نبذة عن حياة الكاتب
السياسة والسياسة الدولية

الصراع الدولي
ولما كان هذا الصراعُ إنما يقعُ من أجلِ مسائل أو قضايا. وكانت هذه القضايا من أهمّ ما يوجدُ احتكاكًا بين الدول، والأعمال السياسية قد تكونُ في غير هذه القضايا، بل قد تكون من غير وجود صراع، وما دام هناك دولٌ كبرى تتزاحمُ، ويكيدُ بعضها لبعضٍ، فإنه لا بدّ من أن تقومَ بأعمالٍ سياسية بعضها ضد بعض، إما من أجلِ نصب فخاخ دولية لتقع فيها الدولةُ الأخرى لإِضعافها، وإما لتقويةِ نفسها، أو لغير ذلك.
والأمثلة على ذلك كثيرة، فمثلًا فكرة نزع السلاح حين أُدخلت لعصبةِ الأمم، اتخذتها إنكلترا وسيلةً لإِضعافِ فرنسا، وأخذت تضغطُ على فرنسا من أجلِ تنفيذ الفكرة، وصارت بريطانيا تتظاهر بأنها أخذت تُخفض أسلحتها، فصدقت فرنسا ذلك، وباشرت بالفعلِ في تخفيض أسلحتها، وحدّت من نشاطِها في التسلح، وكان هذا مكيدةً من بريطانيا، لإِضعافِ فرنسا بالنسبةِ إليها، فنتيجة لهذه المكيدة لم تستطعْ فرنسا الصمود أمام ألمانيا في الحرب العالميةِ الثانية، وكان لأخذها بفكرةِ تخفيض التسلح أثر كبير في ذلك.
ومثلًا: بعد الحرب العالمية الثانية خرجت أوروبا محطمةً فقيرة مهددةً من قِبلِ روسيا، فرمت نفسها في أحضانِ أميركا واستغاثت بها أن تنجدها، فسارعت أميركا إلى نجدتِها ووضعت «مشروع مارشال»، وصارت المساعدات الأميركية تتدفقُ على أوروبا، لكن هذه المساعداتِ كانت مواد اقتصادية، وأسلحة وخبراء، وعن طريق هذه المساعداتِ دخلت شريكًا في الشركاتِ، وشجعت الرجال المثقفين في أوروبا على الهجرة إلى أميركا، وربطت اقتصادَ أوروبا باقتصاد أميركا، وما إن مرت بضع عشرة سنة حتى أصبحت أوروبا تابعةً لأميركا وصارت اقتصاديات أوروبا بشكل عام ملكًا للشركات الأميركية. فكانت مساعدة أميركا لأوروبا مكيدة من أجل ربطها بها، ومن أجل أخذ مثقفيها، ومن أجل إشراكها في اقتصادياتها.
ومثلًا حين خرجت ألمانيا من الحرب العالمية الثانية مثخنةً بالجراح محطّمةَ الاقتصادَ، مهيضةَ الجناح، مدمّرةَ الصناعات. سارعت أميركا لمساعدتها، وأنشأت فيها الصناعات الثقيلة، وفتحت لها أسواق العالم ـــــــ كما لو أنها هي التي ربحت الحرب ـــــــ حتى غدت من الدول الصناعية الكبرى. لكنها في مقابل ذلك حدَّت من تسلحها ومنعتها من التسلح النووي، أو بعبارة أخرى جعلت صناعتها صناعة اقتصادية استهلاكية وليست صناعة حربية.. وكانت ـــــــ أي أميركا ـــــــ تدرك نقطة مهمة في إنشاء الصناعة في الدول، فالدولة لا تكون دولةً صناعيةً بالمعنى الدولي إلا إذا جعلت أساسَ صناعتها الصناعةَ الحربيّة، وبنت كل صناعتها على أساس الصناعة الحربية. وإذا أعيدت لألمانيا الصناعةُ على هذا الأساس فإنه ما أسرع أن تعودَ دولةً كبرى مرة أخرى، لذلك تقدمت أميركا من ألمانيا وتبنت إعادة صناعتها، فأقامت الصناعة فيها على أساسٍ اقتصاديّ لا على أساس حربي، وعلى أساس التنمية لا على أساس حربي، وعلى أساس التنمية لا على أساسِ الصناعة الحربية، وإلى جانب ذلك أدخلت الشركات الأميركيةَ لألمانيا، وأقامت الصناعةَ بأموالٍ أميركية، وبذلك ضربت ألمانيا كدولةٍ عسكريًّا وأنعشتها آنيًّا كأمةٍ اقتصاديًّا، فصارت ألمانيا من ناحيةٍ اقتصاديةٍ أكثرَ ثروةً مما كانت عليه قبل الحرب العالمية الثانية، وظهر للعالم كيف أعادت ألمانيا صناعتها بسرعة هائلة. لكن الحقيقة أن ألمانيا بهذه الصناعة وعلى هذا الوجه قد انتحرت، ولن تقوم لها قائمة إلا إذا أعادت النظر من جديد في صناعتها فنفضتها من الأساس، وأقامتها على أساس الصناعة الحربية، ولن تتقدّم صناعيًّا إلا إذا أخرجت الشركاتِ الأميركيّة والأموالَ الأميركية من البلاد ـــــــ فهذه المساعدة من أميركا لألمانيا على هذا الشكل عملٌ سياسيّ يُعدّ من الفخاخِ الدولية، وذلك لضرب ألمانيا بدلًا من الأخذ بيدها.
وها نحن في منتصف عام 1986 نسمع تصريحات شيمون بيريز رئيس الدولة ينادي ويطالب أميركا بمشروع مارشال للشرق الأوسط، وتستجيب أميركا بخطوات عملية تبدؤها بتخفيض أسعار النفط، وتعمد إلى عرقلة كل اتفاق على تحديد كمية الإنتاج كي لا يرتفع سعر النفط، وكي لا تستقر أوضاع البلاد واقتصادياتها، وأخيرًا كي تحقق الفقر بوساطة الكساد وارتفاع أسعار السلع فضلًا عن الحروب المصطنعة والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة حتى تستجيب المنطقة إلى مشروع بيريز المقترح.
ومثلًا: حين اتصل كاسترو زعيمُ كوبا بالمعسكر الشيوعي واستعان بروسيا لم تنزعج أميركا، مع أن مبدأ مونرو يحرّم على جميع الدول أن تفكّر في غزو أميركا، ولما أخذت روسيا تمدّ كاسترو بالسلاح سكتت أميركا، مع أن ذلك في عرف الدول تدخّل غير مباشر في أميركا، ولما ركزت روسيا الصواريخَ النووية في كوبا أدركت أميركا ذلك وسكتت عليه، وكل ذلك لم يكن عن خوف من أميركا، ولا عن جهل منها، وكوبا على بعد خطوات منها، بل كان مكيدةً من أجل جر روسيا إلى العالم الجديد من أجل توسيع المدى الروسي توسيعًا يجعله عاجزًا عن حمايته ويكون مضعفًا لموقفه ومُمكِّنًا لأميركا منه، لذلك كان الكثيرُ من الساسة، حتى بعض الروس أنفسهم، يرون من الحماقة ما فعلته روسيا في كوبا، ولولا الاتفاقُ الذي حصل بين العملاقين في فيينا، لكان توسعُ روسيا في أميركا وبالًا عليها.
ولا يقال إنّ أميركا انزعجت منه، وكادت تقع حرب من أجله لولا تعقلُ الروس وسحبُهم الصواريخ، لا يقال ذلك، لأن ما فعله كنيدي من تهديد روسيا من أجل الصواريخ في كوبا، وسحب خروتشوف لها إنما كان عمليةً مصطنعةً باتفاق الجانبين. فإن من جملة الاتفاقات التي حصلت بين خروتشوف وكنيدي، إزالةَ القواعد النووية الأميركية الموجودة في كوبا، وأميركا تستطيع إزالة قاعدتها من تركيا من دون ضجة، لأن تركيا لا تتأثر في إزالتها، ولا تسبب إزالتها سوء تفاهم بين تركيا وأميركا، لكن إزالةَ القاعدة النووية من كوبا بإرادة روسيا معناه التخلي عن الدفاع عن كوبا، وهذا يثير الدول الشيوعية كلها، ويثير كوبا بالذات، ويوجد سوء تفاهم بين روسيا وكوبا، لذلك لا بد من أسلوبٍ لإزالة هذه القاعدة بشكل لا يؤثر في روسيا تجاه الدول الشيوعية، ومن أجل ذلك اتفقتا على أن تصطنعَ أميركا سببًا لإيجاد توتر دولي يؤدي إلى إزالتها، وقد وقّت كنيدي لهذا الأسلوب وقتًا استغله لصالحه، فإنه حين رأى أن إنكلترا قد حشدت قواتها في عدن وبيجان للتدخل في اليمن ضد الجيش المصري من أجل طرده من اليمن، ورأى أن إنكلترا بدأت بالفعل تتحرش بالجيش المصري وتحاول غزوه من بيجان، لما رأى ذلك أثار مسألة الصواريخ النووية في كوبا، وأوجد توترًا دوليًّا حتى خافت إنكلترا وفرنسا من نشوب حرب عالمية، حينئذٍ تراجعت إنكلترا عن التدخل في اليمن، وتظاهر خروتشوف بالتراجع، وأظهر أنه مستعد أن يسحب قاعدته إذا سحبت أميركا قاعدتها من تركيا، فتظاهر كنيدي بأنه سينظر في ذلك، وأُزيلت القاعدةُ النوويةُ الروسيةُ من كوبا، وأُزيلت بعدها القاعدةُ النوويةُ من تركيا. هذا هو واقع المسألة، فهي عمل مفتعل لتبرير إزالة روسيا قاعدتها من كوبا واتخاذها وسيلةً لتخويف إنكلترا.
والدليل على أن سكوت أميركا عن إنشاء روسيا قاعدةً نوويةً لها في كوبا كان عن مكيدة، وكان فخًّا دوليًّا، ما حصل في اليونان بعد الحرب العالمية الثانية حين شبت الثورة الشيوعية فيها، فإن تيتو عرض على ستالين أن تتدخلَ يوغوسلافيا ضد اليونان وتقيمَ في اليونان دولةً شيوعيةً تنضم إلى المعسكر الشيوعي. لكن ستالين أدرك ما في هذا الاقتراح من المخاطر فقال لتيتو بصراحة: أتريدنا أن نقيمَ قاعدةً على البحر الأبيض المتوسط ضد أقوى دولة وأغنى دولة في العالم؟! وهل نستطيع نحن حماية هذه القاعدة، إن كل ما نستطيعه هو التشويش على أميركا، أما أن نأخذ اليونان من أميركا فذلك لا قَبِلَ لنا به ولن نفكرَ في مثله.
ومثلًا: حين وقعت الحرب العالمية الثانية خاف هتلر من أن تدخلَ تركيا الحرب إلى جانب إنكلترا، أي إلى جانب الحلفاء، وهو يعلم أن الفئة الحاكمة في تركيا، فئة مصطفى كمال المسماة بحزب الشعب، فئةٌ تسير مع الإنكليز وتعترف بفضلهم عليها، لذلك ما أسهل على الإنكليز أن يدخلوهم الحرب إلى جانبهم. هو يعلم ذلك، ومن أجل هذا خشي من دخول تركيا الحرب ضد ألمانيا فأراد أن يجعلها على الحياد، لأنه يعلم أن دخول تركيا ضده يضره من ثلاث جهات، الأولى أن الشعب التركي شعب شجاع وهو أشجع من الإنكليز وأشجع من الفرنسيين وأشجع من الروس، فدخوله الحرب إلى جانب الحلفاء يُوجِدُ قوةً لهم لها وزنها في الحرب، والثانية أن الشعب التركي شعب مسلم، فدخوله الحرب يعني جعل عواطف المسلمين عربًا وغير عرب ضد ألمانيا، وهذا له تأثيره في الدعاية العالمية، والثالثة أن موقعَ تركيا موقعُ استراتيجي ممتاز، فإنها في حيادها تكون حصنًا على الجبهة الشمالية الغربية فتحول دون دخول الحلفاء إلى أوروبا، وتكون حاجزًا منيعًا يحميه من هجوم خلفي، ومن أجل هذا حرص على جعل تركيا على الحياد. لذلك أرسل أعظم رجاله دهاء وهو فون بابن سفيرًا لألمانيا في تركيا ليقوم بمهمة جعل تركيا على الحياد وللحيلولة دون دخولها الحرب إلى جانب الحلفاء، لأن دخولها الحرب ضد الحلفاء غيرُ وارد وليس محل أمل، أي إن همّ هتلر كان ضمانَ عدم دخول تركيا الحربَ إلى جانب الحلفاء ضد ألمانيا، فأرسل أدهى رجاله لهذه المهمة، لكنه حتى يغطّي قصده جعل مهمة فون بابن محاولةَ جلب تركيا إلى جانب ألمانيا، ومحاولةَ إقناعها بدخول الحرب إلى جانب ألمانيا ضد الحلفاء، لذلك حرص الحلفاء من ناحيتهم على جعل تركيا على الحياد، وصار سفراؤهم يشتغلون على هذه الغاية بجد، وكان بابن يشتغل ظاهرًا لأخذ تركيا إلى جانب ألمانيا فحمل ذلك الحلفاء على أن يحرصوا كل الحرص على بقاء تركيا على الحياد. وبهذه اللعبة السياسية، وبدهاء فون بابن نجح هتلر في إبقاء تركيا على الحياد طوال مدة الحرب، مع أنه كان أسهل على الحلفاء أن يغزوا ألمانيا من جهة تركيا بإدخال تركيا إلى جانبهم، لكنهم لم يفعلوا ذلك خشية فتح تلك الجبهة، وحرصًا على بقاء تركيا على الحياد لحراسة هذه الجبهة بحيادها، فمثل هذا العمل السياسي يُعدّ من الأعمال المؤثرة في حالة الحرب.
ومثلًا: حدث في شهر نيسان 1969م أن ضربت كوريا الشمالية طائرةَ تجسّسٍ أميركية في الشرق الأقصى، فاهتزت أميركا واجتمع مجلس الأمن القومي، ثم خرج رئيس الجمهورية نيكسون بقرار أن الولايات المتحدة لا تنوي الانتقام لضرب الطائرة، وكل ما في الأمر أن طائرات التجسس وبواخر التجسس صارت تُحرسُ بما يحميها من الاعتداء. في حين أن كوريا الشمالية أسرت باخرةَ تجسّسٍ عام 1968، فاهتزت أميركا واجتمع مجلس الأمن القومي، وأطلق الرئيس جونسون تصريحات تهديد ووعيد، وتحرك الأسطول السابع في المحيط الهادي نحو كوريا، ولما رأت أميركا أن تهديداتها وحربَ الأعصاب لم تؤثر لجات إلى وسائل المفاوضات والملاينة حتى أُطلِقَ سراحُ بحارة السفينة. فهذان الحادثان من نوع واحد هو تعرضُ دولة صغيرة مثل كوريا لدولة كبيرة مثل الولايات المتحدة بضرب طائراتها وقتل ملاحي الطائرات، وبأسر بواخرها وبحارة هذه البواخر، فلماذا وقفت من كل حادث غير الموقف الآخر؟ أهو لاختلاف الأشخاص؟ قد يكون، أم هو لأن التهديدات لم تثمر؟ قد يكون، لكن الظاهرَ أن ظروفَ الباخرة كانت ظروفًا عادية أو شبه عادية، وكانت الصينُ مشغولةً بالثورة الثقافية، لذلك لا يؤدي التهديد إلى خطر محتمل. وأما ظروفُ الطائرة فإنها ظروفٌ غير عادية، فروسيا تحشد قواها البرية والبحرية الضخمة في وسط أوروبا، وتحشد قواها البحرية في البحر الأبيض المتوسط ضد إنكلترا، وإنكلترا تحشد قواها في البحر الأبيض المتوسط، والصينُ في وضع تريد فيه إظهار نفسها للعالم بعد عزلة الثورة الثقافية وهي تتحرشُ بروسيا من أجل الظهور، فلو قام نيكسون بتهديدات لكوريا، فمن المحتمل أن ترد عليه الصين وهذا قد يؤدي إلى احتكاكٍ وزيادةٍ توتر، وقد تتخذُ منه إنكلترا وسيلةً للتحريض ضد المعسكر الشرقي، لذلك لم يكن من الصواب أن تقومَ أميركا بأي تهديد ولا بحرب أعصاب، لذلك سكت نيكسون. فظروف العملين اختلفت فلا بد من أن يختلف الإجراء فيها.
ومثلًا: قام نيكسون بعد تسلمه منصبَ الرئاسة مباشرة بزيارة أوروبا، وادعى أنه يريد الرجوع إلى حلفائه لأخذ رأيهم قبل الاتصال بروسيا من أجل أزمة الشرق الأوسط، وكان يمكن أن يُصدّقَ قولُه هذا لو لم تكن هناك ظروفُ أخرى أقربَ لأن تكون هي السبب، ولكن بالتدقيق تبين أن إنكلترا كانت تُجري اتصالات مع الدول الأوروبية من أجل تجميعها حولها في أزمة الشرق الأوسط، وتريد إقناعَها بالوقوف إلى جانبها ضد روسيا ولو أدى ذلك إلى حربٍ عالميةٍ ضد المعسكر الشرقي، فهذا الظرف ظرفٌ خطيرُ، وهو الذي حمل نيكسون على زيارة دول أوروبا فور تسلمه منصبَ الرئاسة قبل أن يقومَ بأي عمل، فسفره لأوروبا هو من أجل تفريق دولها عن إنكلترا.
ومثلًا: قامت روسيا في أواخر عام 1968م بغزو تشيكوسلوفاكيا وأشركت معها حلفَ وارسو، فاشترك كله ما عدا رومانيا، ودخلت جيوشُ الحلف تشيكوسلوفاكيا بحجة المحافظة على الشيوعية وحماية الدولة الشيوعيةَ والحزب الشيوعي من اعتداءاتٍ غربيةٍ محتملة، وقد يكون هناك شيء من ذلك، لكن الظروفَ التي حصل فيها الحادث هي أخطرُ من حزب شيوعيّ ومن المحافظة على الشيوعية، ولا سيما أنه لم يكن هناك من شيء سوى اجتهادِ زعماء الحزب الشيوعي في تفسير الشيوعية. وبالتدقيق في الظروف يتبين أن الأسطول الروسيّ الموجودَ على سواحل مصر قد أصبح مهددًا من قبل إنكلترا، فإن إنكلترا تحشد قواتٍ في البحر الأبيض المتوسط، وقد تقوم إسرائيل بالهجوم على مصر فتضطر روسيا للتدخل بحجة حماية الشيوعية، وحينئذٍ يمكن أن تهب إنكلترا لضرب روسيا فصار لا بد من الإعداد للحرب، ومن تهيئة وسائل الإمدادات. ومجيءُ الإمدادات من روسيا عن طريق جبل طارق في حالة الحرب غيرُ متيسر فضلًا عن كونه طريقًا قريبًا من مصر، ومن أجل هذا قامت روسيا بحشد مليوني جندي وثلاثة آلاف طائرة وأسلحة نووية في أوروبا الوسطى، وهيأت حلف وارسو للاشتراك في الحرب، فقام الحلفُ بدخول تيشكوسلوفاكيا علنًا لتخويف إنكلترا، وبحشد قواته في وسط أوروبا، مستعدًّا لاختراق يوغوسلافيا وألبانيا للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط إذا اشتبكت روسيا في حرب مع إنكلترا. فيكون دخولُ تشيكوسلوفاكيا بحجة المحافظة على الدولة الشيوعية مقصودًا منه تهديدُ إنكلترا والاستعداد للحرب،ووضع حلف وارسو في حالة تأهب لدخول الحرب.
على هذا الوجه تُربَطُ الأعمالُ السياسية بأصلها، وتوضعُ ضمن ظروفها وملابساتها، وتُفْهَمُ في اليوم الذي حصلت فيه غير اليوم الذي مضى قبله، ملاحظًا ما يحصل من تطورات وتغيّرات في اليوم الواحد بل في الساعة الواحدة. ولا يجوزُ أن يظلّ المرء واقفًا عند زمن مضى ولو قبل ساعة أو دقائق، بل ينتقل مع انتقال الزمن ويفهمُ الأمور والأعمال بحسب آخرِ لحظةٍ من الزمان بما يحصلُ في أثناء ذلك من وقائعَ وأحداثٍ وأخبار.
والأعمال السياسية التي تؤخذُ محلّ اعتبارٍ هي الأعمال التي تحصل من الدول الكبرى، فكان لا بد من أن تكون هناك معلوماتٌ عما هي عليه الدول الكبرى، ومعلومات مهمة عن كل دولة من هذه الدول الكبرى.

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢