نبذة عن حياة الكاتب
المعاملات والبينات والعقوبات

الحـوالـة
تعريفهـا:
الحَوالَة، في اللغة، معناها النقل من محل إلى محل. وقد أورد أصحاب المذاهب تعاريف لها على النحو التالي:
عرّفها بعض الشيعة الإمامية[*]: بأنها عقد شُرع لتحويل المال من ذمة إلى أخرى. وبمقتضى هذا التعريف تتحقق الحوالة مع براءة ذمة المحيل. وعرفها آخرون بأنها: تحول المال من ذمة إلى ذمة مشغولة بمثله. وبمقتضى هذا التعريف تؤدي الحوالة إلى اشتغال ذمة المحال عليه.
والناس حسب تعاملهم يفهمون الحوالة: بأن يحيل المدينُ ليستوفيَ الدائنُ دينه من غيره.
والحنفية[*] لهم رأيان في تعريف الحوالة:
أحدهما: أنها نقل المطالبة من ذمة المدين إلى ذمة الملتزم. فإذا أُحِيل شخص له دينٌ عند أحدهم على آخر، وقبل المحال عليه والتزم بالدين، فإن مطالبة الدائن بدينه تنتقل من ذمة المديون الأصلي إلى ذمة المحال عليه. أما الدين فهو باق بذمة المديون الأصلي، وتكون الحوالة براءةً مؤقتةً من الدين.
ثانيهما: أنها نقل المطالبة ونقل الدين معاً. بمعنى أن ذمة المديون الأصلي تبرأ بحوالة الدين إلى الشخص الملتزم بدفع الدين.
فإذا أَحَلْتَ أنت محمداً على أحمد، فأنت محيل، ومحمد مُحَال، وأحمد محال عليه، والمال محال به.
أما عند المالكية والشافعية والحنبلية فإن الحوالة تبرئ ذمة المحيل براءةً نهائيةً ما لم يكن هنالك تغرير في الإحالة على مفلس، فيجوز الرجوع عندها على المحيل.
مشروعية الحوالة:
الحوالة مشروعة بالسنة والإجماع. قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلّم): «مطلُ الغني ظلم وإذا أُحلتَ على مليء فاتبعه»[*].
وقد سئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن الرجل يحيل الرجل بدراهم أيرجع عليه؟ قال (عليه السلام): «لا يرجع عليه أبداً إلاَّ أن يكون قد أفلس قبل ذلك»[*].
وقد أجمع أهل العلم على جواز الحوالة[*]، فهي عقد جائز في الديون دون الأعيان، لأن التحويل يكون في الدين لا في العين، أي أن النقل الحكمي لا يكون في العين فلا تصح فيها الحوالة.
أما الشيعة الإمامية فيصح عندهم أن يكون الحق المحال به عيناً كالدرهم والحبوب، والمنفعة أو العمل، كما سنرى في شروط الحوالة.
أركان الحوالة وشروطها:
- قال الشيعة الإمامية[*]: اتفق الفقهاء على أنه لا بد في الحوالة من رضا المحيل والمحال..
وأما رضا المحيل فلأن مَن عليه الدَّين لا يُجبر على وفائه من جهة دون جهة من أمواله.
وأما رضا المحال فلأن دينه ثابت في ذمة معيَّنة فلا يتحول إلى غيرها إلا برضاه.
أما المحال عليه فقد اتفقوا على اعتبار رضاه إذا كان غير مدين للمحيل إطلاقاً، أو كان مديناً له بغير جنس المال المحال به. أما إذا كان مديناً له بمثل المال المحال به، فذهب المشهور إلى اعتبار رضاه أيضاً. وبناء على ذلك لا بد من رضا الثلاثة: المحيل، والمحال، والمحال عليه بريئاً كان أو مديناً بالمثل أو بغيره.
أما فيما يتعلق بالصيغة، فالمشهور أن عقد الحوالة مركّبٌ من إيجاب من المحيل، ومن قبولين: أحدهما من المحال والآخر من المحال عليه.
وشروط الحوالة عند الشيعة الإمامية هي التالية:
1 - رضا المحيل والمحال والمحال عليه - كما تقدَّم آنفاً ـ، فإذا تبرع متبرع على المحيل بوفاء دينه فلا يشترط رضاه، كائناً من كان المتبرع، لأن وفاء الدين وضمانه لا يشترط فيه رضا المدين.
2 - الحوالة لا بد أن تكون منجزة غير معلقة على شيء تماماً كما هي الحال في الضمان، فإذا قال المُحال للمحيل: قبلت التحويل على فلان بشرط إذا لم يدفع لي رجعت عليك، بطل الشرط والتحويل، وبقي كل شيء على ما كان.
ويلاحظ بأن هذا إن لم يصح تحويلاً فإنه يصح باسم آخر، والمهم أن يصدق على هذا التعهد وأمثاله اسم العقد عند أهل العرف، ومتى صدقت التسمية وجب الوفاء.
3 - أن يكون كل من المحيل والمحال، والمحال عليه أهلاً للتصرفات المالية..
4 - أن يكون المال المحال به ثابتاً في ذمة المحيل للمحال، سواء أكان ثبوته مستقراً، كالقرض وثمن المبيع اللازم، أو غير مستقر، كثمن المبيع في زمن الخيار، فالمهم أن يكون ثابتاً في الذمة بأيِّ نحو من أنحاء الثبوت. أما إذا لم يكن ثابتاً في الذمة أصلاً فيكون وكالة بلفظ التحويل، إذ لا يشترط في الوكالة لفظ خاص، فإذا قال لك قائل غير مدين لك بشيء: قد أحلتك بالدين الذي لي على فلان فاقبضه منه، كان هذا وكالة بلفظ الحوالة، فإذا قبضت المال يبقى في يدك أمانة لصاحبه.
5 - ذهب المشهور عند فقهاء الإمامية: إلى أنه يشترط علم الثلاثة بجنس ومقدار المحال به، لأن الجهل يستدعي الغرر، ويتعذر معه الوفاء والأخذ والعطاء.
6 - أن يكون المحال عليه قادراً على الوفاء وقت الحوالة، أو أن يكون المحال علم بإعسار المحال عليه ورضي بالتحويل. أما إذا جهل الإعسار عند التحويل، ثم علم فله حق الفسخ والرجوع على المُحيل.
ترامي الحوالات:
وقد اتفق فقهاء الإمامية: على أن الحوالات يجوز تراميها: وذلك عند تعدُّد المحال عليهم. مثال ذلك أن يكون لك دين على زيد، فيحيلك زيد على عمرو، ثم يحيلك عمرو على خالد، وخالد على إبراهيم، فجميع هذه الحوالات صحيحة، مع الشروط المتقدمة للحوالة.
التحويل من المشتري والبائع:
إن تحويل المشتري للبائع على ثالث، وتحويل البائع للثالث على المشتري يبطل مع بطلان البيع، ويصح مع فسخه. وفي حال البطلان يبقى الثمن على ملك المشتري يطالب به أينما كان. وفي حال الصحة يرجع المشتري بعد رد المبيع على البائع، حتى ولو كان المشتري قد أحال البائع على ثالث، ولم يكن قد قبض البائع بعدُ من الثالث، لأن التحويل الصحيح تماماً كالاستيفاء.
التنازع في الحوالة عند الشيعة الإمامية:
إذا أدى المحال عليه المال المحال به، ثم رجع على المحيل، وطالبه بما أداه عنه، فقال المحيل: إن الدَّين الذي أديته كان ديناً لي في ذمتك، وأنكر المحال عليه ذلك، وقال: كلا، ليس لك عليّ شيء. فالقول قول المحال عليه، وعلى المحيل البينة، لأن الأصل براءة ذمته، حتى يثبت العكس..
وإذا كان لشخص عليك دين، وقلت له: وكلتك بقبض ما لي من دين على فلان. وبعد أن قبضه منه قال لك: أحلتني بديني الذي لي عليك، وأردت من لفظ الوكالة الحوالة، وقلت أنت: كلا، إني وكلت، وما أردت من اللفظ إلا مدلوله ومعناه الحقيقي. فإذا لم يكن هناك قرينة تعيِّن أحد المعنيين كان القول قولك عملاً بظاهر اللفظ.
وإذا قلت له: أحلتك، ثم ادعيت أنك أردت الوكالة لا الحوالة، انعكس الأمر، وكان القول قوله لنفس السبب.
- وقال الحنفية[*]: للحوالة ركن واحد وهو الإيجاب والقبول. فالإيجاب يكون من المديون (المحيل). والقبول يكون من المحال والمحال عليه. وتتم الحوالة برضا الثلاثة: المحيلُ والمحال والمحال عليه.
وشروط الحوالة عندهم هي:
الشروط المتعلقة بالمحيل (المديون):
ويُشترط فيه أن يكون عاقلاً، فلا تصح الحوالة من المجنون والصبي. وأن يكون بالغاً، فلا تنفذ حوالة غير البالغ إلا بعد أن يجيزها وليّه. أي أن البلوغ شرط لنفاذ الحوالة، لا لانعقادها. وتصح أيضاً حوالة المريض. أما الحرية (أن يكون حراً غير عبدٍ أو رقيقٍ) فليست شرطاً في المحيل.
الشروط المتعلقة بالمحال أو صاحب الدين:
ويُشترط فيه نفس شروط المحيل من العقل والبلوغ والنفاذ.
كما يشترط فيه أيضاً أن يكون راضياً فلا يصح قبول الحوالة من مكره. وأن يكون حاضراً في المجلس، فلا يصح قبول الحوالة من الدائن إذا كان غائباً عن المجلس، فإن قبل عنه شخص وبلغه الخبر فأجاز لا يصح.
الشروطُ المتعلقة بالمحال عليه:
ويشترط فيه أيضاً العقل والبلوغ، وهما من شروط الانعقاد والنفاذ، فإذا قبل الصبي العاقل الحوالة لا تنعقد ولو أجازها وليه. كما يشترط فيه أن يكون راضياً. ولكن لا يشترط حضوره في المجلس إذ لو كان غائباً ثم علم ورضي فإنه يصح.
الشروط المتعلقة بالمحال به (وهو الدين):
ويشترط فيه أن يكون ديناً للمحال على المحيل، وإلاَّ كان وكالة لا حوالة. وأن يكون ديناً معلوماً. وأن يكون لازماً فلا يصح للزوجة أن تحيل دائنها (في حالة كونها مديونة) بمهرها كله قبل الدخول بها لأنه غير لازم، إذ يجوز أن تُطلَّق قبل الدخول فلا تستحق سوى نصفه. ولا تصح الإحالة بالأعيان، لأن النقل من ذمة إلى ذمة نقل شرعي. وهو لا يتصور إلا في الدين لأنه وصف شرعي، أما الأعيان فإنه لا يتصور فيها النقل الحسي.
ويجوز لمن كان له استحقاق في وقف أن يحيل صاحب الدين على ناظر الوقف ليأخذ استحقاقه في دينه، لأن المحال به هنا دين معلوم مستقر.
- وقال المالكية[*]: أركان الحوالة: محيل، ومحال به، وصيغة. وتصح الصيغة بكل ما يدل على نقل الدين. كقوله: خذ حقك من فلان وأنا بريء منه. أو قوله: أحلتك على فلان، ونحو ذلك.. وتكفي الإشارة الدالة على الحوالة من الأخرس.
وشروط الحوالة عند المالكية هي:
1 - رضا المحيل والمحال، أما رضا المحال عليه فلا يشترط على المشهور، كما لا يشترط حضوره وإقراره.
2 - أن يكون للمحال دين على المحيل، وأن يكون للمحيل دين على المحال عليه. فإذا لم يكن للمحال دينٌ على المحيل كان عقد وكالة لا حوالة. وإذا لم يكن للمحيل دين على المحال عليه كان عقد حوالة لأن المحال عليه احتمل سداد الدين عن المحيل للمحال. وإذا أفلس المحال عليه أو مات، كان للمحال الرجوع على المحيل (المديون الأصلي)، إلا إذا علم المحال، من أول الأمر، بأنه ليس للمحيل دين عند المحال عليه، ثم شرط المحيل براءته من الدين، فإنه لا يحق في هذه الحالة للمحال الرجوع على المحيل ولو أفلس المحال عليه. وبعضهم يقول: إنه في حالة الإفلاس أو الموت فإن للمحال أن يرجع على المحيل حتى ولو شرط عليه البراءة.
3 - أن يكون أحد الدَّينين حالاًّ. فلو كان كلٌّ من الدَّين الذي على المحيل، والدَّين الذي على المحال عليه مؤجلاً فإن الحوالة لا تصح لما يترتب عليه من بيع الدَّين بالدَّين الممنوع. أما إذا كان كل منهما معجلاً، أو كان أحدهما معجلاً والآخر مؤجلاً فإنه يصح لعدم بيع الدَّين بالدَّين.
4 - أن يكون الدَّين لازماً، فلا تصح الحوالة بالدَّين غير اللازم، كما لو أحال السيد دائنه على عبده المكاتب، لأن الدَّين غير لازم على المكاتب.
5 - أن يكون دَين المحيل ودَين المحال عليه متساويَين في القدر والصفة.
6 - ألاَّ يكون الدَّينان (دَين المحيل ودَين المحال عليه) حاصلَين من بيع الطعام كالحبوب ونحوها.
- وقال الشافعية[*]: أركان الحوالة ستة: محيل، ومحال، ومحال عليه، ودَينان (دَين للمحال على المحيل، ودَين للمحيل على المحال عليه) وصيغة: وهي الإيجاب والقبول. ولا يشترط فيها لفظ الحوالة بل تكون بكل ما يؤدي معناها. ولا تصح الحوالة بلفظ البيع، ولا تدخلها الإقالة.
وشروطها عندهم ستة:
1 - رضا المحيل، فإن أريد برضاه عدم الإكراه فيُعدُّ شرطاً ظاهراً. أما إذا أريد به الإيجاب فيعد شرطاً تسامحاً لأن الإيجاب جزء من الصيغة التي هي ركن لا شرط.
2 - رضا المحال (صاحب الدَّين) فإذا لم يقبل الحوالة لا يجبر عليها، ولا تصح. وهو الأصح عند الشافعية.
3 - أن يكون الدَّين المحال به معلوماً قدراً أو صفة. فلو كان الدَّين مجهولاً عند العاقدين أو أحدهما فإن الحوالة تكون باطلة.
4 - أن يكون الدَّين المحال به لازماً في الحال أو في المآل. فالدَّين اللازم كصداق المرأة بعد الدخول بها، والدَّين الذي يؤول إلى اللزوم كصداق المرأة قبل الدخول بها، أو ثمن المبيع قبل انقضاء مدة الخيار.. فكل ذلك تصح به الحوالة.
ولا تصح حوالة السيد على العبد المكاتب، لأن دين هذا الأخير غير لازم.
5 - أن يكون الدَّين الذي على المحيل مساوياً للدَّين الذي على المحال عليه في الجنس، والقدر، والحلول، والتأجيل، والصحة، والتكسير.
6 - أن يكون دين المحيل ودَين المحال عليه من الديون التي يصح بيعها واستبدالها بغيرها. فلا تصح الحوالة بدَين السَّلم، سواء كان رأس المال أو كان المسلم فيه.
- وقال الحنبلية[*]: أركان الحوالة ما تتحقق به من محيل، ومحال به، ومحال عليه، وصيغة.
ولا يشترط في الصيغة أن تكون بلفظ الحوالة، بل تصح بمعناها، كما لو قال المدين لآخر: اتبعتك بدينك على زيد.
وشروط الحوالة عندهم خمسة:
1 - أن يتفق الدين المحال به مع دين المحال عليه في الجنس، والصفة، والحلول، والأجل، فيلزم أن يحيل الدين من ذهب على مثله، فإذا أحال ذهباً على فضة لا يصح لاختلاف الجنس. وكذا لا يصح أن يحيل بدينٍ مكسور على دينٍ صحيح لاختلاف الصفة، ولا أن يحيل ديناً حلَّ دفعه على دَينٍ مؤجل وبالعكس.
2 - أن يكون قدر كل من الدَّينين (الدَّين المحال به ودَين المحال عليه) معلوماً، فإذا كان قدره مجهولاً فلا تصح الحوالة.
3 - أن يكون الدَّين المحال به مستقراً، فدَين المرأة قبل الدخول بها غير مستقر، فلا يُحال به. وكذا دَين السيد على العبد المكاتب لأن دين الكتابة غير لازم إذ للعبد أن ينقضه.
4 - أن يكون الدَّين المحال به يمكن ضبطه بأن يكون مما يوزن، أو يكال، أو يُعدُّ أو يقدر بالذراع.
5 - رضا المحيل. أما المحال فلا يشترط رضاه إذا كان المحال عليه قادراً على السداد، وغير مماطل. وكذلك المحال عليه فإنه لا يشترط رضاه، ولكنهمـا ملزمان بقبول الحوالة عملاً بقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم): «مطلُ الغنيّ ظلم...»[*].
براءة ذمة المديون في الحوالة:
- قال الشيعة الإمامية: متى تمت شروط الحوالة صحّت، ولزمت بحق الثلاثة، ولا يجوز لواحد منهم العدول. وتبرأ ذمة المحيل من دين المحال وتشغل ذمة المحال عليه، ولا يحق للمحال أن يطالب المحيل بشيء، حتى وإن لم يستوفِ من المحال عليه، لأن معنى الحوالة هو تحويل الدَّين من ذمة إلى ذمة، كما يدل عليه لفظ الحوالة. وقد تقدم أن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) سئل عن الرجل يحيل الرجلَ بالمال، أيرجع عليه؟ قال (عليه السلام): «لا يرجع عليه أبداً إلا أن يكون قد أفلس»[*]، أي أفلس قبل التحويل.
وإذا كانت ذمة المحال عليه مشغولة للمحيل بمثل ما أداه عنه، برئت ذمته من دينه، وإذا كانت مشغولة بغير المثل يتحاسبان. ويجوز لكل واحد من الثلاثة أن يشترط الخيار في فسخ الحوالة، لعموم أدلة وجوب الوفاء بالشرط.
- وقال الحنفية: إن المديون يبرأ بإحالة الدائن براءة مؤقتة، أي ليس للمحال حق الرجوع على المحيل إلاَّ في حالة التوى (هلاك المال). وقد خصه الإمام أبو حنفية بهذا المعنى (أي بهلاك المال)، حيث يفلس المحال عليه أو يموت، ففي هذه الحالة يصح للمحال الرجوع على المدين الأصلي. ويترتب على براءة المحيل أنه إذا مات لا يأخذ المحال الدَّين من ورثته بل له الحق في المطالبة بكفيل من الورثة يحفظ له حقه من الضياع.
- وقال المالكية: يتحول حق المحال على المحال عليه، وتبرأ بذلك ذم المديون، فإذا أفلس المحال عليه، أو مات، أو أنكر الدين بعد الحوالة، لا يكون للمحال الحق في الرجوع على المدين الأصلي. أما إذا أنكر المحال عليه الدَّين الذي للمحيل عنده قبل الحوالة ولا توجد بينة عليه فالحوالة لا تصح أصلاً. وإذا كان المحال عليه مفلساً قبل الحوالة فإنها تكون صحيحة. ولكن إذا كان المحال (صاحب الدَّين) عالماً بإفلاسه قبل الحوالة فلا حق له بالرجوع على المحيل سواء كان المديون عالماً بإفلاس المحال عليه أم لا. فإذا لم يكن صاحب الدين عالماً بذلك الإفلاس، وكان المديون الأصلي عالماً به، كان للمحال (صاحب الدَّين) الرجوع على المديون الأصلي لأنه أوقعه في الغرر.
- وقال الشافعية: يترتب على الحوالة براءة ذمة المحيل من دين المحال عليه، وبراءة ذمة المحال عليه من دَين المحيل، ولكن يتحول نظير دَين المحيل إلى ذمة المحال عليه للمحال. وليس للمحال الحق في الرجوع إلى المحيل على أي حال، سواء أفلس المحال عليه، أو مات، أو أنكر ما عليه من الدَّين. وكذا إذا كان المحال عليه مفلساً قبل الحوالة فإنه لا حق للمحال في الرجوع.
وإذا ادَّعى المحيل بأنه لم يكن يعلم ببراءة ذمة المحال عليه كان عليه اليمين، فإن حلف فلا حق للمحال في الرجوع، وإن لم يحلف حلف المحال وبطلت الحوالة.
وكذا لو قامت البينة على أن المحال عليه قد أعطى المحيل دينه.
- وقال الحنبلية: متى توفرت شروط الحوالة فإن المحيل يبرأ من الدَّين بمجرد الحوالة، سواء أفلس المحال عليه، أو مات، أو أنكر الدَّين. أما إذا لم تتوفر الشروط فإن الحوالة لم تصح ويكون حكمها حكم الوكالة. ومثل ذلك ما إذا أحال شخصاً لا دين له عليه على شخص مدين له، فإن ذلك وكالة وإن كان بلفظ الحوالة، وإذا أحال شخصاً لا دينَ له عليه على شخص غير مدين له، كان وكالة على الاقتراض منه وإنه كان بلفظ الحوالة.
أنواع الحوالـة:
قسَّم الفقهاء الحوالة إلى حوالتين من حيثُ النوعيَّة:
- إحداهما حوالةُ الحق، وهي الحوالة التي يكون فيها المحيل هو الدائن بمعنى أنها تؤدي إلى نقل الحق من دائنٍ إلى دائن، أو يحلُّ دائنٌ محلَّ دائنٍ بالنسبة إلى المدين. وهي تقتصر على الحقوق المالية دون الحقوق العينيَّة. وهي جائزةٌ باتِّفاق جميع أئمة المذاهب.
- والثانية حوالة الدَّين. وهو الحوالة التي يكون فيها المحيل هو المدين، بحيث يتبدَّل مدينٌ بمدين في وفاء الدَّين.
وعند الشيعة الإمامية والحنفية تُقسم حوالة الدَّين بدورها إلى نوعين:
حوالة مطلقة: وبموجبها يحيل المدين دائنه على غيره، دون أن يقيده بالدَّين الذي عليه، على أن يقبل المحال عليه. فهي إذاً حوالة يتبدَّل فيها المدين، ويبقى الدائن هو نفسه.
حوالة مقيَّدة: وقد أجمع الفقهاء على شرعية هذه الحوالة. وهي تعني أن يكون شخصٌ مديناً لآخر، ودائناً لغيره في آن معاً، فيحيل دائنه على مدينه ليقبض الدائن المال (المحال به) من المحال عليه، أي من مدين المحيل. ومن صور هذه الحوالةُ إحالة البائع دائنَه على المشتري بالثَّمن، وإحالةُ المرتهن على الراهن بالدَّين، وإحالة الزوجة على زوجها بالمهر اللازم، وهكذا...

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢