نبذة عن حياة الكاتب
العبادات

التيمم
التيمم لغة: القصد، كأن يقال: يمَّم شطر المسجد أي قَصَدَهُ.
يقول الله تعالى: {وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البَقَرَة: 267].. أي ولا تقصدوا الرديء منه تنفقون. وقد ورد في خطاب الله تعالى للمؤمنين، وحضّهم على الإنفاق من أجود ما كسبوا من المال، ومن طيبات ما أخرج - سبحانه - للناس من ثمار الأرض وزروعها، وتحذيرهم وتنبيههم ألاَّ يتعمدوا، ويقصدوا الرديء منه ينفقونه، سواء في الزكاة أو الصدقة، فيظهر من ذلك أن التيمم هو القصد.
والتيمم شرعاً: مسح الوجه واليدين عن صعيد مُطهِّر على وجه مخصوص، والقصد شرط له، لأنه بنيّة استباحة الصلاة ونحوها. ودليل مشروعية التيمم في الكتاب والسنة، قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المَائدة: 6]. وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «جُعلت الأرض كلها لي ولأمتي مسجداً وطهوراً، فأينما أَدْرَكتْ رجلاً من أمتي الصلاةُ فعنده طهور» (+).
والتيمم يزيل الحدث، إلا أنَّ إزالته تكون مؤقتة إلى حين وجود الماء، فمتى وجد يعود الحدث وتجب الطهارة المائية.
التيمم وأسبابه:
يكون التيمم للحدث الأصغر أو الأكبر في الحضر والسفر. وأهم الأسباب الداعية له هي التالية:
- عدم وجود الماء، أو وجود ما لا يكفي المصلّي منه للطهارة لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن الصعيد طهور لمن لم يجد الماء عشر سنين»(+).
- الخشية من حدوث ضرر صحي، فتستبدل حينها الطهارة المائية بالطهارة الترابية أو ما يماثلها.
- الخوف من ضررٍ أو أذىً كما لو كان الماء موجوداً إلاّ أنه يخشى استعماله خوفاً على نفسه أو عرضه أو ماله من عدوٍّ قاهر، أو إذا كان هنالك ما يحول بينه وبين الماء مثل حيوان ضار أو مفترس، أو حفرة أو أي حائل مانع بينه وبين الماء.
ما يصح التيمم به:
اتفق جميع الأئمة على وجوب التيمم بالصعيد الطهور، لقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المَائدة: 6]. وقد أجمع أهل اللغة على أن الصعيد هو وجه الأرض تراباً كان أو غيره. والطيِّب هو الطهور. وكل طهور هو ما لم تلاقِهِ نجاسه. ولكنهم لم يتفقوا على تعريف الصعيد، فاعتبرت جماعة من الإمامية، ومعها الحنفية أن وجه الأرض يُفهم منه التراب والرمل والحجر، وهي ما يمكن التيمم به، أما المعادن كالملح والزرنيخ وغيرهما فمنعوا التيمم بها. وعمَّمَ المالكية لفظ الصعيد على التراب والرمل والصخر والملح، والمعادن إذا لم تنقل من مقرها، إلاّ الذهب والفضة والجواهر منها، فلم يجيزوا التيمم بها مطلقاً.
وقال الحنبلية إن التيمم يكون بالتراب فقط، فلا يجوز بالتالي لا بالرمل ولا بالحجر، إلاّ أنهم أجازوه بهما للضرورة.
كيفية التيمم:
اتفق جميع الأئمة على أن التيمم لا يصح من غير نية لأنه أمر عبادي.
والتيمم عند الحنفية رافع للحدث كالوضوء والغسل، ولذا أجازوا أن ينوي المصلي به رفع الحدث كما ينوي استباحة الصلاة.
وقالت بقية المذاهب: إنَّ التيمم مبيح وليس برافع، فعلى المتيمم أن ينوي الاستباحة لما يشترط به الطهارة ولا ينوي رفع الحدث.
مسح الوجه والأيدي:
قال الإمامية: إنَّ المراد من الوجه في الآية الكريمة: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النِّسَاء: 43] بعض الوجه، لأنَّ (الباء) في قوله تعالى تفيد التبعيض، وحدود القدر الواجب مسحه من الوجه بالابتداء من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى، ويدخل فيه الجبهة والجبينان. وقالوا المراد من اليدين الكفان فقط، لأن اليد في كلام العرب تقال على معانٍ ومنها: الكف وحدها، وهو أظهرها استعمالاً.
وبناء على ما تقدم تكون صورة التيمم عند الإمامية على النحو التالي:
1 - يضرب المتيمم على الأرض بباطن الكفين بعد نزع كل حاجب كالخاتم ونحوه، ثم ينفض كفيه ويمسح بهما وجهه من قصاص الشعر في وسط الجبهة ذهاباً إلى الجبين الأيمن، وعوداً إلى الجبين الأيسر، ونزولاً إلى طرف الأنف.
2 - ويستحب عندهم ضرب الكفين ثانية على الأرض ومسح ظاهر اليد اليمنى بباطن اليسرى، ثم ظاهر اليسرى بباطن اليمين.
وأوجب الإمامية الابتداء بالمسح من الأعلى إلى الأسفل.
وقال أكثرهم بوجوب الضرب على الأرض، فلو وضع المتيمم يديه عليها وضعاً دون ضرب يبطل التيمم.
- وقال الأئمة الأربعة: إنَّ المراد من الوجه، في الآية الكريمة، هو جميع الوجه، ويدخل فيه اللحية. والمراد من اليدين الكفان والزندان مع المرفقين. فيضرب المتيمم ضربتين: إحداهما يمسح بها تمام الوجه والثانية يمسح بها اليدين من رؤوس الأصابع إلى المرفقين؛ فيكون الحد عندهم في التيمم هو الحد بعينه في الوضوء. وزاد الحنفية أنه لو أصاب جهةَ غبار فوضع يده عليه، ومسحه، كفاه عن الضرب.
أحكام التيمم:
هناك عدة أحكام:
1 - إذا وجد الماء بعد التيمم، وقبل الدخول في الصلاة، يبطل التيمم باتفاق الجميع.
2 - وإذا وجد الماء أثناء الصلاة، فقد اتفق جماعة من الإمامية والمالكية والشافعية والحنبلية على أنه متى كبَّر المصلي تكبيرة الإحرام يمضي في صلاته ولا يلتفت إلى الماء، وتصح صلاته لقوله تعالى: {وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ *} [محَمَّد: 33]. أما الحنفية فاعتبرت أنَّ من شأن إيجاد الماء إبطال الصلاة.
3 - إذا تيمم المكلف للصلاة قبل دخول وقتها فقد اعتبر الإمامية أن هذا التيمم باطل. نعم لو تيمم قبل الوقت لغاية سائغة، ثم دخل وقت الصلاة ولم يتوفر الماء، يجوز له أن يصلي بهذا التيمم إذا لم يكن قد انتقض.
واتفق باقي المذاهب على عدم جواز التيمم قبل وقت الصلاة إلاّ الحنفية فقد قالوا بصحته قبل دخول الوقت.
وقد أجاز الإمامية والحنفية الجمع بين صلاتين بتيمم واحد، في حين أن المالكية والشافعية لا يجيزون الجمع بين فريضتين بتيمم واحد.
أما الحنبلية فيجمعون بينهما قضاءً لا أداءً.
رأي ونـداء
ها نحن الآن، وقد أنهينا الأحكامَ التي تسبقُ أداءَ الصّلاة، نحاولُ أن نتلمّسَ الأسبابَ الكامنةَ وراءَ التباينِ في آراءِ الفقهاء، وعدم إِعطائهم حكماً واحداً للمسألة الواحدة. والحقيقة أن تلك الأسبابَ جميعَها تكمنُ وراء كيفيّة فهم الحكم الشرعيّ، دون أيِّ اختلافٍ على الحكم نفسه، فحلالُ محمّدٍ (صلى الله عليه وآله وسلم) حلالٌ عند جميع المسلمين، وحرامُهُ حرامٌ عند جميع المسلمين، ولكنَّ النظرةَ في التفرّعاتِ المنبثقةِ عن الحلالِ أو الحرامِ هي التي كانت مجالاً للاجتهاد والاستنباط، ومحلاًَّ لإعطاءِ الرأي وغيره، وبرغم تعدّدها، وتشعّب تباينها فإنها حافظت على الأصل، ولوَّنت الآراء، وأظهرت لنا حقائقَها، بحيثُ تتضح لنا طرقُ الفهم أكثرَ فأكثر، وبحيث إن الاختلافَ في الفهم هو بحد ذاته رحمةٌ لنا، فلا يجوز إذن أن نجعلَهُ نقمةً علينا، وسبباً للتفرقةِ بين أبناءِ الأمّةِ الإسلاميّةِ الواحدة، أبناءِ الأمّةِ الإسلاميةِ الذين كلما تقدّم بهم الزمنُ كثُر شتاتُهم، وتباعدت مقاييسُهم، في حين أنّ ما يجمعُهم، ويوحّدُ أفكارهم ومنهجهم أكبرُ وأعمقُ بكثيرٍ مما يباعدُ بينهم. من هنا الدورُ الكبيرُ، والواجبُ الربّانيُّ الملقى على عاتقى العلماء والمفكرين في هذه الأمّة، والذي يفرضُ عليهم وخاصةً في عصرنا هذا، بذلَ الجهد الأقصى لاجتماع كلمتهم، كما أراد اللهُ تعالى للمسلمين دائماً وأبداً.
ونحن، حبَّاً في جمعِ الكلمة هذه، واتقاءً لعواملِ التباعد والتباين، سعينا جهدنا كي نوجزَ في بعض الأحكام، كما يلاحظُ القارئ الكريم، في كل موضعِ قد أسهب فيه غيرُنا من الفقهاء.
ونقولُها بصراحة: إن القارئَ، مهما كان مستواه من العمل والفهم، لو تتبّع ما أوردناه من أحكام، وحاول أن يتعمّقَ فيها ولو قليلاً، لأمكنه أن يتوصّل إلى إدراكِ واستيعابِ كلِّ ما توصّلِ إليه الفقهاءُ من تفصيلات، حتى ولو لم توضَع أبحاثُها بينَ يديه. ونعطي مثالاً على ذلك:
لقد اتفق جميعُ الفقهاء على أنّ الإنسان عندما يموتُ يُسجَّى على وضعٍ معيّنٍ في حُفرَةٍ تحرس جثته من التعدّي، ورائحتَهُ من الانتشار، وذلك بما يحفظُ كرامته، ويحمي الأحياء، فلو فرضنا أن إنساناً مات على ظهر سفينةٍ في البحر، فما العمل؟.
من البديهيِّ القول: إننا نؤخره إذا استطعنا تأخيرَهُ حتى نصلَ إلى اليابسة فنحفرَ حفرةً ونواريَهُ فيها. ولكن ماذا لو تعذّر علينا التأخير لطولِ المسافةِ بيننا وبين اليابسة، وخيفَ على الجثّة الفساد؟ حينها يُغسلُ ويكفّنُ، ويصلَّى عليه، ويوضعُ في تابوتٍ إذا وجد، أو في صندوقٍ أو برميلٍ، ويُقفلُ بإحكام ثم يُلقى في البحر. أي أن المقصودَ هو استعمالُ أيّةِ وسيلةٍ من الوسائل التي تسلتزم حفظَ جثته من التعديّ، ورائحته من الظهور.
وقد يقول أحدُهم: ولكن الوسائلَ العلميَّةَ الحديثةَ، من ثلاجاتٍ أو حقنٍ أو غيرِها من شأنها أن تساعدَ على إبقاءِ الميتِ لمدةٍ طويلةٍ في عرض البحر، أو في غيره. وهذا صحيح، وهو جائزٌ شرعاٌ طالما أنه ليس هنالك ما يستدعي بالضرورة مواراة الميت مع أنه من المستحبّ التعجيلُ في ترحيله ما أمكن ذلك..
ولكن ليس هذا هو المقصود، بل ما نريدُ التأكيدً عليه هو أننا، أمام أيّةِ مسألةٍ من المسائل، أو قضيّةٍ من القضايا، التي أورد الفقهاءُ في حكمها آراءً شتّى لسنا ملزمين بجمع التفصيلات التي قالوا بها، والتي باستطاعة الإنسان العاديِّ أن يدركَها لمجرّد أن يطّلع على الأحكام، في أحد المؤلَّفاتِ التي تُيسّرُها له، وتُسهِّلُ وقوفَه عليها، كما حاولنا في هذا الكتاب. ومن أجلِ ذلك، ولعدمِ الاستفاضة في التفصيلاتِ والجزئيّاتِ التي قال بها الفقهاء، لم نأتِ على ذكر أحكام الميت جوًّا وبحراً.
مثال آخر: لقد بات معروفاً لدينا أن المرضَ قد يحولُ بين المريض والغسل، أو بين المريض والوضوء - في الغالب - مما يُلزمُ المصلي بالتيمم. فهل من الضروريّ أن نّذكَر جميعَ حالاتِ المرض التي تمنعُ من الوضوء، أو من الغسل؟
وهكذا الأمرُ بالنسبةِ إلى كثيرٍ من الأمور التفصيليّةِ أو الجزئيّةِ التي لا تستدعي وضعَ الشروحاتِ المطوَّلةِ لها، لا سيما وأن متطلباتِ العيشِ في وقتنا الراهن كثيرةٌ وشاقّة، والناسُ بحاجةٍ ماسَّة إلى تيسير أمورِ حياتهم، بقدر ما هي حاجتُهم إلى فهمِ الأحكامِ الشرعيّةِ المتعلقةِ بهذه الأمور، ولكنُ بصورةٍ موجزةٍ، وسهلةِ الفهم والاستيعاب.
أيها المسلمون جميعاً!
يريدُ اللهُ تعالى بكم اليسرَ ولا يريدُ بكم العسر، فيسّروا أمورَكم ولا تضيّقوا على أنفسكم بل واختاروا لها الأيسرَ والأسهلَ لأنّ هذه الأنفسَ تملُّ كثرةَ البحث والتنقيب كما تملُّ الأبدانُ كثرةَ العمل والانشغال، التي ينجم عنها التعب والإرهاق، ومهّدوا لأجيالِكم القادمةٍ حتى لا تشقَّ عليهم أمورُ دينهم.

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢