نبذة عن حياة الكاتب
المعاملات والبينات والعقوبات

الـدَّيـن
يتقارب الدين والقرض في كثير من الأحكام، وقد آثرنا البحث في كلٍّ منهما على انفراد لإبراز الفوارق الخاصة بينهما والأحكام المميزة لكل منهما عن الآخر.
التمييز بين الدين والقرض:
يشترك الدَّين مع القرض في أن كلاًّ منهما يتوقف الانتفاع به على استهلاكه، وأنه حق ثابت في الذمة.
ويفترق القرض عن الدين في أن العين المقترضة تسدد بمثلها في الجنس والصفات، فإذا استقرضت نقداً ثبت في ذمتك للمقرض نقدٌ مثلُه، وكذلك إذا استقرضت طعاماً أو شراباً، وما إليه، وعلى هذا ينحصر القرض في المثليَّات دون القيميَّات.
أما الدَّين فيثبت في الذمة بسبب من الأسباب الموجبة له، كالقرض والبيع والإيجار والزواج والخلع والنفقة والحوالة، وما إلى ذلك. وعلى هذا يكون الدَّين أعم من القرض، ويقضى بمثله إن كان مثليّاً، وبقيمته إن كان قيميّاً.
والدائن هو صاحب الدين، والمدين والمديون بمعنى واحد، والغريم يشمل الدائن والمدين، ولا يتعين إلا بالقرينة.
كراهية الدَّين:
قال الإمام الصادق (عليه السلام): «لا يستقرض (الإنسان) على ظهره إلا وعنده وفاء، ولو طاف على أبواب الناس فردوه باللقمة واللقمتين، والتمرة والتمرتَين، إلا أن يكون له وليّ يقضي دينه من بعده»[*]...
وهذا يعني، في رأي الفقهاء، كراهية الدين إلا مع الحاجة الماسة. فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): «ما الوجعُ إلاَّ وجع العين، وما الجهدُ إلاَّ جهد الدَّين»[*]. وقال عليٌّ (عليه السلام): «إيَّاكم والدين، فإنه همٌّ بالليل وذُلٌّ بالنهار»[*]. فعلى المستدين أن يكون له مالٌ يرجع إليه عند الوفاء والسداد، أو وليٌّ يفي عنه.. وإذا لم يكن شيء من ذلك فالأفضل أن يتقبل الصدقة، بل ويطلبها بدل أن يتعرض للدين.
ونظراً لأهمية هذا الوضع قال بعض الفقهاء بتحريم الاقتراض، مع العجز عن الوفاء. ورد بعضهم بأن هذا القول مخالف لظاهر النصوص. على أن المفتى به شرعاً جواز الدين، حتى ولو لم يكن للمستقرض مقابل، وقدرة على الوفاء. فالمهم أن تكون لدى المستدين نية في ردِّ القرض الذي أخذه، أو وفاء الدين الذي ترتب عليه. وبهذا الصدد قال الإمام الصادق (عليه السلام):«من استدان ديناً، فلم ينوِ قضاءه كان بمنزلة السارق.. ومن كان عليه دين ينوي قضاءه كان معه من الله حافظان يعينانه على أداء أمانته، فإن قصرت نيته على الأداء قصرت عنه المعونة بقدر ما قصر من نيته»[*].
وبهذا أفتى الفقهاء، وقالوا: لما كان الوفاء واجباً كان العزم عليه واجباً كذلك.
ولئن كان المدين يقضي حاجةً من قَرضٍ أخذه، إلاَّ أن للمقرض الذي قضى له تلك الحاجة ثواباً عند الله تعالى، كما ترشدنا إليه أقوال الإمام الصادق (عليه السلام) التي منها قوله: «لأن أُقرِض قرضاً أحبُّ إليّ من أن أتصدق بمثله»[*]. وقوله سلام الله عليه: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): «من أقرض مؤمناً قرضاً ينظر به ميسوره كان ماله في زكاة، وكان هو في صلاة من الملائكة، حتى يؤدِّيه»[*]. ومنها أيضاً قوله (عليه السلام): «مكتوب على باب الجنة الصدقة بعشرة، والقرض بثمانية عشر، وإنما صار القرض أفضل من الصدقة لأن المستقرض لا يستقرض إلا في حاجة، وقد تطلب الصدقة من غير حاجة إليها»[*]. وقولُه (عليه السلام): «القرضُ الواحدُ بثمانية عشر وإن مات حسبتها من الزكاة»[*].
هذا وإن درهم القرض يعود إلى صاحبه، فيقرضه ثانية فينتفع به الناس، ودرهم الصدقة لا يعود، فينقطع النفع.
عقد الدَّين:
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} [البَقَرَة: 282]..
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «من ذهب حقه على غير بيِّنة لم يؤجر»[*].
وقال (عليه السلام): «لا تستجاب دعوة لرجل كان له مال فأدانه من غير بيِّنة، إن الله سبحانه يقول له: ألم آمرك بالشهادة»[*].
وحمل الفقهاء الآية الكريمة والرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) على استحباب الكتابة دون الوجوب، بل إن كثيراً منهم لم يتعرضوا لحكم الكتابة إطلاقاً في باب الدّين.
والدين من العقود التي تحتاج إلى الإيجاب من الدائن، والقبول من المدين، ويتحقق كل منهما بكل ما دل عليه من قول أو فعل. وتدخل فيه المعاطاة. ويتحقق الملك في الدين بالعقد وقبض العين، ولا يتوقف على التصرف الذي هو شرط زائد، والأصل يقتضي عدمه. وعلى هذا فالملك هو المسوِّغ للتصرف وليس سبباً له، ومن أجل ذلك فإن مفهوم الدَّين لا يتحقق من غير القبض.
ونتساءل: هل الدين من العقود الجائزة، بحيث يجوز للدائن أن يرجع بالعين، وينتزعها من يد المدين بعد أن يقبضها، وقبل أن يتصرف بها؟
والجواب على هذا التساؤل يستدعي توضيح الأمور التالية:
1 - أن يرجع الدائن بعد العقد، وقبل القبض. وفي هذه الحالة فإنَّ له العدول والرجوع، لأن تمليك العين في الدَّين لا يتحقق إلا بعد القبض. ولا يجوز للمدين أن يقبض العين إلا بإذن الدائن.
2 - أن يحاول الدائن الرجوع بعد العقد والقبض، وقبل التصرف. وقد ذهب المشهور، عند الإمامية، إلى أن الدائن في مثل هذه الحالة لا يحق له الرجوع، لأن المدين قد ملك العين بالقبض، ووجب عليه مثلها في ذمته، والأصل عدم خروجها عن ملكه. وعليه يكون العقد لازماً من جانب الدائن، وجائزاً من جانب المدين، حيث يجوز له إرجاع العين لصاحبها قبل أن يتصرف بها، وليس له أن يأبى ويمتنع عن قبولها.
3 - أن يطالب الدائن ببدل العين بعد أن يتصرف بها المدين، دون أن يشترط التأجيل في العقد. فمن البديهي أن يكون للدائن تمام الحق بالمطالبة بالبدل في هذه الحالة متى شاء وأراد، ما دام حقه ثابتاً في ذمة المدين، كما أن للمدين دفع البدل متى شاء.
4 - أن يكون التأجيل إلى أمدٍ شرطاً في العقد، وبعد أن يتصرف المدين يطالبه الدائن بالبدل. وقد ذهب المشهور إلى أن شرط الأجل غير لازم، وأن للدائن أن يطالب المدين قبل حلول الأجل، لأن هذا الشرط عند المشهور مجرد وعد لا يجب الوفاء به، ولأن الدائن محسن، وما على المحسنين من سبيل. ولكن إذا اشترط التأجيل ضمن عقد لازم وجب الانتظار، كما لو باعه شيئاً على أن يقرضه إلى أمد، فيصبح التأجيل لازماً تبعاً للزوم العقد، تماماً كما لو باع الدار، واشترط أن يسكنها سنة، فتكون السكنى، والحال هذه، حقاً كالثمن.
ولكن الأرجح لزوم الشروط، ووجوب الانتظار إلى حلول الأجل، حتى ولو لم يشرط التأجيل في عقد لازم. وهذا أكثر توافقاً مع قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المَائدة: 1] والدين عقد، فيجب الوفاء به، وبجميع متعلقاته خاصة وأن قول الله تعالى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} [البَقَرَة: 282] فيه ذكر صريح للأجل، مع التوافق عليه أو اشتراطه، مما يدلُّ على أن للأجل أثره ويجب اعتباره.
شروط الدين:
اتفق الأئمة جميعاً على أنه يشترط في الدين بالإضافة إلى العقد والقبض أمور[*]:
1 - أن يكون كل من الدائن والمدين أهلاً للتصرف بالبلوغ والعقل.
2 - أن يكون الدائن مالكاً، أو مأذوناً، كما هو الشأن في جميع التصرفات.
3 - أن تكون العين قابلة للتمليك والتملك، ومعلومة بالجنس والوصف، تماماً كالمبيع، لأن الجهل بالعين يتعذر معه الوفاء.
4 - أن يحرم اشتراط المنفعة في الدين لأنه يصبح قرضَ ربا.
هذا، وقد اتفق الفقهاء على حرمة القرض بشرط البيع محاباة (أي بأقل من القيمة) بشرط الإيجار، أو غير ذلك من العقود لأنه يجر إلى النفع المحرَّم.
صورة الوفاء:
كل ما تساوت أجزاؤه وصفاته يُردُّ مثله عند الوفاء، كالحنطة والشعير لأن الثابت في الذمة المثل، لا القيمة، ولا فرق في ذلك بين أن تبقى قيمته على ما كانت حين القرض، أو تزيد، أو تنقص.. لكن إذا تعذَّر وجود مثله عند الوفاء وجبت قيمته السوقية في هذا الحين، لا عند القرض، لأن الذمة تبقى مشغولة بالمثل إلى حين الوفاء.
وكل ما تفاوتت أجزاؤه وصفاته كالحيوان تثبت قيمته السوقية يوم القرض، أي اليوم الذي تسلَّم فيه المقترض العين.
قضاء الدين وطلب تعجيله:
ذهب المشهور إلى أن على المدين أن يسعى في قضاء ديونه، تماماً كما يجب عليه أن يسعى من أجل قوته، وقوت من يعيل، لأن كل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وقد يرى المدين أن يسدد بعض الدين الذي عليه، بعدما تيسَّر له جزء منه، فهل يجوز للدائن أن يمتنع ويطلب أداء كامل قيمة الدين دفعة واحدة؟
الجواب: ليس له ذلك، بل يأخذ الميسور، ويطالب بالباقي، حتى ولو كان قد أعطى المال للمدين دفعة واحدة، لأنه ليس من باب تعدد الصفقة، بل الجزء هنا تماماً كالكل في أن كلاًّ منهما حق يجب أخذه، ولا يرتبط وجود أحدهما بالآخر.
وأما فيما يتعلق بتعجيل الدين، مقابل أن يُسقط الدائن بعضه، فقد سئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن الرجل يكون له دين على آخر، فيقول له قبل حلول الأجل: عجِّل النصف - مثلاً - من حقي، وأضع عنك النصف الآخر، فهل يحل ذلك؟ قال (عليه السلام): «نعم»[*].
وسئل الإمام محمد الباقر (عليه السلام): «إذا كان الدين إلى أجل مسمى، وقال الغريم: انقدني كذا وأضع عنك بقيته؟ قال (عليه السلام): «لا أرى بأساً، إنه لم يزد على رأس المال»[*].
مما يدل أن شرط التأجيل يلزم الوفاء به، وإلاَّ كان الدائن في غنًى عن الحط من دَينه.
ولا يجوز تأجيل المعجل بشرط الزيادة، لأنه رباً محرَّم.
وإذا رضي المدين أن يعجل ما عليه من الدين قبل حلول الأجل المشروط، فله أن يعدل، كما أنه إذا تزوج بمؤجل، ثم رضي أن يعجل المؤجل ويسقط الأجل، فله أن يعدل، ويرجع إلى الأجل، وليس لصاحب الدين أن يطالبه قبل الأجل المضروب، محتجاً برضاه.. لأن مجرد الرضا ليس عقداً لازماً، ولا تابعاً لعقدٍ لازم، وإنما هو وعدٌ وكفى.
وفاء الدين من الدية:
«سئل الإمام علي الرِّضا (عليه السلام) عن رجل قتل، وعليه دين، ولم يترك مالاً، فأخذ أهله الدية من قاتله، أعليهم أن يقضوا دينه؟ قال: نعم»[*].
وجميع الفقهاء أفتوا بعدم الفرق بين الدية وسائر أعيان التركة، من حيث تعلق الدين بها، سواء أكان القتل خطأ أو عمداً.
وقال جماعة: إذا قتل المدين عمداً فليس لأوليائه القود من القاتل إلا بعد أن يضمنوا المال لأصحابه، وفي ذلك روايتان عن أهل البيت (عليهم السلام) أولاهما عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): «سئل عن الرجل يُقتل وعليه دين وليس له مال، فهل لأوليائه أن يهبوا دمه لقاتله وعليه دين؟ فقال: إن أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل، فإن وهبوا أولياءه ديَة القاتل فجائز، وإن أرادوا القود فيلس لهم ذلك حتى يضمنوا الدين للغرماء وإلا فلا»[*].
والثانية عن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) فقد سئل عن «رجلٍ قُتل وعليه دين ولم يترك مالاً فأخذ أهله الدية من قاتله عليهم أن يقضوا دينه؟ قال: نعم، قيل: وهو لم يترك شيئاً قال: إنما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا دينه»[*].
الوفاء من بيت المال:
اتفق جميع الفقهاء على أن من استدان في غير معصية، وعجز عن الوفاء، تسدد ديونه من بيت المال. قال الإمام علي الرضا (عليه السلام): «من طلب هذا الرزق من حلّه، ليعود به على نفسه وعياله كان كالمجاهد في سبيل الله، فإن غُلب عليه فليستدن على الله تعالى وعلى رسوله الكريم ما يقوت به عياله»[*].
وهذا ما يوافق قول الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ *} [التّوبَة: 60].
والغارمون قوم وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة الله تعالى، سواء في سبيل الكسب الحلال الذي جرَّ إلى خسارة، أم في سبيل أنفسهم، أم عيالهم، أم بالصدقات، وما إلى ذلك من الإنفاق الذي يرضي الله عزَّ وجلَّ.
مستثنيات الدين:
يجب على المدين أن يبيع جميع ما يملك في وفاء ديونه. ويستثنى له دار السكنى، وقوت يوم وليلة له ولعياله، وثيابه وثيابهم، وكُتُب العلم إن كان من أهله. وإن لم يفعل حجَّر عليه الحاكم الشرعي، وباع أملاكَهُ وفقاً للشروط التي تُباع بها أموالُ المحجور عليه.
ويدل على استثناء البيت للسكنى قول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): «لا يُخرجُ الرجل من مسقط رأسه بالدين»[*]. وقد يكون البيت أهم مستثنيات الدين، نظراً للضرورة والحاجة إليه.
مجهول المالك:
إذا استدان رجل من آخر ثم غاب الدائن، وجب على المدين البحثُ عنه ما استطاع، فإن لم يعرف له عيناً، ولا أثراً، ولا وكيلاً، ولا ولياً، ولا وارثاً تصدق بالدين عن صاحبه، كما هو الحكم في مجهول المالك.
وبهذه المناسبة نشير إلى الفرق بين اللُّقطة، ومجهول المالك، ورد المظالم.
فاللُّقطة هي المال الضائع الذي لا يدَ لأحد عليه، ومن شروطها أيضاً أن تُلتقط من غير الحرم. أما حكمها فإن كانت قيمتها دون الدرهم فإن للملتقط أن يتملكها دون تعريف، وإن كانت قيمتها درهماً فما فوق عرّفها سنة كاملة، فإن لم يظفر بصاحبها تخير بين أن يتصدق بها على أن يضمنها إذا ظهر المالك، وبين إبقائها في يده أمانة، وبين أن يتملكها بشرط الضمان أيضاً.
أما مجهول المالك فهو كل ما استقر في ذمتك من مال الغير، أو كان عيناً خارجية استوليت عليها، ولا تعرف صاحب المال الذي استقر في ذمتك، ولا صاحب العين التي في يدك، على شريطة أن لا تكون قد التقطتها. ومن مجهول المالك ما يؤخذ من الغاصب والسلطان الظالم، لأنهما قد أخذا من صاحب يد. ولا فرق في المالك المجهول بين من عرفته أولاً، ثم جهلته، وبين من جهلته من أول الأمر، كما لو كنت في مكان مع شخص تجهل هويته، ثم ذهب، وترك بعض أمتعته نسياناً.
والمشهور عند الفقهاء أن مجهول المالك، وردّ المظالم شيء واحد.
ولا يشترط تسليم مجهول المالك إلى الحاكم الشرعي، بل يتصدق به عن صاحبه بعد اليأس من معرفته.
وعلى هذا فتوى الفقهاء، والروايات عن أهل البيت (عليهم السلام)، ومنها أن الإمام الصادق (عليه السلام) سئل عمن وجد متاعُ شخص معه، ولم يعرف صاحبه؟ قال: «إذا كان كذلك فَبِعْهُ وتَصدَّقْ به»[*].. وهذا النص الصريح يدل على أن مجهول المالك لا يشترط فيه إذاً الحاكم، ولا العدالة في المعطي، ولا المُعطى.
قسمة الدين:
ذهب المشهور من الفقهاء إلى أن قسمة الدين لا تصح.. ومثال ذلك أن يكون لاثنين دين في ذمة أحمد ويوسف، فيتراضيان على أن يكون ما في ذمة أحمد لأحدهما، وما في ذمة يوسف للآخر. وقد منع الفقهاء من ذلك، وقالوا: الحاصل من الدين لهما، والهالك عليهما، واستدلوا بأن الإمام الصادق (عليه السلام) سئل عن رجلين بينهما مال، منه دين، ومنه عين، فاقتسما العين والدين، فحصل الذي لأحدهما دون الآخر، أيردُّ على صاحبه؟
قال: «نعم»[*].
سقوط النقد:
إذا كان الدين من نوع النقد الذي له قيمة بنفسه، كالذهب والفضة، ثم أسقطته الدولة، وأبطلت التعامل به، إذا كان كذلك وجب دفع المثل. وإن كان النقد من نوع الورق الذي لا قيمة له إلا باعتبار الدولة وجب على المدين الوفاء بالنقد الجاري، وتقدر القيمة يوم سقوط النقد، لأن المدين يبقى مطلوباً بالنقد الأول، ومسؤولاً عنه إلى حين إسقاطه، وفي هذا الحين تتحول المسؤولية من النقد القديم إلى النقد الجديد.
الموت ينقض الأجل:
قال الشيعة الإمامية: إن الدَّين المؤجل يصير حالاًّ بموت المدين، لأن الميت لا ذمة له، والوارث غير مسؤول، لأن الإنسان لا يؤاخذ بموت غيره، فيتعين تعلق الدين بأعيان التركة منذ وفاة المدين. قال الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا كان على رجل دين إلى أجل، ومات حلَّ الأجل»[*].
وإذا مات الدائن ينتقل المال الذي اشتغلت به ذمة المدين إلى الورثة، ويبقى الأجل على ما كان عملاً بالاستصحاب.
ومثل الشيعة الإمامية، فإن الأئمة الأربعة يرون بأن الدين المؤجل يحل بموت المدين، لأنه لا توارث إلا بعد قضاء الدين[*].
ويرى غالبية الفقهاء[*]: أن الدين يبقى كما كان في ذمة الميت، وهو يتعلق بماله، فيمتنع على الورثة التصرف بأموال التركة قبل تسديد دين الميت.
ويرى الشافعية: أن من اشترى سلعة، ومات قبل أن يؤدي ثمنها، فإنها تكون من حقّ البائع، وذلك لحديث: «من أفلس أو مات فوجد رجل متاعه بعينه فهو أحقّ به»[*].
بينما يرى الحنفية والمالكية والحنبلية: أن صاحب المتاع أسوة بالغرماء (الدائنين).
ويرى عدد من فقهاء الشافعية والحنبلية: أن الدين وإن كان يتعلق بأموال التركة إلا أنه لا يمنع الإرث، فتنتقل الملكية إلى الورثة، ولا يمنعهم هذا الانتقال من التصرف بالتركة بأي وجه من وجوه التصرف، بما فيه البيع، إنما يلزمهم أداء الدين، فإن تعذر عليهم الوفاء فسخ التصرف الذي أجروه على مال التركة.
ولكن الرأي الراجح عند جميع الأئمة هو عدم انتقال التركة إلى الورثة قبل أداء الدين وذلك لقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النِّسَاء: 11] فالواجب أولاً يقضي بأداء الدين، ولا تثبت ملكية الورثة إلا بعد أدائه، فلا يصح بالتالي تصرف الورثة في مال التركة ما لم يأذن لهم الدائنون.
وعليه ينبغي دفع نفقات تجهيز الميت، ثم إيفاء دينه، وتنفيذ وصيته (ضمن حدود الثلث)، وما تبقى من التركة يوزع على الورثة بحسب أنصبتهم الشرعية.
الحجر والحبس:
قال الشيعة الإمامية يثبت الحجر عن التصرف في المال على الصغير والمجنون والسفيه حتى تزول عنهم الموانع.
فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام وهو أشدّه، وإن احتلم ولم يؤنس منه رشده، وكان سفيهاً أو ضعيفاً، فليمسك عنه وليُّهُ مالَهُ»[*].
وقال (عليه السلام) وقد سئل: «عن المرأة المعتوهة الذاهبة العقل أيجوز بيعها وصدقتها؟ - أي أنْ تبيعَ وتتصدَّق؟ - قال: لا»[*].
وسئل (عليه السلام): «عن اليتيمة متى يُدفع إليها مالها؟ قال: إذا علمت أنها لا تفسد ولا تضيع، فسئل: إن كانت قد زوّجت، فقال (عليه السلام): إذا زوّجت فقد انقطع ملك الوصي عنها»[*].
وعن أمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام): «أنه قضى أن يُحجر على الغلام المفسد حتى يعقل»[*].
أما الجارية فقد قال عنها الإمام محمد الباقر (عليه السلام): «إن الجارية ليست مثل الغلام. إن الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم، ودفع إليها مالها، وجاز أمرها في الشراء والبيع، وأقيمت عليها الحدود التامة وأخذت لها وبها؛ وقال عن الغلام: والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك»[*].
وأما الرقيق والمكاتب فمحجورٌ عليهما مالهما إلا بإذن المالك. وبالاختصار نورد قول الإمام الصادق (عليه السلام) حين سئل «عن قول الله عزَّ وجلَّ: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النِّسَاء: 6]؟ قال: إيناس الرشد حفظ المال»[*].
- وعند الأئمة الأربعة: فقد قال فقهاء الحنفية بعدم جواز الحجر على المدين حتى ولو استغرقت ديونه كل ماله، إلاَّ أن القاضي يأمره بسداد ديونه فإن امتنع حبسه حتى يبيع أمواله بنفسه، ويؤدي ما عليه من ديون. وهذا بخلاف المالكية والشافعية والحنبلية (وصاحبي أبي حنيفة) الذين أجازوا الحجر على المدين بأمر من القاضي عند حلول أجل الدين، إذا كان مستغرقاً كل ماله، وطلب الغرماء الحجر عليه.
وقالوا: إن الحجر على المدين يجعله ناقص الأهلية، فتصبح جميع تصرفاته المالية موقوفة على إجازة الغرماء، فإن أجاز الغرماء التصرف صح وإلاَّ كان باطلاً.
ويجوز للمدين، بعد الحجر عليه، أن يتزوج بمهر المثل، كما يجوز له الطلاق والخلع، وقبول الهبات والتبرعات، وكل ما من شأنه أن يؤدي إلى تحسين وضعه المالي، ويمكنه من أداء دينه.
وقد اتفق جميع الأئمة على أنه يحرم على المدين المماطلة مع قدرته على الوفاء، كما تحرم مضايقته في حالة إعساره لقول الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البَقَرَة: 280]. وقد قال الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): «كما لا يحل لغريمك أن يمطلك وهو موسر، كذلك لا يحل لك أن تعسره إذا علمت أنه معسر»[*]. وإذا كان من غير الجائز إلزام المدين بالوفاء مع إعساره فالأولى عدم جواز حبسه للسبب نفسه. قال الإمام الصادق (عليه السلام): «إن أمير المؤمنين علياً كان يحبس في الدين، فإذا تبين له إفلاس الرجل، وحاجته خلَّى سبيله، حتى يستفيد مالاً. وقد استعْدت امرأة على زوجها عنده، لأنه لم ينفق عليها بسبب إعساره، فأبى أن يحبسه، وقال: إن مع العسر يسراً»[*].
وقد أجاز جمهور الفقهاء، في حال الشك إذا كان المدين معسراً أو موسراً، حبس المدين بناء على طلب الغرماء، وادعائهم بأن له مالاً يخفيه أو ينكره.
وإذا كان الحق ثابتاً بإقرار المدين، ولكنه ماطل في الأداء، فإن القاضي يأمره بأداء الدين المتحقق فوراً، كما يأمر بحبسه للمماطلة. أما إذا ثبت الحق بالبينة، وامتنع عن الوفاء، أو تأخر في الدفع من غير ضرورة، حبسه القاضي مدة من الزمن حتى يلزمه على الوفاء، فإذا لم يفلح معه الحبس في ذلك، يبقى محبوساً، عند الحنفية، حتى يؤدي كامل دينه. بينما يحجر عليه، عند باقي المذاهب، وصاحبي أبي حنيفة، ويباع ماله جبراً، ويقسم على الدائنين.
وقد اتفق جميع الأئمة على عدم جواز استيفاء الدين من مال حرام، كمال الربا، والرشوة، والغصب، والسرقة، والغناء. كما لا يحل للورثة التصرف في الميراث من مالٍ حرام، بل عليهم ردّه لأصحابه إن عرفوهم، وإلاّ تصدقوا به.
التنجيم:
وهو أن يوزع الدين على أقساط تُستوفَى في أوقات معينة. وهو صحيح وجائز شرعاً. ولكن إذا اشترط الدائن على المدين أنه إذا تأخر عن أداء قسط في حينه تحل بقية الأقساط فلا يجب العمل بهذا الشرط.. والكلام عن التنجيم إنما يتم بناء على أن شرط التأجيل في الدين يجب الوفاء به، أما على قول المشهور من عدم وجود الوفاء فلا موضع للكلام عنه.
مرور الزمن:
اعتبر أكثر الفقهاء بأن الحق لا يسقط بترك المطالبة به، مهما طال الزمن. لأنه متى ثبت بسبب شرعيّ لا يسقط إلا بمُسقط شرعيّ، ومرور الزمن ليس من الأسباب المسقطة في الشريعة الإسلامية.
المقاصَّـة:
إذا اقترض منك شخص شيئاً، اقترضت أنت منه ما يتحد مع ما اقترض جنساً ووصفاً، كان ما أخذته منه وفاء لتمام حقك إن ساواه في الكم، وإن نقص سقط منه بمقدار ما أخذت، وإن زاد كنت مسؤولاً عن الزيادة.. وليس هذا من المقاصَّة في شيء، لأن كلا القرضين كان بإرادة الطرفين، ويسمى تهاتراً إن اتفقا بالجنس والوصف والكم.
وإذا اقترضت منه من غير جنس ما اقترض منك، كما لو أخذ نقداً، وأخذت طعاماً، ثم امتنع عن وفائك وإرضائك، جاز لك أن تحتسب ما في ذمتك له من الطعام عوضاً عما لك في ذمته من النقد، على أن تعتبر سعر الطعام يوم المعاوضة والمبادلة، لا يوم القبض.. أجل، إذا أعطاك الطعام بداعي الوفاء اعتبرت السعر يوم القبض، فقد سئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن رجل له دين على آخر، ولما حلَّ الأجل أعطاه طعاماً أو قطناً دون أن يذكرا السعر، وبعد شهرين أو ثلاثة ارتفع سعر ما أعطاه أو نَقَصَ، فأي سعر يحسب؟ قال (عليه السلام): «يحسب السعر وقت الدفع»[*].
وإذا جحدك المدين، أو ماطل، جاز لك أن تأخذ من ماله بكل سبيل مقدار حقك، دون تعدٍّ، لقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البَقَرَة: 194].
وسئل الإمام الصادق (عليه السلام): «عن الرجل يكون له على الرجل دين فيجحده، ثم يظفر من ماله بقدر الذي جحد، أيأخذه، وإن لم يعلم الجاحد بذلك؟ قال: نعم»[*].
والفقهاء يسمون هذا مقاصَّة ولا يجب على من يقتصُّ حقَّه من الممتنع أن يستأذن الحاكم الشرعيّ، لعدم الدليل على وجوب الإذن، ولإطلاق الأدلة التي رخصت بالمقاصّة.
القـرض
تعريف القرض:
القرض في اللغة: القطع، ويسمى المال الذي تعطيه للغير من مالك قرضاً لأنه قطعة من مالك. والاستقراض هو طلب القرض. والقِراض هو أن يعطي شخص لآخر مالاً ليتّجر به على أن يكون الربح بينهما وفقاً لشروطهما.
وأما معنى القرض في اصطلاح الفقهاء فهو على النحو التالي:
- قال الشيعة الإمامية: القرض هو ما يُعطيه موسرٌ لمحتاج على أن يعيد له مثله. وهو والدَّينُ يشتركان في أن كلاًّ منهما لا ينتفع به إلا باستهلاكه، وأنه حقٌّ ثابت في الذمة. ولكنْ في القرض تُسدَّد العينُ المقترضة بمثلها بالجنس والصفات: فالنقد يعاد نقداً بمثله، والطعام بالطعام، ولذلك كان القرض ينحصر في المثليات دون القيميَّات[*].
- وقال الحنفية[*]: القرض هو ما تعطيه من مالٍ مثليّ لتتقاضى مثله. وحد المثلين ألاَّ تتفاوتَ آحاده تفاوتاً تختلف به القيمة كالمكيلات والمعدودات المتقاربة. وأما ما ليس مثلياً كالحيوان والحطب والعقار ونحوه مما يقدر بالقيمة فإنه لا يصح قرضه. ومثله المعدودات المتفاوتة في القيمة كالبطيخ والرمان ونحوه.
- وقال المالكية: القرض هو أن يدفع شخص لآخر شيئاً له قيمة مالية بمحض التفضيل بحيث لا يقتضي ذلك الدفع جواز عارية لا تحل، على أن يأخذ عوضاً متعلقاً بالذمة أصلاً، بشرط أن يكون ذلك العوض مخالفاً لما دفعه.
ويصح القرض في كل ما يصح أن يسلم فيه، سواء كان قرض تجارة أو حيواناً أو مثلياً.
- وقال الشافعية: القرض يطلق شرعاً بمعنى الشيء المُقترض، ومنه قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَناً} [البَقَرَة: 245].
ويسمى القرض سلفاً، وهو: تمليك الشيء على أن يردَّ مثله.
- وقال الحنبلية: القرض دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله، وهو نوع من السلف لانتفاع المقترِض بالشيء الذي يقترضه. وهو عقد لازم إذا قبضه المقترِض، فليس للمقرض الرجوع فيه لكونه أزال ملكه بعوض سيأخذه. أما المقترض فليس بلازم في حقه، فله أن يعدل عن القرض.
أحكام القرض:
قال الشيعة الإمامية: القرض يعاد مثلاً بمثْل سواءٌ كان معدوداً أو موزوناً أو مكيلاً، وبدون النظر إلى اختلاف سعره بين وقت استقراضه ووقت إعادته. فمن اقترض نقداً ذهبياً عليه أن يعيده نقداً ذهبياً كما اقترضه دون النظر إلى سعره الحالي، ومن اقترض قمحاً يعيده قمحاً دون ملاحظة غلائه أو رخصه، وكذلك من اقترض تمراً أو غيره.
- والقرض يصح يداً بيد أو بواسطة وكيلٍ مفوَّضٍ معروف.
- ولا يجوز قرض الصبيِّ ولا المعتوه ولا السفيه إلاَّ بإذن الوليّ.
والقرض يعاد عند حلول الأجل.
- وقال الحنفية[*]: يتعلق بالقرض الأحكام التالية:
1 - أنه مضمون بمثله، سواء أكان مكيلاً أو معدوداً أو موزوناً. فإذا اقترض قمحاً يلزم برده مثله بقطع النظر عن غلائه ورخصه. وكذلك إذا اقترض نقوداً ثم بطل التعامل بها، أو اقترض لحماً بكذا الرطل ثم نزل السعر إلى كذا.. وكذلك إذا اقترض خبزاً فإنه ملزم برده بعدده أو بوزنه لأن الخبز يصح قرضه عدّاً، ووزناً.
2 - أن التوكيل يصح في القرض وفي قبضه، كأن يقترض أحدهم ثم يوكل عنه من يقبض له. وكذلك إذا أرسل شخص رسولاً ليستقرض له من آخر، فإنه يكون قرضاً للمرسِل.
3 - أن القرض مقابل منفعة مكروه.
4 - أنه لا يجوز إقراض الصبي المحجور عليه. أما إذا كان غير محجور عليه، بأن كان مأذوناً بالتصرف، فإنه يصح إقراضه لأنه يكون بحكم البالغ. ومثل الصبي في القرض المعتوه.
ـ وقال المالكية: للقرض أحكام ومنها:
1 - إن كل ما يقبل جنسه السلم يصح قرضه كالمكيل والموزون والمعدود. وإذا كانت آلة الكيل أو الوزن مجهولة فإنه لا يصح فيه السلم إلا بآلة الكيل المعروفة بين الناس، ويصح فيه القرض بأية آلة مثل الصفيحة أو القصعة. كما يصح قرض الحيوان، وعروض التجارة لأنه يصح السلم في جنسهما.
2 - أنه يحرم على المقرض أخذ الهدية لأجل الدين. كما يحرم في القرض اشتراطٌ يجر إلى منفعة، كأن يشترط أن يأخذ قمحاً نظيفاً ويعطيه رديئاً.
3 - أن المقترض يملك القرض لمجرد العقد، فإن كان له أجل فإنه يلزم برده عند حلول الأجل حتى ولو لم ينتفع به، وإن لم يكن له أجل مضروب فإنه يلزم بالرد في الوقت الذي جرت به العادة، كما جرت العادة برد القمح بعد الحصاد، فإن لم تكن فيه عادة فلا يلزم برده إلا إذا انتفع به وفقاً لأحكام عادة أمثاله.
4 - يجوز للمقترض أن يردَّ مثل القرض، وأن يرد عينه سواء كان مثليّاً أو غير مثليٍّ بشرط أن لا يتغير بزيادة أو نقص، فإن تغير وجب ردّ مثله.
- وقال الشافعية: يتعلق بالقرض أحكام:
1 - أن أركانه كأركان البيع فلا بد فيه من الإيجاب والقبول، وأن يكون الشيءُ المقرَضُ معلومَ القَدر.
2 - أن يكون المقرِض أهلاً للتبرع، فلا يصح للولي أن يقرض مال المحجور عليه من غير ضرورة، بينما للقاضي ذلك إن كان المقترض أميناً موسراً. وكذلك يشترط أن يكون المقرض مختاراً، فلا يصح قرض المكره. ويشترط في المقترض أن يكون بالغاً، عاقلاً، وغير محجور عليه.
3 - يشترط في الشيء المقرَض أن يكون مما يصح فيه السلم إذا كان موصوفاً في الذمة، على أن يقبضه المقترض حالاً، ولا يشترط أن يجري القرض في المجلس، بل يصح ولو تفرقا. أما الشيء المعيَّن فيصح تأخير قبضه. أي أنَّ ما لا يصح فيه السلم لا ينضبط، أو يندر وجوده، فيتعذر رد مثله. وعلى هذا فإنه يصح قرض ما له مثل، وما له قيمة.
4 - يفسد القرض بشرط يجر منفعة للمقرض، كأن يرده مع زيادة في الكمية والصفة. ولا يصح الاشتراط أنه لا يقرضه إلا برهن، أو كفيل، أو إشهاد.
وعلى ذلك فإن الشرط في القرض ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن يجر نفعاً للمقرض، فيكون الشرط فاسداً، مفسداً للعقد.
الثاني: أن يجر نفعاً للمقترِض، فيكون الشرط فاسداً والعقد صحيحاً.
الثالث: أن يكون للوثوق كطلب كفيل أو رهن وهو صحيح ونافذ.
- وقال الحنبلية: تتعلق بالقرض الأحكام التالية:
1 - يصح القرض في كل عين يجوز بيعها من مكيل وموزون ومذروع ومعدود ونحوه..
2 - يشترط في الشيء المقتَرض أن يكون قدره معروفاً، وكذلك صفته كاقتراضه قمحاً بلديّاً...
3 - يشترط في المقترض أن يكون أهلاً للتبرع، فلا يصح قرض الصبي والمجنون ونحوهما.
4 - يصبح عقد القرض ملزماً بقبض الشيء المقترض سواء كان مكيلاً أو موزوناً أو معدوداً أو مذروعاً أو غير ذلك.
5 - إذا كان الشيء المقترَض مثلياً فإنه يلزم بردِّ مثله، لأنه يمتلك عينه بالقبض وله أن يستهلكها كما يشاء. أما إذا كان القرض غير مثليٍّ فإن المقترِض ملزم برد قيمته، فلو ردَّه بعينه لصاحبه فإنه لا يلزم بقبوله.
6 - عدم جواز الاشتراط في عقد القرض بما يجر منفعة للمقرض. أما إذا اشترط ما يوثق به القرض فإنه يصح وينفذ، كأن يقول: أقرضك بشرط أن ترهن لديّ كذا.


مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢