نبذة عن حياة الكاتب
معجم تفسير مفردات ألفاظ القرآن الكريم

حَرْفْ الْفَاءٍ
(ف)

فأد: يُقالُ: تَفَأَّدَتِ النَّارُ تَفَوُّداً: تَحَرَّقَتْ وَتَضَرَّمَتْ، وَفَأَدْتُ اللَّحْمَ في النّارِ: شَوَيْتُهُ. والفَئِيدُ: المَشْوِيُّ أوِ الذي لا فُؤَادَ لَهُ. والفُؤادُ: القَلْبُ لِتَوَقُّدِهِ، وقيلَ لِتَحَرُّكِهِ لأنَّ أصْلَ الفَأْدِ: الحَرَكَةُ، وهو مُذَكَّرٌ، وَأَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ على العَقْلِ أيضاً، قال تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } [النّجْم: 11]، {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [الإسرَاء: 36]؛ وجَمْعُ الفُؤَادِ: أَفْئِدَةٌ، قال تعالى: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37] تميل إليهم، أي تحنُّ إلى ذلك الموضع، ليكون في ذلك أنس لذريته، {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ} [النّحل: 78]، {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ } [إبراهيم: 43]،أي قلوبهم خالية من كل شيء خوفاً وفزعاً، شبّهها بالهواء. {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ *الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ } [الهُمَزة: 6-7] أي تُشرف على القلوب،وقيلَ: فُؤادٌ فارِغٌ، مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} [القَصَص: 10] أَيْ خَالياً إِلاّ مِنْ ذِكْرِ مُوسَى.
فتىء: يُقالُ: ما فَتِئْتُ أَفْعَلُ كذا وما فَتَأَتَ، كَقَوْلِكَ: ما زِلْتَ. قال تعالى على لسانِ إِخوةِ يُوسفَ (ع) : {تاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ } [يُوسُف: 85].
فتح: الفَتْحُ: إزالةُ الإِغْلاقِ وَالإشْكالِ، وذلك نوعان: أحَدُهما يُدْرَكُ بالبَصَر، كَفَتْحِ البابِ ونحوهِ، وكَفَتْحِ القُفْلِ والغَلْقِ والمَتاعِ، نحوُ قولهِ: {وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ} [يُوسُف: 65]، {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ} [الحِجر: 14]. والثانِي يُدْرَكُ بالبَصِيرَةِ، كَفَتْحِ الْهَمِّ، وهو إزالةُ الغَمِّ، وذلك أنواع: أحَدُها في الأمورِ الدُّنْيَويَّةِ كَغَمٍّ يُفْرَجُ وفَقْر يُزالُ بإعْطاءِ المالِ ونحوهِ، مثلُ: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعَام: 44] أي وسَّعْنا. وقال: {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعرَاف: 96] أي أقْبَلَتْ عليهمُ الخَيْراتُ، والثاني: فَتْحُ المُسْتَغْلَقِ من العُلومِ، نحوُ قولِك: فُلانٌ فَتَحَ من العِلْمِ باباً مُغْلَقاً، وقولهُ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِيناً } [الفَتْح: 1] قيلَ: عَنى فَتْحَ مَكَّةَ، وقيلَ: بَلْ عَنى ما فُتِحَ على النَّبيِّ (ص) من العُلومِ والهِداياتِ التي هي ذَرِيعَةٌ إلى الثَّوابِ والمَقاماتِ المَحْمُودَةِ التي صارَتْ سَبَباً لغُفْرانِ ذُنُوبِه. وفاتِحَةُ كُلِّ شيءٍ: مَبْدَؤُه الذي يُفْتَحُ به ما بَعْدَه، وبه سُمِّيَ فاتِحَةُ الكِتابِ. يقال: افْتَتَحَ فُلانٌ البابَ، ضد أغلقَهُ، وافتَتَحَ الشيء بكذا: ابتَدَأَهُ به. وفَتَحَ الله على فلان: علَّمَهُ وعرَّفَهُ {أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [البَقَرَة: 76]، {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ} [فَاطِر: 2]. وفَتَحَ القَضِيَّة فِتَاحاً: فَصَلَ الأمْرَ فيها، وأزالَ الإِبْهامَ عنها {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ } [الأعرَاف: 89] وأنت خير الفاصلين، أي الحاكمين، ومنه {الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ } [سَبَإ: 26]، وفعّال للمبالغة، من صفات الله تعالى، قال الشاعِرُ:
وإنِّي مِنْ فَتاحَتِكُمْ غَنِيُّ
الفَتاحَةُ والفَتْحُ: النُّصْرَةُ، والفُتاحَةُ (بالضَّمِّ والكَسْر): الحكم بين خصمينِ، وقولهُ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } [النّصر: 1] فإنَّه يَحْتَمِلُ النُّصْرَةَ والظَّفَرَ والحُكْمَ، وما يَفْتَح اللَّهُ تعالى مِنَ المَعارفِ، وعلى ذلك قولهُ: {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} [الصَّف: 13]، {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ} [المَائدة: 52]، وقوله: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ} [السَّجدَة: 28]، {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لاَ يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ} [السَّجدَة: 29] أي يومَ الحُكْمِ، وقيلَ: يومَ إزالَةِ الشُّبْهَةِ بإقامَةِ القِيامَةِ، وقيلَ: ما كانُوا يَسْتَفْتِحُونَ مِنَ العَذابِ ويَطْلُبُونَه. والاسْتِفْتاحُ: طَلَبُ الفَتْحِ، أو الفِتاحِ. {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} [الأنفَال: 19] أي إنْ طَلَبْتُمُ الظَّفَرَ، أو طَلَبْتُمُ الفِتاحَ، أي الحُكْمَ، أو طَلَبْتُمْ مَبْدَأ الخَيْراتِ، فقد جاءكُمْ ذلك بِمَجِيءِ النبيِّ (ص) ، وقولهُ: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} [البَقَرَة: 89] أي كان اليهود يَسْتَنْصِرُونَ اللَّهَ بالنّبيِّ الآتي ظناً منهم أنه منهم، فلما تبين أنه عربي نابذوه. وقيلَ: يَسْتَعْلِمُونَ خَبَرَهُ مِنَ الناسِ مَرَّةً، ويَسْتَنْبِطُونَه مِنَ الكُتُبِ مَرَّةً، وقيلَ: يَطْلُبُونَ مِنَ اللَّهِ بِذِكْرِهِ الظَّفَرَ، وقيلَ: كانُوا يَقُولُونَ: إنَّا لَنُنْصَرُ بالنبيِّ الآتي على عَبَدَةِ الأوْثانِ. والمِفْتَحُ والمِفْتاحُ: ما يُفْتَحُ به، وجَمْعُه: مَفاتِيحُ ومَفاتِحُ. وقولهُ: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} [الأنعَام: 59] يَعْني ما يُتَوَصَّلُ به إلى غَيْبِه المذكورِ في قولهِ: {فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجنّ: 26-27] وقولهُ: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} [القَصَص: 76] عنى بـ«مفاتحهُ» خزائنه التي ينوءُ أصحابُ القوة بحملها. وبابٌ فَتْحٌ: مَفْتُوحٌ في عامَّةِ الأحْوالِ، وغَلْقٌ خِلافُه. ورُوِيَ: مَنْ وجَدَ باباً غَلْقاً وجَدَ إلى جَنْبِه باباً فَتْحاً، وقيلَ فَتْحٌ واسِعٌ.
فتر: الفُتُورُ: سُكُونٌ بَعْدَ حِدَّةٍ، ولِينٌ بَعْدَ شِدَّةٍ، وضَعْفٌ بَعْدَ قُوَّةٍ. {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ} [المَائدة: 19] أي سُكُونِ حالٍ عَنْ مَجِيءِ رَسُولِ اللَّهِ (ص) ، وقولهُ: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } [الأنبيَاء: 20] أي لا يَسْكُنُونَ عَنْ نَشاطِهِمْ في العِبادَةِ. ورُوِيَ عن النبيِّ (ص) أنه قال: «لِكُلِّ عالِمٍ شِرَّةٌ ولِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فَمَنْ فَتَرَ إلى سُنَّتي فقد نَجا وإلاَّ فقد هَلَكَ»(39) فقولهُ لِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، إشارَةٌ إلى ما قيلَ: للباطِلِ جَوْلَةٌ ثم يَضْمَحِلُّ، ولِلْحَقِّ دَوْلَةٌ لا تَذِلُّ ولا تَقِلُّ. وقولهُ: مَنْ فَتَرَ إلى سُنَّتِي، أي سَكَنَ إليها. والطَّرْفُ الفاتِرُ: فيه ضَعْفٌ مُسْتَحْسَنٌ. والفِتْرُ: ما بَيْنَ طَرَفِ الإبْهامِ وَطَرَفِ السَّبَّابَةِ. يقالُ: فَتَرْتُهُ بفِتْري، وشَبَرْتُه بِشِبْري.
فتق: الفَتْقُ: الفَصْلُ بَيْنَ المُتَّصِلَيْنِ، وهو ضِدُّ الرَّتْقِ {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} [الأنبيَاء: 30]. والفَتْقُ والفَتَقُ: الصُّبْحُ. وأفْتَقَ القَمَرُ: بَرَزَ بين سَحابتينِ سَوداوينِ. «ونَصْلٌ فَتِيقُ الشَّفْرَتَيْنِ»، إذا كان له شُعْبَتانِ، كأنَّ إحْداهُما فُتِقَتْ مِنَ الأُخْرَى. وجَمَلٌ فَتِيقٌ: تَفَتَّقَ سِمَناً. وقد فَتِقَ المكانُ يَفْتَقُ فتْقاً: أَخْصَبَ.
فتل: فَتَلْتُ الحَبْلَ فَتْلاً. والفَتِيلُ: المَفْتُولُ، وسُمِّيَ ما يكونُ في شَقِّ النَّواةِ فَتِيلاً، لِكَوْنِهِ على هَيْئَتِه. {وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } [النِّسَاء: 49] وهو ما تَفْتِلُه بَيْنَ أصابِعِكَ مِنْ خَيْطٍ أوْ وَسَخٍ، ويُضْرَبُ به المَثَلُ في الشيءِ الحَقِير. وانفتَلَ عن الصَّلاةِ: إذا انصَرَفَ عنها.
فتن: أصْلُ الفَتْنِ: إدْخالُ الذَّهَبِ النارَ لِتَظْهَرَ جَوْدَتُه مِنْ رَداءَتِه، يقال: فتَنَ الشيءَ فَتْناً: أَحْرَقَهُ، واسْتُعْمِلَ في إدْخالِ الإنْسانِ النارَ {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ } [الذّاريَات: 13]، {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} [الذّاريَات: 14] أي عذَابكُمْ، وذلك نحوُ قولهِ: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النِّسَاء: 56] وقولهِ: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} [غَافر: 46] الآيَةَ تارَةً يُسَمُّونَ ما يَحْصُلُ عنه العَذابُ، فَيُسْتَعْمَلُ فيه نحوُ قولِه {أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التّوبَة: 49] وتارةً في الاخْتِبارِ، نحوُ: {وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً} [طه: 40]. وجُعِلَتِ الفِتْنَةُ كالبَلاءِ في أنَّهُما يُسْتَعْمَلانِ فيما يُدْفَعُ إليه الإنْسانُ مِنْ شِدَّةٍ ورَخاءٍ، وهُما في الشِّدَّةِ أظْهَرُ مَعْنىً وأكْثَرُ اسْتِعْمالاً. وقد قال فيهما: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبيَاء: 35] وقال في الشِّدَّةِ: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ} [البَقَرَة: 102]، {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البَقَرَة: 191]، {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البَقَرَة: 193]؛ {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التّوبَة: 49] أي يقولُ ائذن لي أن أتخلَّف عن جيش تبوك فإني أخاف أن أفتنَ في النساءِ الروميات الفاتنات. فكان في التخلف السقوط في الامتحان أي الاختبار بالدعوة إلى قتال الروم. وقال: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ} [يُونس: 83] أي يَبْتَلِيَهمْ ويُعَذِّبَهُمْ، وقال: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ} [المَائدة: 49]، {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} [الإسرَاء: 73] أي يُوقِعُونَكَ في بَلِيَّةٍ وشِدَّةٍ في صَرْفِهِمْ إيَّاكَ عَمَّا أُوحِيَ إليكَ، وقولهُ: {فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ} [الحَديد: 14] أي أوقَعْتُمُوها في بَلِيَّةٍ وعَذابٍ، وعلى هذا قولهُ: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَآصَّةً} [الأنفَال: 25]. وقال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفَال: 28] فقد سَمَّاهُمْ هَهُنا فِتْنَةً اعْتِباراً بما يَنالُ الإنْسانَ مِنَ الاخْتبارِ بهمْ، وسَمَّاهُمْ عَدُوّاً في قولهِ: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} [التّغَابُن: 14] اعْتِباراً بما يَتَوَلَّدُ منهم، وجَعَلَهُمْ زِينَةً في قولهِ: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ} [آل عِمرَان: 14] الآيَةَ، اعْتِباراً بأحوالِ الناسِ في تَزَيُّنِهِمْ بِهمْ، وقولهُ: {الم *أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } [العَنكبوت: 1-2] أي لا يُخْتَبَرُونَ، فَيُمَيَّزُ خبيثُهُمْ مِنْ طَيِّبهمْ، كما قال: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفَال: 37]، وقولهُ: {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ } [التّوبَة: 126] فإشارَةٌ إلى ما قال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيءٍ مِنَ الْخَوْفِ} [البَقَرَة: 155] الآيَةَ. وعلى هذا قولهُ: {وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ} [المَائدة: 71]. والفِتْنَةُ مِنَ الأفْعالِ التي تكونُ مِنَ اللَّهِ تعالى، ومِنَ العَبْدِ، كالبَلِيَّة والمُصِيبَةِ والقَتْلِ والعَذابِ والضَّلالِ، والكفر، والإثم،وغَيْر ذلك من الأفْعالِ الكَريهَةِ. ومتى كان مِنَ اللَّهِ يكونُ على وجْهِ الحِكْمَةِ، ومتى كان مِنَ الإنْسانِ بِغَيْر أمْر اللَّهِ يكونُ عكسَ ذلك؛ ولهذا يَذُمُّ اللَّهُ الإنْسانَ بأنْواعِ الفِتْنَةِ في كُلِّ مَكانٍ، نحوُ قولهِ: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البَقَرَة: 191]، {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ} [البُرُوج: 10]، {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ } [الصَّافات: 162] أي بِمُضِلِّينَ. وقولهُ: {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ } [القَلَم: 6] أي فستعلم يا محمد وسيعلمون بأي الفريقين المفتون: هل الذي فتنَهُ الشيطان فأغواه، أم الذي آمن بالرحمن فهداه؟ والباءُ زائِدَةٌ، كقولهِ: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا } [النِّسَاء: 79]. أما في قوله: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المَائدة: 49] أي أن يبعدوك ويخدعوك، فقد عُدِّيَ ذلك بِعَنْ تَعْديَة «خَدَعُوكَ» لِما أشارَ بِمَعْناهُ إليه وإشارةً إلى قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفَال: 28]، قال رسول الله (ص) : «لا تقولُوا اللّهمَّ إِنَّا نعوذُ بِكَ من الفتنةِ بَلْ قولُوا: اللّهمَّ إنَّا نعوذُ بِكَ مِنْ مُضِلاّتِ الفِتَنِ»(40).
فتى: الفَتَى: الطَّرِيُّ مِنَ الشَّبابِ، والأُنْثَى: فَتاةٌ، والمَصْدَرُ: الفَتَاءُ أي الشبابُ. ويُكَنَّى بهما عَنِ العَبْدِ وسيِّدته {تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ} [يُوسُف: 30]، والفَتيُّ مِنَ الإِبلِ: كالفَتَى مِنَ الناسِ. وجَمْعُ الفَتَى: فِتْيَةٌ وفِتْيانٌ، وجَمْعُ الفَتاةِ: فَتَياتٌ ـ قال تعالى: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النِّسَاء: 25] أي إمائِكُمْ، وقال: {وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} [النُّور: 33] أي إماءكُمْ. {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ} [يُوسُف: 62] أي لِمَمْلُوكِيه. قال تعالى: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف: 10]، {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ} [الكهف: 13]. والفُتْيا والفَتْوَى: الجَوابُ عَمَّا يُشْكِلُ مِنَ الأحْكامِ، ويقالُ: اسْتَفْتَيْتُ فلاناً في مسألة: سألتُهُ أن يُفْتيني فيها، ومنه: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} [النِّسَاء: 127]، {فَاسْتَفْتِهِمْ} [الصَّافات: 11]، {أَفْتُونِي فِي أَمْرِي} [النَّمل: 32] بالحكم الذي فيه صواب.
فجج: الفَجُّ: شُقَّةٌ يَكْتَنِفُها جَبَلانِ، ويُسْتَعْمَلُ في الطَّريقِ الواسِعِ، وجَمْعُه: فِجاجٌ. وفي قوله تعالى: {سُبُلاً فِجَاجًا } [نُوح: 20] طُرُقاً واسِعَة. وقال: {مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ } [الحَجّ: 27]، {فِيهَا فِجَاجًا سُبُلاً} [الأنبيَاء: 31]. والفَجَجُ: تَباعُدُ ما بين الرجلين عند المشي، وهو أفَجُّ مِنَ الفَجَج، ومنه: حافِرٌ مُفَجَّجٌ. وجُرْحٌ فَجٌّ: لم يَنْضَجْ.
فجر: الفَجْرُ: شَقُّ الشيء شَقّاً واسِعاً، كَفَجَرَ الإنْسانُ السَّكْرَ، يقالُ: فَجَرْتُه فانْفَجَرَ، وفَجَّرْتُه فَتَفَجَّرَ {وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً} [القَمَر: 12]، {وَفَجَّرْنَا خِلاَلَهُمَا نَهَرًا } [الكهف: 33]، {فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلاَلَهَا تَفْجِيرًا } [الإسرَاء: 91]، {تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا } [الإسرَاء: 90] وقُرىءَ: تُفَجِّرَ. وقال: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا } [الإنسَان: 6] أي أن المؤمنين يجرون تلك العين حيث شاءوا فيفجّرونها قريباً من منازلهم في الجنة. ومنه قيلَ للصُّبْحِ: فَجْرٌ، لِكَوْنِه فَجَرَ الليلَ. قال: {وَالْفَجْرِ *وَلَيَالٍ عَشْرٍ } [الفَجر: 1-2]، {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } [الإسرَاء: 78]. وبِهِ يَتَعلَّقُ حُكْمُ الصَّوْمِ والصَّلاةِ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البَقَرَة: 187]، {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البَقَرَة: 187] .والفُجُورُ: شَقُّ سِتْر الدِّيانَةِ، يقالُ: فَجَرَ فُجُوراً، فهو فاجِرٌ وجَمْعُه: فُجَّارٌ وفَجَرَةٌ {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } [المطفّفِين: 7]، {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } [الانفِطار: 14]، {أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ } [عَبَسَ: 42]. وقولهُ: {بَلْ يُرِيدُ الإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } [القِيَامَة: 5] أي يُرِيدُ الحَياةَ لِيَتَعاطَى الفُجُورَ فيها، وقيلَ: مَعْناهُ لِيُذْنِبَ فيها، وقيلَ: مَعْناهُ يُذْنِبُ، ويَقُولُ غَداً أتُوبُ، ثم لا يَفْعَلُ، فَيَكُونُ ذلك فُجُوراً لِبَذْلِه عَهْداً لا يفي به. وسُمِّيَ الكاذِبُ فاجراً لِكَوْنِ الكَذِب بَعْضَ الفُجُورِ، وقولهُم: ونَخْلَعُ ونَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ، أي مَنْ يَكْذِبُكَ، وقيلَ: مَنْ يَتَباعَدُ عَنْكَ؛ والفِجارِ: يومٌ للعربِ بعكاظ تفاجروا فيه واستحلّوا كل حُرْمةٍ.
فجو: {وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ} [الكهف: 17] أي ساحَةٍ واسِعَةٍ، والفجوةُ: الفرجَةُ بين شيئينِ؛ ومنه: قَوْسٌ فِجاءٌ، وفَجْواءُ: بانَ وَتَراها عَنْ كَبدِها. ورَجُلٌ أفْجَى: بَيِّنُ الفَجا، أي مُتَباعِدُ ما بَيْنَ رُكْبتَيْهِ.
فحش: الفَحْشُ والفَحْشاءُ والفاحِشَةُ: ما عَظُمَ قُبْحُه مِنَ الأفْعالِ والأقْوالِ {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعرَاف: 28]، {وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [النّحل: 90]، {مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الأحزَاب: 30]، {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} [النُّور: 19]، {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ} [الأعرَاف: 33]، {إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النِّسَاء: 19]، وهي كِنايَةٌ عَنِ الزِّنَى، وكذلك قولهُ: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النِّسَاء: 15]. وفَحُشَ فُلانٌ: كان فاحِشاً. ومنه قولُ الشاعِر:
عَقِيلَةُ مالِ الفاحِشِ المُتَشَدِّدِ
يَعْنِي به العَظِيمَ القُبْحِ في البُخْلِ، والمُتَفَحِّشَ: الذي يَأتِي بالفُحْشِ.
فخر: الفَخْرُ: المُباهاةُ في الأشْياءِ الخارِجَةِ عَنِ الإِنْسانِ، كالمالِ والجاهِ. ورَجُلٌ فاخِرٌ وفَخُورٌ وفَخيرٌ، على التَّكْثِير {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } [لقمَان: 18]. ويقالُ: فَخَرَهُ على صاحِبه أفْخَرَهُ فَخْراً: فَضَّلَهُ عليه في الفَخَر، ويُعَبَّرُ عَنْ كُلِّ نَفِيسٍ بالفاخِر. يقالُ: ثَوْبٌ فاخِرٌ. وناقةٌ فَخُورٌ: عَظِيمَةُ الضَّرْعِ، كَثيرَةُ الدَّرِّ، والفَخَّارُ: مادَّةٌ تُصْنَعُ مِنْها الجِرارُ، وذلك لِصَوْتِه إذا نُقِرَ، كأنَّما تُصُوِّرَ بصُورَةِ مَنْ يُكْثِرُ التفاخُرَ {خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ } [الرَّحمن: 14].
فدى: الفِدَى والفِداءُ: حِفْظُ الإنْسانِ عن النَّائِبَةِ بِما يَبْذُلُهُ عنه مِن المال فهو فادٍ، وذاك مَفْدِيٌّ {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محَمَّد: 4]. يقالُ: فَداهُ من الأسر، وفَداهُ بِنَفْسِهِ: قالَ له جُعِلتُ فِدَاكَ، وفادَيْتُه بكذا: أطلقتُهُ وأَخذتُ فِدْيتَهُ {وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ} [البَقَرَة: 85]. وتَفادَى القومُ تَفادِياً: فَدَى بعضُهم بعضاً، واتّقى بعضُهمِ ببعضٍ كأنَّ كلَّ واحِدٍ يجعَلُ صاحبَهُ فِداهُ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } [الصَّافات: 107]. وافْتَدَى: إذا بَذَلَ ذلك عن نَفْسِه {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البَقَرَة: 229]، {وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ} [البَقَرَة: 85]. والمُفاداةُ هو أنْ يَرُدَّ أسْرَ العِدَى، ويَسْتَرْجِعَ منهم مَنْ في أيْدِيهمْ {لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ} [الرّعد: 18]، {لاَفْتَدَتْ بِهِ} [يُونس: 54]، {لِيَفْتَدُوا بِهِ} [المَائدة: 36]، {وَلَوِ افْتَدَى بِهِ} [آل عِمرَان: 91]، {لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ} [المعَارج: 11]. وما يَقِي به الإنْسانُ نَفْسَه مِنْ مالٍ يَبْذُلُه في عِبادَةٍ قَصَّرَ فيها يقالُ له: فِدْيَةٌ، كَكَفَّارَةِ اليَمينِ، وكَفَّارَةِ الصَّوْمِ، نحوُ قولهِ: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ} [البَقَرَة: 196]، {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البَقَرَة: 184] أي وعلى الذين كانوا يطيقونه فصَاروا لا يطيقونه لعجزٍ أو لمرضٍ لا يُرجى برؤه..
فرت: الفُراتُ: الماءُ العَذْبُ: يقالُ للواحِدِ والجمعِ {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا } [المُرسَلات: 27]، {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ} [الفُرقان: 53].
فرث: {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصًا} [النّحل: 66] ومن عجيب صنع الله سبحانه جلّت عظمته وعظُمتْ قدرتُه، أنه يُخرجُ الحليب الأبيض من بين الدم الأحمر والفراثَ الأصفر بحيث لا يتأثر لا برائحةٍ ولا بلون، فيصلح أن يكون شراباً سائغاً. يقالُ: فَرَث كَبِدَهُ، أي فَتَّتَها. وأفْرَثَ فُلانٌ أصحابه: أوْقَعَهم في بَلِيَّةٍ جارِيَةٍ مَجْرَى الفَرْثِ. ويُقالُ لِمَا في داخِلِ الكَرْشِ: فَرْثٌ، والَّذِي يَخْرُجُ منْهُ رَوْثٌ.
فرج: الفَرْجُ والفُرْجَةُ: الشَّقُّ بينَ الشَّيْئَيْنِ، كَفُرْجَةِ الحائِطِ، والفَرْجُ ما بَيْنَ الرِّجْلَيْنِ، وكُنِّيَ به عن السَّوْأَةِ: وكَثُرَ حتى صارَ كالصَّريحِ فيه {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [الأنبيَاء: 91]، {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } [المؤمنون: 5]، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النُّور: 31]. واسْتُعِيرَ الفَرْجُ للثَّغْر وكُلِّ مَوْضِعِ مَخافَةٍ. وقيلَ الفَرْجانِ في الإسْلامِ: التُّرْكُ والسُّودانُ، وقيل هما خراسانُ وسجستانَ، وقيل: بلادُ السِّنْد، فقالوا: «أُمِّرَ على الفرجَيْنِ». وقولهُ: {وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ } [ق: 6] أي شُقُوقٍ وفتُوقٍ، قال: {وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ } [المُرسَلات: 9] أي انْشَقَّتْ، والفَرَجُ: انْكِشافُ الغَمِّ، يقالُ: فَرَّجَ اللَّهُ عنكَ.
فرح: الفَرَحُ: انْشِراحُ الصَّدْرِ بلَذَّةٍ عاجِلَةٍ، وأكْثَرُ ما يكونُ ذلك في اللّذاتِ البَدَنِيَّةِ، فلهذا قال: {وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحَديد: 23]، {وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الرّعد: 26] {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ} [غَافر: 75]، {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا} [الأنعَام: 44]، {فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [غَافر: 83]، {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ } [القَصَص: 76]. ولم يُرَخَّصْ في الفَرَحِ إلاَّ في قولهِ: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يُونس: 58]، {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ } [الرُّوم: 4]. والمِفْراحُ: الكَثِيرُ الفَرحِ. قال الشاعِرُ:
ولَسْتُ بِمِفْراحٍ إذا الخَيْرُ مَسَّني ولا جازعٍ مِنْ صَرْفِهِ المُتَقَلِّبِ
فرد: الفَرْدُ: الذي لا يَخْتَلِطُ به غَيْرهُ، أي منفَرِدٌ، فهو أعَمُّ مِنَ الوِتْرِ، وأخَصُّ مِنَ الواحِدِ، وجَمْعُه: فُرادَى. {لاَ تَذَرْنِي فَرْدًا} [الأنبيَاء: 89] أي وحِيداً. ويقالُ في اللَّهِ فَرْدٌ تنبيهاً أنه بخلافِ الأشْياءِ كُلِّها في الازْدِواجِ المُنَبَّهِ عليه بقولهِ: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذّاريَات: 49] وقيلَ: مَعْناهُ المُسْتَغْنِي عَمَّا عَداهُ، كما نَبَّهَ عليه بقولهِ: {غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } [آل عِمرَان: 97]، وإذا قيلَ هو مُنْفَرد بوحْدَانِيَّتِه، فَمعْناهُ هو مُسْتَغْنٍ عَنْ كُلِّ تَرْكِيبٍ وازْدواجٍ، تنبيهاً أنه مُخالِفٌ لِلمَوْجُوداتِ كُلِّها ليس كمثله شيء. وفَريدٌ: واحِدٌ، وجَمْعُه: فَرائد، نحوُ أسِيرٌ وأُسارَى {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى} [الأنعَام: 94] من الفَرْدِ، أي المنفرد، أي واحداً بعد واحدٍ.
فَرْدَسَ: الفَرْدَسَ: السِّعة، وصدرٌ مُفَرْدَسٌ: واسعٌ. والفِرْدَوْس: اسم من أسماء الجَنَّة. قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً } [الكهف: 107]، وقال: {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [المؤمنون: 11]. فيكونُ معنى الفِرْدَوْسِ في الآيتين الكريمتين: الجَنَّة الواسعة.
فر: أصْلُ الفَرِّ: الكَشْفُ عَنْ سِنِّ الدَّابَّةِ، لِمعرفةِ عمرِها. وفرَّ عن الشيء: كشفَهُ. والأصْلُ في الفِرار: الانكشافُ عن الشَّيء. وفرّ فَرّاً وفِراراً: هَرَبَ وراغ. تفارَّ القومُ: تَهارَبوا. نحو: {فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ} [الشُّعَرَاء: 21]، {فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ } [المدَّثِّر: 51]، {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا} [نُوح: 6]، {لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ} [الأحزَاب: 16]، {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذّاريَات: 50]. والمَفَرُّ الرَّوَغانُ والهَرَبُ. قوله تعالى: {يَقُولُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ } [القِيَامَة: 10] أي إلى أين المَهْرَبُ؟
فرش: الفَرْشُ: بَسْطُ الثِّيابِ، ويقالُ للمَفْرُوشِ فَرْشٌ وفِراش. {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا} [البَقَرَة: 22] أي ذَلَّلَهَا ولم يَجْعَلْها نائِيَةً لا يُمْكِنُ الاسْتِقْرارُ عليها. والفِراشُ: جَمْعُه فُرُشٌ {فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرَّحمن: 54] والفَرْشُ: ما يُفْرَشُ مِنَ جلودِ الأنْعامِ، قال تعالى: {حَمُولَةً وَفَرْشًا} [الأنعَام: 142]. وكُنِّيَ بالفِراشِ عَنْ كُلِّ واحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ، {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ } [الواقِعَة: 34] أيْ بُسْطٍ عاليةٍ كما يُقال بناءٌ مرفوع. وقيلَ: معناهُ نساءٌ مرتفعاتُ القدْرِ في عقولِهنَّ وحُسنهنَّ وكمالِهنّ. ولذلكَ عقَّبهُ بقوله تعالى: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً } [الواقِعَة: 35]. ويُقال لامرأةِ الرجلِ فِراشُهُ. وَمنه قولُ النبيِّ (ص) : «الولدُ للفراشِ وللعاهرِ الحجر»(41). وفُلانٌ كَريمُ المَفارِشِ، أي النِّساءِ. وأفْرَشَ الرَّجُلُ صاحِبَهُ، أي اغْتابَه، وأساءَ القَوْلَ فيه. وأفْرَشَ الموتُ عن المريض: ارتفَعَ. والفَراشُ: طَيْرٌ مَعْرُوفٌ، الواحدةُ فَراشَةٌ {كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ } [القَارعَة: 4] وبه شُبِّهَ فَراشَةُ القُفْلِ، أي ما ينشبُ فيه، يُقال: «أَقْفِل فأفْرِش». والفَراشَةُ: الماءُ القليلُ في الإِناءِ.
فرض: الفَرْضُ: قَطْعُ الشيءِ الصُّلْبِ، والتأثِيرُ فيه، كَفَرْضِ الحَديدِ، وفَرْضِ الزَّنْدِ والقَوْسِ. والمِفْراضُ والمِفْرَضُ: ما يُقْطَعُ به الحَدِيدُ. وفُرْضَةُ الماءِ: مَقْسِمُهُ. قال تعالى: {لأََتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا } [النِّسَاء: 118] أي مَعْلوماً، وقيلَ: مَقْطُوعاً منهم. والفَرْضُ كالإِيجابِ، لكنِ الإِيجابُ يقالُ اعْتباراً بوقُوعِه وثَباتِه، والفَرْضُ بقَطْعِ الحُكْمِ فيه. {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} [النُّور: 1] أي أوجَبْنا العَمَلَ بها عليكَ، {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} [القَصَص: 85] أي أوجَبَ عليكَ العَمَلَ به، ومنه يقالُ لِما ألْزَمَ الحاكِمُ مِنَ النَّفَقَةِ: فَرْضٌ. وكُـلُّ مَوْضِـعٍ وَرَدَ فيه فَرَضَ اللَّهُ (عليه)، فَفي الإِيجابِ الذي أدْخَلَهُ اللَّهُ فيه، وما وَرَدَ مِنْ، فَرَضَ الله (له)، فهو في أنْ لا يَحْظُرَه على نَفْسِه نحوُ: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} [الأحزَاب: 38]، {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التّحْريم: 2]. وقولهُ: {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البَقَرَة: 237] أي سَمَّيْتُمْ لهُنَّ مَهْراً، وأوجَبْتُمْ على أنْفُسِكُمْ بذلك. وعلى هذا يقالُ: فَرَضَ له في العَطاءِ؛ وبهذا النَّظَر، ومِنْ هذا الغَرَضِ، قيلَ لِلعَطِيَّةِ: فَرْضٌ، ولِلدَّيْنِ: فَرْضٌ. وفَرائِضُ اللَّهِ تعالى: ما فرضَهُ الله على عباده. ورَجُلٌ فارِضٌ، وفَرَضِيٌّ: بَصِيرٌ بحُكْمِ الفَرائِضِ. قال تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ} [البَقَرَة: 197] أي مَنْ عَيَّنَ على نَفْسِه إقامَةَ الحَجِّ. وإضافَةُ فَرْضِ الحَجِّ إلى الإنْسانِ دَلالَةٌ أنه هو مُعَيِّنٌ الوقْتَ، ويقالُلِما أُخِذَ في الصَّدَقَةِ: فَريضَةٌ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التّوبَة: 60] إلى قولهِ: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [التّوبَة: 60] وعلى هذا ما رُوِيَ أنَّ أبا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه كَتَبَ إلى بَعْضِ عُمَّالهِ كِتاباً، وقد جاء فيه: «هذه فَريضَةُ الصَّدَقَةِ التي فَرَضَها رَسُولُ اللَّهِ (ص) على المسلمينَ». والفارِضُ: المُسِنُّ منَ البَقَرِ {لاَ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ} [البَقَرَة: 68] وقيلَ: إنَّما سُمِّيَ فارِضاً لِكَوْنِه فارِضاً للأرضِ، أي قاطِعاً، أو فارِضاً لِما يُحَمَّلُ مِنَ الأعْمالِ الشاقَّةِ، وقيلَ: بَلْ لأنَّ فَريضَةَ البَقَر اثْنانِ: تَبِيعٌ ومُسِنَّةٌ. فالتَّبيعُ يَجُوزُ في حالٍ دُونَ حالٍ، والمُسِنَّة يصحُّ بَذْلُها في كُلِّ حالٍ. فَسُمِّيَتِ المُسِنَّةُ فارِضَةً لذلك، فَعَلَى هذا يكونُ الفارِضُ اسْماً للمُسنّ.
فرط: فَرَطَ، إذا تَقَدَّمَ بقَصْدٍ. ومنه الفارِطُ إلى الماءِ، أي المُتَقَدِّمُ لإِصْلاحِ الدَّلْو. يقالُ فارِطٌ وفَرَطٌ. ومنه قولهُ: عليه وعلى آله الصلاة والسلامُ: «أنا فَرَطُكُمْ على الحَوْضِ»(42). وقيلَ في الوَلَدِ الصَّغِير إذا ماتَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنا فَرَطاً. وقولهُ: {أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا} [طه: 45] أي يَتَقَدَّمَ بقصد عقوبتنا، وفَرَسٌ فُرُطٌ: يَسْبِقُ الخَيْلَ. والإفْراطُ: أنْ يُسْرفَ في التَّقَدُّمِ، والتَّفْريطُ: أنْ يُقَصِّرَ في الفَرَطِ. يقالُ ما فَرَّطْتُ في كذا، أي ما قَصَّرْتُ {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ} [الأنعَام: 38]، {مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزُّمَر: 56]، أي في طاعة الله. {مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ} [يُوسُف: 80]، أي وما فرّطتم في حق يوسف، وأفْرَطْتُ القِرْبَةَ: مَلأْتُها. {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } [الكهف: 28] أي إسْرافاً وتَضْيِيعاً. {وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } [النّحل: 62] أي معجّلون وذوو سبْقٍ إلى النار.
فرع: فَرْعُ الشَّجَرِ: غُصْنُه، وجَمْعُه: فُروعٌ {وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ } [إبراهيم: 24]. واعْتُبِرَ ذلك على وجْهَيْنِ أحَدهُما: بالطُّولِ، فقيلَ: فَرَعَ كذا، إذا طالَ، وسُمِّيَ شَعَرُ الرأسِ فَرْعاً، لِعُلُوِّهِ. وقيلَ: رَجُلٌ أفْرَعُ، وامرأةٌ فَرْعاءُ، وفَرَّعْتُ الجَبَلَ، وفَرَّعْتُ رَأسَه بالسَّيْفِ. وتَفَرَّعْتُ في بَني فلانٍ: تَزَوَّجْتُ في أعالِيهمْ وأشْرافِهِمْ؛ والثانِي: اعْتُبرَ بالعَرْضِ، فقيلَ: تَفَرَّعَ كذا، وفُرُوعُ المَسْأَلَةِ. وفُرُوعُ الرَّجُلِ: أولادُهُ. وفِرْعَوْنُ: اسْمٌ أعْجَمِيٌّ، وقد اعْتُبرَ عَرامَتُه، فقيلَ: تَفَرْعَنَ فُلانٌ. إذا تَعاطَى فِعْلَ فِرْعَوْنَ، كما يُقالُ: أبْلَسَ وتَبَلَّسَ، ومنه قيلَ لِلطُّغاةِ: الفَراعِنَةُ والأبالِسَةُ.
فرغ: الفَراغُ: خِلافُ الشُّغْلِ، وقد فَرَغَ فَراغاً وفُرُوغاً: أي خلا ذَرْعُهُ فهو فارِغٌ {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلاَنِ } [الرَّحمن: 31]، وقوله تعالى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} [القَصَص: 10] أي كأنَّما فَرَغَ مِنْ لُبِّها، لِما تَداخَلَها مِنَ الخَوْفِ. وقيلَ: فارِغاً مِنْ ذِكْره، أي أنْسَيْناها ذِكْرَه حتى سَكَنَتْ، واحْتَمَلَتْ أنْ تُلقِيَهُ في الْيَمِّ. وقيلَ فارِغاً، أي خالِياً إلاَّ مِنْ ذِكْره لأنه قال: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاَ أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} [القَصَص: 10] ومنه: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ *وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } [الشَّرح: 7-8] بالدُّعَاءِ بعد الفراغِ من مَشاغل الرِّسالة والفرائض. وأفْرَغْتُ الدَّلو: صَبَبْتُ ما فيه، ومنه اسْتُعِيرَ {أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} [البَقَرَة: 250]. وذَهبَ دَمُهُ فِرْغاً، أي هَدْراً وباطِلاً لم يُطْلَبْ به. وفَرَسٌ فَريغٌ: واسِعُ العَدْوِ، كأنَّما يُفْرِغُ العَدْوَ إفْراغاً. وضَرْبَةٌ فَريغَةٌ: واسِعَةٌ يَنْصَبُّ منها الدَّمُ. وفرَّغَ اللَّهُ عليه الصَّبْرَ: أنزلَهُ عليه.
فرق: الفَرْقُ يُقارِبُ الفَلْقَ، لكنِ الفَلْقُ يقالُ اعْتِباراً بالانْشِقاقِ، والفَرْق يقالُ اعْتِباراً بالانْفِصالِ {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} [البَقَرَة: 50]. والفِرْقُ: القِطْعَةُ المُنْفَصِلَةُ، أو القسم من كل شيء ومنه: الفِرْقَةُ، لِلْجَماعَةِ المُتَفَرِّدَةِ مِنَ الناسِ. وقيلَ: فَرَقُ الصُّبْحِ وفَلَقُ الصُّبْحِ {فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ } [الشُّعَرَاء: 63]. والفَريقُ: الجماعَةُ المُتَفَرِّقَةُ عَنْ آخَرينَ قلَّت أو كثُرتْ {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ} [آل عِمرَان: 78]، {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ } [البَقَرَة: 87]، {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ } [الشّورى: 7]، {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي} [المؤمنون: 109]، {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ} [مَريَم: 73]، {وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ} [البَقَرَة: 85]، {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ} [البَقَرَة: 146]. وفَرَقْتُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ: فَصَّلتُ أبعاضَهما سَواءٌ أكان ذلك بفَصْلٍ يُدْرِكُه البَصَرُ، أم بفَصْلٍ تُدْرِكُه البَصِيرَةُ {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } [المَائدة: 25]، وقوله: {فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا } [المُرسَلات: 4] يَعْنِـي المَلائكَـةَ الذيـنَ يَفْصِلُونَ بَيْنَ الأشْياءِ حَسْبَما أمَرَهُمُ اللَّهُ، وعلى هذا قولهُ: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } [الدّخان: 4]. وَلُقِّبَ عُمَرُ بالفارُوقُ رضي الله عنه لِكَوْنِهِ فارِقـاً بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ. وقولهُ: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ} [الإسرَاء: 106] أي بَيَّنا فيه الأحْكامَ وفَصَّلْناهُ، وقيلَ: فَرَقْناهُ، أي أنْزَلْناهُ مُفَرَّقاً. والتَّفْريقُ: أصْلهُ للتَّكْثِير، ويقالُ ذلك في تَشْتِيتِ الشَّمْلِ والكَلِمَةِ، قال في اللسان: «فَرَقْتُ بين الكلام وفرَّقتُ بيـن الأجسام» وقيل: فَرَقَ للصلاحِ فَرْقاً، وفَرَّقَ للإفسادِ تفريقاً، نحوُ: {يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البَقَرَة: 102]، {فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [طه: 94]. وقولهُ: {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البَقَرَة: 285] وقـولهُ: {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} [البَقَرَة: 136] إنما جازَ أنْ يُجْعَلَ التَّفْرِيقُ مَنْسُوباً إلى (أحَدٍ) مِنْ حَيْثُ إنَّ لَفْظَ «أحَدٍ» يُفِيد الجمعَ في النَّفـي. وقال: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ} [الأنعَام: 159] وقُرىءَ: فارَقُوا، والفِراقُ والمُفارَقَةُ تكونُ بالأبْدانِ أكْثَرَ. قال: {هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف: 78] أي ليس بعده لقاء. وقولهُ: {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ } [القِيَامَة: 28] أي غَلَـبَ على قَلْبِه أنه حِينُ مُفارَقَتهِ الدُّنْيا بالمَوْتِ، وقولهُ: {وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ} [النِّسَاء: 150] أي يُظْهِرُونَ الإيمانَ باللَّهِ ويَكْفُرُونَ بالرُّسُلِ خِلافَ مـا أمَرَهُـمُ اللَّهُ به، وقولهُ: {وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} [النِّسَاء: 152] أي: آمَنُوا بِرُسُلِ اللَّهِ جميعاً. والفُرْقانُ: أبْلَغُ مِنَ الفَرْقِ، لأنه يُسْتَعْمَلُ في الفَرْقِ بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ، وتَقْدِيرهُ كَتَقْدِير: رَجُلٌ قُنْعانٌ يُقْنَعُ به في الحُكْمِ، وهو اسْمٌ لا مَصْدَرٌ، فيما قيلَ: والفَرْقُ يُسْتَعْمَلُ في ذلك وفي غَيْره. وقولهُ: {يَوْمَ الْفُرْقَانِ} [الأنفَال: 41] أي اليـومَ الـذي يُفْـرَقُ فيـه بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ، والحُجَّةِ والشُّبْهَةِ. وقولهُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً} [الأنفَال: 29] أي نُوراً وتَوْفيقاً على قُلوبِكُمْ يُفْرَقُ به بَينَ الحَقِّ والباطِلِ، والْحَقيقَةِ والوَهْمِ والحَلالِ وَالحَرامِ. وقولُهُ: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ} [الأنفَال: 41] قيلَ: أرِيدَ بـه يـومُ بَـدْرٍ، فإنـه أوَّلُ يـومٍ فُـرِقَ فيـه بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ. والفُرْقانُ: كلامُ اللَّهِ تعالى، لِفَرْقِه بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ في الاعْتِقادِ والصِّدْقِ والكَذِبِ في المقَـالِ، والصالِـحِ والطَّالِـحِ في الأعْمالِ، وذلك في القُرآنِ والتَّوْراةِ والإنْجِيلِ، لقوله تعالى: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ} [آل عِمرَان: 53]، {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ} [الأنبيَاء: 48]، قيل: التوراة، وقيل معجزةُ انفراق البحر. وكذلك قوله: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} [الفُرقان: 1]، {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البَقَرَة: 185]. والفَرَقُ: تَفَرُّقُ القَلْبِ مِنَ الخَوْفِ، واسْتِعْمالُ الفَرَقِ فيه كاسْتِعْمالِ الصَّدْعِ والشَّقِّ، وفيه قال: {وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } [التّوبَة: 56] أي يخافون القتل والأسر إن لم يظهروا الإيمان. ويقالُ: رَجُلٌ فَاروقَةٌ: جَبانٌ شَدِيدُ الفَزَعِ، ورجلٌ فَرُّوقَةٌ، وامرأةٌ كذلك بنفس المعنى؛ وفارق به للسَّحابَةِ المُنْفَردةُ، والأفْرَقُ: الأفلجُ، يقال: «هذا أفرقُ الأَسنانِ». والفَريقَةُ: تَمْرٌ يُطْبَخُ بحِلْبَةٍ للنَّفْساءِ، والفَرُوقَةُ: شَحْمُ الكِلْيَتَيْنِ. «وأخذَ حقَّهُ بالتَّفاريق» أي أجزاءَ لا جملة.
فـره: الفَـرِهُ: الأشِـرُ، البَطِرُ، ج فَرِهون، والفارِهُ: الحاذِقُ بالشَّيءِ، والنَّشيـطُ. قولهُ تعالى: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ } [الشُّعَرَاء: 149] أي حاذِقِينَ بنحتها، وجَمْعُهُ فَرَّهٌ، وهيَ مِنْ فَرِهَ يَفْرَهُ فهو فارِهٌ، كقولهم حَذِقَ يَحْذَقُ فهو حَاذِقٌ.
فرى: الفَرْيُ: قَطْعُ الجِلْدِ لِلخَرْزِ والإصْلاحِ. والإفْراءُ: لِلإِفْسادِ، والافتِراءُ فيهما، وفي الإفْسادِ أكْثَرُ، وكذلك اسْتُعْمِلَ في القُرآنِ في الكَذِبِ والشِّرْكِ والظُّلْمِ نحوُ: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } [النِّسَاء: 48]، {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النِّسَاء: 50]، وفي الكَذِبِ نحوُ: {وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا} [الأنعَام: 140]، {وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [المَائدة: 103]، {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يُونس: 38]، {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [يُونس: 60]، {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ} [يُونس: 37]، {إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ } [هُود: 50]. وقولهُ: {لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا } [مَريَم: 27] قيلَ مَعْناهُ عظيماً، وقيلَ عَجِيباً، وقيلَ مَصْنُوعاً، وكُلُّ ذلك إشارَةٌ إلى مَعْنًى واحِدٍ.
فزّ: استفَزَّ فلاناً الخَوْفُ: استخفَّهُ واسْتَدعاهُ. والاستفزاز: الإزعاج والاستنهاض على خفّةٍ وإسراع. قوله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسرَاء: 64] أي أزْعِج، فأرادَ أنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الأرضِ أي يُزْعِجَهُمْ بأن يُخرجَهم عَنْ إيمانهم. وفَزَّنِي فُلانٌ، أي أزْعَجَني بأن جعلني أضطربُ وأتوقَّدُ. والفَزُّ: وَلَدُ البَقَرَةِ وسُمِّيَ بذلك لِما تُصُوِّرَ فيه مِنَ الخِفَّةِ، كما يُسَمَّى عِجلاً، لِما تُصُوِّرَ فيه مِنَ العَجَلَةِ.
فزع: الفَزَعُ: انْقِباضٌ ونِفارٌ يَعْتَري الإنْسانَ مِنَ الشَّيءِ المُخِيفِ، والفزعُ أيضاً: الذُّعْرُ مِنَ الشَّيءِ، وهو في الأصلِ مصدر مِنْ جِنْسِ الجَزَعِ، ولا يقالُ: فَزِعْتُ مِنَ اللَّهِ، كما يقالُ خِفتُ منه. وقولُهُ: {لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ} [الأنبيَاء: 103] فهو الفَزَعُ مِنْ دُخُولِ النارِ {فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ} [النَّمل: 87]، {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ } [النَّمل: 89]، وقوله: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} [سَبَإ: 23] أي أزِيلَ عنها الفَزَعُ. ويقالُ: فَزعَ إليه، إذا اسْتَغاثَ به عِنْدَ الفَزَعِ. وفَزِعَ له: أغاثَه. وقولُ الشاعِر:
كُنَّا إذا ما أتانا صارِخٌ فَزِعٌ
أي صارِخٌ أصابَه فَزَعٌ. ومَنْ فَسَّرَه بأنَّ مَعْناهُ المُسْتَغِيثُ، فإِنَّ ذلك تَفْسِيرٌ لِلمَقْصُودِ من الكلامِ لا لِلفظِ الفَزَعِ.
فسح: الفُسْحُ والفَسِيحُ: الواسِعُ مِنَ المَكانِ. والتَّفَسُّحُ: التَّوَسُّعُ، يقالُ فَسَّحْتُ له في المجلس: وسَّعْتُ له عَنْ مَكانٍ يَسَعُهُ. قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} [المجَادلة: 11]. وهو في فُسْحَةٍ مِنْ هذا الأمْر: أي في سَعَةٍ منه.
فسد: الفَسادُ خُرُوجُ الشَّيءِ عَنِ الاعْتِدالِ قليلاً كان أو كَثِيراً، ويُضادُّه الصَّلاحُ، ويُسْتَعْمَلُ ذلك في النَّفْسِ والبَدَنِ والأشْياءِ الخارِجَةِ عَن الاسْتِقامَةِ. يُقالُ: فَسَدَ فَساداً وفُسُوداً، وأفْسَدَه إفساداً: ضد أَصْلَحَهُ. وفي القرآن الكريم: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} [المؤمنون: 71]، {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبيَاء: 22]، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الرُّوم: 41]، {وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ } [البَقَرَة: 205]، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ} [البَقَرَة: 11]، {أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} [البَقَرَة: 12]، {لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} [البَقَرَة: 205]، {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} [النَّمل: 34]، {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ } [يُونس: 81]، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البَقَرَة: 220].
فسر: فَسَرَ الشَّيءَ فَسْراً: أبَانَهُ وأوضَحَهُ، وفَسَّرَ الشَّيءَ مِثْلُ فَسَرَهُ إنما شُدِّدَ للمُبالَغَةِ، والفَسْرُ: إظْهارُ المَعْنَى المَعْقُولِ، والتَّفْسِيرُ مصدر، والفَرْقُ بينه وبين التأويل أَنَّ التفسيرَ قد يُقالُ فيما يَخْتَصُّ بمُفْرداتِ الألفاظِ وغَريبها، والتأويلُ هو سَوْقُهُ إلى ما يَؤولُ إليه، ولهذا يُقالُ: تَفْسِيرُ الرُّؤْيا وتأوِيلُها، قالَ تعالى {وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا } [الفُرقان: 33].
فسق: فَسَقَ فُلانٌ: إذا لم يُذْعِنْ لأمر الله (تعالى) فخرَجَ بذلك عَنْ حَجْر الشَّرْعِ، وذلك من قولِهم: فَسَقَ الرُّطَبُ، إذا خَرَجَ عَنْ قِشْره، وهو أعَمُّ مِنَ الكُفْر. والفِسْقُ أصلُهُ خروجُ الشَّيءِ مِن الشَّيءِ على وَجْهِ الفسادِ، ويَقَعُ بالقَليلِ من الذُّنُوبِ وبالكَثِيرِ، لكنْ تُعُورِفَ فيما كان كَثِيراً، وأكْثَرُ ما يقالُ الفاسِقُ لِمَنِ التَزَمَ حُكْمَ الشَّرْعِ وأقَرَّ به، ثم أخَلَّ بجَميعِ أحْكامِهِ أو ببَعْضِه. وإذا قيلَ لِلكافِر الأصليّ فاسِقٌ، فَلأَنَّهُ أخَلَّ بحكْمِ ما ألْزَمَهُ العَقْلُ واقْتَضَتْهُ الفِطْرَةُ {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50]، {فَفَسَقُوا فِيهَا} [الإسرَاء: 16]. والفاسِقُ اسم فاعل جَمْعُهُ فاسِقونَ، قال ابنُ الأعرابيّ: لم يُسمَعْ في كلامِ الجاهِلِيَّةِ فاسِقٌ قطُّ مع أنَّهُ عربيٌّ وقد نَطَقَ به القُرآنُ. وإنما قالوا فَسَقَتِ الرطبةُ عَنْ قِشرِها. {وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ } [آل عِمرَان: 110]، {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [النُّور: 4]، {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا} [السَّجدَة: 18]. وقوله: {وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [النُّور: 55] أي مَنْ يَسْتُرْ نِعْمَةَ اللَّهِ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ طاعَتِه. قال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمْ النَّارُ} [السَّجدَة: 20]، {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } [الأنعَام: 49]، {وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } [المَائدة: 108]، {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [التّوبَة: 67]، {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا} [يُونس: 33]، أما قوله: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا} [السَّجدَة: 18] فَقابَلَ به الإِيمانَ. فالفاسِقُ أعَمُّ مِنَ الكافِرِ، والظالِمُ أعَمُّ مِنَ الفاسقِ. {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النُّور: 4] إلى قولهِ: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [النُّور: 4].
فشل: الفَشَلُ: الكَسَلُ والضَّعْفُ، والفَشَلُ أيضاً: التراخي والجبنُ عند شدَّةٍ أو حربٍ، يُقال: فَشِلَ يَفْشَلُ فَشَلاً فهو فاشِلٌ وفَشِلٌ. قال تعالى: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ} [آل عِمرَان: 152] جَبُنْتُمْ عَنْ عَدُوِّكُمْ وَكَفَفْتُمْ، {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفَال: 46]، {لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ} [الأنفَال: 43] وتَفَشَّلَ الرجُلُ: تزوَّجَ، والماءُ: سَالَ.
فصح: الفَصْحُ: خُلُوصُ الشَّيءِ مما يَشُوبهُ، وأصْلُه في اللَّبَنِ. يقالُ: فَصَّحَ اللَّبَنُ، وأفْصَحَ، فهو مُفْصِحٌ وفَصيحٌ: إذا تَعَرَّى مِنَ الرَّغْوَةِ. وقد رُوِيَ:
وتَحْتَ الرَّغْوَةِ اللَّبَنُ الفَصيحُ
ومنه اسْتُعِيرَ: فَصُحَ الرَّجُلُ: جادَتْ لُغَتُه، وأفْصَحَ: تَكَلَّمَ بالعَرَبِيَّةِ الفصحى، وقيلَ: بالعَكْسِ، والأوَّلُ أصَحُّ. وقيلَ: الفَصِيحُ: الذي يَنْطِقُ، يقال: «كلُّ ناطقٍ فصِيحٌ»؛ والأعْجَمِيُّ، الذي لا يَنْطِقُ. قال: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً} [القَصَص: 34] وعن هذا اسْتُعِيرَ: أفْصَحَ الصُّبْحُ، إذا بَدا ضَوْءُه. وأفْصَحَ النَّصارَى: جاءَ فِصْحُهُمْ، أي عيدُهُمْ.
فصل: الفَصْلُ: إبانَةُ أحَدِ الشَّيْئَيْنِ مِنَ الآخَر حتَّى يكونَ بينَهُما فُرْجَةٌ، ومنه قيلَ: المَفاصِلُ، الواحِدُ: مَفْصِلٌ وهو كلُّ مُلْتَقَى عُضْوَيْنِ مِنَ الجَسَدِ. وفَصَلْتُ الشاةَ: قَطَعْتُ مَفاصِلَها، وفَصَلَ القومُ عَنْ مَكانِ كذا، وانْفَصَلُوا: فارَقُوهُ {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ} [يُوسُف: 94] ويُسْتَعْمَلُ ذلك في الأفْعالِ والأقْوالِ، نحوُ: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ } [الدّخان: 40]. {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ} [الصَّافات: 21] أي اليومَ يُبَيِّنُ الحَقَّ مِنَ الباطِلِ ويَفْصِلُ بَيْنَ الناسِ بالحُكْمِ، وعلى ذلك {يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ} [الحَجّ: 17]، {وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ } [الأنعَام: 57]. وفَصْلُ الخِطابِ: ما فيه قَطْعُ الحُكْمِ، وحُكْمٌ فَيْصَلٌ، ولِسانٌ مِفْصَلٌ. وقوله تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً } [الإسرَاء: 12]، {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } [هُود: 1] إشارَةٌ إلى قوله: {تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً} [النّحل: 89]. وقولُه تعالى: {وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاَتٍ} [الأعرَاف: 133]، أي مُعْجزاتٌ مُبَيِّناتٌ، وأدلّةٌ ظاهِراتٌ واضِحاتٌ. وقيل: مُفَصِّلاتٌ، أي بعضُها مُنْفَصِلٌ عن بعضٍ. وفَصِيلَةُ الرَّجُلِ: عَشِيرَتُه المُنْفَصِلَةُ عنه {وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ } [المعَارج: 13]. والفِصالُ: التَّفْريقُ بَيْنَ الصَّبيِّ والرَّضاعِ {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا} [البَقَرَة: 233]، {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمَان: 14] ومنه الفَصيلُ، وفي الحديث «مَنْ أنْفَقَ نَفَقَةً فاصِلَةً فَلَه مِنَ الأجْرِ كذا»(43)، أي نَفَقَةً تَفْصِلُ بَيْنَ الكُفْرِ والإِيمانِ.
فصم: فَصَمَ الشَّيءَ يَفْصِمُهُ فَصْماً: كَسَرَهُ مِن غير أن يَبين فهو مفصومٌ، فإذا بانَ، قيل: قَصَمَهُ، وانْفَصَمَ الشيءُ: انْقَطَعَ، فهو مَفْصومٌ، والاسم الْفَصْم. فُصِمَ جانبُ البيتِ: انْهدَمَ. فَصَّمَهُ فَتَفَصَّمَ: قطَّعَهَ فَتَقَطَّعَ. الفصيمة: الصِّدْعَةُ في الحائط. الانْفصامُ والانقطاعُ والانصِداعُ: نظائرُ. قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا} [البَقَرَة: 256] أي لا انْقطاعَ لها، بمعنى: كما لا ينقطعُ أمرُ مَنْ تَمَسَّكَ بالعُرْوَةِ، كذلك لا ينقطع أمرُ مَنْ تمسَّك بالإِيمان بالله تبارك وتعالى.
فض: الفَضُّ: كَسْرُ الشيءِ، والتَّفْريقُ بَيْنَ بَعْضِه وبَعْضِه، كَفَضِّ خَتْمِ الكِتابِ. وعنه اسْتُعِيرَ: انْفَضَّ القومُ {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجُمُعَة: 11] أي تَفَرَّقوا عَنكَ وذهبوا إليها، ومنه {لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عِمرَان: 159]. والفِضَّةُ: اخْتَصَّتْ بأدْوَنِ المُتَعامَلِ بِها مِن الجَواهِر. ودِرْعٌ فَضْفاضَةٌ، وفَضْفاضٌ: واسعٌ، والفَضَضُ: ما انتشَرَ من الماءِ فطُهِّرَ به.
فضل: فَضَلَ الشَّيءُ يَفْضُلُ فَضْلاً: زاد؛ وفَضِلَ الشَّيءُ يَفْضَلُ فَضْلاً بمعنى فَضَلَ، قالَ أبو البقاء: «فَضَلَ كنَضَرَ بمعنى الفَضيلَةِ والغَلَبَةِ، وكحَسُنَ بمعنى الفَضْلِ والزِّيادَةِ» والفَضْلُ: الزِّيادَةُ عن الاقْتِصادِ، وذلك نوعان: محمودٌ، كَفَضْلِ العِلْمِ والحِلْمِ، ومَذْمُومٌ: كَفَضْلِ الغَضَبِ على ما يَجِبُ أن يكونَ عليـه. والفَضْلُ في المحمودِ أكْثَرُ اسْتِعْمالاً، والفُضُولُ في المَذْمُومِ. والفَضْلُ، إذا اسْتُعْمِلَ لزيادَةِ أحَدِ الشَّيْئَيْنِ على الآخَر، فَعَلَى ثَلاثَةِ أنواع: فَضْـلٍ مِنْ حَيْثُ الجِنْسُ، كَفَضْلِ جِنْسِ الحَيوانِ على جِنْسِ النَّباتِ. وفَضْلٍ مِنْ حَيْثُ النَّوْعُ، كَفَضْلِ الإنْسانِ على غَيْرِهِ مِنَ الحَيوانِ، وعلى هذا النحو قَولُهُ: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسرَاء: 70] إلى قوله {تَفْضِيلاً } [الإسرَاء: 70]. وفَضْلٍ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ، كَفَضْلِ رَجُلٍ على آخَرَ، فالأوَّلانِ جَوْهَرِيَّانِ لا سَبيلَ للناقِصِ فيهما أنْ يُزيلَ نَقْصَهُ، وَأنْ يَسْتَفيدَ الفَضْلَ، كالفَرَسِ والحِمارِ لا يُمْكِنُهُما أنْ يَكْتَسِبا الفَضيلَةَ التي خُصَّ بها الإنْسانُ. والفَضْلُ الثالِثُ قد يكونُ عَرَضِيّاً فَيُوجَدُ السَّبيلُ لاكْتِسابِهِ. ومن هذا النَّوْعِ التَّفْضِيلُ المذكورُ في قولهِ: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} [النّحل: 71]، {لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} [الإسرَاء: 12] يَعْني المالَ وما يُكْتَسَبُ، وقَولُـهُ {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النِّسَاء: 34] فإنـه يَعْني بما خُصَّ به الرَّجُلُ مِـنَ الفَضِيلَةِ الذَّاتِيَّةِ له، والفَضْلِ الذي أُعْطيهُ مِنَ المِكْنَةِ والمالِ والجاهِ والقُـوَّةِ. وقال: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعَضٍ} [الإسرَاء: 55]، {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ} [النِّسَاء: 95]. وكُـلُّ عَطيَّةٍ لا تَلْزَمُ مَنْ يُعْطي يقالُ لَها: فَضْلٌ، نحوُ قولِهِ: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النِّسَاء: 32]، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ} [المَائدة: 54]، {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } [الأنفَال: 29]، وعلى هذا قولهُ: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ} [يُونس: 58]، {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ} [النِّسَاء: 83].
فضو: الفَضاءُ: المَكانُ الواسِعُ، ومنه: أفْضَى بيَدِه إلى الأرض: مَسَّها بباطِن راحته في سجودِهِ، وأفْضَى إلى امرأتِه، في الكِنايَةِ، أبْلَغُ وأقْرَبُ إلى التَّصْريحِ مِنْ قولِهم: خَلا بها، وحقيقتُهُ أنه صارَ في فَضائها. {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } [النِّسَاء: 21] أي وكيفَ تَأْخذون المهر وقد وصَلَ بعضُكم إلى بعضٍ بالجِماعِ عملاً بعهد اللَّهِ في النِّكاح، وقولُ الشاعِرِ:
طَعامُهُمْ فَوْضَى فَضاً في رِحالِهم
أي مُخْتَلَطٌ ومُباحٌ، كأنه مَوْضُوعٌ في فَضاءٍ يفيضُ فيه مَنْ يُرِيدُه.
فطر: أصْلُ الفَطْر: الشَّقُّ طُولاً، وانْفطرَ الشيءُ انْفِطاراً: انْشَقَّ. قولهُ تعالَى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ } [الانفِطار: 1]، أي انشَقَّتْ وتقطَّعتْ، لأنّ الانفطارَ والانشقاقَ والانصداعَ كلها نظائرُ. وأما قولُه تعالَى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَانِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ } [المُلك: 3]، أي هلْ ترَى من اختلالٍ وَوَهْيٍ في خَلْقِ هذه السّماواتِ السبعِ فوقَ بعضِهنَّ. والفِطْرةُ: ابتداءُ الخِلقَة، قال ابنُ عبّاس: ما كنتُ أدري معنَى الفاطِرِ حتَّى احْتَكَمَ إليَّ أَعرابيَّان في بِئْرٍ، فقالَ أحدُهما: أنا فَطَرْتُها، ويقصدُ: ابتدأتُ حَفْرَها. وفَطَرَ اللَّـهُ الخلـقَ، أي أوْجَـدَهُ ابتـداءً مِنْ غيرِ احتذاءٍ على مثالٍ، أو على هيئةٍ مُتَرَشِّحَةٍ لِفِعْلٍ مِنَ الأفْعالِ.فقولهُ: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الرُّوم: 30] إشارَةٌ منه تعالى إلى ما فَطَرَ، أي أبْدَعَ. وفِطْرَةُ اللَّهِ: أي خلق الله تعالى ابتداءً. إذ خلق الله تعالى لهذا الإنسان ابتداءً جسده، وخلق فيه القدرة والعقل والغرائز والحاجات العضوية احتواءً، ثم هيّأ له الأسباب التي هي قوّة مكّنته أن يكون عاقلاً، وركّز فيه قدرةً على مَعْرفَةِ الإيمانِ، وهو المُشارُ إليه بقولهِ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزّخرُف: 87]، {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [فَاطِر: 1] وقال: {الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ } [الأنبيَاء: 56]، وقوله: {وَالَّذِي فَطَرَنَا} [طه: 72] أي أبْدَعَنا وأوْجَدَنا. ويَصِحُّ أن يكونَ الانْفِطارُ في قولهِ: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} [المُزّمل: 18]إشارَةً إلى قَبُولِ ما أبْدَعَها وأفاضَهُ علينا منه. والفِطْرُ: ترْكُ الصَّوْمِ، يقالُ: فَطَرْتُه وأفْطَرْتُه، وأفْطَرَ هو. وقيلَ لِلكَمْأَةِ: فُطْرٌ، منْ حَيْثُ إنَّها تَفْطِرُ الأرضَ فَتَخْرُجُ منها.
فظ: الفِظاظةُ: (بالكسر والضم) خشونةُ الكلام؛ والفَظُّ: السَّيِّىءُ الخُلُقِ، والفظُّ: ماءُ الكرش؛ والافتِظاظُ: شربُ ماءِ الكرشِ، وذلك مكْرُوهٌ لا يُتَنـاوَلُ إلاَّ فـي أشَـدِّ ضـرُورَةٍ لجفائِهِ من الطِّباعِ، فإنَّ أصل الفِظاظة: الجَفْوَة. وقوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ} [آل عِمرَان: 159] أي جافياً، سَيِّىءَ الخُلُقِ.
فعـل: الفِعْـلُ: التأثِيرُ مِنْ جِهَةِ مُؤَثِّر، وهو عامٌّ لِما كان بإجادَةٍ أو غَيْر إجادَةٍ، ولِما كان بعِلْمٍ أو غَيْرِ علْمٍ، وقَصْدٍ أو غَيْر قَصْدٍ، ولِما كان من الإنْسانِ والحَيوانِ والجَماداتِ. والعَمَلُ هو فِعلٌ مصحوبٌ بِنِيَّةٍ، والصُّنْعُ أخَصُّ منهما، كما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُما {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [البَقَرَة: 197]، {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْمًا} [النِّسَاء: 30]. وقوله: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المَائدة: 67] أي إنْ لم تُبَلِّغْ هذا الأمْرَ فأنْتَ في حُكْمِ مَنْ لم يُبَلِّغْ شَيئاً بوجْهٍ، والذي مِنْ جِهَةِ الفاعِلِ يقالُ له مفْعُولٌ ومُنْفَعِلٌ. وقد فَصَلَ بعضُهم بَيْنَ المَفْعولِ والمُنْفَعِلِ، فقالَ: المَفْعُولُ يقالُ إذا اعْتُبِرَ بِفِعْلِ الفاعِلِ، والمُنْفَعِلُ إذا اعْتُبِرَ قَبُولُ الفِعْلِ في نَفْسِه. قال فالمَفْعُولُ أعَمُّ مِنَ المُنْفعِلِ، لأنَّ المُنْفَعِلَ يقالُ لِما لا يَقْصِدُ الفاعِلُ إلى إيجادِه وإنْ تَوَلَّدَ منه، كَحُمْرَةِ اللَّـوْنِ مِـنْ خَجَلٍ يَعْتَري مِنْ رُؤْيَةِ إنْسانٍ، والطَّرَبِ الحاصِلِ عَنِ الغِناءِ، وتَحَرُّكِ العاشِقِ لِرُؤْيَةِ مَعْشُوقِه. وقيلَ لِكُلِّ فِعْلٍ انْفِعالٌ إلاَّ لِلإبْداعِ الذي هو من اللَّهِ تعالى، فذلك هو إيجادٌ عَنْ عَدَمٍ لا في عَرَضٍ وفي جَوْهَرٍ بَلْ ذلك هو إيجادُ الجَوْهَر.
فقد: الفَقْدُ: عَدَمُ الشيءِ بعْدَ وجُودهِ، فهو أخَصُّ مِنَ العَدَمِ، لأنَّ العَدَمَ يقالُ فيه، وفيما لم يُوجَدْ بَعْدُ. قال: {مَاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ} [يُوسُف: 71-72]. والتَّفَقُّدُ: التَّعَهُّدُ، لكنْ حَقِيقَةُ التَّفَقُّدِ تَعَرُّفُ فُقْدانِ الشيءِ، والتَّعَهُّدُ: تَعَرُّفُ العَهْدِ المُتَقَدِّمِ {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ} [النَّمل: 20]. والفاقِدُ: المرأةُ التي تَفْقِدُ ولَدَها أو بَعْلَها.
فقر: الفَقْرُ: يُسْتَعْمَلُ على أرْبَعَةِ أوجُهٍ. الأوَّلُ: وجُودُ الحاجَةِ الضَّرُورِيَّةِ، وذلك عامٌّ لِلإنْسانِ ما دامَ في دارِ الدُّنْيا، بَلْ عامٌّ لِلْمَوْجُوداتِ كُلِّها. وعلى هذا قَولُهُ: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} [فَاطِر: 15] وإلى هذا الفَقْرِ أشارَ بقولهِ في وصْفِ الإنْسانِ: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لاَ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [الأنبيَاء: 8]. والثاني: عَدَمُ المُقْتَنَيَات، وهو المذكورُ في قولِهِ: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا} [البَقَرَة: 273] إلى قولهِ: {مِنَ التَّعَفُّفِ} [البَقَرَة: 273]، {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النُّور: 32] وقولهِ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التّوبَة: 60]. الثالِثُ: فَقْرُ النَّفْسِ، والْيَدِ، المَعْنيُّ بقولهِ (ص): «كادَ الفَقْرُ أنْ يكونَ كُفْراً»(44). وهو المُقابَلُ بقولهِ «الغِنَى غِنَى النَّفْسِ» والمَعْنيُّ بقولِهم: مَنْ عَدِمَ القَناعَةَ لم يُفِدْهُ المالُ غِنًى. الرابعُ: الفَقْرُ إلى اللَّهِ، المشارُ إليه بما أثر عنه (ص) «اللَّهُمَّ أغْنِني بالافْتِقارِ إليكَ، ولا تُفْقِرْني بالاسْتِغْناءِ عنكَ» وإيَّاهُ عُنِيَ بقولهِ تعالى: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } [القَصَص: 24] وبهذا ألَمَّ الشاعِرُ فقالَ:
ويُعْجِبُني فَقْرِي إليكَ ولم يَكُنْ لِيُعْجِبَني لولا مَحَبَّتُكَ الفَقْرُ
ويقالُ: افْتَقَرَ، فهو مُفْتَقِرٌ وفَقِيرٌ. ولا يَكادُ يُقالُ: فَقَرَ وإن كان القياسُ يَقْتَضيه. وأصْلُ الفَقِيرِ: المَكْسُورُ الفِقار، يقالُ: فَقَرَتْه فاقِرَةٌ: أي داهِيَةٌ تكْسِرُ الفِقارَ، قوله تعالى: {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } [القِيَامَة: 25] أي تَعْلَمُ وتستيقِنُ أنَّهُ يُعملُ بها داهيةٌ تكسر فِقَارَ ظَهْرِها. وأفْقَرَكَ الصَّيْدُ فارْمِهِ: أي أمْكنَكَ مِنْ فِقارِهِ، وقيلَ: هو مِنَ الفُقْرَةِ، أي الحُفْرَةِ، ومنه قيلَ لِكُلِّ مخرَجِ ماءٍ من القناةِ: فَقِيرٌ. وفَقَّرْتُ لِلْفَسِيل: حَفَرْتُ له حَفِيرَةً وغَرَسْتُه فيها. وأفْقَرْتُ البَعِيرَ: ثَقَبْتُ خَطْمَهُ.
فقع: يقالُ: أصْفَرُ فاقِعٌ، إذا كان صادِقَ الصُّفْرَةِ كقولِهم: أسْوَدُ حالِكٌ {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا} [البَقَرَة: 69]. والفَقْعُ: ضَرْبٌ مِنَ الكَمْأةِ، وبه يُشَبَّهُ الذَّلِيلُ، فيقالُ: «هو أذَلُّ مِنْ فَقْعٍ بِقَرْقَرَةٍ» كمَثَلٍ للذليل على وجه التشبيه. والفُقَّاعُ: شرابٌ يُتّخذُ مِن الشعِير ويعرف بالجعَةِ. قال الخليلُ: سُمِّيَ الفُقَّاعُ لِما يَرْتَفِعُ مِنْ زَبَدِه، وفَقاقِيعُ الماء تشبيهاً به، واحدتُها: الفُقَّاعة.
فقه: الفِقْهُ: هو التَّوَصُّلُ إلى عِلْمٍ غائِبٍ بعِلْمٍ شاهِدٍ، فهو أخَصُّ مِنَ العِلْمِ {فَمَالِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا } [النِّسَاء: 78]، {فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } [التّوبَة: 87] إلى غَيْر ذلك من الآياتِ. والفِقْهُ: العِلْمُ بأحْكامِ الشَّريعَةِ، يقالُ: فَقُهَ الرجُلُ فَقاهة، إذا صارَ فقيهاً، وفَقِهَ: أي فَهِمَ فَقَهاً، وفَقِهَهُ: أي فَهِمَهُ، وتَفَقَّهَ: إذا طَلَبَ الفِقْهَ فَتَخَصَّصَ به وتعاطاه {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التّوبَة: 122].
فكر: الفِكْرَةُ: قُوَّةٌ مُطْرِقَةٌ لِلْعِلْمِ إلى المَعْلُومِ. والتَّفَكُّرُ: جَوَلانُ تِلْكَ القُوَّةِ بحَسَـبِ نَظَـر العَقْلِ، وذلك للإِنْسانِ دُونَ الحَيوانِ، ولا يقالُ إلاَّ فيما يُمْكِنُ أنْ يَحْصُـلَ له صُورَةٌ في القَلْبِ مِنْ حَيْثُ الانزعاجُ أوِ الاطمئنانُ، ولهذا رُوِيَ: «تَفَكَّرُوا في آلاءِ الله ولا تَفكَّرُوا في اللَّهِ»(45)، إذْ كانَ اللَّهُ مُنَزَّهاً أنْ يُوصَفَ بصُورَةٍ. قال: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً} [الرُّوم: 8]، {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} [الأعرَاف: 184]، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الرّعد: 3]، {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [البَقَرَة: 219-220]. ورجلٌ فِكِّيرٌ: كَثِيرُ التفكُّرِ. قال بَعْضُ الأدَباءِ: الفِكْرُ مَقْلُوبٌ عَنِ الفَرْكِ، لكنْ يُسْتَعْمَلُ الفِكْرُ في المَعانِي، وهو فَرْكُ الأمُورِ وبَحْثُها طَلَباً للوُصُول إلى حَقِيقَتِها.
فكك: الفكَكُ: التَّفْريجُ، وافتكَّ الرَّهْنَ من يَدِ المرتهنِ: خلَّصَهُ؛ وفَكُّ الرَّقَبَةِ، أي العبدِ: عِتْقُها، وقولهُ: {فَكُّ رَقَبَةٍ } [البَلَد: 13] قيلَ هو عتْقُ المَمْلُوكِ، وقيلَ: بَلْ هو عتْقُ الإنْسانِ نَفْسَه من عَذابِ اللَّهِ بالكَلِمِ الطَّيِّبِ والعَمَلِ الصَّالِحِ، وفَكُّ غَيْرِه بما يُفيدُه من ذلك. والثاني يَحْصُلُ للإِنْسانِ بَعْدَ حُصُولِ الأوَّلِ، فإنَّ مَنْ لم يَهْتَدِ فليس في قُوَّتهِ أنْ يَهْدِيَ كما بَيَّنّا في أكثر من مقام. والفَكَكُ: انْفِراجُ المَنْكِبِ عَنْ مَفْصِلِه ضَعْفاً. والفكَّانِ: مُلْتَقَى الشِّدْقَيْنِ. وقولهُ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ} [البَيّنَة: 1] أي لم يكونُوا مُتَفَرِّقِينَ، بَلْ كانُوا كُلُّهُمْ على الضَّلالِ، كقولهِ: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [البَقَرَة: 213] الآيَةَ. وما انْفَكَّ يَفْعَلُ كذا، نحوُ: ما زالَ يَفْعَلُ كذا.
فكه: الفاكِهَةُ: قيلَ هي الثِّمارُ كُلُّها، وقيلَ: بَلْ هي الثِّمارُ ما عَدا العنَبَ والرُّمَّانَ، وقائِلُ هذا كأنه نَظَرَ إلى اخْتِصاصِهِما بالذِّكْرِ وعَطْفِهِما على الفاكِهَةِ. {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ } [الواقِعَة: 20]، {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ } [الواقِعَة: 32]، {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا } [عَبَسَ: 31]، {فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ } [الصَّافات: 42]، {وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ } [المُرسَلات: 42]. والفُكاهَةُ بالضمّ: المزاح. والفَكاهة بالفتح: التلذُّذ والتنعمُّ. وقولهُ: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } [الواقِعَة: 65] أي تتأسفون وتتلاومون. اسمٌ من التَّفْكِيهِ والمزاح لانبساطِ النَّفْسِ، وهي حَدِيثُ ذَوي الأُنْسِ. والفاكهون: اللاَّهُون. والْفَكِهون: الْمَرِحُون الأَشِرون. وقوله تعالى: {انْقَلَبُوا فَكِهِينَ } [المطفّفِين: 31] أي رَجَعُوا لاهِينَ مَرِحينَ أشرين. وأما قوله تعالى: {فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ } [الطُّور: 18] فمعناه: متلذذون متنعمون. فهذا حديث ذوي الأنس والمرح والسرور.
فلح: الفَلْحُ: الشَّقُّ، ومنه المثل «إنَّ الحَديدَ بالحَدِيدِ يُفْلَحُ» أي يُشَقُّ ويُقْطَعُ. والفَلاَّحُ: سمّي بذلك لأَنَّهُ يَشُقُّ الأرضَ بالفِلاَحةِ، والفَلاحُ: الظَّفَرُ وإدْراكُ بُغْيَةٍ، أو النجاةُ والفَوزُ وذلك ضَرْبانِ: دُنْيَويٌّ وأخْرَوِيٌّ، فالدُّنْيَوِيُّ: الظَّفَرُ بالسَّعاداتِ التي تَطِيبُ بها الحَياةُ الدُّنْيا، وهو البَقاءُ والغِنَى والعِزُّ، وإيَّاهُ قَصَدَ الشاعِرُ بقولهِ:
أفْلِحْ بما شِئْتَ فقد يُدْرَكُ بالضَّعْفِ وقد يُخَدَّعُ الأرِيبُ
وفَلاحٌ أخْرَوِيٌّ، وذلك أرْبَعَةُ أشْياءَ: بَقَاءٌ بِلا فَناءٍ، وغِنًى بِلا فَقْرٍ، وعزٌّ بِلا ذُلٍّ، وعِلْمٌ بِلا جَهْلٍ. ولذلك قيلَ: «لا عَيْشَ إلاَّ عَيْشُ الآخِرَةِ». وقال: {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العَنكبوت: 64]، {أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [المجَادلة: 22]، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } [الأعلى: 14]، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } [الشّمس: 9]، {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } [المؤمنون: 1]، {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [البَقَرَة: 189]، {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } [المؤمنون: 117]، {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [المؤمنون: 102]، وقولهُ: {وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى } [طه: 64] فَيَصِحُّ أنهمْ قَصَدُوا به الفَلاحَ الدُّنْيَويَّ، وهو الأقْرَبُ. وسُمِّيَ السَّحُورُ: الفَلاحَ، ويقالُ: إنه سُمِّيَ بذلك لقولِهمْ عِنْدَهُ: حَيَّ على الفَلاحِ، وقولُهم في الأذانِ: حَيَّ على الفَلاحِ، أي على الظَّفَر الذي جَعَلَهُ اللَّهُ لَنا بالصَّلاةِ.
فلق: الْفَلْقُ شَقُّ الشَّيءِ وإبَانةُ بَعْضِهِ. يُقال: فَلَقْتُهُ فانْفَلَقَ. {فَالِقُ الإِصْبَاحِ} [الأنعَام: 96]، {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} [الأنعَام: 95]، {فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ } [الشُّعَرَاء: 63]. وقيلَ لِلْمُطْمَئِنِّ مِنَ الأرضِ بَيْنَ رَبْوَتَيْنِ: فَلَقٌ. وقولهُ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } [الفَلَق: 1] أي الصُّبْحِ: وقيلَ: الأنْهارُ المذكورةُ في قولهِ: {أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلاَلَهَا أَنْهَارًا} [النَّمل: 61] وقيلَ: هو الكَلِمَةُ التي عَلَّمَ اللَّهُ تعالى موسَى (ع) فَفَلَقَ بها البَحْرَ. والفِلْقُ: المَفْلُوقُ، كالنِّقْضِ لِلمَنْقُوضِ والنِّكْثِ للمَنْكُوثِ. وقيلَ: الفِلْقُ: العَجَبُ، والفَيْلَقُ: جَمْعُه فيالقُ: الجَيْشُ العَظِيمُ، والرَّجُلُ العَظِيمُ، وامرأةٌ فَيَلَقٌ: داهيةٌ صَخَّابَةٌ.
فلك: الفُلْكُ: السَّفِينَةُ، ويُسْتَعْمَلُ ذلك للواحِدِ والجمعِ {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ} [يُونس: 22]، {وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ} [البَقَرَة: 164]، {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ} [فَاطِر: 12]، {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } [الزّخرُف: 12]. والفَلَكُ: مَجْرَى الكَواكِبِ، وتَسْمِيتُهُ بذلك لكونِهِ كالفُلْكِ {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [يس: 40].
فلن: فُلانٌ وفُلانَةُ: كِنايَتانِ عَنِ الإنْسانِ. {لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً } [الفُرقان: 28] تنبيهاً أنَّ كُلَّ إنْسانٍ يَنْدَمُ على مَنْ خالَّه وصاحَبَهُ في تَحَرِّي باطِلٍ، فَيَقُولُ: لَيْتَني لم أخالَّه، وذلك إشارَةٌ إلى قوله: {الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ } [الزّخرُف: 67].
فند: التَّفْنيدُ: نِسْبَةُ الإِنْسانِ إلى الفَنَدِ، وهو ضَعْفُ الرَّأْيِ. {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَنْ تُفَنِّدُونِ } [يُوسُف: 94] قيلَ: لولا أنْ تُضَعِّفُوا رَأْيِي، أو لولا أَنْ تَلُومُونِي؛ والتّفنيدُ: التّكذيبُ، والفَنَدُ: الكَذِبُ، وفساد الرأي أو الرأي الخطأ.
يا صاحبيّ دعا لومي وتفنيدي فليس ما فات من أمرٍ بمردود
فنن: الفَنَنُ: الغُصْنُ المستقيمُ طولاً وعرضاً، والغَضُّ الوَرَقِ، وجَمْعُهُ أفْنانٌ. ويقالُ ذلك للنَّوْعِ مِنَ الشيءِ، وجَمْعُهُ فُنُونٌ. والفُنُونُ: جَمْعُ فَنٍّ، وَهُوَ تَعْبيرُ الفَنَّانِ بنتاجِهِ عَنْ مُثُل الجَمالِ الأكملِ، كفنِّ الشِّعْرِ، والمُوسيقى، وغَيْرِهما. وقولهُ: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } [الرَّحمن: 48] أي واسعتا الظِّلالِ، وقيلَ ذَواتا غُصونٍ وألْوانٍ مُخْتَلِفَةٍ.
فني: قال الله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } [الرَّحمن: 26]، أيْ كلُّ ما على الأَرضِ له حياةٌ مِنْ إنسانٍ أو حيوانٍ أو نباتٍ هو هالِكٌ، فانٍ. والفناء: انْتفاءُ الأَجْسامِ، وهُوَ خِلافُ البَقاءِ.
فهم: الفَهْمُ: هَيْئَةٌ للإِنْسانِ بها يَتَحَقَّقُ مَعانِيَ ما يَحْسُنُ ولذا، فهو لا يتعلق بالذواتِ بل بالمعاني، فيقالُ: عرفتُ زيداً لا فهمتُهُ. يقالُ: فَهِمْتُ كذا، أي عرفتُهُ بقلبي. قال: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبيَاء: 79] وذلك إما بأنْ جَعَلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِ قُوَّةِ الفَهْمِ ما أدْرَكَ به سليمان (ع) ذلك، وإمّا بأنْ ألْقَى ذلك في رَوْعِه، أو بأنْ أوحَى إليه وخَصَّه به. وأفْهَمْتُهُ، إذا قُلْتُ له حتى تَصَوَّرَهُ. والاسْتِفْهامُ: أنْ يَطْلُبَ مِنْ غَيْرِه أنْ يُفَهِّمَهُ.
فوت: الفَوْتُ: بُعْدُ الشيءِ عَنِ الإنْسانِ بحَيْثُ يَتَعَذَّرُ إدْراكُه {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ} [المُمتَحنَة: 11]، {لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} [الحَديد: 23]، وقوله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلاَ فَوْتَ} [سَبَإ: 51] أي فلا يَفوتُنِي منهم أحدٌ، ولا ينجُو منّي ظالمٌ. وجَعَلَ اللَّهُ رِزْقَه فَوْتَ فَمِه: أي حَيْثُ يَراهُ ولا يَصِلُ إليه فَمُه، والاِفْتِياتُ: افْتِعالٌ منه، وهو أنْ يَفْعَلَ الإِنْسانُ الشيءَ مِنْ دُونِ ائْتِمارِ مَنْ حَقُّهُ أنْ يُؤْتَمَرَ فيه. والتَّفاوُتُ: الاخْتلافُ في الأوصافِ، كأنه يُفَوِّتُ وصْفُ أحَدِهِما الآخَرَ، أو وصْفُ كُلِّ واحِدٍ منهما الآخَرَ. {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَانِ مِنْ تَفَاوُتٍ} [المُلك: 3] أي ليسَ فيها اختلاف أو تناقض أو ما يَخْرُجُ عَنْ مُقْتَضَى الحِكْمَةِ.
فوج: الفَوْجُ: الجَماعَةُ المارَّةُ المُسْرِعَةُ، وجَمْعُه أفْواجٌ. {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ} [المُلك: 8]، {فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ} [ص: 59]، {يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا } [النّصر: 2].
فور: الفَوْرُ: شِدَّةُ الغَليانِ، ويقالُ ذلك في النارِ نَفْسِها إذا هَاجَتْ، وفي القِدْرِ، وفي الغَضَبِ نحوُ: {وَهِيَ تَفُورُ } [المُلك: 7]، {وَفَارَ التَّنُّورُ} [هُود: 40].
ويقالُ: فارَ فُلانٌ مِنَ الحُمَّى، يَفُورُ. والفُوَارَةُ: ما تَقْذِفُ به القِدْرُ مِنْ فَوَرانِه، والفَوَّارَةُ: مَنْبعُ الماءِ، سُمِّيَتْ تشبيهاً بغَليانِ القِدْرِ. ويقالُ: فَعَلْتُ كذا مِنْ فَوْرِي، أي مِنْ فورِ كلِّ شَيْءٍ وهو أوَّلُهُ، أو: وأَنا في غَلَيَانِ الحالِ. وقيلَ: سُكُونِ الأمْر. {وَيأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا} [آل عِمرَان: 125] أي أنهم وَصَلُوا ما بعد المجيءِ بما قبلَهُ من غير لبثٍ.
فوز: الفَوْزُ: الظَّفَرُ بالخَيْرِ مَعَ حُصُولِ السَّلامَةِ. {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ } [البُرُوج: 11]، {فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [الأحزَاب: 71]، {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ } [الجَاثيَة: 30]، وفي آخَرَ: {الْعَظِيمُ } [التّوبَة: 72] {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } [التّوبَة: 20]. والمَفازَةُ: قيلَ سُمِّيَتْ تَفاؤُلاً للفَوْزِ، وسُمِّيَتْ بذلك إذا وصَلَ بها إلى الفَوْزِ، فإنَّ القَفْرَ كما يكونُ سَبَباً لِلهَلاكِ، فقد يكونُ سَبَباً لِلفَوْزِ، فَيُسَمَّى بكُلِّ واحِدٍ منهما حَسْبَما يُتَصَوَّرُ منه، ويَعْرِضُ فيه. وقال بعضُهمُ: سُمِّيتْ مَفازَةً من قولِهم: فَازَ الرجلُ يفوزُ فوزاً: ماتَ وهلَكَ، أو من فَوَّزَ تفويزاً: خَرَجَ من أرض إلى أرضٍ، كهاجَرَ، فإنْ يَكُنْ فَازَ بمَعْنَى هَلكَ صحيحاً فذلك راجِعٌ إلى الفَوْزِ تَصَوُّراً لِمَنْ ماتَ بأنه نَجا مِنْ حُبالَةِ الدُّنْيا، فالمَوْتُ وإنْ كان من وجْهٍ هُلْكاً، فَمِنْ وجْهٍ فَوْزٌ. ولذلك قيلَ: ما أحَدٌ إلاَّ والمَوْتُ خَيْرٌ له. هذا إذا اعْتُبرَ بحالِ الدُّنْيا، فأمّا إذا اعْتُبِرَ بِحالِ الآخِرَةِ فيما يَصِلُ إليه من النَّعِيم، فهو الفَوْزُ الكَبِيرُ {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عِمرَان: 185]. وقولهُ: {فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} [آل عِمرَان: 188] فهي مَصْدَرُ فازَ، والاسْمُ: الفَوْزُ، أي لا تَحْسَبَنَّهُمْ يَفُوزونَ ويَتَخَلَّصُونَ مِن العَذابِ. وقولهُ: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا } [النّبَإِ: 31] أي فَوْزاً، أي مَكانَ فَوْزٍ، ثم فُسِّرَ، فقالَ {حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا } [النّبَإِ: 32] الآيَةَ. وقولهُ: {وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ} [النِّسَاء: 73] إلى قولهِ: {فَوْزًا عَظِيمًا } [النِّسَاء: 73] أي يَحْرِصُونَ على أعْراضِ الدُّنْيا، ويَعُدُّونَ ما يَنالُونَهُ مِنَ الغَنِيمَةِ فَوْزاً عظيماً.
فوض: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} [غَافر: 44] أرُدُّه وأصيِّرُهُ إليه سبحانَهُ، وأَجْعَلُهُ الحاكمَ الحَكيمَ، وأصْلُه مِنَ التَّفْويضِ؛ ومعناه هنا: أُسَلِّمُ أمرِي إلى اللَّهِ رَبّي، وأتوكل عليه، وأعْتَمِدُ على لُطفِهِ ورحمتِهِ.
فوق: فَوْقُ: يُسْتَعْمَلُ في المكانِ والزمانِ والجِسْمِ والعَدَدِ والمَنْزِلَةِ، وذلك أنواع. الأوَّلُ: باعْتبارِ العُلُوِّ نحوُ: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الْطُّورَ} [البَقَرَة: 63]، {مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ} [الزُّمَر: 16]، {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا} [فُصّلَت: 10]، ويُقابِلهُ تَحْتُ، قال: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعَام: 65]. الثانـي: باعْتبـار الصُّعُودِ والحُدُورِ نحوُ قولهِ: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} [الأحزَاب: 10]. الثالِثُ: يقالُ في العَدَدِ، نحوُ قولهِ: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النِّسَاء: 11]. الرابِعُ: في الكِبَرِ والصِّغَرِ {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البَقَرَة: 26] قيلَ: أشارَ بقولهِ: فَما فَوْقَها إلى العَنْكَبُوت المذكورة في الآيَةِ، وقيلَ: مَعْناهُ ما فَوْقَها في الصِّغَرِ. ومَنْ قال: أرادَ ما دُونَها فإِنما قَصَدَ هذا المَعْنَى، وتَصَوَّرَ بعضُ أهْلِ اللُّغَةِ أنه يَعْنِي أنَّ فَوْقَ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى دُونَ فأخْرَجَ ذلك في جُمْلَةِ ما صَنَّفَهُ مِنَ الأضْدادِ، وهذا تَوَهُّمٌ منه. الخامِسُ: باعْتبارِ الفَضِيلَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، نحوُ {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [الزّخرُف: 32] أو الأُخْرَوِيَّةِ {وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [البَقَرَة: 212]، {فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [آل عِمرَان: 55]. السادسُ: باعْتِبارِ القَهْرِ والغَلَبَةِ، نحوُ قولهِ: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعَام: 18] وقوله عَنْ فِرْعَوْنَ: {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } [الأعرَاف: 127]. ويقال: فاقَ فُلانٌ غَيْرَهُ، يَفُوقُهُ فَوْقاً، إذا عَلاهُ، وذلك مِنْ (فَوْقِ) المُسْتَعْمَلِ في الفَضِيلةِ، ومِنْ (فَوْقُ) يُشْتَقُّ فُوْقُ السَّهْمِ. وسَهْمٌ أفْوَقُ: انْكَسَرَ فُوقُه. ويقال: من فوقُ، كقولهم: من بعدُ، ومن تحتُ. والإفاقَةُ: رُجُوعُ الفَهْمِ إلى الإنْسانِ بَعْـدَ السُّكْـر أو الجُنُون، والقُوَّةِ بَعْدَ المَرَضٍ. والإِفاقَةُ في الحَلْبِ: رُجُوعُ الدَّرِّ، وكُلُّ دَرٍّ يَجْتَمِعُ في الضَّرْعِ بعد الحَلْبَتيْنِ يقال له: فِيقَةٌ، ومنها قولُ الشاعر:
حتى إذا فِيقَةٌ في ضَرْعِها اجتمعت
ومثلُـهُ الفَـواقُ: هو مصدر، يقالُ «أنْظِرني فَواقَ ناقةٍ» أي قَدرَ ما بَيْنَ الحَلْبَتَيْنِ، وقد جَعَلوهُ ظَرْفاً على السَّعةِ؛ وقولهُ: {مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} [ص: 15] أي من راحَـةٍ تَرْجِعُ إليها، وقيلَ: ما لَها من رُجُوعٍ إلى الدُّنْيا، وقد تأتي بمعنى: صيحـةٍ عاجلـة لا تبلغ مدةَ لَبْثِ العائِدِ المُشَبَّهِ بزمانِ فَواقِ الناقة؛ وقيلَ: اسْتَفِقْ ناقَتَكَ أي اتْرُكْها حتى يَفُوقَ لَبَنُها. وفَوِّقْ فَصِيلَكَ: أي اسْقِهِ ساعَةً بَعْدَ ساعَةٍ.
فوم: الفُومُ: الحِنْطَةُ، وقيلَ هي الثُّومُ. يقالُ ثُومٌ وفُومٌ، كقولِهم: جَدَثٌ وجَدَفٌ. {وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا} [البَقَرَة: 61].
فوه: أفْواهٌ: جَمْعُ فَاهٍ، وأصْلُ فَاهٍ: فَوَهٌ، وهو الفَمُ، وكُلُّ مَوْضِعٍ عَلّقَ اللَّهُ تعالى حُكْمَ القَوْلِ على مجرَّدِ خروجِهِ من الفَمِ، فإشارَةٌ إلى الكَذِبِ، وتنبيهٌ أنَّ الاعْتِقادَ لا يُطابقُه، نحوُ: {ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} [الأحزَاب: 4]، {كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} [الكهف: 5]، {يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ} [التّوبَة: 8]، {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} [إبراهيم: 9]، {مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} [المَائدة: 41]، {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [آل عِمرَان: 167] ومن ذلك فَوْهَةُ النَّهْر، كقولِهم: فَمُ النَّهْر. وأفْواهُ الطِّيبِ: الواحِدُ فُوهٌ.
فيأ: الفَيءُ والفَيْئَةُ: الرُّجُوعُ إلى حالَةٍ محمودَةٍ {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحُجرَات: 9]، {فَإِنْ فَاءَتْ} [الحُجرَات: 9]، {فَإِنْ فَاءُوا} [البَقَرَة: 226] ومنه: أفاءَ الظِّلُّ بمعنى رَجَعَ، والفَيْءُ ما انصرفت عنه الشَّمسُ ولا يقالُ إلاَّ للرَّاجعِ منه {يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ} [النّحل: 48]. وقيلَ لِلغَنِيمَةِ التي لا يَلْحَقُ فيها مَشقَّةُ: فَيْءٌ. ومنه: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحَشر: 7]، {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} [الأحزَاب: 50] قال بعضُهم: سُمِّيَ ذلك بالفَيْءِ الذي هو الظِّلُّ، تنبيهاً أنَّ أَشرَفَ أعْراضِ الدُّنْيا يَجْري مَجْرَى ظِلٍّ زائِلٍ، قال الشّاعِرُ:
أرَى المالَ أفْياءَ الظِّلالِ عَشِيَّةً
وكما قال:
إنَّما الدُّنْيا كَظِلٍّ زائِلٍ
والفِئَةُ: الجَماعَةُ المُتَظاهِرَةُ التي يَرْجِعُ بعضُهم إلى بعضٍ في التّعاضُدِ. قال تعالى: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً} [الأنفَال: 45]، {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} [البَقَرَة: 249]، {فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا} [آل عِمرَان: 13]، {فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النِّسَاء: 88]، {فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ} [القَصَص: 81]، {فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ} [الأنفَال: 48]. وجمع فئة: فِئونَ وفِئاتٌ.
فيض: فاضَ الماءُ: إذا كَثُرَ وسالَ مُنْصَبّاً {تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [المَائدة: 83]. وأفاضَ إناءَهُ: إذا مَلأهُ حتى فَاضَ، وأفَضْتُه {أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ} [الأعرَاف: 50]. ومنه: فاضَ صَدْرُه بالسِّرِّ، أي باحَ به، أي أنه امتلأ بِهِ ولم يُطِقْ كتْمَهُ. ورَجُلٌ فَيَّاضٌ، أي سخِيٌّ وهَّابٌ، والإِفَاضَةُ: إجراءُ الماءِ مِنْ عُلْوٍ، ومنه اسْتُعِيرَ: أفاضُوا في الحَدِيثِ، إذا أَخَذُوا فيه مِنْ أوَّلِهِ. {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ} [النُّور: 14]، {هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ} [الأحقاف: 8] أي إن الله أعلم يما يقولون في القرآن ويخوضون فيه من التكذيب به والقول فيه أنه سحر {إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يُونس: 61]. وحَدِيثٌ مُسْتَفِيضٌ: مُنْتَشِرٌ. والفَيْضُ: الماءُ الكَثِيرُ، يُقالُ: إنه أعْطاهُ غَيْضاً مِنْ فَيْضٍ، أي قليلاً من كثيرٍ. وقولهُ: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} [البَقَرَة: 198] وقولهُ: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البَقَرَة: 199] أي اندَفَعْتُمْ منها بِكَثْرَةٍ، تشبيهاً بفَيْضِ الماءِ، أي تفرَّقْتُمْ كتفرُّقِ الماءِ الّذي يَنْصَبُّ من أعلى أو مِنَ الإِناءِ.
فيل: الفِيلُ: حَيَوانٌ كَبيرُ الحَجمِ يَتَميَّزُ بخُرْطومِهِ الطَّويلِ وكانوا يستعمِلونَهُ في الحُرُوبِ. جَمْعُه: فِيَلَةٌ وفُيُولٌ وأَفْيالٌ {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ } [الفِيل: 1]: ورَجُلٌ فَيْلُ الرأيِ، ورجُلٌ فَالُ الرأيِ وفَأْل الرأي، جميعها بمعنى واحد، أي ضَعِيفُه. والمُفايَلَةُ: لُعْبَةٌ يُخَبِّئُونَ بها شَيئاً في التُّرابِ، ويَقْسِمُونَهُ، ويَقُولُونَ: في أيِّها هو؟ والفائِلُ: عِرْقٌ في خُرْبَةِ الوَرِكِ، أو لَحْمٌ عليها.

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢