والهوامِّ، أو جَعَلْتُهُ مُبْسَلاً، أي مُحَرَّماً عَلَيْها لأنّ البَسْلَ هو الحرامُ، ويُستعَمل لضدِّهِ فهُوَ الحَلاَلُ، وسُمِّيَ ما يُعْطَى الرَّاقي بُسْلَةً.
بسم: بَسَمَ وتبسّمَ وابْتَسَمَ: ضَحِكَ قَليلاً بلا صَوْتٍ، قولُهُ تعالى: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا} [النَّمل: 19] أي فَتَبَسَّمَ سُليمانُ (ع) ضَاحِكاً لَمَّا سَمِعَ قَوْلَ النَّمْلَةِ {لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ} [النَّمل: 18]. وقد كانَ تَبَسُّمُهُ تَعَجُّباً، ذلك أَنَّ الإنسانَ إذا رأى ما لاَ عَهْدَ له بِهِ تَعَجَّبَ. وبَسْمَلَ الرجلُ بَسْمَلَةً معناه قال: بسم الله، وهو من الأفعالِ المُرَكَّبَةِ مِنْ كلمتينِ نحوُ حَمْدَلَ (الحمدُ للَّه) وحَوْقَلَ (لا حولَ ولا قوة إلاَّ باللَّه) وحَسْبَلَ (حسبُنا اللَّهُ).
بشر: البَشَرَةُ ظاهِرُ الجِلدِ، والأدَمَةُ باطِنُهُ. كذا قال عامَّة الأدبَاءِ، وقال أبو زيدٍ بِعَكسِ ذلك، وجَمْعُها بَشَرٌ وأبْشارٌ. وعُبّرَ عنِ الإِنْسانِ بالبَشَر اعْتِباراً بِظُهورِ جِلْدِهِ مِنَ الشَّعَر، بِخلافِ الحَيَواناتِ التي عليها الصُّوفُ أو الشَّعَرُ أو الوَبَرُ، واسْتَوَى في لَفْظ البَشَر الواحِدُ والجَمْعُ، والتَّثْنِيَةُ،كما خُصَّ في القُرْآنِ كُلُّ موْضعٍ اعْتُبِرَ مِنَ الإِنْسانِ جُثَّتُهُ وظاهِرُهُ بِلفْظِ البَشَر نَحوُ: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَرًا} [الفُرقان: 54]، وقال عزَّ وجلَّ {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ } [ص: 71] ولما أرادَ الكفَّارُ الغَضَّ مِنَ الأنْبِياء اعْتَبَرُوا ذلك، فقالُوا {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ } [المدَّثِّر: 25]، وقال تعالى: {أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ} [القَمَر: 24]، {مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا} [يس: 15]، {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} [المؤمنون: 47]، {فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} [التّغَابُن: 6]. وعلى هذا قال: {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف: 110] تَنْبِيهاً أنّ الناسَ يَتَساوَوْنَ في البَشَريَّةِ، وإنَّما يَتَفاضَلُونَ بما يَخْتَصُّونَ به مِنَ المَعارِفِ الجلِيلَةِ والأعمالِ الجَمِيلَةِ، ولذلك قال بعدَهُ: {يُوحَى إِلَيَّ} [الكهف: 110] تَنْبِيهاً أنّي بذلك تَمَيَّزْتُ عنكم. وقال تعالى: {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} [آل عِمرَان: 47] فَخُصَّ لَفْظُ البَشرِ. وقوله: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا } [مَريَم: 17] فَعِبارَةٌ عنِ الملك جبريل (ع) ونَبَّهَ أنَّهُ تَشَبَّهَ لها وتَرَاءَى لَها بِصُورَةِ بشَرٍ. وقولُه تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا} [يُوسُف: 31] فإِعظامٌ له وإجلالٌ، وأنَّهُ أكرَمُ مِنْ أنْ يَكونَ جَوْهَرُهُ جَوْهَرَ البَشَر. وبشَرْتُ الأدِيمَ: أصَبْتُ بَشَرَتَهُ، نحو أنَفْتُ ورَجَلْتُ. ومنه بَشَرَ الجَرَادُ الأرضَ، إذَا أكَلَتْهُ. والمُباشَرَةُ: الإِفضاء بالبَشَرَتَيْنِ، وكُنِّي بها عنِ الجماعِ {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البَقَرَة: 187]، {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البَقَرَة: 187]. وفُلانٌ مُؤْدَمٌ مُبْشَرٌ، أصْلهُ مِنْ قولِهِمْ أبْشَرَهُ اللَّهُ وآدَمَهُ، أي جَعَلَ له بَشَرَةً وأدَمَةً محمودةً، ثم عُبِّرَ بذلك عـنِ الكامـلِ الذي يَجْمَعُ بَيْنَ الفَضِيلَتَيْنِ الظاهِرَةِ والباطِنَةِ، وقيلَ معناهُ جمعُ لينِ الأدَمَةِ وخُشُونَةِ البَشَرَةِ. وأبْشَرْتُ الرجُلَ وبَشَّرْتُهُ وبَشَرْتُهُ: أخْبَرْتُهُ بِسارٍّ بَسَـطَ بَشَـرَةَ وَجْهِـهِ، وذلـك أنّ النفسَ إذَا سُرَّتْ انْتَشَرَ الدمُ فيها انْتِشارَ الماءِ في الشَّجَـر. وبيـنَ هذِهِ الألفاظِ فُرُوقٌ، فإنّ بَشَرْتُهُ عامٌّ، وأبْشَرْتُهُ نحوُ أحْمَدتُهُ، وبَشَّرْتُهُ على التكثِير، وأبْشَرَ يكونُ لازماً ومُتَعَدِّياً. يقالُ بَشَرْتُهُ فأبْشَرَ أي اسْتَبْشَـرَ وأبْشَرْتُـهُ. وقُـرىء: يُبَشِّـرُكِ ويَبْشُـرُكِ ويُبْشِـرُكَ. قـال عـزَّ وجـلَّ: {قَالُوا لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ } [الحِجر: 53]، {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبْشِّرُونَ } [الحِجر: 54]، {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ} [الحِجر: 55]. واسْتَبْشَرَ، إذا وجَدَ ما يُبَشِّرُهُ مِنْ الفَرَجِ {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ} [آل عِمرَان: 170]، {يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ} [آل عِمرَان: 171]، {وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ } [الحِجر: 67]. ويقالُ للخبَر السَّارِّ البِشارَةُ والبُشْرَى {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [يُونس: 64]، {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ} [الفُرقان: 22]، {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} [العَنكبوت: 31]، {يابُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ} [يُوسُف: 19]، {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ} [آل عِمرَان: 126]. والبَشِيـرُ: المُبَشِّـرُ {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} [يُوسُف: 96]، {فَبَشِّرْ عِبَادِ } [الزُّمَر: 17] وهـو الذي {يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} [الرُّوم: 46]، أي تُبَشِّرُ بالمَطَر. وقال (ص) «لم يَبْقَ من النبوَّةِ إلاَّ المُبَشِّرَاتُ»(25) وهي الرُّؤى الصالِحةُ التي يَرَاها المُؤْمِنُ أو تُرَى له. وقال تعالـى: {فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ} [يس: 11]. وقـال: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [آل عِمرَان: 21] و {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ} [النِّسَاء: 138] و {وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [التّوبَة: 3] فاسْتعـارَةُ ذلـك تنبيهٌ أنّ أسَرَّ ما يَسْمَعونَهُ الخبرُ بِمَا يَنالُهُمْ مِنَ الْعذابِ، وذلك نحوُ قَولِ الشاعِر:
تَحيَّةُ بَيْنِهِمُ ضَرْبٌ وجيعُ
ويَصِحُّ أنْ يكونَ على ذلك قولُهُ تعالى: {قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ } [إبراهيم: 30]. وقال عَزَّ وجلَّ: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَانِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ } [الزّخرُف: 17]. ويقالُ: أبْشَرَ، أيْ وَجَدَ بِشارة نحوُ أبْقَلَ وأمحَلَ {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } [فُصّلَت: 30]. وأبْشَرَتِ الأرضُ: حَسُنَ طُلُوعُ نَبْتِها، ومنه قولُ ابنِ مَسْعُودٍ «مَنْ أحَبَّ القُرْآنَ فَلْيُبْشِرْ»، أي فَلْيُسَرَّ. قال الفرّاء: إذا ثُقِّلَ فمن البُشرى، وإذا خُفِّفَ فمن السرور. يقال: بَشَرْتُهُ فَبُشِرَ نحو جَبَرْتُهُ فَجُبِرَ. وقال سِيبَوَيْهِ: فأبْشَرَ، قال ابنُ قُتَيْبَةَ هو مِنْ بَشَرْتُ الأدِيمَ إذا رَقَّقْتَ وجْهَهُ. قال ومعناهُ فَلْيُضَمّرْ نفسَهُ، كما رُوِي: إنّ وَرَاءَنا عَقَبةً لا يَقْطَعُها إلاَّ الضُّمَّرُ مِنَ الرِّجالِ(26). وعلى الأوّلِ قولُ الشاعِر:
فأعِنْهُمْ وابْشِرْ بِمَا بُشِرُوا به وإذا هُمُ نَزَلُوا بِضَنْكٍ فانزِلِ
وتَباشِيرُ الوَجْهِ وبِشْرُهُ: ما يَبْدُو منْ سُرورِهِ، وتَباشِيرُ الصُّبْحِ: أوائلُهُ، وتَباشِيرُ النَّخْلِ: الذي يبدو مِنْ رُطَبِهِ. ويُسَمَّى الّذي يُعْطَى للمُبَشِّر: بُشْرَى وبِشارَة.
بصر: البَصَرُ يُقالُ للجارِحَةِ الناظِرَةِ {كَلَمْحِ الْبَصَرِ} [النّحل: 77]، {وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ} [الأحزَاب: 10]، وللقوةِ التي فيها. ويُقالُ لقوّةِ القلبِ المُدْرِكَةِ بَصِيرَةٌ وبَصَرٌ {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } [ق: 22] أي حادٌّ قويّ، {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى } [النّجْم: 17]. وجمعُ البَصَر أبْصارٌ، وجمعُ البَصِيرَةِ بصائِرُ {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ} [الأحقاف: 26]. ولا يكادُ يُقالُ للجارِحَةِ بصيرَةٌ ويُقالُ مِنَ الأوّلِ أبْصَرْتُ، ومِنَ الثاني أبْصَرْتُهُ وبَصُرْتُ به، وقَلَّمَا يُقالُ بَصُرْتُ في الحاسَّةِ إذَا لم تُضامَّهُ رؤيَةُ القلبِ. وقال تعالى في الإبصار: {لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ} [مَريَم: 42]، {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} [السَّجدَة: 12]، {وَلَوْ كَانُوا لاَ يُبْصِرُونَ } [يُونس: 43]، {وأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ } [الصَّافات: 179]، {بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ} [طه: 96] ومِنهُ {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يُوسُف: 108] أيْ على مَعْرفَةٍ وتَحَقُّقٍ. وقولُهُ: {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } [القِيَامَة: 14] أي عليه مِنْ جَوارِحِهِ بَصِيرَةٌ تَبْصُرُهُ فَتَشْهدُ لهُ وعليه يومَ القِيامةِ، كما قال: {تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ} [النُّور: 24]. والضَّريرُ أَحْياناً يُقالُ له بَصِيرٌ لِما له مِنْ قُوَّةِ بَصيرَةِ القلبِ، ولهذَا لا يُقالُ له مُبْصِرٌ وباصِرٌ. وقوله عَزَّ وجلَّ: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعَام: 103] حَمَلَهُ كثيرٌ مِنَ المسلِمينَ على الجارِحَةِ، وقيلَ: ذلك إشارةً إلى الجوارح وإلى الأوهامِ والأفهامِ، كما قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: «التَّوحِيدُ أنْ لا تَتَوَهَّمَهُ» وقال: «كل ما أدْركْتَهُ فهو غَيرُهُ». والباصِرَةُ عِبارةٌ عنِ الجارِحَةِ الناظِرَة، يُقالُ: رَأيْتُهُ لَمحاً باصِراً، أي ناظِراً بِتَحْدِيقٍ. {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً} [النَّمل: 13]، {وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسرَاء: 12] أي مُضِيئَةً للأبصارِ. وكذلك قولُهُ عَزَّ وجلَّ: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} [الإسرَاء: 59] وقِيلَ معناهُ صار أهْلُهُ بُصَرَاءَ، نحوُ قولِهِمْ: رجلٌ مُخبِثٌ ومُضْعِفٌ أي أهْلُهُ خُبثاءُ وضُعَفاءُ. {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ} [القَصَص: 43] أي جَعَلْناها عِبْرَةً لَهُم. وقوله {وأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ } [الصَّافات: 179] أيْ انْتَظِرْ حتى تَرَى ويَرَوْا. وقوله عز وجلَّ {وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ } [العَنكبوت: 38] أي طالِبِينَ للبَصِيرَةِ. ويَصحُّ أنْ يُسْتَعارَ الاسْتبْصارُ للإِبصارِ، نحوُ اسْتِعارةِ الاسْتِجابةِ للإِجابة. وقوله عزَّ وجلَّ: {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً} [ق: 7-8] أي تبصِيراً وتَبْييناً. يُقالُ بَصَّرْتُهُ تبصيراً وتَبْصِرَةً، كما يُقالُ قدَّمْتُهُ تَقْدِيماً وتَقْدِمَةً وذكَّرْتُهُ تَذْكِيراً وتذكِرَةً. قال تعالى: {وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا يُبَصَّرُونَهُمْ} [المعَارج: 10-11] أي يُجْعَلُونَ بُصَراءَ بآثارِهِمْ.. والبَصْرَةُ حِجارَةٌ رِخْوَةٌ تَلْمَعُ كأنَّها تُبْصِرُ. أو سُمِّيَتْ بذلك لأنّ لَها ضوءاً تَبْصِرُ بِهِ مِنْ بُعدٍ، ويقالُ له بَصِرٌ. والبصيرَةُ قِطْعَةٌ مِنَ الدَّمِ تَلْمَعُ، والترسُ اللاَّمِعُ. والبُصْرُ: الناحِيَةُ. والبَصِيرَةُ: ما بَيْنَ شُقَّتَي الثوبِ والمِزادَةِ ونحوها التي يُبْصَر مِنها، ثم يقالُ: بَصَرْتُ الثوبَ والأديمَ، إذا خِطْتُ ذلك الموضِعَ منه.
بصل: البَصَلُ معْروفٌ. قال عَزَّ وجلَّ: {وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا} [البَقَرَة: 61] وبَيْضَةُ الحدِيدِ يُقال لها بَصَلٌ تشبيهاً بِهِ لِقَوْل الشاعِر:
وَتَرٌ كالبصلِ
بضع: البِضاعَةُ قطْعَةٌ وافِرةٌ مِنَ المالِ تُقْتَنَى للتجارَةِ، يقالُ: أبْضعَ بِضاعَةً وابْتَضَعَهَا {هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} [يُوسُف: 65]، {بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} [يُوسُف: 88]. والأصلُ في هَذِهِ الكلِمةِ البَضْعُ، وهو جُملةٌ مِنَ اللحْمِ تُبْضَعُ أي تُقْطَع، يقالُ بَضَعْتُهُ وبَضَّعْتُهُ فابتَضَع وتَبَضَّعَ، كقولِكَ قَطَعْتُهُ وقَطَّعْتُهُ فانْقَطَعَ وتَقَطَّعَ. والمِبْضَعُ: ما يُبْضَعُ بِهِ، نحوُ المِقْطَعِ. وكُنِّي بالبُضْعِ عَنِ الفَرْج، فقيلَ: مَلَكْتَ بُضْعَها. أي تَزوّجْتها وباضَعَها بِضاعاً، أي باشَرَها. وقيل: البَضْعُ مَهْرُ المرأة، أو عَقدُ النكاح أو الطلاق وفُلانٌ حَسَنُ البَضْعِ والبَضِيعِ والبَضْعَةِ والبِضاعَةِ: عِبارَةٌ عن السِّمَنِ. وقيلَ للجزيرَةِ المنقَطِعَةِ عنِ البَرِّ بَضِيعٌ. وفلانٌ بَضْعَةٌ منِّي أي جارٍ مَجْرى بعْضِ جَسَدِي لقُرْبِهِ مِنِّي. والباضِعَةُ: الشجَّةُ التي تَقْطَعُ الجِلْدَ وتَشُقّ اللَّحْمَ، والبِضْعُ بالكسر: المنقطِعُ مِنَ العَشَرَةِ. ويقالُ ذلك لِما بَيْنَ الثَّلاثةِ إلى العَشَرَةِ، وقيلَ بل هو فوقَ الخَمْسةِ ودونَ العَشَرَةِ {بِضْعَ سِنِينَ } [يُوسُف: 42].
بطؤ: البُطْءُ تَأَخُّرُ الانبِعاثِ في السَّيْر، يُقالُ: بَطُؤَ وتَبَاطَأَ واسْتَبْطَأَ وأَبْطَأَ فَبَطُؤَ، إِذا تَخَصَّصَ بالبُطْءِ، وتَباطَأَ: تَحَرَّى وتَكَلَّفَ ذلك، واسْتَبْطَأَ طَلَبَهُ، وَأَبْطَأَ: صارَ ذَا بُطْءٍ، ويُقالُ بَطَّأَهُ وأَبْطَأَهُ. وقولُه تعالى: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} [النِّسَاء: 72] أي يُثَبِّطُ غَيْرَهُ. وقِيلَ يُكَثِّر، وهُوَ التَّثَبُّطَ في نَفْسِهِ، والمَقْصِدُ مِنْ ذلك أَنَّ مِنْكُمْ مَنْ يَتَأَخَّرُ وَيُؤَخِّرُ غَيْرَهُ.
بطر: البَطَرُ الطغيانُ في النعمة، أي دَهَشٌ يَعْتَري الإِنسانَ مِنْ سُوء احتِمالِ النِّعْمَةِ وقِلَّةِ القيامِ بِحَقِّها وصَرْفِها إلى غيرِ وجْهِها {بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ} [الأنفَال: 47]، {بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} [القَصَص: 58] أصْلُهُ بَطِرَتْ مَعِيشَتُهُ فَصُرفَ عنه الفِعْلُ ونُصِبَ، ويُقارِبُ البَطَرَ الطَّرَبُ، وهو خِفَّةٌ أكثَرُ ما يَعْتَري مِنَ الفَرَحِ، وقد يقالُ ذلك في التَّرَحِ. والبيطار: معالجُ الدوابِّ: والبَيْطَرَةُ: مُعالجةُ الدَّابةِ.
بطش: البَطْشُ تناوُلُ الشيء بِصَوْلَة {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } [الشُّعَرَاء: 130]، {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} [الدّخان: 16]. البطشة: السطوة، الأخذ بالعنف، والبطشة الكبرى: القيامة، ويوم نبطش البطشة الكبرى: أي يوم القيامة. قال تعالى: {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا} [القَمَر: 36]، {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } [البُرُوج: 12] يقالُ: يدٌ باطِشَةٌ.
بطل: الباطِلُ نقِيضُ الحَقِّ، وهُوَ ما لا ثَباتَ له عندَ الفَحْصِ عنه، والجمع أباطيل. {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحَجّ: 62] وقد يقالُ ذلكَ في الاعتِبارِ إلى المقالِ والفِعالِ، يقالُ بَطَلَ بُطُولاً وبُطْلاً وبُطْلاناً، وأبْطَلَهُ غَيْرُهُ {وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأعرَاف: 118]، {لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} [آل عِمرَان: 71]. ويُقالُ للمُسْتَقِلِّ عمَّا يَعُودُ بِنَفْعٍ دُنْيَويٍّ أوْ أخْرَويٍّ: بَطَّالٌ، وهو ذُو بِطالةٍ، بالكَسْر. وقيلَ للشُّجاعِ المُتَعَرِّضِ للمَوْتِ بَطَلٌ تصوُّراً لبُطلانِ دَمِهِ. ويقالُ ذَهَبَ دَمُهُ بُطْلاً، أي هَدَراً. والإبطالُ، يقال في إفْسادِ الشيءِ وإزالَتِهِ حَقّاً كانَ ذلك الشيء أو باطِلاً {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} [الأنفَال: 8]. وقد يقالُ فيمَنْ يَقولُ شيئاً لا حَقِيقَةَ لهُ نحوُ: {وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ } [الرُّوم: 58]، وقولُهُ تعالى: {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ } [غَافر: 78] أي الذينَ يُبطِلونَ الحقَّ.
بطن: أصْلُ البَطْنِ الجارِحَةُ، وجمعُهُ بُطونٌ {وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النّجْم: 32]. وقد بَطَّنْتُهُ، أصبْتُ بطنَهُ. والبَطْنُ خِلافُ الظَّهْر في كُلِّ شيءٍ، ويقالُ للجهَةِ السُّفْلَى بَطْنٌ وللجهَةِ العُلْيَا ظَهْرٌ، وبِهِ شُبِّهَ بَطْنُ الأمْر وبَطْنُ البَوَادِي، والبَطْنُ مِنَ العَرَبِ، اعْتِباراً بأنَّهم كشخصٍ واحِدٍ، وأنّ كُلَّ قبيلَةٍ منهُم كعُضْوِ بطنٍ وفَخْذٍ وكاهِلٍ، وعلى هذا الاعتِبارِ قال الشاعرُ:
الناسُ جِسمٌ وإمامُ الهُدَى رَأسٌ وأنتَ العَيْنُ في الراسِ
ويقالُ لِكُلِّ غامِضٍ بَطْنٌ، ولِكُلِّ ظاهِرٍ ظَهْرٌ، ومنه: بُطْنانُ القِدْرِ وظَهْرانُها، ويقالُ لما تدرِكُهُ الحاسَّةُ ظاهِرٌ ولما يَخْفَى عنها باطِنٌ {وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الأنعَام: 120]، {مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعَام: 151]. والبَطِينُ: العظيمُ البَطْنِ. والبَطِنُ: الكَثيرُ الأكْلِ. والمِبْطانُ: الذي يُكثرُ الأكْلَ حتى يَعْظُمَ بَطْنُهُ. والبِطْنَةُ: كثرةُ الأكْلِ. وقيلَ: البِطنَةُ تُذْهِبُ الفِطْنَةَ. وقد بَطَنَ الرجُلُ بَطْناً، إذا أشِرَ مِنَ الشِّبَعِ ومِنْ كَثْرةِ الأكْلِ. وقد بَطُنَ الرجُلُ: عَظُمَ بَطْنُهُ. ومِبْطَنٌ: خَمِيصُ البَطْنِ. وبَطُنَ الإِنسانُ: أصِيبَ بَطْنُهُ، ومنه رجُلٌ مَبْطُونٌ: عَلِيلُ البَطْنِ. والبِطانَةُ خِلافُ الظِّهارَةِ. وبَطَّنْتُ ثَوْبِي بآخَرَ: جَعَلْتُهُ تَحْتَهُ. وتُسْتَعارُ البِطانَةُ لِمَنْ تَخْتَصُّهُ بالاطِّلاعِ على باطِنِ أمْرِكَ. {لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عِمرَان: 118] أي مُخْتَصّاً بِكمْ يَسْتَبْطنُ أمُورَكُمْ، وذلك اسْتِعارةٌ مِنْ بِطانَةِ الثَّوْبِ بِدلالةِ قولِهِمْ: لَبِسْتُ فُلاناً، إذا اخْتَصَصْتُهُ، وفُلانٌ شِعارِي ودِثارِي. ورُوِيَ عنه (ص) أنَّهُ قال: «مـا بَعَـثَ اللَّـهُ مِنْ نَبِيٍّ ولا اسْتَخْلفَ مِنْ خَلِيفَةٍ إلاَّ كانَتْ له بِطانَتانِ بِطانَةٌ تأمُرُهُ بالخَيْرِ وتَحُضُّهُ عليه وبِطانَةٌ تَأمُرُه بالشَّرِّ وتَحُثُّهُ عليه»(27). والبِطانُ: حِزامٌ يُشَدُّ على البَطْنِ، وجَمْعُهُ أبْطِنَةٌ وبُطْنٌ. والابْطَنانِ عرْقانِ يَمُرَّانِ على البَطْنِ. والبُطَيْنُ نَجْمٌ، هو بَطْنُ الحَمَلِ. والتَّبَطُّنُ دُخُولٌ في باطِنِ الأمْر. والظَّاهِرُ والباطِنُ من صِفاتِ اللَّهِ تعالى لا يُقالان إلا مُزْدوجَيْنِ كالأوّل والآخِر، فالظّاهر قِيلَ إشارةً إلى مَعْرِفَتِنا البَدِيهيَّةِ، فإنّ الفِطْرَةَ تَقْضِي بأنه تعالى موجود في كُلِّ ما نَظَرَ إليه الإِنسانُ، كما قال: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزّخرُف: 84] ولذلك قيل: مَثَلُ طالِبِ مَعْرفَتِهِ مَثَلُ مَنْ طَوَّفَ في الآفاقِ في طَلَبِ ما هُو مَعَهُ. والباطِنُ إشارةٌ إلى مَعْرِفَتِهِ الحَقِيقِيَّةِ وهيَ التي أشارَ إِليها أبو بكرٍ رضي الله عنه بقولِهِ: يا مَنْ غايَةُ مَعْرِفَتِهِ القُصُورُ عن مَعْرِفَتِهِ. وقِيلَ: ظاهِرٌ بآياتِهِ باطِنٌ بذاتِهِ. وقِيلَ ظاهِرٌ بأنه مُحِيطٌ بالأشْياءِ مُدْرِكٌ لَها باطِنٌ مِنْ أنْ يُحَاطَ به {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعَام: 103]. وقد رُوِيَ عن عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه ما دَلَّ على تَفْسِير اللَّفْظَتَيْنِ، حيثُ قال: «تَجَلَّى لِعِبادِهِ مِنْ غَيْرِ أنْ رَأوْهُ، وأرَاهُمْ نَفْسَهُ مِنْ غَيْر أنْ تَجَلَّى لَهُمْ، ومَعْرِفَةُ ذلك تَحْتاجُ إلى فَهْمٍ ثاقِبٍ وعَقْلٍ وافِرٍ»، وقولُهُ تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمَان: 20]، فالنِّعَمُ الظاهرةُ كالطَّعامِ والشَّرابِ والمساكنِ وما تُوُصِّلَ إليهِ لاتِّصال الرّاحَةِ والرَّفاهيةِ للإنسان في جميع الحقول، والنِّعَمُ الباطنة: سترُ اللَّهِ على مَعاصي الإِنسان التي لو كشفها اللَّهُ سبحانه وتَعالى لَكانَ تَبَرَّأَ مِنهُ أقربُ النّاسِ إِليهِ. وفي هذا الصَّدَدِ قالَ أبو العتاهية:
أنْعَمَ اللَّهُ بِنا أنَّ الخطايا لا تفوح
فإذا المَسْتورُ مِنَّا بَيْنَ ثَوْبيهِ فَضُوح
وقِيلَ: الظاهرَةُ بالنُّبُوَّةِ والباطِنَةُ بالعَقْلِ، وقِيلَ: الظاهِرَةُ المَحْسُوساتُ والباطِنَةُ المعقولاتُ، وقِيلَ: الظاهِرَةُ: النُّصْرَةُ على الأعْدَاء بالنَّاسِ والباطِنَةُ: النُّصْرةُ بالملائكةِ، وكُلُّ ذلك يَدْخُلُ في عُمُوم الآيةِ بقوله تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمَان: 20].
بعث: أصْلُ البَعْثِ إثارَةُ الشَّيْء وتَوْجِيهُهُ، يُقالُ بَعَثْتُهُ فانْبَعَثَ. ويَخْتَلِفُ البَعْثُ بِحَسَبِ اخْتِلافِ ما عُلِّقَ به. بَعَثْتُ البَعِيرَ: أثَرْتُهُ وسَيَّرْتُهُ. وقولُهُ عزَّ وجلَّ: {وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ} [الأنعَام: 36] أيْ يحييهم يُخْرِجُهُمْ من الأجداث ويُسَيِّرُهُمْ إلى الحساب. وقال: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ جَمِيعًا} [المجَادلة: 6]، {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التّغَابُن: 7]، {مَا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمَان: 28] فالبَعْثُ نوعان: بَشَرِيٌّ كَبَعْثِ البَعيرِ وبَعْثِ الإِنْسانِ في حاجَةٍ، وإلهِيٌّ وذلك نوعان: أحَدُهُما إيجادُ الأعْيانِ والأجْناسِ والأنْواعِ ابتداءً، وذلكَ يَخْتصُّ به البارِي تعالى ولم يُقْدِرْ عليه أحَداً، والثَّانِي إحْياءُ المَوْتَى، وقد خَصَّ به عِيسَى (ع) . ومنه قولهُ عزَّ وجَلَّ: {فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ} [الرُّوم: 56] يعنِي يومَ الحشر. وقولُهُ عزَّ وجَلَّ: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ} [المَائدة: 31] أي قَيَّضهُ. {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً} [النّحل: 36] نحوُ أرسَلْنا رسُلَنا. وقال تعالَى: {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا } [الكهف: 12] وذلكَ إثارَةٌ بِلا تَوْجِيهٍ إلى مكانٍ {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} [النّحل: 84]، {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعَام: 65]. وقال عَزَّ وجلَّ: {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} [البَقَرَة: 259] وعلى هذا قولُهُ تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} [الأنعَام: 60] والنَّوْمُ مِنْ جِنسِ المَوْتِ، فَجَعَلَ التَّوفِّيَ فيهما والبَعْثَ منهما سَواءً. وقوله عزَّ وجلَّ: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} [التّوبَة: 46] أي تَوجُّهَهُمْ ومُضِيَّهُمْ.
بعثر: {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ } [الانفِطار: 4] أي قُلِبَ تُرابُها وأُثِيرَ ما فيها، وذلك مِنْ قولِ مَنْ قال: إنّ «بُعْثِرَ» مُركَّبٌ مِنْ بُعِثَ وأثِيرَ، وهذا لا يَبْعُدُ في هذا الحَرْفِ، فإنّ البَعْثَرَةَ تَتَضَمَّنُ مَعْنَى بُعِثَ وأثِيرَ. وبَعْثَرَ الشيءَ: فرّقَهُ وَبَدَّدَهُ، وبَعْثَرَ الحوضَ: هدَمَهُ وجَعَلَ أسفَلَهُ أعلاه، والبَعْثرَةُ غثيان النفس.
بعد: البُعْدُ ضِدُّ القُرْبِ، وليسَ لهُما حَدٌّ مَحْدُودٌ، وإنَّما ذلكَ بحَسَبِ اعْتبارِ المكانِ بِغَيْرِهِ. يقالُ ذلكَ في المَحسوسِ وهو الأكْثرُ، وفي المَعْقُولِ نحوُ: {ضَلُّوا ضَلاَلاً بَعِيدًا } [النِّسَاء: 167] ونحو: {أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } [فُصّلَت: 44]. يُقالُ بَعُدَ، إذا تَباعَدَ، وهوَ بعِيدٌ وَبَعِدَ {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ } [هُود: 83]. (وبالضمّ): ماتَ. والبَعَدُ بالتحريك: البعيد. يقال «بيتٌ بَعَدٌ» أي بَعِيدٌ، والبَعِدُ: الهالِكُ، نحوُ: {بَعِدَتْ ثَمُودُ } [هُود: 95]. وقد قال النَّابِغَةُ:
في الأدْنَى وفي البَعَدِ
والبُعْدُ والبَعَدُ يقالُ في ضِدِّ القُرْبِ وفي الهلاك {فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } [المؤمنون: 41]، {فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لاَ يُؤْمِنُونَ } [المؤمنون: 44]، وقولُهُ تعالى: {بَلِ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلاَلِ الْبَعِيدِ } [سَبَإ: 8] أي الضَّلالِ الذي يَصْعُبُ الرُّجوعُ منه إلى الهدى، تشبيهاً بِمَنْ ضَلَّ عَنْ مَحَجَّةِ الطرِيقِ بُعْداً مُتنَاهِياً فلا يَكادُ يُرْجَى لهُ العودُ إليها. وقولُهُ عَزَّ وجلَّ: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ } [هُود: 89] أي تُقارِبونَهُمْ في الضَّلالِ، فَلا يَبْعُدُ أنْ يَأتيكمْ ما أتاهُمْ مِنَ العذابِ.
بعر: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يُوسُف: 72]. البَعِيرُ مَعْروفٌ، ويَقَعُ على الذَّكرِ والأنْثَى من الإِبل، كالإِنْسانِ من الناسِ في وُقُوعِهِ عليهما، وجَمْعُهُ أبْعِرَةٌ وأباعِرُ وبُعْرانٌ. والبَعْرُ: لِما يَسْقُطُ منه. وليلة البعير: الليلة التي اشترى فيها رسول الله (ص) من جابر جَمَله.
بعض: بَعضُ الشيءِ: جزْءٌ منه، ويقالُ ذلك بمُراعاةِ كُلٍّ، ولذلك يُقابَلُ به كُلٌّ، فيقالُ بَعْضُهُ وكُلُّهُ، وجَمْعُهُ أبْعاضٌ. {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البَقَرَة: 36]، {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا} [الأنعَام: 129]، {وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [العَنكبوت: 25]. وقد بَعَّضْتُ كذا: جَعَلْتُهُ أبْعاضاً، نحو جَزَّأتُهُ. قال أبو عُبَيْدَةَ في تفسير قوله تعالى: {وَلأُِبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} [الزّخرُف: 63]، أي كُلَّ الذي تختلفون فيه، كقولِ الشاعِر:
أو يَرْتَبِطْ بَعْضَ النفوسِ حمامُها
وفي قولِهِ هذا قُصورُ نَظَرٍ منه، وذلك أنّ الأشياءَ على أربعَةِ أوجه: وَجْهٍ في بَيانِهِ مَفْسَدَةٌ، فلا يجوزُ لِصاحِبِ الشَّريعَةِ أن يُبَيِّنَهُ كوقتِ القِيامَةِ وَوَقْتِ المَوْتِ؛ وَوَجْهٍ مَعْقولٍ يُمكِنُ للناسِ إدراكُهُ مِنْ غير نَبيٍّ كمعرفةِ اللَّهِ ومَعْرفَتِهِ في خَلْقِ السَّمواتِ والأرضِ، فلا يَلْزَمُ صاحِبَ الشَّرْعِ أنْ يُبَيِّنَهُ، ألا تَرَى كيْفَ أحالَ مَعْرفَتَهُ على العُقولِ في نحو: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [يُونس: 101] و {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا} [الأعرَاف: 184] وغير ذلك مِنَ الآياتِ، ووجهٍ يَجِبُ عليْهِ بَيانهُ كأُصولِ الشَّرْعِيَّاتِ المُختَصَّةِ بِشَرْعِهِ، ووجهٍ يُمكِنُ الوقوفُ عليْه بما بَيَّنَهُ صاحِبُ الشَّرْعِ كفُروعِ الأحكامِ. وإذا اختَلَفَ الناسُ في أمْرٍ غير الذي يَخْتَصُّ بالنبيّ (ص) بَيانُهُ فهُو مُخَيَّرٌ بَيْنَ أنْ يُبَيِّنَ وَبَيْنَ أنْ لا يُبَيِّنَ حَسْبَ ما يَقْتَضي اجْتِهادُهُ وحِكمَتُهُ. إذاً، قولُهُ تعالى: {وَلأُِبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} [الزّخرُف: 63] لم يُردْ به كُلَّ ذلك، وهذا ظاهِرٌ لِمَنْ ألْقَى العَصَبِيَّةَ عن نَفْسِهِ، وأمّا قولُ الشاعِر:
أو يَرْتَبِطْ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمامُها
فإنَّهُ يَعْني به نَفْسَهُ، والمعنَى: إلاَّ أنْ يَتَدَاركني الموتُ، لكن عَرَّضَ ولم يُصَرِّحْ حَسْبَ ما بُنِيَتْ عليه جُمْلَةُ الإِنسانِ في الابتعادِ مِنْ ذكْر مَوْتِهِ. قال الخليلُ: يُقالُ: رَأيْتُ غِرْباناً تَبْتَعِضُ، أي يَتَناوَل بَعْضُها بَعْضاً. والبَعوض بُنِي لَفْظُهُ مِنْ بَعْضٍ، وذلك لِصِغَر جِسْمِها بالمقارنة مع سائِر الحَيَوَاناتِ والحشرات.
بعل: البَعْلُ هُو الذَّكَرُ مِنَ الزَّوْجَيْنِ {وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا} [هُود: 72]، وجَمْعه بُعُولَةٌ، نحوُ فَحْلٍ وفُحُولَةٍ {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البَقَرَة: 228]. ولَمَّا تُصُوِّرَ مِنَ الرَّجُلِ الاسْتِعْلاءُ على المَرْأةِ، فَجُعِلَ سائِسَها والقائِمَ عليها {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النِّسَاء: 34] سمِّيَ باسْمِهِ كُلُّ مُسْتَعْلٍ على غيرِه، فَسَمَّى العَرَبُ مَعْبُودَهُمْ الذي يَتَقَرَّبُونَ به إلى اللَّهِ بَعْلاً لاِعْتِقادِهِمْ ذلك فيه {أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ } [الصَّافات: 125]. ويقالُ: أتانَا بَعْلُ هذِهِ الدَّابَّةِ، أي المُسْتَعْلِي عليها. وقِيلَ للأرضِ المُسْتَعْلِيَةِ على غيرها بَعْلٌ، لأَنّها لا تُمطرُ في السنة إلاَّ مَرَّةً واحدة، ومنها كلُّ شجرٍ أو زرعٍ لا يُسْقَى، ويُقالُ لِفَحْلِ النَّحْلِ بَعْلٌ، تَشْبِيهاً على سبيل المجاز بالبَعْلِ مِنَ الرِّجالِ، ولِمَا عَظُمَ حتى يَشْرَبَ بعُرُوقِهِ بَعْلٌ، لاسْتِعْلائِهِ. قال (ص) «فِيمَا سُقِيَ بَعْلاً: العُشْرُ»(28)، ولَمَّا كانَتْ وطْأةُ العالِي على المُسْتَوْلى عليه مُسْتَثْقَلَةً في النفسِ، قِيلَ: أصْبَحَ فُلانٌ بَعْلاً على أهْلِهِ، أي ثَقيلاً لِعُلُوِّهِ عليهمْ، وبُنِيَ مِنْ لَفْظِ البَعْلِ المُباعَلَةُ والبِعالُ كِنايَةٌ عنِ الجِمَاعِ، وبَعَلَ الرَّجُلُ يَبْعَلُ بُعُولَةً، واسْتَبْعَلَ فهو بَعْلٌ ومُسْتَبْعِلٌ، إذا صار بَعْلاً، واسْتَبْعَلَ النَّخْلُ: عَظُمَ، وتُصُوِّرَ مِنَ البَعْلِ الذي هو النَّخْلُ قِيامُهُ في مكانِهِ، فقِيلَ: بَعِلَ فُلانٌ بأمْرهِ، إذا أُدْهِشَ وثَبَتَ مكانَهُ ثُبُوتَ النَّخْل في مَقَرِّهِ، وذلك كقولِهِمْ: ما هو إلاَّ شَجَرٌ، فِيمَنْ لا يَبْرَحُ.
بغت: البَغْتُ مُفاجَأةُ الشيءِ مِنْ حيثُ لا يَحْتَسِبُ {لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} [الأعرَاف: 187]، {بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً} [الأنبيَاء: 40]، {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} [محَمَّد: 18]. ويقالُ بَغَتَ كذا، فهُو باغِتٌ. قال الشاعِرُ:
إذا بَعَثَتْ أشْياءَ قد كان مِثْلُها قديماً فلا تَعْتَدَّها بَغَتاتِ
بغض: البُغْضُ نِفارُ النفسِ عنِ الشيءِ الذي تَرْغَبُ عنه، وهُو ضِدُّ الحُبِّ، فإنّ الحُبَّ انجذابُ النفسِ إلى الشيءِ الذي تَرْغَبُ فيه. يقال: بَغِضَ الشيءَ بُغْضاً، وبَغَضْتُه بَغْضاءَ {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المَائدة: 64]، {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المَائدة: 91]. وقولُهُ عليه وعلى آله الصلاة والسلامُ: «إنّ الله يَبْغَضُ الفاحِشَ المُتَفَحِّشَ البذيء»(29) فَذِكْرُ بُغْضِهِ له تَنْبِيهٌ على فَيْضِهِ وتَوْفيقِ إحْسانِهِ منه. والبَغْضاءُ: شدةُ البُغْضِ.
بغل: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ} [النّحل: 8]. البَغْلُ: المُتَوَلِّدُ مِنْ بَيْنِ الحِمارِ والفَرَسِ، وتَبغَّلَ البَعِيرُ: تَشَبَّهَ به في سَعَةِ مَشْيِهِ، وتُصُوّرَ منه عَرَامَتُهُ وخُبْثُهُ فقيلَ في صِفَةَ النَّذْلِ هو بَغْلٌ أي متبلِّدٌ.
بغى: البَغْيُ طَلَبُ تَجاوُزِ الاقْتِصادِ فِيمَا يُتَحَرَّى تَجاوَزَهُ أوْ لم يَتَجاوَزْهُ، فَتَارَةً يُعْتَبَرُ في القَدْرِ الذي هُو الكمِّيَّةُ وتارةً يُعْتَبَرُ في الوَصْفِ الذي هُو الكيفيَّةُ. يُقالُ: بَغَيْتُ الشيءَ، إذا طَلَبْتُ أكْثَرَ ما يَجِبُ، وابْتَغَيْتُ كذلك. {لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ} [التّوبَة: 48]، {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} [التّوبَة: 47]. والبَغْيُ على ضرْبَيْنِ، أحدُهُما مَحْمودٌ هو تَجاوُزُ العَدْلِ إلى الإِحْسانِ والتَّطَوّعِ إلى الفرَصِ، والثانِي مذْمُومٌ وهو تَجاوُزُ الحلال إلى الحرام أوْ تَجاوُزُهُ إلى الشُّبَهِ، كما قال عليه وعلى آله السلامُ: «حلالٌ بَيِّنٌ وحرام بَيِّنٌ وَبَيْنَ ذلك أمُورٌ مُشْتَبِهاتٌ، ومن رتَعَ حَوْلَ الحِمَى أوْشَكَ أنْ يَقَعَ فيه»(30). ولأنّ البَغْيَ قد يكونُ محموداً ومذمُوماً قال تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الشّورى: 42] فَخَصَّ العقُوبةَ بِبَغْيِهِ بِغيْر الحقِّ، وأبْغَيْتُكَ: أعَنْتُكَ على طَلَبِهِ، وبَغَى الجُرْحُ: تَجاوزَ الحدَّ في فسادِهِ، وبَغَتِ المرأةُ بِغاءً: إذا فَجَرَتْ، وذلك لِتَجاوُزِها إلى ما ليس لها {وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} [النُّور: 33]. وبَغَتِ السَّماء: تَجَاوزَتْ في المطَر حَدَّ المُحْتاجِ إليه. فبَغَى: تكَبَّرَ، وذلك لِتَجاوُزِهِ مَنْزِلَتَه إلى ما ليس له، ويُسْتَعْمَلُ ذلك في أيّ أمْرٍ كان {يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [يُونس: 23]، {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [يُونس: 23]، {ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ} [الحَجّ: 60]، {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ} [القَصَص: 76]، {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحُجرَات: 9]. فالبَغْيُ في أكثر المَواضعِ مَذْمُومٌ. وقوله: {غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ} [البَقَرَة: 173] أيْ غَيْرَ طالِبٍ ما ليس له طلَبُهُ، ولا مُتَجاوزٍ لِما رُسِم له. قال الحسنُ: غَيْرَ مُتَناوِلٍ لِلَّذَّةِ، ولا مُتَجاوزٍ سَدَّ الجَوعَةِ. وقال مُجاهِدٌ، رَحِمَهُ اللَّهُ: غَيْرَ باغٍ على إمامٍ ولا عادٍ في المعصِيةِ طَريقَ الحقِّ. وأما الابْتِغاءُ فقدْ خُصَّ بالاجْتِهادِ في الطَّلَبِ، فَمَتَى كان الطَّلَبُ لِشَيْءٍ مَحْمودٍ، فالابتِغاءُ فيه مَحْمودٌ نَحْوُ: {ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ} [الإسرَاء: 28] و {ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى } [الليْل: 20]. وقولُهُمْ يَنْبَغِي، مُطاوِعُ بَغَى، فإذا قيلَ: يَنْبَغِي أنْ يكونَ كذا، فَيُقالُ على وجْهَيْن: أحَدُهُما ما يكونُ مُسَخَّراً لِلْفِعْلِ، نحوُ: النارُ يَنْبَغِي أنْ تحرِقَ الثَّوبَ. والثاني على مَعْنَى الاسْتِئْهالِ، نحوُ: فُلانٌ يَنبَغِي أنْ يُعْطِيَ لِكَرَمِهِ. وقَوْلُهُ تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69] على الأوَّلِ، فإنّ مَعْناهُ لا يَتَسَخَّرُ ولا يَتَسَهَّلُ له، ألا تَرَى أنّ لسانَهُ لم يكنْ يَجْري به. وقال تعالى: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَِحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35] وعلى الثاني، فإنّ هذا القولَ من النبي سليمان (ع) يقتضي المنافسة، لأنَّه لم يرضَ بأنْ يسأل المُلْكَ فقط حتّى أضاف إلى ذلك ما يمنع غيره منه.
بقر: البَقَرُ جنس للحيوان المعروف، واحِدَتُهُ بَقَرَةٌ {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} [البَقَرَة: 70]، {بَقَرَةٌ لاَ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ} [البَقَرَة: 68]، {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} [البَقَرَة: 70] ويُقالُ في جَمْعِهِ باقِرٌ كحامِلٍ، وبَقِيرٌ كحكِيمٍ، وقيلَ بَيْقُورٌ، وقيلَ لِلذَّكَر ثَوْرٌ، وذلك نحوُ جَمَلٍ وناقةٍ ورجُلٍ وامرَأةٍ. واشْتُقَّ منْ لفظِهِ لَفْظٌ لِفعْلِهِ فقِيل بَقَرَ الأرضَ، أيْ شَقَّ. ولَمَّا كان شَقُّهُ واسِعاً اسْتُعْمِلَ في كُلِّ شَقٍّ واسِعٍ، يُقالُ بَقَرْتُ بَطْنَهُ، إذا شَقَقْتَهُ شَقّاً واسِعاً. وسُمِّيَ مُحمدُ بن عَليٍِّ ابن الحسين (رضي الله عنهم) الباقِر، لتَوَسُّعِهِ في دَقائِقِ العلُومِ وبَقْرِهِ بَوَاطِنَها.
بقع: البُقْعةُ: القطعة من الأرض على غير هيئَةِ التي بجنبها، وجمعها بِقَاعٌ وبُقعٌ. ويقال بَقَعَ بقعاً: ذهب. وبقعَ المَطَرُ في مواضع من الأرضِ: إذا لم يشملها. والبَقعة: المكان يستنقِعُ فيه الماء. وهو حسنُ البُقْعَةِ عند الأمير: أي حسنُ المنزلة. والبَقِعَةُ: أرضٌ نبتها متقطِّع. وأما قوله تعالى: {فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ} [القَصَص: 30] فإنهُ يَشْمَلُ المعنى الأوَّلَ أي القطْعَةَ مِنَ الأرضِ على غَيْر هَيْئَةِ التي بِجَنْبِها لأنَّها كانت مُباركةً بالْوَحْيِ، ومُبَاركةً بِكَثْرَةِ الأَشْجارِ والأثمارِ والخَيْرِ والنِّعَمِ بها.
بقل: {بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا} [البَقَرَة: 61]. البَقْلُ كلّ ما نبتَ في بِزْرِهِ لا في أصلِهِ وفَرْعِهِ، وقد اشْتُقَّ مِنْ لَفْظِهِ لَفْظُ الفِعْل، فقيلَ بقلَتِ الأرضُ أي أنبَتتِ البَقْلَ، وبَقَلَ وجْهُ الصَّبيِّ، إذا خَرَجَ شعَرُ لحيتِهِ. وكذا بَقَلَ البَعيرِ، قالَه ابن السِّكِّيتِ. وأبْقَلَ المكانُ: صار ذَا بَقْلٍ، فهوُ مُبْقِلٌ. وبَقَلْتُ البَقْلَ: جَزَزْتُهُ. والمَبْقَلَةُ موضع البَقل، والبقّالُ: بيّاعُ البُقول.
بقي: البَقاءُ: ثباتُ الشيء على حالِهِ الأولى، وهو يُضادُّ الفَناءَ، وقد بقي يَبْقَى بَقاءً، وقيلَ بَقَى في الماضي، مَوْضِعَ بَقِيَ. وفي الحَديثِ «بَقِينا رسولَ الله (ص) »(31) أي انْتَظَرْناهُ وتَرَصَّدْنا له مُدَّةً طويلة. والباقي نوعان: باقٍ بِنَفْسِهِ لا إلى مُدَّة، وهو البارِي عزَّ وجلَّ، ولا يَصِحُّ عليه الفناءُ. وباقٍ بغَيْرهِ وهُو ما عَداه، ويَصِحُّ عليهِ الفناءُ؛ والباقي باللَّهِ نوعان: باقٍ بشَخْصِهِ إلى أنْ يَشاءَ اللَّهُ أنْ يفْنِيَهُ كبَقاءِ الأجْرامِ السماوِيَّةِ، وباقٍ بنَوْعِهِ وجِنْسِهِ دُونَ شَخْصِهِ وجُزْئِهِ كالإِنْسانِ والحَيَوانِ، وكذا في الآخِرَةِ باقٍ بشَخْصِهِ كأهْلِ الجَنَّة، فإنَّهُمْ يَبْقَونَ على التأبيد لا إلى مُدَّةٍ، كما قال عَزَّ وجلَّ: {خَالِدِينَ فِيهَا} [البَقَرَة: 162]. والآخَرُ بنَوْعِهِ وجِنْسِهِ كما رُوِيَ عنِ النبيِّ (ص) أنّ أثمارَ أهْل الجَنَّةِ يَقْطفُها أهْلُها ويَأكُلُونَها ثم تُخْلَفُ مكانَها مِثْلَها(32)، ولِكَوْنِ ما في الآخِرَةِ، دائماً. قال تعالى: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الشّورى: 36]، وقولُه تعالى: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} [الكهف: 46] أي ما يَبْقَى ثَوابُهُ للإِنسانِ مِنَ الأعْمالِ. وقد فُسّرَت بأنَّها الصَّلَوَاتُ الخمسُ، وقِيلَ هِيَ سُبحانَ اللَّهِ والحمدُ للَّهِ، وَلاَ إلهَ إِلاَّ اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ، والصَّحيحُ أنَّها كُلُّ عِبادَةٍ يُقْصَدُ بها وجْهُ الله الكريم، وعلى هذا قولهُ: {بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ} [هُود: 86] أي إِبْقَاءُ اللَّهِ تَعالَى نِعَمَهُ عَلَيْكُمْ خَيْرٌ لَكم مِمَّا تَجْنُونَهُ مِنْ تَطْفِيفِ الْكَيْلِ وَالمِيزَانِ. وقولُه تعالى: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزّخرُف: 28] أي جعل كلمة التوحيد ـ وهي قول: «لا إله إلا اللّهُ» ـ كلمةً باقيةً في ذرية إبراهيم (ع) إلى يوم القيامة. وقيل هم آل محمد (ص) . {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ } [الحَاقَّة: 8] أي جَماعَةٍ باقِيَة، أو فِعْلَةٍ لَهُمْ باقِيَةٍ. أي لَيْسَ لَهُمْ مِنْ بَاقية بَعْدَ أَنْ صَارُوا مِثْلَ أَعْجَازِ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ، تَآكلت أَجْوَافُهَا، فاقتُلِعَتْ وُطرِحَتْ على الأرض هامدةً، يابسةً.
بكت: بَكَّةُ هِيَ مَكَّةُ، عن مُجاهِدٍ، وجَعَلَهُ نحو سَبَدَ رَاسَهُ وسَمَدَهُ، وضَرْبُهُ لازِبٌ ولازِمٌ في كونِ الباءِ بَدلاً مِنَ المِيمِ {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا} [آل عِمرَان: 96] قِيلَ بطنُ مكةَ، وقِيلَ هي اسم المسجِدِ، وقِيلَ هي البيتُ، وقِيلَ هِيَ حيثُ الطوافُ. وسمِّي بذلِكَ مِنَ التباكِّ أي الازْدحامِ، لأنَّ الناسَ يزْدَحِمُونَ فيه للطوافِ. وقِيلَ سُمِّيتْ مكةُ بكةَ لأنَّها تَبُكُّ أعْناقَ الجَبابِرَةِ إذا ألْحَدُوا فيها بظلمٍ، أي تدقُّها.
بكر: أصلُ الكلِمَةِ هي البُكْرَةُ التي هيَ أوّلُ النَّهارِ، فاشْتُقَّ مِنْ لفظِهِ لفظُ الفعلِ، فقيلَ بَكَرَ فلانٌ بُكوراً، إذا خَرَجَ بُكْرَةً، والبَكُورُ: المُبالِغُ في البُكُورِ، وبَكَّرَ في حاجَةٍ وابْتَكَرَ وباكَرَ مُباكَرَةً. وتُصُوِّرَ منها معْنَى التَّعْجِيلِ لِتَقَدُّمِها على سائِر الأَوْقات. وسُمِّيَ أوّلُ الوَلَدِ بِكْراً، وكذلِك أبَوَاهُ في ولادَتِهِ إيَّاهُ تَعْظِيماً له، نحوُ بَيْتِ اللَّهِ، وقِيلَ: أشار إلى ثَوَابِهِ وما أعدَّ لِصالِحي عبادِهِ ممَّا لا يَلْحَقُهُ الفَناءُ، وهُو المشارُ إليه بِقولِهِ تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العَنكبوت: 64]. قال الشاعِرُ:
يا بِكْرَ بِكْرَينِ ويا خَلْبَ الكَبِد
فبِكْرٌ في قولِهِ تعالى {لاَ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ} [البَقَرَة: 68] هي التي لم تَلِدْ. وسُمِّيَت التي لم تُفْتَضَّ بكْراً، اعتباراً بالثَّيِّبِ، لِتَقَدُّمِها عليها فيمَا يُرادُ له النِّساءُ، وجَمعُ البكْـر أبكـارٌ {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً *فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا } [الواقِعَة: 35-36]. والبَكَرَةُ: المَحالَةُ الصَّغِيرَةُ لِتَصَوُّرِ السُّرْعَةِ فيها. والبَكْرةُ: الجماعةُ، وقالوا: جاؤوا على بَكْرةِ أَبيهم أي جميعاً.
بكـم: {صُمٌّ بُكْمٌ} [البَقَرَة: 18] جَمْعُ أبْكَمَ، وهو الذي يُولد أَخْرَسَ، فالأخرس هو الذي وُلد ولا نطقَ له، والأبكمُ الذي يُمكنُ أن ينطقَ ولكنه لا يعقلُ الجوابَ {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النّحل: 76]. ويُقالُ: بَكَمَ عنِ الكَلامِ، إذا ضَعُفَ عَنْهُ لِضعْفِ عَقْلِهِ فصار كالأبكمِ.
بكى: بَكَى يَبْكي بُكًى وبُكاءً، فالبُكاءُ بالمدِّ، سَيَلانُ الدَّمْعِ عن حُزْنٍ وقرْح. يقالُ إذا كان الصَّوْتُ أَغْلَبَ كالرُّغاءِ والثُّغاءِ وسائِر هذِهِ الأبْنِيَةِ المَوْضُوعَةِ لِلصَّوْتِ. وبالقَصْر يُقالُ إذا كان الحُزْنُ أغْلَبَ. وجَمْعُ الباكِي: باكون وبُكيٌّ {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا } [مَريَم: 58]. وأصْلُ بُكيٍّ فُعُولٌ كقولِهِمْ ساجدٌ وسُجُودٌ وراكِعٌ وركوعٌ وقاعِدٌ وقعُودٌ، لكِنْ قُلِبَ الوَاوُ ياءً فَأدْغِمَ، نحوُ: جاثٍ وَجُثِيٍّ وعاتٍ وَعُتِيٍّ، وبُكًى: يُقالُ في الحُزْنِ وإسالَةِ الدَّمْعِ مَعاً، ويُقالُ في كُلِّ واحِدٍ منْهُما مُنْفَرداً عن الآخَر. وقولهُ عَزَّ وجلَّ: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} [التّوبَة: 82] إشارةٌ إلى الفَرَحِ والتَّرَحِ، وإنْ لم تكُنْ مَعَ الضَّحِكِ قَهْقَهةٌ ولا مَعَ البُكاءِ إسالَةُ دمعٍ، وكَذلِكَ قولُه تعالَى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ} [الدّخان: 29] وقد قِيلَ إنّ ذلِكَ على الحقِيقَةِ، وذلك قولُ مَنْ يَجْعَلُ لَهُما حَياةً وعِلْماً. وقِيلَ ذلك على المَجازِ، وتَقْديرُهُ: بَكَتْ عليهمْ أهْلُ السماءِ. وأَبْكاهُ: فَعَلَ به ما يُبكِيهِ، قال تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى } [النّجْم: 43].
بل: لِلتَّدارُكِ، وهو نوعان: نوعٌ يُناقِضُ ما بَعْدَهُ ما قَبْلَهُ، لكِنْ رُبَّما يُقْصَدُ به لِتَصْحِيحِ الحُكمِ الذي بَعْدَهُ إبطالُ ما قَبْلَهُ، ورُبَّما قُصِدَ لِتَصْحِيحِ الذي قَبْلَهُ وإبْطالِ الثانِي. فَمِمَّا قُصِدَ به تَصْحيحُ الثاني وإبْطالُ الأوّلِ قولهُ تعالى {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ *كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [المطفّفِين: 13-14] أي لَيْسَ الأمْرُ كما قالُوا بَلْ جَهِلُوا، فَنَبَّهَ بقولِهِ: رَانَ على قلوبِهِمْ، على جَهْلِهِمْ. وعلى هذا قولهُ في قِصَّةِ إبراهِيمَ: {قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا ياإِبْرَاهِيمُ *قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ } [الأنبيَاء: 62-63]. ومِمَّا قُصِدَ به تَصْحِيحُ الأوّلِ وإبطالُ الثاني قولهُ تعالى: {فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ *وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ *كَلاَّ بَلْ لاَ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ } [الفَجر: 15-17] أي لَيْسَ إعْطاؤُهُم المالَ مِنَ الإِكْرامِ ولا مَنْعُهُمْ مِنَ الإِهانَةِ، لكِنْ جَهِلُوا ذلك لِوَضْعِهِم المَالَ في غَيْر مَوْضِعِهِ، وعلى ذلك قولُه تعالى: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ *بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } [ص: 1-2] فإنَّهُ دَلَّ بقولِهِ: {وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ } [ص: 1] أنّ القرآنَ مَقَرٌّ لِلتَّذَكُّر، وأنْ لَيْسَ معنى امْتِناعِ الكفَّارِ مِنَ الإصغاءِ إليه أنه مَوْضِع لِلذِّكْرِ بَلْ لِتَعَزُّزِهِمْ ومُشاقَّتِهِمْ، وعلى هذا {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا} [ق: 1-2] أي ليسَ امْتِناعُهُمْ مِنَ الإيمانِ بالقرآنِ أنْ لا مَجْدَ لِلقُرآنِ ولَكِنْ لجهْلِهِمْ، ونَبَّهَ بقولهِ: بَلْ عَجِبُوا، على جَهْلِهِمْ لأنّ التَّعَجُّبَ مِنَ الشيءِ يَقْتَضي الجَهْلَ بسَبَبهِ. وعلى هذا قولُه عَزَّ وجلَّ: {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ *فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ *كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ } [الانفِطار: 6-9] كأنَّهُ قِيلَ: ليسَ هَهُنا ما يَقْتضي أنْ يَغُرَّهُمْ به تعالى ولكِنْ تَكْذيبُهُمْ هو الذي حَمَلَهُمْ على ما ارْتَكبُوهُ. والنوع الثاني مِنْ بَلْ هُوَ أن يكونَ مُبَيِّناً للحُكمِ الأول وزائداً عليه بِمَا بَعْدَ بَلْ، نحوُ قولهِ تعالى: {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ} [الأنبيَاء: 5]، {بَلْ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} [الأنبيَاء: 5] فإنه نَبَّهَ أنهمْ يَقُولونَ: أضْغاثُ أحْلامٍ، بَل افْتَراهُ، يَزيدُونَ على ذلك بأنّ الذي أتَى به مُفْتَرًى افْتراهُ، بَلْ يَزِيدُونَ فَيَدَّعُونَ أنه شاعر والشاعِرُ يَهِيمُ أَحْياناً. وعلى هذا قولهُ تعالى: {لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلاَ عَنْ ظُهُورِهِمْ ولاَ هُمْ يُنْصَرُونَ * بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ} [الأنبيَاء: 39-40] أي لو يَعْلَمُونَ ما هُو زائدٌ عنِ الأوَّل وأعْظَمُ منه، وهُو أنْ تأتيَهُمْ بَغْتَةً. وجَمِيعُ ما في القرآنِ الكريم مِنْ لَفْظٍ بل لا يَخْرُجُ من أحَدِ هذيْنِ الوجْهَيْنِ، وإن دَقَّ الكلامُ في بَعْضِهِ.
بد: البلدُ: المكانُ المُخْتَطُّ المَحْدُودُ المُتَأنِّسُ باجْتِماعِ سُكَّانِهِ وإقامَتِهِمْ فيه، وجَمْعُهُ بِلادٌ وبلْدانٌ {لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ } [البَلَد: 1]، قِيلَ يعني به مكةَ تفخيماً لها كالنجم للثريا. وقال تعالى: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً} [إبراهيم: 35]، {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ} [سَبَإ: 15]، {فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} [الزّخرُف: 11]، {فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ} [فَاطِر: 9]، وقال عزَّ وجلَّ: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِناً} [البَقَرَة: 126] يَعْني مكةَ. وسُمِّيتِ المَفازَةُ بَلَداً، لِكَونِها مَوْطِنَ الوَحْشِيَّاتِ، والمقْبَرَةُ بَلَداً لِكَوْنِها مَوْطِناً لِلأمْواتِ. والبَلْدَةُ مَنْزلٌ من مَنازِلِ القمَر. والبلدَةُ البَلْجَةُ: ما بينَ الحاجِبَيْنِ تَشْبِيهاً بالبَلَدِ لِتَحَدُّدِهِ. وسُمِّيتِ الكَرْكَرَةُ بَلدةً لذلك. وربما اسْتُعيرَ ذلك لِصَدْرِ الإِنْسانِ. ولاعتبارِ الأثَر قِيلَ: بجِلْدِهِ بلدٌ أيْ أثَرٌ، وجمعُهُ أبْلادٌ. قال الشاعرُ:
وفي النُّجُومِ كُلُومٌ ذاتُ أبْلادِ
وأبْلَدَ الرَّجلُ: صارَ ذا بَلدٍ، نحْوُ أنْجَدَ وأتْهَمَ. وبَلَدَ: لَزِمَ البَلَدَ، ولما كان اللاَّزِمُ لموطِنِهِ كَثِيراً ما يَتَحَيَّرُ إذا حَصَلَ في غَيْرِ مَوْطِنِهِ قِيلَ لِلْمُتَحَيِّر: بَلِدَ في أمْرِه وأبْلَدَ وتَبَلَّدَ. قال الشاعر:
لا بُدَّ لِلْمَحْزُونِ أن يَتَبَلَّدَا
ولكَثْرَةِ وجُودِ البلادةِ فيمن كان جِلْفَ البَدَنِ قِيلَ: رَجُلٌ أبلَدُ، عِبارَةً عنِ العظِيمِ الخَلْقِ. وقوله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا} [الأعرَاف: 58] كنايَتانِ عنِ النفُوسِ الطَّاهِرَةِ والنَّجِسَةِ، فِيما قيلَ.
بلس: الإبلاسُ: الحُزْنُ المعترضُ مِنْ شِدَّةِ اليأسِ، والقُنُوطُ وقَطْعُ الرجاء، وبلس من رحمة الله تعالى: يئس، ومنه اشْتُقَّ إبليس فيما قِيلَ، وهو عَلَمٌ جنسيّ للشيطان، قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } [البَقَرَة: 34] روي عن ابن عباس أنه قال: إنّ الملائكةَ كانت تُقاتِلُ الجِنَّ الذين كانوا يُفْسِدونَ في الأرضِ ويَسْفِكونَ الدماءَ فَسُبِيَ إِبليْسُ وكان صغيراً، وعاشَ مع الملائكةِ فَتَعَبّدَ معهم، فلما عَصَى أمرَ الله وأَبَى السجودَ لآدمَ لعَنَهُ اللَّهُ، وسمّاهُ إبليساً، وشيطاناً رجيماً أي يائساً مِنْ رحمةِ الله؛ ويُقال: إنَّ اسمَهُ كان عَزَازِيل، والصِّفَةُ التي تُناسِبُ مَعْصِيَتَهُ هي: «إبْلِيسُ» لِتُلازِمَهُ إلى يَوْمِ الدِّينِ. {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} [سَبَإ: 20] والمعنى أن إبليس قال: لأُغوينّهم ولأضلَّنَّهم، وما كان عن علمٍ أو تحقيق وإنما كان ظنّاً. فلما اتّبعوه في ما دعاهم إليه صدق ظنه. {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ } [الرُّوم: 12]، {أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } [الأنعَام: 44] أي آيسون من رحمة الله ومن النجاة. {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ } [الرُّوم: 49] أي آيسين من إنزال المطر عليهم. ولما كان المُبْلِسُ يَنْسَى ما يَعْنِيه، قِيلَ: أبْلَسَ فُلانٌ، إذا سَكَتَ غمّاً وانْقَطَعَتْ حُجَّتُهُ.
بلع: {يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ} [هُود: 44] مِن قولِهِم بَلِعْتُ الشيءَ وابْتَلَعْتُهُ، ومنه البلُّوعَةُ. أي شربَتِ الأرضُ الماءَ. أي غاضت الماءُ في الأرض.
بلغ: البلوغُ والبلاغُ: الانْتهاءُ إلى أقْصَى المقصِدِ والمنْتَهَى مَكاناً كان أو زَماناً أو أمْراً مِنَ الأمُورِ المُقَدَّرَةِ، وربَّمَا يُعَبَّرُ به عنِ المشارفَةِ عليه، وإنْ لم يَنْتَهِ إليه، فَمِن الانتهاءِ قوله تعالى في الآية 14 من سورة القصص {بَلَغَ أَشُدَّهُ} [القَصَص: 14] وبلغ أربعين سنةً، و {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} [البَقَرَة: 232] {مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} [غَافر: 56]، {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [الصَّافات: 102]، {وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعَام: 19]، ومن بلغ أي من بلغه القرآن، كأنما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع منه، فيكون الرسول قد بلّغه بنفسه. {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ } [غَافر: 36]، و {أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ} [القَلَم: 39] أي مُنْتَهِيَةٌ في التَّوكِيدِ. ومن البلاغ التبلِيغ: {هَذَا بَلاَغٌ لِلنَّاسِ} [إبراهيم: 52]، {بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ } [الأحقاف: 35]، {وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ } [يس: 17]، {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ } [الرّعد: 40]. والبلاغُ الكِفايَةُ: {إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاَغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ } [الأنبيَاء: 106]، و {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المَائدة: 67] أيْ إنْ لم تُبَلِّغْ هذا أو شيئاً مما حُمِّلْتَ تَكنْ في حُكمِ مَنْ لم يُبَلِّغْ شيئاً مِنْ رِسالتِهِ، وذلك أنّ حُكْمَ الأنْبِياءِ وتَكْلِيفاتِهِم أشَدُّ وليس حُكمُهُمْ كحكم سائِر الناسِ الذين يُتَجافَى عنهم إذا خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وآخر سَيِّئاً. وأمّا قولُهُ عَزَّ وجلَّ {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطّلاَق: 2] فَلِلْمُشارَفَةِ، فإنَّها إذا انْتَهَتْ إلى أقْصَى الأجَلِ لا يَصحُّ لِلزوجِ مُراجَعَتُها وإمساكُها. ويقالُ: بَلَّغْتُهُ الخبَرَ وأبْلَغْتُهُ، مِثْلُهُ، وبلَّغْتُهُ أكْثَرُ {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي} [الأعرَاف: 62]، {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المَائدة: 67]، {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} [هُود: 57]، {بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ} [آل عِمرَان: 40]، {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا } [مَريَم: 8] وذلك نحوُ أدْرَكنِي الجَهْدُ. والبلاغَةُ تُقالُ على وجْهَيْنِ: أحَدُهُما أنْ يكونَ الكلامُ أو القولُ بذاتِهِ بليغاً، وذلك بأن يَجْمَعَ ثَلاثَة أوْصافٍ: صَواباً في مَوْضُوعِ لُغَتِهِ وطِبْقاً لِلْمَعْنى المَقْصُودِ به وصِدْقاً في نفْسِهِ. ومتَى اخْتُرِمَ وصْفٌ مِنْ ذلك كان ناقِصاً في البلاغَةِ. والثاني أنْ يكونَ بَلِيغاً باعْتبارِ القائِل والمقُولِ له، وهو أنْ يَقْصِدَ القائِلُ أمْراً فَيَوردَهُ على وجْهٍ حقيقٍ أنْ يَقْبَلَهُ المقُولُ له. وقوله تعالى: {وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا } [النِّسَاء: 63] يَصِحُّ حَمْلُهُ على المَعْنَيَيْنِ. وَقيلَ: خَوِّفْهُمْ بِمكارِهَ تَنْزلُ بهِمْ، فإشارَةٌ إلى بَعْضِ ما يَقْتَضِيهِ عُمومُ اللَّفْظِ. وقيلَ: دلالةٌ على فضلِ البلاغةِ وحثٌّ على اعتمادِها بأوضحِ بيانٍ لكونِها أحدَ أقسامِ الحكمةِ لما فيها مِنْ بلوغِ المعنى الذي يحتاجُ إلى التّفسيرِ باللّفظِ الوجيزِ معَ حُسنِ الترتيب. والبُلْغَةُ: ما يُتَبَلَّغُ به مِنَ العيشِ.
بلي: يُقالُ بَليَ الثوبُ بلًى وبَلاءً، أيْ خَلُقَ. ومنه لمنْ قِيلَ: سافرَ بَلاهُ سَفَرٌ أي أبْلاهُ السفرُ. وبلَوته: اخْتَبَرْتُهُ كأنِّي أخْلَقْتُهُ مِنْ كَثْرَةِ اخْتِباري له، وقوله في سورة يونس، الآية: 30 {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ} [يُونس: 30] أيْ نَعْرفُ حَقيقَةَ ما عَمِلَتْ، ولذلك قِيلَ: أبْلَيْتُ فلاناً، إذا اخْتَبرْتُهُ، وسُمِّيَ الغَمُّ بَلاءً مِنْ حَيْثُ إنه يُبْلِي الجِسْمَ {وَفِي ذَلِكُمْ بَلاَءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ } [إبراهيم: 6]، {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيءٍ مِنَ الْخَوْفِ} [البَقَرَة: 155]، {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ } [الصَّافات: 106]. وسُمِّيَ التَّكْلِيفُ بَلاءً مِنْ أوْجُهٍ: أحَدُها أنّ التَّكالِيفَ كُلَّها مَشاقُّ على الأبْدانِ، فصارَتْ مِن هذا الوجهِ بلاءً، والثاني أنها اخْتِباراتٌ، ولهذا قال اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} [محَمَّد: 31]، والثالثُ أنّ اخْتِبارَ اللَّهِ تعالى لِلْعِبادِ تارةً بالمَسارِّ لِيَشْكُرُوا، وتارةً بالمضارِّ لِيَصْبروا، فصارَتِ المِحْنَةُ جميعاً بلاءً، فالمِحْنَةُ مُقْتَضيةٌ لِلصَّبْر، والمِنْحَةُ مُقْتَضِيَةٌ لِلشُّكر والقيامُ بحُقُوقِ الصَّبْر أيْسَرُ مِنَ القِيامِ بِحُقُوقِ الشُّكر. وقوله تعالى: {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} [الأنعَام: 165] أي: رَفَعَ بَعْضَكُمْ فوقَ بعضٍ بالرِّزْقِ والمالِ والسُّلْطَةِ والوجاهة، والصُّورةِ والقُوَّةِ الجسديَّةِ لِيَخْتَبِرَكُمْ فيما أعطاكم. وقال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبيَاء: 35]، {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاَءً حَسَناً} [الأنفَال: 17]. وقوله عزَّ وجلَّ: {وَفِي ذَلِكُمْ بَلاَءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ } [إبراهيم: 6] راجِعٌ إلى الأمْرَيْنِ: إلى المحنةِ التي أَوْقَعَهُمْ فرعونُ بها في قولهِ عزَّ وجَلَّ: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيْسَتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} [البَقَرَة: 49]، وإلى المحْنَةِ التي أنْجاهم ربُّهُمُ العزيزُ منها، وكذلك قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُبِينٌ } [الدّخان: 33] راجِعٌ إلى الأمْرَيْنِ، كما وصفَ كتابه بقوله: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ} [فُصّلَت: 44]. وإذا قِيلَ ابْتَلَى فُلانٌ كذا وأبْلاهُ، فذلك يتَضَمَّنُ أمْرَيْن: أحَدُهُما تَعَرُّفُ حالهِ والوقوفُ على ما يُجْهَلُ مِنْ أمْرِهِ. والثاني ظُهورُ جَوْدَتِهِ ورَدَاءَتِهِ، ورُبَّما قُصِدَ به الأمْرانِ، وربَّما يُقْصَدُ به أحَدُهُما، فإِذا قِيلَ: بَلاَ اللَّهُ تعالى كذا أو أبْلاهُ، فليسَ المُرادُ مِنه إلا إظهارَ جَوْدَتِهِ ورَداءَتِهِ دونَ التَّعَرُّفِ لِحالهِ والوقُوفِ على ما يُجْهَلُ مِنْ أمْرِهِ، إذْ كان اللَّهُ عَلاَّمَ الغُيُوبِ، وعلى هذا قولُهُ عزَّ وجلَّ: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البَقَرَة: 124]، كَلَّفَهُ بِأَوامِرَ وَنَواهٍ فأَدّاها كُلّها على أتمِّ وجْهٍ، وَقَولُهُ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النِّسَاء: 6] وهو خِطَابٌ لأَوْلِيَاءِ الْيَتَامَى، أَمَرَهُمْ به اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَخْتَبِرُوا عُقُولَ الْيَتَامَى، فِي أَفْهامِهِمْ وَصَلاَحِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ.
بلى: بَلى: رَدٌّ لِلنفي كما في قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ} [البَقَرَة: 80] إلى قوله: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيّئَةً} [البَقَرَة: 81]. أو جوابٌ لاستِفْهامٍ مُقْتَرنٍ بنفْي نحْوُ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعرَاف: 172]. ونَعَمْ، يقالُ في الاسْتفهامِ المُجَرَّدِ، نحْوُ: {فَهَلْ وَجَدْتُّمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعرَاف: 44] ولا يُقالُ ههُنا بَلَى فإذا قِيلَ: ما عِنْدِي شَيْءٌ، فَقُلْتَ بَلَى، فهو رَدٌّ لِكلامِهِ، وإذا قلْتَ نعم فإقْرارٌ منك {فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [النّحل: 28]، {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سَبَإ: 3]، {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى} [الزُّمَر: 71]، {قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى} [غَافر: 50].
بن: البنانُ: الأصابعُ أَوْ أطرافُها. قِيلَ سُمِّيَتْ بذلك لأنّ بها صلاحَ الأحْوالِ التي يُمْكِنُ لِلإِنْسانِ أنْ يَبِنَّ بها أَيْ أنْ يُقِيمَ بها، ويقالُ أبَنَّ بالمكان يُبِنُّ، أي أَقَامَ بِهِ، ولِذلِك خُصَّ في قولهِ تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ } [القِيَامَة: 4] فقدرةُ الله القدير جعلتِ البَنَانَ في كلِّ إنسانٍ متفاوتةً عَنْ غيرِهِ في الأحْجامِ والخُطُوطِ والتَّعاريجِ حتَّى يُمَيَّز كلُّ بَنانٍ عَنِ الآخَر. وقولُه تعالى: {وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } [الأنفَال: 12] خَصَّهُ لأجلِ أنَّك بها تُقاتِلُ وتُدَافِعُ. والبَنَّةُ: الرَّائِحَةُ الطيّبة التي تَبنُّ بما تَعْلَقُ به.
بنى: يُقالُ: بَنَيْتُ أبْنِي بِناءً وبِنْيَةً وبَنْياً {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا } [النّبَإِ: 12] .والبِناءُ اسمٌ لِمَا يُبْنَى بِناءً {لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ} [الزُّمَر: 20]. والبَنِيَّةُ يُعَبَّرُ بها عن بَيْتِ اللَّهِ أي الكعبةِ الشريفةِ. وقال تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذّاريَات: 47]، {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا } [الشّمس: 5] والبُنْيانُ واحِدٌ لا جَمْعٌ {لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ} [التّوبَة: 110]، {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } [الصَّف: 4]، {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً} [الصَّافات: 97]. وقال بَعْضُهُمْ: بُنْيانٌ جَمْعُ بُنْيانَةٍ فهو مثْلُ شَعِيرٍ وشَعِيرةٍ وَتَمْرٍ وتَمْرةٍ ونَخْلٍ ونَخْلَةٍ، وهذا النحوُ مِنَ الجمعِ يَصِحُّ تذكِيرُهُ وتَأنِيثُهُ. وابنٌ: أصْلُهُ بَنَوٌ، لِقولِهِمْ في الجمعِ أبناءٌ وفي التَّصْغِير بُنَيٌّ {يابُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} [يُوسُف: 5]، {يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصَّافات: 102]، {يَابُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ} [لقمَان: 13] وسُمِّي بذلكَ لِكونه بِنَاءً للأبِ، فإنّ الأبَ هو الذي بَناهُ وجَعَلَهُ اللَّهُ بَنَّاءً في إيجادِهِ، ويُقالُ لِكُلِّ ما يَحْصُلُ مِنْ جِهَةِ شَيْءٍ أو مِنْ تَرْبِيَتِهِ أو بتَفَقُّدِهِ أو كَثْرَةِ خِدْمَتِهِ له أو قِيامِهِ بأمْرهِ: هو ابْنُهُ، نحوُ فُلانٌ ابنُ حَرْبٍ، وابنُ السَّبيلِ للْمُسافِر، وابنُ اللَّيْلِ، وابنُ العِلْم. قال الشاعِرُ:
أولاكَ بنُو خَيْرٍ وشَرٍّ كِلَيْهِما
وفُلانٌ ابنُ بَطْنِهِ وابنُ فَرْجِهِ، إذا كان هَمُّهُ مَصْرُوفاً إليهما، وابنُ يَوْمِهِ إذا لم يَتَفَكَّرْ في غَدِهِ. {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التّوبَة: 30]، {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هُود: 45] {إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ} [يُوسُف: 81]. وجَمْعُ ابنٍ: أبْناءٌ وبَنُونَ {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النّحل: 72]، {يابَنِيَّ لاَ تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ} [يُوسُف: 67]، {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعرَاف: 31]، {يَابَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ} [الأعرَاف: 27]. ويقالُ في مُؤَنَّثِ ابنٍ: ابنَةٌ وبنْتٌ، والجمعُ بَناتٌ. وقوله تعالى على لسان لوط (ع) : {هَؤُلاَءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هُود: 78] وكان ردّهم عليه {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} [هُود: 79] قِيلَ خاطَبَ لوط (ع) بِذلكَ أكابرَ القومِ وعَرَضَ عليهم الزواج من بناته، أيْ لم يُخاطِبْ أهْلَ قَرْيَتِهِ كُلَّهُمْ فإنه مُحالٌ أنْ يَعْرضَ بَناتٍ له قَليلَةً على الجَمِّ الغَفِير، وقِيلَ بَلْ أشارَ بالبَناتِ إلى نِساءِ أمَّتِهِ وسَمَّاهُنَّ بَناتٍ له لِكونِ كُلِّ نَبيٍّ بمَنْزلَةِ الأبِ لأمَّتِهِ، بَلْ لِكونِهِ أكبَرَ وأجَلَّ الأبَوَيْنِ لَهُمْ، كما تَقَدَّمَ في ذِكْرِ الأبِ، وقولهُ تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ} [النّحل: 57] هُو قولُهُمْ عنِ اللَّهِ: إنّ المَلائكةَ بَناتُ اللَّهِ تعالى.
وَأمّا قَوْلُهُ تَعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ } [الأنعَام: 100] فقد قال (الكُفّارُ) إنَّ الله تَعالى وإبليسَ أَخَوانِ شَريكانِ: اللَّهُ خالِقُ النّاسِ والدَّوابِّ والأنعامِ، وإبليسُ خالقُ الحيّاتِ والعقاربِ والسِّباعِ؛ وهي مقالةُ المَجوسِ. وقولُهُ تَعالى: {وخَلَقَهُمْ} أي خَلَقَهُمُ اللّهُ وأمَرَهَم بالتَّوحيدِ. {وخرقوا له} أي وَصَفوا له: {بنين} من البنين؛ وهِيَ مقالةُ اليَهودِ والنَّصارَى، و {بنات} مِنَ الملائكةِ والأصنام؛ وهِيَ مقالةُ مُشْرِكي العربِ، {بغير علم} أي بلا حُجَّةٍ وبَيانٍ، {سبحانه} أي نَزَّهَ نَفسَهُ عنِ الولدِ والشَّريك، {وتعالى عما يصفون} أي تعالى الله علوّاً كبيراً وتبرَّأ عن أَنْ يَكونَ لهُ بنون أو بَنات.
وأما قولُهُ تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ } [الصَّافات: 149] فقد أمرَ اللّهُ سبحانه رسولَهُ بِسؤالِ أهلِ مكَّة {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ } [الصَّافات: 149] قالوا نَعَمْ. فقالَ لَهُمُ النبيُّ (ص) : أَتَرْضَوْنَ لله ما لا تَرْضَوْنَ لأنفسكم؟ ولذلك وردَت بعد هذه الآية آياتٌ تنكرُ على المشركين تفكيرَهُمُ وعقولَهُمُ التي لا تُمَيِّز بينَ الحَقِّ والباطِلِ. قالَ تَعالى: {أَمْ خَلَقْنَا الْمَلاَئِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ *أَلاَ إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ *وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ *أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينِ *مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } [الصَّافات: 150-154].
بهت: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البَقَرَة: 258] أَيْ تَحَيَّرَ عِنْدَ الانْقِطَاعِ بِمَا بَانَ مِنْ ظُهُورِ الحُجَّة. وَيُقالُ: بَهتَ الرَّجُلُ يَبْهَتُ بُهْتَاناً، إِذَا دَهِشَ وَتَحَيَّر. وَيُقَالُ: أبْهَتَهُ، إِذَا قَابَلَهُ بِكذِبٍ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً} [النِّسَاء: 20] أي أَتَأْخُذُونَهُ ادِّعَاءً لِلْكَذِبِ فِيه. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ} [الأنبيَاء: 40] أَيْ فَتُدْهِشُهُمْ وَتُحَيِّرهُمْ. قال عَزَّ وجلَّ: {هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } [النُّور: 16] أي: كذِبٌ يُبْهِتُ سامِعَهُ لِفظاعَتِهِ. وقول اللَّهُ تعالى: {يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} [المُمتَحنَة: 12] كِنايَةٌ عن الزِّنَى، وقِيلَ بَلْ ذلكَ لِكُلِّ فعلٍ شنيعٍ يَتَعَاطَيْنَهُ باليَدِ والرِّجْلِ مِنْ تناوُلِ ما لا يَجُوزُ والمَشْيِ إلى ما يقبح. ويُقالُ: جاءَ بالبَهِيتَةِ، أيِ الكذبِ.
بهج: البَهْجَةُ: حُسْنُ اللونِ وظهورُ السُّرور فيه {حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ} [النَّمل: 60]. وقد بَهُجَ فهو بَهِيجٌ. {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } [ق: 7] أي: أنبت الله في الأرض من كل صنف مُونِق للعين حَسَن الصورة واللون، يُدخل البهجة أي السرور في النفس.
بهل: أصلُ البَهْلِ: كونُ الشيءِ غيرَ مُراعًى. والباهِلُ: البعيرُ المُخَلَّى عن قيدِهِ أو عن سِمَةٍ، أو الناقةُ المُخَلَّى ضَرْعُها عن صِرارٍ. والصِّرار بالكسر، هو خيطٌ يُشدُّ فوق خِلْفِ النَّاقَةِ لِئلاّ يرضَعَها وَلدُها. قالتِ امرأةٌ: أتيتُكَ باهِلاً غير ذاتِ صِرارٍ، أي أبَحْتُ لَك جَمِيعَ ما كُنْتُ أمْلِكُهُ لَمْ أستَأثِرْ بَشْيءٍ دُونَهُ. وأبْهَلْتُ فُلاناً: خَلَّيتُهُ وإرادَتَهُ تَشْبيهاً بالبَعِيرِ الباهِلِ. والبَهْلُ والابتِهالُ في الدُّعاءِ: الاستِرسالُ فيه والتَّضَرُّع {ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } [آل عِمرَان: 61] ومَنْ فَسَّرَ الابْتهالَ باللَّعْنِ فلأجْلِ أنّ الاسْتِرْسالَ في هذا المكانِ لأجْلِ اللَّعْنِ. قال الشاعِرُ:
نَظَرَ الدَّهرُ إلَيهمْ فابْتَهَلْ أي استرسَلَ فِيهمْ فأفْناهُمْ.
بهم: البُهْمَةُ: الحجَرُ الصُّلْبُ. وقِيلَ لِلشُّجاعِ بُهْمَةٌ تَشْبيهاً به. وقِيلَ لِكلِّ ما يَصْعُبُ على الحاسَّةِ إدراكُهُ، إنْ كانَ محسوساً، وعلى الفَهْم، إنْ كانَ مَعْقولاً: مُبْهَمٌ. ويُقالُ أبْهَمْتُ كذَا فاسْتَبْهَمَ، وأبْهَمْتُ البابَ: أغْلَقْتُهُ إغْلاقاً لا يُهْتَدَى لفَتْحِهِ. والبَهِيمَةُ: ما لا نُطْقَ له، وذلك لما في صَوْتِهِ مِنَ الإبْهامِ، لكِنْ خُصَّ في التعارُفِ بمَا عدا السِّباعَ والطيرَ {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [المَائدة: 1]. وليلٌ بَهِيمٌ، فعِيلٌ بمعنى مُفْعَلٍ قد أُبْهِمَ أمْرُهُ لِلظُّلْمَةِ، أو في مَعْنَى مفعِلٍ، لأنَّهُ يُبْهِمُ ما يَعِنُّ فيه فَلا يُدْرَكُ. وفرسٌ بَهِيمٌ، إذا كان على لونٍ واحِدٍ لا تكادُ تُمَيِّزُهُ العينُ غايَةَ التمييز، ومنه ما رُوِيَ أنَّهُ يُحْشَرُ الناسُ يومَ القيامَةِ بُهْماً، أي عُراةً، وقيلَ مُعَرَّونَ مِمَّا يَتَوَسَّمونَ به في الدُّنْيا ويَتَزَيَّنُونَ به، واللَّهُ أعْلمُ. والبَهْمُ: صِغارُ الغَنَمِ. والبُهْمَى: نَباتٌ من البقول رطباً ويابساً، وإذا عظمت ويبست كانت كلأً يُرعى. وقد أبْهَمَتِ الأرْضُ: كَثُرَ بُهْمُها، نحوُ أعْشَبَتْ وأبْقَلَتْ، أي كَثُرَ عُشْبُها وبَقْلُها.
بواء: أصْلُ البواءِ مُساواةُ الأجْزاء في المَكانِ، خِلافُ النَّبْوَةِ الذي هو مُنافاةُ الأجْزَاءِ. يُقالُ: مكانٌ بَوَاءٌ، إذا لم يكُنْ نابياً بنازِلِهِ. وبَوَّأْتُ له مكاناً، سَوَّيْتُهُ فَتَبَوَّأ. ودمُ فُلانٍ بواءٌ بدَمِ فُلانٍ، إذا كان كفوءاً له {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا} [يُونس: 87] أي اتخذا لهم بيوتاً، {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} [يُونس: 93]، {تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آل عِمرَان: 121]، {يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} [يُوسُف: 56]. وبَوأتُ الرُّمْحَ نحْوَهُ: قابلتُهُ به وسدّدْتُهُ إليه ثم قَصَدْتُ الطَّعْنَ به. وقال عليه وعلى آله الصلاة والسلامُ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوأ مَقْعَدَهُ مِنَ النارِ»(33). أي فلْيُقِمْ بِهِ. قال الشاعر في صِفَةِ إبلٍ:
لها أمْرُها حتى إذا ما تَبَوَّأتْ بأخْفافِها مَأوًى تَبَوَّأ مَضْجَعا
بَوَبَ: البابُ: يُقالُ لِمَدْخَلِ الشيءِ، وأصلُ ذلكَ مَداخِلُ الأمْكِنَةِ كبابِ المَدينَةِ والدَّارِ والبيتِ، وجَمْعُهُ أبوابٌ {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يُوسُف: 25]، {لاَ تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ} [يُوسُف: 67]. ومنه يُقال في العِلمِ: بابُ كذا، والمبوَّبُ منه: المقسوم إلى أبواب. وهذا العِلم بابٌ إلى عِلمِ كذا، أي به يُتَوَصَّلُ إليه. وقال (ص) : «أنا مدينةُ العِلمِ وعَلِيٌّ بابُها»(34) أي به يُتَوَصَّلُ. قال الشاعر:
أتيتُ المروءةَ مِن بابِها
وقال تعالى {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعَام: 44]، وقال عزَّ وجلَّ: {بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ} [الحَديد: 13]. وقد يقالُ: أبوابُ الجنةِ وأبوابُ جهنم للأَشياءِ التي بها يُتَوَصَّلُ إليهما {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ} [الزُّمَر: 72]، {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ} [الزُّمَر: 73] ورُبَّما قِيلَ هذا مِنْ بابِ كذا، أيْ مِما يَصْلُحُ لهُ، وجمْعُهُ باباتٌ، وقال الخَلِيلُ: البَابَةُ في الحُدُودِ والحسابِ الغايةُ، وبَوَّبْتُ باباً أي عَمِلْتُ. وأبوابٌ مُبَوَّبَةٌ. والبوّابُ: حافِظُ البَيْتِ. وَتَبَوَّبْتُ باباً: اتَّخَذْتُهُ. وأصْلُ بابٍ: بَوْبٌ.
بور: البَوار: فَرْطُ الكَسادِ. ولَمَّا كان فَرْطُ الكَسادِ يُؤَدِّي إلى الفسادِ كما قِيلَ: كَسَدَ حتى فَسَدَ، عُبِّرَ بالبَوارِ عن الهَلاكِ وعن الأرضِ الخرابِ التي لم تزرَع. يُقالُ بارَ الشيءُ يَبُورُ بَوْراً وبُؤْراً، أيْ كَسَدَ، ومنه قوله تعالى: {تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ } [فَاطِر: 29]، {وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ } [فَاطِر: 10]. ورُوِيَ: نَعُوذُ باللَّهِ مِنْ بَوَارِ الأيِّمِ(35)، أي التي مكثت في بيت أبيها، فيقالُ لها البَوارُ {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ } [إبراهيم: 28]. ويقالُ رجلٌ حائِرٌ بائِرٌ، وقومٌ حُورٌ بُورٌ {حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا } [الفُرقان: 18] أي هَلْكَى، جمعُ بائِرٍ، وقِيلَ بل هو مَصْدَرٌ يُوصَفُ به الواحِدُ والجمعُ فَيُقالُ: رَجلٌ بُورٌ، وقومٌ بُورٌ، ومنه قال الشاعِرُ:
يا رسولَ المَلِيكِ إنّ لِسانِي راتِقٌ ما فَتِقْتُ إذْ أنا بُورُ
ويُسْتعارُ ذلك لِلاخْتِبارِ، فيقالُ بُرْتُ كذا: اخْتَبَرْتُهُ.
بيت: أصْلُ البيتِ مَأوَى الإِنسانِ باللَّيْلِ، لأنه يُقالُ باتَ: أقامَ باللَّيلِ، كما يُقالُ: ظَلَّ بالنهارِ، ثم قد يُقالُ لِلْمَسكنِ بيتٌ مِن غير اعْتبارِ الليلِ فيه، وجَمْعُهُ أبياتٌ وبُيُوتٌ، لكِنِ البُيُوتُ بالمسكنِ أَخَصُّ، والأبْياتُ بالشعر. قال تعالى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا} [النَّمل: 52]، {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يُونس: 87] {لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} [النُّور: 27]. ويقَعُ ذلك على المُتَّخَذ مِن حَجَرٍ ومدَرٍ وصُوفٍ ووبَرٍ، وبه شُبِّهَ بَيْتُ الشَّعر، وعُبِّر عن مكانِ الشيء بأنهُ بَيْتُهُ. وصارَ أهلُ البيتِ مُتَعارَفاً في آلِ النبيِّ (ص) ، ونَبَّه النبيُّ بقولِه: «سَلْمان مِنَّا أهلَ البيتِ»(36)، أنّ مَوْلَى القومِ يَصِحُّ نِسْبَتُهُ إليهم، كما قال: مَوْلَى القومِ منهم وابنُهُ مِنْ أنفسِهِمْ. وبيتُ اللَّهِ والبيتُ العتيقُ: الكعبة الشريفة، {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } [الحَجّ: 29]، {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} [آل عِمرَان: 96]، {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} [البَقَرَة: 127] يَعْنِي بيتَ اللَّهِ. وقوله عزَّ وجلَّ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} [البَقَرَة: 189] إنما نَزَلَ في قومٍ كانُوا يَتَحاشَوْنَ أنْ يَسْتَقْبلوا بُيُوتَهُمْ بَعْدَ إحْرامِهمْ فَنَبَّهَ تعالى أنّ ذلك مُنافٍ لِلْبِرِّ، وقوله عزَّ وجلَّ: {وَالْمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ} [الرّعد: 23-24] مَعْناهُ: بِكُلِّ نوعٍ مِنَ المسارِّ، وقوله سبحانه: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النُّور: 36] قيل المساجد، وقِيلَ بُيُوتُ النبيِّ، نحو: {لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزَاب: 53] وقِيلَ أشِيرَ بقوله في (بُيُوتٍ) إلى أهْلِ بيتِهِ وقومِهِ، وقولُه تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} [الحَجّ: 26] يعنِي مكةَ. وقال: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} [التّحْريم: 11] أي سَهِّلْ لِي فيها مَقَرّاً. {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يُونس: 87] أي واجعلوا في بيوتكم قبلةً تتوجهون بها إلى المسجِدِ الأقْصَى، وقيل اجعلوها مُصَلًّى تُصلُّون فيها لتأمنُوا مِنَ الخوفِ. وقولُه عَزَّ وجلَّ: {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [الذّاريَات: 36] قِيلَ هو إشارة إلى جَماعَةِ البيتِ، فَسَمَّاهُمْ بَيْتاً، كتَسْمِيَةِ نازِل القَرْيَةِ قَرْيَةً. والبَياتُ والتَّبْيِيتُ: قَصْدُ العَدُوِّ ليْلاً {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ } [الأعرَاف: 97] و {بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ } [الأعرَاف: 4]. والبَيُّوتُ: ما يُفْعَلُ باللَّيْلِ. قال تعالى: {بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ} [النِّسَاء: 81] يُقالُ لكُلِّ فِعْلٍ دُبِّر فيه باللَّيْلِ بُيِّتَ {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النِّسَاء: 108] وعلى ذلك قولُه عليه وعلى آله الصلاة والسلامُ: «لا صِيامَ لِمَنْ لم يُبَيّتِ الصيامَ مِنَ اللَّيْلِ»(37) وباتَ فُلانٌ يَفْعَلُ كذا: عِبارةٌ مَوْضُوعَةٌ لما يُفْعَلُ باللَّيْلِ، كَظَلَّ لما يُفْعَلُ بالنهارِ. وهُما منْ بابِ العِباداتِ، ومنه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيامًا } [الفُرقان: 64].
بيد: {مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا } [الكهف: 35] أي أن تفنى هذه الحديقة، ويقالُ: بَادَ الشيءُ يَبيدُ بَياداً، إذا تَفَرَّقَ وتَوَزَّعَ في البَيْداءِ، أي المَفازَةِ، وجَمْعُ البَيْداءِ بِيدٌ.
بيض: البياضُ في الألوانِ ضِدُّ السَّوادِ، يُقالُ ابْيَضَّ ابْيِضَاضاً وبَياضاً، فهو مُبْيَضٌّ وأبْيَضُ {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عِمرَان: 106]، {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ} [آل عِمرَان: 107]. والأبْيَضُ: عِرْقٌ سُمِّيَ به لِكونِهِ ابْيضَ. ولَمَّا كان البَياضُ أفْضَلَ لَوْنٍ عِنْدَهُمْ، كما قِيلَ البَياضُ أفضلُ والسَّوادُ أَهْوَلُ والحُمْرَةُ أجْمَلُ والصُّفْرَةُ أشْكَلُ، عُبِّرَ عنِ الفضلِ والكَرَمِ بالبياضِ حتى قيلَ لِمَنْ لم يَتَدَنَّسْ بمَعابٍ: هـو أبْيَـضُ الوَجـهِ. وقولـه تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ} [آل عِمرَان: 106] فابْيِضاضُ الوجُوهِ عِبـارةٌ عـنِ المَسَـرَّةِ، واسْوِدادُهـا عنِ الغَمِّ، وعلى ذلك {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} [النّحل: 58]، وعلى نحوِ الابيضاضِ قوْلُه تعالى: {وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ } [القِيَامَة: 22] وقولهُ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ *ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ } [عَبَسَ: 38-39]. وقيلَ: أمُّكَ بَيْضاءُ مِنْ قُضاعَةَ، وعلى ذلك {بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ } [الصَّافات: 46]. وسُمِّيَ البَيْضُ لِبياضِهِ، الواحِدَةُ بَيْضَةٌ. وكُنِّيَ عنِ المرأةِ بالبَيْضةِ تشْبيهاً بها في اللَّوْنِ وكونِها مَصُونَةً تحت الجَناحِ. وبَيْضَةُ البَلَدِ، لما يُقالُ في المدْحِ والذَّمِ، أمّا المَدْحُ فَلِمَنْ كان مصُوناً مِنْ بَيْنِ أهْلِ البَلَدِ ورَئِيساً فيهم، وعلى ذلك قولُ الشاعر:
كانَتْ قُرَيْشٌ بَيْضَةً فَتَفَلَّقَتْ فالمُحُّ خالِصُهُ لِعَبْدِ مَنافِ
وأمّا الذَّمُّ فَلِمَنْ كان ذَلِيلاً مُعَرَّضاً لِمَنْ يَتناوَلُهُ كَبَيْضَةٍ مَتْرُوكَةٍ بالبَلَدِ، أي العَرَاءِ والمَفازَةِ، وبَيْضَتَا الرَّجُلِ، سُمِّيَتَا بذلك تَشْبيهاً في الهَيْئَةِ والبَياضِ. يُقالُ: باضَتِ الدَّجاجَةُ. وباضَ كذا أي تَمكَّنَ، قال الشاعِرُ:
بَدَا مِنْ ذَواتِ الضِّغْن يَأوِي صُدُورَهُمُ فعشَّشَ ثم باضا
وباضَ الحَرُّ: تَمَكَّنَ. وباضَتْ يَدُ المَرأةِ، إذا ورِمَتْ ورَماً على هَيْئَةِ البَيْضِ. ويُقالُ دَجاجَةٌ بَيُوضٌ، ودَجاجٌ بُيُضٌ.
بيع: البَيْعُ إعْطاءُ المُثْمَنِ وأخْذُ الثَّمَنِ. والشِّراء إعْطاءُ الثَّمَنِ وأخْذُ المُثْمَنِ. ويقالُ لِلْبَيْعِ الشِّراءُ، وللشِّراءِ البَيْعُ، وذلك بحَسَبِ ما يُتَصَوَّرُ مِنَ الثَّمَنِ والمُثْمَنِ، وعلى ذلك قولُه عَزَّ وجلَّ {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يُوسُف: 20]. وقال عليه وعلى آله السلامُ: «لا يَبيعُ أحَدُكُمْ على بَيْعِ أخِيهِ»(38) أي لا يَشْتَرِينّ على شِراهُ. وأبَعْتُ الشيءَ: عَرَضْتُهُ لِلبَيْعِ نحوُ قولِ الشاعِر:
فَرَساً فَلَيْسَ جَوادُهُ بمُباعِ
والمُبايَعَةُ والمُشاراةُ تُقالانِ فِيهِما {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البَقَرَة: 275]، {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجُمُعَة: 9]، {لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ } [إبراهيم: 31]، {لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ} [البَقَرَة: 254]. وبايَعَ الخَليفَةَ، إذا تَضَمَّنَ بَذْلَ الطاعَةِ له. ويقالُ لذلك بَيْعَةٌ ومُبَايَعَةٌ. وقولُهُ عزَّ وجلَّ: {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ} [التّوبَة: 111] إشارةٌ إلى بَيْعَةِ الرِّضْوانِ المذكورةِ في قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفَتْح: 18] وإلى ما ذُكِرَ في قولهِ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} [التّوبَة: 111] الآيَةَ، فَيَكونُ البَيْعُ: الصَّفْقَةُ عَلَى إِيجَابِ البَيْعِ؛ وَالْبَيْعَةُ: الصَّفْقَةُ على إِيجابِ الطَّاعَةِ. وأمّا الباعُ فَمِنَ الواوِ، بدلالَةِ قولِهِمْ: باعَ في الشرِّ يَبُوعُ، إذا مَدَّ باعَهُ.
بَينَ: يُقالُ: بانَ واسْتَبانَ وتَبَيَّنَ وقد بَيَّنْتُهُ {وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ} [العَنكبوت: 38]، {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} [إبراهيم: 45]، {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ } [الأنعَام: 55]، {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البَقَرَة: 256]، {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ} [الحَديد: 17]، {وَلأُِبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} [الزّخرُف: 63]، {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النّحل: 44]، {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} [النّحل: 39]، {فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [النُّور: 1]، {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ} [البَقَرَة: 185]. ويقالُ: آيةٌ مُبَيَّنةٌ اعْتِباراً بمَنْ بَيَّنَها، وآيةٌ مُبَيِّنَةٌ، وآياتٌ مُبَيَّناتٌ ومُبَيِّناتٌ. والبَيِّنَةُ: الدَّلالَةُ الواضِحَةُ عقلِيَّةً كانَتْ أو مَحْسُوسَةً، وسُمِّيَ الشاهدانِ بَيِّنَةً لقولِهِ (ص) : «البَيِّنَةُ على المُدَّعِي واليَمِينُ على مَنْ أنْكَرَ»(39). وقال سُبْحانَهُ: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} [هُود: 17] وقال: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفَال: 42]، {جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} [الأعرَاف: 101]. والبيانُ: الكَشْفُ عن الشيءِ، وهُو أعَمُّ مِنَ النُّطْقِ مُخْتَصٌّ بالإِنْسان ويُسَمَّى ما بُيِّنَ به بياناً. قال بَعْضُهُمْ: البيانُ يَكُونُ على نوعين. أحَدُهُما بالتَّنْجِيز وهُوَ الأشياءُ التي تدلُّ على حالٍ مِنَ الأحْوالِ مِنْ آثارِ صُنعِهِ، والثانِي بالاخْتِبارِ، وذلك إمّا أنْ يَكُونَ نُطْقاً أو كِتابَةً أو إشارةً، فَمِما هو بيانٌ بالحَالِ قولهُ: {وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } [الزّخرُف: 62] أي كَوْنُهُ عَدوّاً بَيِّنٌ في الحال {تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ } [إبراهيم: 10]، وما هو بَيانٌ بالاخْتِبارِ {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} [النّحل: 43-44]، {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النّحل: 44]. وسُمِّيَ الكَلامُ بَياناً لِكَشْفِهِ عنِ المعْنَى المَقْصُودِ إظْهارُهُ نحوُ: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ} [آل عِمرَان: 138]، وسُمِّيَ ما يُشْرَحُ به المُجْمَلُ والمُبْهَمُ مِنَ الكلامِ بياناً، نحوُ: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } [القِيَامَة: 19]. ويُقالُ: بَيَّنْتُهُ وأبَنْتُهُ، إذا جَعَلْتَ له بَياناً تَكْشِفُهُ، نحو: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النّحل: 44]. وقال {نَذِيرٌ مُبِينٌ } [الأعرَاف: 184]، {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ } [الصَّافات: 106] {وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } [الزّخرُف: 52] أي يُبَيِّنُ، {وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } [الزّخرُف: 18].

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢