نبذة عن حياة الكاتب
X
الرِّبَا
مَنَعَ الشرْعُ الرِّبا منْعًا باتًا مهما كانت نِسبتهُ كثيرة أو قليلَةً. ومال الرِّبا محرَّمٌ تحْريمًا تامًّا ولا حقّ لأحدٍ في مِلْكيَّتِهِ، ويُرَدّ لأهلِهِ إنْ كانوا معروفينَ. قالَ اللهُ تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (سورة البقرة: الآية 275)، وقالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} (سورة البقرة: الآيتان 278 ـــــــ 279).
والسبّبُ في تحريمِ الرِّبا النصوص القرآنية الصريحة. ذلك أنّ الفائدةَ التي يأخذُها المرابي هي استغلالٌ بَشعٌ لجُهْدِ الناسِ، وهيَ جزاءٌ منْ غيرِ بذْلِ جُهْدٍ. لأنّ المالَ الذي أُخِذَ عليهِ الرِّبا مضمونُ الفائدةِ وغيرُ مُعَرّضٍ للخسارةِ وهذا يُخالِفُ قاعدةَ «الغُرْم بالغُنْم». ولذلكَ كانَ استغْلالُ المال بالشركَةِ والمضاربَةِ والمساقَاةِ بشروطِها جائِزًا لأنّ الجماعَةَ تنْتَفِع بهِ، ولا يسْتَغِل جُهْدَ الناسِ بلْ هوَ وسيلَةٌ تمكّنُهُمْ منَ الانتفاعِ بجُهْدِ أنْفُسِهِمْ، وهو مُعرّضٌ للخسارةِ وللرّبْحِ، وهذا بخلافِ الرّبا.
على أنّ تحريمَ الرّبا كانَ بالنصِّ، ولمْ يُعَلِّلْ هذا النصّ بِعِلّةٍ. وقدْ بَيّنَتِ السّنّةُ الأموالَ الرّبويّةَ. ولكنْ يتبادرُ للذهْنِ أنّ صاحبَ المالِ يحْتَفِظُ بمالِهِ، وقدْ لا يسْخُو بإقِراضِ المحْتاجِ لقضاءِ حاجتِهِ، وهذهِ الحاجةُ تلحّ على صاحبِها، ولا بدّ له منْ وسيلَةٍ لسدِّ هذِهِ الحاجةِ.
والحاجةُ تعدّدَتْ وتنوّعَتْ وصارَ الرّبا قوام التجارةِ والزراعةِ والصناعةِ ولا سيّما هذهِ الأيّام، ولذلكَ وُجدتِ المصارفُ للتعامُلِ على أساسِ الرِّبا، ولا توجد وسيلَة غيرها، كما أنَّهُ لا توجدُ وسيلَة غير المرابينَ لسدِّ الحاجاتِ.
وقد تكون الحاجات عديدة، ولكن أمر الله تعالى بتحريم الربا لا يمكن مخالفته إطلاقًا، بخاصةٍ وأننا نتحدّثُ عنِ المجتَمَعِ الذي تُطبّقُ فيهِ الأحكامُ الإسلاميةُ جميعُها، ومنْ ضمنِها الناحيَةُ الاقتصاديّةُ، وليس عن المجتمعِ بوضعِهِ الحاضرِ. فهذا المجْتمَعُ يعيشُ على النظام الربوي الرأسمالي ولذلكَ كانتِ المصارفُ فيهِ من ضروريّاتِ الحياةِ، فصاحِبُ المالِ الذي يرى نفسَه حُرًا في مُلْكِهِ، ويرى أنّ لهُ حُرّيّةَ الاستغلالِ بالغشِّ والاحتكارِ والقِمارِ وغيْرِ ذلكَ دونَ رقابةٍ منْ دوْلَةٍ أوْ تقَيّدٍ بقانونٍ، يرى أيضًا أنّ الرِّبا والمصرفَ ضرورة منْ ضروريّاتِ الحياةِ.
ولذلكَ وجَبَ تغْييرُ النظامِ الحاليّ برُمّتِهِ، على أنْ يُوضَعَ مكانَهُ نظامٌ آخر وضْعًا انقلابيًا شامِلًا، وهو النظامُ الإسلاميّ للاقتصادِ.
فإذا أُزيلَ النِّظام الرأسماليّ وطُبِّقَ النظامُ الإسلاميّ ظَهَرَ للنّاسِ أنّ المجتَمَعَ الذي يُطبقُ الإسلامَ لا تبقى فيهِ حاجةٌ إلى الرِّبا. لأنّ المـُــحتاجَ إلى الاستقْراضِ إمّا أنْ يحتاجَهُ لأجْلِ العيشِ أوْ لأجل العَمَلِ. أمّا الحاجَةُ لأجْلِ العَيْشِ فَقَدْ سَدّهَا الإسلامُ بضمَانِ العيشِ لكُلِّ فردٍ من أفرادِ الرّعيةِ. وأما الحاجة لأجل العمل فقد سدّها الإسلامُ بقرْضِ المحتاجِ دونَ ربا. قالَ صلى الله عليه وآله وسلم: «ما مِنْ مُسْلِمٍ يقْرضُ مُسْلِمًا قَرْضًا مرّتينِ إلّا كانَ كصَدَقَةٍ مرّة». وقال: «دِرْهمُ الصَّدقَةِ بِعَشَرَة ودِرْهَمُ الدّينِ بثمانية عَشرة».
وإقْرَاضُ المحتاجِ مَنْدُوبٌ ـــــــ أيْ مُسْتَحَبّ ـــــــ ولا يُكْرَهُ الاستقراضُ بلْ يُسْتَحَبّ أيضًا، لأنّ الرّسولَ صلى الله عليه وآله وسلم كانَ يَسْتَقْرِضُ. وما دامَ الاسْتِقْرَاضُ موجودًا ـــــــ وهوَ منْدُوبٌ للمُقَرِضِ والمسْتَقْرِضِ ـــــــ فَقَدْ ظَهَرَ للناسِ أنّ الرِّبا ضرَرٌ منْ أشَدّ الأضرارِ على الحياةِ الاقتصادية، بَلِ اتّضَحَ للعيانِ أنّ الضرورةَ تقضي باستبعادِ الرِّبا وإيجادِ الحوائلِ الكثيفةِ بينَهُ وبينَ المجْتَمَعِ بالتشريعِ والتوجيه وِفْقَ نظامِ الإسلامِ. وإذا انعدمَ الرِّبا لمْ تبْقَ حاجةٌ للمصارِفِ الموجودةِ الآن. ويبْقى بيتُ المال وحْدهُ، وما له من فروعٍ في جميع أنحاءِ الدولة الإسلامية، يقومُ بإقراض المال بلا فائدة بَعْدَ التحقّق منْ إمكانيّةِ الانتفاع بالمال.
وقد أعطى الخلفاءُ منْ بيتِ المالِ للفلاحينَ أمْوالًا لاستغْلالِ أرضهمْ، والحكْمُ الشرعيّ أنْ يُعْطَى الفلاحونَ منْ بيتِ المالِ ما يتمكَّنونَ بهِ منْ استغلالِ أرْضِهِمْ إلى أنْ تخرُجَ الغِلالُ. ويمكن إعطاء كل محتاج قرضًا منْ بيتِ المالِ ليعْمَلَ في الأرْضِ أو في غيرها... فَقَدْ أعطى الرّسولُ صلى الله عليه وآله وسلم رجُلًا حبْلًا وفأسًا ليحتطِبَ. ويقرض بيت المالِ مَنْ هُمْ مثلُهُمْ ممّنْ يقومونَ بالأعمالِ الفرديّةِ التي يحتاجونَ إليها لكفايةِ أنْفُسِهِمْ. ولذلكَ لا يُعْطى الأغنياءَ منْ بيتِ المالِ شيئًا لزيادةِ إنتاجِهِمْ.
فالقاعدة شرعًا هي أنّ الرِّبا لا يتوقّفُ على وجودِ المجتمعِ الإسلاميّ أوْ وُجودِ مِنْ يقرضُ المالَ، بلِ الرِّبا حرامٌ ويجبُ ترْكُهُ سواءٌ كانَ المجتمعُ إسلاميًا أوْ لمْ يكنْ، ووُجِدَ مُقْرِضُ المالِ أوْ لمْ يوجَدْ.
المصادر 2 المسَاقاة: أنْ يستعملَ رجلٌ رجلًا في نخيلٍ أو كرومٍ ليقومَ بإصلاحها على أنْ يكونَ له سهمٌ معلومٌ ممّا تُغِلّه.