نبذة عن حياة الكاتب
معجم تفسير مفردات ألفاظ القرآن الكريم

حَرْفُ الْقَافِ
(ق)

قبح: القَبِيحُ: ما يَنْبو عنه البَصَرُ من الأعْيانِ، وما تَنْبُو عنه النَّفْسُ من الأعْمالِ والأحْوالِ. وقد قَبُحَ قَباحَةً، ضد حَسُنَ فهو قَبِيحٌ. وقولهُ: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ } [القَصَص: 42] أي مِنَ المَوْسُومِينَ بحالَةٍ مُنْكَرَةٍ، وذلك إشارَةٌ إلى الذي وصَفَ اللَّهُ تعالى به الكُفَّارَ مِنَ الرَّجاسَةِ والنجاسَةِ، إلى غَيْر ذلك مِنَ الصِّفاتِ، وما وصَفَهُمْ به يومَ القِيامَةِ مِنْ سَوادِ الوُجُوهِ، وزُرْقَةِ العُيُونِ، وسَحْبِهِمْ بالأغْلالِ والسَّلاسِلِ، ونحو ذلك يقالُ: قَبَحَهُ اللَّهُ عنِ الخَيْر، أي نَحَّاهُ. ويقالُ لِعَظْمِ الساعِدِ مما يَلي النِّصْفَ منه إلى المِرْفَق: قَبِيحٌ.
قبر: القَبْرُ: مصدر، وهو المَدْفَنُ أو مَقَرُّ المَيِّتِ، وقَبَرْتُه: جَعَلْتُه في القَبْر، وأقْبَرْتُـه: جَعَلْـتُ له مَكاناً يُقْبَرُ فيه، نحوُ: أسْقَيْتُه: جَعَلْتُ له ما يُسْقَى منه {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } [عَبَسَ: 21] قيلَ مَعْناهُ: أُلْهمَ كَيْفَ يُدْفَنُ بحيث لا يُلقى لسباع الأرض. والمَقْبَرَةُ، والمِقْبَرَةُ: مَوْضِعُ القُبُورِ، وجَمْعُها: مَقابرُ {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } [التّكاثُر: 2] كِنايَةً عَنِ المَوْتِ. وقولهُ: {إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ } [العَاديَات: 9] إشارَةٌ إلى حالِ البَعْثِ. وقيلَ: إشارَةٌ إلى حِينِ كَشْفِ السَّرائر، فإنَّ أحْوالَ الإِنْسانِ ما دام في الدُّنْيا مَسْتُورَةٌ، كأنَّها مَقْبُورَةٌ، فتكونُ القُبُورُ على طَرِيقِ الاسْتِعارَةِ. وقيـلَ: مَعْناهُ: إذا زالَتِ الجَهالَةُ بالمَوْتِ فَكأنَّ الكافِرَ أو الجاهِلَ ما دامَ في الدُّنْيا فهو مَقْبُورٌ، فإذا ماتَ، فقد أُنْشِرَ وأُخْرِجَ مِنْ قَبْره، أي مِنْ جَهالتِه، وذلك حَسْبَما رُوِيَ: الإنْسانُ نائِمٌ فإِذا ماتَ انْتَبَهَ. وإلى هذا المَعْنَى أشارَ بقولهِ {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } [فَاطِر: 22] أي الذينَ هُمْ في حُكْمِ الأمواتِ.
قبس: القَبَسُ: المُتَناوَلُ مِنَ الشُّعْلَةِ {أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ} [النَّمل: 7]. والقَبَسُ: شُعْلةٌ من النار تؤخَذُ من معظمها، والاِقْتِباسُ: طَلَبُ ذلك، ثم يُسْتَعارُ لِطَلَبِ العِلْمِ والهِدايَةِ {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحَديد: 13]. وأقبَسْتُه ناراً، أو عِلْماً: أَعْطَيْتُه. والقَابِسُ: اسم فاعل، بمعنى طالب النار. والقابوسُ: الرجلُ الحسنُ الوجهِ، الجميلُ المحيّا.
قبص: القَبْصُ: التَّناوُلُ بأطْرافِ الأصابعِ. والمُتَناوَلُ بها يقالُ له: القَبْصُ، والقَبيصَةُ. ويُعَبَّرُ عَنِ القليلِ بالقَبِيصِ. وقُرىءَ: فَقَبَصْتُ قَبْصَةً أي ما حملت الكفَّان من الطعام. والقَبُوصُ: الفَرَسُ الذي لا يَمسُّ في عَدْوِهِ الأرض إلاَّ بِسَنابكِهِ، وذلك اسْتِعارَةٌ كاسْتِعارَةِ القَبْصِ له في العَدْوِ، يقال: قَبَصَ الرجُلُ إذا عدا عدواً شديداً.
قبض: القَبْضُ: تَناوُلُ الشيءِ بجَمِيعِ الكَفِّ، نحوُ: قَبَضَ السَّيْفَ، وغَيْرَهُ: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً} [طه: 96]. فَقَبْضُ اليَدِ على الشيءِ: جَمْعُها بَعْدَ تَناوُلِه، وقَبْضُها عن الشيءِ: جَمْعُها قَبْلَ تَناوُلهِ، وذلك إمْساكٌ عنه. ومنه قيل لإِمْساكِ اليَدِ عَنِ البَذْلِ: قَبْضٌ. {وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} [التّوبَة: 67] أي يَمْتَنِعُونَ مِنَ الإِنْفاقِ. ويُسْتَعارُ القَبْضُ لِتحْصِيلِ الشيءِ، وإن لَمْ يكُنْ فيه مُراعاةُ الكَفِّ، كقولِكَ: قَبَضْتُ الدَّارَ مِنْ فُلانٍ، أي حُزْتُها. {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزُّمَر: 67] أي في حَوْزهِ حَيْثُ لا تَمْلِيكَ لأَحَدٍ. وقولهُ: {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا } [الفُرقان: 46] فإشارَةٌ إلى نَسْخِ الظِّلِّ الشمسَ. ويُسْتَعارُ القَبْضُ لِلْعَدْوِ، لِتَصَوُّرِ الذي يَعْدُو بصُورَةِ المُتناوِلِ من الأرضِ شَيئاً. وقولهُ: {يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} [البَقَرَة: 245] أي يَسْلُبُ تارَةً ويُعْطي تارَةً، أو يَسْلُبُ قَوْماً ويُعْطي قَوْماً، أو يَجْمَعُ مَرَّةً ويُفَرِّقُ أخْرَى، أو يُمِيتُ ويُحْيي. وقد يُكَنَّى بالقَبْضِ عن المَوْتِ، فَيقالُ: قَبَضَهُ اللَّهُ. وعلى هذا النَّحو قولهُ: عليه وعلى آله السلامُ: «ما مِنْ آدَمِيٍّ إلاَّ وقَلْبُه بَيْنَ إصْبَعَيْنِ مِنْ أصابِعِ الرَّحْمَنِ»(46). أي اللَّهُ قادِرٌ على تَصْريفِ أشْرَفِ جُزْءٍ منه، فَكَيْفَ ما دُونَه. وقَبَضَ الطائِرُ جناحَيْهِ يَقْبِضُهُما قَبْضاً: جمعهما، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَآفَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَانُ} [المُلك: 19].
قبل: قَبْلُ: يُسْتَعْمَلُ في التَّقَدُّمِ المُتَّصِلِ والمُنْفَصِلِ، ويُضَادُّ بَعْدُ، وقيلَ: يُسْتَعْمَلانِ في التَّقَدُّمِ المُتَّصِلِ، ويُضادُّهُما دُبْرٌ ودُبُرٌ. هذا في الأصْلِ، وإن كان قد يتَجَوَّزُ في كُلِّ واحِدٍ منهما. فَقَبْلُ يُسْتَعْملُ على أوجُهٍ: الأول في المَكانِ بحَسَبِ الإضافَةِ، فَيَقُولُ الخارِجُ مِنْ أصْبَهانَ إلى مَكَّةَ: بَغْدادُ قَبْلَ الكُوفَةِ، ويَقُولُ الخارِجُ مِنْ مَكَّةَ إلى أصْبَهانَ: الكُوفَةُ قَبْلَ بَغْدادَ. الثانِي في الزمانِ، نحوُ: زَمانُ عَبْدِ المَلِكِ قَبْلَ المَنْصُورِ، قال: {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ} [البَقَرَة: 91]. الثالِثُ في المَنْزلَةِ، نحوُ: عَبْدُ المَلِكِ قَبْلَ الحَجَّاجِ. الرابعُ في التَّرْتِيب الصِّناعِي، نحوُ: تَعَلُّمُ الهجاءِ قَبْلَ تَعَلُّم الخَطِّ. وقوله: {مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ} [الأنبيَاء: 6]، {قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130]، {قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} [النَّمل: 39]، {أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ} [الحَديد: 16] إشارَةٌ إلى التَّقَدُّمِ الزمانيّ. والقُبُلُ والدُّبُرُ: يُكَنَّى بِهما عن السَّوْأتَيْنِ. والإقْبالُ: كالاستقبال: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ} [الصَّافات: 50]، {وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ} [يُوسُف: 71]، {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ} [الذّاريَات: 29]. والقابلُ: الذي يَسْتَقْبلُ الدَّلْوَ مِنَ البِئْر فيأخُذُه. والقابلَةُ: التي تَقْبَلُ الوَلَدَ عَنْدَ الولادَةِ. وقَبلْتُ عُذْرَهُ وتَوْبَتَهُ وغَيْرَه، وتَقَبَّلْتُه كذلك، قال تعالى: {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ} [البَقَرَة: 123]، {وَقَابِلِ التَّوْبِ} [غَافر: 3]، {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ} [الشّورى: 25]، {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ} [المَائدة: 27]. والتَّقَبُّلُ: قَبُولُ الشيءِ على وجْهٍ يَقْتَضي ثواباً كالهَدِيَّةِ ونحوِها {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} [الأحقاف: 16]. وقولهُ: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } [المَائدة: 27] تنبيهٌ أنْ ليسَ كُلُّ عِبادَةٍ مُتَقَبَّلَةً، إنما يُتَقَبَّلُ إذا كان على وجْهٍ مَخْصُوصٍ. قال: {فَتَقَبَّلْ مِنِّي} [آل عِمرَان: 35]. وقيل لِلكَفالَةِ: قُبالَةٌ، فإنَّ الكَفالَةَ هي أوْكَدُ تَقَبُّلٍ. وقولهُ: {فَتَقَبَّلَهَا} [آل عِمرَان: 37] أي قَبِلَ زكريا أن يتكفّل مريم (عليهما السلام).
وإنما قيلَ: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ} [آل عِمرَان: 37] ولم يَقُلْ بِتَقَبُّلٍ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الأمْرَيْنِ، التَّقَبُّل الذي هو التَّرَقِّي في القَبُولِ، والقَبُولِ الذي يَقْتَضي الرِّضا والإِثَابَةَ. وقيلَ: القَبُولُ هو من قولِهم: فُلانٌ عليه قَبُولٌ، إذا أحَبَّهُ مَنْ رَآهُ. وقولهُ: {كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً} [الأنعَام: 111] قيلَ: هو جَمْعُ قابلٍ، ومَعْناهُ: مُقابلٌ لِحَواسِّهِمْ، وكذلك قال مُجاهِدٌ: جَماعَةً، فيكونُ جَمْعَ قَبيلٍ، وكذلك قولهُ: {أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً } [الكهف: 55] ومَنْ قَرَأ «قَبَلاً» فَمَعْناهُ عياناً. والقَبيلُ: جَمْعُ قَبيلَةٍ، وهي الجَماعَةُ المُؤتلفةُ التي يُقْبلُ بعضُها على بعضٍ {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ} [الحُجرَات: 13]، {وَالْمَلاَئِكَةِ قَبِيلاً } [الإسرَاء: 92] أي جماعَةً جَماعَةً، وقيلَ: مَعْناهُ كَفِيلاً، من قولِهم: قَبَلْتُ فُلاناً، وتَقَبَّلْتُ به، أي تَكَفَّلْتُ به، وقيلَ: مُقابَلَةً، أي مُعايَنَةً، ويقالُ: فُلانٌ لا يَعْرِفُ قَبيلاً مِنْ دَبير، أي ما أقَبَلَتْ به المرأةُ مِنْ غَزْلِها، وما أدْبَرَتْ به. والمُقابَلَةُ والتَّقابُلُ: أنْ يُقْبِلَ بعضُهم على بعضٍ إمّا بالذَّاتِ وإمّا بالعِنايَةِ والتَّوَقُّرِ والمَوَدَّةِ. قال: {مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ } [الواقِعَة: 16]، {إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ } [الحِجر: 47]. ولِـي قِبَـلَ فُـلانٍ كـذا، كقولِـكَ: عَنْـدَهُ. قـال: {وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ} [الحَاقَّة: 9]، {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ } [المعَارج: 36] ويُسْتَعارُ ذلك لِلقُوَّةِ والقُدْرَةِ على المُقابَلَةِ، أي المُجازاةِ، فيقالُ: لا قِبَلَ لي بكذا، أي لا يُمْكِنُني أنْ أقابِلَهُ. {فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لاَ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} [النَّمل: 37] أي لا طاقَةَ لَهُم على استِقْبالِها ودفاعِها. والقِبْلَةُ في الأصْلِ: اسْمٌ للحالَةِ التي عليها المُقابِلُ، نحوُ الجِلْسَةِ والقِعْدَةِ، وفي التَّعارُفِ صارَ اسماً للمكانِ المُقابَلِ المُتَوَجَّهِ إليه للصَّلاةِ، ومنه قوله تعالى: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البَقَرَة: 144]. والقَبُولُ: رِيحُ الصَّبا، وتَسْمِيَتُها بذلك لاِسْتِقْبالِها القِبْلَةَ. وَقَبَائِلُ الرأسِ: قِطَعُهُ المجمعَةُ. وشاةٌ مُقابَلَةٌ، قُطِعَ مِنْ قِبَلِ أذُنِها. وقِبالُ النَّعْلِ: زِمامُها. وقد قابَلْتُها: جَعَلْتُ لَها قِبالاً. والقَبَلُ: الفَحَجُ. والقُبْلَةُ: خَرَزَةٌ يَزْعُمُ السَّاحِرُ أنه يُقْبِلُ بالإنْسانِ على وجْهِ الآخَر، ومنه القُبْلَةُ، وجَمْعُها: قُبَلٌ. وقَبَّلْتُه تَقْبِيلاً.
قتر: القَتْرُ: تَقْلِيلُ النَّفَقَةِ، وهو بإزاءِ الإِسْرافِ، وكِلاهُما مَذْمُومانِ {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا } [الفُرقان: 67]. ورجُلٌ قَتُورٌ، ومُقْتِرٌ. وقولهُ: {وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا } [الإسرَاء: 100] تنبيه على ما جُبِلَ عليه الإنْسانُ مِنَ البُخْلِ كقولهِ {وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ} [النِّسَاء: 128]. وقد قَتَرْتُ الشيءَ، وَأَقْتَرْتُهُ، وقَتَّرْتُه: أي قَلَّلْتُهُ. ومُقْتِرٌ: فَقِيرٌ. {وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البَقَرَة: 236] وأصْلُ ذلك مِنَ القُتارِ والقَتَر، وهو الدُّخانُ الطالِعُ مِنَ الشِّواءِ والعُودِ ونحوهِما. فَكأنَّ المُقْتِرَ والْمُقَتِّرَ يَتَنَاوَلُ مِنَ الشيءِ قُتارَهُ. وقولهُ: {تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } [عَبَسَ: 41] نحوُ غَبَرَةٍ، وذلك شِبْهُ دُخانٍ يَغْشَى الوَجْهَ مِنَ الكَذِبِ. والقُتْرَةُ: نامُوسُ الصائِدِ، الحافِظُ لِقُتارِ الإنْسانِ، أي الريحِ لأنَّ الصائِدَ يَجْتَهِدُ أنْ يُخْفِي رِيحَهُ عَنِ الصَّيْدِ لِئَلا يَنِدَّ أَيّ يَنْفَر. ورجُلٌ قاتِرٌ: ضَعِيفٌ، كأنه قَتَرَ في الخِفَّةِ كقولهِ: هو هباءٌ. وابْنُ قِتْرَةَ: حَيَّةٌ صَغِيرَةٌ خَفِيفَةٌ. والقَتِيرُ: رُؤُوسُ مَسامِير الدِّرْعِ.
قتل: أصْلُ القَتْلِ: إزالَةُ الرُّوحِ مِنَ الجَسَدِ كالمَوْتِ، لكنْ إذا اعْتُبِرَ بفِعْلِ المُتَوَلِّي لذلك يقالُ: قَتْلٌ. وإذا اعْتُبرَ بفَوْتِ الحَياةِ، يقالُ مَوْتٌ. قال {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ} [آل عِمرَان: 144]، {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} [الأنفَال: 17]، {قُتِلَ الإِنْسَانُ} [عَبَسَ: 17]. وقيلَ في قولهُ: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ } [الذّاريَات: 10] لَفْظُ قُتِلَ دُعاءٌ عليهم، وهو من اللَّهِ تعالى إيجادُ ذلك. وقولهُ: {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البَقَرَة: 54] قيل: مَعْناهُ لِيَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، وقيلَ عَنَى بقَتْلِ النَّفْسِ: إماطَةَ الشَّهَواتِ، وعنه اسْتُعِيرَ على سَبيلِ المُبالَغَةِ: قَتَلْتُ الخَمْرَ بالماءِ، إذا مَزَجْتَهُ، وقَتَلْتُ فُلاناً وقَتَّلْتُه، إذا ذَلَّلْتَهُ. قال الشاعِرُ:
كأنَّ عَيْنيَّ في غَرْبَيْ مُقَتَّلَةٍ
وقَتَلْتُ كذا عِلْماً. {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } [النِّسَاء: 157] أي ما عَلِمُوا كَوْنَهُ مَصْلُوباً عِلْماً يَقِيناً. والمُقاتَلَةُ؛ المُحارَبَةُ وتَحَرِّي القَتْلِ {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البَقَرَة: 193]، {وَلَئِنْ قُوتِلُوا} [الحَشر: 12]، {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ} [التّوبَة: 123]، {وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ} [النِّسَاء: 74]. وقيلَ: القِتْلُ: العَدُوُّ، والقِرْنُ. وأصْلُه المُقاتِلُ. وقيل في قوله: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ} [التّوبَة: 30] مَعْناهُ: لَعَنَهُمُ اللَّهُ، وقيلَ: مَعْناهُ: قَتَلَهُمْ، والصحيحُ أنَّ ذلك هو المُفاعَلَةُ، والمعْنَى: صارَ بحَيْثُ يَتَصَدَّى لِمُحارَبَةِ اللَّهِ، فإنَّ مَنْ قَاتَلَ اللَّهُ مَقْتُولٌ، ومَنْ غالَبَهُ فهو مَغْلُوبٌ، كما قال: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ } [الصَّافات: 173]. وقولهُ: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إِمْلاَقٍ} [الأنعَام: 151] فقد قيلَ: إنَّ ذلك نَهْيٌ عَنْ وَأْدِ البَناتِ، وقال بعضُهم: بَلْ نَهْيٌ عَنْ تَضْيِيعِ البَذْرِ بالعُزْلَةِ ووضْعِهِ في غَيْر مَوْضِعِهِ، وقيلَ: إنَّ ذلك نَهْيٌ عَنْ شُغْلِ الأولادِ بما يَصُدُّهُمْ عَن العِلْمِ وتَحَرِّي ما يَقْتَضِي الحَياةَ الأَبَدِيَّةَ، إذْ كان الجَاهِل والغافِلُ عَنِ الآخِرَةِ في حُكْمِ الأمْواتِ، ألاَ تَرَى أنه وصَفهُمْ بذلك في قولهِ: {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ} [النّحل: 21]، وعلى هذا {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النِّسَاء: 29]. وقولهُ: {لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المَائدة: 95] فإنه ذَكَرَ لَفْظَ القَتْلِ دُونَ الذَّبْحِ والذَّكاةِ، إذْ كان القَتْلُ أعَمَّ هذه الألفاظِ، تنبيهاً أنَّ تَفْويتَ رُوحِهِ على جمِيعِ الوُجُوهِ مَحْظُورٌ. يقالُ: أَقْتَلْتُ فُلاناً: عَرَّضْتُه لِلقتْلِ. واقْتَتَلَهُ العِشْقُ والجِنُّ، ولا يقالُ ذلك في غَيْرها. والاقْتِتالُ كالمُقاتَلَةِ، قال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحُجرَات: 9].
قحم: الاقْتِحَامُ: تَوَسُّطُ شِدَّةٍ مُخِيفَةٍ {فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ } [البَلَد: 11]، وقوله: {هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ} [ص: 59] يقال لأولاد إبليس: هذا جمع من بني آدم مقتحمٌ معكم عذاب النار. وقَحَمَ فُلانٌ نَفْسَهُ في الأمر، يَقْحُمُ قَحْماً، أي رمى نفسَهُ مِنْ غَيْر رَوِيَّةٍ.
قـدح: قـال تعالـى: {فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا } [العَاديَات: 2]، وهـيَ الخيْـلُ تَقْدَحُ النَّارَ بِحَوافِرِها إذا سارت في الحجارةِ والأرضِ المُحْصِبَةِ، لِشِدَّةِ انْدِفاعِها. والقَدَحُ إناءٌ يُشربُ فيه، وقال الثعالبي: لا يُقالُ قَدَحٌ إلاّ إذا كان فارِغاً، وأمـا إذا كـان فيه شَرَابٌ قِيلَ له كَأْسٌ كما في قولِهِ تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا } [الإنسَان: 5].
قدد: القَدُّ: قَطْعُ الشَّيءِ طُولاً {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ} [يُوسُف: 26]، {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ} [يُوسُف: 27]. والقِدُّ: المَقْدودُ، ومنه قيلَ لِقامَةِ الإنْسانِ: قَدٌّ، كقولِكَ: تَقْطِيعُهُ. وقَدَّدْتُ اللَّحْمَ فهو قدِيدٌ. والقِدَدُ: الطَّرائِقُ {طَرَائِقَ قِدَدًا } [الجنّ: 11] أي فِرَقاً شَتّى على مَذاهِبَ مُختلِفة وأهواءٍ متفرِّقة. الواحِدَةُ، قِدَّةٌ. والقِدَّةُ: الفِرْقَةُ من الناس. والقِدَّةُ كالقِطْعَةِ. واقْتَدَّ الأمْرَ: دَبَّرَهُ، كَقولِكَ: فَصَلَهُ وصَرَمَهُ. وقَدْ: حَرْفٌ يَخْتَصُّ بالفِعْلِ. والنَّحْويُّونَ يَقُولُونَ: هو للتَّوَقُّعِ، وحَقِيقَتُهُ أنه إذا دَخَلَ على فِعْلٍ ماضٍ فإِنما يَدْخُلُ على كُلِّ فِعْلٍ مُتَجَدِّدٍ نحوُ قولهِ: {قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} [يُوسُف: 90]، {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ} [آل عِمرَان: 13]، {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ} [المجَادلة: 1]، {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} [الفَتْح: 18]، {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ} [التّوبَة: 117]، وغَيْر ذلك. ولِما قُلْتُ لا يَصِحُّ أنْ يُسْتَعْمَلَ في أوصافِ اللَّهِ تعالى الذَّاتِيَّةِ، فيقالُ: قد كان اللَّهُ عَلِيماً حكِيماً. وأما قولهُ: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} [المُزّمل: 20] فإنَّ ذلك مُتَناوِلٌ للمَرَضِ في المَعْنَى، كما أنَّ النَّفْيَ في قولِكَ: ما عَلِمَ اللَّهُ زَيْداً يَخْرُجُ، هو للخُرُوجُ، وتَقْدِيرُ ذلك: قد يَمْرَضُونَ فيما عَلِمَ اللَّهُ، وما يَخْرُجُ زَيْدٌ فيما عَلِمَ اللَّهُ. وإذا دَخَلَ قد على المُسْتَقْبَلِ مِنَ الفِعْلِ فذلك الفِعْلُ يكونُ في حالَةٍ دُونَ حالَةٍ، نحوُ: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا} [النُّور: 63] أي قد يَتَسلَّلُونَ أحْياناً فيما عَلِمَ اللَّهُ. وقَدْ وقَطْ: يكونانِ اسْماً للفِعْلِ بِمَعْنَى حَسْبُ، يقالُ: قَدْنِي كذا، وقَطْنِي كذا. وحُكِيَ قَدِي. وحَكَى الفَرَّاءُ: قَدْ زَيْداً، وجَعَلَ ذلك مَقِيساً على ما سُمِعَ مِنْ قولِهم: قَدْنِي، وقَدْكَ. والصحيحُ أنَّ ذلك لا يُسْتَعْمَلُ مَعَ الظاهِر، وإنما جاءَ عنهم في المضْمَر.
قدر: القُدْرَةُ، إذا وُصِفَ بها الإنْسانُ فاسْمٌ لِهَيْئَةٍ له، بها يَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلِ شيءٍ مّـا، وإذا وُصِفَ اللَّهُ تعالى بها فهي نَفْيُ العَجْزِ عنه، ومُحالٌ أنْ يُوصَفَ غَيْرُ اللَّهِ بالقُدْرَةِ المُطْلَقَةِ مَعْنىً، وإنْ أُطْلِقَ عليه لفظاً بَلْ حَقُّهُ أنْ يقالَ: قادِرٌ على كذا، ومتى قيلَ: هو قادِرٌ، فَعَلَى سَبيلِ مَعْنَى التَّقْيِيدِ، ولهذا لا أحَد غَيْرُ اللَّهِ يُوصَفُ بالقُدْرَةِ مِنْ وجْهٍ، إلاَّ ويَصِحُّ أنْ يُوصَفَ بالعَجْزِ مِنْ وجْهٍ. واللَّهُ تعالى هو الذي يَنْتَفي عنه العَجْزُ مِنْ كُلِّ وجْهٍ. والقَدِيرُ: هو الفاعِلُ لِما يَشاءُ على قَدْرِ ما تَقْتَضي الحِكْمَةُ لا زائِداً عليه ولا ناقِصاً عنه، ولذلك لا يَصِحُّ أن يُوصَفَ به إلاَّ اللَّهُ تعالى {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ } [البَقَرَة: 20]. والمُقْتَدِرُ يُقارِبهُ، نحوُ: {عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ } [القَمَر: 55] لكنْ قد يُوصَفُ به البَشَرُ، وإذا اسْتُعْمِلَ في اللَّهِ تعالى فَمَعْناهُ مَعْنَى القَدِير، وإذا اسْتُعْمِلَ في البَشَر فَمَعْناهُ المُتَكَلِّفُ والمُكْتَسِبُ لِلقُدْرَةِ. يقالُ: قَدَرْتُ على كذا قُدْرَةً {لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيءٍ مِمَّا كَسَبُوا} [البَقَرَة: 264]. والقَدْرُ والتَّقْدِيرُ: تَبْيينُ كَمِّيَّةِ الشيءِ. يقالُ: قَدَرْتُه وقَدَّرْتُه. وقَدَّرَهُ بالتَّشْدِيدِ: أعْطاهُ القُدْرَةَ. يقالُ: قَدَّرَني اللَّهُ على كذا، وقَوَّانِي عليه. فَتَقْدِيرُ اللَّهِ الأشْياءَ على وجْهَيْنِ. أحَدُهُما: بإعْطاءِ القُدْرَةِ، والثاني: بأنْ يَجْعَلَها على مِقْدار مَخْصُوصٍ، ووجْهٍ مَخْصُوصٍ، حَسْبَما اقْتَضَتِ الحِكْمَةُ، وذلك أنَّ فِعْلَ اللَّهِ تعالى نوعانَ: نوعٌ أوجَدَهُ بالفِعْـلِ، ومَعْنَـى إيجـادِهِ بالفِعْلِ أنْأبْدَعَهُ كامِلاً دُفْعَةً لا تَعْتَريهِ الزِّيادَةُ والنُّقْصانُ إلى أنْ يَشاءَ أنْ يُفْنِيَهُ، أو يُبَدِّلَهُ، كالسمواتِ وما فيها، ونوعٌ جَعَلَ أُصُولَه مَوْجُودَةً بالفِعْلِ وأجْزاءَهُ بالقُوَّةِ وقَدَّرَهُ على وجْهٍ لا يَتَأتَّى منه غَيْرُ ما قَدَّرَهُ فيه، كَتَقْدِيرهِ في النَّواةِ أنْ يَنْبُتَ منها النَّخْلُ دُونَ التُّفَّاحِ والزَّيْتُونِ، وتَقْدِير مَنِيِّ الإنْسانِ أن يَكونَ منه الإنْسانُ دُونَ سائِر الحَيَواناتِ. فَتَقْدِيرُ اللَّهِ على وجْهَيْنِ، أحَدُهُما: بالحُكْمِ منه أن يكونَ كذا أو لا يكونَ كذا، إمّا على سَبيلِ الوُجُوبِ، وإما على سَبيلِ الإِمْكانِ. وعلى ذلك قولهُ: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } [الطّلاَق: 3]، والآخَرُ: بإعْطاءِ القُدْرَةِ عليه. وقولهُ: {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ } [المُرسَلات: 23] تنبيهاً أنَّ كُلَّ ما يَحْكُمُ به فهو محمودٌ في حُكْمِهِ، أو يكون مِنْ قولهِ: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } [الطّلاَق: 3] وقُرىءَ: فَقَدَّرْنا، بالتَّشْدِيدِ، وذلك منـه، أو مِنْ إعْطاءِ القُدْرَةِ. وقولهُ: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ} [الواقِعَة: 60] فإنه تنبيهٌ أنَّ ذلك حِكْمَةٌ مِنْ حَيْثُ إنه هو المُقَدِّرُ، وتنبيهٌ أنَّ ذلك ليسَ كما زَعَمَ المَجُوسُ أنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ وإبْليسُ يَقْتُلُ. وقولهُ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } [القَدر: 1] أي لَيْلَةٍ قَيَّضَها لأُمُور مَخْصُوصَةٍ. وقولهُ: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } [القَمَر: 49] أي خلقناه بمقدارٍ توجبه الحكمة، لم نخلقه جزافاً ولا تجنياً. وقولهُ: {وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المُزّمل: 20] إشارَةٌ إلى ما أُجْريَ مِنْ تَكْوِيرِ الليلِ على النهارِ وتَكْوِير النهارِ على الليلِ، وأنْ ليسَ أحَدٌ يُمْكِنُه مَعْرفَةُ ساعاتِهِما. وقولهُ: {مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ } [عَبَسَ: 19] فإشارَةٌ إلى ما أوجَدَهُ فيه بالقُوَّةِ فَيَظْهَرُ حالاً فحالاً إلى الوُجُودِ بالصُّورَةِ. وقولهُ: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا } [الأحزَاب: 38] فَقَدَرٌ: إشارَةٌ إلى ما سَبَقَ به القَضاءُ والكِتابَةُ في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ، والمُشارُ إليه بقولهِ عليه وعلى آله السـلامُ: «فَـرَغَ رَبُّكُمْ مِنَ الخَلْقِ والأجَلِ والرِّزْقِ»(47). والمَقْدُورُ: إشارَةٌ إلى ما يَحْدُثُ عنه حالاً فحالاً مما قُدِّرَ وهو المُشارُ إليه بقولهِ: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [الرَّحمن: 29]، وعلى ذلك قولهُ: {وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ } [الحِجر: 21]. قال أبُو الحَسَنِ: خُذْهُ بِقَدَرِ كذا وبِقَدْرِ كذا، وفُلانٌ يُخاصِمُ بِقَدَرٍ وقَدْرٍ. وقولهُ: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} [البَقَرَة: 236]، {وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البَقَرَة: 236] أي ما يَلِيقُ بحالِه مقَدَّراً عليه. وقولهُ: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى } [الأعلى: 3] أي أعْطَى كُلَّ شيءٍ ما فيه مَصْلَحَتُه، وهَداهُ لِما فيه خَلاصُهُ إمّا بالتَّسْخِيرِ، وإمّا بالتَّعْلِيمِ، كما قال: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } [طه: 50]، والتَّقْدِيرُ مِنَ الإنْسان على وجْهَيْنِ: أحَدُهُما التَّفَكُّرُ في الأمْر بحَسَبِ نَظَر العَقْلِ، وبِناءُ الأمْرِ عليه، وذلك محمودٌ. والآخَرُ: أن يكونَ بحَسَبِ التَّمَنِّي، والشَّهْوَةِ، وذلك مَذْمُومٌ، كقولهِ: {فَكَّرَ وقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } [المدَّثِّر: 18-19]. وتُسْتَعارُ القُدْرَةُ والمَقْدُورُ للحالِ والسَّعَةِ في المالِ. والقَدَرُ: وقْتُ الشيءِ المُقَدَّرُ له، والمَكانُ المُقَدَّرُ له، ومنه: {إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ } [المُرسَلات: 22]. و {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرّعد: 17] أي بِقَدْرِ المَكانِ المُقَدَّرِ لأنْ يَسَعَها. وقُرىءَ، بِقَدْرِها أي: تَقْدِيرها. وقولهُ: {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ } [القَلَم: 25]ژ: قاصِدِين، أي مُعَيِّنِينَ لوقْتٍ قَدَّرُوهُ، وكذلك قولهُ: {فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } [القَمَر: 12]. وقَدَرْتُ عليه الشيءَ: ضَيَّقْتُهُ، كأنما جَعَلْتُه بقَدْر، بخلافِ ما وُصِفَ بـ(غَيْر حِسابٍ). قال: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطّلاَق: 7] أي ضُيِّقَ عليه {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الرّعد: 26]، وقال: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبيَاء: 87] أي لَنْ نُضَيِّقَ عليه، وقُرىءَ: لَنْ نُقَدِّرَ عليه. ومن هذا المَعْنَى اشْتُقَّ: الأقْدَرُ، أي القَصِيرُ العُنُقِ. وفَرَسٌ أقْدَرُ: يَضَعُ حافِرَ رِجْلِه مَوْضِعَ حافِر يَدِهِ. وقولهُ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعَام: 91] أي ما عَرَفُوا كُنْهَهُ، تنبيهاً أنه كَيْفَ يُمْكِنُهُمْ أنْ يُدْرِكُوا كُنْهَهُ، فمن أقرَّ أَنَّ اللّهَ على كلِّ شيءٍ قدير فقد قدَّر اللّه حَقَّ قدرِّهِ. وقيل، معناه: ما عَرَفُوا اللّه حقَّ معرفتِهِ وما عظّموهُ حَقَّ عظمتهِ وما وصفُوهُ بما هوَ أهلٌ أنْ يوصفَ بِهِ، وهذا وصْفُهُ، وهو قوله: {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزُّمَر: 67]. وقولهُ: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سَبَإ: 11] أي أحْكِمْهُ، وقولُهُ: {فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ } [الزّخرُف: 42] ومِقْدارُ الشيءِ للشيءِ: المُقَدَّرِ له وبه وقْتاً كان أو زَماناً أو غَيْرَهُما {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } [المعَارج: 4]، وقولهُ: {لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الحَديد: 29] فالكلامُ فيه مُخْتَصٌّ بالتأويلِ. والقِدْرُ: اسْمٌ لِما يُطْبَخُ فيه اللَّحْمُ {وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [سَبَإ: 13]. وقَدَرْتُ اللَّحْمَ: طَبَخْتُهُ في القِدْرِ.
قدس: التَّقْدِيسُ: التَّطْهِيرُ الإلهِيُّ المذكورُ في قولهِ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } [الأحزَاب: 33] دُونَ التَّطْهِير الذي هو إزالَةُ النَّجاسَةِ المَحْسُوسَةِ، وقولهُ: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البَقَرَة: 30] أي نُطَهِّرُ الأشْياءَ ارْتِساماً لَكَ. وقيلَ: نُقَدِّسُكَ، أي نُنزِّهَكَ عن كل نقص. وقولهُ: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ} [النّحل: 102] يَعْنِي به جبريلَ مِنْ حَيْثُ إنه يَنْزلُ بالقُدُسِ مِنَ اللَّهِ، أي بما يُطَهِّرُ به نُفُوسَنا مِنَ القُرْآنِ والحِكْمَةِ والفَيْضِ الإِلهِيِّ؛ والبيتُ المُقَدَّسُ: هو المُطَهَّرُ مِنَ النَّجاسَةِ، أي الشِّرْكِ، وكذلك الأرضُ المُقَدَّسَةُ {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [المَائدة: 21]. وحَظِيرَةُ القُدْسِ: قيلَ: الجَنَّةُ، وقيلَ: الشِّريعَةُ. وكِلاهُما صحيحٌ، فالشَّريعَةُ حَظِيرَةٌ منها يُسْتَفادُ القُدْسُ، أي الطَّهارَةُ. والقدوس: من أسماء الله الحسنى.
قدم: القَدَمُ: قَدَمُ الرَّجُلِ، وجَمْعُهُ: أقْدامٌ {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ } [الأنفَال: 11] وبه اعْتُبِرَ التَّقَدُّمُ والتأخُّرُ. والتَّقَدُّمُ على أرْبَعَةِ أوجُهٍ، كما ذَكَرْنا في «قَبْلُ». ويقالُ: حَدِيثٌ وقَدِيمٌ، وذلك إمّا باعْتِبارِ الزَّمانَيْنِ، وإمّا بالشَّرَفِ، نحوُ: فلانٌ مُتَقَدِّمٌ على فُلانٍ، أي أشْرَفُ منه، وإمّا لِما لا يَصِحُّ وجُودُ غَيْره إلاَّ بوجُودِهِ، كقولِكَ: الواحِدُ مُتَقَدِّمٌ على العَدَدِ، بمَعْنَى أنه لو تُوُهِّمَ ارْتِفاعُه لارْتَفَعت الأعْدادُ. والقِدَمُ: وُجُودٌ فيما مَضَى، والبَقاءُ: وجُودٌ فيما يُسْتَقْبَلُ. وقد ورَدَ في وصْفِ اللَّهِ: يا قَدِيمَ الإحْسانِ للدعاء، ولم يَردْ في شيءٍ مِنَ القُرآنِ والآثارِ الصحيحةِ القَدِيمُ في وصْفِ اللَّهِ تعالى. والمُتَكَلِّمُونَ يَسْتَعْمِلُونَهُ ويَصِفُونَهُ به، وأكْثَرُ ما يُسْتَعْمَلُ القَديمُ باعْتِبارِ الزمانِ، نحوُ {كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ } [يس: 39]. وقولهُ {قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [يُونس: 2] أي سابِقَةَ فَضِيلَةٍ، هو اسْمُ مَصْدَر. وقدَّمْتُ كذا: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} [المجَادلة: 13]، {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ} [المَائدة: 80]. وقَدَمْتُ فُلاناً، أقْدُمُه: إذا تَقَدَّمْتُه {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [هُود: 98]، {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [البَقَرَة: 95]. وقولهُ: {لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحُجرَات: 1] قيلَ: مَعْناهُ لا تَتَقَدَّمُوه، وتَحْقِيقُهُ: لا تَسْبِقُوهُ بالقولِ والحُكْمِ، بَل افْعَلُوا ما يَرْسُمُه لَكُمْ، كما يَفْعَلُهُ العِبادُ المُكْرَمُونَ، وهُمُ المَلائِكَةُ، حَيْثُ قال: {لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ} [الأنبيَاء: 27]. وقولهُ: {لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [الأعرَاف: 34] أي لا يُريدُونَ تَأخُّراً ولا تَقَدُّماً. وقولهُ: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: 12] أي ما فَعَلُوهُ. قيل: وقَدَّمْتُ إليه بكذا، إذا أمَرْتُه قَبْلَ وَقْتِ الحاجَةِ إلى فِعْلِه، وقَبْلَ أنْ يَدْهَمَهُ الأمْرُ والناسُ. وقَدَّمْتُ به: أعْلَمْتُه قَبْلَ أن يَدْهَمَه الأمرُ وقت الحاجَةِ إلى أنْ يَعْمَلَهُ، ومنه قوله تعالى: {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ } [ق: 28].
قدو: القِدْيَةُ (بالكسر، قُلِبَتِ الواو فيها ياءً للكسرة القريبة منه وضعف الحاجز) هي الطَّريقَةُ والسيرة. القُدْوةُ والْقِدوة: ما اقتديتَ به أي تسنَّنتَ بسُنَّته، جمعُها الْقِدَى. قال الله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعَام: 90] أي أولئك الذين قَبِلُوا هُدَى الله، فَاقْتَدِ بطريقتهم في التَّوحيد والأدلَّة وتبليغ الرِّسالة. وقولُه تعالى: {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ } [الزّخرُف: 23] أي سائرون علَى طريقتهم.
قذف: القَذْفُ: الرَّمْيُ البَعِيدُ، ولاِعْتِبارِ البُعْدِ فيه قيلَ: مَنْزِلٌ وفَلاةٌ قَذَفٌ، وقَذِيفٌ. وبَلْدَةٌ قَذُوفٌ: بَعِيدَةٌ. وقولهُ: {فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ} [طه: 39] أي اطْرَحِيهِ في بَحْرِ النِّيْلِ. وقال: {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} [الأحزَاب: 26] أي ألقى في قلوبهم الخوف الشديد، {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ} [الأنبيَاء: 18]. {يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ } [سَبَإ: 48] أي يلقيه إلى أنبيائه، أي يُرمَوْن بالشُّهب. واسْتُعِير القَذْفُ لِلشَّتْم والعَيْب، كما اسْتُعِيرَ الرَّمْيُ.
قرأ: قَرَأَتِ المرأةُ: رَأتِ الدَّمَ. وقَرَأَتِ الحَامِلُ: وَلَدَتْ، وأقْرَأتْ: صارَتْ ذاتَ قُرْء. وقَرَأْتُ الجارِيَةَ: اسْتَبْرَأْتُها بالقُرْءِ. والقُرْءُ في الحَقِيقَةِ: اسْمٌ للدُّخُولِ في الحَيْضِ عَنْ طُهْر، ولَمَّا كان اسْماً جامِعاً للأَمْرَيْنِ: الطُّهْرِ والحَيْضِ المُتَعَقِّبِ له، أُطْلِقَ على كُلِّ واحِد مِنهُما، لأنَّ كُلَّ اسْمٍ مَوْضُوعٍ لِمَعْنَيَيْنِ مَعاً يُطْلَقُ على كُلِّ واحِد منهما إذا انْفَرَدَ كالمائِدَةِ لِلْخِوان ولِلطَّعامِ، ثم قد يُسَمَّى كُلُّ واحِدٍ مِنهُما بانْفِرادِهِ به. وليسَ القُرْءُ اسْماً للطُّهْرِ مُجَرَّداً، ولا لِلْحَيْض مُجَرَّداً، بِدَلالَةِ أنَّ الطَّاهِرَ التي لم تَرَ أثَرَ الدَّمِ لا يقالُ لَها ذاتُ قُرْء، وكذا الحائِضُ التي اسْتَمَرَّ بها الدَّمُ، والنُّفَساءُ: لا يقالُ لَها ذلك. وقولهُ: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ} [البَقَرَة: 228] أي ثَلاثَةَ دُخُولٍ مِنَ الطُّهْر في الحَيْضِ. وقولهُ: عليه وعلى آله السلامُ «اقْعُدِي عَنِ الصلاةِ أيَّامَ أقْرائِكِ»(48) أي أيَّامَ حَيْضِكِ، فإنما هو كقولِ القائِلِ: افْعَلْ كذا أيَّامَ وُرودِ فُلانٍ، وَوُرُودُه إنما يكونُ في ساعَة، وإن كان يُنْسَبُ إلى الأيَّامِ. وقولُ أهْلِ اللُّغَةِ: إنَّ القُرْءَ مِنْ قَرَأ، أي جَمَعَ، فإنَّهُمْ اعْتَبَرُوا الجَمْعَ بَيْنَ زَمَنِ الطُّهْر وزَمَنِ الحَيْضِ حَسْبَما ذُكِرَ آنفاً، لاِجْتِماعِ الدَّمِ في الرَّحِمِ. والقِراءَةُ ضَمُّ الحُرُوفِ والكَلِماتِ بعضِها إلى بعضٍ في التَّرْتِيل، وليسَ يقالُ ذلك لِكُلِّ جَمْعٍ، فلا يقالُ: قَرأْتُ القومَ، إذا جَمَعْتُهُمْ. ويَدُلُّ على ذلك أنه لا يقالُ للحَرْفِ الواحِدِ إذا تُفُوِّه به: قِراءَةٌ. والقُرْآنُ في الأصْلِ: مَصْدَرٌ، نحوُ كُفْرانٍ ورُجْحانٍ {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } [القِيَامَة: 17]، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ } [القِيَامَة: 18] قال ابنُ عباسٍ: إذا جَمَعْناهُ وأثْبَتْناهُ في صَدْرِك فاعْمَلْ به. وقد خُصَّ بالكِتابِ المُنَزَّلِ على محمد (ص) ، فَصارَ له كالعَلَمِ، كما أنَّ التَّوْراةَ لِما أنْزِلَ على مُوسَى، والإنْجيلَ على عِيسَى صلى الله عليهم وسلم. وتَسْمِيَةُ هذا الكِتاب قُرْآناً مِنْ بَيْنِ كُتُبِ اللَّهِ، لِكَوْنِهِ جامِعاً لِثَمَرَةِ كُتُبِه، بَلْ لِجَمْعِهِ ثَمَرَةَ جَمِيعِ العُلُومِ، كما أشارَ تعالى إليه بقوله: {وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ} [يُوسُف: 111] وقولهِ: {تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} [النّحل: 89]، {قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزُّمَر: 28]، {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ} [الإسرَاء: 106]، {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ} [الإسرَاء: 41] أي بيّنّا. وقوله: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسرَاء: 78] أي قِراءَتَهُ، أو صلاةَ الفَجْر. وقال: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } [الواقِعَة: 77]. وأقرْأَتُ فُلاناً كذا: كقوله: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى } [الأعلى: 6] وتَقَرَّأْتُ: تَفَهَّمْتُ. وقارَأْتُه: دارَسْتُهُ.
قرب: القُرْبُ والبُعْدُ يَتَقابَلانِ، يقالُ: قَرُبْتُ منه أقْرُبُ، وقَرَّبْتُه أُقَرِّبُهُ، قُرْباً وقُرْباناً. ويُسْتَعْمَلُ ذلك في المَكانِ وفي الزمانِ وفي النِّسْبَةِ وفي الحَظْوَةِ والرِّعايَةِ والقُدْرَةِ، فَمِنَ الأوَّلِ نحوُ: {وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [البَقَرَة: 35]، {وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ} [الأنعَام: 152]، {وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسرَاء: 32]. وقوله تعالى: {فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التّوبَة: 28] أيْ فامنَعوا المشركين عن المسجدِ الحرامِ أن يَدْخُلوه. وقولهُ: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البَقَرَة: 222]، {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ} [الذّاريَات: 27]. وفي الزمانِ، نحوُ: {إِقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} [الأنبيَاء: 1]، {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ } [الأنبيَاء: 109]. وفي النِّسْبَةِ نحوُ: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} [النِّسَاء: 8]، {الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} [النِّسَاء: 7]، {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [المَائدة: 106]، {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفَال: 41]، {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} [النِّسَاء: 36]، {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ } [البَلَد: 15]. وفي الحَظْوَةِ {وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النِّسَاء: 172]. وفي عِيسَى (ع) {وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ } [آل عِمرَان: 45]، {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ } [المطفّفِين: 28]، {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ } [الواقِعَة: 88]، {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ } [الشُّعَرَاء: 42]، {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } [مَريَم: 52]. ويقالُ لِلْحَظْوَةِ: القُرْبَةُ، كقولهِ: {قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ} [التّوبَة: 99]، {أَلاَ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ} [التّوبَة: 99]، {تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} [سَبَإ: 37]. وفي الرِّعايَةِ {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } [الأعرَاف: 56]، {فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ} [البَقَرَة: 186]. وفي القُدْرَةِ {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } [ق: 16]، {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ} [الواقِعَة: 85] يَحْتَمِلُ أنْ يكونَ مِنْ حَيْثُ القُدْرَةُ. والقُرْبانُ: ما يُتَقَرَّبُ به إلى اللَّهِ، وصارَ في التَّعارُفِ اسْماً للنَّسِيكَةِ التي هي الذَّبِيحَةُ، وجَمْعُه: قَرابِينُ {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً} [المَائدة: 27]، {حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ} [آل عِمرَان: 183]، وقولهُ: {قُرْبَاناً آلِهَةً} [الأحقاف: 28] فَمِنْ قولِهم: قُربانُ المَلِكِ،لِمَنْ يَتَقَرَّبُ بِخِدْمَتِه إلى المَلِكِ، ويُسْتَعْمَلُ ذلك للواحِدِ والجمعِ، ولِكَوْنِهِ في هذا المَوْضِعِ جَمْعاً قال: آلِهَةً. والتَّقَرُّبُ: التَّحَدّي بما يَقْتَضِي حَظْوَةً. وقُرْبُ اللَّهِ تعالى مِنَ العَبْدِ هو بالإِفْضالِ عليه والفَيْضِ، لا بالمَكانِ، ولهذا رُوِيَ أنَّ مُوسَى (ع) قال: «إلَهِي أقَريبٌ أنْتَ فأناجِيَكَ أمْ بَعِيدٌ فأنادِيَكَ»، فَقالَ: لو قَدَّرْتُ لَكَ البُعْدَ لما انْتَهَيْتَ إليه، ولو قَدَّرْتُ لَكَ القُرْبَ لَما اقْتَدَرْتَ عليه. وقال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } [ق: 16]. وقُرْبُ العَبْدِ مِنَ اللَّهِ في الحَقِيقَةِ التَّخَصُّصُ بكَثِير مِنَ الصِّفاتِ التي يَصِحُّ أنْ يُوصَفَ اللَّهُ تعالى بها، وإنْ لم يَكُنْ وصْفُ الإنْسانِ بها على الحَدِّ الذي يُوصَفُ تعالى به، نحوُ الحِكْمَةِ والعِلْمِ والحِلْمِ والرَّحْمَةِ والغِنَى، وذلك يكونُ بإزالَةِ الأوْساخِ مِنَ الجَهْلِ والطَّيْشِ والغَضَبِ والحاجاتِ البَدَنِيَّةِ بقَدْرِ طاقَةِ البَشَر، وذلك قُرْبٌ روحانِيٌّ لا بَدَنِيٌّ، وعلى هذا القُرْبِ نَبَّهَ عليه وعلى آله الصلاة والسلامُ بحديث قدسيّ عن اللَّهِ تعالى: «مَنْ تَقَرَّبَ إليَّ شِبْراً تَقَرَّبْتُ إليه ذِراعاً»(49)، وقولهُ: عن ربه أيضاً تبارك وتعالى «ما تَقَرَّبَ إليَّ عَبْدٌ بمِثْلِ أداءِ ما افْتَرَضْتُ عليه، وإنه لَيَتَقَرَّبُ إليَّ بَعْدَ ذلك بالنوافِلِ حتى أُحِبَّهُ»(50) ـ الخَبَر ـ. وقولهُ: {وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ} [الأنعَام: 152] هو أبْلَغُ مِنَ النَّهْيِ عَنْ تَناوُلِه، لأنَّ النَّهْيَ عَنْ قُرْبِهِ أبْلَغُ مِنَ النَّهْيِ عَنْ أخْذِهِ، وعلى هذا قولهُ: {وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [البَقَرَة: 35]، وقولهُ: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البَقَرَة: 222] كِنَايَةٌ عن الجِماعِ {وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسرَاء: 32]. والقِرابُ: المُقارَبَةُ، قال الشاعِرُ:
فإنَّ قِرابَ البَطْنِ يَكْفِيكَ مِلْؤُهُ
وقَدَحٌ قَرْبانُ: قريبٌ مِنَ المِلْءِ. وقِرْبانُ المرأةِ: غِشْيانُها. ورَجُلٌ قارِبٌ: قَرُبَ مِنَ الماءِ، ولَيْلَةُ القُرْبِ. والمُقْرِبُ: الحامِلُ التي قَرُبَتْ ولادَتُها. قرح: القَرْحُ: الأثرُ مِنَ الجراحَةِ مِنْ شيء يُصِيبُه مِنْ خارِجٍ، والقرْحُ: أثَرُها مِنْ داخِلٍ، كالبَثْرَةِ ونحوها. يقالُ: قَرَحْتُه، نحوُ جَرَحْتُه. وقَرِحَ: خَرَجَ به قَرْحٌ. وقَرَحَ قَلْبُه، وأقْرَحَهُ اللَّهُ. وقد يقالُ القَرْحُ للجراحَةِ، والقُرْحُ لِلألَمِ. {مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} [آل عِمرَان: 172]: ما أصابَهُم مِنْ عضِّ السلاح ونحوِهِ مما يخرُج بالبدنِ، {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [آل عِمرَان: 140] وقُرىءَ بالضَّمِّ. والقُرْحانُ: الذي لم يُصِبْهُ الجُدريُّ. وفَرَسٌ قارحٌ، إذا ظَهَرَ به أثَرٌ مِنْ طُلُوعِ نابِهِ، والأنْثَى: قارِحَةٌ. وأقْرَح: به أثَرٌ مِنَ الغُرَّةِ. ورَوْضَةٌ قَرْحاءُ: وسَطها نَوْرٌ، وذلك لتَشْبِيهِها بالفَرَسِ القَرْحاءِ. واقْتَرَحْتُ الجَمَلَ: ابْتَدَعْتُ رُكوبَهُ. واقْتَرَحْتُ كذا على فُلانٍ: ابْتَدَعْتُ التَّمَنِّيَ عليه. واقْتَرَحْتُ بِئْراً: اسْتَخْرَجْتُ منها ماءً قَراحاً، ونحوهُ أرْضٌ قَراحٌ، أي خالِصَةٌ. والقَريحَةُ: حَيْثُ يُسْتَنْقَرُ فيه الماءُ المُسْتَنْبطُ، ومنه اسْتُعِيرَ: قَرِيحَةُ الإنْسانِ أي طبعُهُ، وقريحةُ الشاعرِ: الملكة التي يقتدِرُ بها على نظم الشِّعرِ.
قرد: القِرْدُ: جَمْعُهُ قِرَدَةٌ {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ } [البَقَرَة: 65]، {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ} [المَائدة: 60] قيلَ جَعَلَ صُوَرَهُمْ المُشاهَدَةَ كَصُوَرِ القِرَدَةِ، وقيلَ: بَلْ جَعَلَ أخْلاقَهُمْ كأخْلاقِها، وإن لم تكنْ صُورَتُهُمْ كَصُورَتِها. والقُرادُ: جَمْعُه: قِرْدانٌ. والصُّوفُ القَرِدُ: المُتَداخِلُ بعضُه في بعضٍ، ومنه قيلَ: سَحابٌ قَرِدٌ، أي مُتَلَبِّدٌ. وأقْرَدَ، أي لَصِقَ بالأرضِ لُصُوقَ القُرَادِ، أو سَكَتَ عَيّاً وذُلاًّ، وقَرَدَ: سَكَنَ سُكونَهُ. وقَرَّدْتُ البَعِيرَ: أزَلْتُ قُرادَهُ، نحوُ قَذَّيْتُ ومَرَّضْتُ، ويُسْتَعارُ ذلك للمُداراةِ المُتَوَصَّلِ بها إلى خَدِيعَة، فيقالُ: فُلانٌ يُقَرِّدُ فُلاناً، وسُمِّيت حَلَمَةُ الثَّدْي قُراداً، كما تُسَمَّى حَلَمَةً، تشبيهاً بها في الهَيْئَةِ.
قرّ: قَرَّ في مكانِهِ يَقِرُّ قَراراً، إذا ثَبَتَ ثُبُوتاً جامِداً، وأصْلُه مِنَ القُرِّ، وهو البَرْدُ، وهو يَقْتَضي السُّكُونَ بينما الحَرُّ يَقْتَضي الحَرَكَةَ. وقُرِىءَ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزَاب: 33] قيلَ أصْلُه: اقْررْنَ، فَحُذف إحْدَى الرَّاءَيْنِ تخفيفاً، نحوُ: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } [الواقِعَة: 65] أي ظَلَلْتُمْ. قال تعالى: {جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا} [غَافر: 64]، {أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا} [النَّمل: 61] أي مُسْتَقَرّاً. وقال عن الرّبوةِ الّتي أوتْ إليها مريمُ عند ولادةِ ابنِهَا عيسى سلامُ الله عليهما: {ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } [المؤمنون: 50]، وفي صِفةِ النارِ قال: {فَبِئْسَ الْقَرَارُ } [ص: 60]. وقولهُ: {اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ } [إبراهيم: 26] أي ثَباتٍ. واسْتَقَرَّ فُلانٌ، إذا تَحَرَّى القَرارَ، وقد يُسْتَعْمَلُ في مَعْنَى قَرَّ كاسْتَجابَ، وأجابَ. قال في الجَنَّةِ: {خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } [الفُرقان: 24]، وفي النارِ {سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا} [الفُرقان: 66]. وأمَّا قولُه تعالى: {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ} [الأنعَام: 67] أي لكلّ خبرٍ منْ أخبارِ الله تعالى ورسولِهِ حقيقةٌ كائنةٌ إمّا في الدّنيا وإمّا في الآخرة. وقيلَ معناه: لكلِّ عملِ للخير قرارٌ على غايةٍ ينتهي إليها، ويظهرُ عندَها. وقولهُ: {فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} [الأنعَام: 98] قال ابنُ مَسْعُودٍ: مُسْتَقَرٌّ في الأرضِ، ومُسْتَوْدَعٌ في القُبُورِ. وقال ابنُ عباسٍ: مُسْتَقَرٌّ في الأرضِ، ومُسْتَوْدَعٌ في الأصْلابِ. وقال الحَسَنُ: مُسْتَقَرٌّ في الآخِرَةِ، ومُسْتَوْدَعٌ في الدُّنْيا، وجُمْلَةُ الأمْر أنَّ كُلَّ حالٍ يُنْقَلُ عنها الإنْسانُ، فليسَ بالمُسْتَقَرِّ التامِّ. والإِقْرارُ: إثباتُ الشيءِ {وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ} [الحَجّ: 5] وقد يكونُ ذلك إثْباتاً إمّا بالقَلْبِ وإمّا باللّسانِ وإمّا بهما. والإقْرارُ بالتوحِيدِ، وما يَجْري مَجْراهُ لا يُغْنِي باللّسانِ ما لم يُضامَّهُ الإقْرارُ بالقَلْبِ. ويُضادُّ الإقْرارَ: الإِنْكارُ. وأمّا الجُحُودُ فإنَّما يقالُ فيما يُنْكَرُ باللّسانِ دُونَ القَلْبِ {ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } [البَقَرَة: 84]، {ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا} [آل عِمرَان: 81]. وقيلَ: قَرَّتْ لَيْلَتُنا تَقِرُّ ويومٌ قَرٌّ ولَيْلَةٌ قِرَّةٌ. وقُرَّ فُلانٌ، فهو مَقْرُورٌ: أصابَهُ القُرُّ. وقيلَ: «حِرَّةٌ تَحْتَ قِرَّةٍ» مثلٌ يُضربُلمن يُظهِرُ خلافَ ما يُضْمِرُ؛ وقَرَرْتُ القِدْرَ أقُرُّها: صَبَبْتُ فيها ماءً قارّاً، أي بارِداً، واسْمُ ذلك الماءِ: القَرارَةُ والقَرِرَةُ. واقْتَرَّ فُلانٌ اقْتِراراً، نحوُ تَبَرَّدَ. وقَرَّتْ عَيْنُهُ، تَقَرُّ: سُرَّتْ {كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا} [القَصَص: 13]، وقيلَ لِمَنْ يُسَرُّ به: قُرَّةُ عَيْنٍ {قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} [القَصَص: 9] أي بهجةٌ. وقولهُ: {هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفُرقان: 74] قيلَ: أصْلُهُ مِنَ القُرِّ، أي البَرْدِ، فَقَرَّتْ عَيْنُه، قيلَ: مَعْناهُ بَرَدَتْ، فَصَحَّتْ. وقال الله الرؤوف الرحيم: {وَقَرِّي عَيْناً} [مَريَم: 26] أي طيبي نفساً وكوني مسرورة. وقيلَ: بَلْ لأنَّ لِلسُّرُورِ دَمْعَةً بارِدَةً قارَّةً، ولِلحُزْنِ دَمْعَةً حارَّةً. ولذلك يقالُ فِيمَنْ يُدْعَى عليه: أسْخَنَ اللَّهُ عَيْنَهُ.وقيلَ: هو مِنَ القَرارِ، والمَعْنَى: أعْطاهُ اللَّهُ ما تَسْكُنُ به عَيْنُه، فَلا يَطْمَحُ إلى غَيْره. وأقَرَّ بالحَقِّ: اعْتَرَفَ به، وأثْبَته على نَفْسِه. وتَقَرَّرَ الأمْرُ على كذا، أي حَصَلَ. والقارُورَةُ: القِنِّينَةُ، وجَمْعُها: قوارِيرُ أي قناني من زجاج. قال تعالى: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا *قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا } [الإنسَان: 15-16] أي أن هذه الكؤوس لها بياض الفضة وصفاء الزجاج، فيُرى من خارجها ما في داخلها. و {صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ} [النَّمل: 44] أي مِنْ زُجاجٍ.
قرض: القرْضُ: ضَرْبٌ مِنَ القَطْعِ، وسُمِّيَ قَطْعُ المَكانِ وتَجاوُزُه قَرْضاً، كما سُمِّيَ قَطْعاً. {وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف: 17] أي تَجُوزُهُمْ وتَدَعُهُمْ إلى أحَدِ الجانبينِ، وسُمِّيَ ما يُدْفَعُ إلى الإنْسان من المال بشَرْطِ رَدِّ بَدَلهِ: قَرْضاً {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَناً} [البَقَرَة: 245]. وسُمِّيَ المُفاوَضَةُ في الشِّعْر مُقارَضَة. والقَريضُ: للشِّعْر، مُسْتَعارٌ اسْتِعارَةَ النَّسْجِ والحَوْكِ.
قرطس: القِرْطاسُ: ما يُكْتَبُ فيه {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ} [الأنعَام: 7]، {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ} [الأنعَام: 91] أي كُتُباً وصُحُفاً متفرِّقَة، وقيل معناه: أغراضاً ترمون إليها.
قرع: القَرْعُ: ضَرْبُ شيءٍ على شيء، ومنه قَرَعْتُهُ بالمقْرَعَةِ {كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ } [الحَاقَّة: 4]. {الْقَارِعَةُ *مَا الْقَارِعَةُ } [القَارعَة: 1-2] أي القيامة لأنَّها تقرَعُ بالأهوال.
قرف: أصْلُ القَرْفِ والاقْتِرافِ: قَشْرُ اللِّحاءِ عَنِ الشَّجَرِ، والجِلْدَةِ عَنِ الجُرْحِ، وما يُؤْخَذُ منه: قِرْفٌ. واسْتُعِيرَ الاقْتِرافُ للاكْتِسابِ حُسْناً كان أو سُوءاً {سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ } [الأنعَام: 120]، {وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ } [الأنعَام: 113]، {وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا} [التّوبَة: 24]. والاقْتِرافُ في الإِساءَةِ أكْثَرُ اسْتِعْمالاً، ولهذا يقالُ: الاعْتِرافُ يُزيلُ الاقْتِرافَ. وقَرَفْتُ فُلاناً بكذا، إذا عِبْتُه به، أو اتَّهَمْتُه. وقد حُمِلَ على ذلك {وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ } [الأنعَام: 113]. وفُلانٌ قَرَفَنِي، ورَجُلٌ مُقْرِفٌ: هَجِينٌ. وقارَفَ فُلانٌ أمْراً، إذا تَعاطَى ما يُعابُ به.
قرن: الاقْتِرانُ كالازْدِواجِ، في كَوْنِهِ اجْتِماعَ شَيْئَيْنِ أو أشْياء في مَعْنىً مِنَ المَعانِي {أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } [الزّخرُف: 53]. يقالُ: قَرَنْتُ البَعِيرَ بالبَعِير: جَمَعْتُ بَينهما، ويُسَمَّى الحَبْلُ الذي يُشَدُّ به قَرَناً. وَقَرَّنْتُهُ، على التَّكْثِيرِ {وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ } [ص: 38]. وفُلانٌ قِرْنُ فُلانٍ في الوِلادَةِ، وقَرينُه، وقِرْنُهُ في الجَلادَةِ وفي القُوَّةِ وفي غَيرها من الأحْوالِ {إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } [الصَّافات: 51]، {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ} [ق: 23] إشارَةٌ إلى شَهِيدِه، {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} [ق: 27] ومنه {فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [الزّخرُف: 36]. وجَمْعُه: قُرَناءُ {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ} [فُصّلَت: 25]. والقَرْنُ: القَوْمُ المُقتَرنُونَ في زَمَنِ واحد، أو كلُّ أمةٍ هلكتْ ولم يبقَ منها أحدٌ. والقَرْنُ: مائةُ سَنَةٍ على ما جرى عليه المؤرخون، وجَمْعُهُ: قُرونٌ {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [يُونس: 13]، {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ} [الإسرَاء: 17]، {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ} [مَريَم: 74] {وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا } [الفُرقان: 38]، {ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ } [المؤمنون: 31]، {قُرُوناً آخَرِينَ } [المؤمنون: 42]. والقِرانُ: الجَمْعُ بَيْنَ الحَجِّ والعُمْرَةِ، ويُسْتَعْمَلُ في الجَمْعِ بَيْنَ الشَّيْئَيْن. وقَرْنُ الشاةِ والبَقَرَةِ. والقَرْنُ: عَظْمُ القَرْنِ. وكَبْشٌ أقْرَنُ، وشاةٌ قَرْناءُ. وقَرْنُ الجَبَلِ: الناتِىءُ منه. وقَرْنُ المرأةِ: ذُؤَابَتُها. وقَرْنُ المِرآةِ: حافَّتُها، وقَرْنُ الشَّيْطانِ: المتَّبِعونَ له، وقولهُ: (ص) لِعَليّ رضي الله عنه: «إنَّ لَك بَيْتاً في الجَنَّةِ، وإنَّكَ لَذُو قَرْنَيْها»(51)، يَعْنِي ذُو قَرْني الأمَّةِ، أي أنْتَ فيهم كَذِي القَرْنَيْنِ. والقَرِينُ: الزوجُ. وأَقْرَنَ له: قَوِيَ عليهِ {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } [الزّخرُف: 13]: مطيقين مقاومته. وروي عن رسول الله (ص) أنه كان إذا استوى على بعيره خارجاً في سفر كبّر ثلاثاً وقال: سبحانَ الله الذي سخّرَ لنا هذا وما كنا له مُقْرنِين وإنّا إلى ربنا لمُنقلِبون. اللهم أنت الصاحبُ في السَّفَرِ والخليفةُ في الأهْلِ والمال. اللهم إنّا نعوذُ بكَ من وعْثَاءِ السفرِ وكآبة المنْقَلَب وسوءِ المنظر في الأهل والمال. وإذا رجع قال: آيبون تائبون لربنا حامدون(52).
قـرى: القَرْيَةُ: الضَّيْعَةُ، واسْمٌ للمَوْضِعِ الذي يَجْتَمِعُ فيه الناسُ، وللناسِ جَمِيعاً، ويُسْتَعْمَلُ في كُلِّ واحِد منهما. {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يُوسُف: 82] قال كَثِيرٌ مِنَ المُفَسِّرينَ: مَعْناهُ أهْلَ القَرْيَةِ، وقـال بعضُهم: بَلِ القَرْيَةُ هَهُنا القومُ أنْفُسُهُمْ، وعلى هذا قولهُ: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً} [النّحل: 112]، {وَكَأَيِّن مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ} [محَمَّد: 13] وقولهُ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى} [هُود: 117] فإِنَّها اسْمٌ لِلمَدِينَةِ، وكذا قولهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [يُوسُف: 109]، {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} [النِّسَاء: 75] وحُكِيَ أنَّ بعضَالقُضاةِ دَخَلَ على عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ (رضي الله عنهما)، فسألهُ الإمام: أخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تعالى {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً} [سَبَإ: 18] ما يقولُ فيه عُلَماؤُكُمْ؟ قال القاضي: يَقُولُونَ: إنَّها مَكَّةُ، فقالَ الإمام: وهَلْ رَأيْتَ؟ فأجاب القاضي: ما هي؟ قال الإمام: إنَّما عُنِيَ الرِّجالُ، فأجاب القاضي: فأيْنَ ذلك في كِتابِ اللَّهِ؟ فقالَ الإمام: ألَمْ تَسْمَعْ قولَه تعالى: {وَكَأَيِّن مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا} [الطّلاَق: 8] أي فحاسبنا رِجالَها. وقال تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا} [الكهف: 59]، {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} [البَقَرَة: 58]. وقَرَيْتُ الماءَ في الحَوْضِ، وقَرَيْتُ الضَّيْفَ قِرىً، وقَرَى الشَّيءَ في فَمِه: جَمَعَهُ. وقَرَيانُ الماءِ: مُجْتَمَعُهُ.
قسر: القَسْرُ: الغَلَبَةُ والقَهْرُ، يقالُ: قَسَرْتُهُ واقْتَسَرْتُهُ، ومنه: القَسْوَرَةُ. {فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ } [المدَّثِّر: 51] قيلَ: هو الأسَدُ، وقيلَ: الرَّامي، وقيلَ: الصائِدُ، وقيل: الشديدُ مِنَ الرجالِ.
قسس: القَسُّ والقِسِّيسُ: العالِمُ العابدُ مِنْ رُؤُوسِ النصارَى {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً} [المَائدة: 82]. وأصْلُ القَسِّ تَتَبُّعُ الشَّيءِ وطَلَبُهُ باللَّيلِ، يقالُ: تَقَسَّسْتُ أصْواتَهُمْ بالليلِ، أي تَتَبَّعْتُها. والقَسْقَاسُ والقَسْقَسُ: الدَّلِيلُ الهادي أو المتَفَقِّدُ الذي لا يَغْفَلُ.
قسط: القِسْطُ: هو النَّصِيبُ بالعَدْلِ، كالنَّصَفِ والنَّصَفَةِ {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ} [يُونس: 4]، {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} [الرَّحمن: 9]. وأما القِسْطُ فهو أنْ يأخُذَ قِسْطَ غَيْرِه، وذلك جَوْرٌ. والإِقْساطُ: أنْ يُعْطِيَ قِسْطَ غَيْره، وذلك إنْصافٌ، وأصل القسط العدول، فمن عَدَلَ عَنِ الحقِّ فقد قسط، ومَنْ عَدَلَ إلى الحقِّ فقد أقسط. ولذلك قيلَ: قَسَطَ الرَّجُلُ، إذا جارَ. وأقْسَطَ، إذا عَدَلَ {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا } [الجنّ: 15]، {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [الحُجرَات: 9]. وتَقَسَّطْنا بَيْنَنا: أي اقْتَسَمْنا. والقَسْطُ: اعْوجاجٌ في الرِّجْلَيْنِ بخلافِ الفَحَجِ. والقِسْطاسُ: المِيزانُ، ويُعَبَّرُ به عن العَدَالَةِ، كما يُعَبَّرُ عنها بالمِيزانِ {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} [الإسرَاء: 35].
قسم: القَسْمُ: إفْرازُ النَّصِيبُ، يقالُ: قَسَمْتُ كذا قَسْماً، وقِسْمَةً. وقِسْمَةُ المِيراث، وقِسْمَةُ الغَنِيمَةِ. قال تعالى {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القَمَر: 28]، {لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ } [الحِجر: 44]. واسْتَقْسمْتُهُ: سَألْتُهُ أنْ يَقْسِمَ، ثم قد يُسْتَعْمَلُ في مَعْنَى قَسَمَ {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المَائدة: 3]. ورجُلٌ مُنْقَسِمُ القَلْبِ، أي اقْتَسَمَهُ الهَمُّ، نحوُ مُتَوَزِّعُ الخاطِرِ ومُشْتَرَكُ اللُّبِّ. وأقْسَمَ: حَلَفَ، وأصْلُه مِنَ القَسامَةِ، وهي أيْمانٌ تُقْسَمُ على أوْلِياءِ المَقْتُولِ، ثم صارَ اسْماً لِكُلِّ حَلِف {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [الأنعَام: 109]، {أَهَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ} [الأعرَاف: 49]، {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ *وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ } [القِيَامَة: 1-2]، {فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} [المعَارج: 40]، {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } [القَلَم: 17]، {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المَائدة: 106]. وقاسَمْتُهُ، وتَقاسَما {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ } [الأعرَاف: 21]، {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ} [النَّمل: 49]. وفُلانٌ مُقَسَّمُ الوَجْهِ، وقَسِيمُ الوَجْهِ، أي صَبِيحُهُ. والقَسامَةُ: الحُسْنُ، وأصْلُه من القِسْمَةِ، كأنَّما آتَى كُلَّ مَوْضِعٍ نَصِيبَهُ من الحُسْنِ فَلَم يَتَفاوَتْ، وقيلَ: إنَّما قيلَ مُقَسَّمٌ لأنه يَقْسِمُ بِحُسْنِهِ الطَّرْفَ، فَلا يَثْبُتُ في مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ. وقولهُ: {كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ *الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ } [الحِجر: 90-91] فسمّاهم مقتسمين لأنهم قسّموه أي فرّقوه وجعلوه أعضاء كأعضاء الجزور، فقالوا عنه: أساطير الأولين، وقالوا ساحرٌ أو مجنون، وقالوا: افترى على الله كذباً... الذين تَقاسَمُوا شُعَبَ مَكَّةَ لِيَصُدُّوا عَنْ سبيلِ اللَّهِ مَنْ يُرِيدُ مقابلة رَسُولَ اللَّهِ، وقيلَ: الذينَ تَحالَفُوا على كَيْدِهِ.
قسو: القَسْوَةُ: غِلَظُ القَلْبِ، وأصْلُه مِنْ حَجَرٍ قاسٍ. والمُقاساةُ: مُعالَجَةُ ذلك. قال تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} [البَقَرَة: 74]، {فَوَيلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزُّمَر: 22]، {وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} [الحَجّ: 53]. وقوله: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المَائدة: 13] قُرِىءَ: قَسِيَّةً، أي ليستْ قُلُوبُهُمْ بِخالِصَة.
قشعر: اقْشَعَرَّ جِلْدُهُ: أَخَذَتْهُ رِعْدَةٌ. فهو مُقْشَعِرٌّ، جمعه: قَشاعِرُ، واقشعرَّتِ الأرضُ: اربدَّتْ وتقبَّضَتْ، والقُشَعْريرَةُ: الرِّعْدَةُ. قوله تعالى: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الزُّمَر: 23] أي تَأْخُذُهُم رِعدةٌ من وعيدِهِ فيعلو جلودَهُمْ قشعريرةٌ.
قصد: القصْدُ: اسْتِقامَةُ الطريقِ {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} [النّحل: 9] أي أوجب الله على نفسه بيانَ استقامة الطريق. يقالُ: قَصدْتُ قَصْدَهُ، أي نَحَوْتُ نَحْوَهُ، ومنه: الاقْتِصادُ؛ والاقْتِصادُ على نوعين: أحَدُهُما محمودٌ على الإِطْلاقِ، وذلك فيما له طَرَفانِ: إفْراطٌ وتَفْريطٌ، كالجُودِ فإنه بَيْنَ الإسْرافِ والبُخْلِ، وكالشَّجاعَةِ فإنها بَيْنَ التَّهَوُّرِ والجُبْنِ، ونحوِ ذلكَ. وعلى هذا قولهُ: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} [لقمَان: 19]. وإلى هذا النَّحْوِ مِنَ الاقْتِصادِ أشارَ بقولهِ: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا } [الفُرقان: 67]. وأما في المفهوم الاصْطلاحِيّ الآنيّ الاقتِصادُ تعني «رعاية شؤون المال». والنوع الثانِي من الاقتصاد يُكَنَّى به عَمَّا يَقَعُ بَيْنَ محمودٍ ومَذْمُومٍ، كالواقِع بَيْنَ العَدْلِ والجَوْرِ، والقَرِيبِ والبَعِيدِ، وعلى ذلك قولُه: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} [فَاطِر: 32]. وقولهُ: {وَسَفَرًا قَاصِدًا} [التّوبَة: 42] أي سَفَراً مُتَوَسِّطاً غَيْرَ مُتَناهِي البُعْدِ.
قصر: القِصَرُ: خِلافُ الطُّولِ، وهُما مِنَ الأسْماءِ المُتَضايِفَةِ التي تُعْتَبَرُ بِغَيْرها. وَقَصَرْتُ كذا: جَعَلْتُهُ قَصِيراً. والتَّقْصيرُ: اسْمٌ للتَّضْجِيع. وقَصَرْتُ كذا: ضَمَمْتُ بعضَهُ إلى بعضٍ، ومنه سُمِّيَ القَصْرُ، وجَمْعُهُ: قُصُورٌ {وَقَصْرٍ مَشِيدٍ } [الحَجّ: 45]، {وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا } [الفُرقان: 10]، {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ } [المُرسَلات: 32]. وقيلَ: القَصْرُ أُصُولُ الشَّجَر، الواحِدَةُ: قَصْرَةٌ، مِثْلُ جَمْرَةٍ وجَمر، وتشبيهُها بالقَصْر، كَتَشْبِيهِ ذلك في قولهِ: {كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ } [المُرسَلات: 33]. وقَصَرْتُهُ: جَعَلْتُه في قَصْر، ومنه قولُه تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ } [الرَّحمن: 72]. وقَصَرَ الصَّلاةَ: جَعَلَها قَصِيرَةً بِتَرْكِ بعض رَكَعاتِها تَرْخِيصاً {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ} [النِّسَاء: 101]. وقَصَرْتُ اللَّقْحَةَ على فَرَسي: أي حَبَسْتُ. وقَصَرَ السَّهْمُ عَنِ الهَدَفِ، أي لم يَبْلُغْهُ. وامرأةٌ قاصِرَةُ الطَّرْفِ: لا تَمُدُّ طَرْفَها إلى غيرِ بَعْلِهَا {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [الرَّحمن: 56]. وقَصَّرَ شَعَرَهُ: جَزَّ بعضَه {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفَتْح: 27]. وقَصَّر في كذا، أي تَوانَى. وقَصَّرَ عنه: لم يَنَلْهُ، وأقْصَرَ عَنهُ: كَفَّ مَعَ القُدْرَةِ عليه. واقْتَصَرَ على كذا: اكْتَفَى بِالشَّيءِ القصِير منه، أي القليلِ. وأقْصَرَت الشاةُ: أسَنَّتْ حتى قَصرَ أطْرافُ أسْنانِها. وأقْصَرَتِ المرأةُ: وَلَدَتْ أولاداً قِصاراً. والتِّقْصارُ: قِلادَةٌ قَصِيرَةٌ. قصـص: القَـصُّ: تَتَبُّعُ الأثَرِ، يقالُ: قَصَصْتُ أثَرَهُ. والقَصَصُ: الأثَرُ {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا } [الكهف: 64]، {وَقَالَتْ لأُِخْتِهِ قُصِّيهِ} [القَصَص: 11] ومنه قيلَ لِما يَبْقَى مِنَ الكَلأ، فَيُتَتَبَّعُ أثَرُهُ: قَصِيصٌ. وقَصَصْتُ ظُفْرَهُ. والقَصَصُ: الأخْبارُ المُتَتَبَّعَةُ {لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} [آل عِمرَان: 62]، {فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [يُوسُف: 111]، {وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ} [القَصَص: 25]، {نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يُوسُف: 3]، {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ} [الأعرَاف: 7]، {يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [النَّمل: 76]، {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ} [الأعرَاف: 176]. والقِصاصُ تَتَبُّعُ الدَّمِ بالقَوَدِ {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المَائدة: 45]. والقِصاص والمقاصَّةُ والمعاوضةُ والمبادلةُ نظائر. وأمَّـا قولـه تعالـى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البَقَرَة: 179] ففيـه قولان، أحَدُهُما: أنَّ معناه: في إيجاب القصاص حياة، لأنَّ من هَمَّ بالقتل فذكرَ القصاصَ ارتدع، فكان ذلك سبباً للحياة. والقصاصُ يعتبرُ مزْجَرَةً قويَّةً عن إقدامِ النَّاسِ على القتل، وفي حالِ زَجْرِهِمْ عَنِ القَتْلِ خَوْفاً على أنْفُسِهِم مِنَ القصاصِ يكونُ لهم بقاء الحياة. والآخَرُ: مَعْنَاهُ أن لكم في وُقوعِ القتل حياةً، لأنَّهُ لا يُقتل إلا القاتِل دونَ غيرِهِ، بِخِلاَفِ ما كان يفعَلُهُ أهلُ الجاهليةِ وما يفعله اليومَ مَنْ هُمْ على شاكِلَتهم.
قصف: {فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ} [الإسرَاء: 69] وهي التي تَقْصِفُ ما مَرَّتْ عليه من الشَّجَر والبِناءِ. ورَعْدٌ قاصِفٌ: في صَوْتِهِ تَكَسُّرٌ، ومنه قيلَ لِصَوْتِ المَعازِفِ: قَصْفٌ، ويُتَجَوَّزُ به في كُلِّ لَهْو.
قصم: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} [الأنبيَاء: 11] أي حَطَمْناها وهَشَمْناها، وذلك عِبارَةٌ عَنِ الهَلاكِ، ويُسَمَّى الهَلاكُ قاصِمَةَ الظَّهْرِ. قال: {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى} [القَصَص: 59]. والقُصَمُ: الرجُلُ الذي يَقْصِمُ مَنْ قاوَمَهُ.
قصـو: القَصَى: البُعْدُ. والقَصِيُّ: البَعِيدُ، يقالُ: قَصَوْتُ عنه، وأقْصَيْتُ: أبْعَـدْتُ. وقوله: تعالى: {فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيًّا } [مَريَم: 22] أي تَنَحَّت مريمُ بِحَمْلِها إلى مكانٍ بعيدٍ عَنِ الأعيُنِ. والقاصي خلاف الدّاني. والمكان الأقْصَى، والناحِيَةُ القُصْوَى، ومنه قولهُ: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} [القَصَص: 20]. وقولهُ: {إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسرَاء: 1] يَعْنِي بيتَ المَقْدِس، فَسَمَّاهُ الأقْصَى، اعْتِباراً بِمكانِ المُخاطَبِينَ بِهِ مِنَ النَّبيِّ وأصحابِهِ، وقال: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى} [الأنفَال: 42]، أي وأَنْتُم ـ المسلمون ـ على ماءِ بَدْرٍ في جانبِ الوادي الأقربِ مِنَ المدينةِ، وهم ـ المشركون ـ في الجانبِ الأبعَدِ.
قضب: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا *وَعِنَبًا وَقَضْبًا } [عَبَسَ: 27-28] والقضب هو القتُّ الرطب، يُقْضَبُ مرّةً بعدَ أُخرى، أي يُقطعُ ويكونُ عَلَفاً للحيوانات. والمَقاضِبُ: الأرضُ التي تُنْبِتُها. والقَضِيبُ: نحوُ القَضْبِ، لكنِ القَضِيبُ يُسْتَعْمَلُ في فُرُوعِ الشَّجَر، والقَضْبُ يُسْتَعْمَلُ في البَقْلِ. والقَضْبُ: قَطْعُ القَضْبِ والقَضِيبِ، ورُوِيَ أنَّ النبيَّ (ص) كان إذا رأى في ثَوْبٍ تَصْلِيباً قَضَبَهُ(53). وسَيْفٌ قاضِبٌ، وقَضِيبٌ: أي قاطِعٌ. فالقضِيبُ هَهُنا بمعنى الفاعِلِ، وفي الأوَّلِ بِمعنَى المَفْعُولِ. ومنه اقْتَضَبَ حَدِيثاً، إذا أورَدَهُ قبلَ أنْ هَذَّبَهُ في نَفْسِه.
قض: قَضَضْتُهُ فانْقَضَّ، وانْقَضَّ الحائِطُ: وَقَعَ، وفي قوله: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} [الكهف: 77] حائطٌ متصدِّعٌ يوشك أنْ يقعَ فأقَامَهُ. وانْقَضَّ الطَّائرُ: هَوَى في طَيَرانِه. وأقَضَّ عليه مَضْجَعه: أي خَشَّنَ عليه المكانَ الذي يَضْطَجِعُ فيه طَلَباً للراحةِ، فأتْعَبَهُ.
قضـى: القَضـاءُ: فَصْـلُ الأمْرِ قَوْلاً كان ذلك أو فِعْلاً. وكُلُّ واحِدٍ منهما على وجْهَيْنِ: إلهِيٍّ وبَشَريٍّ. فمِنَ القَوْلِ الإِلهِيِّ قوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} [الإسرَاء: 23] أي أمَرَ بذلك، وقال: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ} [الإسرَاء: 4] فهذا قَضاءٌ بالإِعْلامِ والفَصْلِ في الحُكْمِ، أي أعْلَمْناهُمْ وأوحَيْنا إليهم وَحْياً جزْماً، وعلى هذا {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاَءِ مَقْطُوعٌ} [الحِجر: 66]. ومِنَ الفِعْلِ الإِلهِيِّ قولهُ: {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ} [غَافر: 20]، وقولهُ: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فُصّلَت: 12] إشارَةٌ إلى إيجادِه الإبْداعِيِّ، والفَراغِ منه، نحوُ: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [البَقَرَة: 117]. وقولهُ: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} [الشّورى: 14] أي لَفُصِلَ في الخِلافِ بينَهُمْ؛ ومِنَ القولِ البَشَرِيِّ، نحوُ قَضَى الحاكِمُ بكذا، فإنَّ حُكْمَ الحاكِم يكونُ بالقولِ، ومِنَ الفِعْلِ البَشَرِيِّ {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البَقَرَة: 200]، {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحَجّ: 29] {قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ} [القَصَص: 28]، {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا} [الأحزَاب: 37]، و {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلاَ تُنْظِرُونِ } [يُونس: 71] أي افْرَغُوا مِنْ أمْرِكُمْ، {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه: 72]، {إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } [طه: 72]. وقولُ الشاعِر:
قَضَيْتُ أُمُوراً ثم غادَرْتُ بَعْدَها
يَحْتَمِلُ القَضاءَ بالقَوْل والفِعْلِ جميعاً. ويُعَبَّرُ عَنِ الموتِ بالقضاءِ، فيقالُ: فُلانٌ قَضَى نَحْبَه، كأنه فَصَلَ أمْرَهُ المُخْتَصَّ به مِنْ دُنْياهُ، وقولهُ: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} [الأحزَاب: 23] قيلَ: قَضَى نَذْرَهُ، لأنه كان قد ألزَمَ نَفْسَه أنْ لا يَنْكُلَ عَنِ العِدَى، أو يُقْتَلَ، وقيلَ: مَعْناهُ منهم من ماتَ. وقال: {ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ} [الأنعَام: 2] قيلَ عُنِيَ بالأوَّلِ أجَلُ الحَياةِ، والثانِي أجَلُ البَعْث. وقال: {يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ } [الحَاقَّة: 27]، {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزّخرُف: 77] وذلك كِنايَةٌ عَن الموت، وقال: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَآبَّةُ الأَرْضِ} [سَبَإ: 14]. وقَضَى الدَّيْنَ: فَصَلَ الأمْرَ فيه بِرَدِّهِ. والاقْتِضاءُ: المُطالَبَةُ بِقَضائِهِ، ومنه قولهُم: هذا يَقْضِي كذا. وقولهُ: {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يُونس: 11] أي فُرغ منْ أجَلِهِم ومُدَّتِهِمْ المَضْرُوبة لِلحياةِ. وقولهُ: {وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا } [مَريَم: 21]، {كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا } [مَريَم: 71]، {وقُضِيَ الأَمْرُ} [البَقَرَة: 210] أي فُصِلَ، تنبيهاً أنه صارَ بِحَيْثُ لا يُمْكِنُ تَلافِيه. وقولهُ: {إِذَا قَضَى أَمْرًا} [آل عِمرَان: 47] فكلُّ قولٍ مَقْطُوعٍ به من قولِكَ هو كذا، أو ليس بكذا، يقالُ له: قَضِيَّةٌ. ومن هذا يقالُ: قَضِيَّةٌ صادقَةٌ، وقضِيَّةٌ كاذِبَةٌ، وإيَّاها عَنَى مَن قال: التَّجْرِبَةُ خَطَرٌ، والقَضاءُ عَسِرٌ. أي الحُكْمُ بالشيءِ أنه كذا وليسَ بكذا أمْرٌ صَعْبٌ، وقال عليه وعلى آله السلامُ: «عَلِيٌّ أقْضاكُمْ»(54).
قطر: القُطْرُ: الجانِبُ، النَّاحِيَةُ، ج أقْطارٌ {إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الرَّحمن: 33]، {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا} [الأحزَاب: 14]. وقَطَرْتُه: ألقَيْتُه على قُطْرِهِ. وتَقَطَّرَ: وَقَعَ على قُطْرِهِ، ومنه: قَطَرَ المَطَرُ: أي سَقَطَ، وسُمِّيَ لذلك قَطْراً. وتَقاطَرَ القومُ: جاؤُوا جماعاتٍ كثيرةً كالقَطْر. وقيلَ: الإِنْفـاضُ يَقْطِـرُ الجَلَـبَ، أي إذا أنْفَـضَ القومُ فَقَلَّ زادُهُم قَطَرُوا الإبِلَ وجَلَبُوهـا للبَيْـعِ. والقَطِرانُ: ما يَتَقَطَّرُ مِنَ الهِناءِ. قال: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ} [إبراهيم: 50] وقُرىءَ مِنْ قِطْر آنٍ، أي مِنْ نُحاسٍ مُذابٍ قد أنِيَ حَرُّها. وقال: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا } [الكهف: 96] أي نُحاساً مُذاباً. قال تعالى {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عِمرَان: 75]، {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النِّسَاء: 20]. والقَناطِيرُ: جَمْعُ القَنْطَرَةِ، والقَنْطَرَةُ مِنَ المالِ: ما فيه عُبُورُ الحَياةِ، تشبيهاً بالقَنْطَرَةِ، وذلـك غَيْـرُ مَحْدُودِ القَدْرِ في نَفْسِهِ، وإنما هو بِحَسَبِ الإضافَةِ، كالغِنَى، فَرُبَّ إنْسانٍ يَسْتَغْنِي بالقليلِ، وآخَر لا يَسْتَغْنِي بالكَثِيرِ. ولِما قُلنا اخْتَلَفُوا في حَدِّهِ، فقيلَ: أرْبَعُونَ أُوقِيَّةً، وقال الحَسَنُ: ألفٌ ومائَتَا دِينارٍ، وقيلَ: مِلْءُ مَسْكِ ثَوْرٍ ذَهَباً، إلى غَيْر ذلك، وذلك كاخْتِلافِهِمْ في حَدِّ الغِنَى. وقولهُ: {وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ} [آل عِمرَان: 14] أي المَجْمُوعَةِ قِنْطاراً قنْطاراً، كقولِكَ: دَراهِمُ مُدَرْهَمَةٌ، ودَنانِيرُ مُدَنَّرَةٌ.
قط: {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ } [ص: 16]. القِطُّ: الصَّحيفةُ، وهو اسْمٌ للمَكْتُوبِ، والمَكْتُوبِ فيه. ثم قد يُسَمَّى المَكْتُوبُ بذلك كما يُسَمَّى الكلامُ كِتاباً، وإن لم يكنْ مَكتُوباً. وأصْلُ القِطِّ: الشيءُ المَقْطُوعُ عَرْضاً، كما أنَّ القِدَّ هو المقْطُوعُ طُولاً. والقِطُّ: النَّصِيبُ المَفْرُوزُ، كأنه قُطَّ، أي أُفْرزَ. وقد فَسَّر ابنُ عباسٍ رضي الله عنه الآيَةَ به، وقَطَّ السِّعْرُ: أي عَلا. وما رَأيْتُهُ قَط: عِبارَةٌ عَنْ مُدَّةِ الزَّمانِ المَقْطُوعِ به. وقَطْنِي: حَسْبِي.
قطع: القَطْعُ: فصْلُ الشيءِ مُدْرَكاً بالبَصَرِ كالأجْسامِ، أو مُدْرَكاً بالبَصِيرَةِ كالأشياءِ المَعْقُولَةِ، فَمِنْ ذلك قَطْعُ الأعضَاءِ نحوُ قولِهِ: {لأَُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلاَفٍ} [الأعرَاف: 124]، {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيدِيَهُمَا} [المَائدة: 38]، {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ } [محَمَّد: 15]، وقَطْعُ الثَّوْبِ، وذلك قولهُ تعالى: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحَجّ: 19]. وقَطْعُ الطَّريقِ، يقالُ على وَجْهَيْنِ: أحَدُهُما يُرادُ به السَّيْرُ والسُّلُوكُ، والثانِي يُرادُ به الغَصْبُ مِنَ المَارَّةِ والسالِكِينَ للطريقِ، نحو قولهِ: {أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ} [العَنكبوت: 29] وذلك إِشارَةٌ إلى قولِهِ: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأعرَاف: 45] وقولِهِ: {فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} [النَّمل: 24] وإنما سُمِّيَ ذلك قَطْعَ الطريقِ لأنه يُؤَدِّي إلى انقطاعِ الناسِ عَنِ الطريقِ، فجُعِلَ ذلك قَطْعاً للطريقِ. وقَطْعُ الماءِ بالسِّباحَةِ: عُبُورُهُ. وقَطْعُ الوصْلِ: هو الْهِجْرانُ. وقَطْعُ الرَّحِمِ: يكونُ بالهِجْران ومَنْعِ البِرِّ، {وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ } [محَمَّد: 22]، {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} [الرّعد: 25]، {ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ} [الحَجّ: 15]، وقد قيلَ: لِيَقْطَعْ أجَلَهُ بالاخْتِناقِ، وهو مَعْنَى قول ابنِ عباس. (راجع معنى الآية بالتفصيل في باب سبب). وقَطْعُ الأمْرِ: فَصْلُهُ، ومنه قولهُ: {مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا} [النَّمل: 32]، وقولُهُ: {لِيَقْطَعَ طَرَفًا} [آل عِمرَان: 127] أي يُهْلِكَ جَماعَةً منهم. وقَطْعُ دابِر الإنْسانِ: هو إفناءُ نَوْعِهِ {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأنعَام: 45]، {أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاَءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ } [الحِجر: 66]. وقولهُ: {إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} [التّوبَة: 110] أي إلا أنْ يَمُوتُوا، وقيلَ إلاَّ أنْ يَتُوبُوا تَوْبَةً بها تَنْقَطِعُ قُلُوبُهُمْ نَدماً على تَفْرِيطِهم. وقِطْعٌ منَ الليْلِ: قِطْعَةٌ منه {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} [هُود: 81]. والقَطِيعُ، مِنَ الغَنَمِ، جَمْعُه: قُطْعانٌ، وذلك كالصِّرْمَةِ والفِرْقَةِ وغَيْر ذلك مِنْ أسماءِ الجَماعَةِ المُشْتَقَّةِ مِنْ مَعْنَى القَطْعِ. وأصابَ بِئْرَهُمْ قُطْعٌ: أي انْقَطَع ماؤُها. المُنْقَطَعُ مِنَ الوادِي ونحوِه: طَرَفُهُ الّذي ينقَطِعُ عِنْدَهُ.
قطف: يقالُ: قَطَفْتُ الثَّمرةَ قَطْفاً. والقِطْفُ: المَقْطُوفُ منه، وجَمْعُه: قُطُوفٌ {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ } [الحَاقَّة: 23]. وقَطَفَتِ الدَّابةُ قَطْفاً، فَهِي قَطُوفٌ، واسْتِعمَالُ ذلك فيه اسْتِعارَةٌ، وتَشْبِيهٌ بقاطِفِ شيءٍ كما يُوصَفُ بالنِّقْضِ على ما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وأقْطَفَ الكَرْمُ: دنا قِطافُهُ. والقِطافَةُ ما يَسْقُطُ منه كالنِّفايةِ.
قطمر: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ } [فَاطِر: 13] أي الأثر في ظَهْر النَّواةِ، وقِيلَ: لُفَافَةُ النُّواة، وذلك مَثَلٌ للشَّيءِ الطَّفِيفِ.
قطن: {وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ } [الصَّافات: 146] القرعُ الرَّطْبُ، واحِدُهُ يَقْطينَةٌ، والْيَقْطينُ: كُلُّ ما لا ساقَ لهُ كالبطِّيخِ والكوسى والْقِثَّاءِ، أو كُلُّ شجرةٍ تبقى من الشتاءِ إلى الصَّيْفِ ليسَ لها ساق.والقُطْنُ: النباتُ الّذي تُحاكُ منهُ الثيابُ. والقِطعةُ منه قُطْنَةٌ.
قعد: القُعُودُ: يُقابَلُ به القِيامُ. والقَعْدَةُ للمَرَّةِ، والقِعْدَةُ للحال التي يَكونُ عليها القاعِدُ. والقُعُودُ قد يكونُ جَمْعَ قاعِدٍ {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا} [النِّسَاء: 103]، {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا} [آل عِمرَان: 191]. والمَقْعَدُ: مَكانُ القُعُودِ، وجَمْعُهُ: مَقاعِدُ. {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ } [القَمَر: 55] أي في مَكانِ هُدُوٍّ. وقولهُ: {مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آل عِمرَان: 121] كِنايَةٌ عَن المَعْرَكَةِ التي بها المُسْتَقَرُّ. ويُعَبَّرُ عنِ المُتَكاسِلِ في الشيءِ بالقاعِدِ، نحوُ قولهِ: {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} [النِّسَاء: 95]، ومنه، رَجُلٌ قُعَدَةٌ، وضُجَعَةٌ، وقولهُ: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًاعَظِيمًا } [النِّسَاء: 95]، وعَنِ التَّرَصُّدِ للشّيءِ بالقُعُودِ له نحوُ: {لأََقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } [الأعرَاف: 16]. وقولهُ: {إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [المَائدة: 24] يَعْنِي مُتَوَقِّعُونَ، وقولهُ: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق: 17] أي مَلَكٌ يَتَرَصَّدُهُ ويَكْتُبُ له وعليه، ويقالُ ذلك للواحِدِ والجمعِ. والقَعِيدُ مِنَ الوَحْشِ: خِلافُ النَّطِيحِ. وقَعِيدَكَ الله، وقِعْدَكَ الله: أي أَسأَلُ اللهَ الذي يَلزَمُكَ حِفْظَكَ. والقاعِدَةُ: لِمَنْ قَعَدَتْ عن الحَيْضِ والتَّزَوُّجِ، والقَواعِدُ: جَمْعُها {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} [النُّور: 60]. والمُقْعَدُ: مَنْ قَعَدَ عنِ الديوانِ، ولِمَنْ يَعْجَزُ عنِ النُّهُوضِ لِزَمانَة به، وبه شُبِّهَ الضِّفْدَعُ، فقيلَ له: مُقْعَدٌ، وجَمْعُه: مُقْعَداتٌ. وثَدْيٌ مُقْعَدٌ للكاعِبِ: ناتِىءٌ، مُصَوَّرٌ بِصُورَتِهِ. والمُقْعَدُ: كِنايَةٌ عنِ اللَّئِيمِ المُتَقاعِدِ عنِ المكارِمِ. وقَواعِدُ البِناءِ: أساسُهُ {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} [البَقَرَة: 127]. وقَواعِدُ الهَوْدَجِ: خَشَباتُه الجَارِيَةُ مَجْرَى قَواعِدِ البِناءِ.
قعر: قَعْرُ الشَّيءِ: نِهايَةُ أسْفَلِهِ. قال تعالى: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ } [القَمَر: 20] أي ذاهِبٍ في قَعْر الأرضِ. وقال بعضُهم: انْقَعَرَتِ الشَّجَرَةُ: انْقَلَعَتْ مِن قَعْرها، وقيلَ: مَعْنَى انْقَعَرَتْ: ذَهَبَتْ في قَعْر الأرضِ، وإنما أرادَ تعالى أنَّ هؤلاءِ اجْتُثُّوا كما اجْتُثَّ النَّخْلُ الذاهِبُ في قَعْر الأرضِ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ رَسْمٌ ولا أثَرٌ. وقَصْعَةٌ قَعِيرَةٌ: لَها قَعْرٌ. وقَعَّرَ فُلانٌ في كلامِهِ، إذا أخْرَجَ الكلامَ مِنْ قَعْر حَلْقِهِ، وهذا كما يقالُ: شَدَّقَ في كلامِهِ، إذا أخْرَجَهُ مِنْ شِدْقِهِ.
قفل: القُفْلُ، جَمْعُهُ أقْفال، يقالُ: أقْفَلْتُ البابَ، وقد جُعِلَ ذلك مَثَلاً لِكُلِّ مانِعٍ للإنْسانِ مِنْ تَعاطي فِعْلٍ، فيقالُ: فُلانٌ مُقْفَلٌ عَنْ كذا {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } [محَمَّد: 24]. وقيل للبَخِيلِ: مُقْفَلُ اليَدَيْنِ، كما يقالُ: مَغْلُولُ اليَدَيْنِ. والقُفُولُ: الرُّجُوعُ من السَّفَرِ، والقافِلَةُ: الراجِعَةُ من السَّفَر، وقيلَ أيضاً للذَّاهِبَةِ في سَفَرٍ؛ والقَفِيلُ: اليابِسُ من الشَّيءِ، إمّا لِكَوْنِ بعضِه راجعاً إلى بعضٍ في اليُبُوسَةِ، وإمّا لِكَوْنِهِ كالمُقْفَل لِصلابَتِهِ. يقالُ: قَفَلَ النَّباتُ، وقَفَلَ الفَحْلُ، وذلك إذا اشْتَدَّ هياجُهُ فَيَبِسَ من ذلك وهَزُلَ.
قفو: القفا: الخَلْفُ، يقالُ: قَفَوْتُه: أصَبْتُ قَفاهُ، وقَفَوْتُ أثَرَهُ، واقْتَفَيْتُهُ: تَبِعْتُ قَفاهُ، والاقْتِفاءُ: اتِّباعُ القَفا. كما أنَّ الارْتِدافَ اتِّباعُ الرِّدْفِ. ويُكَنَّى بذلك عن الاغْتِياب، وتَتَبُّعِ المَعايِبِ. وقولهُ: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسرَاء: 36] أي لا تَحْكُمْ بالقِيافَةِ والظَّنِّ، والقِيافَةُ: مَقْلُوبَةٌ عن الاقْتِفاءِ فيما قيلَ، نحوُ جَذَبَ وجَبَذَ، وهي صِناعَةٌ، وقَفَّيْتُهُ: جَعَلْتُهُ خَلْفَهُ {وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ} [البَقَرَة: 87]. والقافِيَةُ: اسْمٌ للجُزْءِ الأخِير مِنَ بيْتِ الشِّعْرِ الذي حَقُّهُ أنْ يُراعَى لَفْظُهُ فَيُكَرَّرَ في كُلِّ بيتٍ. والقَفاوَةُ: الطَّعامُ الذي يُتَفَقَّدُ به منْ يُعْنَى به، فَيُتَّبَعُ.
قلب: قَلْبُ الشّيءِ: تَصْرِيفُهُ وصَرْفُهُ عَنْ وَجْهٍ إلى وجْه، كَقَلْبِ الثَّوْبِ وقَلْب الإنْسان: أي صَرْفِهِ عَنْ طَريقَتِهِ، {وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ } [العَنكبوت: 21]. والانْقلابُ: الانْصِرافُ {انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عِمرَان: 144]، {وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ} [آل عِمرَان: 144]، {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ } [الأعرَاف: 125]، {أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } [الشُّعَرَاء: 227]، {وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ } [المطفّفِين: 31]. وقَلْبُ الإنْسانِ: قيلَ سُمِّيَ به لِكَثْرَةِ تَقَلُّبِهِ، ويُعَبَّرُ بالقَلْبِ عَنِ المَعانِي التي تَخْتَصُّ به مِنَ الرُّوحِ والعِلْمِ والشَّجاعَةِ وغَيْر ذلك. وقولهُ: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} [الأحزَاب: 10] أي الأرْواحُ، وقيلَ: تضخَّمَتِ القلوبُ من الفَزَع حتى سَدَّتِ الحَنَاجِرَ. وقال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: 37] أي عِلْمٌ وفَهْمٌ {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ} [الأنعَام: 25]، {وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } [التّوبَة: 87]. وقولهُ: {وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ} [الأنفَال: 10] أي تَثْبُتَ به شَجاعَتُكُمْ، ويَزُولَ خَوْفُكُمْ، ومنه: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} [الفَتْح: 4]، وعلى عَكْسِهِ {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} [الأحزَاب: 26]. وقولهُ: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزَاب: 53] أي أجْلَبُ للعِفَّةِ، أما قولهُ: {وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحَشر: 14] أيْ مُتَفَرِّقَةٌ، وقولهُ: {وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } [الحَجّ: 46] أي البَصَائِرُ مجازاً، مثلُ قولهِ: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [البَقَرَة: 25] والأنهارُ لا تَجْري إنما تجري المِياهُ التي فيها. وتَقْلِيبُ الشيءِ: تَغْييرهُ من حالٍ إلى حالٍ، نحوُ: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وَجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [الأحزَاب: 66]. وتَقْلِيبُ الأمُورِ: تَدْبِيرُها والنَّظَرُ فيها. قال: {وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ} [التّوبَة: 48]. وتَقْلِيبُ اللَّهِ القُلُوبَ: صَرْفُها من رَأْيٍ إلى رأي. قال: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ} [الأنعَام: 110]. وتَقْلِيبُ اليَدِ: عِبارَةٌ عَنِ النَّدَمِ ذِكْراً لِحالِ ما يُوجَدُ عليه النادِمُ. قال: {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} [الكهف: 42] أي يقلبها نَدامَةً. والتَّقلُّبُ: التَّصَرُّفُ {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ *وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ } [الشُّعَرَاء: 218-219]، ويرى الله تصرفك حين تكون بمفردك ويرى تصرفك حين تكون مع جماعة المصلين. {أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ } [النّحل: 46]، وقوله {فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلاَدِ } [غَافر: 4] أي فلا يْغرُرْكَ يا محمدُ تصرُّفُهم وتنقُّلُهُم في البلاد للتجارات سالمينَ أصِحَّاءَ بعد كُفْرهم، فإن الله تعالى لا يَخْفَى عليه حالُهم وإنما يُمْهِلُهم ولا يهملهم. ورَجُلٌ قُلَّبٌ حُوَّلٌ: كَثِيرُ التَّقَلُّب. والقَلِيبُ: الخَنْدَقُ، الحفْرةُ الطّويلةُ الضيِّقةُ.
قلد: القَلْدُ: الفَتْلُ. يقالُ: قَلَدْتُ الحَبْلَ، فهو قَلِيدٌ، ومَقْلُودٌ. والقِلادَةُ: المَفْتُولَةُ التي تُجْعَلُ في العُنُقِ مِنْ خَيْطٍ وفِضَّة وغَيْرهِما، وبها شُبِّهَ كُلُّ ما يُتَطَوَّقُ بِهِ، وكُلُّ ما يُحِيطُ بشيءٍ؛ يقالُ: تَقَلَّدَ سَيْفَهُ، تشبيهاً بالقِلادَةِ، كقولهِ: تَوشَّحَ به، تشبيهاً بالوشاحِ. وقَلَّدْتُه سَيْفاً، يقالُ تَارَةً إذا وشَّحْتَه به، وتارَةً إذا ضَرَبْتَ عُنُقَهُ. وقَلَّدْتُهُ عَمَلاً: ألْزَمْتُهُ، وقَلَّدْتُهُ هِجاءً: ألْزَمْتُهُ. وقولهُ: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الزُّمَر: 63] أي ما يُحِيطُ بها، وقيلَ خَزائِنُها، وقيلَ مَفاتِحُها، والإشارَةُ بِكُلِّها إلى مَعْنىً واحِدٍ، وهو قُدْرَتُهُ تعالى عليها، وحِفْظُهُ لَها.
قلـع: أَقْلَعَ الملاَّحُ السفينَةَ: رَفَعَ قلْعَها أي شِراعَها، وأقْلَعَ فلانٌ عن الأمر: كَفَّ عنه. وأقْلعتِ السَّماءُ كفَّتْ عن الْمَطَر. وقال اللهُ تعالى: {وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي} [هُود: 44] معناه كُفِّي، أي: أَمْسِكي عَنِ المَطَر.
قل: القِلَّةُ والكَثْرَةُ يُسْتَعْمَلانِ في الأعْدادِ، كما أنَّ العِظَمَ والصِّغَرَ يُسْتَعْمَلانِ في الأجْسامِ، ثم يُسْتَعارُ كُلُّ واحدٍ من الكَثْرَةِ والعِظَمِ ومِنَ القِلَّةِ والصِّغَر لِلآخَر. وقوله: {ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً } [الأحزَاب: 60] أي وقْتاً قليلاً، وكذا قولهُ: {وَإِذًا لاَ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } [الأحزَاب: 16] وقولهُ: {نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً} [لقمَان: 24] أي وقتاً قليلاً. أما قولهُ: {مَا قَاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً } [الأحزَاب: 20] أي قِتالاً قَلِيلاً. {وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً} [المَائدة: 13] أي جَماعَةً قَلِيلَةً. وقال تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً} [الأنفَال: 43]، {وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ} [الأنفَال: 44] ويُكَنَّى بالقِلَّةِ تارَةً عن الذِّلَّةِ اعْتِباراً بما قال الشاعِرُ:
ولَسْتَ بالأكْثَرِ منه حَصاً
وإنما العِزَّةُ للكاثِر
وعلى ذلك قولهُ: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ} [الأعرَاف: 86] ويُكَنَّى بها تارَةً عن العِزَّةِ اعْتِباراً بقولهِ: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سَبَإ: 13]، {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: 24] وذاكَ أنَّ كُلَّ ما يَعِزُّ يَقِلُّ وُجُودُهُ، وقولهُ: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } [الإسرَاء: 85] يجوزُ أن يكونَ اسْتِثْناءً من قولهِ: {وَمَا أُوتِيتُمْ} [الإسرَاء: 85] أي ما أُوتِيتُمْ العِلْمَ إلاَّ قَلِيلاً منكم، ويجوزُ أنْ يكونَ صِفَةً لمَصْدَرٍ مَحْذُوف، أي عِلْماً قليلاً، وقولهُ: {وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً} [البَقَرَة: 41] يَعْنِي بالقَلِيل هَهُنا أعْراضَ الدُّنْيا كائِناً ما كانَ، وجَعْلُها قَليلاً في جنْبِ ما أعَدَّ اللَّهُ للمُتَّقِينَ في الآخرة، وعلى ذلك قولُهُ: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ} [النِّسَاء: 77]. وقَلِيلٌ: يُعبَّرُ به عَنِ النَّفْي، نحوُ: قَلَّما يَفْعَلُ فُلانٌ كذا، ولهذا يَصِحُّ أنْ يُسْتَثْنَى منه على حَدِّ ما يُسْتَثْنَى منَ النَّفْيِ، فيقالُ: قَلَّما يَفْعَلُ كذا إِلاَّ قاعِداً، أو قائِماً، وما يَجْري مَجْراه، وعلى ذلك حُملَ قولهُ: {قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ } [الحَاقَّة: 41] وكقوْلهِ: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ } [يُوسُف: 106]. وأقْلَلْت كَذا: وَجَدْتُهُ خفيفاً، أي قَليلُ المَحْمَلِ كقوله: {أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً} [الأعرَاف: 57] أي احْتَمَلْتُهُ، فَوَجَدَتْهُ قَلِيلاً باعْتِبارِ قُوَّتِها. واسْتَقْلَلْتُهُ: رأيْتُهُ قَلِيلاً نحوُ: اسْتَخْفَفْتُهُ: رأيْتُهُ خَفِيفاً. والقُلَّةُ: ما أقَلَّه الإنْسانُ مِنْ جَرَّة وحُبٍّ. وقُلَّةُ الجَبَلِ: شَعَفُهُ اعْتِباراً بِقِلَّتِهِ إلى ما عَداهُ مِنَ أجزائِهِ. وتَقَلْقَلَ الشيءُ، إذا اضْطَرَبَ، وتَقَلْقَلَ المِسْمارُ، فَمُشْتَقٌّ مِنَ القَلْقَلَة، وهو حِكايَةُ صَوْت الحَرَكَةِ.
قلم: القَلَمُ: المِرْقَمُ الذي يُكتَبُ به، وهو فَعَلَ بمعنى مفعول، كالحَفْرِ بمعنى المَحْفورِ، وهو مَجازٌ مُرسَلٌ من تسميةِ الشَّيءِ بما يَؤولُ إليه، وأصْلُ القَلْمِ: القَصُّ من الشَّيءِ الصُّلْبِ كالظُّفْر، وكَعْبِ الرُّمْحِ والقَصَبِ، ويقالُ لِلمَقْلُومِ: قِلْمٌ، كما يقالُ لِلمَنْقُوضِ نِقْضٌ، وخُصَّ ذلك بما يُكْتَبُ به، وبالقَدَحِ الذي يُضْرَبُ به، أيْ بالسّهْم إذا قُوِّمَ، وجَمْعُه: أقْلامٌ. قال تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ } [القَلَم: 1]، {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ} [لقمَان: 27]، وقوله: {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ} [آل عِمرَان: 44] أي أقْداحَهُمْ بمعنى أسْهَمُهُمْ، أما قوله تعالى: {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ } [العَلق: 4] فتَنبيه لِنِعْمَتِهِ على الإنْسانِ بما أفادَهُ من الكِتابَةِ.
قلى: القِلَى: شِدَّةُ البُغْضِ، يقالُ: قلاهُ يقْلِيهِ ويَقْلُوهُ: أبْغَضَهُ واشتَدَّ كرهُهُ له. {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى } [الضّحى: 3] أي ما جَفاك ولا أَبغضَك. {إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ } [الشُّعَرَاء: 168] أي من المُبْغِضِينَ؛ فَمَنْ جَعَلَهُ مِنَ الواوِ، فهو مِنَ القَلْوِ أي الرَّمْيِ، مِن قولهِم: قَلَتِ الناقَةُ براكِبِها قَلْواً، وقَلَوْتُ بالقُلَّةِ، فكأنَّ المَقْلُوَّ هو الذي يَقْذِفُهُ القَلْبُ مِنْ بُغْضِه فَلا يَقْبَلُهُ. ومَنْ جَعَلَهُ مِنَ الياءِ، فمِنْ قَلَيْتُ البُسْرَ والسَّويقَ على المِقْلاة.
قمح: قال الخليلُ: القَمْحُ: البُرُّ إذا جَرَى في السُّنْبُلِ مِنْ لَدُنِ الإنْضاجِ إلى حِينِ الاِكْتِنازِ، ويُسَمَّى السَّويقُ المتَّخَذُ منه قَمِيحَةً. والقَمْحُ: غضُّ البصر بعد رَفْع الرأسِ، ثم يقالُ لِرَفْعِ الرأسِ كَيْفَما كان: قَمْحٌ. وقَمَحَ البَعِيرُ: رَفَعَ رَأسَهُ. وأقْمَحْتُ البَعِيرَ: شَدَدْتُ رَأسَهُ إلى خَلْفٍ. وقولهُ: {مُقْمَحُونَ } [يس: 8] تشبيهٌ بذلك، ومَثَلٌ لَهُمْ، وقَصْدٌ إلى وصْفِهِمْ بالتَّأبِّي عن الاِنْقِيادِ للحَقِّ، وعن الإِذْعانِ لِقَبُولِ الرُّشْدِ، والتأبي عن الإنْفاقِ في سَبيلِ اللَّهِ. وقيلَ: إشارَةٌ إلى حالِهِمْ في القِيامَةِ إذِ الأغْلالُ في أعْناقِهمْ والسَّلاسِلُ.
قمر: القَمَرُ: قَمَرُ السَّماءِ، يقالُ عِنْدَ الامْتِلاءِ، وأَقْمَرَ الهلالُ: صَارَ في الثالِثةِ قَمَراً. قيلَ: وسُمِّيَ بذلك لأنه يَقْمُرُ ضَوْءَ الكَواكِبِ، ويَفُوزُ به. قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا} [يُونس: 5]، {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} [يس: 39]، {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ } [القَمَر: 1]، {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا } [الشّمس: 2]، {كَلاَّ وَالْقَمَرِ } [المدَّثِّر: 32]. والقَمْراءُ: ضَوْءُهُ. وتَقَمَّرْتُ فُلاَناً: أتَيْتُهُ في القَمْراءِ. وقَمَرَتِ القِرْبَةُ: فَسَدَتْ بالقَمْراءِ. والأَقْمَرُ ما كان على لَوْنِ القَمْراءِ. يقالُ: ليلٌ أَقْمَرُ وليلةٌ قَمْراءُ، وقَمَرْتُ فُلاناً كذا: خَدَعْتُهُ عنه، وأقمارُ العِلْمِ وشُموسُهُ: العُلَماءُ.
قمص: القَمِيصُ: مَعْرُوفٌ، وجَمْعُهُ قُمُصٌ، وأقْمِصَةٌ، وقُمْصانٌ {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ} [يُوسُف: 26]، {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ} [يُوسُف: 27]. وتَقَمَّصَهُ: لَبسَهُ، ومنه مجازاً «تَقَمَّصَ لباسَ العِرِّ».
قمطر: القَمْطَرير: الشّديدُ المظلِمُ مِنَ الأيّامِ أو مِنَ الشرّ، وقد اقْمَطَرَّ اليومُ اقْمِطْراراً، ويومٌ قَمْطرير وقُماطِر، كأنه قد الْتَفَّ شَرُّه بعضُه على بعضٍ. قال تعالى: {يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا } [الإنسَان: 10] أي يوماً صعباً شديداً. وقيلَ: القمطَرِيرُ الذي يُقلِّصُ الوُجوهَ، ويقبضُ الجباهَ وما بيْن الأعينِ من شدّته.
قمع: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } [الحَجّ: 21] . المقامع: جَمْعُ مِقْمَعَةٍ وهي عبارةٌ عن عمودٍ من حديد يُضرَبُ به الرأسُ، وكلُّ شيءٍ قاسٍ يُضربُ به ويُذَلَّلُ، ولذلك يقالُ: قَمَعْتُهُ فانْقَمَعَ، أي كَفَفْتُهُ، فَكَفَّ. والقَمْعُ والقَمَعُ: ما يُصَبُّ به الشيءُ فَيَمْنَعُ من أنْ يَسِيلَ. وفي الحَدِيث: «وَيْلٌ لأَقْماعِ القَوْلِ»(55) أي الذينَ يَجْعَلُونَ آذانَهُمْ كالأقْماعِ، فَيَتَّبِعُونَ أحادِيثَ الناسِ.
قمل: القُمَّلُ: صِغارُ الذّرِّ، وهو نوعٌ خبيثُ الرائحةِ، الواحدةُ قُمَّلَةٌ {وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ} [الأعرَاف: 133]. والقمْلُ مَعْرُوفٌ: الدُّوَيْبَّةُ التي تتولَّدُ من الوَسَخِ والعَرَقِ في بَدَنِ الإنسانِ أو الحيوانِ. ورَجُلٌ قَمِلُ: وقَعَ فيه القَمْلُ، ومنه قيلَ: رَجُلٌ قَمِلٌ، وامرأةٌ قَمِلَةٌ: قَصيرةٌ جداً، كأنَّها قَمْلَةٌ أو قُمَّلَةٌ.
قنت: القُنُوتُ: لزُومُ الطاعَةِ مَعَ الخُضُوعِ، وفُسِّرَ بِكُلِّ واحِدٍ منهما في قولهِ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } [البَقَرَة: 238]، {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ } [البَقَرَة: 116] قيلَ: خاضِعُونَ، وقيلَ: طائِعونَ، وقيلَ: ساكِتُونَ. ولم يُعْنَ به كُلُّ السُّكُوتِ، وإنما عُنِيَ به ما قَالَهُ صَلَّى اللّهُ عليه وعلى آله «إنَّ هذه الصَّلاةَ لا يَصِحُّ فيها شَيْءٌ منْ كلامِ الآدَمِيِّينَ، إنما هي قُرآنٌ وتَسْبِيحٌ»(56)، وعلى هذا قيلَ: أيُّ الصَّلاةِ أفْضَلُ(57)، فقالَ «طُولُ القُنُوتِ» أي الاِشْتِغالُ بالعِبادَةِ ورَفْضُ كُلِّ ما سِواهُ. وقال تعالى {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا} [النّحل: 120]، {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التّحْريم: 12]، {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} [الزُّمَر: 9]، {اقْنُتِي لِرَّبِكِ} [آل عِمرَان: 43]، {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [الأحزَاب: 31]، {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} [الأحزَاب: 35]، {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ} [النِّسَاء: 34].
قنط: القُنُوطُ: اليَأْسُ مِنَ الخَيْرِ، يقالُ: قَنَطَ يَقْنِطُ قُنُوطاً، وقَنِطَ يَقْنَطُ. قال تعالى {فَلاَ تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ } [الحِجر: 55]، {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ } [الحِجر: 56] {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزُّمَر: 53]، {وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ } [فُصّلَت: 49]، {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } [الرُّوم: 36] أيْ يَيْأَسُونَ مِنْ رحْمَةِ الله.
قنع: القَناعَةُ: الرِّضَى باليسيرِ مِنَ الأغراضِ المُحْتاجِ إليها. يقالُ: قَنِعَ يَقْنَعُ قَناعَةً وقُنْعاناً، إذا رَضِيَ، وقَنَعَ يَقْنَعُ قُنُوعاً، إذا سألَ وتَذَلَّلَ. وقوله: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحَجّ: 36] قال بعضُهم: القانِعُ هو السَّائِلُ الذي لا يُلِحُّ في السُّؤَالِ، ويَرْضَى بِما يأتِيهِ عَفْواً، قال الشاعِرُ:
لَمالُ المَرْءِ يُصْلِحُهُ فَيُغْني مَفاقِرَه أعَفَّ مِنَ القَنُوعِ
وأقْنَعَ رَأسَهُ: رَفَعَهُ {مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ} [إبراهيم: 43]. وقال بعضُهم: أصْلُ هذه الكَلِمَةِ مِنَ القِناعِ، وهو ما يُغَطّى به الرَّأسُ، فَقَنِعَ: أي لَبِسَ القِناعَ ساتِراً لِفَقْرِهِ، كقولِهم: خَفِيَ، أي لَبِسَ الخَفاءَ. وقَنَعَ: إذا رَفَعَ قِناعَهُ، كاشِفاً رأسَهُ بالسُّؤالِ، نحوُ خَفَى، إذا رَفَعَ الخَفاءَ. ومن القَناعةِ قولُهم: وشاهِدٌ مَقْنَعٌ: يُقْنَعُ به وجَمْعُه: مَقانِعُ. قال الشاعِرُ:
شُهُودِي على لَيْلَى عُدُولٌ مَقانِعُ
ومِنَ القِناعِ قِيلَ: تَقَنَّعَتِ المرأةُ، وتَقَنَّعَ الرجُلُ؛ إذا لَبِسَ المِغْفَرَ، تشبيهاً بتَقَنُّعِ المرأةِ، وقَنَّعْتُ رأسَهُ بالسَّيْفِ والسَّوْطِ.
قنو: القِنْوُ، العِذْقُ. وهو مِنَ النَّخْلِ كالعُنقودِ مِنَ العِنَبِ. وتَثْنِيَتُهُ قِنْوانِ، وجَمْعُهُ قِنْوانٌ {قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ} [الأنعَام: 99]: أي أعذَاقُ الرُّطَبِ مُتَدَلِّيَةٌ، قَريبةُ التَّناوُلِ، والْعِذْقُ هُوَ الْعُرجونُ بما فيه من شَمارِيخَ. والْعَذْقُ من النَّبات: ذو الأَغْصانِ، وكلُّ غُصْنٍ لَه شُعَب. والقَناةُ: تُشْبِهُ القِنْوَ في كَوْنِهما غُصْنَينِ. وأمّا القَناةُ التي يَجْرِي فيها الماءُ، فإنما قيلَ ذلك تشبيهاً بالقَناةِ في الخَطِّ والامْتِدادِ، وقيلَ: أصْلُه منْ قَنَيْتُ الشيءَ: ادَّخَرْتُهُ، لأَنَّ القَنَاةَ مُدَّخَرَةٌ للماءِ. وقيلَ: هو من قولهِم: قاناهُ، أي خالَطَهُ. قال الشاعِرُ:
كَبِكْرِ المُقاناةِ البَياضِ بِصُفْرَةٍ
وأما القَنا الذي هو الاحْدِيدابُ في الأنْفِ، فتشبيهٌ في الهَيْئَةِ بالقَنا. يقالُ: رَجُلٌ أقْنَى الأنْفِ، وامرأةٌ قَنْواءُ الأَنْفِ.
قنى: قولهُ: تعالى {أَغْنَى وَأَقْنَى } [النّجْم: 48] أي أعْطَى ما فيه الغِنَى، وما فيه القِنْيَةُ، أي المالُ المُدَّخَرُ. وقيلَ: أقْنَى: أرْضَى. وتَحْقِيقُ ذلك أنه جَعَلَ له قِنْيَةً من الرِّضا والطَّاعَةِ، وذلك أعْظَمُ الغِناءَيْنِ. وجَمْعُ القِنْيَةِ: قِنْياتٌ. وقَنَيْتُ كذا، واقْتَنَيْتُهُ. ومنه:
قَنِيتُ حَيائِي عِفَّةً وتكَرُّماً
قهر: القَهْرُ: الغَلَبَةُ والتَّذْلِيلُ مَعاً، ويُسْتَعْمَلُ في كُلِّ واحِدٍ منهما {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعَام: 18]، {وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } [الرّعد: 16]، {فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } [الأعرَاف: 127]، {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ } [الضّحى: 9] أي لا تُذْلِلْ. وأقْهَرَهُ: سَلَّطَ عليه مَنْ يَقْهَرُهُ. والقَهْقَرَى: المَشْيُ إلى خَلْفٍ.
قَوَب: القابُ: المقدارُ ما بَيْنَ المَقْبِضِ والسِّيَةِ من القَوْسِ، و «بينهما قابُ قَوْسٍ» أي قَدَرُ قَوْسٍ {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى } [النّجْم: 9] أَيْ ذِراعَيْنِ كما روي عنْ أنسِ بْنِ مَالك.
قوت: القُوتُ: ما يُؤْكلُ ليُمْسِكَ الرَّمَقَ، وجَمْعُه: أقْواتٌ. {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} [فُصّلَت: 10]. وقاتَهُ يَقُوتُهُ قُوتاً: أطْعَمَهُ قُوتَهُ. وأقاتَهُ يُقِيتُهُ: جَعَلَ له ما يَقُوتُهُ. وفي الحَدِيثِ «إنَّ أكْبَرَ الكَبائِر أنْ يُضَيِّعَ الرَّجُلُ مَنْ يَقُوتُ» [أحمد بن حنبل] ويُرْوَى: مَنْ يُقِيتُ. {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا } [النِّسَاء: 85] قيلَ: مُقْتَدِراً، وقيلَ: حافِظاً، وقيلَ: شاهِداً. وحَقِيقَتُه: قائِماً عليه يَحْفَظُهُ ويُقِيتُهُ. ويقالُ: ما لَهُ قُوتُ لَيْلَة، وقِيتُ لَيْلَة، وقِيتَةُ لَيْلَة، نحوُ الطُّعْمِ والطِّعْمِ والطِّعْمَةِ. قال الشاعِرُ في صِفَةِ نارٍ:
فَقُلْتُ له ارْفَعْها إليكَ وأحْيِها بروحِكَ واقْتَتْهُ لَها قِيتَةً قَدْراً
قوس: القَوْسُ: ما يُرْمَى عنه {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى } [النّجْم: 9] أي فكانَ قريباً بمقدار قوسَيْنِ أو أقل، وتُصُوِّرَ منها هَيْئَتُها، فقيلَ لِلانْحِناءِ: التَّقَوُّسُ. وقَوَّسَ الشِّيْخُ وتَقَوَّسَ، إذا انْحَنَى. وقَوَّسْتُ الخَطَّ، فهو مُقَوَّسٌ. والمِقْوَسُ: المَكانُ الذي تجْري منه القَوْسُ. وأصْلُه الحَبْلُ الذي يُمَدُّ على هَيْئَةِ قَوْسٍ، فَيُرْسَلُ الخَيْلُ مِنْ خَلْفِهِ.
قول: القَوْلُ والقِيلُ واحِدٌ {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً } [النِّسَاء: 122]. والقَوْلُ: يُسْتَعْمَلُ على أوْجُه، أظْهَرُها أن يكونَ للمُرَكَّبِ مِنَ الحُرُوفِ، المُبْرَز بالنُّطْقِ مُفْرَداً كان أو جُمْلَةً، فالمُفْرَدُ كقولِكَ: زَيْدٌ، وخَرَجَ، والمُرَكَّبُ: زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ، وهَلْ خَرَجَ عَمْرٌو، ونحوُ ذلك. وقد يُسْتَعْمَلُ الجُزْءُ الواحِدُ مِن الأنْواعِ الثلاثَةِ، أعْني الاسْمَ والفِعْلَ والأداةَ قَوْلاً، كما قد تُسَمَّى القَصِيدَةُ والخُطْبَةُ ونحوُهُما قَوْلاً. الثانِي يقالُ للمُتَصَوَّرِ في النَّفْسِ قبلَ الإبْرازِ باللفظِ: قَوْلٌ، ومنه: في نَفْسِي قَوْلٌ لم أُظْهِرْهُ {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا اللَّهُ} [المجَادلة: 8] فَجَعَلَ ما في اعْتِقادِهِمْ قَوْلاً. الثالِثُ للاِعْتِقادِ، نحوُ فُلانٌ يقولُ بقَوْلِ أبي حَنِيفَةَ. الرابعُ يقالُ للدَّلالَةِ على الشيءِ نحوُ قولِ الشاعِرِ:
امْتَلأ الحَوْضُ وقال قَطْنِي
الخامِسُ يقالُ للعِنايَةِ الصادقَةِ بالشيءِ، كقولِكَ: فُلانٌ يقولُ بكذا. السادِسُ يَسْتَعْمِلُه المَنْطِقِيُّونَ دُونَ غَيْرِهِمْ في مَعْنَى الحَدِّ، فيقولونَ: قَوْلُ الجَوْهَر كذا، وقَوْلُ العَرَضِ كذا، أي حَدُّهُما. السابِعُ في الإِلْهَامِ، نحوُ: {قُلْنَا ياذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ} [الكهف: 86] فإنَّ ذلك لم يكنْ بِخِطابٍ ورَدَ عليه فيما رُويَ وذُكِرَ، بَلْ كان ذلك إِلْهَاماً، فَسَمَّاهُ قَوْلاً، وقيلَ في قولهِ: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } [فُصّلَت: 11] إنَّ ذلك كان بتَسْخِير مِن اللَّهِ تعالى لا بِخِطاب ظاهِر وَرَدَ عليهما، وكذا قولهُ تعالى: {قُلْنَا يانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلاَمًا} [الأنبيَاء: 69]، وقولهُ: {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [آل عِمرَان: 167] فَذَكَرَ أفْواهَهُمْ تنبيهاً على أنَّ ذلك كَذِبٌ مَقُولٌ لا عَنْ صِحَّةِ اعْتِقادٍ، كما ذُكِرَ في الكِتابَةِ باليَدِ، فقال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [البَقَرَة: 79]. وقولهُ: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [يس: 7] أي عِلْمُ اللَّهِ تعالى بِهِمْ وكلِمَتُهُ عليهم، كما قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} [الأنعَام: 115] و {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } [يُونس: 96]. وقولهُ: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ } [مَريَم: 34] فإنما سَمَّاهُ قَوْلَ الحَقِّ تنبيهاً على ما قال: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [آل عِمرَان: 59] وتَسْمِيَتُهُ قَوْلاً كَتَسْمِيَتِهِ كَلِمَةً في قولهِ: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} [النِّسَاء: 171]. وقولهُ: {إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ } [الذّاريَات: 8] أي لَفِي أمْرٍ مِن البَعْثِ، فَسَمَّاهُ قَوْلاً، فإنَّ المَقُولَ فيه يُسَمَّى قَوْلاً، كما أنَّ المذكورَ يُسمَّى ذِكْراً. وقولهُ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } [التّكوير: 19]، {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ } [الحَاقَّة: 41] فقد نَسَبَ القَوْلَ إلى الرَّسُولِ، وذلك أنَّ القَوْلَ الصادِرَ إليكَ عن الرَّسُول يُبَلِّغُهُ إليكَ عَنْ مُرْسِلٍ له، فَيَصِحُّ أنْ تَنْسُبَهُ تارَةً إلى الرَّسُولِ، وتارَةً إلى المُرْسِلِ، وكِلاهُما صحيحٌ، فإن قيلَ: فَهَلْ يَصِحُّ على هذا أنْ يُنْسَبَ الشِّعْرُ والخُطْبَةُ إلى راويهما، كما تَنْسُبُهُما إلى صانِعِهِما قيلَ: يَصِحُّ أنْ يقالَ للشِّعْر:هو قولُ الراوي، ولا يَصِحُّ أنْ يقالَ: هو شِعْرُهُ وخُطْبَتُهُ، لأنَّ الشِّعْرَ يَقَعُ على القَوْلِ إذا كان على صُورَة مَخْصُوصَة، وتِلْكَ الصُّورَةُ ليس للرَّاوِي فيها شيءٌ، والقَوْلُ هو قَوْلُ الراوِي، كما هو قَوْلُ المَرْوِيِّ عنه. وقولهُ تعالى: {إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [البَقَرَة: 156] لم يُردْ به القَوْلَ المَنْطِقِيَّ فَقَطْ، بَلْ أرادَ ذلك إذا كان مَعَهُ اعْتِقادٌ وعَمَلٌ. ويقالُ للّسانِ: المِقْوَلُ. ورَجُلٌ مِقْوَلٌ: مِنْطِيقٌ وقَوَّالٌ وقَوَّالَةٌ كذلك. والقَيْلُ: المَلِكُ مِنْ مُلُوكِ حِمْيَرَ، سَمَّوْهُ بذلك لكونِهِ مُعْتَمَداً على قولهِ، ومُقْتَدًى به، ولكونِهِ مُتَقَيِّلاً لأبِيه. ويقالُ تَقَيَّلَ فُلانٌ أباهُ. وعلى هذا النَّحْو سَمَّوا المَلِكَ بَعْدَ المَلِكِ تُبَّعاً، وأصْلُه من الواو لقولِهم في جَمْعِه أقْوالٌ، نحوُ مَيْتٍ وأمْواتٍ. والأصل قَيِّلٌ نحوُ مَيْتٍ، أصْلُه مَيِّتٌ فَخُفِّفَ، وإذا قيلَ: أقْيالٌ، فذلك نحوُ أعْيادٍ. وتَقَيَّلَ أباهُ، نحوُ: تَعَبَّدَ. واقْتالَ قَوْلاً: قال: ما اجْتَرَّ بِهِ إلى نَفْسِه خَيْراً أو شَرّاً، ويقالُ ذلك في مَعْنَى احْتَكَمَ. قال الشاعِرُ:
تأبَى حُكُومَةَ المُقْتالِ
والقالُ والقالَةُ: ما يُنْشَرُ مِنَ القَوْلِ. قال الخليلُ: يُوضَعُ القالُ مَوْضِعَ القائِلِ، فيقالُ: أنا قالُ كذا أي قائِلُهُ.
قوم: يقالُ: قامَ يَقُومُ قِياماً، فهو قائِمٌ وجَمْعُه: قِيامٌ، وأقامَهُ غَيْرُهُ. وأقامَ بالمَكـانِ إقامَةً. والقِيامُ على أنواع: قِيامٌ بالشَّخْصِ إمّا بِتَسْخِير أو اخْتِيارٍ، وقِيامٌ للشيءِ: وهو المُراعاةُ للشيءِ والحِفْظُ له، وقِيامٌ هو على العَزْمِ على الشيءِ. فَمِنَ القِيامِ بالتَّسْخِيرِ: {قَائِمٌ وَحَصِيدٌ } [هُود: 100]، {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} [الحَشر: 5]. ومـن القِيامِ الذي هو بالاخْتِيارِ قولهُ: تعالى {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} [الزُّمَر: 9]، {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عِمرَان: 191]، {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النِّسَاء: 34]، {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيامًا } [الفُرقان: 64]والقِيامُ في الآيَتَيْنِ جَمْعُ قائِمٍ. ومن المُراعاةِ للشيءِ قولهُ: {كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} [المَائدة: 8]، {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عِمرَان: 18]. وقولهُ: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرّعد: 33] أي حافِظٌ لَها. وقولهُ: تعالى {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَةٌ قَائِمَةٌ} [آل عِمرَان: 113] وقولهُ: {إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عِمرَان: 75] أي ثَابِتاً على طلبهِ. ومن القِيام الذي هو العَزْمُ قولهُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ} [المَائدة: 6]، وقولهُ: {يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ} [المَائدة: 55] أي يُدِيمُونَ فِعْلَها، ويُحافِظُونَ عليها. والقِيامُ والقِوامُ: اسْمٌ لِما يقُومُ به الشيءُ، أي يَثْبُتُ كالعِمادِ والسِّنادِ لِما يُعْمَدُ ويُسْنَدُ به، كقولهِ {وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النِّسَاء: 5] أي جَعَلَها اللَّهُ لَكُمْ مَعَاشاً، وقولهُ: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} [المَائدة: 97] أي قِواماً لَهُمْ يَقُومُ به مَعاشُهُمْ ومَعَادُهُمْ. قال الأصَمُّ: قائماً لا يُنْسَـخُ. وقُـرىءَ: قِيَمـاً، بمَعْنَـى قِيامـاً. وليـس قَـوْلُ مَـنْ قال جَمْعُ قِيمَة بِشيء، ويقالُ: قامَ كذا، وثَبَتَ ورَكَزَ بِمَعْنى {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البَقَرَة: 125]. وقامَ فُلانٌ مَقامَ فُلانٍ: إذا نابَ عنه {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ} [المَائدة: 107]. وقولهُ: {دِيناً قِيَمًا} [الأنعَام: 161] أي ثابِتاً مُقَوِّماً لأمُورِ مَعاشِهِمْ ومَعادِهِمْ، وقُرِىءَ:قِيَماً، مُخَفَّفاً مِنْ قِيامٍ، وقيلَ: هو وصْفٌ، نحوُ قَوْمٌ عِدًى، ومَكانٌ سِوًى، ولَحْمٌ رِذًى، وماءٌ رِوًى. وعلى هذا قولهُ: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [يُوسُف: 40] وقولهُ: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا} [الكهف: 1-2]. وقولهُ: {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } [البَيّنَة: 5] فالقَيِّمَةُ هَهُنا اسْمٌ للأمَّةِ القائِمَةِ بالقِسْطِ المُشارِ إليهم بقولِه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَةٍ} [آل عِمرَان: 110]، وقوله: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النِّسَاء: 135]. وفي قوله {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً} [البَيّنَة: 2] إلى قوله {دِينُ الْقَيِّمَةِ } [البَيّنَة: 5] فقد أشارَ بقولهِ صُحُفاً مُطَهَّرَةً، إلى أنَّ القُرْآنَ مَجْمَعُ ثَمَرَةِ كُتُب اللَّهِ تعالى المُتَقَدِّمَةِ، وقولهُ: {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البَقَرَة: 255] أي القائِمُ الحافِظُ لِكُلِّ شيء والمُعْطِي له ما به قِوامُهُ، وذلك هو المَعْنَى المذكورُ في قولهِ: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } [طه: 50] وفي قولهِ: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرّعد: 33]. وبناءُ قَيُّومٍ: فَيْعُولٌ، وقَيَّامٌ: فَيْعالٌ. نحوُ دَيُّونٍ ودَيَّانٍ. والقِيامَةُ: عِبارَةٌ عَنْ قِيامِ الساعَةِ المذكورِ في قولهِ: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} [الرُّوم: 12]، {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} [الكهف: 36]. والقِيامَةُ: أصْلُها ما يكونُ من الإنْسانِ من القِيام دُفْعَةً واحِدَةً، أُدْخِلَ فيها الهاءُ تنبيهاً على وُقُوعِها دُفْعَةً. وقوله {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ} [الرُّوم: 25] بلا دعامة تدعمهما وبلا عروة يتعلقان بها. والمَقامُ: يكونُ مَصْدَراً، واسْم مكانِ القِيامِ، وزَمانِهِ، نحوُ: {إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي} [يُونس: 71]، {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } [إبراهيم: 14]، {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [الرَّحمن: 46]، {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البَقَرَة: 125]، {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} [آل عِمرَان: 97]، {وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } [الدّخان: 26]، {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ } [الدّخان: 51]، {خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا } [مَريَم: 73]. وفي قوله تعالى: {ومَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ } [الصَّافات: 164] الملائكة يقولون: وما من أحدٍ منا إلا وله مقام معلوم لا يستطيع أن يتجاوزه. فكيف نُعبد ونحن عبيد!! وقال: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} [النَّمل: 39] قال الأخفشُ: فهذا إنْ أرادَ أنَّ المَقامَ والمَقْعَدَ بالذَّاتِ شيءٌ واحِدٌ، وإنما يَخْتَلِفان بِنِسْبَتِهِ إلى الفاعِلِ كالصُّعُودِ والحُدُورِ، فصحيحٌ. وإنْ أرادَ أنَّ مَعْنَى المَقامِ مَعْنَى المَقْعَدِ، فذلك بَعِيدٌ، فإنه يُسَمَّى المَكانُ الواحِدُ مَرَّة مَقاماً إذا اعْتُبـرَ بِقِيامِـهِ، ومَقْعَداً إذا اعْتُبِرَ بِقُعُودِهِ. وقيلَ: المَقامَةُ: الجَماعَةُ. قال الشاعِرُ:
وفيهم مَقاماتٌ حِسانٌ وجُوهُهُمْ
والاسْتِقامَةُ: يقالُ في الطريقِ الذي يكونُ على خَطٍّ مُسْتَوٍ، وبه شُبِّهَ طريقُ المُحقِّ نحو: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } [الفَاتِحَة: 6]، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} [الأنعَام: 153]، {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [هُود: 56]. واسْتِقامَةُ الإنْسانِ لزُومُهُ المَنْهَجَ المُسْتَقِيمَ، نحوُ قولهِ: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فُصّلَت: 30]. وفي قوله: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هُود: 112] قال ابن عباس: ما أُنزل على رسول الله (ص) آيةٌ أشدُّ عليه ولا أشقُّ من هذه الآية، ولذلك لما سأله أصحابُهُ عندما قالوا: قد أسرع إليك الشيبُ يا رسولَ الله، قال (ص) لهم: «شيَّبتني هودٌ وأخواتها»، وفي خبر آخر: «شيبتني هودٌ والواقعة»(58). وقال تعالى: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ} [فُصّلَت: 6] والإقامَةُ في المَكان: الثَّباتُ. وإقامَةُ الشيء: تَوْفِيَةُ حَقِّه. وقال: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ} [المَائدة: 68]. أي تُوَفُّوا حُقُوقهما بالعِلْمِ والعَمَلِ، وكذلك قولهُ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ} [المَائدة: 66]. ولم يأْمرْ تعالى بالصَّلاةِ حَيْثُما أمَرَ، ولا مَدَحَ به حَيْثُما مَدَحَ إلاَّ بِلَفْظِ الإقامَةِ، تنبيهاً أنَّ المَقْصُودَ مِنها تَوْفِيَةُ شَرائِطِها لا الإِتْيانُ بِهَيْئاتِها، نحوُ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ} [البَقَرَة: 43] في أكثر من مَوْضِعٍ و {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ} [النِّسَاء: 162]. وقولهُ: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى} [النِّسَاء: 142] فإنَّ هذا من القِيامِ لا من الإقامَةِ، وأمّا قولهُ: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ} [إبراهيم: 40] أي وَفِّقْنِي لِتَوْفِيَةِ شَرائِطِها. وقولهُ: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ} [التّوبَة: 5] فقد قيلَ عُنِيَ به إقامَتُها بالإِقْرارِ بِوُجُوبِها لا بأدائِها. والمُقامُ: يقالُ للمَصْدَرِ والمَكانِ والزمانِ والمَفْعُولِ، لكنِ الوارِدُ في القُرآنِ هو المَصْدَرُ، نحوُ قولهِ: {إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا } [الفُرقان: 66]. والمُقامَةُ: الإِقامَةُ {الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ} [فَاطِر: 35] نحوُ دارِ الخُلْدِ، وجَنَّاتِ عَدْنٍ. وقولهُ: {لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [الأحزَاب: 13] مِنْ قامَ، أي لا مُسْتَقَرَّ لَكُمْ، وقد قُرِىءَ: لا مُقامَ لَكُمْ، مِنْ أقامَ. ويُعَبَّرُ بالإقامَةِ عن الدوامِ، نحوُ عَذابٌ مُقِيمٌ، وقُرىءَ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ } [الدّخان: 51] أي في مَكانٍ تَدُومُ إقامَتُهُمْ فيه. وتَقْويمُ الشيءِ: تَثْقِيفُهُ {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [التِّين: 4] وذلك إشارَةٌ إلى ما خُصَّ به الإنْسانُ من بَيْنِ الحَيَوانِ من العَقْلِ والفَهْمِ وانْتِصابِ القامَةِ الدَّالَّةِ على اسْتِيلائِهِ علَى كُلِّ ما في هذا العَالَمِ. وتَقْويمُ السِّلْعَةِ: بَيانُ قِيمَتِها. والقَوْمُ: جَماعَةُ الرجالِ في الأصْلِ دُونَ النِّساءِ، ولذلك قال {لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} [الحُجرَات: 11].
وفي عامَّةِ القُرآنِ أُرِيدُ به الرجال والنِّساءَ جميعاً. وحَقِيقَتُهُ للرِّجالِ، لِما نَبَّهَ عليه قولهُ تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النِّسَاء: 34] أي قَيِّمُونَ على النِّسَاءِ في رِعَايةِ شُؤُوْنِ الأُسْرَة. قوله: {وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النِّسَاء: 5] أي أموالكم التي جعلها الله لكم قواماً لمعاشكم.
قوي: القُوَّةُ: تُسْتَعْمَلُ تارَةً في مَعْنَى القُدْرَةِ نحوُ قولهِ: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [البَقَرَة: 63]. وتارَةً للتَّهَيُّؤِ المَوْجُودِ في الشيءِ، نحوُ أنْ يقالَ: النَّوَى بالقُوَّةِ نَخْلٌ، أي مُتَهَيِّىءٌ ومُتَرَشِّحٌ أن يكونَ منه ذلك. ويُسْتَعْمَلُ ذلك في البَدَنِ تارَةً، وفي القَلْبِ أُخْرَى، وفي المُعاوِنِ مِنْ خارِجٍ تارَةً، وفي القُدْرَةِ الإِلهِيَّةِ تارَةً. فَفِي البَدَنِ نحوُ قولهِ: {وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فُصّلَت: 15]، {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ} [الكهف: 95] فالقُوَّةُ هَهُنا قُوَّةُ البَدَنِ بِدَلالَةِ أنه رَغِبَ عن القُوَّةِ الخارِجَةِ فقالَ: {مَا مَكَّنْنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} [الكهف: 95]، وفي القَلْبِ نحوُ قولهِ: {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مَريَم: 12] أي بِقُوَّةِ قَلْبٍ. وفي المُعاوِنِ من خارِجٍ نحوُ قولهِ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} [هُود: 80] قيلَ: مَعْناهُ: مَنْ أتَقَوَّى به من الجُنْدِ، وما أتَقَوَّى به من المال، ونحوُ قولهِ: {قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ} [النَّمل: 33]. وفي القُدْرَةِ الإِلهِيَّةِ نحوُ قولهِ: {إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [الحَديد: 25]، {وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا } [الأحزَاب: 25]. وقولهُ: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } [الذّاريَات: 58] فَعامٌّ فيما اخْتَصَّ اللَّهُ تعالى به من القُدْرَةِ، وما جَعَلَهُ لِلخَلْقِ، وقولهُ: {ويَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هُود: 52] فقد ضَمِنَ تعالى أنْ يُعْطيَ كُلَّ واحدٍ منهم من أنْواع القُوَى قَدْرَ ما يَسْتَحِقُّهُ. وقولهُ: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ } [التّكوير: 20] يَعْنِي به جبريل (ع) ووصَفَهُبالقُوَّةِ عِنْدَ ذِي العرْشِ، وأفْرَدَ اللَّفْظَ ونَكَّرَهُ. فقالَ: ذِي قُوَّة، تنبيهاً أنه إذا اعْتُبرَ بالمَلأ الأعْلى فَقُوَّتُهُ إلى حَدٍّ ما، مَحْدودَةٌ إِزاءَ قُدْرَةِ اللَّهِ العليِّ القَدِيرِ؛ وقولهُ فيه: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى } [النّجْم: 5] فإنه وصَفَ القُوَّةَ بلَفْظِ الجَمْعِ وعَرَّفَها تَعْريفَ الجِنْسِ، تنبيهاً أنه إذا اعْتُبِرَ بهذا العالَمِ، وبالذينَ يُعَلِّمُهُمْ، ويُفِيدُهُم هو كَثِيرُ القُوى عَظِيمُ القُدْرَةِ. وسُمِّيت المَفازَةُ قِواءً. وأقْوَى الرجُلُ: صارَ في قِواء، أي قَفْرٍ. وتُصُوِّرَ مِنْ حالِ الحاصِلِ في القَفْرِ الفَقْرُ، فقيل: أقْوى فُلانٌ؛ أي افْتَقَرَ، كقولِهِمْ أرْمَلَ وأتْرب. {وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ } [الواقِعَة: 73] يعني الَّذين نَزلوا الأرضَ الْقَيَّ، وهي القفرُ. وقيل للمُستمتعين من النَّاس أَجمعين: المسافرِين والحاضرين، لأنَّ جميعَهم يَستضيئون بها من الظُّلمة، ويصطلون بها من البَرْد، ويَنتفِعون بها في الطَّبخ. وعلَى هذا يكون المُقْوي من الأَضداد، فيكون المُقوي الذي صار ذا قوَّة من المال والنِّعمة، والمُقوي أيضاً الذَّاهبُ مالُه النَّازلُ بالْقواء من الأرض.
قيض: قال تعالى {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ} [فُصّلَت: 25] وقولهُ: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً} [الزّخرُف: 36] أي نُنَحِّ، لِيَسْتَوْلِيَ عليه اسْتِيلاءَ القَيْضِ على البَيْضِ، وهو القِشْرُ الأعْلَى.
قيع: القاع: الأرض الملساء، المنكشِفة انفرجت عنها الجبال والآكام، لا حجارةَ فيها ولا حَصى ولا ينبت فيها الشجر وهي منتقع الماء. وجمع قاع أقواع وقيعانٌ وقيعةٌ. وقوله: تعالى: {فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا } [طه: 106] أي فيدع أَماكِنَها أَرْضاً مَلْساءَ مُنْكَشِفَةً ليسَ للجَبَلِ فيها أثر. وقوله: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً} [النُّور: 39] فالباء هنا في «بِقِيعَةٍ» حرف جرّ وهو لَيسَ جزءاً من الكَلِمَةِ، فالكلمةُ قِيعَةٌ جَمْعُ قَاعٍ.
قيل: قال تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } [الفُرقان: 24]. مَقِيلاً: مَصْدَرُ قِلْتُ قَيْلُولَةً: نِمْتُ نصْفَ النهارِ، أو مَوْضِعَ القَيْلُولَةِ. وقال تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ } [الأعرَاف: 4] أي في وقت القَيْلُولَة. والقَيْلُولَة: الراحَةُ والنَّوْمُ في الظَّهِيرَةِ. ومنه الإِقالَةُ في البَيْعِ أي فَسْخُهُ والإِراحَةُ مِنهُ بالإعْفَاءِ من عَقْدِهِ. والأَخْذُ بالشِّدَّةِ في وَقْتِ الرَّاحَةِ أَعْظَمُ في العُقوبَةِ، فلِذلِكَ خصَّ الوَقْتَيْنِ بالذِّكر (أي البَيَاتَ ليلاً، وَوَقْتَ القَيْلُولَةِ نَهَاراً).

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢