نبذة عن حياة الكاتب
المسلمون من هم

الإِمامُ زَيْد

وهذَا هُوَ الإِمامُ زيد بن علي زينِ العابدين (ع) ورث تقديرَ واحترامَ وحبَّ الراشدينَ عن آبائِهِ واجدادِهِ.
وهذا هشامُ بْنُ عبدِ الملكِ ورثَ كرْهَ وحقدَ وعصبيةَ يزيد ومَنْ شاكلهُ.
تلقَّى الإمامُ زيدٌ في نشأَتِهِ الأُولى الفقهَ عَنْ أَبيهِ. فقد كانَ واسعَ العلمِ والمعرفةِ، وكانَ يأْخذُ بكتابِ الله تعالىَ ثم بسنَّةِ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد روي عن عبدالله بن مسلم بن بابك أنه قال: «خرجنا مع زيد بن علي إلى مكة فلما كان نصف الليل واستوت الثريا قال: يا بابكي أما ترى هذه الثريا! أترى أحدًا ينالها؟ قلت: لا، قال: والله لوددت أن يدي ملصقة بها فأقع إلى الأرض أو حيث أقع فأتقطع قطعة قطعة، وأنَّ الله أصلح بين أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)». وقد روي عن محمد بن الفرات، قال: «رأيت زيد بن علي وقد أَثَّر السجود بوجهه أثرًا خفيفًا». وإذا كانَ أَبُوهُ تركهُ يافعًا فإنَّ أخاهُ محمدًا الباقرَ قد خلفَ أَباهُ في إمامةِ العلمِ والفقهِ وكانتْ لَهُ مثلُ أخلاقِهِ ومثلُ ورعِهِ. وكانَ مثلَهُ كذلك في احترامِهِ لسلفِ هذهِ الأُمّةِ وخصوصًا لأَبي بكرٍ وعمرَ رضي الله عنهما.
تخرجَ الإمامُ زيدٌ في تلكَ المدرسةِ النبويّةِ بالمدينةِ إِذْ إنَّ أولئكَ الأَجلاء بعدَ أَنِ أمتحنهمْ الله تعالى ذلكَ الامتحانَ الشَّديد في السياسةِ، وفتكَ بهمُ الغدر وسوءُ الجندِ، وظلمُ الفئة الباغية من الحكامِ، اعتزلُوا كلَّ شيءٍ وتفرّغُوا لحملِ الدّعوة الإِسلاميّةِ.
قالَ أبو حنيفةَ رضي الله عنهُ لمنْ سأَلهُ عمّن تلقَّى علمَهُ: كنتُ في معدنِ العلمِ، وبذلك يُشيرُ إِلى الإمامِ زيد سلام الله عليه.
نعمْ لقدْ كانَ في معدنِ علمِ الإسلامِ ومنزلِ الوحيِ وموطنِ الشَّريعةِ الإِسلاميّةِ الذي نزلتْ فيهِ وطُبِّقتْ وعملَ بها الصّحابةُ، وتوارثَ أَهلُها أعمالَ السلفِ الصّالحِ، تلكَ هيَ المدينةُ المنوّرة الّتي كانتْ موطنَ الإسلامِ، وفيها تلقَّى زيدٌ علم الفروعِ والحديثِ وحفظِ القرآن، وكانَ من أَعلمِ أهلِ عصره بِقراءَات القرآنِ وأكثرهمْ فهمًا وإدراكًا لمراميهِ.
ولما أَخذتِ الدّولة الأَمويّةُ في الضعفِ بَعْد عهدِ الوليدِ بْنِ عبدِ الملكِ وعمرَ بْنِ عبدِ العزيزِ أَخذَ التظنُّنُ بأَئمّةِ أَهلِ البيتِ يقوَى ويشتد وخصوصًا أَنَّ الدّعوة إلى تغيير الخلافةِ الأَمويّةِ قد بدأَتْ تنمو وتزيدْ. وفي عام 102هـ ابتدأَتِ الدّعوةُ للدولةِ الهاشميةِ في عهدِ هشام بْنِ عبدِ الملكِ، وقد كانَ منْ أقوى ملوكِ بني أُميّةَ، إِذْ إنَّهُ أَخذَ يرقبُ هذهِ الدّعوةَ ببصرٍ حديد ويأَمرُ ولاتَهُ بأَخذِهَا بشدّةٍ.
كانَ هشامُ القويُّ ينظر إلى الهاشميينَ نظرةَ الحريصِ المستيقظِ، عرفَ حبَّ النَّاسِ لهم خاصّةً وقد ظهرَ شابٌّ مِنْ أَقوى شبابِهم أَخذَ يجوسُ خلالَ الدّيارِ وكان هُو زيدُ بْنُ عليٍّ زينِ العابدينَ. عندئذٍ ذهبَ الاطمئنانُ من قلبِ هشامٍ وأخذَ يتَّجهُ إلى إِخراج الإِمامِ زيدٍ والتشنيعِ على آلِ البيتِ ثمَّ تركَ لولاتِهِ التَّحريضَ عليه.
فلما اشتدَّ أَذَى خالدِ بْنِ عبدِ الملكِ بْنِ الحارث والي المدينةِ لزيدٍ ذهبَ إلى دمشقَ لمقابلةِ هشامِ ابْنِ عبدِ الملكِ. واستأذنَ للدّخولِ عليه فَلَم يأْذنْ لَهُ فَأَرسلَ إليهِ ورقةً بها طلبُ الإذنِ، فكتبَ هشامٌ في أسفلِهَا (ارجعْ إلى منزِلكَ)... وتكرّرَ ذلك وزيدٌ يقولُ (والله لا أَرجعُ إلى خالدٍ أَبدًا). وأَخيرًا أَذنَ لَهُ وأَمرَ خادمًا أن يتبعَهُ ويحصي عليهِ ما يقولُ: فسمعَهُ يقولُ: والله لا يحب أحدٌ الدّنيا إلا ذُمَّ. ثمَّ صعدَ إلى هشام فحلفَ لَهُ على شيءٍ فقالَ: لا أُصدّقكَ. ثمّ قالَ لهُ متحدّيًا: بلغني يا زيدُ أَنَّكَ تذكرُ الخلافةَ وتتمنَّاها ولستَ أَهلًا لها، وأنتَ ابنُ أَمةٍ. عندها أجابَةُ زيدٌ: إِنَّه ليسَ أَحدٌ أَولى بالله، ولا أرفعَ درجةً عندهُ من نبيٍّ اتَّبعتُه، وقد كانَ إسماعيلُ (ع) ابن أَمةٍ، فاختارَهُ الله تعالَى وأَخرجَ منهُ خيرَ البشر. وما على أَحدٍ من ذلكَ إذا كان جدُّهُ رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) وأبوهُ عليُّ بنُ أَبي طالبٍ. فقالَ له هشامٌ: اخرجْ: فقال له: أَخرُجُ ثمَّ لا أكونُ إلا بحيث تكرهُ.
هذا أَقصَى غاياتِ الإحراجِ. يذهب إليهِ الإمامُ زيدٌ فيشكو أَمرَهُ فيكونُ الأَذَى والسب والنيلُ منهُ ومن آبائِهِ. لذلك نرى أَنَّ زيدًا لم يخرجْ إِلا لأَنَّهُ أُحرجَ وأُوِذيَ في دينِهِ ومروءَتِهِ.
قالَ الأصفهاني في مقاتلِ الطَّالبيّين: إنَّ أَهلَ الكوفةِ حَمَلُوا زيدًا على الخروجِ وقالُوا له وَهُوَ خارجٌ عنهمْ عائدًا إِلى المدينةِ: أَينَ تخرجُ عنا رحمَكَ الله ومعكَ مئةُ أَلفِ سيفٍ مِنْ أَهلِ الكوفةِ والبصرةِ وخراسانَ، يضربونَ بني أُميّةَ بها دونك، فأبى عليهِمْ، فما زالُوا يناشدونَه حتَّى رجعَ إليهمْ بعد أن أعطوه العهود والمواثيق. فقال له محمد بن عمر: اذكرك الله يا أبا الحسن لما لحقت بأهلك ولم تقبل قول أحد من هؤلاء الذين يدعونك، فإنهم لا يفون لك، أليسوا أصحاب جدك الحسين ابن علي؟ لكنَّ الَّذي حملَه على الرّجوعِ إخلاصُهُ لله، وصلاحُ الأمة الذي ينشد بعدما عرف من سوء سلوكِ هشام في عدم تطبيقِ الإِسلامِ وبعدما وجَدَ سوءَ معاملَته لَهُ وتحرّيهِ إهانَتهُ.
اتجهَ عندها والي العراقِ يوسف بن عمر إِلى طلبِ الإِمامِ زيدٍ وَمَنْ مَعهُ. وكانَ لا بدَّ لزيدٍ من أَنْ يظهرَ، ولا بدَّ لَهُ من أَنْ يتقدّمَ، لذلك دعَا أتباعَهُ الَّذينَ بايعُوهُ. لكنَّهُمْ ما إنْ رأَوا الشّدةَ حتَّى أَخذُوا يتناقشونَ ويتجادلُونَ ويتعرّفون لرأيهِ.. ولننقلْ تلك المناقشةَ كما روْتها كتبُ التَّاريخ.
قالُوا لَهُ: ما قولُكَ يرحمُكَ الله في أَبي بكر وعمرَ؟
قالَ: إِنَّ أشدَّ ما أَقولُ فيمنْ ذكرتُمْ أَنَّا كنَّا أحقَّ الناسِ بهذَا الأَمر، لكنَّ القومَ استأثرُوا علينَا بهِ، ودفعُونَا عنهُ، ولمْ يبلْغ ذلك عندنَا كفرًا، وقد وُلُّوا وعدلُوا وعملوا بالكتابِ والسنَّةِ.
قالُوا: فَلِمَ تقاتلُ هؤلاء إذنْ؟ يشيرُونَ إِلى هشام بْنِ عبدِ الملكِ وَمَنْ معهُ.
قالَ: إِنَّ هؤلاء ليسوا كأُولئِكَ، إن هؤلاءِ ظلمُوا الناسَ وظلمُوا أَنفسَهُمْ، وإِنِّي أَدعُو إِلى كتابِ الله وسنَّةِ نبيّهِ وإحياءِ السّننِ وإِماتة البِدَعِ، فَإِنْ تسمعوا خيرٌ لكمْ ولي، وإِنْ تأبَوْا فلستُ عليكمْ بوكيلٍ. وبلَغ يوسف بن عمر أن دعاة زيد يجوبون الآفاق يدعون الناس إلى بيعته ، فبعث الحكم بن الصلت وأمَرَهُ أن يجمع أهل الكوفة في المسجد الأعظم فيحصرهم فيه، فبعث الحكم إلى العرفاء والشرط والمناكب والمقاتلة فأدخلوهم المسجد ثم نادى مناديه، أيما رجل من العرب والموالي أدركناه في رحبة المسجد فقد برئت منه الذمّة. ائتوا المسجد الأعظم. فأتى الناسُ المسجد يوم الثلاثاء أي قبل أول يوم من صفر سنة اثنتين وعشرين ومئة وهو الأجل الذي وعَدَ فيه زيدٌ أصحابَهُ للخروج.
ولما كانت الواقعة، لم يجدْ زيدٌ من حوله إلاَّ مئتين وثمانية عشر رجلًا في حين أن أهل الشام كانوا اثني عشر ألفًا.. ومع ذلك فقد تقدّم عترة النبي إلى الميدان، بذلك العدد القليل يواجهُ ذلك الجيش اللجب الذي يجيئه المدَدُ في كل وقت، وقاتَلَ ومن معه حتى أصابوا من كثرة عدوهم كثيرًا، ولم يستطع أن يهزمهم إلاَّ بالسهام، وقد رُميَ زيدٌ بسهم فأصاب جانب جبهته اليسرى واستقرَّ فيها، فرجع ومن بقي معه إلى دار حرّان بن أبي كريمة، وكان ذلك في المساء، فجاؤوه بطبيب يقال له سفيان مولى لبني دواس، فقال له: إنّك إن نزعته من رأسك متَّ. قال: الموت أيسر عليَّ مما أنا فيه. فساعة انتزعه مات سلامُ الله عليه. وحَمَلَهُ أصحابه ودفنوه في العباسية، ثم أجروا على قبره الماءَ حتى لا يعرف. ورآهم نبطيٌّ كان يسقي زرعًا له، فجاءَ يوسف بن عمر يخبره عن مكان دفنه فأرسل إليه من يستخرجه، ولقد كانَ صنيعُ هشامٍ في جثتِهِ هُوَ عينَ صنيعِ يزيدَ وابنِ زيادٍ في جدّهِ الحسين سلام الله عليهِ. فقد مُثِّلَ بجثَّتِهِ بَعْدَ أَنْ أخرج جثمانه إذ نصبُوهُ مصلوبًا بكناسةِ الكوفة بأَمر هشامِ بْنِ عبدِ الملكِ بْنِ مروانَ، وقد صلب معه معاوية بن إسحاق، وزياد الهندي، ونصر بن خزيمة العبسي.


مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢