نبذة عن حياة الكاتب
معجم تفسير مفردات ألفاظ القرآن الكريم

حَرْفُ الْمِيم
(م)

ماء: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبيَاء: 30]، {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا } [الفُرقان: 48]. يقالُ: ماهُ بَنِي فُلانٍ. وأصْلُ ماءٍ مَوَهٌ، بِدَلالَةِ قولِهِمْ في جَمْعِهِ: أَمْواهٌ ومِياهٌ، وفي تَصْغِيرهِ: مُوَيْهٌ. فَحُذِفَ الهاءُ وقُلِبَ الواوُ. ورجُلٌ ماهُ القَلْبِ: كَثُرَ مَاءُ قَلْبِهِ. فَماهٌ هو مَقْلوبٌ من مَوَهٍ، أي فيه ماءٌ. أما «ما» فَيُستَعْمَلُ اسْماً وحَرْفاً. فالأوّلُ مِنَ الأسماءِ بِمَعْنَى الذي، نحوُ: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يُونس: 18] لَمَّا أَرادَ الجمعَ، وقولهُ: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا} [النّحل: 73] الآيةَ، فَجَمَعَ أيضاً. قال تعالى: {بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْبِهِ إِيمَانُكُمْ} [البَقَرَة: 93]. الثانِي نكِرَةٌ نحوُ {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} [النِّسَاء: 58] أي نِعْمَ شيئاً يَعِظكُمْ به، وقوله: {فَنِعِمَّا هِيَ} [البَقَرَة: 271]. وقد أُجِيزَ أن يَكونَ ما نَكِرَةً في قولهِ: {مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البَقَرَة: 26] كما أُجِيزَ أنْ يكونَ صِلَةً، فَما بعدَهُ يكونُ مَفْعُولاً تقديرُه: أنْ يَضْربَ مَثَلاً بَعُوضَةً. الثالِثُ: الاسْتِفْهامُ وَيُسْأَلُ به عن جِنْسِ ذات الشيءِ ونَوْعِهِ، وعن جنْسِ صِفاتِ الشيءِ ونَوْعِهِ، وقد يُسْأَلُ عن الأشْخاصِ والأعْيانِ في غير الناطِقِينَ. وقال بعضُ النَّحويينَ: وقد يُعَبَّرُ به عن الأشْخاصِ الناطِقِينَ، كقولهِ: {إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6]، {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} [العَنكبوت: 42]. وقالَ الخَليلُ: «ما اسْتِفْهامٌ: أيْ أيَّ شيءٍ تَدْعُونَ من دون اللَّهِ، وإنما جَعَلَهُ كذلك لأنَّ ما هذه لا تَدْخُل إلاَّ في المُبْتَدَأِ والاسْتِفْهامِ الواقعِ آخِراً» نحوُ {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ} [فَاطِر: 2] الآيَةَ، ونحوُ: ما تَضْرِبْ أَضْرِبْ. الخامِسُ: التَّعَجُّبُ نحوُ: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ } [البَقَرَة: 175] ما الذي يكون حرفاً فالأوّلُ منه أن يكونَ ما بعدَهُ بِمَنْزِلَةِ المصدرِ كأن الناصِبَةِ للفعلِ المُسْتَقْبَلِ نحوُ: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البَقَرَة: 3] فإنَّ «ما مَعَ رَزَقَ» في تَقْدِيرِ الرِّزْقِ. والدَّلالَةُ على أنه مِثْلُ أنْ أنه لا يَعُودُ إليه ضميرٌ لا مَلْفُوظٌ به، ولا مُقَدَّرٌ فيه. وعلى هذا حُمِلَ قولهُ: {بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } [البَقَرَة: 10]، وعلى هذا قولهُم: أتانِي القومُ ما عَدا زَيْداً، ومنه ما يكون في تَقْدِير ظَرْفٍ نحوُ: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} [البَقَرَة: 20]، {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [المَائدة: 64]، {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } [الإسرَاء: 97]، وأما قولهُ: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحِجر: 94] فَيَصِحُّ أن يَكونَ مَصْدَراً، وأنْ يكونَ بِمَعْنَى الَّذي. واعْلَمْ أنَّ «ما» إذا كان مَعَ ما بَعْدَها في تقدير المصدرِ لم يكنْ إلاَّ حَرْفاً، لأنه لو كانَ اسْماً لَعادَ إليه ضَميرٌ. وكذلك قولُكَ: أُرِيدُ أنْ أخْرُجَ، فإنه لا عائِدَ من الضمير إلى أنْ ولا ضميرَ لَها بعدَهُ. الثانِي للنَّفْيِ، وأهْلُ الحِجازِ يُعْمِلُونَهُ بِشَرْطٍ، نحوُ: {مَا هَذَا بَشَرًا} [يُوسُف: 31]. الثالِثُ: ما الكافَّةُ وهي الدَّاخِلَةُ على إنَّ وأخوَاتِها، ورُبَّ، ونحوِ ذلك، والفِعْلِ نحوُ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فَاطِر: 28]، {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} [آل عِمرَان: 178]، {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ} [الأنفَال: 6]، {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الحِجر: 2]، وعلى ذلك «قَلَّما وطالمَا» فيما حُكِيَ. الرابعُ: ما المُسَلِّطَة، وهي التي تَجْعَلُ اللفظَ مُتَسَلِّطاً بالعَمَلِ بَعْدَ أنْ لم يكنْ عاملاً، نحوُ ما في «إذْما وحَيْثُـما» لأنَّكَ تقولُ: إذْما تَفْعَلْ أفْعَلْ، وحَيْثُـما تَقْعُدْ أقْعُدْ. فإذْ وحيثُ لا يَعْمَلان بمُجَرَّدِهِما في الشَّرْطِ، ويَعْمَلانِ عِندَ دُخُولِ «ما» عليهما. الخامِسُ: الزائدةُ لِتَوكِيدِ اللفظِ في قولِهم: إذا ما فَعَلْتُ كذا. وقولهم: إمّا تَخْرُجْ أخْرُجْ. قال تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا} [مَريَم: 26]، {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا} [الإسرَاء: 23].
متع: المُتُوعُ: الامْتِدادُ والارْتِفاعُ: يقالُ: مَتَعَ النهارُ، إذا بَلَغَ غايةَ ارتفاعِهِ قبل الزوال. ومَتَعَ النَّباتُ، إذا ارْتَفَعَ في أولِ النَّباتِ. والمَتاعُ: انْتِفاعٌ مُمْتَدُّ الوقتِ. يقالُ: مَتَّعَهُ اللَّهُ بكذا، أو أمْتَعَهُ، وَتَمَتَّعَ به {بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاَءِ وَآبَاءَهُمْ} [الأنبيَاء: 44] أي لَمْ نُعاجِلْ لَهُمْ بالعُقوبَةِ بَلْ جَعَلنَاهُ انْتِفَاعاً مُمْتَدّاً. ومنه: {وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ } [يُونس: 98]، {نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً} [لقمَان: 24]، {فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً} [البَقَرَة: 126] {سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } [هُود: 48] وكُلُّ موضعٍ ذُكِرَ فيه: تَمَتَّعُوا في الدُّنْيا، فَعَلَى طريقِ التَّهْدِيدِ، وذلك لما فيه من معنَى التَّوَسُّع. واسْتَمْتَعَ: طَلَبَ التَّمَتُّعَ {رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} [الأنعَام: 128]، {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاَقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ} [التّوبَة: 69]، وقولهُ: {وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ } [البَقَرَة: 36] تنبيه أنَّ لِكُلِّ إنْسانٍ في الدُّنْيا تَمَتُّعاً مُدَّةً مَعْلُومَةً. وقولهُ: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ} [النِّسَاء: 77] تنبيه أن ذلك في جَنْبِ الآخرةِ غيرُ مُعْتَدٍّ به، وعلى ذلك: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ } [التّوبَة: 38] أي في جَنْبِ الآخِرةِ، وقال: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ } [آل عِمرَان: 185]. ويقالُ لما يُنْتَفَعُ به في البَيْتِ: مَتاعٌ {ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ} [الرّعد: 17]. وكُلُّ ما يُنْتَفَعُ بِهِ على وجْهٍ ما فَهُوَ مَتاعٌ ومُتْعَةٌ، وعلى هذا قولُهُ: {وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ} [يُوسُف: 65] أي طَعامَهُمْ، فَسَمَّاهُ مَتاعاً. وقيلَ وعاؤهُمْ، وكِلاهُما مَتاعٌ، وهُما مُتَلازِمانِ، فإنَّ الطَّعامَ كان في الوِعاءِ. وقولهُ: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البَقَرَة: 241] فالمتاعُ والمُتْعَةُ ما يُعْطَى المُطَلَّقَةَ لِتنْتفِعَ به مُدَّةَ عِدَّتِها. يقالُ: أمْتعْتُها، ومتَّعْتُها، ومثل ذلك ورد في القرآنُ الكريم نحو: {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ} [الأحزَاب: 49]، {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البَقَرَة: 236]. ومُتْعَةُ النِّكاحِ هي أنَّ الرجُلَ كان يُشارِطُ المرأةَ بمالٍ مَعْلُومٍ يُعْطِيها إلى أجَلٍ مَعْلُومٍ، فإذا انْقَضَى الأجَلُ فارَقَها من غير طَلاقٍ. ومُتْعَةُ الحَجِّ: ضَمُّ العُمْرَةِ إليه {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البَقَرَة: 196]. وشَرابٌ ماتِعٌ: قيلَ: أحْمَرُ، وإنما هو الذي يَمْتَعُ بِجَوْدَتِه، وليستِ الحُمْرَةُ بِخاصَّة للماتِعِ، وإن كانَتْ أحْدَ أوْصافِ جَوْدَتِه. وجَمَلٌ ماتِعٌ: قَويٌّ، قيلَ:
ومِيزانُهُ في سُورَةِ البِرِّ ماتِعُ
أي راجحٌ زائدٌ.
متن: المَتْنُ: الظَّهْرُ، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. والمَتْنُ: ما صَلُبَ في الأرْضِ وارْتَفَعَ واسْتَوى. ومَتْنُ الكِتابِ: وَجْهُهُ أو ما كُتِبَ في وسطِهِ خِلافَ الشَّرْحِ والحواشي، وجَمْعُهُ مُتُونٌ. ومَتنْتُهُ: ضَرَبْتُ متْنَهُ، أي ضرَبته على ظهره أو أيِّ موضِعٍ من جِسْمِهِ؛ ومَتُنَ: قَوِيَ مَتْنُهُ فَصارَ مَتِيناً، ومنه قيلَ: حَبْلٌ متِينٌ. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } [الذّاريَات: 58].
متى: مَتَى: سُؤالٌ عَنِ الوَقْتِ. {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ} [يُونس: 48]، {مَتَى هَذَا الْفَتْحُ} [السَّجدَة: 28]. وحُكِيَ أنَّ هُذَيْلاً تَقولُ: جَعَلْتُهُ مَتَى كُمِّي، أي وَسْطَ كُمِّي، وأنْشَدُوا لأَبِي ذُؤَيْبٍ:
شَربْنَ بِماءِ البَحْرِ ثُمَّ تَرَفَّعَتْ مَتَى لُجَجٍ خُضْرٍ لَهُنَّ نَئِيجُ
مثل: مَثَلَ ومَثُلَ بين يَدَيّ الحَاكِمِ: قَامَ مُنْتَصِباً، ومَثَّلَ الشَّيءَ؛ صوَّرَهُ، ومَثَّلَ الشَّيءَ بالشَّيءِ تَمْثِيلاً وتِمْثَالاً: سوَّاهُ، وشبَّهَهُ بهِ وجعلَهُ مِثْلَهُ، والمُمَثَّلُ: المُصَوَّرُ على مِثالِ غيرهِ. ومنه قولهُ (ص) : «مَنْ سرَّهُ أنْ يُمَثَّلَ له النَّاسُ فَلْيَتَبوَّأْ مَقْعَدَهُ في النَّار»(79). والمُثُولُ: الزَّوالُ عن الموضِعِ، والتِّمْثالُ: الشَّيءُ المُصوَّرُ بطريقةِ النَّحْتِ، وتَمَثَّلَ الشَّيءُ لفُلانٍ: تَصَوَّر له {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا } [مَريَم: 17]. والمَثَلُ: عِبَارَةٌ عَنْ قَوْلٍ في شَيْءٍ يُشْبِهُ قَوْلاً في شَيْءٍ آخَرَ بينَهُما مُشابَهَةٌ لِيُبيِّنَ أحدُهُما الآخَرَ ويُصوِّرَهُ، نحوُ قولهم: في الصَّيْفِ ضيَّعْتَ اللَّبنَ. فإنَّ هذا القولَ يُشْبِهُ قولَكَ: أهْمَلْتَ وقْتَ الإمكانِ أمْرَكَ. وعلى هذا الوْجهِ الأمثالُ التي ضَرَبَها اللَّهُ تَعالى في كتابه المُبِينِ: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [الحَشر: 21]، وفي أخْرَى: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ } [العَنكبوت: 43]. والمَثَلُ يقالُ على وجْهَيْنِ: أحدُهُما بمعنى المِثْل، نحوُ شِبْه وشَبَهٍ ونِقْضٍ ونَقَضٍ. قال بعضُهم: وقد يُعبَّرُ به عن وصْفِ الشيءِ نحوُ: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} [الرّعد: 35]؛ والثانِي عبارةٌ عَنِ المُشابَهَةِ لِغَيْرِهِ في مَعنًى مِنَ المَعانِي أيَّ معنًى كانَ، وهُوَ أعَمُّ الألفاظِ المَوْضُوعَةِ للمُشابَهَةِ، وذلكَ أَنَّ النِّدَّ يُقالُ فيما يُشارِكُ في الجَوْهَرِ فَقَطْ، والشِّبْهَ يُقالُ فيما يُشارِكُ في الكَيْفِيَّةِ فَقَطْ، والمُساوِيَ يقالُ فيما يُشارِكُ في الكَمِّيَّةِ فَقَطْ، والشَّكْلَ يقالُ فيما يُشارِكُهُ في القَدْرِ والمِساحَةِ فَقَطْ، والمِثْلَ عامٌّ في جَميعِ ذلكَ. ولهذا لَمَّا أرادَ اللَّهُ تعالى نَفْيَ التَّشْبِيهِ من كُلِّ وَجْهٍ خَصَّهُ بالذِّكْر فقالَ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشّورى: 11]. وأما الجمعُ بينَ الكافِ والمِثْل، فقد قيلَ ذلك لِتَأْكيدِ النَّفْيِ تَنْبيهاً على أَنَّهُ لا يَصِحُّ اسْتِعْمالُ المِثْلِ ولا الكافِ فَنَفَى بليسَ الأمْرَيْنِ جميعاً، وقيلَ: المِثْلُ هَهُنا هو بِمَعنَى الصِّفَةِ، ومعناهُ: ليسَ كَصِفَتِهِ صِفَةٌ، تنبيهاً على أنه وإن وُصِفَ بكثيرٍ ممَّا يُوصَفُ به البَشَرُ، فليسَ تلكَ الصِّفاتُ له على حسبِ ما يُسْتَعْمَلُ في البَشَر. وقولهُ: {لِلَّذِينَ لاَ يؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [النّحل: 60] أي لَهُمُ الصِّفاتُ الذَّمِيمَةُ، وله الصِّفاتُ العُلَى. وقد مَنَعَ اللَّهُ تعالىضَرْبَ الأمْثال بقولِهِ: {فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ} [النّحل: 74] ثم نَبَّهَ أنه قد يَضْرِبُ لِنَفْسِه المثل، ولا يجوزُ لَنا أن نَقْتَدِيَ به، فقالَ: {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [النّحل: 74] ثم ضَرَبَ لِنَفْسِه مَثَلاً فقالَ: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوكًا} [النّحل: 75] الآيةَ، وفي هذا تنبيهٌ أنه لا يجوزُ أن نَصِفَهُ بِصِفَة مما يُوصَفُ به البشر إلاَّ بما وصف به نَفْسَهُ. وقولهُ: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ} [الجُمُعَة: 5] الآيةَ أي هُمْ فِي جَهْلِهمْ بِمَضْمُونِ حَقائِقِ التَّوْراةِ كالْحِمارِ في جَهْلِهِ بما على ظَهْرهِ من الأسْفارِ. وقولهُ: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ} [الأعرَاف: 176] فإنه شَبَّهَهُ بِمُلازَمَتِهِ واتِّباعِهِ هَواهُ وقِلَّةِ مُزايَلَتِهِ له بالكَلْبِ الذي لا يُزايِلُ اللَّهْثَ على جميعِ الأحْوالِ. وقولهُ: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اُسْتَوْقَدَ نَارًا} [البَقَرَة: 17] الآيةَ فإنه شَبَّهَ مَنْ آتاهُ اللَّهُ تعالى ضَرْباً من الهِدايَةِ والمَعونة فأضاعَهُ، ولم يَتَوَصَّلْ به إلى ما رُشِّحَ له من نَعِيمِ الأبَد بِمَنِ اسْتَوْقَدَ ناراً في ظلمَة، فَلَمَّا أضاءَتْ له ضَيَّعَها، ونَكَسَ، فَعادَ في الظُّلْمَةِ. وقولهُ: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً} [البَقَرَة: 171] فإنه قَصَدَ تشبيهَ المَدْعُوِّ بالغَنَمِ، فأجْمَلَ، وراعَى مُقابَلَةَ المعنَى دونَ مُقابَلَةِ الألفاظِ، وبَسْطُ الكلامِ: مَثَلُ راعِي الذين كَفَرُوا، والذين كَفَرُوا كَمَثَلِ الذي يَنْعِقُ بالغَنَمِ، ومَثَلِ الغَنَمِ التي لا تَسْمَعُ إلاَّ دُعاءً ونِداءً. وعلى هذا النحو قولهُ: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ} [البَقَرَة: 261] وكذلك قولهُ: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} [آل عِمرَان: 117] وقوله {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} [آل عِمرَان: 165] أيْ حينَ أصابَكُمُ القتلُ والجَرْح في معركةِ أُحُد، فإنّه قُتلَ من المسلمينَ سبعونَ رجلاً، وكانوا هم أصابوا من المشركين في معركة بدر سبعين رجلاً وأسروا سبعين. والمِثالُ: مُقابَلة شيء بشيء هو نَظِيرُهُ، أو وَضْعُ شيء ما لِيُحْتَذَى به فيما يُفْعَلُ. والمُثْلَةُ: نِقْمَةٌ تَنْزلُ بالإنْسان فَيُجْعَلُ مِثالاً يَرْتَدِعُ به غيرُهُ، وذلك كالتَّنْكيلِ، وجمعُهُ: مُثْلاتٌ؛ والمَثُلَةُ: العُقوبَةُ، وما أَصابَ القُرونَ الماضِيَةَ مِنَ العَذابِ، والجَمْعُ مَثُلاَتٌ. وقد قُرىءَ: {مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ} [الرّعد: 6] والمَثْلاتُ، بإسكانِ الثاءِ على التَّخْفِيفِ نحوُ عَضُدٍ وعَضْدٍ. وقد أمْثَل السُّلْطانُ فُلاناً، إذا نَكَّل به. والأمْثَلُ: يُعَبَّرُ به عن الأشْبَهِ بالأفاضِلِ، والأقرب إلى الخَيْر، وأماثِلُ القومِ: كِنايةٌ عن خِيارِهِمْ، وعلى هذا قولهُ: {إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْمًا } [طه: 104] وقال: {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى } [طه: 63] أي الأشْبَهِ بالفَضِيلَةِ، وهي تأنيثُ الأمْثَلِ.
مجد: المَجْدُ: العِزُّ والرِّفْعَةُ، وأيضاً السَّعَةُ في الكَرَمِ والجَلالِ، وقد تقدّمَ الكلامُ في الكَرَمِ. يقالُ: مَجَدَ يَمْجُدُ مَجْداً ومَجادَةَ: كانَ ذا مَجْدٍ، ومَجُدَ مجادَةً كان مجيداً أي شريفاً من قومٍ أَمجادٍ. وأصْلُ المَجْدِ من قولهِم: مَجَدَتِ الإبلُ تَمْجُدُ مَجْداً ومُجُوداً، إذا حَصَلَتْ في مَرْعًى كثيرٍ واسِعٍ، وقد أمْجَدَها الراعِي. وقولهُم في صفةِ اللَّهِ تعالى: المَجِيدُ، أي يُجْري السَّعَةَ في بَذْلِ الفضلِ المُخْتَصِّ به. وقولهُ: في صفةِ القرآنِ: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ } [ق: 1]، فَوَصَفَهُ بذلك لِكَثْرَةِ ما يَتَضَمَّنُ من المكارمِ الدُّنْيَويَّةِ والأُخْرَوِيَّةِ، وعلى هذا وصَفَهُ بالكَريمِ بقولِهِ: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } [الواقِعَة: 77]، وعلى نحوهِ: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ } [البُرُوج: 21]، وقولهُ: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ } [البُرُوج: 15] فَوَصَفَهُ بذلك لِسَعَةِ فَيْضِهِ وكثرةِ جُودهِ. وقُرىءَ: المَجِيدِ، بالكسرِ فَلِجَلاَلتِهِ وعِظَمِ قَدْرِه، وما أشارَ إليه النبيُّ (ص) بِقولهِ: «ما الكُرْسِيُّ في جَنْبِ العَرْشِ إلاَّ كَحَلْقَةٍ مُلْقاة في أرضٍ فَلاة»(80) وعلى هذا قولهُ: {لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } [النَّمل: 26]. والتَّمْجِيدُ من العَبْدِ للَّهِ بالقولِ وذِكْر الصِّفاتِ الحَسَنَةِ، ومن اللَّهِ لِلْعَبْدِ بإعْطائِهِ الفَضْلَ.
محص: أصْلُ المَحْصِ: تَخْلِيصُ الشيءِ مما فيه من عيبٍ. فَالفَحْصُ يقالُ في إبْرازِ شيءٍ من أثْناء ما يَخْتَلط به، وهو مُنْفَصِلٌ عنه. والمَحْصُ: يقالُ في إبْرازِهِ عَمَّا هو مُتَّصِلٌ به، يقالُ: مَحَصْتُ الذَّهَبَ، ومَحَّصْتُهُ؛ إذا أزَلْتُ عنه ما يَشُوبُهُ من خَبَثٍ {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [آل عِمرَان: 141]، {وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ} [آل عِمرَان: 154]. فالتَّمْحِيصُ هَهُنا كالتَّزكِيَةِ والتَّطْهِير، ونحو ذلك من الألفاظِ. ويقالُ في الدُّعاءِ: اللَّهُمَّ مَحِّصْ عَنَّا ذُنُوبَنا، أي أزِلْ ما عَلِقَ بِنا من الذُّنُوبِ. وقوله تعالى: {هَلْ مِنْ مَحِيصٍ } [ق: 36] أي هل من مَحيدٍ عن الْمَوت، وهل من مَنْجًى من الْهَلاك.
محق: المَحْقُ: النُّقْصانُ، ومنه الْمِحَاقُ لآخِر الشهرِ إذا انْمَحَقَ الهِلالُ. ومعناهُ أن يَسْتَسِرَّ القمرُ فلا يُرى غُدوةً ولا عشية، وسُمِّيَ به لأنه طَلَعَ مع الشَّمْسِ فمَحَقَتْهُ. وامْتَحَقَ النباتُ: يبسَ واحترق من شدة الحر وانْمَحَقَ. ومَحَقَ اللَّهُ الشيءَ: نَقَصهُ وذَهَبَ ببَرَكَتِهِ {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البَقَرَة: 276]. {وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ } [آل عِمرَان: 141] أي يهلكهم.
محل: قولهُ: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ } [الرّعد: 13] أي شديدُ الأخْذِ بالعُقُوبَةِ، وهو من قولِهم: مَحَلَ به إلى السُّلْطانِ أَيْ كادَهُ بِسِعايةٍ إِليه، وأرادَهُ بِسُوءٍ. قالَ أبُو زَيْد: مَحَلَ الزمانُ: قحَطَ. وأمْحَلَتِ الأرضُ: أَجْدَبَتْ، فهي ماحِلٌ وماحِلَةٌ. والمَحالَّةُ: فَقارَةُ الظَّهْر. والجمعُ: المَحالُّ. ولَبنٌ مُمْحِلٌ: قد فَسَد. ويقالُ: ماحَلَ عنه، أي جَادَلَ عنه. وفي الحَدِيثِ: «لا تَجْعَلِ القرآنَ ماحِلاً بنا»(81) أي مُظْهِراً عنْدَكَ مَعايِبنا.
محن: المَحْنُ، والامْتحانُ، نحوُ الابْتلاءِ، يقال: امْتَحَنَهُ أي اختبرَهُ؛ وَمَحَنَ اللهُ القلبَ: شَرَحَهُ ووسَّعَهُ، ومَحَنَ الأديمَ: لَيَّنهُ ومدَّدَه. والمِحْنَةُ: ما يُمْتَحَنُ به الإنسانُ من بَلِيَّةٍ نحو قولِه تعالى: {فَامْتَحِنُوهُنَّ} [المُمتَحنَة: 10]. وقد تقدّمَ الكلامُ في الابْتِلاءِ {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} [الحُجرَات: 3]، {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاَءً حَسَناً} [الأنفَال: 17]، وذلك نحوُ قولهِ تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} [الأحزَاب: 33].
محو: المَحْوُ: إزالَةُ الأثَر، ومنه قيلَ لِريحِ الشَّمالَ مَحْوَةٌ، لأَنها تَمْحُو السَّحابَ والأثَرَ. قال تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرّعد: 39]، أي يمحو سبحانه وتعالى ما يشاء من ذنوب المؤمنين فضلاً، فيُسْقِطُ عقابها، ويُثْبِتُ ذنوبَ الكفارِ ومن يريد عقابَهُ عدْلاً.
مخر: مَخْرُ الماءِ للأرضِ: اسْتِقبالُها بالدَّوْرِ فيها، يقالُ: مَخَرَت السَّفِينَةُ تَمْخَرُ مَخْراً ومُخُوراً، إذا شَقَّتِ الماءَ بِجُؤْجُؤها مُسْتَقْبِلَةً له. فهيَ ماخِرَةٌ. والجمعُ: المَواخِرُ {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ} [النّحل: 14]. قال بعضهم: «اسْتَمْخَرَ الفرسُ الريحَ»: قابَلَها بأَنْفِهِ لتكونَ أَرْوَحَ لنَفَسِهِ، وامْتَخَرَ الفرسُ الريحَ مثل استمْخَرَها. والماخور: الموضعُ الذي يُباعُ فيه الخمر؛ أو الموضعُ الذي تُربطُ فيه الدّواب.
مخض: مَخَضَتِ الحامِلُ تَمْخَضُ مَخَاضاً: دنا ولادُها وضَرَبَها الطَّلْقُ فهي ماخِضٌ، قال تعالى: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ} [مَريَم: 23]، أي جاء مريم الطَّلْقُ، وهو وَجَعُ الولادةِ، فأَلْجَأَها إلى التَّمَسُّكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ.
مد: أصْلُ المَدِّ الجَرُّ والسَّيْلُ، ومنه المُدَّةُ: للوقتِ المُمْتَدِّ وهو يقَعُ في الغالبِ على الكثير، ومِدَّةُ الجَرْحِ، ما يجتمعُ فيه من القَيْحِ؛ ومَدَّ النَّهْرُ، ومَدَّهُ نهرٌ آخرُ، ومَدَدْتُ عَيْنِي إلى كذا: طمحت بالنظر إليه {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} [طه: 131] الآيَة. وَمَدَدْتُهُ في غَيِّهِ. ومَدَدْتُ الإبلَ: سَقَيْتُها المَدِيدَ، وهو بِزْرٌ ودَقِيقٌ يخلطانِ بِماء، وأمدَّ الجَيْشَ بمَدَدٍ: نصَرَهُ بجماعةٍ غيرِهِ، والإنْسَانَ بِطَعامٍ. قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} [الفُرقان: 45]. وأكثرُ ما جاء الإمْدادُ في الخيرِ، والمَدُّ في الشرِّ {وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ } [الطُّور: 22]، {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ } [المؤمنون: 55]، {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} [نُوح: 12]، {يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ} [آل عِمرَان: 125]، {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ} [النَّمل: 36]، {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا } [مَريَم: 79]، {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [البَقَرَة: 15]، {وَإِخوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ} [الأعرَاف: 202]، {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} [لقمَان: 27]. وهو من قولِهم: مدَدْتُ الدَّواةَ أمُدُّها. قال تعالى: {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا } [الكهف: 109]. والمُدُّ مِنَ المَكايِيلِ، يراوَحُ بينَ 13 و 15 كلغ.
مدن: المَدِينَةُ: فعِيلَةٌ، وجمعُها مُدُنٌ. مَدَنَ مُدُوناً بالمكانِ: أقامَ فيهِ. مَدَّنَ المدائِنَ أيْ بَناها وقَصَّرَهَا. وتمدْين: تنعُّم، وَمَدَنَ مَدْناً: دخلَ المدينةَ. قال تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ} [التّوبَة: 101]، {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ} [يس: 20]، {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ} [القَصَص: 15].
مرأ: يقالُ: مَرْءٌ وامْرأَةٌ، وقُرِىءَ امْرُؤٌ {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} [النِّسَاء: 176]، {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا} [مَريَم: 5]. والمُرُوَّةُ: كمالُ المَرْءِ، كما أنَّ الرُّجُوليَّةَ كَمالُ الرَّجُلِ. والمريءُ: مَجْرى الطَّعَامِ والشَّرَابِ، اللاَّصِقُ بالحُلْقُومِ. ومَرؤَ الطَّعامُ وأمْرَأ، إذا تَخَصَّصَ بالمَريءِ لمُوافَقَةِ الطَّبْعِ. قال {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } [النِّسَاء: 4] دُعاءٌ للآكِلِ والشَّارِبِ.
مرج: أصْلُ المَرَجِ: الخَلْطُ، والمُرُوجُ: الاخْتِلاطُ. يقالُ: مَرِجَ أمْرُهُمْ: اخْتَلَطَ، ومَرِجَ الخاتَمُ في أُصْبُعِي، فهو مارِجٌ، أي الْتَبَسَ المخرَجُ فيه. ويقالُ: أمْرٌ مَرِيجٌ، أي مُخْتَلِطٌ {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ } [ق: 5] أي اختلط أمرهم، مرّة قالوا: مجنون، ومرّة قالوا: كاهن، ومرّة: ساحر، ولم يتفقوا على أيٍّ تهمة باطلة. والمَرْجانُ صِغارُ اللُّؤْلُؤِ {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ } [الرَّحمن: 58]. وفي قوله: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} [الفُرقان: 53] ذكرَ سبحانه عظيمَ قُدرتِه حيثُ خَلَقَ الْبحرَين: العذبَ والمالِحَ، وخلطَ طرفَيهِما عند الْتِقَائِهما من غير أن يَبْغِيَ أَحدُهُما على الآخَرِ. ومَرْجٌ: يقالُ للأرضِ التي يَكْثُرُ فيها النَّباتُ فَتَمْرَجُ فيه الدَّوابُ. وقولهُ: {مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ } [الرَّحمن: 15] أي لَهِيبٍ مُخْتَلِطٍ.
مرح: المَرَحُ: شِدَّةُ الفَرَحِ، والتَّوَسُّعُ فيه. قال: {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا} [الإسرَاء: 37] {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ } [غَافر: 75]. والفرح قد يكون بحقٍّ فيحمدُ عليه، وقد يكون بالباطل فيندم عليه، وأما المرح فلا يكون إلاّ باطلاً.
مرد: {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ } [الصَّافات: 7] والمارِدُ والمَرِيدُ مِنْ شَياطِينِ الجِنِّ والإنْسِ: المُتَعَرِّي مِنَ الخَيْراتِ، من قولهم: شَجَرٌ أمْرَدُ إذا تَعَرَّى من الوَرَقِ. ومنه قيلَ: رَمْلَةٌ مَرْداء أي لم تُنْبِتْ شيئاً، ومنه الأمْرَدُ لِتَجَرُّدِهِ عن الشَّعر. ومنه قيلَ: مَرِدَ فلانٌ يَمْرَدُ: تطاوَلَ في المعاصي، ومَرَدَ على الشيء: مَرَنَ واستمرَّ عليه، يُقالُ: «مَرَدَ على الكذب، ومَرَدَ على القبائحِ». قال: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ} [التّوبَة: 101] أي مَرَنُوا على النِّفاق، وأقامُوا عليهِ ولم يَتُوبُوا عنه. وأمّا قوله تعالى: {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيدًا } [النِّسَاء: 117] فمعناه: وإن يطيعونَ بعبادةِ الأصنامِ إلاَّ الشيطانَ الذي تَمرَّدَ بالخروج عن طاعةِ ربِّه. والمُتَمرِّدُ: العاتي، الخارجُ عن الطَّاعة. وقولهُ: {مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ} [النَّمل: 44] أي مُمَلَّسٌ.
مرَّ: أصلها: مَررَ فأُدغمت {مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} [البَقَرَة: 259]. قال تعالى: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } [الفُرقان: 72] أي وإذا مرَّ المؤمنون بأهلِ اللَّهْو، وذوي اللَّغْوِ مَرُّوا منزِّهِينَ أنفسهم، مُعرِضينَ عنهم. وقال تعالى: {وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ } [القَمَر: 2] أي سِحْرٌ ذاهِبٌ، مُضْمَحِلٌّ لا يَبْقى، وهو مِنَ المُرورِ، أو عَكْسُهُ: سِحرٌ قائمٌ ودائم. وقال تعالى: {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى } [النّجْم: 6] وقيل: القوةُ والشدةُ والمِرّةُ نظائرُ: قيلَ: ذو مِرةٍ في الهواءِ ذاهباً جائِياً ونازلاً صاعداً، وهو جبريل (ع) .
وأما قوله تعالى: {وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ } [القَمَر: 46] أي هِيَ أَشَدُّ دهاءً ومَرارَةً مِنْ أيِّ أمرٍ آخَرَ، لأنّ الأَمَرَّ هو الأشدُّ مرارةً في البلاء.
مرض: المَرَضُ: الخُرُوجُ عن الاعتدال الخاصِّ بالإنْسانِ، وذلك نوعان: الأولُ مَرَضٌ جِسْمِيّ، وهو المذكور في قولهِ: {وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النُّور: 61]، {وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى} [التّوبَة: 91]. والثانِي عبارةٌ عن الرَّذائلِ، كالجهْلِ والجُبْنِ والبُخْلِ والنِّفاقِ وغيرها من الرَّذائلِ الخُلُقِيَّةِ، نحوُ قولهِ: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} [البَقَرَة: 10]، {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا} [النُّور: 50]، {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} [التّوبَة: 125]، وذلك نحوُ: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْرًا} [المَائدة: 64] ويُشَبَّهُ النِّفاقُ والكُفْرُ ونحوُهُما من الرذائل بالمَرَض، إما لكونِها مانعةً عن إدْراكِ الفضائلِ كالمَرَضِ المانعِ للبدن عن التصرفِ الكاملِ، وإما لكونِها مانعةً عن تحصيلِ الحَياةِ الأخْرَويَّةِ المذكورةِ في قولهِ: {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } [العَنكبوت: 64]، وإمّا لِمَيْلِ النَّفْسِ بها إلى الاعْتِقاداتِ الرَّدِيئةِ فتكون حينها النفس مريضة.
مري: المِرْيَةُ: التَّرَدُّدُ في الأمْر، وهو أخَصُّ من الشَّكِّ {وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ} [الحَجّ: 55]، {فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاَءِ} [هُود: 109]، {فَلاَ تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} [السَّجدَة: 23]، {أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ} [فُصّلَت: 54]. والامْتِراءُ والمُماراةُ: المُحاجَّةُ فيما فيه مِرْيَةٌ {قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ } [مَريَم: 34]، {بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ } [الحِجر: 63]، {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى } [النّجْم: 12]، {فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِرًا} [الكهف: 22] وأصْلُه من مَرَيْتُ النَّاقَةَ، إذا مَسَحْتَ ضَرْعَها لِتَدِرَّ.
مريم: مَرْيَمُ: اسْمٌ أعْجَمِيٌّ، اسْمُ أمِّ عيسى (ع) ، ومعناها العابدة.
مزج: مزجَ الشَّرابَ: خَلَطَه. والمِزاجُ: ما يُمْزَجُ به {مِزَاجُهَا كَافُورًا } [الإنسَان: 5]، {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ } [المطفّفِين: 27]، {مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً } [الإنسَان: 17].
مزق: {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سَبَإ: 19] أي وفرَّقْنَاهُم في كلِّ وجهٍ في البلاد كلَّ التفريق. وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } [سَبَإ: 7] وهو قولُ الكَافِرينَ لِبَعضِهِمِ البَعضِ بِتعجُّبٍ مِنْ قولِ النَّبيِّ (ص) أنَّهمْ مبعوثونَ: هل نَدُلُّكُمْ على مَنْ يقولُ هذا، أَيْ إذا مِتُّمْ، وقُطِّعْتُمْ كلَّ تقطيعٍ، وأَكَلَتْكُمُ الأرضُ وسِباعُها وطيورُها وحَشَراتُها فإنَّكُمْ لسَوفَ تُخْلَقونَ مِنْ جديدٍ!.
مزن: المُزْنُ: السَّحابُ المُضِيءُ. والقِطْعَةُ منه: مُزْنَةٌ {أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ } [الواقِعَة: 69]. ويقالُ للهِلالِ الذي يَظْهَرُ من خِلالِ السَّحابِ ابْنُ مُزْنَة. وفُلانٌ يَتَمَزَّنُ، أي يَتَسَخَّى كأنَّهُ يَتَشَبَّهُ بالمُزْنِ. ومزَنْتُ فلاناً: شَبَّهْتهُ بالمُزْنِ.
مسح: المَسْحُ: إمْرارُ اليَدِ على الشيءِ، وإزالةُ الأثَرِ عنه. وقد يُسْتَعْمَلُ في كُلِّ واحد منهما، يقالُ: مَسَحْتُ يَدِي بالمِنْدِيلِ، وقيلَ للدِّرْهَمِ الأطْلَسِ: مَسِيحٌ، وللمكانِ الأمْلَسِ: أمْسَحُ. ومَسَحَ الأرضَ: ذَرَعَها. وعُبِّرَ عن السَّيْر بالمَسْحِ، كما عُبِّرَ عنه بالذَّرْعِ، فقيلَ: مَسَحَ البَعِيرُ المفازَة وذَرَعَها. والمَسْحُ في تعارُفِ الشرعِ: إمرارُ الماءِ على الأعضاءِ. يقالُ: مَسَحْتُ للصلاةِ وتَمَسَّحْتُ {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المَائدة: 6]. ومَسَحْتُه بالسيفِ، كِنايَةٌ عن الضربِ، كما يقالُ: مَسَسْتُ. قال تعالى: {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ} [ص: 33].
مسخ: المَسْخُ: تشْوِيهُ الخَلْقِ والخُلُقِ، وتحويلُهُمَا من صورَةٍ إلى صُورَة. قال بعضُ الحُكَماءِ: المَسْخُ نوعانِ: مَسْخٌ خاصٌّ يَحْصَلُ في العَيْنَةِ وهو مَسْخُ الخَلْقِ، ومَسخٌ قد يَحْصلُ في كُلِّ زمانٍ، وهو مَسْخُ الخُلُقِ. وذلك أَنْ يَصيرَ الإنْسانُ مُتَخَلِّقاً بِخُلُقٍ ذَميمٍ مِنْ أَخْلاقِ بعضِ الحَيواناتِ، نحوُ أنْ يَصِيرَ في شِدَّةِ الحِرْصِ كالكَلْبِ، وفي الشَّرَهِ كالخنْزير، وفي الغباوة كالثور. قال: وعلى هذا أحدُ الوجْهَينِ في قولهِ: {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} [المَائدة: 60]، وقولهُ: {لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ} [يس: 67] يَتَضمَّنُ الأمرينِ، وإنْ كان في الأوَّلِ أَظْهَرَ، والمكانة أي المنزلة والقدر. وأما المكان فهو الذي يحوي الأشياء. والمَسِيخُ مِنَ الطَّعامِ: ما لا طَعْمَ له، قالَ الشاعِرُ:
وأنْتَ مَسِيخٌ كَلَحْمِ الحُوارِ
ومَسَخْتُ الناقةَ: أنْضَيْتُها وأزَلْتُها حتى أزَلْتُ خِلقَتَها عنْ حالِها، بمعنى هزلها إتعاباً واستعمالاً. والمَاسِخِيُّ: القَوَّاسُ، وأصلهُ كان من كثرة النسبةِ إلى ماسِخة، وهو رجل من قبيلَةِ الأَزْدِ، فقيل لكلِّ قَوَّاسٍ ماسِخِيٌّ، ولكلِّ حدَّادٍ هالكيٌّ.
مسد: المَسَدُ: لِيفٌ يُتَّخَذُ من جريدِ النَّخْلِ، أي من غُصْنِه، فيُمْسَد أي يُفْتَـلُ. قال تعالى: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } [المَسَد: 5]. وامـرأةٌ مَمْسُودَةٌ: مَطْويَّةُ الخَلْقِ كالحبلِ الممْسُودِ.
مس: المَـسُّ كاللَّمْسِ، لكن اللَّمْسُ قد يقالُ لِطَلَبِ الشيءِ، وإن لم يُوجَدْ، كما قال الشاعِرُ:
وألْمسُه فلا أجِدُه
والمَسُّ يقالُ فيما يكونُ مَعَه إدْراكٌ بحاسَّةِ اللَّمْسِ، وكُنِّيَ به عن النكاحِ، فقيلَ: مَسَّها، وماسَّها {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البَقَرَة: 237]، {لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [البَقَرَة: 236] وقُرىءَ: ما لم تُماسُّوهُنَّ {أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} [آل عِمرَان: 47]. والمَسِيسُ، كِنايَةٌ عن النِّكاحِ، وكُنِّيَ بالمَسِّ عن الجُنون {كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البَقَرَة: 275]، والمَسُّ يقالُ في كُلِّ ما ينالُ الإنْسانَ من أذًى، نحوُ: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ} [البَقَرَة: 80]، {مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ} [البَقَرَة: 214]، {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ } [القَمَر: 48]، {مَسَّنِيَ الضُّرُّ} [الأنبيَاء: 83]، {مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ} [ص: 41]، {مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا} [يُونس: 21]، {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ} [الإسرَاء: 67]. والمِسَاسُ (فِعال) من المماسة، وفي فعلِ السَّامريِّ عندما صَنَعَ لبني إسرائيل عجلاً فَعَبَدوهُ وأَمَرَهُ موسى (ع) أن يفارق قومه ويذهب شريداً في الأرض، قوله تعالى: {فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لاَ مِسَاسَ} [طه: 97] فعاشَ السامِريُّ لا يَمَسُّ ولا يُمَسُّ، حتى مات جوعاً وعطشاً.
مسك: إمْساكُ الشيءِ: التعلُّقُ به وحِفظُه {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البَقَرَة: 229]. وقال: {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ} [الحَجّ: 65] أي يَحفظُها. واستمسَكْتُ بالشيءِ، إذا تَحرَّيْتُ الإمساكَ {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ} [الزّخرُف: 43]، {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ } [الزّخرُف: 21]. ويقالُ: تمسَّكْتُ به، ومسَكْتُ به {وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [المُمتَحنَة: 10]. يقالُ: أمْسَكْتُ عنه كذا، أي مَنَعْتُه {هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} [الزُّمَر: 38]. وكُنِّيَ عن البُخْلِ بالإمْساكِ. والمُسْكَةُ من الطعامِ والشرابِ: ما يُمْسِكُ الرَّمَقَ.
مشج: {أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ} [الإنسَان: 2] أي أخْلاَطٍ مِن ماء الرجل وماء المرأة. ومشجت هذا بهذا: خلطتُه، وهو ممشوج ومشيج، وذلك عبارةٌ عَمَّا جَعَلَهُ اللَّهُ تعالى بالنُّطْفَةِ من القُوَى المُخْتَلِفَةِ المشارِ إليها بقولهِ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ *ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 12-14] أي يختلف عن بقية المخلوقات.
مشى: المشيُ: الانْتِقالُ من مَكانٍ إلى مكانٍ بإرَادةٍ {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} [البَقَرَة: 20]، {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} [النُّور: 45]، {يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً} [الفُرقان: 63]، {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} [المُلك: 15]. ويُكَنَّى بالمَشْي عن النَّمِيمَةِ، ومنه قوله تعالى: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ } [القَلَم: 11] أي يَمشي كثيراً بالنَّميمة بين النّاسِ. ويُكَنَّى بِهِ عن شُرْبِ المُسْهِلِ، فقيلَ: شَرِبْتُ مَشْياً ومَشْواً. والماشِيَةُ: القطيعُ مِنَ الأغنامِ، وقيل: امرأةٌ ماشيةٌ: كَثُرَ أَولادُها.
مصر: المِصْرُ: اسْمٌ لِكُلِّ بَلَد مَمْصُورٍ أي مَحْدُودٍ، وجمُعُه أَمْصَارٌ، يقالُ: مَصَرْتُ مِصْراً، أي بَنَيْتُهُ، والمِصْرُ: الحدُّ. اشْتَرَى فُلانٌ الدارَ بِمُصُورِها، أي حُدُودِها. قال الشاعِرُ:
وجاعِلُ الشمسِ مِصْراً لا خفاءَ به بين النهارِ وبين الليلِ قد فَصَلاَ
قال تعالى: {ادْخُلُوا مِصْرَ} [يُوسُف: 99]. والماصِرُ: الحاجِزُ بين الماءَيْنِ. ومَصَرْتُ الناقةَ، إذا جَمَعْتُ أطرافَ الأصابعِ على ضَرْعِها فَحَلَبْتُها، ومنه قيلَ: لَهُمْ غَلَّةٌ يَمْتَصِرونَها، أي يحتلِبُونَ منها قليلاً قليلاً. وثَوْبٌ مُمَصَّرٌ: مُشَبَّعُ الصَّبْغِ، وفيه صُفْرَةٌ قَليلَةٌ. وناقةٌ مَصُورٌ: بطيئة خروج اللَّبَنِ. وقال الحَسَنُ: لا بأسَ بِكَسْبِ التَّيَّاسِ ما لم يَمْصُرْ ولم يَبْسِرْ، أي يَحْتَلِبْ بأصْبُعَيْهِ، ويَبْسِرْ على الشاةِ قبلَ وقْتِها. والمَصِيرُ: المِعَى، جمعُهُ أَمْصِرة، ومُصْرانٌ جمعُهُ مصارين. وقيلَ: بَلْ هو مَفْعَلٌ من صارَ لأنه مُسْتَقَرُّ الطَّعامِ.
مضغ: المُضْغةُ: القِطْعَةُ من اللَّحْمِ قَدْرَ ما يُمْضَغُ، ولم يَنْضَجْ، قال الشاعِرُ:
يَلَجْلَجُ مُضْغَةً فيها أنيضُ
أي غيرَ مُنْضِجٍ، وجُعِلَ اسماً للحالةِ التي يَنْتَهِي إليها الجَنِينُ بعدَ العَلَقَةِ. قال تعالى: {فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا} [المؤمنون: 14]، {مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} [الحَجّ: 5]. والمُضاغَةُ: ما يَبْقَى عن المَضْغ في الفَمِ. والماضِغانِ: الشِّدْقانِ، لِمَضْغِهِما الطَّعامَ. والمَضائِغُ: العَقباتُ اللَّواتِي على طَرَفَيْ هَيْئَةِ القَوْس، الواحدةُ: مَضِيغَةٌ.
مضى: المُضِيُّ والمَضاءُ: النَّفاذُ، ويقالُ ذلك في الأعْيانِ والأحداثِ {وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ } [الزّخرُف: 8]، {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ } [الأنفَال: 38].
مطر: المَطَرُ: الماءُ المُنْسَكِبُ من السَّحابِ، ويومٌ مَطِيرٌ، وماطِرُ ومُمْطِرٌ، ووادٍ مَطِيرٌ، أي مَمْطُورٌ، يقالُ: مَطَرَتْنا السَّماءُ وأمطَرَتْنَا. وما مُطِرْتُ منه بخير. وقيلَ: إنَّ مَطَرَ يقالُ في الخَيْر، وأمْطَرَ في العَذابِ {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ } [الشُّعَرَاء: 173]، {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ } [الأعرَاف: 84]، {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً} [هُود: 82]، {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} [الأنفَال: 32]. ومَطَّرَ وتَمَطَّرَ فلانٌ: ذَهَبَ في الأرضِ ذَهابَ المَطَر. وفرسٌ مُتَمَطِّرٌ أي سريعٌ كالمَطَر. والمُسْتَمْطِرُ: المحتاجُ للمَطَر، والمَكانُ الظاهرُ للمَطر، ويُعَبَّرُ به عن طالِب الخيرِ والمعروفِ، قال الشاعِرُ:
فوادٍ خِطاءٌ ووادٍ مَطِرْ
مطى: المطا: تَمَدُّد البدنِ من الكَسَلِ. وأصلُهُ: أن يكون مَطَاه، أي ظهره. {ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى } [القِيَامَة: 33] أي يَمُدُّ مَطاهُ، أي ظَهْرَهُ، وتقديرُه: أنَّه يَرجِعُ إلَى أَهلِه يَتَبَخْتَرُ ويَخْتال في مِشْيَتِهِ. والمَطِيَّةُ: ما يُركَبُ مَطاهُ من البَعير. وقد امْتَطَيْتُهُ: رَكِبْتُ مَطاهُ. والمِطْوُ (بالضم والكسر): الصاحِبُ المُعْتَمَدُ عليه، وتَسْمِيَتُهُ بذلك كَتَسْمِيَتِهِ بالظَّهْر.
مع: مَعَ ظرف مكان أو زمان. نحوُ: هُما مَعاً في الدارِ، أو في الزمانِ، نحوُ: وُلِدا معاً، أو في المعنَى كالْمُتَضايِفينِ نحوُ الأخِ والأبِ، فإن أحَدَهُما صارَ أخاً للآخَر في حالِ ما صارَ الآخَرُ أخاهُ، وإمّا في الشَّرَفِ والرُّتْبَةِ نحوُهُما مَعاً في العُلُوِّ، ويَقْتَضِي معنَى النُّصْرَةِ وأنَّ المُضافَ إليه لفظ مَعَ هو المَنْصُورُ نحوُ: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التّوبَة: 40] أي الذي مَع يُضافُ إليه في قولهِ: « إن اللَّهُ مَعَنَا» هو مَنْصُورٌ، أي ناصِرُنا. قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقُوْا} [النّحل: 128]، {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحَديد: 4]، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } [البَقَرَة: 153]، {أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } [التّوبَة: 36]، كذلك قول موسى: {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي} [الشُّعَرَاء: 62]. ورَجُلٌ إمَّعَةٌ: من شأنِهِ أن يقولَ لِكُلِّ واحد: أنا مَعَكَ.
معز: قال تعالى: {وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ} [الأنعَام: 143] والمَعِيزُ: جماعةُ المَعَز، كما يقالُ: ضَئِينٌ لِجماعَةِ الضَّأْن. و «مَعَزَ المَعَزَ وضَأَنَ الضَّأْنَ»: عَزَلَ هذه عن هذه.
معين: قال تعالى: {فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ } [المُلك: 30] وهو من قولِهم: مَعُنَ الماءُ مُعُوناً: جَرَى، فهو مَعِينٌ. ومَجارِي الماءِ: مُعْنانٌ. وأمْعَنَ الفرسُ: تَباعَدَ في عَدْوِهِ. والماعون: الوعاءُ الذي لا يُمنَعُ عن الطالب، وقال بعضُهم: إنَّ الماعونَ أصلُهُ معونة، والألف عوضاً عن التاء. ويقال: مَعَنَ الموضِعُ أو النَّبْتُ، يمعَنُ مَعْناً: رُويَ مِنَ الماءِ. قال تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } [المَاعون: 7]، أي الأشياء التي يستعيرها الناسُ من بعضهم البعض سواءٌ أكانت من أدوات ومتاع البيت، أم من الحاجات التي لا تُمنع كالماءِ والملح. وعن جعفر الصادق (ع) قال: «هو القرضُ تُقرضُه، والمعروف تصنعُه، ومتاعُ البيت تُعيرُه».
مقت: المَقْتُ: البُغْضُ الشديدُ لِمَنْ تَراهُ تَعاطَى القَبِيحَ، يقالُ: مَقَتَ مَقاتَةً، فهو مَقِيتٌ. ومَقَّتَهُ أي بَغَّضَهُ، فهو مَقِيتٌ ومَمْقُوتٌ. قال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلاً } [النِّسَاء: 22]، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } [غَافر: 10] والمعنى أنهم لمّا رأوا أعمالهم ونظروا في كتابهم ودخلوا النار فمقتوا أنفسهم لسوء صنيعها، نادتهم الملائكة: لمقت الله إياكم في الدنيا أكبرُ من مَقْتِكُمْ أنفسَكمْ في الآخرة لأنكم كنتم تُدعَوْن إلى الإيمان فلم تَسْتَجيبوا.
مكث: المُكْثُ، والمُكُوثُ: ثباتٌ مَعَ انْتِظارٍ، قولُه تعالَى: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الإسرَاء: 106]، أي على تثبُّتٍ وتُؤَدَةٍ ليكونَ أثبتَ في قلوبِهِمْ ويكونوا أقدرَ على التأمُّلِ والتفكُّرِ فيه. وقال: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [النَّمل: 22]، {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } [الزّخرُف: 77]، وقوله: {فَقَالَ لأَِهْلِهِ امْكُثُوا} [طه: 10] أي الْزَمُوا مكانَكُمْ، انْتَظِرُوا.
مكر: المكْرُ: هُوَ مُحاوَلَةُ التَّدبيرِ خُفْيَةً لإِيجادِ المَخْرَجِ في مَوضوعٍ ما، قال تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [النَّمل: 50]، {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} [الأنفَال: 30]. والمَكْرُ يَكونُ لِصَرْفِ الْغَيْرِ عَمَّا يَقْصُدُهُ بِتَصَرُّفٍ لَبِقٍ، وهُوَ نوعان: مَكْرٌ حَسَنٌ مَحْمودٌ، وذلك أَنْ يَتَحَرَّى فاعِلُهُ فِعْلَ جميلٍ كما في قولِهِ تَعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [آل عِمرَان: 54]، ومَكْرٌ سَيِّىءٌ مَذْمومٌ كقولِهِ تَعالى: {وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} [فَاطِر: 43]. وقال سُبحانَه: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ} [النّحل: 45]، {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ} [النَّمل: 51]. وفي حَديثِ الدُّعاءِ: «اللَّهُمَّ امْكُرْ لي ولا تَمْكُرْ عليَّ»(82) والمعنى: اللَّهُمَّ أَلْحِقِ البَلاءَ بأعدائي، لاَ بِي، يَعني اقْضِ بِما فيهِ خَلاَصي مِنْ شَرِّ غَيْري. وقال ابنُ الأثير: مكرُ اللَّهِ: إيقاعُ بَلائِهِ بأَعدائِهِ دون أوليائه. وهذا كقولِهِ تَعالى: {فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } [الأعرَاف: 99] وقد يَتَوَهَّمُ النَّاسُ أَنَّ المَكْرَ هو الحيلة مطلقاً، في حين أن الفرق بين المكر والحِيلَةِ، أنَّ الحِيلَة، قَدْ تَكونُ لإِظهارِ ما يَعْسُرُ مِنَ الفِعْلِ مِنْ غَيرِ قَصْدٍ إلى الإضرارِ بالغيرِ، والمَكْرُ حِيلَةٌ قد تُوقِعُهُ في مِثْلِ الشَّرَك. قولُه تَعالى: ((وَمَكرُوا)) يعنيَ نَصَبوا شَرَكاً لِقَتْلِ عِيسى (ع)، {وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عِمرَان: 54] أيْ كانَ أَسرَعَ مِنْهُمْ في تَدبِيرِ المَخْرَجِ لِنَجاةِ عِيسى (ع) جَزاءً على مَكْرِهِمْ. وقد سُمِّيَ المُجَازاةُ على المَكْرِ مَكْراً. والمَعنى: أَنَّهُمْ لَمَّا تَواطَأُوا على الفَتْكِ بعِيسى (ع) كانَ ذلكَ مَكْرَهُمْ بِهِ، فَلَمَّا أَلْقى اللهُ سُبحانَهُ وتَعالى شَبَهَ عيسى (ع) على صَاحِبِهِم الّذي وَشَى بِهِ وأَنْقَذَ عِيسى مِنْ مَكْرِهِم، أُخِذَ صاحِبُهُم، وقُتِلَ وصُلِبَ، ثم رُفِعَ عيسى (ع) إلى السَّماءِ. فهذا هو المَكْرُ الحَسَنُ مِنَ اللهِ سُبحانَه وتَعالى بالَّذينَ مَكَروا مَكْراً سَيِّئاً، فَهُوَ مُجازاتُهُمْ على مَكْرِهِمْ. وقوله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} [الأنفَال: 30] أي واذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ إذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذينَ كَفَروا، وقَدِ اجْتَمَعُوا للمُشاوَرَةِ في شَأْنِكَ بِدارِ النَّدوَةِ ليُوثِقوكَ ويَحْبِسوكَ أو يَقْتُلوكَ كُلُّهُمْ قَتْلَةَ رَجُلٍ واحِدٍ أو يخْرِجوكَ مِنْ مَكَّةَ. ويَمكُرونَ بِكَ وَيمْكُر اللهُ بِهِمْ بِتَدْبِيرِ أَمرِكِ بأنْ أَوْحَى لَكَ ما دَبَّروهُ، وأَمَرَكَ بالهِجْرَةِ إلى المَدينَةِ فهاجَرْتَ ونَجَّاكَ مِنْ مَكْرِهِمْ، وأَفْشَلَ مُخَطَّطَهُمْ. وهذا أُسْلوبٌ بَلاغِيٌّ سَارَ عليهِ العَرَبُ، وهُوَ أَنْ يُسَمَّى الجَزاءُ على الفِعْلِ بِمِثْل لَفْظِهِ كَما جَاءَ في قولِ الشَّاعِرِ:
ألا لا يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا فَنَجْهَلَ فَوقَ جَهْلِ الجَاهِلينَا
وكما جاءَ في القُرآنِ الكريمِ حَيثُ قالَ تَعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البَقَرَة: 194] فالاعتِداءُ الثَّاني لَيسَ باعْتِداءٍ وإنَّما هُوَ جَزاءٌ على اعْتِدائِهِم، ومِثْلُ قولِه تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشّورى: 40] فالثَّانِيَةُ لَيْسَتْ بِسَيِّئة في الْحَقيقَةِ ولكنَّها سُمِّيَتْ سَيِّئَةً لازْدِواجِ الكلامِ، وليُعْلَمَ أنَّهُ عِقابٌ عليه وجَزَاءٌ، وهذا القولُ يُوضِحُهُ قولُهُ تَعالى: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ} [إبراهيم: 46-47]، أي مهما كان مكرهم، لا يبطلون حجج القرآن ولا يحجبون دلائل النبوة.
مكن: المكانُ: المَوضِعُ الحَاوي لِلشَّيءِ {مَكَاناً سُوىً } [طه: 58]، {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقًا} [الفُرقان: 13]. ويقالُ: مَكَّنْتُه ومكَّنْتُ له، فَتَمَكَّنَ {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ} [الأعرَاف: 10]، {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَاكُمْ فِيهِ} [الأحقاف: 26]، {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ} [القَصَص: 57]، {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ} [القَصَص: 6]، {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} [النُّور: 55]، {فِي قَرَارٍ مَكِينٍ } [المؤمنون: 13]. وأمْكَنْتُ فُلاناً من فُلانٍ. ويقالُ: مكانٌ ومكانَةٌ {اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} [الأنعَام: 135] وقُرىء: على مَكاناتِكُمْ. وقوله: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ } [التّكوير: 20] أي مُتَمَكِّن ذي قَدْرٍ ومَنْزلَةٍ. ومَكَناتُ الطَّيْر، ومَكُناتُهُ: مَقارُّهُ. قال تعالى: {فِي قَرَارٍ مَكِينٍ } [المؤمنون: 13] أي في مَكانٍ حَصِينٍ، وهُوَ يَعني الرَّحِمَ بِحيثُ مَكَّنَ فيه الماءَ بأَنْ هَيَّأهُ لِيَستَقِرَّ فيه. والمَكْنُونُ. المَصونُ مِنْ كلِّ شَيْءٍ، قالَ الشاعِرُ:
وهِيَ زَهراءُ مِثْلُ لُؤْلُؤَةِ الغَوَّاصِ مُيِّزَتْ مِنْ جَوْهَرٍ مَكْنُونِ
وفي قوله تعالى: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ } [الصَّافات: 49] شَبَّهُهُنَّ بِبَيْضِ النَّعامِ مَكَّنَهُ بالرِّيشِ مِنَ الغُبارِ والرِّيحِ، وقيلَ شَبَّهُهُنَّ بِبَطْنِ البَيْضِ قَبْلَ أنْ يُقَشَّرَ وقبلَ أنْ تَمَسَّهُ الأَيدي.
مكو: مكا الطَّيْرُ يَمْكُو مُكاءً: صَفَرَ. ومَكَا الرجُلُ: صَفَرَ بفِيهِ، أو شبَّك أصابِعَهُ ونَفَخَ فيها {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفَال: 35] والمَعنى: ما كانَتْ صَلاة المشركين في الجاهلية عِندَ بَيْتِ اللهِ الحَرامِ إلاَّ تَصْدِيَةً (تصفيقاً) وصَفِيراً كَصَفِيرِ الطُّيورِ.
ملأ: المَلأُ: جماعةٌ يَجْتَمِعُون على رَأيٍ فيملأون العُيونَ رِواءً ومَنْظراً، والنُّفُـوسَ بَهـاءً وجَـلالاً، جمعه: أملاءُ: أشراف ووجوه القوم، أي القادةُ فيهم {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإَِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [البَقَرَة: 246]، {وَقَالَ الْمَلأَُ مِنْ قَوْمِهِ} [المؤمنون: 33]، {إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ} [القَصَص: 20]. وقوله: {قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلأَُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } [النَّمل: 29] أي خاطبت بلقيس أشراف قومِها من الوزراء والأمراء وقادة الجيوش.
ملح: المِلْحُ: مادةٌ يُصلَحُ بها الطَّعامُ، ومِنْ خَواصِّهِ أنَّهُ يَمْنَعُ مِنَ العُفوناتِ ويَحْفَظُ اللحمَ مِنَ الفَسادِ، والمِلْحُ مِنَ الماءِ المالِحِ الذي تَجَمَّدَ. ويقالُ له: مِلْحٌ، إذا تَغَيَّرَ طَعْمُهُ، وإنْ لم يَتَجَمَّدْ، فيقالُ: ماءٌ مِلْحٌ، وقَلَّما تقولُ العَرَبُ: ماءٌ مالِحٌ {وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [الفُرقان: 53]. ومَلَّحْتُ القِدْرَ: ألْقَيْتُ فيها المِلْحَ.
ملق: الإِمْلاقُ: الإفلاسُ مِنَ المالِ والزَّادِ، ومِنهُ المَلَقُ والتَّمَلُّقُ لأنَّهُ اجْتِهادٌ في تَقْريبِ المُفْلِسِ للطَّمَعِ في العَطِيَّةِ. قالَ تَعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إِمْلاَقٍ} [الأنعَام: 151] وهذا القول موجه للفقير. وأما قوله: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ} [الإسرَاء: 31] فموجّه للأغنياء أي خَوْفاً من فَقْرٍ أَوْ عَجْزٍ عَنِ الإنفاقِ عَليهم، وذلك لأنَّ بعضَ عَرَبِ الجَاهِليَّةِ كانَ يَئِدُ البَناتِ، أي يقوم بِدَفْنِهِنَّ أَحْياءَ لِئَلاَّ يَكْثُرَ أفرادُ العَائِلَةِ خَوْفاً مِنَ الفَقْرِ.
ملك: المَلِكُ: هو المُتَصَرِّفُ بالأمْر والنَّهْيِ في الجُمْهُورِ، وذلك يَخْتَصُّ بِسِياسَةِ الناطِقينَ، ولهذا يقالُ: مَلِكُ الناسِ، ولا يقالُ: مَلِكُ الأشياءِ. وقولهُ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } [الفَاتِحَة: 4] فتقديرُهُ في يومِ الدِّينِ، وذلك لقولهِ: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [غَافر: 16]. والمِلْكُ نوعان: مِلْكٌ هو التملكُ والتَّوَلِّي، ومِلْكٌ هو القُوَّةُ على ذلك، تَوَلَّى أو لم يَتَوَلَّ. فَمِنَ الأوَّلِ قولهُ: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} [النَّمل: 34] ومن الثانِي قولهُ: {إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} [المَائدة: 20] فجعلَ النُّبُوَّةَ مخصوصةً، والمِلْكَ عامّاً، فإنَّ معنَى المِلْكِ هَهُنا هو القُوَّةُ التي بها يَتَرَشَّحُ للسياسَةِ لا أنه جَعَلَهُمْ كُلَّهُمْ مُتَوَلِّينَ للأمْر، فذلك مُنافٍ للحِكْمَةِ، كمَا قيلَ: لا خَيْرَ في كَثْرَةِ الرؤساءِ. قال بعضُهم: المَلِكُ اسمٌ لِكُلِّ مَنْ يَمْلِكُ السياسَةَ إما في نفسِهِ، وذلك بالتَّمْكِينِ من زِمامِ قُواهُ وصَرْفِها عن هَواها، وإما في غيرهِ، سَواءٌ تولَّى ذلك أم لم يَتَوَلَّ على ما تقدَمَ. قال: {فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا } [النِّسَاء: 54]. والمُلْكُ: الحَقُّ الدَّائِمُ للَّهِ، فلذلك قال: {لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ} [التّغَابُن: 1]، وقال: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} [آل عِمرَان: 26] فالمُلكُ ضَبْطُ الشيءِ المُتَصَرَّفِ فيه بالحُكْمِ، والمِلْكُ كالجِنْسِ للمُلْكِ. فَكُلُّ مُلْكٍ مِلْكٌ، وليسَ كُلُّ مِلْك مُلْكاً {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} [آل عِمرَان: 26]، {لاَ يَمْلِكُونَ لأَِنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا} [الرّعد: 16]، {وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلاَ حَيَاةً وَلاَ نُشُورًا } [الفُرقان: 3]، {أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ} [يُونس: 31]، {قُلْ لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا} [الأعرَاف: 188] وفي غيرها من الآياتِ. والمَلَكُوتُ مُخْتَصٌّ بِمِلْكِ اللَّهِ تعالى، وهو مصدرُ مَلَكَ أُدْخِلَتْ فيه التاءُ، نحوُ رَحَمُوتٍ ورَهَبُوتٍ {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأنعَام: 75]، {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأعرَاف: 185]. والمَمْلَكَةُ: سُلْطانُ المَلكِ وبِقاعُهُ التي يَتَمَلَّكُها. والمَمْلُوكُ: يَخْتَصُّ في التَّعارِفُ بالرقيقِ من الأمْلاكِ {عَبْدًا مَمْلُوكًا} [النّحل: 75] وقد يقالُ: فُلانٌ جَوادٌ بِمَمْلوكِهِ، أي بما يَتَمَلَّكُهُ. والمِلْكةُ: تَخْتَصُّ بِمِلْكِ العَبيدِ، ويقالُ: فُلانٌ حَسَنُ المِلْكَةِ، أي الصُّنْع إلى ممالِيكِهِ. وخُصَّ ملْكُ العَبيدِ في القرآنِ باليَمِينِ فقالَ: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النُّور: 58]، {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النِّسَاء: 3]، {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النُّور: 31]. ومَمْلُوكٌ: أي رقيق، والمِلْكَةِ، والمِلْكِ. ومِلاكُ الأمْرِ: ما يُعْتَمَدُ عليه منه. وقيلَ: القَلْبُ مِلاكُ الجَسَدِ. والمِلاكُ: التَّزْويجُ. وأمْلَكُوهُ: زَوَّجُوهُ، شَبَّهَ الزَّوْجَ بِمَلِكٍ عليها في سِياسَتِها، وبهذا النظر قيلَ: كادَ العَرُوسُ أن يكونَ مَلِكاً. ومَلِكُ الإبل والشاءِ: ما يتقدّمُ ويَتَّبِعُهُ سائِرُهُ، تشبيهاً بالمَلِكِ. ويقالُ: ما لأحَدٍ في هذا مَلْكٌ. قال تعالى: {مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} [طه: 87] أي بقدرتنا، أي ما كنا قادرين على المجيء في الميقات، فكان تخلُّفُنا فوقَ قدرتِنا، وقُرِىءَ: بكسرِ الميمِ. ومَلَكْتُ العَجِينَ: شَدَدْتُ عَجْنَهُ. وحائِطٌ ليسَ له مِلاكٌ، أي تَماسُكٌ. وأما المَلَكُ، فالنحويونَ جَعَلُوهُ من لفظِ المَلائِكَةِ وهو شيءٌ مِنَ السِّياسات، يُقالُ لَهُ: مَلَكٌ (بالفتح)، ومِنَ البَشَرِ يُقَالُ له: مَلِكٌ (بالكسر)؛ فكل مَلَكٍ ملائِكة، وليـس كلُّ ملائكةٍ مَلَكاً؛ لقوله تعالى: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا } [النَّازعَات: 5]، وقوله: {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا } [الذّاريَات: 4]، وقوله: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا } [النَّازعَات: 1] فذلك من الملائكة المكلّفين بأمرٍ من رَبِّهِمْ تعالى؛ ومنه مَلَكُ الموت، قولُهُ تعالى: {قُلْ يَتَوفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السَّجدَة: 11]، أي المَلَك الذيوُكِّلَ بقبض أرواحِكُمْ. والمَلَك: اسم يقع على المفرد والجمع، فكما نقول للمكلف بعمل من الأعمال مَلَكاً تقول أيضاً ملائكةً، فيكونُ قولُه تعالى: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} [الحَاقَّة: 17] يعني: والملائِكةُ على أرجائها، أي على جوانبها؛ وقوله: {عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ} [البَقَرَة: 102] قد جاء بصيغة المثنّى للمَلَك أو للملائِكَة.
ملل: المِلَّةُ كالدِّين، وهو اسمٌ لما شَرَعَ اللَّهُ تعالى لِعبادِهِ على لسانِ الأنْبِياءِ لِيَتَوَصَّلُوا به إلى جِوارِ اللَّهِ. والفرْقُ بَيْنَهَا وبَيْنَ الدِّينِ أنَّ المِلَّةَ لا تُضافُ إلاَّ إلى النَّبِيِّ الذي تُسْنَدُ إليه، نحوُ: {فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [آل عِمرَان: 95]، {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي} [يُوسُف: 38] ولا تكادُ تُوجَدُ مُضافَةً إلى اللَّهِ ولا إلى آحادِ أمَّةِ النَّبِيِّ، ولا تُسْتَعْمَلُ إلاَّ في حَمَلَةِ الشَّرائِعِ دونَ آحادِها. لا يقالُ: مِلَّةُ اللَّهِ، ولا يقالُ: مِلَّتِي، ومِلَّةُ زيد. كما يقالُ دِينُ اللَّهِ ودِينُ زيد، ولا يقالُ: الصلاةُ مِلَّةُ اللَّهِ. وأصْلُ المِلَّةِ من أمْلَلْتُ الكتابَ {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} [البَقَرَة: 282]، {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ} [البَقَرَة: 282]. وتقالُ المِلَّةُ اعْتباراً بالشيءِ الذي شَرَعَهُ اللَّهُ، والدِّينُ يقالُ اعتباراً بمنْ يُقِيمُه، إذ كان معناهُ الطاعةَ. ويقالُ: خُبْزُ مَلَّة، وَمَلَّ خَبزَه يَمَلُّهُ مَلاًّ أي خَبَزَهُ في المَلَّةِ، وهي الحفرة؛ والمَلِيلُ: ما طُرحَ في النارِ. والمَلِيلَة: حرارَةٌ يجِدُها الإنْسانُ، ومَلِلْتُ الشيءَ، أمَلُّه: أعْرَضْتُ عنه، أي ضَجِرْتُ، وأمْلَلْتُه من كذا: حَمَلْتُه على أنْ مَلَّ، من قولهِ: عليه وعلى آله الصلاة والسلامُ: «تَكَلَّفُوا من الأعْمالِ ما تُطِيقُونَ، فإنَّ الله لاَ يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا»(83) فإنه لم يُثْبِتْ للَّهِ مَلالاً، بَلْ القَصْدُ أنَّكُمْ تَمَلُّونَ، واللَّهُ لا يَمَلُّ.
ملو: الإمْلاءُ: الإِمْهالُ، الترداد على المسامع، ومنه قيل للمُدَّةِ الطويلة: مَلاوَةٌ من الزمن، ومَلِيٌّ من الزمن {وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } [مَريَم: 46]. وتَمَلَّيْتَ زمن: أُبْقِيتَ، وتَمَلَّيْتُ الثَّوْبَ: تَمَتَّعْتُ به طويلاً. وتَمَلَّى بكذا: تَمَتَّعَ به بِمَلاوَة من الزمن. وَمَلاَّكَ اللَّهُ عُمْرَكَ (غَيْرَ مَهْمُوزٍ)، بمعنى عَمَّرَكَ. ويقالُ: عِشْتَ مَلِيّاً أي طويلاً. والمَلا، مَقْصُورٌ: المَفازَةُ المُمْتَدَّةُ. والمَلَوان: قيلَ: طرفا الليلِ والنهارِ، الواحد ملاً. وحَقِيقَةُ ذلك تَكَرُّرُهُما وامْتِدادُهُما بدلالَة أنهما أضِيفا إليهما في قول الشاعِر:
نهارٌ وليلٌ دائمٌ مَلَواهُما على كُلِّ حالِ المَرْءِ يَخْتَلِفان
فلو كانا الليلَ والنهارَ لَما أضِيفا إليهما. قال تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } [الأعرَاف: 183] أي أمْهِلُهُمْ، وقولهُ: {الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ } [محَمَّد: 25] أي أمْهَلَ. ومن قَرَأ: أَمْلأَ لَهُمْ فَمِنْ قولِهم: أمْلَيْتُ الكِتَابَ أُمْلِيهِ إمْلاءً {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَِنْفُسِهِمْ} [آل عِمرَان: 178] وأصْلُ أمْلَيْتُ أمْلَلْتُ، فَقُلِبَ تخفيفاً {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ} [الفُرقان: 5]، {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ} [البَقَرَة: 282]. والمعنى، أن يردّد وليُّه على مسامع المدين ما له من حق.
منع: المَنْعُ: يقالُ في ضِدِّ العطِيَّةِ: يقالُ: رَجلٌ مانِعٌ ومنَّاعٌ أي بَخِيلٌ {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } [المَاعون: 7]، {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} [ق: 25]. ويقالُ في الحِماية، ومنه: مكانٌ مَنِيعٌ. وقد مَنَعَ. وفُلانٌ ذُو مَنَعَة، أي عَزيزٌ مُمْتَنِعٌ على مَنْ يَرُومُهُ، وقوله: {أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النِّسَاء: 141]، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ} [البَقَرَة: 114]، و {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعرَاف: 12] أي ما حَمَلَكَ. وقيلَ: ما الذي صَدَّكَ وحَمَلَكَ على تَرْكِ ذلك. يقالُ: امرأةٌ مَنِيعَةٌ، كِنايَةٌ عن العَفِيفَةِ. وقيلَ: مَناعِ، أي امْنَعْ، كقولهِم: نَزالِ، أي انْزلْ.
منن: المَنُّ: ما يُوزَنُ به، يقالُ: مَنٌّ ومَنَّانِ وأمْنانٌ. ورُبَّما أُبْدِلَ من إحْدَى النُّونَيْنِ ألِفٌ، فقيلَ: مَناً وأمْناءٌ. ويقالُ لِما يُقَدَّرُ: مَمْنُونٌ، كما يقالُ: مَوْزُونٌ. والمِنَّةُ: النِّعْمَةُ الثَّقِيلَةُ. ويقالُ ذلك على وجْهَيْنِ: أحَدُهُما أن يكونَ ذلك بالفعلِ، فيقال: مَنَّ فُلانٌ على فلان، إذا أثْقَلَهُ بالنِّعْمَةِ، وعلى ذلك قولهُ تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عِمرَان: 164]، {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [النِّسَاء: 94]، {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ } [الصَّافات: 114]، {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} [إبراهيم: 11]، {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} [القَصَص: 5] وذلك على الحقيقةِ لا يكونُ إلاَّ للَّهِ تعالى. والثانِي أنْ يكونَ ذلكبالقولِ، وذلك مُسْتَقْبَحٌ فيما بَيْن الناسِ، قال تعالى: {ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلاَ أَذىً} [البَقَرَة: 262]، والمَنُّ مِنَ النَّاسِ أن يقولَ أحدهـم لآخـر: أَلَمْ أُحْسِنْ إليكَ؟ ولذا قيل: المِنَّةُ تَهدِمُ الصنيعةَ، ولحُسْنِ ذكر الصنيعةِ عندَ الكُفْران بها قيل: إذا كُفِرَتِ النِّعْمَةُ حَسُنَتِ المِنَّةُ. وقولهُ: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لاَ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ} [الحُجرَات: 17] فالمِنَّةُ منهم بالقولِ، ومِنَّةُ اللَّهِ عليهم بالفعلِ، وهو هدايتُهُ إيَّاهُمْ، كما ذَكَرَ. وقولهُ: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محَمَّد: 4] فالمَنُّ إشارةٌ إلى الإطْلاقِ بِلا عِوَضِ. وقولهُ: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ص: 39] أي أنْفِقْهُ. وقولهُ: {وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدَّثِّر: 6] فقد قيلَ: هو المِنَّةُ بالقول، وذلك أنْ يَمْتَنَّ به ويَسْتَكْثِرَهُ. وقيلَ، معناهُ: لا تُعْطِ مُبْتَغياً به أكْثَرَ منه. وقولهُ: {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } [فُصّلَت: 8] قيلَ: غيرُ مَعْدُودٍ. كما قال: بغَيْر حِسابٍ. وقيلَ: غيرُ مَقْطُوعٍ ولا مَنْقُوصٍ، ومنه قيلَ: المَنُونُ، للمَنِيَّةِ لأنها تَنْقُصُ العَدَدَ، وتَقْطَعُ المَدَدَ، وقيلَ: إنَّ المِنَّةَ التي بالقول هي من هذا، لأنها تَقْطَعُ النِّعْمَةَ وتَقْتَضِي قَطعَ الشُّكْرِ. وأمّا المَنُّ في قوله: {وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} [البَقَرَة: 57] فقد قيلَ: المَنُّ شيءٌ كالطَّلِّ، فيه حَلاوةٌ، يَسْقُطُ على الشجر. والسَّلْوى: طائرٌ. وقيلَ: المَنُّ والسَّلْوى كِلاهُما إشارَةٌ إلى ما أنْعَمَ اللَّهُ به عليهم، وهُما بالذَّاتِ شيءٌ واحِدٌ. لكنْ سماهُ «المَنَّ» بِحَيْثُ إِنه امْتَنَّ به عليهم، وسماهُ «السَّلْوَى» من حيثُ إِنه كان لَهُمْ به التَّسَلِّي. و «مَنْ» عِبارَةٌ عن النَّاطِقِينَ، ولا يُعَبَّـرُ بـه عن غَيْر النَّاطِقِينَ إلا إذا جُمِعَ بَيْنَهُم وبَيْنَ غيرهِمِ، كقولِكَ: رَأيْتُ مَنْ في الدَّارِ مِنَ النَّاسِ والبَهائِمِ، أو يكونُ تَفْصِيلاً لجمْلة يَدْخُلُ فيهم النَّاطِقُونَ كقولِهِ تعالى: {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي} [النُّور: 45] الآيةَ. ولا يُعَبَّرُ به عن غَيْر النَّاطِقِينَ إذا انْفَرَدَ، ولهذا قال الشاعرُ في صِفَةِ أُناسٍ نَفَى عنهم الإنسانيةَ: تُخْطِي إذا جئْتَ في استفْهامِها بمَنِ، تَنْبِيهاً أنَّهُمْ حَيَوانٌ أو دُونَ الحَيَوانِ. ويُعَبَّرُ به عن الواحِدِ والجمعِ والمُذَكَّر والمؤنَّثِ {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ} [الأنعَام: 25]، {مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} [يُونس: 42]، {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ} [الأحزَاب: 31]. ومِنْ: لابتداءِ الغايَةِ ولِلتَّبْعيضِ وللتَّبْيِينِ. وتكونُ لاسْتِغرَاقِ الجِنْسِ في النَّفْيِ والاسْتِفْهام، نحوُ: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ} [الحَاقَّة: 47]، والبَدَلِ نَحْوُ: خُذْ هذا مِنْ ذلك، أي بَدَلَهُ {إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ} [إبراهيم: 37] فـ «مِنْ» اقْتَضَى التَّبْعِيضَ فإنه كان نَزَلَ فيه بعضُ ذُرِّيتِهِ. وقولهُ: {مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ} [النُّور: 43] تَقْدِيرُهُ أنه يُنَزِّلُ من السماءِ جِبالاً فَمِن الأولى ظرفٌ، والثانِيَةُ في مَوْضِعِ المَفْعُول، والثالِثَةُ للتبيِين، كقولِكَ: عندَهُ جبالٌ من مالٍ. وتكونُ الجِبالُ على هذا تَعْظِيماً وتكثيراً لما نَزَل من السماءِ. وقال تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المَائدة: 4].
منى: المَنْيُ: التَّقْدِيرُ، يقالُ: مَنَى لكَ المانِي أي قَدَّرَ لَكَ المُقَدِّرُ. ومنه المَنا: الذي يُوزَنُ به فيما قيلَ. وَالْمَنِيُّ: للنُّطفِ التي قُدّرت فيها الحياةُ، أي ماءُ الرجُلِ، وماءُ المرأةِ {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى } [القِيَامَة: 37]، {مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى } [النّجْم: 46] أي تُقَدَّرُ بالعِزَّةِ الإلَهيَّةِ ما لم يكنْ منه. ومنه المَنِيَّةُ، وهو الأجَلُ المُقَدَّرُ، وجمعهُ: مَنايا. والتَّمَنِّي: تقديرُ شيءٍ في النَّفْسِ وتَصْوِيرُهُ فيها، وذلك قد يكونُ عن تَخْمِينٍ وظَنٍّ،ويكونُ عن رَوِيَّة وبناء على أصْلٍ، لكنْ لَمَّا كان أكْثرُهُ عن تَخْمِينٍ صارَ الكَذِبُ أمْلَكَ، فأكْثَرُ التَّمَنِّي تَصَوُّرُ ما لا حَقِيقَة له {أَمْ لِلإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى } [النّجْم: 24]، {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [البَقَرَة: 94]، {وَلاَ يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا} [الجُمُعَة: 7]. والأُمْنِية: الصُّورَةُ الحاصِلةُ في النَّفْسِ من تَمَنِّي الشيءِ. ولَمَّا كان الكَذِبُ تَصَوُّرَ ما لا حَقِيقَةَ له وإيرادَهُ باللفظِ، صار التَّمَنِّي كالمَبْدإ لِلْكَذِبِ، فَصَحَّ أن يُعَبَّرَ عن الكَذِبِ بالتَّمَنِّي، وعلى ذلك ما رُوِي عن عثمانَ رضي الله عنه: ما تَغَنَّيْتُ ولا تَمَنَّيْتُ مُنْذُ أسْلَمْتُ. وقولهُ: {وَمِنْهُمْ أُمِيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ} [البَقَرَة: 78] أي: إلاَّ تِلاوَةً مُجَرَّدَةً عن المَعْرِفَةِ، فالذي يتلو بلا معرفة المعنى يكون أميًّا، فكأنه صاحب أُمْنِيَّة يتمناها على التَّخْمِينِ. وقولهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِّيٍ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحَجّ: 52] أي في تِلاََوتِهِ، والمَعْنَى: إنَّ مَنْ أُرسِلَ مِنْ قبلِكَ مِنَ الرُّسُلِ كانَ إذا تَلاَ ما يُؤْذِيِهِ إلى قومِهِ حَرَّفُوا عليه وزَادُوُا كما فَعَلَ المُشرِكُونَ العربُ عندما تَلاَ محمد (ص) قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاََّّتَ وَالْعُزَّى *وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى } [النّجْم: 19-20] فأضافوا (تلك هي الغرانيق العلى، وإنّ شفاعتهنَّ لَتُرْجَى)؛ وهذا القولُ تَمَنَّوْهُ لآلِهَتِهِمْ فألقاهُ الشيطانُ في أُمْنِيَتِهِمْ، ولكنَّ الله ـ تعالى ـ يَنْسَخُ، دائِماً، ما يُلقِي الشَّيْطانُ، أي يَدْحَضُهُ ويُزِيْلُه بإظهار حُجَجَهِ وبراهِينِهِ الدَّامِغِةِ، في تَكْذِيبِ المُشْركينَ وافْتِرَاءاتِهِمْ، وبما أَضافُوهُ إلى تِلاوَةِ رَسولِ (ص) اللهِ بِمَدْحِ آلهتِهِمْ، وهذا مَحْضُ افْتِراءٍ وَتَجنٍّ على تلاوةِ رسول الله (ص)، فلمَّا كان الله ـ عزَّ وجلَّ ـ حافظاً لنص القرآن، فقد أزالَ سبحانَهُ ما أضافَهُ أولئك المشركون لِقوله تعالى: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} [الحَجّ: 52]. وقال تعالى ـ على لسانِ الشيطانِ ـ {وَلأَُضِلَّنَّهُمْ وَلأَُمَنِّيَنَّهُمْ} [النِّسَاء: 119].
مهد: المَهْدُ: ما هُيِّىءَ وَوُطِىءَ للصَّبِيِّ {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا } [مَريَم: 29]. والمَهْدُ، والمِهادُ: المَكانُ المُمهَّدُ المُوَطَّأ {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا} [طه: 53]، ومِهاداً، مِثْلُ قولهِ: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا} [البَقَرَة: 22]. ومَهَّدْتُ لَكَ كذا: هَيَّأْتُه وسَوَّيْتُهُ {وَمَهَّدْتُّ لَهُ تَمْهِيدًا } [المدَّثِّر: 14]. وامْتَهَدَ السَّنامُ، أي تَسَوَّى، فَصارَ كَمِهادٍ أو مَهْدٍ.
مهل: المَهْلُ: التُّؤَدَةُ والسُّكُونُ، يقالُ: مَهَلَ في فِعْلِهِ، وعَمِلَ في مُهْلَةٍ، ويقالُ: مَهْلاً نحوُ رِفْقاً. وقد مَهَّلْتُهُ، إذا قُلْتُ له مَهْلاً. وأمْهَلْتُهُ: رَفَقْتُ به {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا } [الطّارق: 17]. والمُهْلُ: دُرْديُّ الزَّيْتِ. {كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ } [الدّخان: 45]، {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ } [المعَارج: 8] أي كعكر الزيت، وقيل: مثل الفضة إذا أذيبت.
مهن: مَهُنَ مَهانةً: صار مَهيناً. والْمَهانة: الْحَقارةُ والصُّغْرُ والْقِلَّة. والْمَهِينُ: الْحَقيرُ الصَّغيرُ، والضعيفُ القليلُ، والرجلُ الْقاصرُ. قوله تعالى: {الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} [الزّخرُف: 52] أي الضَّعيفُ. وقال تعالى: {مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ } [السَّجدَة: 8]. أما قوله تعالى: {أَلَمْ نَخْلُقْكُّمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ } [المُرسَلات: 20] أيْ قليلٍ لا قِيمَةَ له. وقوله تعالى: {وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ } [القَلَم: 10] أي حقير.
موت: أنْواعُ المَوْتِ بحسبِ أنْواعِ الحَياةِ. فالأوّلُ: ما هو بإزاءِ القُوَّةِ النامِيَةِ المَوْجُودَةِ في الإنسان والحَيَوان والنَّبات، نحوُ: {يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الرُّوم: 50]، {وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} [ق: 11]. الثانِي: زَوالُ القُوَّةِ الحاسَّةِ {قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} [مَريَم: 23]، {أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا } [مَريَم: 66]. الثالِث: زَوالُ القُوَّةِ العاقِلَةِ وهي الجَهالَةُ، نحوُ: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعَام: 122] وإيَّاهُ قَصَدَ بقوله: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النَّمل: 80]. الرابعُ: الحُزْنُ المُكَدِّرُ لِلحَياةِ، وإيَّاهُ قَصَدَ بقولهِ: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} [إبراهيم: 17]، {وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} [إبراهيم: 17]. الخامِسُ: المَنامُ، فقيلَ النَّوْمُ مَوْتٌ خَفِيفٌ، والمَوْتُ نومٌ ثقيلٌ. وعلى هذا النحو سَمَّاهُما اللَّهُ تعالى تَوَفِّياً: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ} [الأنعَام: 60]، {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزُّمَر: 42]. وفي قوله: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عِمرَان: 169] فقد قيلَ: إنَّهُ لَمَا نَفى الموتَ عَنْ أرْواحِهِمْ فإنه نَبَّهَ على تَنَعُّمِهِمْ، وقيلَ: نَفَى عنهم الحُزْنَ المذكورَ في قولهِ: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} [إبراهيم: 17]. وقولهُ: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عِمرَان: 185] فَعِبارَةٌ عن زَوالِ القُوَّةِ الحَيَوانِيَّةِ، وإبانَةِ الرُّوحِ عن الجَسَدِ. وقولهُ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } [الزُّمَر: 30]معناهُ: سَتَمُوتُ، تنبيهاً أنه لا بُدَّ لأحدٍ من الموتِ كما قيلَ:
والموتُ حَتْمٌ في رِقابِ العبادِ
والمَيْتُ: مُخَفَّفٌ عن المَيّتِ، وإنما يقالُ: مَوْت مائِتٌ، كقولِكَ: شِعْر شاعِرٌ، وسَيْلٌ سائِلٌ. ويقالُ: بَلَدٌ مَيِّتٌ ومَيْتٌ {سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} [الأعرَاف: 57]، {بَلْدَةً مَيْتًا} [الفُرقان: 49]. والمَيْتَةُ من الحَيَوان: ما زَالَ رُوحُهُ بغَيْر تَزْكِية {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المَائدة: 3]، {إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} [الأنعَام: 145]. والمَوَتانُ: موتٌ يقعُ في الحيوانِ، والأرضُ التـي لـم تُحْـيَ لِـلزَّرْعِ يقـال لهـا: أرضٌ مَواتٌ، تقولُ: «اشْترِ المَوَتانِ ولا تَشْتَرِ من الحيوانِ» أي اشترِ الدارَ والعقار، ولا تشترِ الرقيقَ والدوابَّ.
موج: المَوْجُ في البَحْر: ما يَعْلُو من غَوَارِبِ الماءِ أَيْ في حُدُودِه {فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} [هُود: 42]، {يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ} [النُّور: 40]. وماجَ كذا، يَمُوجُ وتَمَوَّجَ تَمَوُّجاً: اضْطَرَبَ اضْطِرَابَ المَوْجِ {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف: 99].
مور: المَوْرُ: الجَرَيانُ السَّرِيعُ، يقالُ مارَ يَمُورُ مَوْراً، أي سارَ وتَحَرَّكَ باضطراب {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا } [الطُّور: 9]. وقوله: تعالى: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى } [النّجْم: 12] أي أفَتُجادِلونَهُ على ما يَرى بأُمِّ العينِ وهو يتحدَّثُ إلى جبريلَ (ع) الذي يَنقلُ وحْيَنَا إليه؟ وقولُه تعالى: {فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِرًا} [الكهف: 22]، أي لا تجادل الخائضينَ في عدد أهل الكهف، ودعْهُمْ وشأنَهُمْ بعدما تَلَوْتَ عليهِمْ ما أَنْزَلَ الله عليكَ من خبرهم. وَالْمُمايَرَةُ: الْمُعارَضَةُ. وقولُه تَعالى: {مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ} [النُّور: 40] أي: تَضْطَرِبُ وتَتَحَرَّكُ، والْمَوْرُ: التَّرَدُّد في الذَّهابِ والْمَجِيءِ كموجِ الْبَحرِ.
ميد: المَيْدُ: اضطرابُ الشَّيءِ العظيمِ، كاضْطِرابِ الأرضِ {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النّحل: 15]، {أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} [الأنبيَاء: 31]. ومادَتِ الأغْصانُ، تَمِيدُ أي تَتَمايَلُ. والمائِدةُ: الطَّبَقُ عليه الطَّعامُ، ويقالُ لِكُلِّ واحدة منهما مائِدَةٌ. ويقالُ: مادَنِي يَميدُنِي أي أطْعَمَنِي، وقيلَ: يُعَشِّينِي. وقولهُ: {أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} [المَائدة: 114] قيلَ: اسْتَدْعَوْا طَعاماً، وقيلَ: اسْتَدْعَوْا عِلْماً. وسَمَّاهُ مائدةً من حيثُ إنَّ العلمَ غِذاءُ القُلُوبِ، كما أنَّ الطعَّامَ غِذاءُ الأبدانِ.
مير: المِيرَةُ: الطَّعامُ يَجلبُه الإنْسانُ لنفسه أو للبيعِ، يقالُ: مارَ أهْلَهُ يَميرُهُمْ. قال تعالى: {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} [يُوسُف: 65] أي نجلِبُ إِليهِمُ الطَّعامَ، ناقِلينَهُ من مِصرَ إلى بَلدِنا فِلِسْطِين.
ميز: المَيْزُ، والتَّمْيِيزُ: الفَصْلُ بَيْنَ المُتشابِهاتِ. يقالُ: مازَهُ يَمِيزُه مَيْزاً: عَزَلَهُ وفَرَزَهُ عن غيره. ومَيَّزهُ تَمْيِيزاً {لِيَمِيزَ اللَّهُ} [الأنفَال: 37] وقُرىءَ: لِيُمَيِّزَ الخَبيثَ من الطَّيِّبِ. والتَّمْييزُ: يقالُ تارَةً للفَصْل، وتارَةً للقُوَّةِ التي في الدِّماغِ، وبها تُسْتَنْبَطُ المَعانِي، ومنه يقالُ: فُلانٌ لا تَمْيِيزَ له، ويقالُ: انمازَ وامْتازَ {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ } [يس: 59] أي انفصلوا اليوم عن المؤمنين وانقطعوا أيها المجرمون. وتَمَيَّزَ كذا: انْفَصَلَ وانْقَطَعَ، قال: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيظِ} [المُلك: 8] أي تنقطع وتتفرق..
ميل: المَيْلُ: العُدُولُ عن الوَسَطِ إلى أحَدِ الجانِبَيْنِ، ويُسْتَعْمَلُ في الجَوْرِ، وإذا اسْتُعْمِلَ في الأجْسامِ، فإنه يقالُ فيما كان خِلْقَةً: مَيَلٌ، وفيما كان عَرَضاً: مَيْلٌ. يقالُ: مِلْتُ إلى فُلانٍ، إذا عاوَنْتُهُ {فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} [النِّسَاء: 129]، ومِلْتُ عليه: تَحامَلْتُ عليه {فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً} [النِّسَاء: 102]. والمالُ: سُمِّيَ بذلك لكونِهِ مائِلاً أبَداً وزائِلاً، ولذلك سُمِّيَ عَرَضاً، وعلى هذا دَلَّ قولُ من قال: المالُ لا يدوم: يَكونُ يوماً في بيتِ عَطَّارٍ، ويوماً في بيتِ بيطارٍ.

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢