نبذة عن حياة الكاتب
صفات الداعية وكيفية حمل الدعوة

التأثير والانتفاع
الثقافات والحضارات الأجنبية
وحقيقة التأثير والانتفاع
واجب الانتفاع بهما وليس التأثر

قد تكون لدينا، أو قد نقع في حياتنا على أفكار أو معلومات أو نعرف مدى صحتها أو خطأها، ولا ندري إن كنا نتقبلها أو نرفضها، ما لم يكن هنالك المقياس أو المعيار الذي نزن به أو نقيس عليه هذه المعلومات أو الأفكار ويمكن أن نحكم من خلاله على الواقع ونتعرف الحقائق بصورة صحيحة..
والمعيار المطلوب، في نظرنا، هو العقيدة العقلية، أو بعبارة أخرى هو الفكر الأساسي عن الإِنسان والكون والحياة.. ومثل هذه العقيدة لا تكون إلاَّ من الله سبحانه وتعالى، وما عداها من صنع الإِنسان، لا يُعدّ عقيدة بالمعنى الصحيح، بل يبقى أفكارًا تظل عرضة للتغيير والتبديل، وعرضة للخطأ والتأويل كما تبيَّن لنا من النظريات المختلفة التي يضعها الإنسان وبرهن على صدقها بالأمس، ثم نقضها إنسانُنا العصريُّ اليوم وأقام ألف برهان وبرهان على خطئها وفسادها. لذلك كانت المغالطات التي وقع فيها جميع الناس، ثم وقع فيها المسلمون بشكل عام، بحيث لم يعد المسلم قادرًا على التمييز بين حقيقة العلم والثقافة، ومعنى الحضارة والمدنية، حتى يعرف كيف يفرِّق بين الأفكار التي يجب عليه أن يتأثر بها والأفكار التي يجب عليه أن ينتفع منها، والأفكار التي يجب أن يرفضها ويقاومها حتى لا يشوِّه إسلامه، وبحيث لا يخالط بين التأثير والانتفاع، ولا يجعل نفسه تحت ضغوط تأثيرات الأفكار التي تسيِّر شخصية وفقًا لمضامينها المفروضة عليه فرضًا.
من هنا كان بحثنا في هذه الأفكار حتى يتبيّن للمسلم الطريق الذي ينبغي أن يسلكه، من أجل نفسه وأمته وعقيدته، وحتى يمكن أن يدعو إلى هذه العقيدة دعوةً خالصة لله تعالى، وينشرها بين الناس على أنها هي العقيدة السليمة والصحيحة التي أنزلها الله تعالى لهداية الناس وخيرهم..
فما الفرق بين العلم والثقافة؟
يقال في اللغة: عَلِمَ الرجُل الشيء: عَرَفه. وأَعلمه الأمَر: أَطلعه عليه. ولذا كان عِلمُ الرجل يأتي عن طريق حصوله على حقيقة العلم.
أما الثقافة فمعناها: الحذق. فيقال: ثقف الكلام ثقافة أي حَذَقَه وفهمَهُ وفي القديم كانوا يطلقون لفظ «العلم» على كل معرفة؛ مهما كان نوعها، من دون أي تفريق بين العلوم والمعارف؛ ثم أخذ يتحدد معنى «العلم» بمعارف معينة، ومعنى «الثقافة» بمعارف معينة أخرى، وبذلك صار للعلم معناه الاصطلاحي، وللثقافة معناها الاصطلاحي، أي المعنى الخاص الذي هو غير معناهما اللغوي.
فالعلم اصطلاحًا: هو المعرفة التي تؤخذ عن طريق الملاحظة والتجربة والاستنتاج، كعلم الطبيعة، وعلم الكيمياء، وسائر العلوم التجريبية..
والثقافة اصطلاحًا: هي المعرفة التي تؤخذ عن طريق الأخبار والتلقي والاستنباط. وعلى هذا الأساس نجد أن الرسول محمدًا (صلى الله عليه وآله وسلم) تلقَّى عن ربه الوحيَ وحَدّثَ به ثم صار من بعد ذلك الذي تلقاه وحدَّث به (أي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة)، تاريخًا مكتوبًا باللغة العربية؛ فأتى المجتهدون واستنبطوا من الكتاب والسنّة أحكامًا لمعالجة المشاكل المستجدَّة فكان الفقه...
ثم راح العلماء يتعمَّقون في فهم القرآن الكريم والسنّة النبويَّة الشريفة، ويبسطون هذا الفهم، فكان علم التفسير.. وعندما أخذوا يبحثون في جميع أعمالهم المادية، ورأوا أن جميعها يجب أن تُسَيَّرَ وفق أوامر الله ونواهيه، كانت الفلسفة..
وبذلك كانت الثقافة الإِسلامية هي اللغة والحديث والتاريخ، والفقه، والأدب والتفسير والفلسفة..
فهذه جميعًا شكلت للمسلمين ثقافة متعددة النواحي، أقبلوا على تعلمها مع اهتمامهم بالثقافات الأخرى.. ذلك أن الذين اعتنقوا الإِسلام وآمنوا به، رأوا أن حياتهم متوقفة على فهمه وحمله للناس جميعًا. كما أنهم رأوا أن الإِسلام وحده أساس وحدتهم وسبب نهضتهم، وعزهم ومجدهم. لذلك عكفوا عليه يدرسونه ويتفهَّمونه بدقةٍ وشمول. ولما كان فهم الإِسلام لا يتأتّى بغير اللغة العربية، انكبُّوا عليها يدرسونها ويشرحونها ويضعون قواعدها؛ فدرسوا الشعر الجاهلي، وعادات العرب، وخطبهم وأيامهم، لكي يكون في إمكانهم فهم كتاب الله وسنَّة رسوله بعمق وصدق.. ولم يمنعهم ذلك كله من الإِقبال على العلوم العقلية يدرسونها ـــــــ من أي مصدرٍ جاءتهم ـــــــ ليكون لديهم السلاح الثقافي والعلمي الذي يمكنهم من شرح عقيدتهم للناس، وتبيانها بالدليل العقلي، بحيث كان على كل عالم، ومهما كان نوع الثقافة، أو فرع العلم الذي تخصص به ـــــــ أدبًا أو تفسيرًا، أو رياضياتٍ أو صناعات ـــــــ أن يتثقف بالثقافة الإِسلامية أولًا، ثم يقبل على الثقافات الأخرى لينتفع منها..
يبقى أن نشير إلى شيء مهم وهو أنه إذا كان على المسلمين أن يتثقفوا بالثقافة الإِسلامية، فإنه بعد انتشار الإِسلام إلى بقاع كثيرة من الأرض، ودخول شعوب متعددة اللغات فيه، كيف يمكن لهذه الشعوب الوقوف على الثقافة الإِسلامية، إذا كانت لا تتأتّى إلاَّ باللغة العربية؟
والجواب سهل عن ذلك، فاللغة أداة أو وسيلة مصطلح عليها للتعبير؛ وفي إمكان المسلمين أصحاب الشأن أن يوصلوا الثقافة الإِسلامية إلى أخوانهم، في أي بلد كانوا، عن طريق ترجمة المؤلفات التي تشكل في مجملها الثقافة الإِسلامية، بحيث يصبح على المسلم غير العربي، أن يختار من تلك الترجمات ما يناسبه حتى يتثقف إسلاميًّا..
وهكذا يمكن القول بأنه، في مجال التفريق بين العلم والثقافة، هناك معارف خاصة تنجم عنها العلوم التجريبية كافة، وتلحق بها معارف غير تجريبية كالحساب والهندسة والصناعات؛ كما أن هنالك معارف أخرى تتبع وجهة نظر معينة وتكون من الثقافة كالرسم والنحت والتصوير ومختلف أنواع الفنون...
وفي مجال هذا التفريق يكون العلم عالميًّا، ويؤخذ أخذًا عالميًّا، فلا تختص به أمة من دون أخرى.. بمعنى أن العالِم عندما ينتج علمه، فإنَّ هذا النتاج يصبح شائعًا بين سائر الأمم، ما لم يختصَّ بناحية معينة تتعلق بالعقائد، وتعمل إحدى الأمم على حصره بها من دون غيرها، فلا تعطيه إلى غيرها إلاَّ بمقدار ما تجد ذلك متوافقًا لمصالحها.. وأما الثقافة فهي تنسب إلى الأمة التي تنتجها، وقد تكون إحدى خصوصياتها ومميزاتها، كالأدب وسير الأبطال، أو نظرتها الفلسفية في الحياة، وما إلى ذلك من الآثار الفكرية التي تشكل الطابع الخاص لثقافة كل أمة.. على أن الأمة لا يمكنها الانتقال إلى ثقافات غيرها، إلاَّ بعد أن تدرس ثقافتها هي، وتعيها، وتتركّز في ذهنها، عند هذا الحد فقط يمكنها التعرف إلى ثقافات أخرى، ما لم تكن هذه الأمة أو الجماعات أصلًا بلا أدنى ثقافة، أو ضعفت ثقافتها، وفي هذه الحال تصبح تَبَعًا للثقافات التي تتأثر بها..
من هنا كان فرضًا على المسلمين، التثقف بالثقافة الإِسلامية أولًا بالذات، وسواء تعلقت بالنصوص الشرعية أو بالوسائل التي تمكّن من فهم هذه النصوص وتطبيقها - مع الأخذ في الاعتبار أن لا فرق بين التثقف بالأحكام الشرعية أو بالأفكار الإِسلامية، فهذه الأخيرة تشرح الأحكام وتجعلها أقرب إلى متناول الفهم والتطبيق..
وهذا الفرض على المسلمين ضرورةٌ مهمة لهم حتى لا يبقوا في واقعهم الأليم الذي يعانونه منذ غزا الغربُ البلاد الإسلامية بثقافته وحضارته وبسط عليها أحكامه ومفاهيمه وسلطانه، مما أدَّى إلى إعراض المسلمين عن الثقافة الإِسلامية فتقلَّص دورُ الإِسلام، وانحرف الذوق السليم عن جادَّته من جراء الدعايات المضللة التي تشن حملاتها على الإِسلام وعلى ثقافته تباعًا وبلا فتور.
يبقى أن نشير إلى أنَّ للثقافة الإِسلامية طريقةً معينةً للدرس، وهي تتلخص في ثلاثة أمور:
1 ـــــــ درس الأشياء بعمق حتى تُدرك حقائقها إدراكًا صحيحًا، لأن الثقافة الإِسلامية ثقافة فكرية، عميقة الجذور، ودراستها تحتاج إلى صبرٍ وتحمّل..
2 ـــــــ أن يؤمن الدارس بما يدرس حتى يعمل به؛ ومَن وقف على حقيقة الأفكار الإِسلامية، بعيدة من التشويش والتضليل والتعصُّب، لا بد من أن يؤمن بها، أي أن يصدّق الحقائق التي يدرسها تصديقًا جازمًا، من دون أن يتطرق إليها أي ارتياب في كل ما يتعلق بالعقيدة، وأن يغلب على ظنه مطابقتُها للواقع إذا كانت من غير العقيدة كالآداب والأحكام، شرط أن تكون مستندة إلى أصلٍ معتقدٍ به اعتقادًا جازمًا غير قابل للشك.. ومن منطلق هذا الاعتقاد كأساس للثقافة، كانت الثقافة الإِسلامية عميقة ومستنيرة، وفي الوقت نفسه مثيرة ومؤثرة، حتى يمكن اعتبارها بمنزلة النار التي تحرق الفساد، والنور الذي يضيء طرق الإِصلاح..
وتأثير الثقافة الإِسلامية يكون بأن التصديق الجازم بأفكارها يجعل العلاقة بين ما يجري في داخل الإِنسان وواقعه والمفاهيم الموجودة لديه عن الأشياء، مرتبطةً بتلك الأفكار، فيكون التأثير الهائل في النفوس، إذ تتحرك المشاعر نحو الواقع الذي تضمَّنه الفكر ـــــــ لأنّ الاعتقاد بها هو ربط المشاعر بالمفاهيم ـــــــ فيحصل حينئذٍ الاندفاع، والشوق للعمل بالأفكار التي تبثّها الثقافة الإِسلامية.
3 ـــــــ أن يدرس الشخص الثقافة الإِسلامية دراسة عملية تعالج الواقعَ المدرك المحسوس، لا دراسة مبنية على فروض نظرية.. ذلك أن المشاكل قد تعالج بطريقة النظريات، لكن هذا العلاج لا يعطي الحلول الملائمة ما لم ينطلق من الواقع، أي من دراسة المشكلة فعليًّا من حيث الزمان والمكان، ومدى ملاءمة الأفكار للواقع، حتى يمكن للحكم الصحيح على الواقع، ومتى استكملت الدراسة الإِسلامية طريقتها على هذا النحو، كان المسلم المثقف بالثقافة الإِسلامية عميق الفكر، مرهف الإِحساس، قادرًا على حل مشاكل الحياة.
من هنا كانت أهمية الدراسة للثقافة الإِسلامية حتى تتكون لدى الإِنسان المعطيات التي تمكنه من حل مشاكل الحياة..
بعد هذا التفريق بين العلم والثقافة، لا بد من التفريق بين الحضارة والمدنية..
فالحضارة هي مجموعة المفاهيم النابعة من وجهة النظر إلى الحياة.
والمدنية هي الأشكال المادية المحسوسة التي تستعمل في شؤون الحياة..
فإذا نشأت المدنية عن العلم والصناعات كأدوات المختبرات، والآلات الزراعية والصناعية، والأثاث ولوازم البيوت، وما شاكل ذلك كله.. كانت مدنية عالمية لا يُراعى في أخذها أي شيء، لأنها لا تُعدّ من الحضارة، بل هي لشؤون الحياة...
أما إذا نشأت المدنية عن حضارة معينة تختلف عن حضارة أخرى، كالمدنية الناشئة عن الحضارة الغربية في إنتاج بعض الوسائل التي تتناقض مع الحضارة الإِسلامية كلَّ المناقضة، فهذه الوسائل من المدنية لا يجوز أخذها في شيء.. فالحضارة الغربية مثلًا تُعدّ صورة المرأة العارية ـــــــ بكل ما فيها من مفاتن ـــــــ شكلًا مدنيًّا، يعبّر عن الذوق الفنِّي بما يتفق مع مفاهيم الغرب عن المرأة في الحياة.. لكنَّ هذا الشكل المدني يتناقض مع حضارة الإِسلام ويخالف مفاهيمه عن المرأة كونها عِرْضًا يجب صيانته، وقيمة في المجتمع لا يقل دورها عن دور الرجل فيه؛ فَعَرْضُها كقطعة فنيّة للزينة، مع ما فيه من حطٍّ بكرامة المراة وقيمتها قد يثير غريزة النوع ويؤدي إلى فوضوية الأخلاق، التي لا تحمد عقباها..
ومثل ذلك نظرة الغرب إلى العلاقة العائلية، أو العلاقة الأبوية، والعلاقات في المجتمع بوجه عام التي تقوم إجمالًا على تبادل المصالح الشخصية، واقتسام المنافع المادية، بعيدًا من الروابط الإِنسانية السامية، التي تجعل العلاقة الإِنسانية فوق كل اعتبار.
وتنطلق من الحضارة الغربية النظرية التي تقوم على أساس فصل الدين عن الدولة، أو بتعبير آخر فصل الدين عن الحياة وإنكار ما للدِّين من أثر في الحياة، بحيث يصبح هَدَفُ الحياة في الحضارة الغربية المنفعة المادية فقط. لذلك كانت السعادة عندهم إعطاءَ الإِنسان أكبر قسط من المتعة من الجسدية، وتوفير أسبابها له، بل إعطاء الإِنسان كل متطلباته المادية التي تؤمن له النفع.. أما الناحية الروحية فهي فردية ولا شأن للجماعة بها، وتكاد تكون محصورة بالكنيسة.. وبناء عليه كانت الأعمال الإِنسانية هي مجال نشاط منظمات منفصلة عن الدولة كمؤسسة الصليب الأحمر، والإِرساليات التبشيرية، مع العلم بأن الدول قد تقدم المساعدات لهذه المنظمات، وقد تمدّها بما تحتاج إليه من عناصر بشرية وأجهزة وأدوات وغيرها، إلاَّ إنها لا تعدّها مجالًا من مجالات وجودها..
ومن قبيل نظرة الغرب المادية إلى الحياة إقراره بمصالحه الحيوية، وعمله على تأمين هذه المصالح أيًّا كانت الأساليب والوسائل التي يعتمدها لذلك، فكانت مخططاته لاستغلال الشعوب الأخرى والسيطرة على خيرات بلادها، وكانت من جراء ذلك الثورات والنزاعات المستمرة، والتخلف والانحطاط الدائمين في حياة تلك الشعوب.. بل أغرب من ذلك أن الغرب يدعي حمايته لحقوق الإِنسان، والحفاظ على حقوق الإِنسان، وهو في الوقت نفسه يعمل على هدر هذه الحقوق وقتلها، كلما تضاربت مع مصالحه المادية الحيوية..
هذه النظرة الشاملة هي التي عكست الحضارة الغربية كحضارة لا تعرف القيم الأخلاقية أو الروحية أو الإِنسانية، بل تعطي الأولية والاعتبار للقيم المادية والنفعية فقط..
أما الحضارة الإِسلامية فهي على خلاف ذلك تمامًا.. إنها تقوم قبل كل شيء على أساسٍ روحي هو العقيدة الإِسلامية، ونظرتها إلى الحياة هي مزج المادة بالروح، أي جعل الأعمال مسيَّرة بأوامر الله ونواهيه؛ فالعمل الإِنساني مادة، أما إدراك الإِنسان صلته بالله حين قيامه بالعمل من حيث كونه حلالًا أو حرامًا، فهو الناحية الروحية، وبذلك تمتزج المادة بالروح، بحيث تكون أوامر الله ونواهيه هي المحرك لأعمال الإِنسان وبالتالي تأتي متلازمة مع نفعه ووفقًا للقيمة التي يراعي تحقيقها حين القيام بالعمل.. وبذلك تكون هذه القيمة مختلفة باختلاف العمل، كأنْ تكون مثلًا قيمة مادية كالتجارة بقصد الربح.. فالتجارة هي عمل مادي، ولكن على المسلم أن يسيرها وفق أوامر الله ونواهيه، والربح الذي يحققه من جرائها هو قيمة مادية أيضًا، لكنه يأتي من ذلك التسيير الذي خضع لأوامر الله ونواهيه، من هنا كان الغش والاحتكار والمضاربة بالأسعار، وتحقيق الأرباح الفاحشة محرمة على المسلم لأنها لا تأتلف مع ابتغاء رضوان الله تعالى.. وقد تكون القيمة روحية كالحج والصيام والصلاة؛ أو قد تكون أخلاقية كالأمانة والصدق والوفاء؛ وقد تكون إنسانية كإغاثة الملهوف، ومساعدة المحتاج.. وبذلك كانت القيم المادية، والأخلاقية والإِنسانية، والروحية، وبهذه المعاني هي التي تشكل أساسًا للحضارة الإِسلامية. بذلك اختلفت نظرة الإِسلام إلى السعادة التي تقوم عند الغرب على الإِشباع المادي وتأمين أسباب الرفاه والمتعة، ولا تتأثر إلاَّ بالملذات والشهوات، وبالمطامع والمكاسب، لأنها ـــــــ أي السعادة ـــــــ لا تكون عند الإِنسان المسلم إلاَّ رضوان الله تعالى، كون رضوان الله هو وحده الذي يحقق الطمأنينة الدائمة؛ والمسلم عندما يتقي الله في كل أمر، ويجعل رضوان الله غايته، يشعر بهذه الطمأنينة تسري في أعماقه، وإن كان ما يعترضه من مصائب وصعوبات، قد ينغِّص عليه عيشه، لكنه يكل أمره إلى الله تعالى من دون أن يجعل من نفسه سببًا لتلك المصائب والصعوبات، وبذلك فإنه مهما اختلفت عليه الأحوال فهي لا تنزع شيئًا من تلك الطمأنينة التي تملأ نفسه..
ومن المتغيرات التي فرضتها الحضارة الإِسلامية هي أنها قلبت الكثير من المقاييس التي كانت سائدة، وغيَّرت مراتب الأشياء التي كانت قائمة، بحيث رفعت من مرتبة بعضها، وخفضت من مرتبة بعضها الآخر. ومثال ذلك أن الحياة كانت أعلى مرتبة عند الإِنسان من المبدأ، فقلب الإسلام هذه المعادلة وجعل المبدأ أو العقيدة في المرتبة الأولى لأنه أغلى قيمة من الحياة، وبذلك وضعت الأشياء في المراتب اللائقة بها، فصارت الحياة عند المسلم سامية لأنها تقوم على المبدأ.. ومثال ذلك أيضًا تغيير الإِسلام لمعاني المثل العليا؛ فبعد أن كان للشعوب التي اعتنقت الإِسلام مُثُل عليا متعددة ومتغيرة صار لهم مثلٌ أعلى واحد ثابت بعد أن أسلموا، وهو رضوان الله سبحانه وتعالى.. وتبعًا لتغير المُثُل العليا عند تلك الشعوب تغيرت معاني الأشياء لديها، وتغير مفهوم الفضائل.. فعند العرب كانت الشجاعة الشخصية، والشهامة الفردية، والمناصرة العصبية، والتفاخر بالأموال والأحساب، والكرم إلى حد الإِسراف، والإِخلاص للقوم، والتضحية في سبيل الرفعة والمكانة بين الناس، والقسوة في الانتقام، والأخذ بالثأر وما شاكل ذلك، كل هذا كان من أصول الفضائل عند العرب، فلما جاء الإِسلام لم يترك شيئًا من ذلك كما كان عليه، بل جعلها صفاتٍ يتصف بها الإِنسان إجابة لأمر الله تعالى، لا لذات هذه الفضائل، ولا لما فيها من منافع، ولا لما تجرُّه من مفاخر ولا لما فيها من مساوئ ومفاسد، ولا لأنها عادات وتقاليد وتراث ينبغي المحافظة عليها.. وبذلك أوجب إخضاع صفات الفرد، وخصائص القبيلة والشعب والأمة، لأوامر الله ونواهيه..
وهكذا نقل الإِسلام عقلية الشعوب التي اعتنقته، كما نقل نفسيتهم، فأصبحوا بعد دخولهم في الإِسلام، غيرهم قبل دخوله.
مما تقدم يتبين الفرق بين الحضارة الغربية والحضارة الإِسلامية.
فالحضارة التي تقف في وجه الفطرة الإِنسانية، فتفصل الدِّين عن الدولة، وتحصر الحياة بالمنافع المادية، ولا تقيم للناحية الروحية وزنًا في الحياة العامة، مثل هذه الحضارة ليست عاجزة عن ضمان السعادة للإِنسان فقط، وهي أي تأمين الطمأنينة الدائمة له، بل إنها لا تنتج له إلا شقاءً وقلقًا دائمين ما دامت المنفعة هي الأساس. فالتنازع عليها طبيعي، والنضال في سبيلها طبيعي، والاعتماد على القوة في إقامة الصلات بين البشر طبيعي، لذلك سيبقى الاستعمار في طبيعة هذه الحضارة، وسيبقى الشقاء الذي يتقلّب فيه عالم اليوم، والفوضى التي تنشر في مختلف أنحائه..
تلك هي مواصفات الحضارة الغربية، كما تعبر عنها مظاهر مدنيتها وأشكالها.
أما الحضارة الإِسلامية فهي حضارة سامية لأنها تقوم على عقيدة هي من صنع الله تعالى، وقد حققت القيمَ الماديةَ والروحيةَ والأخلاقيةَ والإِنسانيةَ في مختلف المجالات، وفي كل مكان حلَّ فيه الإِسلام عزيزًا. لذلك لم تكن حضارة الإسلام مستعمرة يومًا، وليس الاستعمار من طبعها، فهي لم تفرق بين المسلمين وغير المسلمين، بل ضمنت العدالة لجميع الشعوب التي دانت للإِسلام، وطوال مدة الحكم القائم وفقًا لدستور الإِسلام.
وتأسيسًا على ما تقدم، وعملًا بالقاعدة القائلة: «إن النتائج لا تسبق أسبابها» كما أن الإِدراك السليم للفلاح يجعله يعلم أن المحراث لا يوضع أمام الثيران، فإنَّ ذلك الفرض يسمح لنا باستخدام صيغة تكوِّن بديهية أساسية، وهي أن الحضارة تعيِّن وجهة نظرها وتحدِّد علاقاتها بالكون والحياة والإِنسان، والمدنية هي التي نصنع منتجاتها وتحدد كيفية استعمالها (مثل الآلة البخارية، والآلة الإلكترونية، والقطار، والسيارة، والصاروخ، والأقمار الاصطناعية.. وغيرها سواء) وليست منتجاتها هي التي تصنع حضارتها..
ولقد تمَّ التثبت من أهمية هذه البديهة المقررة في علاقتها بالمجتمع الإِسلامي منذ قرون من الزمان؛ إذ لا يستطيع مفكر أن ينكر أن هنالك تطورًا معينًا قد بدأ بالفعل منذ القرن التاسع عشر، وإبان القرن الحالي، في العادات والأفكار، وفي بعض الوقائع المجتمعية المعيَّنة، متخذًا في بعض الأحيان أشكالًا سياسية تعمل بمقتضى النزعة القومية العلمانية في كثيرٍ أو قليل، من قبيل «ثورة تركيا الفتاة سنة 1918» أو من قبيل الأفكار التي تنادي بالقومية العربية.. أو هو قد يتخذ أحيانًا أخرى سياقًا اصطلاحيًّا ينصرف اهتمامه إلى استخدام القيم التقليدية للإِسلام في النزاع المفاهيمي والسياسي للقرن العشرين، بعد تجديده لها في قليلٍ أو كثير..
ولكن مثل هذه الحركات كانت ترمي في كلا جانبيها، في نهاية الحساب، إلى أن تمهر المجتمع الإِسلامي بالوسائل الملائمة للدفاع عن ذاته أو تبرير نفسه، بدل أن تقوم بتحويل الشروط الواقعية والأساسية لهذا المجتمع.
ومن أجل الدفاع عنه كانت المشاكل توضع ضمن حدود كمية، أي باعتبار «كميات الأشياء» الضرورية. وقد كان نفس شعار جمال الدين الأفغاني الذي يقول فيه: «لو أن جميع الهنود يبصقون معًا، لأغرقوا الجزر البريطانية في بحر من اللِّعاب!» يشير إلى أن النهضة كانت تنزلق في عدم استعمال الوسائل..
إلاَّ إنه يجب علينا أن نعترف بأن الأفغاني قد ترك لنا أفكارًا كذلك، فيما كتبه من أجل الدفاع عن العالم الإِسلامي.
وفي النهاية ابتُدعت من أجل تبرير هذا العالم آلة ذات مقطع مزدوج: فقد تمت المحافظة على ذاتية القيم الإِسلامية أو أعيد إنشاؤها لمواجهة سيطرة الغرب الثقافية عليه؛ ولكن في الوقت الذي كان يُواجَه فيه الاستعمار على هذا النحو كان يُحتفظ بمعطيات القابلية للاستعمار، أو هي كانت تُترك من دون مساسٍ بها..
وإن أشخاص الجيل ممن قرأوا كتاب (الإفلاس الأخلاقي للسياسة الغربية في الشرق) لمؤلفه التركي أحمد رضا؛ أو كتابات شكيب إرسلان، كانوا في الحقيقة يقرؤون أعمالًا للدفاع والتبرير، وليس أعمالًا للبناء والتوجيه؛ مع أن تلك الكتابات كانت تحمل بين ثناياها إجابة من التحدّي.. فبدل أن تترجم الجهود الذهنية عن نفسها في صورة مذهب دقيق للنهضة، ومنهاج منسجم، كانت تنطلق في صورة شعلات دفاعية أو جداليَّة.. وكان المؤلَّف المنهجي الوحيد الذي خلَّفه الأفغاني يتمثل في مجادلة ضد المادية، وهو الكتاب الذي يتعيَّن علينا أن نقرن به المجادلة المدوية لتلميذه «محمد عبده» ضد «أرنست رينان».
ومن جهة النظر النفسانية يمكن أن نتبيَّن في تربيتنا أن خط سير نشاطنا الشخصي أو الجماعي يجب أن يمرَّ في «ذهانَتْين» يبدو أنهما ينتابان سائر البلاد الإِسلامية، وهما: ذَهانة «الشيء السهل» الذي لا يستدعي أي مجهود، والذي يستميلنا إلى الكسل أو إلى عدم الاهتمام برعاية شؤوننا العامة، أي رعاية شؤون المسلمين؛ وذَهانة «الشيء المستحيل» الذي يجعلنا نحكم مسبَّقًا ومن أول وهلة بأن النشاط فوق مستوى وسائلنا، مما يفضي بناء على هذا المنوال إلى الشَّلَلِ التام، والتسليم بالأمر الواقع.
من هنا يجب ان تكون مهمتنا الثقافية للأفراد والجماعات في المسجد والنادي، وتربيتنا لأولادنا في البيت والمدرسة، متمثلة في تبصيرنا لنا بأنَّ: «ليس هناك شيء سهل، ولا شيء مستحيل»: وإنما لكل مشكلة واقعية حلُّها الذي تنحصر القضية في تطبيقه بالجهد الذي يستلزمه.
لقد آن الأوان لكي نتخلص من جميع أشكال الركود والخمود التي توقف الجهد، ومن سائر أعذار العطالة والبطالة التي نبرِّز بها كسلنا واستسلامنا وعدم اهتمامنا، وبذلك يمكن لنا أن نعرف ما يجب علينا أن ننبذ تأثيره عنا، وما يجب علينا الانتفاع منه...
فما الفرق بين التأثير والانتفاع؟
لما كانت الثقافة الإِسلامية هي كل شيء أُخذ عن طريق التلقِّي والأخبار والاستنباط، ولما كان التلقي والأخبار والاستنباط، كلها تشتمل على التفسير والحديث والسيرة والتاريخ والفقه وأصوله والتوحيد، فإن شبهة تأثر الثقافة الإِسلامية بالثقافات غير الإِسلامية، إنما جاءت من المغالطات المتعمَّدة التي يعمد إليها غير المسلمين في تغيير مفاهيم الأشياء، ومن قِصر النظر عند الباحثين، ومن الأهداف الخبيثة التي تكيد للإِسلام وأهله..
هو صحيح أن الثقافة الإِسلامية انتفعت بالثقافات الأجنبية واستفادت منها، وجعلتها وسيلة لخصبها وتنميتها ـــــــ وهذا مسموحٌ به ومباح ـــــــ لكنَّ ذلك لم يكن تأثرًا، بل كان انتفاعًا، وهو مما لا بد منه لكل ثقافة.
إذًا هناك فارق كبير بين التأثر والانتفاع، ولا سيما بالنسبة إلى الثقافة الإِسلامية..
فالتأثير بالثقافة يعني دراستها، وأخذ الأفكار التي تحويها، وإضافتها إلى أفكار الثقافة الأولى لوجود شبهٍ بينهما، أو لاستحسان هذه الأفكار.. كما أن التأثر بالثقافة يؤدي إلى الاعتقاد بأفكارها.. وهذا لم يحصل في الثقافة الإِسلامية؛ فلو تأثر المسلمون بالثقافة الأجنبية في أول الفتح لنقلوا الفقه الروماني وترجموه وأضافوه إلى الفقه الإِسلامي، وعدّوه جزءًا من الإِسلام؛ ولكانوا جعلوا أيضًا الفلسفة اليونانية جزءًا من معتقداتهم؛ ولكانوا اتجهوا في حياتهم اتجاه الفرس والرومان في جعل أمور الدولة مسيَّرة بما يرونه من مصلحة لهم... ولو فعلوا ذلك لاتَّجه الإِسلام من أول خروجه من الجزيرة اتجاهًا مضطربًا، ولاختلطت أفكاره اختلاطًا أفقده معناه...
ذلك هو معنى التأثر الذي لم يكن له وجوده في الثقافة الإِسلامية..
وأما الانتفاع فهو دراسة الثقافة الإِسلامية دراسة عميقة، والوقوف على الفرق بين أفكارها وأفكار الثقافة الأجنبية، ثم أخذ المعاني التي في هذه الثقافة والتشبيهات التي تحويها لإِخصاب الناحية الأدبية، وتحسين الأداء بهذه التشبيهات وتلك المعاني، من دون أن يتطرق إلى أفكار الإِسلام أي تناقض، ومن دون أن يؤخذ من أفكارها عن التشريع والعقيدة أي فكر، والاقتصار على الانتفاع بالثقافة الأجنبية من دون التأثر بها..
فالمسلمون، منذ أوائل الفتح الإِسلامي حتى العصر الذي حصل فيه الغزو التبشيري في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، كانوا يجعلون العقيدة الإِسلامية أساس ثقافتهم، لكن ذلك لم يمنع عليهم دراسة الثقافات غير الإِسلامية للانتفاع بما فيها من معانٍ عن الأشياء في الحياة، لا لاعتناق ما فيها من أفكار، لذلك لم يتأثروا بها، بل انتفعوا؛ لذلك لم يتطرق إلى أفكار الإِسلام أي تناقض، ولم يؤخذ عن الأفكار الخاصة بتلك الثقافات الأجنبية أي فكر عن الحياة، وعن التشريع وعن العقيدة، فكان الاقتصار على الانتفاع بتلك الثقافات من دون التأثر بها..
وبخلاف المسلمين بعد الغزو الثقافي الغربي لهم، حيث درسوا الثقافة الغربية واستحسنوا ما فيها من أفكار، فمنهم من اعتنقها، وتخلى عن الثقافة الإِسلامية، ومنهم من استحسنها وأضاف ما فيها إلى الثقافة الإِسلامية حتى صارت بعض أفكارها وكأنها من الأفكار الإِسلامية على الرغم من تناقضها مع الإِسلام.. فكثير منهم: مثلًا، اعتنقوا القاعدة الديمقراطية التي تعدّ «الأمة مصدر السلطات» والسيادة للأمة، والأمة هي التي تصنع التشريع وتسن القوانين، وجعلوها قاعدة إسلامية، في حين أن هذا يتناقض مع الإِسلام لأن السيادة فيه للشرع لا للأمة، والقانون من الله سبحانه، لا من الناس... وهو يجعل الحاكم منفذًا للشرع ومقيدًا، لا أجيرًا عند الأمة وخاضعًا لإِرادتها، بل راعيًا لمصالحها بحسب الشرع.. وكثيرٌ من المسلمين كانوا يحاولون جعل الإِسلام اشتراكيًّا أو شيوعيًّا ـــــــ مثلما حاول غيرهم أن يجعلوه ديمقراطيًّا ـــــــ مع أن الإِسلام يتناقض مع الاشتراكية لأن الملكة محددة عنده بالكيف ولا يجوز أن تحدد بالكم؛ ويتناقض أيضًا مع الشيوعية لأنه يجعل الإِيمان بحقيقة وجود الله أساس الحياة، ويعترف بالملكية الفردية ويعمل على حمايتها..
فجعل الإِسلام على هذا النحو يُعدّ تأثيرًا بالثقافة الأجنبية لا انتفاعًا بها؛ وقد حصل ذلك للمسلمين في العصر الهابط، أي بعد الغزو الثقافي ودراستهم للثقافات الأجنبية دراسة غير واعية، وغير عميقة، وعدم مقابلتها مع ثقافتهم الأصلية. كما أنهم تأثروا بالحضارة الغربية التي تقول حكم الشعب من الشعب وإلى الشعب، في حين أن الإِسلام يقول الحكم لله ومن الله وإلى الناس كافة، وقد قال تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: 49] وقال سبحانه أيضًا: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ} [سبأ: 28].
والخلاصة أن على العالم بأسره، أو على المسلمين خصوصًا أن يتمثلوا بالحضارة الإِسلامية لأنها قادرة على حل الأزمات القائمة كلها، وهي تكفل الرفاهية للناس جميعًا، وتحقق للإنسان الطمأنينة التي ينشدها.. كما أن على المسلمين ألاَّ يتأثروا بالثقافات الأجنبية، وأن يطرحوا جانبًا كل ما أخذوه عن تلك الثقافات، ويعودوا إلى الينبوع الفياض، مصدر الحقائق المطلقة، التي يجدونها مكتوبة في قرآنهم المجيد، ومحفوظة في سيرة رسولهم الكريم..
وقد آن للعالم أن يثوب إلى رشده، ويتوب إلى بارئه، فيتخذ الإِسلام دينًا حتى يمكنه الوصول إلى حل أزماته المعقَّدة، وإلاَّ فإنَّ هذه الأزمات سوف تتكاثر، وسوف تزداد تعقيدًا حتى تصل بالعالم إلى حد الانفجار!..

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢