نبذة عن حياة الكاتب
العقود والمطعومات والمشروبات

الاحتكار
يقال في اللغة: حَكِرَ حَكَرًا بالشيء، إذا استبدَّ به واستقلّ. وأصل المعنى: الجمع والإمساك. ويقال: احتكر وتحكَّر الطعام: جمعه وحبسه عن البيع ليقلَّ، فتغلو أسعاره.
ـ قال الإمامية: الاحتكار هو حبس الطعام وغيره من الأشياء، انتظارًا به غلوَّ السعر من أجناس التجارة، مع حاجة إليه، وعدم الاستغناء عنه.
وسئل الإمام الصادق (عليه) عن الحكرة فقال: «الحكرةُ أن تشتري طعامًا وليس في المصر غيره فتحتكره. فإن كان في المصر طعام يباع غيره، فلا بأس أن تلتمس بساحتك الفضل»(+) .
ـ وبهذا المعنى قال الحنفية(+) عن الاحتكار بأنه احتباس الشيء انتظارًا لغلائه. وعندهم أن المراد به شرعًا: حبس الأقوات تربُّصًا للغلاء، أو هو اشتراء طعام ونحوه، وحبسه إلى الغلاء أربعين يومًا لقول الرسول (ص): «من احتكر طعامًا أربعين ليلة، فقد برئ من الله، وبرئ الله منه، وأيما أهل عَرْصة بات فيهم امرؤٌ جائعًا، فقد برئت منهم ذمة الله تعالى»(+) .
ـ وعرَّفه المالكية(+) بأنه: الادِّخار للبيع، وطلب الربح بتقلُّب الأسعار. أما الادِّخار للقوت فليس من الاحتكار.
ـ وعرَّفه الشافعية(+) بأنه: إمساك ما اشتراه وقت الغلاء ليبيعه بأكثر مما اشتراه عند اشتداد الحاجة، بخلاف إمساك ما اشتراه وقت الرخص، فلا يحرم مطلقًا، ولا إمساك غلة ضيعته، ولا ما اشتراه في وقت الغلاء لنفسه وعياله، أو ليبيعه بمثل ما اشتراه.
ـ وقال الحنبلية(+) : الاحتكار المحرَّم ما اجتمع فيه ثلاثة شروط:
1 ـ أن يكون بطريق الشراء لا الجلب. فلو جلب شيئًا، أو أدخل من غلته شيئًا، فادَّخره، لم يكن محتكرًا لقول الرسول (ص): «الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون»(+) .
2 ـ أن يكون الشيء المشترى قوتًا مما تعمُّ الحاجة إليه كالحبوب ونحوها، أما غيرها مثل العسل والزيت وأعلاف البهائم فليس فيها احتكار محرَّم.
3 ـ أن يضيّق على الناس بشرائه وذلك بأمرين: أحدهما: أن يكون في بلد يضيق بأهله الاحتكار، أما البلاد الواسعة، فلا يحرم فيها الاحتكار، لأن ذلك لا يؤثر فيها غالبًا. والثاني: أن يكون في حال الضيق: بأن يشتري ذوو الأموال السلع ويضيّقوا على الناس، من دون فرق بين البلد الصغير والكبير.
وقد اتفق الأئمة جميعًا على أن الاحتكار حرام شرعًا لورود النهي الجازم عنه في الحديث الشريف، ومنه قول رسول الله (ص): «لا يحتكر إلا خاطئ»(+) أو قوله (ص): «من احتكر حُكرة يريد أن يغلي بها على الناس فهو خاطئ»(+) . وروي عن أبي أمامة: «أن رسول الله (ص) قد نهى أن يُحتكر الطعام»(+) . وروى ابن ماجه عن عمر (رضي) أن الرسول (ص) قال: «من احتكر على المسلمين طعامهم، ضربه الله تعالى بالجذام والإفلاس»(+) .
تلك هي أدلّة التحريم على الاحتكار، فالنهي في الحديث يفيد طلبَ الترك، وذمَّ المحتكر بوصفه بالخاطئ، والخاطئ هو المذنب العاصي. والغاية من التحريم دفع الضرر عن الناس.
وقد مدَّد بعض الفقهاء المدة التي يُعدّ فيها الاحتباس احتكارًا بأربعين ليلة. وقال بعضهم: هي شهر. والحقيقة أن المدة مهما قصرت أو طالت لا تأثير لها ما دام أن الضرر واقعًا على الناس، وهم يدفعون أغلى من سعر السلعة وقت الاحتكار. فقد قال رسول الله (ص): «أيُّما رجل اشترى طعامًا فكبسه أربعين صباحًا يريد به غلاء المسلمين، ثم باعه فتصدَّق بثَمنه، لم يكن كفارةً لِمَا صنع»(+) . ولذا يمكن القول بأن الاحتكار: هو الاستبداد بحبس البضائع أو السلع كي تباع بأموال زائدة، وقد تبلغ أضعاف السعر العادي.
وشرط الاحتكار أن يبلغ حدًّا يضيق معه على أهل البلد شراء السلعة المحتكرة، أي إنه لولا هذا الضيق لما حصل جمع البضاعة، ولا الاستبداد بها لكي تباع بأسعار مرتفعة. فشرط الاحتكار إذن ليس فقط شراء السلعة، بل جمعها لرفع أسعارها. وسواء جمعت السلع بالشراء، أو من غلّة الأرض الواسعة التي ينفرد صاحبها بهذا النوع من الغلال، أو لندرة زراعتها، وسواء جرى جمعها وتخزينها من المصانع - كما هي الحال في الاحتكارات الرأسمالية، حيث يحتكر التجار أو الصناع الكبار صناعة سلعة، أو سِلَعٍ معيَّنة بقصد القضاء على المصانع الأخرى التي تنتج مثلها، لكي يعودوا ويتحكَّموا بالسوق بصورة استبدادية - ففي جميع هذه الحالات يكون هناك احتكار.
وبناء على هذا الفهم اللغوي والشرعي لمفهوم الاحتكار، يكون الاحتكار حرامًا في جميع الأشياء. سواء ما كان من أقوات أو أطعمة الناس (مثل الطحين والسكر والأرز والقطن والبن والشاي والزيت، والسمن، والفواكه والخضار إلخ..) أو ما كان من قوت الحيوان (كالشعير والتبن وسائر الأعلاف) ومن غير فرق بين ما كان من ضروريَّات الحياة أو كماليَّاتها. ذلك أن معنى احتكر، في اللغة: جمعَ الشيء مطلقًا، فلا يختص بجمع الطعام أو القوت مما هو ضروري للناس، ولا بغيره، بل يعني الجمع والحبس، مما لا يجوز أن يخصص بغير معناه اللغوي، ولا سيما أن أقوال الرسول (ص) في الاحتكار جاءت مطلقة من كل قيد، وعامة من غير تخصيص، فتبقى على إطلاقها وعمومها.
وأما ما ما ورد في بعض الروايات من النهي عن احتكار الطعام فقط، فلا يجعل الاحتكار خاصًّا بالطعام، بل هو مثال على نوع معيَّن من أنواع الاحتكار، وبالتالي فلا يُعدّ الحديث قيدًا أو تخصيصًا للاحتكار على هذا النوع المعيَّن من السلع، ولا وصفًا له مفهوم يُعمل به، بل اسم جامد لمسمَّى معيَّن، وليس نعتًا بل لقب، لذا فلا يعمل بمفهومه - لأن الذي يصلح قيدًا أو مخصصًا هو حالة مفهوم يُعمل به - فدلَّ على أن الأحاديث النبويَّة الشريفة التي نهت عن الاحتكار، حتى التي ذكرت الطعام، هي أحاديث مطلقة وعامة. وعلى هذا فإن الشيعة الإمامية والمالكية منعوا الاحتكار مطلقًا، وعدّوا النهي في الحديث يشتمل على تحريم احتكار كلِّ شيء، في حين أن الأئمة الآخرين خصّوا الاحتكار بالقوتين: قوت الناس وقوت البهائم، نظرًا إلى الحكمة المناسبة للتحريم وهي دفع الضرر عن الناس والحيوان.
وفي الحقيقة: إنَّ المحتكر هو التاجر الذي يتحكَّم في السوق، ويفرض على الناس الأسعار التي يريدها باحتكاره السلعة عنده، فيضطر الناس لشرائها منه بالثمن الغالي لعدم وجودها عند غيره، لأنه هو في الأصل من اعتمد الأساليب الضارّة لإخراج غيره من السوق والتحكُّم بأسعاره. وهذا حرام لما روي عن معقل بن يسار أن رسول الله (ص) قال: «من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغلِّيه عليهم كان حقًّا على الله تعالى أن يُقعده بعُظْم من النار يوم القيامة»(+) ، أي أن يدخله الله تعالى في مكان عظيم من النار يوم القيامة.
بيع المال المحتكر:
قال الإمامية: إن الحاكم أو نائبه يجبر المحتكر على عرض سلعته في الأسواق. ويشهد له ما جاء عن الإمام الصادق (عليه) أنَّ الطعام نفدَ في عهد رسول الله (ص) فأتاه المسلمون، وقالوا: يا رسول الله قد نَفِدَ الطعامُ، ولم يبق منه إلا شيء عند فلان، فَمُرْهُ يبيعه. قال: فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: يا فلان إنَّ المسلمين ذكروا أن الطعامَ قد نفد إلاَّ شيئًا عندك، فأخرِجْهُ وبِعْه كيف شئت ولا تحبِسْه»(+) .
وأضاف الإمامية: يحق للحاكم أن يُسَعِّر على المحتكر، إن أجحف الثمن، لنفي الضرر، لأنه لولا ذلك لانتفت فائدة الإجبار، إذ يجوز أن يطلب المحتكر ما لا يقدر الناس على بذله.
ـ وقال الحنفية: يؤمر المحتكر من القاضي ببيع ما فضل عن قوته وقوت أهله، فإن لم يفعل وأصرَّ على الاحتكار، رُفع أمره إلى الحاكم الذي يعظه ويهدِّده، فإن لم يرتدع ورفع أمره إليه ثالثةً، حبسَه وعزّره، زجرًا له عن سوء عمله، ويجبره القاضي على البيع، أو يبيع الطعام الذي احتكره جبرًا عنه. ويكون البيع بسعر المثل(+) . وأضاف الحنفية(+) . لو خاف الحاكم على أهل بلد الهلاك، أخذ الطعام من المحتكرين، ووزعه عليهم، حتى إذا صاروا في سعة، ردّوا مثله، وذلك للضرورة. ومن اضطر إلى مال غيره، وخاف الهلاك، تناوله بلا رضاه، ويضمن قيمته، لأن الاضطرار لا يبطل حق الغير.
ـ وقال المالكية: يباع الشيء المحتكر للمحتاج إليه بمثل ما اشتراه به، لا يزيد عليه شيء، وإن لم يعلم ثمنه، فبسعره يوم احتكاره(+) .

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢