نبذة عن حياة الكاتب
علم النفس: معرفة النفس الإنسانية في الكتاب والسنة - الجزء الثاني
الطبعة : الطبعة الثانية
المؤلف : سميح عاطف الزين
فئة الكتاب : معاجم
عدد الصفحات : ١٤٧٢
تاريخ النشر : ٢٠٠٨
الفهرس (اضغط على الرابط للقراءة)

الطباعة والنشر
الفصل التاسِع - البحثُ الأوّل: الإيمَان بالغَيب وأثره على النفس الإنسانية
البَحثُ الثّاني: الحقُّ وَالباطِل وَتأثيرهُما في الحَياةِ عَلى النّفسِ الإنسَانيَّة
البحثُ الثالِث: الهُدَى والضٌّلال والخَطَأ وأثرهُمَا عَلى النّفسِ الإنسَانيَّة
الفصل العاشر - البحث الأوّل: النفس ونزغ الشيطان
البحث الثاني: الفتنة والتجربة
البحث الثالث: الإغواء والإغراء
الفصل الحادي عشر - الدوافع والبواعث
الفصل الثاني عشر - البحث الأول: الانفعَالات
البحث الثاني: العقد النفسيَّة
البحث الثالث: الحِيَل العقليّة
الفصل الثالث عشر - البحث الأوّل: القناعة والثقَة
البحث الثاني: الجدّيَّة والتغيير
الفصل الرابع عشر - البحث الأوّل: الظروف والملابسَات
البحث الثاني: الأجوَاء والمناخَات
الفصل الخامس عشر - مجاهَدة النفس
مجاهدة النفْس
الفصل السادس عشر - البحث الاول: الأمراض العصَابيَّة
البحث الثاني: العلاج النفسي في الإسلام
الفصل السابع عشر - الأمانُ النفسي
الفصل الثامن عشر - السَعادة النفسيَّة
الفصل التاسع عشر - خيَارات ومواقف
الخاتِمة
هوامش

الخاتِمة
وحدانيَّة الله تعالى ووجوب الحمد والشكر له
على ما وهب وأنعمَ وتفضَّل وتكرَّم
الشكر والحمد
أحببنا أن نختتم هذا السفر النفيس بالحمد والشكر، لأنّ الحمد هو الثناء. والحمد لله رب العالمين كونه خلق العوالم وأنشأها ورعاها. والشكر لا يقال إلا في مقابلة نعمة.. فالله هو الذي وهب وأنعم وأعطى وتفضل.. فإذا أعطاك رجلٌ كريمٌ شيئاً كنت بحاجة إليه، أو سألته حاجةً فلبَّاك فشكرته، تحسُّ في قرارة نفسك ارتياحاً، ويشعر هو أيضاً بأنك قد أعطيته حقه. فكيف بالمنعم المفْضِل إذا شكرته.. وهو الذي يستحق الشكر لأنه هو المُنْعِم الأول.
ولكنْ عجباً.. {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ} [يُونس: 60]
لقد بات واضحاً، لمن اطَّلع على المواضيع التي تطرق إليها هذا الكتاب، أنَّ مقاربة معرفة النفس الإنسانية إنما سبيلها القويم القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وذلك لسببين جوهريين:
الأول: أنَّ الله تعالى هو خالق الإنسان، وهو أعلم منه بنفسه، مصداقاً لقوله تعالى: {وأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ *أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ *} [المُلك: 13-14].
والثاني: أنه سبحانه هو الذي أنزل القرآن، وجعله شفاءً لما في نفوس الناس وذلك بما كشف لنا في كثير من آياته المباركة عن كوامن النفس البشرية، وما يعتمل فيها من المشاعر، والدوافع، والنوازع، والميول، والانفعالات، والرغبات والأهواء.. وبما بيّن لنا من العلاجات للأمراض والعاهات التي قد تعتري النفس، مصداقاً لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ *} [يُونس: 57]، وقوله تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ} [فُصّلَت: 44].. ولو حاولنا استجلاء بعض معاني هذه النصوص المباركة لتبيّن لنا أن شفاء النفس يكون بالإِيمان بحقيقة وجود الله تعالى.. فإن كان الإنسان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات (وهي الترجمة العملية والفعلية لأوامر الله ونواهيه)، كان له القرآن خير زاد، وكان ربُّهُ تعالى الناصر والمعين على كل ما يخالج نفسه من سوء، وما قد يواجه في حياته من عثرات.. حتى وإنْ صدرت عن المؤمن هناتٌ أو غلب عليه الهوى في حالات الضعف، فإنَّ إيمانه يكون الرادع الذي يرده إلى جادة الصواب، ويجعله يسير على الطريق المستقيم، لأنه لا يجد ملجأً يلوذ إليه إلاَّ في كنف ربه ومولاه، ولأنه مطمئن إلى أنه وحده سبحانه القادر على أن ينجيه مما وقع فيه ساعة الغفلة، انطلاقاً من يقينه بأنَّ الله تعالى كتب على نفسه الرحمة بعباده، فلا يردُّ من سأله خيراً، ولا يضيّع من عبدَهُ طوعاً...
أما إنْ كان الإنسان غير مؤمن، فإنه يفقد أهم وازع وجداني كان يمكن أن يجعله يميّز بين الخير والشر، وبين الصواب والخطأ، وبين الحق والباطل، وبين الحقيقة والوهم وبين الهدى والضلال..
بل قد يقول إنسانٌ إنه مؤمن بالله، ولكنه، في الحقيقة، يعتنق مفاهيم وأفكار عقيدة دينية محرّفة، أو عقيدة دنيوية هي باطلة في أساسها، وهو يظن أنَّ هذه العقيدة أو تلك هي الصحيحة، وهنا تكمن المشكلة الرئيسة في حياة هذا الإنسان الذي يحدد خياراته ومواقفه وفقاً لما أُشرِبَ في قلبه من فساد العقيدة التي يعتنقها، بحيث يصبح أشد خطراً على كل شيء في الحياة!.. والمثال الصارخ على هذا «الإنسان» هؤلاء الذين يعيثون في الأرض فساداً،ويقولون: {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البَقَرَة: 11]!..وتصبح المشكلة أشدَّ عتوّاً عندما يكون مثل هذا «الإنسان» من القادة الذين حالفهم الحظ، فوُضِعُوا في المناصب التي يتم فيها اتخاذ القرارات.. لا بل تصبح الأمور اكثر تعقيداً، وأشدَّ خطراً، عندما يمتلك هؤلاء القادة، ومن وراءهم من الأشخاص والمؤسسات، القوة التي يمتشقونها سلاحاً للتحكم بمصائر الناس - داخل بلادهم وخارجها - بحيث يزيفون الحقائق، ويلبسونها الثوب الذي يريدون، وذلك لفرض معتقداتهم، من خلال إظهار استكبارهم وجبروتهم، ولو كان في ذلك ظلم للآخرين، واستلابٍ لحقوقهم علناً وجهاراً!.. ولذلك لم يعد مستغرباً أن تطغى مثل هذه المشاكل الكبرى على حياة الناس، وأن يعيش العالم في خضم الصراعات الظاهرة والخفية، بفعل أولئك المتفرغين من أصحاب العقائد المضلّلة، الذين يجعلون مصالحهم الشخصية، فوق كل الاعتبارات، ويعتبرون معتقداتهم أعلى من كل القيم الأخلاقية، والمثل الرفيعة، بل وأسمى من كل المواثيق والاتفاقات والأعراف والقوانين المتعارف عليها دولياً..
وما هو أدهى وأضلّ سبيلاً أنْ يسخِّروا أهل الفكر والعلم لمآربهم تلك، ولخدمة الأفكار والمبادئ التي يعتنقونها، وفرض الأنظمة التي يريدونها تحت شعارات برّاقة، غالباً ما تنطوي على المكر، والخداع، والكيد والدسيسة، والتآمر!.. وهذا ما يجعل العلوم والمعارف تحيد عن مضامينها ومراميها الإنسانية، لاستخدامها في المرامي التي تضرّ بالناس!... ولا يظننَّ أحدٌ - أو يجهل علينا - بأننا لا نحبذ العلوم والمعارف، لأنَّ قرآننا المجيد كان من أسمى تجلياته أن حمل أولَ تنزيل من رب العالمين الذي يدعو إلى العلم والتعلّم، وهو أيضاً ما بيّنه رسولنا الكريم في كثير من أحاديثه الشريفة التي تحضّ على طلب العلم، الذي يرفع من شأن الإنسان، ويعزز كرامته، ويخدم حياته.. وهذا ما نتوخاه من العلوم والمعارف، أي أن تكون في خدمة الإنسان، ومن أجل تأمين أكبر قسط له من الأمان، والرفاهية والسعادة، لا من أجل أن تكون وسائل وأسلحةً للظلم، وفرض الهيمنة، والتسلّط، والتحكّم والاستعلاء!..
أجل، مرحى للعلم الذي يعمل لخدمة الإنسان، وللمعرفة التي تزيد أفق الإنسان اتساعاً لمصلحة الإنسان..
وكلاّ .. وألفُ « كلاَّ » للعلم الذي يرهق الإنسانَ فيمتصّ الميزانيات التي يجب أن ترصد، في الأصل، لمحاربة الفقر، والمرض، والجهل.. وتعساً للعلم الذي يقتل الإنسان! ويفرض الهيمنة على الإنسان! ويهدر حقوق الإنسان! نقول هذا لأنه لم يعد يخفى أنه كلما تقدمت العلوم، استغلّها «الأشرار» لصنع كل ما يدمّر البشر والحجر، وها هم كثير من هؤلاء البشر يستخدمون العلوم الضـارّة أنَّى يشـاؤون، وكيفمـا يشـاؤون، دونمـا حسابٍ من أحد، لا بل ويستعملونها، في أغلب الأحيان، تحت ستار مظلة المجتمع الدولي، الذي بات متفرجاً، أو خانعاً متخاذلاً عما تقرره الدول الكبرى!..
ولكنْ: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ *أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ *} [الرُّوم: 8-9].
تأملوا في قول الله العزيز الجبار {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الرُّوم: 9]!..
ودعونا من العصور القديمة أيام الفراعنة وأباطرة الرومان مثلاً.. ولننظر في القرنين الأخيرين: أين هم الذين ادّعوا أنهم «روّاد» القارة الأميركية ثم أنشأوا دولهم على اجتثاث الهنود الحمر من أراضيهم، وماذا يفعل الآن أحفاد أولئك الروّاد في العالم؟!
وأين ذهب أولئك «القادة» الذين استعمروا القارة الأفريقية، وأمعنوا نكالاً في شعوبها، يصطادونهم صيد الحيوانات ويحملونهم مكبلين في الأصفاد ليبيعوهم عبيداً لأهل بلاد الرأسمالية والإمبريالية؟!
وأين صار الذين أشعلوا الحرب العالمية الأولى والثانية، وخاضوا معاركها الوحشية المدمرة؟!
وكيف حفظ التاريخ ذكر الذي أمر بإلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما وناكازاكي في اليابان؟!
وأين هم أوائل غلاة الصهيونية الذين اقتلعوا الشعب الفلسطيني ليقيموا الدولة التوراتية المزيفة على أرض فلسطين؟!
وماذا حلَّ بأعظم أباطرة الشرق الأوسط في العصر الحديث ونعني به شاه إيران، الذي رفض حماتُهُ الغربيون أن يقيموا له قبراً في بلادهم؟!
وإلام صار حال الجزّار الإسرائيلي آرييل شارون ومن وقف معه من عملائه اللبنانيين فوق الجثث من البشر في مجزرة صبرا وشاتيلا التي ذبحوا فيها الآلاف من الفلسطينيين واللبنانيين المساكين الضعفاء؟!
وأين هم قادة دولة إسرائيل الذين قاموا بالمجازر البشرية في بعض قرى فلسطين مثل دير ياسين، وأم البلح، والذين قصفوا الأطفال في مدرسة بحر البقر في مصر، والذين سفكوا الدماء البريئة في مجازر حولا والصالحية في لبنان؟
بل ماذا يفعل الآن الرئيس الأميركي - ومن وراءه ومحافظوه الجدد - وتابعه رئيس وزراء بريطانيا، ومستشارة ألمانيا الجديدة وغيرهم!. أجل ماذا يفعلون اليوم في العراق، وفلسطين ولبنان، وكيف ستكون عاقبتهم، وأقلها ماذا سيكتب التاريخ عنهم؟؟!! وهل إلاَّ اللعنة الأبدية، كما لعن الله تعالى إبليس وطرده من رحمته؟!
هذه بعض من دلالات النصوص القرآنية التي تحذّر «الأشرار» وتدعوهم لكي ينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم.. إنهم جميعاً إلى فناء، ولكنَّ وعيد الله العلي العظيم حق، وقد توعدهم في كل الكتب السماوية التي أنزلها، أنَّ مصيرهم النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين..
أجل، إنهم الكافرون والمشركون في كل زمانٍ ومكانٍ.. إنهم أصنافٌ من البشر، ولكنهم في الحقيقة هم «القادة» الذين يمارسون كل أشكال الإجرام والفساد والظلم، ولو كان في قلوبهم ذرة من الإيمان الصادق بوحدانية الله، واتباع أوامره ونواهيه لما فعلوا ما يفعلون!!.. ولذلك يدعو القرآن، كتاب الله المجيد (ومن باب العقل والمنطق) الناس، كل الناس ولا سيما الملأ منهم، أصحاب الطَّوْلِ والجبروت، لأن يتفكَّروا في أنفسهم، فيدركوا أنه سبحانه وتعالى ما خلق السماوات والأرض إلاَّ بالحق، وأنَّ الحقَّ، هو الغالب، لا محالة، في نهاية المطاف.. وأنَّ من شأن تفكّرهم هذا، أن يجعلهم يعون حقاً، ويدركون يقيناً أنه لا إلهَ إلاَّ الله، واحدٌ أحدٌ، فردٌ صمدٌ لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً، ولم يكن له شريكٌ في الملك، ولم يكن له وليٌّ من الذل وأنه سبحانه حرّم الظلم على نفسه، فهل يرضى بأن يمارس عبادٌ أذلاء هذا الظلم في دنيا البشرية؟! إلاَّ أن يكون هؤلاء من المشركين، أو الكافرين أو الملحدين، فلا يأبهوا لقدرة الله تعالى ولذلك ينصرفون وكأنهم هم «الأرباب» الذين يملكون مصائر الناس بأيديهم.. ولكي لا يظلّ هذا الشرك الظاهر والخفي هو الذي يتحكم في رقاب العباد، ولكي ينتهي أهل الشرك عن غرورهم وضلالهم، ويؤمنوا بأنه لا إله يعبد إلاَّ الله، ولا ربّ سواه، فقد جاء القرآن الكريم يبيّن هذه الحقيقة في كثير من آياته الكريمة وذلك عن طريق البرهان العقلي - ما داموا يُمجِّدون العقل - ومن قبيل ذلك ما أورد ربُّنا تبارك وتعالى في الآية (91) من سورة «المؤمنون» في قرآنه المجيد، التي تنفي الشرك بالله، وتؤكد وحدانيته عزَّ وجلَّ، وذلك بقوله العزيز: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ *} [المؤمنون: 91].
ولكي توضع هذه الآية الدّالة في إطارها القرآني الذي تتكامل فيه النصوص، لا بدَّ من الوقوف على بعض الآيات التي تسبقها في السورة نفسها، والتي تخاطب الناس بمسلّمات لا يمكنهم إنكارها، وتطرح عليهم تلك المسلمات بطريقة الخطاب الجدلي الذي من شأنه إنهاض العقل، وحثّه على التخلّي عن الاضطراب في العقيدة، كما يتضح ذلك من قوله تعالى: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ *قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ *سَيَقُولُونَ لِلَّهُ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ *قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *سَيَقُولُونَ لِلَّهُ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ *بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ *مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ *} [المؤمنون: 84-91].
أسئلة يطرحها القرآن على ذوي العقول والبصائر ليستدلّوا على أنَّ كلَّ ما في الوجود إنما هو من صنع الله تبارك وتعالى، وأنه هو المالك المتصرف بكل ما في هذا الوجود، لأنه رب السماوات السبع، ورب الأرضين السبع، ورب العرش العظيم؛ فإن لم يقرُّوا ويوقنوا بأنَّ الله - جلَّت عظمته - هو خالق الكون والحياة والإنسان، وأنه الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبّر، فإنَّ القرآن يواجههم بآية واحدة محكمة تقدم لهم دليلين عقليين قاطعين على نفي الشرك بالله، وعلى وحدانيته تعالى في الألوهية والربوبية. وهذان الدليلان هما:
الدليل الأول : {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ} [المؤمنون: 91]..نفي قاطع وجازم بأنَّ الله سبحانه ما اتخذ من ولدٍ، وذلك دحضاً لافتراءات من كانوا يقولون بأن الملائكة بنات الله، أو الذين قالوا: إن المسيح عيسى ابن مريم (عليه السّلام) هو ابن الله.. والنفي هنا معناه أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - لم يجعل ولد غيره ولداً له، لأنه يستحيل أن ينسب لنفسه مثل هذا الأمر ما دام غنيّاً عن كل شيءٍ، ولا يحتاج إلى أي شيء، بل كل شيء يحتاج إليه لأنه يجير ولا يجار عليه. ثم إنَّ اتخاذ الولد يؤدي إلى جعل ولد غيره يقوم مقام ولده، كما هو الحال في التبنّي الذي تشرعه بعض القوانين الوضعية، ما لا يستقيم معه تبنّي شابٍّ شيخاً، ولا تبنيّ إنسان بهيمةً، لأن من غير الممكن عقلاً وواقعاً أن يكون الشيخُ ابناً للشاب، أو البهيمة ولداً للإنسان، فصار مستحيلاً عقلاً أن يتّخذ الله تعالى له من ولد بسبب الفوارق والاختلاف بين الألوهية والناسوتية.. أضف إلى ذلك أن فكرة اتخاذ الولد تقوم على الحاجة إلى الإشباع النفسي الكامن في غريزة النوع، أي حفظ النوع البشري، وعلى غريزة البقاء التي من مظاهرها التملك، بحيث تؤول الملكية بعد الموت لمن اتخذه ولداً. والله سبحانه وتعالى غنيٌّ عن هذا الإشباع لأنه الحي القيوم الذي تعزز بالقدرة والبقاء وقهر عباده بالموت والفناء، فلا يحتاج إلى شيء للحفاظ على وجوده، ولا إلى من يخلفه في ملكه، لأنه بيده ملكوتُ كل شيء، وهو الباقي بعد فناء كل شيء..
الدليل الثاني : {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [المؤمنون: 91].. وهذا أيضاً نفي قاطع وجازم بأنه ليس مع الله - جلَّ جلاله - من إله آخر، فهو الله الذي لا إله إلاَّ هو، إلهٌ واحدٌ أحدٌ، وهو رب السماوات والأرض، ورب العرش العظيم.. والدليل أنه لو كان مع الله من إلهٍ غيره، أو من آلهةٍ متعددة فماذا كان قد حصل؟!
- إنَّ افتراض تعدد الآلهة يعني حكماً تعدد الأكوان التي تخلقها تلك الآلهة، لأن من صفات «الإلـه» الخلق، ومن ثم يفترض هذا التعدد الاختلاف في القدرات على الخلق، بحيث تكون هنالك أكوان قوية، وأكوان ضعيفة، تبعاً لقدرة كل إلـه، وما أوجد، أو صنع!.. وهذا بخلاف ما أقرّه وأثبته علم الفلك، أي وحدة الكون، على الرغم من اتساعه، وترامي أبعاده وامتدادها إلى ملايين السنوات الضوئية..
- إنَّ افتراض التعدد في آلهةٍ قادرة على الخلق والصنع، يفترض أيضاً التعدد في السنن والنواميس التي تحكم كل منها الكون الذي ابتدعه كلُّ إلـه منها، وبالتالي الصراع في ما بينها، لأنه يفترض أن يكون لدى تلك الآلهة طبيعة استعلاء بعضها على البعض الآخر، والعمل من الأقوى على إخضاع الآخرين له.
وكل ذلك ضرب من الافتراضات التي لا تمت إلى الحقيقة بصلة؛ لأنه لو كان مع الله تعالى من آلهةٍ متفرقة، لكان أفضى ذلك إلى تعدد الإرادات، وتعدد الأنظمة الكونية وتنافرها، في حين أنه من الثابت للعقل البشري، ولدى مختلف أهل العلم أنَّ الكون بأسره تحكمه وحدة الإرادة والخلق، ووحدة النظام والتسيير، فضلاً عن دقة الصنع والتركيب، ومتانة الإبداع والتكوين بحيث لا يجد العقل أي تبديل أو تحويل في السنن والنواميس الكونية، كما لا يجد أي تفاوتٍ أو تباينٍ أو تصدع في مختلف أرجاء هذا الكون الفسيح، مصداقاً لقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَانِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ *ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ *} [المُلك: 3-4]...فهذا هو البرهان الساطع أمام البصائر والعقول النيّرة، إذ كلما تقدم علم الفلك، إزداد العلماء يقيناً بوحدة الكون، وترابط مختلف عوالمه وتماسكها في نظام محكم ومتين، وكله ينبئ عن وحدانية الصانع العظيم، والمدبر الحكيم، عن وحدانية الله جلَّ جلاله، {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ *لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ *} [الدّخان: 7-8].
أما ما يحصل من ظواهر كونية مثل الخسوف والكسوف، أو دخول كواكب في الثقوب السوداء وغيابها، وما إلى ذلك مما يعرفه علماء الفلك، فإنَّ مرده إلى الله تعالى، ولكنه قطعاً لا يؤثر على انتظام الكون وسيره وفقاً للسنن الثابتة، والنواميس الشاملة التي خلقها الله تعالى بقدر، مثلما خلق كلَّ شيء وقدَّره تقديراً..
ولعل من المفيد التذكير بأنَّ القرآن الكريم عندما يقدم دليلين عقليين في آية واحدةٍ على ألوهيَّة الله تعالى المطلقة، وعلى ربوبيته المطلقة، فهذا إعجاز قرآني بذاته، لأنه ليس في كلام العرب وجيزة واحدة يمكن أن تقدم أكثر من دليل على قضية هي أهم القضايا التي تعَدّ مدار الفكر البشري، ونعني بها العقيدة الدينية..
وفي السياق نفسه يقدم القرآن الكريم مباشرة، أي بعد الآية 91 من سورة «المؤمنون» برهاناً آخر على وحدانية الله سبحانه وتعالى وذلك لتفرّده بعلم الغيب، أي إنه هو علاّمُ الغيوب، ولا يمكن أحداً الاطلاع على غيبه إلاَّ من ارتضى من رسول، يوحي إليه سبحانه أموراً محدودة يريد أن يظهرها للناس لحكمة يشاؤها، يقول عزَّ وجلَّ: {عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ *} [المؤمنون: 92]، أي كما يعلم الله الشهادة، وهي كل شيءٍ مشهود بأنظارنا، أو مدرَكٌ ببصائرنا، فإنه يعلم سبحانه كلَّ شيءٍ مغيّبٍ عنا، ولا يجلّيه لوقته إلاَّ هو تعالى، ما يعني أنَّ الماضي الذي شهده الإنسان، أو الحاضر الذي يعيشه هو ملك له، ويدخل في دائرة اهتمامه، أما ما غابَ عنه فهو شأنٌ إلـهيٌّ، فلا يعلمه إلاَّ الله تعالى وحده، بحيث لا يجوز للإنسان أن يتكهّن بما قد يحصل، أو لا يحصل في الآتِي.. بل عليه أنْ يأخذ بالأسباب ويعدَّ العدّة لكل ما هو مطلوب منه، أو مرتقب لديه، ثم يترك النتائج لرب العالمين، الذي له الأمر من قبل ومن بعد، وهو على كل شيء قدير... وهذا بطبيعة الحال ما يتعلق بالأمور الدنيوية، أما الأمور الغيبية الأخروية فقد جعل الله تعالى لها آفاقاً أخرى أمام العقل البشري، ونصب له الأدلة والبراهين على حقيقتها، لكي تكون من القيم التي يؤمن بها..
وتلك الأدلة التي يقدمها القرآن الكريم، والتي تخاطب العقل وتلامس الفطرة، هي التي تجعل الإنسان العاقل المنصف يقرُّ بوحدانية الله تعالى، وتفرده بالألوهية المطلقة والربوبية المطلقة، فإنْ لم يؤمن الإنسانُ بأنَّ الله سبحانه وتعالى منزَّهٌ عن اتخاذ الولد، أو أن يكون له شريك في الملك، وأصرَّ على غيّه وضلاله، فإنه عزَّ وجلَّ غنيٌّ عنه، - بل وعن جميع مخلوقاته - وهو جلَّ جلاله قد نزَّه نفسه عن كل أنواع الشرك وأشكاله بقوله الحق: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعرَاف: 190].
فهل بعد هذا البيان القرآني من سبيل أمام الإنسان لأن يكون من الكافرين أو المشركين، أو أن يغلّب الأهواء، والمطامع، والشهوات والمصالح التي تعد من الشرك الخفي، وقد تكون أكثر شرّاً من الشرك الظاهر؟! وأياً يكن الشرك، خفياً أو ظاهراً فإنه يبعد الإنسان عن رحمة الله تعالى ومغفرته مصداقاً لقوله المبين: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا *} [النِّسَاء: 48]، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا *} [النِّسَاء: 116].
مما نخلص معه إلى أن القرآن الكريم عندما يضع مسألة الألوهية والربوبية موضع التفكّر والتدبّر أمام العقل البشري، فإنّما يريد من الإنسان أن يتدبّر هذه المسألة بحكمةٍ حتى لا يشط به التصور، ويدّعي القوة والعزة والتكبّر،بما يجعله فريسة الغرور الذي يوقعه في ضلالٍ بعيدٍ، وعاقبة هذا الضلال عدم المغفرة من الله جلّ شأنه، وبالتالي المصير المحتوم إلى جهنم وبئس المصير.
الحمد لله على محامده كلها
إنه لجديرٌ بالإنسان، في محنته من هذا القلق الذي يقتحم عليه فكره وعقله، وفي خضم هذا التناحر على المطالب الدنيوية الذي يضني جسمَهُ ونفسه، وتلك الصراعات العقائدية التي تكاد تدمّر كيانه الأخلاقي والاجتماعي والإنساني، أن يعود إلى ربه تعالى، فيطيعه، ويدعوه مخلصاً له الدين..
ونقول، ونحن على يقين - إن شاء الله - بأن الطريق المستقيم لطاعة الله تعالى، والإخلاص له في النية والقول والعمل، هو القرآن الحكيم الذي فيه الخلاص من كل ما يحيق بالإنسان من الظلم والقهر، والتجهيل، والإفساد والإضلال.. فالله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الإنسان، وهو أعلم بمصلحته، وبما ينفعه في دنياه وآخرته، فأنزل كتابه على رسوله محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) هدىً ورحمةً للعالمين، ولذلك نجد أنَّ هذا الكتاب يحمل دعوتين: إحداهما عامة للناس جميعاً، والأخرى خاصة بأهل الكتاب..
أما الدعوة العامة، فهي خطاب الله - عزَّ وجلَّ - للناس جميعاً، لكي يؤمنوا بالحق الذي جاءهم به الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) من ربهم، وذلك بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا *} [النِّسَاء: 170].
وأما الدعوة الخاصة، فهي مخاطبة الله تعالى لأهل الكتاب - من اليهود والنصارى - بصورة مباشرة لاتّباع رسولِهِ محمدٍ (صلى الله عليه وآله وسلّم) الذي هو نورٌ من الله، ومعه كتابٌ مبين يهدي به الله من آمن منهم سبيل السلامة والنجاة، ويخرجهم من الظلمات التي يتخبطون بها إلى نور الإيمان الحق بإذنه، يقول تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ *يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ *} [المَائدة: 15-16].
بل ويؤكد الخطاب الإلهي لأهل الكتاب بأنَّ رسوله محمداً (صلى الله عليه وآله وسلّم) قد جاءهم مبشراً لهم بالجنة إنْ آمنوا به، ومنذراً لهم بالنار إن لم يصدقوه ويقرّوا بنبوته، فلا عذرَ لهم بعدُ إنْ لم يتّبعوه، ولا حجة لهم أن يقولوا قد انقضت مدة طويلة من الزمن، ولم يبعث لنا الله رسولاً بعدها يبيّن لنا شرائع الدين وأحكامه التي تهدينا إلى الحق لما اختلفنا فيه، وذلك بقوله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *} [المَائدة: 19].
ولا ريب بأنَّ هذه الدعوات الربَّانيَّة لجديرةٌ أن يأخذها الناس - عموماً - وأهل الكتاب - خصوصاً - بعين التقدير والاعتبار، وأن يعملوا بها، لأنَّ فيها لمن اتَّبع رضوان الله تعالى سبل السلام، وإخراجهم من الظلمات إلى النور بإذن الله، والاهتداء إلى الصراط المستقيم..
ومن اتَّبع رضوان الله تعالى، فسوف يجد الله عفوَّاً غفوراً له، مثنّياً عليه.. علماً بأنه - جلَّت عظمته - هو الذي يستحق الثناء والشكر، والثناء على صنائعه كلها بعباده، وعلى جميل ما كرَّمهم به، وفضَّلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً..
والحمد والثناء:
هما من صفات الكمال التي وصف بها الله ذاته القدسية..
وهما من السجايا والخصال التي تميَّز بها الأنبياء والمرسلون في الطاعة لله وحمل الأمانة التي عهدها إليهم..
وهما من المزايا التي تعبَّد بها المؤمنون الصالحون لله العلي العظيم..
وقد بيَّن القرآن الكريم المحامد لله في كثير من السور والآيات البيّنات، وهذه بعض مما وفَّقنا ربُنا إليها:
- الحمد لله على خلق السماوات والأرض وخلق الناس.
يقول تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ *هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ *وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ *} [الأنعَام: 1-3].
الحمد هو الوصف بالجمال، والكمال، والقدرة، والكبرياء، والعظمة والعزّة لله جميعاً.. وهو الوصف الثابت في السماوات والأرض للإيمان بالله تعالى والثناء عليه بما هو أهلٌ له، في خلقه السماوات والأرض - وقد خصَّهما بالذكر لعظيم خلقهما في ما يرى الناظرُ من المخلوقات - وانبثاق الظلمات والنور من النجوم والكواكب الموجودة في فضاء الكون الواسع، وما ينجم عن الظلام والنور من تعاقب الليل والنهار وتأثيرهما على حياة الناس.. وهذا من دلائل قدرة الله سبحانه، التي مع قيامها وانتصابها أمام العقل، فإنَّ الذين كفروا بربهم يعدلون، بعبادتهم عنه، أو يجعلون له أنداداً، فهم به مشركون، أو إنهم يعدلون بأفعالهم عنه، وينسبونها إلى أنفسهم، أو إلى مخلوقاتٍ مثلهم، في حين أنَّه بالمشيئة الإلـهيَّة، وبالحقّ المبين قامت السماوات والأرض، إذ لو كان ركنٌ من الأركان الأربعة في العالم زائداً على الآخر، أو ناقصاً عنه، لم يكن العالمُ منتظماً.
والحمدُ لله الذي خلقنا من طين، ثم جَعَلَ من هذه الجبلةِ البشرية، أرقى مخلوقات الأرض..
وهو الله الذي يستحق العبادة في السماوات والأرض، يعلم ما نسرُّ في أنفسنا، فنحمده ونشكره لإمهالنا، وعدم افتضاح أسرارنا، لأنه لو شاء سبحانه لما ستَرَ علينا عوراتِ نفوسنا، وما نكيدُ لغيرنا، ونمكر بهم، فضلاً عن أنه عليم بما نجهرُ به من القول، وما نعمل من خير أو شرٍّ، فلا يجازينا على سوء أفعالنا، بل يمهلنا، ويأمرنا بأن نتوبَ إليه، فنقلع عن أخطائنا، وأفعالنا الجرمية، وهو التّواب لمن يشاء، والغفّارُ لمن يشاء من عباده..
والحمد لله، كما حَمَد سبحانه وتعالى نفسه القدسية، لأنه خالق السماوات والأرض بالإِبداع، لقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [فَاطِر: 1].. قال حبر الأمة عبد الله بن عباس: «ما كنت أدري معنى (فاطر) حتى احتكم إليَّ أعرابيان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي: أنا ابتدأتُ حفرها؛ فيكون معنى «فاطر السماوات والأرض» خلقهما ابتداءً من غير مثالٍ سبق، أو مثالٍ يحتذى به، فهي قدرة الله تعالى في إبداع خلقهما من العدم، وإبداع السنن الكونية التي تسيّرهما بهذه الدقة من القصد والإِحكام..
أما ما يدلُّ على الإِبداع في خلق الإنسان، فذلك الرشدُ الذي انتهى إليه السحرةُ في لحظات، عندما رأوا قدرة الله تعالى في تحويل عصا موسى (عليه السّلام) الخشبية إلى ثعبانٍ حيٍّ يسعى، فآمنوا، وأعلنوا إيمانهم برب موسى وهارون (عليهما السّلام) ، مما أثار حفيظة فرعون، وتهديده لهم بالقتل والصلب.. فما كان جواب السحرة إلاَّ أنْ أقسموا بالله الذي «فطرهم» إنهم لن يؤثروا فرعونَ على ما جاءهم من البينات الدالة على عظمة الله تعالى وقدرته، كما يبيِّنه قول الحق تبارك وتعالى: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا *إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى *} [طه: 72-73]. وهذا من الأدلة على صدق الفطرة لدى الإنسان، إذ في ساعة من أشد الساعات حرجاً، غلبت الفطرة على تلك الجماعة فآمنوا بالله إيماناً عقلياً صادقاً، ونبذوا كل مغريات فرعون الدنيوية بل ولم يأبهوا لتهديده إياهم بالصلب والقتل، وهذا منتهى صدق الفطرة التي فطرهم الله تعالى عليها، مصداقاً لقوله المبين: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الرُّوم: 30]. أي الفطرة والإبداع في ما ركز في الناس من معرفته سبحانه، ومن الاهتداء إلى الإيمان به.
الحمد لله رب السماوات والأرض
وهنا أيضاً الحمد لله لأنه ربُّ السماوات والأرض، وربُّ العالمين، وذلك بقوله المبين: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *} [الجَاثيَة: 36-37].
فللّه سبحانه وتعالى العظمة والكبرياء والعزّة في السماوات والأرض، لأنه ربّهما، والمالك، السيّد المتصرف بما ملك، فلا يقال «الربُّ» مطلقاً إلاَّ لله تعالى، المتكفّل بمصلحة المخلوقات كلها في السماوات والأرض، وكذلك «الربوبيَّة» فلا تقال إلاَّ لله ذي الجلال والإكرام؛ أما قولهم «أرباب»، كما في قوله تعالى: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يُوسُف: 39]، فالجمع فيه على حسب اعتقادهم بوجود أرباب متعددة كانوا يتعبدون لها، لا على ما عليه ذاتُ الشيء في نفسه؛ ولذلك أنكر النبيُّ يوسف (عليه السّلام) أنْ تكون تلك الأرباب، على تفرّقها في مصدر وجودها وفي انقيادها لخالقها خيراً من الله تعالى، الواحد القهار، رب الأرباب المدعاة، ورب الخلائق أجمعين، ربّ العالمين...
وقد جاء النهي القرآني عن اتخاذ الأرباب بصورة قاطعة وجازمة، لقوله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِّيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ *وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلاَئِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ *} [آل عِمرَان: 79-80].. إذاً فما كان لأحدٍ من النبيين والمرسلين أنْ يقول للناس: {كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عِمرَان: 79]، ولكن يقول لهم: كونوا ربانيين، أي علماء بما تعلِّمون وتدرسون من الكتب التي تهدي إلى صراط الحميد المجيد، وبما تقدمون لأنفسكم، ولغيركم من خيرٍ تجدونه عند الله تعالى، وبذلك تكونون ربانيين منتسبين إلى الربِّ العلي القدير.. وما كان أيضاً لأحدٍ من النبيين والمرسلين أن يأمر الناس باتخاذ الملائكة أرباباً كما فعلت الصابئة، أو أن يأمر الناس باتخاذ العباد، ولو كانوا من النبيين، أرباباً، كما فعل اليهود باتخاذ علمائهم أرباباً، وكما فعلت النصارى باتخاذ رهبانهم والمسيح ابن مريم (عليه السّلام) أرباباً من دون الله تعالى، لقوله عزَّ وجلَّ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ *} [التّوبَة: 31]، وكيف يأمر بالكفر هؤلاء الذين بعثهم الله تعالى هداةً ومصلحين؟!.. وكيف تقبل نفوسكم أيها الناس الكفر أو الشرك بالله تعالى بعد إذ أنتم مسلمون لله رب العالمين، منقادون له بالطاعة والاستسلام، والرضا بقضائه وقدره لقوله الحق المبين: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ *} [آل عِمرَان: 83].
فالمؤمن يكون مسلماً، منقاداً لعبادة الله تعالى وطاعته عن قناعة ورضىً، أما الكافر أو المشرك فإنه يلتجئ إلى ربّه بصورة تلقائية وعفوية، لأن الفطرة في داخله هي التي تتحرّك، وهي التي تحثّه على أن يستغيث بالله سبحانه، ويرجوه أن يخلّصه من شدته، وفي ذلك منتهى الطواعية، ولو كرهاً، والاستسلام، ولو ظرفياً، لمن وحده يملك المشيئة والقدرة على أن يفعل ما يشاء، وليس ذلك لأحدٍ إلاَّ لله العزيز القاهر فوق عباده.
الحمد لله على نعمه وهباته
ومن النعم والهبات التي أنعم الله تعالى بها على الناس أنْ سخّر لهم ما في الأرض جميعاً، لأنها مستقرهم ومأواهم أحياءً وأمواتاً؛ وبما جعل لهم السماء بناءً، وسقفاً محفوظاً من طغيان الأجرام السماوية على أمِّهم الأرض، وبما حباهم من حُسن الهيئة والخلقة، وصورهم فأحسن صورهم، ثم رزقهم من الطيبات ليحافظوا على رونق هذا الخلق الآدمي، فلا يشوهونه بالجحود، بل يجمّلونه بالحمد والشكر لصاحب الفضل والنعمة.
يقول الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ *هُوَ الْحَيُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *} [غَافر: 64-65]، أجل «الحمد لله رب العالمين» على كل تلك الهبات، والنعم، والعطايا التي يَمتنُّ بها عليكم الخالق العظيم، والرزّاق الكريم، فاعبدوه حق العبادة، واخلصوا له في العبادة، والحمد والثناء عليه، لكي يكون حمدكم وشكركم له سبحانه بمثابة نَغَمٍ في هذه السمفونية الكونية التي تُسبِّحُ فيها السماوات والأرض ومَنْ فيهن لله العلي العظيم مصداقاً لقوله تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *} [التّغَابُن: 1]، وقوله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا *} [الإسرَاء: 44].. فما من شيء في السماوات والأرض إلاَّ ويُنزِّهُ الله في عليائه، ويسبحه في ملكوته، كأن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إلـه إلاَّ الله والله أكبر.. أو كأن يقول: سبحان الله، له الحمد، وله الشكر، وله النعمة، وله الرضى وهو على كل شيء قدير.. والحقيقة أنه ما من شيء في الوجود كله، إلاَّ ويسبح بحمد ربه، إنْ باللغة التي ينطق بها، أو بالصوت الذي يخرج من فمه، أو بالنفس الذي يتنفَّسه، حتى الجماد يسبح بحمد ربه، ومثاله الجبال التي كانت تردّدُ مع النبي داود (عليه السّلام) تسابيحه بأنغام المجد لله في العلا، كما يدلُّ على ذلك قوله تعالى: {يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سَبَإ: 10]؛ وقوله تعالى: {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ *إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ *وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ *} [ص: 17-19]... فالجبال والطير كانت تسبح مع النبي داود (عليه السّلام) وقت صلاة العشاء، ووقت صلاة الصبح حتى إشراق الشمس، وكذلك الطيور كانت تجتمع إليه من مختلف أجناسها وأنواعها، تسترجع تسبيحه في زغرداتها، وزقزقاتها وكأنها ترتّل أناشيد الخلود والتعظيم للخالق العظيم.. وقد عبر أحد الكُتّاب عن قضية تسبيح الكون جميعه لخالقه بكلمات جميلة فقال:(ولذلك فإنني عندما أسمع صياح الديكة في الصباح، وزغردة العصافير مع طلوع الشمس، أو في أي وقت من ليلٍ أو نهار، أجدني ساجداً لله تعالى، مسبّحاً، حامداً، شكوراً على ما وهبني، ووهب الإنسان، بل وكل مخلوقاته من نعمة التسبيح بحمده، وإن كنت أشاركها تسابيحها وتراتيلها في أنغام الوجود)...
ذلكم الله ربكم أيها الناس، فاعبدوه مخلصين له الدين، وسبّحوا بحمده بكرةً وأصيلاً {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ *وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ *} [الرُّوم: 17-18].
أما تسبيح الرسل والأنبياء لله رب العالمين، وحمده على ما أنزل عليهم من كتاب، وما آتاهم من النبوة، والحكمة، وما أيَّدهم به من نصرٍ على الكافرين.. فإنَّ ذلك كله ممّا تحفل به آيات القرآن المجيد للدلالة على عظمة الله في ذاته، وقدسيته وجلاله، والاعتراف بهباته السنيَّة عليهم، وعلى عباده، بل وسائر مخلوقاته.. ففي خطاب الحق سبحانه للنبي نوح (عليه السّلام) نجده يرشده بقوله الحكيم: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ *} [المؤمنون: 28]، وهذا الحمد لا تقف مصاديقه عند هلاك الكافرين بالطوفان، بل ويستشرف الحياة الإنسانيةَ باستمرارها من ذرية نوحٍ،وممَّن حمل مَعَهُ من المؤمنين في الفلك، وباستمرار حياة الحيوان والطير ممَّا حَمَلَ معه من كل صنفٍ زوجين، فكان هذا الذي نراه من الكائنات الحية على الأرض، من الناس، والأنعام، والدواب على اختلاف أصنافها..
وفي الإقرار بفضل الله عزَّ وعلا، على داود وسليمان (عليهما السّلام) يقول تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ *} [النَّمل: 15]، إذ من العلم الذي آتاه الله تعالى لهما: القضاء بين الناس، وتعليمهما منطق الطير والحشرات.. فقد سخّر سبحانه لداود (عليه السّلام) الجبال والطير - كما أشرنا إليه - تسترجع تسابيحه ومحامده لرب العالمين.. وسخَّر لسليمان (عليه السّلام) الجن والإنس والطير، و{الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص: 36] وهذا ما يعبّر عنه سليمان (عليه السّلام) ، وهو يخاطب الناس، مبيّناً أنَّه أوتيَ هو وأبوه «من كل شيءٍ» علماً وتسخيراً، كما يدلّ عليه قول الحقّ تبارك وتعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ *وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ *} [النَّمل: 16-17].
ولم يكن سائر الانبياء والمرسلين، والحقُّ يقال: إلاَّ شاكرين، حامدين لربهم تعالى على ما آتاهم من النبوة، وحمل الرسالات، وأداء الأمانة وإبلاغها للناس.. ولا يسعنا البحث هنا أنْ نبين فضائلهم في عبوديتهم لرب العالمين، وما حباهم به من نعمة العرفان بالجميل، ولكن يمكن لكلّ من يشاء ذلك أن يطلع على سيرة حياتهم، وما تحفل به من القيم، والمثل والتعاليم، من خلال الكتب والسير الصادرة بهذا الخصوص.. إنما لا بدَّ من تبيان بعض مدلولات معاني الحمد التي أوحاها الله عزَّ وجلَّ لرسوله الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ، بوصفه خاتم النبـييـن، ورسول رب العالمين للناس أجمعين، لإبلاغ الدين الكامل، الذي أتَمَّ به العزيز الحكيم نعمته عليهم، وارتضاه لهم ديناً، لقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المَائدة: 3]..
والكتاب الذي يحمل الحمد لله تعالى، حمداً باقياً أبداً، ما بقي الليل والنهار هو، ولا ريب، القرآن الكريم، بل وفيه الحمد لله على إنزاله بالذات على قلب عبده محمدٍ (صلى الله عليه وآله وسلّم) كما يبيَّنه قوله عزَّ وعَلاَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا *قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَناً *مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا *} [الكهف: 1-3]، أي الخلود في الجنة..
ولا يسعنا أنْ نتقصَّى ما في القرآن الحكيم من الصلة الوثيقة التي تربط محمداً (صلى الله عليه وآله وسلّم) بربه تعالى، فكلّ ما في القرآن يبيّن هذه الصلة بمواثيقها، ونفحاتها، ومناسك عباداتها، فضلاً عمَّا تترامى به في الزمان والمكان بأبعادها، وآفاقها، ومدلولاتها، وكلها توحي بما يوجب على العبد من عبادةٍ لله الغفور الرحيم، ومن ذكر للرب العليم الحكيم، لا ينقطع فيهما الشكر والحمد له على آلائه، ونعمائه وفضله العظيم.. ولنا في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الأسوة الحسنة، فقد كان حامداً شكوراً في كل شيءٍ من أبسط عمل يقوم به إلى أجلِّه، ومن أرقِّ كلمة يتلفظ بها إلى أعظم بلاغ مبين للملأ أجمعين.. فمن المآثر في السيرة النبوية الشريفة: قوله (صلى الله عليه وآله وسلّم): «إنَّ الله تعالى لَيَرْضَى عَنِ العبدِ أن يأكُلَ الأَكْلَةَ فيحمَدَهُ عليها، أو يَشرَبَ الشُّربَةَ فيحَمَدَهُ عليها»[*] .. وكان (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا رفعَ مائدتَهُ قال: «الحمدُ لله كثيراً طيِّباً مُبَارَكاً فيه غير مكفِيٍّ، وغير مُوَدَّعٍ ولا مُسْتَغْنىً عنهُ ربَّنا»[*] .. وكان (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا فرغ من تناول طعامه قال: «الحمدُ لله الذي كَفَانَا وأَرْوَانَا، غيرُ مكفيٍّ وغيرُ مكفورٍ»[*] - وغيرُ مكفيٍّ: أي غير مردود.
وكان (صلى الله عليه وآله وسلّم) يعلّم الناس معاني الحمد على سلامة البدن، ووفرة العافية بقوله (صلى الله عليه وآله وسلّم): «مَن رأى مُبْتَلىً فقال: الحمدُ لله الذي عَافَاني ممّا ابْتَلاكَ بِهِ وفَضَّلَني على كثيرٍ مِمَّنْ خلَقَ تَفْضيلاً، لم يُصِبْهُ ذلك البَلاءُ»[*] .
كما كان يربّي الناس على ألاَّ يحمدوا أنفسهم على ما يؤتون من صالح الأعمال، بل يُعزون ذلك إلى فضل الله تعالى عليهم، فكان يقول لهم: «مَنْ لَمْ يَحْمِدِ الله تعالى على ما عَمِلَ من عَملٍ صالحٍ وحَمَدَ نفسَهُ قل شكره وحَبِطَ عملُهُ، ومَنْ زعَمَ أنَّ الله جَعَلَ للعِباد مِنَ الأَمرِ شيئاً فقدْ كَفَرَ بما أَنْزَلَ الله على الأنبياء لقولِهِ تعالى (ص) } ! »[*] ، ولذلك كان (صلى الله عليه وآله وسلّم) يدعو بهذا الدعاء، المترامي الأبعاد والمقاصد،فيقول: «اللَّهمَّ لَكَ الحمدُ كلُّهُ، ولَكَ المُلكُ كلُّهُ، بيدِكَ الخيرُ كلُّه، إليْكَ يَرجِعُ الأمرُ كلُّهُ، عَلانيتُهُ وسرّه»[*] ..
وكان يقول (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأصحابه: «إني لأستغفرُ الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعينَ مرةً[*] .. ولما كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقوم الليل راكعاً وساجداً لله حتى تتورم قدماه، قيل له: «غَفَرَ لكَ ربُّكَ ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِكَ وما تَأَخَّر»[*] ، قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً»[*] .. فهذا بعضٌ من طيب أنفاس المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلّم) .. فانظر إلى هذه النفحات العلوية وهي تتنزل عليه قرآناً كريماً بقوله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ *أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ *أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلاَلَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ *أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ *أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ *} [النَّمل: 59-63].
فماذا ترى أيها الإنسان؟!
فهل ترى أنّ الله الذي خلق لك كل هذه الخيرات والبركات، وكل هذه النعم والأرزاق، هو خيرٌ لك في العبادة، أم تلك الآلهة المزعومة التي لا تنفع ولا تضر بشيء، فهل من سبيل يرتجي عندها من يشركونها في عبادة الله تعالى؟ أولا يتفكرون في ذلك فتستبين لهم ضحالة عقيدة الكفر والشرك من قوامة عقيدة التوحيد التي كلها خير وفلاح؟
وإنه لواضحٌ أنَّ الله تعالى يستهلُّ خطابه للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ، في هذه الآيات المباركة، بالحمد الثابت له عزَّ وجلَّ، وبالسلام على عباده الذين اصطفاهم من خير البرية لحمل دينه القويم، ليعود ويبيّن مقدار الأنعام والهبات التي يتكرّم بها على مخلوقاته في هذه الأرض، وهي من الآلاء الدالة على قدرته، وعزته ومشيئته سبحانه، بحيث عندما نعلم كل هذه الفيوضات الربانية، يكون من صدق إيماننا، ومن ضرورة وجودنا أن نكون من الحامدين الدائمين لهذا الجود والكرم من ربنا العلي العظيم..
أما إذا كان هنالك من الناس من ينكر جليل صنع الله وعطائه، ممّا هو ماثل أمام بصيرته، ولولاها لما كان له من وجود، أو من استمراريةِ بقاءٍ في هذه الحياة.. أو إذا كان هنالك من الناس من يغلّب عقائده أو مفاهيمه أو مآربَهُ على رضوان الله تعالى، ثم يتصرَّفون كأنَّ لهم خلوداً في هذه الدنيا!. فكل أولئك الظالمين لأنفسهم، هل يحسبون وهم ينساقون وراء جحودهم، أنَّ القادر على كل شيء، غافل عن كفرهم، وشركهم وإلحادهم، أو أنه سبحانه لا يعلم خفايا صدورهم، وما يدبّرون ويصنعون؟
أبداً، فما كان الله تعالى لينسى، أو يغفل، أو لا يحاسب على كل نيةٍ أو عملٍ أو قول، ولكنه سبحانَهُ حليم لا يعاجل بالعقوبة، يمهل ولا يُهمل، إذا أصرّوا على كفرهم استدرجهم من حيث لا يعلمون!..
المرسلون يحمدون الله تعالى على نصرتهم
... فمن الثابت في تاريخ الرسل أنهم كانوا يبلّغون عن الله ربهم عقيدة التوحيد، والشرائع التي أنزلت عليهم، ولكنَّ أكثر الناس لم يؤمنوا، ولم يستجيبوا لدعواتهم، فكان مصيرهم الهلاك والدمار، كما حلَّ بالأقوام والأمم الغابرة.. فكان الرسل (عليهم السّلام) يحمدون الله تعالى على نجاتهم من الظالمين، مصداقاً لقوله تعالى: {وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ *وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *} [الصَّافات: 181-182]، حمداً يليق به سبحانه على نصر المرسلين، وهلاك الكافرين.
وفي إلقاء الحجة على الذين لا ينكرون حقيقة وجود الله تعالى، ولكنهم لا يدينون بعقيدة التوحيد، ولا يعتنقون الإسلام ديناً، كما بعث به محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ، يأتي هذا البيان القرآني بقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ *} [لقمَان: 25]، ولئن سألتهم يا «محمد» من خلق السماوات والأرض، ليقولُنَّ، توكيداً: الله، قل: «الحمد لله» بظهور الحجة عليهم من أفواههم، فعندما يقرون بأنَّ الله - جلَّت عظمتُهُ - قد تفرَّد بالقدرة على هذا الخلق العظيم، فقد تفرَّد، حكماً، بالوحدانية، التي هي واجب عقائدي ووجداني على الإنسان، ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون أن توحيد الله هو موجب وجودهم واعتقادهم، وأنَّ كلَّ ما خلا ذلك باطل، ولذلك ينحرفون عن الحق الثابت الأصيل في الوجود، عن عبادة الله الواحد الأحد، فيقعون في الشرك والضلال.
ولكي تستبين للإنسان ماهية عقيدة التوحيد عن ماهية عقائد الشرك، ما عليه إلاَّ أن يستمع إلى ما ضرب الله تعالى مثلاً من أنفسنا بقوله المبين: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ *} [الرُّوم: 28].
هؤلاء الذين هم من أنفسكم، من البشر أمثالكم، ولكنهم بحكم الواقع عبيدٌ لكم أو مماليك، أو مستخدمون تتحكّمون برقابهم ولقمة عيشهم، فهل تشركونهم في ما رزقكم الله من الأموال، والشركات، والمؤسسات، والقصور، والأنعام، والأراضي والبساتين؟ أم هل تجعلونهم شركاء في قراراتكم التي تتخذونها؟! فهل تجعلونهم يتساوون معكم، في ذلك، حتى تخافوهم، كما تخافون من هم من صنوكم، وفي مستوياتكم الاجتماعية، والمالية؟ ليس المستخدمون في مؤسساتكم، أو الخدم في منازلكم.. ليسوا شركاء لكم بشيء، بل مجرد مأجورين عندكم، فكيف تجعلون، إذًا، مماليك لله تعالى، أو مخلوقات له عزَّ وجلَّ، شركاء له؟ إلاَّ إذا كنتم قوماً لا تعقلون، ولا تتدبرون..
وفي مثل قرآني آخر يقول الله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوكًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزْقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ *} [النّحل: 75]، فالعبد المملوك - إذا وُجِدَ في أيامنا - أو أي أحد يعمل لديكم أو لحسابكم، مهما كانت الصفة أو الوظيفة التي توكل إليه، والذي لا يقدر على شيءٍ إلاَّ تنفيذ الأوامر التي تعطى له، وليس له أي صلاحية أو حرية التصرف أو الحركة بخلاف ذلك.. وفي مقابله سيده، أو مولاه أو رئيسه، الذي رزقه الله تعالى من فضله مالاً وفيراً، فهو يتصرف به كيفما يشاء، بحيث ينفق منه سرّاً وجهراً، ولا يخاف عاقبة إنفاقه من أحد، فهل يستوي مع عبده ملكاً، وحريةً، وإرادةً وتصرّفاً؟ مستحيل.. إذ كيف يستوي، في نظركم، الله العليُّ العظيم مع من تحسبونهم شركاء له في ملكه، وهم عبيدٌ له، وهو قادر على أنْ يفعل بهم ما يشاء، فإنْ كانوا أصناماً بعث من يحطّمهم ويجتثهم، وإنْ كانوا أناساً بدّد ثرواتهم، وأزال سلطانهم، أو فرّق شملهم، أو فتَّت قواهم التي يستكبرون بها، والله على كل شيء قدير! وهل يمكن أن يُحمَدُ العبدُ المأمور الذي لا يقدر على شيء، أم يُحْمَدُ المنفق مما رزقه الله من الرزق الطيب الحلال؟ وهل يستوي كلاهما في المعيار البشري؟! أبداً... إذاً فهل يجب أن يكون الحمد في السماوات والأرض إلاَّ لله الحميد المجيد؟ فالحمد لله وحده، الذي يستأهل المحامد كلها..أمّا هؤلاء الناس، الذين يدّعون أنهم «أحرارٌ» فلا يجوز لهم أن يحمدوا أنفسهم على ما آتاهم الله من العلم، والسلطان والمال حتى صاروا «عبيداً» بصورةٍ تراتبيّةٍ، منهم من يأتمرُهُ غيره جهراً، ومنهم من يُؤتَمرون سرّاً، وجميعهم، في نهاية المطاف، عبيدٌ للمال أو الأهواء أو المطامع الدنيوية، ولا سيما عبادتهم للمراكز التي نُصّبوا فيها، والتي تجعلهم يتمسكون بها ولو بظلم الناس ومخالفة شرع الله!.. فبئس «الأحرار» هم، وبئس ما ملكوا من الجاه والثروة والنفوذ! وهم يحمدون أنفسهم على ما آتاهم الله من فضله!.. وكيف يتماهون بمحامد أنفسهم والأعراف التي بحكمهم تجعل «الأسياد» يستخدمون دائماً الأتباع، أو الذين هم دون رتبةٍ، بما يخدم مصالحهم، وأنهم لا يتورعون عن التخلّص منهم ساعة يشاؤون؟!.. بل وما بال هؤلاء الذين يتوهمون أنهم «سادة» العالم ينسون أو يتناسون أنَّ فوقهم الله العزيز الجبار، السيد المطلق، وهو سبحانه لهم بالمرصاد يحصي عليهم كل صغيرةٍ وكبيرةٍ، فأين يهربون بسيادتهم الموهومة، والموتُ فوق رقابهم، والحساب آتٍ لا محالة؟!..
الله تعالى غنيٌّ عن العالمين
ولئن كان الحمد والشكر يتلازمان مع إيمان الإنسان في عبادته، وطاعته واستسلامه لله تعالى، {فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عِمرَان: 97]، فلا يحتاج سبحانه لعبادة مخلوقاته من الجن والإنس والملائكة أجمعين، ولكنه - جلَّ جلاله - فرض على خلائقه عبادته ليتبيّن الطائع من العاصي، كما أنه يحبّ لعباده أن يحمدوه، ويشكروه لأنَّ ذلك دليلٌ على الطاعة، وهو خيرٌ لأنفسهم، كما يبيّنه ربنا الكريم بقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ *} [لقمَان: 12]؛ فالناس مطلوب منهم أن يشكروا الله ربّهم على صنائعه بهم، ومن يشكر فإنّما يشكر لنفسه لأنَّ هناك جزاءً وثواباً {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عِمرَان: 144]، ومن كفر فإنّما يرتدُّ كفرُهُ عليه عقاباً أليماً، والله غنيٌّ عن الكافرين، وعن خلقه أجمعين، فإنْ تعثر الحال بهؤلاء الكافرين، ولم يحمدوا الله أو يشكروه، فإنه سبحانه حميد مجيد في السماوات والأرض، محمودٌ في صفات كماله، مجيدٌ في سلطانه، ذو العرش المجيد،أمّا العباد فـ {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلأَِنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ *لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ *} [الرُّوم: 44-45].
وإذا كان الشكر، بمعناه العام، هو تصور النعمة وإظهارها، فقد قيل بأن الشكر مقلوب عن الكشر، أي الكشف، ويضاده الكفر أو الستر، بما يجعل الكفر نسياناً للنعمة وسترها. والشكر يكون إمَّا بالقلب (وهو تصوّر النعمة)، وإما باللسان (وهو الثناء على النعم)، وإمّا بسائر الجوارح (وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقها) وإذا كان من مقاييس الحكمة التي أوتيها «لقمان» أن يكون شاكراً لله تعالى على هذه النعمة الجليلة، فإنَّ ما أوحاه ربنا الكريم للنبي موسى (عليه السّلام) ، لكي يوعظ به قومه من بني إسرائيل، يبيّن أنَّ الشكر هو من خصال المؤمنين، ويضاده الجحود الذي هو من خصال الكافرين، ولكنَّ الفارق العظيم هو أنّ المؤمنين كلما ازدادوا شكراً، زادهم الله تعالى نعمةً وثواباً، بينما لا يلاقي الكافرون إلاَّ العذاب، كما نستدل به، على لسان موسى (عليه السّلام) بقوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأََزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ *وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ *} [إبراهيم: 7-8].
ونظراً لأهمية الشكر فقد جعله الله تعالى مقابلاً للكفر، بقوله المبين: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا *} [الإنسَان: 3].
والنتيجة الحاسمة أنَّ الإيمان والكفر، والشكر والجحود، هي موازين لرصد وضبط حركة الإنسان بخالقه، ربِّ السماوات والأرض، فهو العزيز في ملكه، الحكيم في صنعه، وهو الغنيُّ عن العالمين، بقوله الحق: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ *} [العَنكبوت: 6].
وهكذا يتبيّن من الآيات الكريمة التي أوردناها عن الحمد والشكر أنها تنبئ - مثل غيرها في كثير من الآيات القرآنية - بأنَّ الإنسان على نفسه بصيرة، وأنه مخيّر بين صالح العمل أو سيّئه، بين عمل الخير أو الشر، وأنَّ سبيله الإيمان أو الكفر - وما بينهما من النفاق - فمن كفر أو أشرك - أو نافق - فقد يربح الدنيا، وقد لا يربحها، ولكنه حكماً سوف يخسر الآخرة.. وأما من آمن واتَّقى، وحمد وشكر فإنَّ الجنة هي المأوى، يقول ربنا تبارك وتعالى: {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاؤُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ *ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ *} [الشّورى: 22-23].
محامد المؤمنين على وراثة الجنة
وقد أورد القرآن المجيد الآياتِ الكريمةَ التي تؤكد محامد المؤمنين لله تعالى، وهم في رحاب الجنة يتبوأون منها حيث يشاؤون في الدرجات التي أعدّت لهم.
ويكفي أن نتصوَّر مشهد يوم القيامة، والناس في الحشر، والملائكة حافّين من حول العرش العظيم، وهم يقولون: سبحان الله وبحمده، وقضي بين الخلائق بالحق، الذي تقوم عليه موازين العدل الإلهي، في كفتين توزن بهما الذرة من الخير، مثلما توزن بهما الذرة من الشر، فيدخل المؤمنون الجنة، ويساق الكافرون إلى النار، وكان وعد الله مفعولاً، حيث تراتيل الملائكة، وهم يسبّحون أناشيد الحمد لله رب العالمين، كما يبيّنه قوله الكريم: {وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *} [الزُّمَر: 75].
أما الأنوار القدسية، التي تتلألأ بها جنبات الجنة فهي الأنوار التي تسطع بها آيات القرآن الكريم بشرى للمؤمنين بما ينتظرهم من النعيم المقيم، وذلك بقول الحق تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ *} [الأعرَاف: 42-43].
وقوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ *وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ *} [الزُّمَر: 73-74]، أي وقال أهل الجنة بعد أن أُدخلوها: الحمد لله الذي صدقنا وعده الذي وعدناه على ألسنة الرسل، وأورثنا أرض الجنة، حيث عاقبة أمرنا، نتبوَّأ فيها ما نشاء من هذه القصور الرحبة، والجنائن الغنّاء، التي أعدَّها ربُّنا الكريم لعباده المتقين..
وهذا الفضل العظيم، هو بذاته ما يستحق الثناء والحمد والشكر لله ربّ العالمين، وهو لسان حال المؤمنين في جنات الخلد حيث دعواهم الأخيرة «أنِ الحمد لله رب العالمين»، كما يثبته قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ *دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *} [يُونس: 9-10] ونحن آخر دعوانا «أنِ الحمد لله رب العالمين» على ما هدانا، وما قدَّرنا في محاولتنا لأنْ نقدم في هذا الكتاب من سبل لمعرفة النفس الإنسانية، وما أعاننا عليه سبحانه من فهم لمعاني ومقاصد الآيات القرآنية التي كانت دلائل حق، وبراهين نور في عملنا، وما وجَّهنا إليه مولانا الكريم للإفادة من السيرة النبوية الشريفة سيرة سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) في تبيين معاني الآيات التي تتناول النفس؛ فنسأل الله الودود الغفور أن نكون قد وفقنا في هذه المحاولة التي نتوخى منها ما قد يهدي الإنسان إلى صلاح نفسه وأحواله، كما نرجوه تعالى أن يعفو عنا إن كنا قد أهملنا أو قصرنا - عن غير قصد - في الأبحاث التي تناولها هذا الكتاب الذي نأمل ونرجو أن يكون خادماً أميناً للقرآن المجيد، وللسنة النبوية الشريفة، وعسى أن يدخلنا ربّنا تعالى في عباده الذين قال عنهم عزّ من قائل: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِبِّ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ *} [الحَجّ: 24]. والحمد لله رب العالمين..
المراجع
(1) القرآن الكريم
(2) نهج البلاغة
(3) صحيح البخاري، الإمام البخاري
(4) صحيح مسلم، الإمام مسلم
(5) الموطأ، مالك بن أنس
(6) الأم، محمد بن إدريس الشافعي
(7) مسند أبي حنيفة، أبو حنيفة
(8) مسند الإمام أحمد بن حنبل، أحمد بن حنبل
(9) السنن الكبرى، البيهقي
(10) سنن ابن ماجه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي
(11) سنن النسائي، شرح الحافظ جلال الدين السيوطي
(12) مجمع البيان، الطبرسي
(13) الكشاف، الزمخشري
(14) في ظلال القرآن، سيد قطب
(15) لسان العرب، ابن منظور
(16) تفسير مفردات الفاظ القرآن الكريم، سميح عاطف الزين
(17) كتاب السياسة، ابن سينا
(18) آراء أهل المدينة الفاضلة، أبو نصر الفارابي
(19) تحفة المودود بأحكام المولود، ابن قيم الجوزية
(20) المقدمة، لابن خلدون
(21) الوجيز في علم الأجنة القرآني، محمد علي البار
(22) علم نفس النمو: الطفولة والمراهقة، حامد زهران
(23) الشخصية، محمد تقي الدين النبهاني
(24) التفكير، محمد تقي الدين النبهاني
(25) نظريات الشخصية، كالفين هول ـ ليندزي، ترجمة فرج أحمد فرج
(26) أضواء على الشخصية والصحة العقلية، عثمان لبيب فراج
(27) الموسوعة المختصرة في علم النفس والطب العقلي، وليم الخولي
(28) المعجم الفلسفي، جميل صليبا
(29) علم النفس، جميل صليبا
(30) مداخل علم النفس، لندا ل. دافيدوف
(31) علم النفس الحديث، مصطفى سويف
(32) المرجع في علم النفس، سعد جلال
(33) مذاهب علم النفس، علي زيعور
(34) أصول الطب النفساني، فخري الدباغ
(35) الطب النفسي المعاصر، أحمد عكاشة
(36) قضايا نفسية في علم النفس المعاصر، عطوف محمود ياسين
(37) أسس الصحة النفسية، عبد العزيز القوصي
(38) التحليل النفسي (ترجمة الشنيطي)، أرنست جونز
(39) الموجز في التحليل النفسي (ترجمة سامي محمود علي)، فرويد
(40) كتاب تفسير الأحلام الكبير، محمد بن سيرين
(41) تعطير الأنام في تعبير المنام، عبد الغني النابلسي
(42) الأمراض النفسية والعقلية، عزت راجح
(43) علم النفس الديني، سيربل بيرت
(44) التربية النفسية في المنهج الإسلامي، حسن الشرقاوي
(45) القرآن وعلم النفس، محمد عثمان نيجاتي
(46) الحديث النبوي وعلم النفس، محمد عثمان نيجاتي
(47) من علم النفس القرآني، عدنان الشريف
(48) التعريفات، علي بن محمد الجرجاني
(49) الطفل في ضوء التربية الإسلامية، عصام عيتاوي
(50) العديد من النشرات والمجلات، ساري محمود فرح

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢